ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
معاناة
المسلمين في لعبة الأمم محمد
السمّاك يتألف
مجلس الأمن الدولي من خمس دول
تتمتع بالعضوية الدائمة. وهذه
الدول هي الولايات المتحدة
الأميركية وفرنسا وبريطانيا
والاتحاد الروسي والصين. ومن
المحزن والمقلق معاً أن تكون
لكل واحدة من هذه الدول مشكلة مع
العالم الاسلامي. فللولايات
المتحدة مشكلة 11 أيلول 2001 وما
بعدها. ويعني ما بعدها، تداعيات
احتلال أفغانستان، واجتياح
العراق وتهديد ايران. وفوق ذلك
كله الدعم اللامحدود عسكرياً
وسياسياً ومالياً لاسرائيل. ولفرنسا
مشكلة استيعاب أكثر من خمسة
ملايين مسلم من دول شمال
افريقيا، ومن الدول الافريقية
الاخرى التي كانت فرنسا احتلتها
لعقود طويلة. وما مشكلة الحجاب،
ثم البرقع، سوى فقاقيع تطفو على
السطح من وقت لآخر لتعكس حالة
غليان عميق في البنية
الاجتماعية الفرنسية. ولبريطانيا
مشكلة التفجيرات الارهابية
التي استهدفت قطار الأنفاق
وشبكة المواصلات في العاصمة
لندن. واذا كان التفجير الذي وقع
في نيويورك وواشنطن قد قام به
"اسلاميون" تسللوا من
الخارج الى الولايات المتحدة،
فان التفجير الذي وقع في لندن
ارتكبه "اسلاميون" من
الذين ولدوا في بريطانيا ومن
الذين يحملون جنسيتها. وفي ذلك
مؤشر خطير على فشل كل مشاريع
التذويب والاستيعاب التي
اخضعوا لها حتى الآن. وللاتحاد
الروسي الذي يضم أكثر من 20 مليون
مسلم، مشكلة مع الشيشان، أو
مشكلة في الشيشان. ولعل انضمام
موسكو بصفة مراقب الى منظمة
المؤتمر الاسلامي، خفّف من قوة
التعاطف الاسلامي مع الحركة
الانفصالية الشيشانية، وأضعف
بالتالي من هذه الحركة. ولم يكن
للصين من مشكلة مع العالم
الاسلامي، حتى انفجرت الأحداث
الدامية في سنكيانغ، أي الحدود
الجديدة. وقد سميت هذه المنطقة
من الصين بذلك لأنها آخر منطقة
ضُمّت الى الدولة الصينية
الحديثة. فماذا
يعني ان تكون علاقات العالم
الاسلامي مع الدول الخمس
الدائمة العضوية في مجلس الأمن
الدولي مشوبة بالتوتر
والاضطراب وعدم الثقة؟. هل طُرح
مثل هذا السؤال على اجتماعات
قمة منظمة المؤتمر الاسلامي أو
وزراء خارجيتها؟. وهل جرى
التفكير في النتائج التي تنعكس
على مصالح العالم الاسلامي
مجتمعاً، وعلى دوله منفردة من
جراء ذلك؟. وهل هناك من يواكب
مسيرة التوظيف الاسرائيلي لهذا
الواقع وأثره في عملية اتخاذ
قراراتها السياسية من الصراع
الدامي مع الفلسطينيين ومن
مبادرات أو من مشاريع التسوية
السياسية؟ من
الطبيعي ان يتعاطف الرأي العام
الاسلامي مع معاناة الأفغان
والباكستانيين والعراقيين
والفلسطينيين. ومن الطبيعي
أيضاً ان يتألم لما يتعرّض له
شعب الأويغور في سنكيانغ ومن
قبل الشعب الشيشاني في الشيشان.
ولكن ما هي الضوابط السياسية
للتعاطف الانساني والديني؟.
وكيف يمكن قطع الطريق أمام
توظيف هذه المعاناة في لعبة
الأمم؟. كأن تستغلّ الولايات
المتحدة مثلاً، قضية الشيشان
للضغط على روسيا في منطقة
القوقاز؟ وقضية الأويغور
لابتزاز الصين في آسيا الوسطى؟
أو أن توظف الصين المحنة التي
تعاني منها أفغانستان
والباكستان لكبح جماح تمدد
النفوذ الهندي في آسيا؟ ان
التاريخ حافل بالدروس والعبر ففي عام
1827 مثلاً تحالفت بريطانيا
وفرنسا وروسيا ضد السلطنة
العثمانية بحجة وضع حدّ لمعاناة
الشعب اليوناني الذي كان يطالب
بالاستقلال (مثل الشيشان
والأيغور اليوم). وحشدت الدول
الثلاث أساطيلها في خليج
نافارين، حيث وقعت آخر معركة ما
قبل استخدام البخار في السفن
الحربية والتجارية، وتمكنت من
استثمار التطلعات الاستقلالية
لليونانيين لتوجيه ضربة قاصمة
الى العثمانيين الذين كانوا
المنافسين الأشداء لهذه الدول. وكان
لبنان مسرحاً لمثل هذه العملية
في عام 1860. فبذريعة الاشتباكات
الطائفية بين مسيحيي لبنان
والدروز في الجبل، قام تحالف
جمَعَ بين فرنسا وبريطانيا
والنمسا وروسيا وحتى هولندا،
تحت عنوان الدفاع عن مسيحيي
الشرق. وأرسلت هذه الدول قوات
رمزية الى جانب القوات الفرنسية
لاحتلال لبنان والهيمنة عليه،
وفرض نظام المتصرفية الذي لوى
ذراع النفوذ العثماني فيه، وفي
المنطقة كلها. واستكمالاً
لهذه المهمة وظفت مجزرة تعرّض
لها البلغار على يد القوات
العثمانية في عام 1876 للهجوم على
أطراف الامبراطورية واقتطاع
اجزاء منها من آسيا الوسطى حتى
أوروبة. اما المجزرة فكانت مجرد
رواية لصحفي أميركي من أصل
ايرلندي زَعَمَ فيها ان القوات
العثمانية قتلت 12 ألفاً من
البلغار، الأمر الذي كان
المنطلق للتحرك البريطاني في
الغرب، والروسي في الشرق. وهكذا
فانه تحت غطاء التدخل "لأسباب
انسانية" تتوسع دول على حساب
اخرى. وتلوى ذراع قوى لتمد قوى
اخرى أّذرعتها الأخطبوطية في كل
اتجاه. فبحجة القضاء على نظام
الرئيس السابق صدام حسين الذي
اتسم بطابع ديكتاتوري وتعسفي،
واستبداله بنظام ديموقراطي،
كان غزو العراق الذي أدّى الى
مقتل اكثر من مليون عراقي، والى
تمزيق الوحدة الوطنية طائفياً
ومذهبياً وعنصرياً. وما يجري
الآن في أفغانستان تحت شعار
التخلص من حركة الطالبان
المتحجرة لا يختلف عما حدث في
العراق. من أجل ذلك فان السؤال
الذي يفرض ذاته هو: من يضمن عدم
توظيف معاناة الشعب الشيشاني ضد
روسيا، كما سبق أن وظّفت معاناة
الشعب اليوناني ضد
الامبراطورية العثمانية؟ ومن
يضمن عدم توظيف معاناة شعب
الأويغور ضد الصين، كما وظفت
معاناة الشعب العراقي ضد حاكمه
السابق؟ ان من
السذاجة الاعتقاد بأن الدول
تذهب الى الحروب من أجل قضايا
انسانية واخلاقية. ويؤكد ذلك،
المواقف الأميركية والأوروبية
التي تجاهلت تماماً المجازر
المروعة التي وقعت في رواندا
بافريقيا في التسعينات من القرن
الماضي. كما يؤكده، التحرك
المتأخر جداً في البوسنة
والهرسك حيث تعرّض المسلمون
هناك الى أبشع عملية ابادة
جماعية منذ الحرب العالمية
الثانية على حدّ وصف المؤرخين
الأوروبيين أنفسهم. فقوات
حلف شمال الأطلسي لم تتحرك الا
بعد أن هزّت صور المقابر
الجماعية الضمائر ولم يعد
ممكناً تجاهلها وهي تُرتكب في
قلب القارة الأوروبية. وجاء
التحرك المتأخر لكبح الحركة
العنصرية الصربية التي كانت
تتطلع الى اقامة دولة صربيا
الكبرى. وكان من شأن قيام مثل
هذه الدولة اقامة سدّ عنصري بين
شرق أوروبة وغربها، كما كان من
شأنها فرض حالة صدام دائم مع
الأقليات العديدة في البلقان..
وما حدث بعد ذلك في كوسوفو يقع
في هذا الاطار كذلك. فالتدخل
العسكري لدول الأطلسي لم يكن
كرمى لعيون المسلمين، ولكنه كان
استجابة لحسابات استراتيجية
تتعلق بمصالح دول الحلف الأطلسي
في الدرجة الأولى. وقد وظفت
معاناة المسلمين البوسنيين ثم
الكوسوفيين لخدمة هذه المصالح. من هنا
أهمية أن يطرح العالم الاسلامي
على نفسه السؤال الكبير وهو كيف
يمكن اصلاح علاقاته مع الدول
الخمس الكبرى الدائمة العضوية
في مجلس الأمن الدولي؟. وكيف
يمكن وقف تراجع هذه العلاقات
وتدهورها؟ وكيف يمكن ضبط ردود
الفعل الاسلامية وهي ردود فعل
مبرّرة وضرورية- على الانتهاكات
التي تتعرّض لها حقوق المسلمين
كأقليات في مجتمعات الدول
الكبرى؟. وكيف يمكن الدفاع عن
هذه الحقوق من دون الإمعان في
الاساءة الى العلاقات والمصالح
المشتركة مع الدول المعنية؟.
ومن دون تمكين هذا الطرف الدولي
أو ذاك من استغلالها في لعبة
الأمم؟ ـــــــــــ المصدر
: المستقبل – 27/7/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |