ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التقاليد
الإسلامية والتعددية الدينية ماهر
أبو منشار دندي،
المملكة المتحدة – هناك منظور
سائد في الإعلام اليوم بأن
الإسلام لا يدعم التعددية.
المُحزِن في الأمر أننا نسمع
أحياناً كيف يصعب على الأقليات
غير المسلمة أن تعيش بسلام
وتناغم في الدول الإسلامية. كما
عمل المتطرفون العنفيون الذين
يسيئون استخدام العقيدة
الدينية الإسلامية لتبرير
هجمات إرهابية على مفاقمة
الإجحافات ضد المسلمين. ويعتقد
الكثيرون اليوم أن المسلمين لا
يؤمنون بالتعددية والتنوع.
بالمقابل، يكشف لنا التاريخ أن
الإسلام، كما بشّر به القرآن
الكريم وجسدته حياة النبي محمد
(ص) وصحابته، يقبل فعلياً
بالتنوع ويحتفل به بل ويشجع
عليه. ويجب أن
نلاحظ أن تعبير "الأقلية"
لا مكان له في القانون
الإسلامي، ولا مكان له في
الشريعة الإسلامية التي ترتكز
على المبادئ الإسلامية، ولم
يستخدم المشرّعون هذا التعبير
أبداً. والواقع أنه ظهر في
المجتمعات الغربية التي
تستخدمه للتميز بين المجتمعات
العرقية. وحسب المبادئ
الإسلامية يحق لكل من يقيم في
دولة مسلمة أن يتمتع بنفس حقوق
المواطنة رغم الفروقات التي قد
تتواجد في دينه أو عدد سكان
المجموعة التي ينتمي إليها. وفي
العام 622 ميلادي، عندما هاجر
النبي محمد (ص) من مكة إلى
المدينة في شبه الجزيرة العربية
وباشر ببناء أول دولة إسلامية،
عمل على ضمان أن يتعايش سكانها
المسلمون وغير المسلمين بسلام
وتناغم. كانت هناك جالية يهودية
كبيرة في المدينة، واقترح النبي
(ص) اتفاقية تعاون بين المسلمين
وإحدى عشرة قبيلة يهودية، سميت
بميثاق المدينة، يقبله
المؤرخون والعلماء المسلمين
بشكل عام على أنه أول دستور دولة
جرت كتابته. وقد وضع
هذا الميثاق تفاصيل حقوق اليهود
على أنهم مواطنين من غير
المسلمين في الدولة الإسلامية.
نتيجة لذلك تمكّن النبي محمد (ص)
من إرساء قواعد مجتمع سياسي
متعدد العقائد والأديان في
المدينة المنورة مبني على
مجموعة من المبادئ العالمية.
وقد قُصِد بالقوانين التي جرى
وضعها في الميثاق الحفاظ على
السلام والتعاون وحماية الحياة
والممتلكات ومنع الظلم وضمان
حرية الدين والتنقل لكافة
السكان، بغض النظر عن انتمائهم
القبلي أو الديني. ويأتي
الانتماء إلى المجتمع قبل
الهوية الدينية، كما ورد
بالتفصيل في قوانين الدفاع
المشترك: "يتوجب على كل مواطن
أن يعاوِن الآخر ضد أي شخص يهاجم
السكان الذين تغطيهم هذه
الوثيقة". وقد
أظهرت معاملة النبي (ص) لأهل
الكتاب، وهم اليهود في هذه
الحالة، تسامحاً دينياً
وتعقّلاً. وقد أرسى الميثاق
قواعد نمط للعلاقة المستقبلية
بين المسلمين وغير المسلمين،
محدداً غير المسلمين كشركاء
متساويين مع السكان المسلمين. بعد
حوالي 15 سنة، وعندما احتل
المسلمون القدس من البيزنطيين،
أعطى الخليفة عمر بن الخطاب رضي
الله عنه سكانها، الذين كان
معظمهم من المسيحيين الأمان على
أنفسهم وممتلكاتهم وكنائسهم.
وتكتب مؤرخة بريطانية معروفة هي
كارين أرمسترونغ: "كان
الخليفة عمر صادقاً في الرؤية
الإسلامية الشمولية. بعكس
اليهود والمسيحيين، لا يحاول
المسلمون استثناء الآخرين من
قدسية مدينة القدس". ويبرز
ضمان الخليفة عمر لسلامة سكان
القدس كمثال هام للقادة في
المجتمعات متعددة العقائد
اليوم. وقد أثبت التاريخ أنه
عندما تمت ممارسة هذه الأمثلة،
جرت معاملة غير المسلمين بلطف
وعدالة. ولا
تقتصر هذه الأمثلة من التعايش
بين المسلمين وغير المسلمين على
زمن محدد أو مكان معين، وإنما
يُقصد أن يتم تطبيقها في كافة
الأماكن والأزمان. يضمن الدستور
الأردني اليوم على سبيل المثال
حرية العقيدة الدينية، ويتمتع
المسيحيون في الأردن، الذين
يشكلون غالبية غير المسلمين
هناك، بحوالي 10 بالمائة من
المقاعد البرلمانية، ولهم نسبة
مماثلة على كافة المستويات
الحكومية والمجتمعية. وتجري
حماية أماكنهم المقدسة
وممتلكاتهم وممارساتهم الدينية
من أي نوع من التدخل من قبل
الدولة. أدت
الوقائع الثقافية والاجتماعية
في العديد من المجتمعات ذات
الغالبية الدينية إلى انتهاكات
لحقوق غير المسلمين في الزمن
المعاصر. إلا أن نظرة إلى
التاريخ الإسلامي تثبت أن
السبيل إلى التفاهم المتبادل
والتسامح لا تخرج عن جوهر
الإسلام، بل على العكس، يتوجب
على المجتمعات الإسلامية، حتى
يتسنى لها إعادة إحياء روح
الشمولية، أن تنظر إلى القرآن
الكريم وتكرر النموذج الذي
وضعه. تشكل
الرؤية الشمولية، وستبقى تشكل
دائماً، الملاذ الأمين الوحيد
لأتباع الديانات الأخرى في
المجتمع الإسلامي. ــــــــــــ *
الدكتور ماهر أبو منشار محاضر
في دراسات القدس الإسلامية
بجامعة أبردين، ومؤلف "القدس
الإسلامية ومسيحيوها: تاريخ من
التسامح والتوترات" دار IB
Taurus
للنشر، 2007). هذا
المقال جزء من سلسلة حول
التعددية في المجتمعات ذات
الغالبية الإسلامية، وقد كُتب
لخدمةCommon Ground
الإخبارية. مصدر
المقال: خدمة Common Ground
الإخبارية، 24 تموز/يوليو 2009 تم
الحصول على حقوق نشر هذا المقال. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |