ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سلام
الخريف! جهاد
الرنتيسي لا تخلو
خواتم جولة مبعوث السلام
الأميركي جورج ميتشيل في
المنطقة من مفاتيح تصورات
مستقبل العملية السلمية،
وتحركات لملمتها، و وضعها على
السكة، رغم تضارب المؤشرات،
والتأويلات، المبنية على
التصريحات حمالة الأوجه،
وتراكم الإحباطات والفشل، وقلق
الانتظار، ومنحى المغامرة الذي
تأخذه تطورات الأحداث. وبقدر
ما تحمل التصورات المتاحة من
احتمالات نجاح وفشل ، وما
تواجهه من صعوبة في تحديد
السيناريوهات المقبلة ، تنطوي
على قدر لا باس به من المعطيات
التي يمكن البناء عليها ، للحد
من حالة الارباك التي تمر بها
المنطقة ، واستبعاد عامل
المفاجأة . ابرز
هذه المؤشرات ادراك الاطراف
المعنية بعملية السلام
المنشودة لصعوبة الوفاء
بالاستحقاقات اللازمة للوصول
الى نتائج ، ومخاطر التلكؤ في
التجاوب مع التفاعلات السياسية
للتحركات الاميركية . ففي
المرحلة الراهنة يلازم شعور
المغامرة العواصم العربية وهي
تتعاطى مع الاحتمالات
المتضاربة . والواضح
ان هناك ثوابت لهذا الادراك ،
تتمثل في الشعور باهمية عامل
الوقت ، الذي باتت خطورته
مرتبطة ، الى حد كبير ، بمخاوف
التفريط بامكانية الوصول الى حل
ما دون الحد الادني في ظل
استمرار سياسة فرض الامر الواقع
الاسرائيلية ، وصعوبة التعايش
مع مرحلة ما بعد ضياع الحل ،
والخشية من التجاوب مع المطلوب
لانجاح رغبة الرئيس الاميركي
باراك اوباما في التوصل الى حل
شامل ودائم . من بين
هذه الثوابت ايضا ان احتمالات
النجاح والفشل تبدو متوازية ،
ما دامت مرتهنة لقدرة الاطراف
المعنية على تقديم تنازلات
جوهرية ، تمس الذهنيات ، في
منطقة مشدودة الى الماضي ، تحكم
علاقة شعوبها بالمكان منظومات
تفكير دينية ، مما يبقي هذه
الاطراف والوسيط النزيه في حالة
من التطير . كما
يزيد فشل محاولات اعادة توحيد
الفلسطينيين بضفتهم وقطاعهم من
حدة المأزق العربي . فمن غير
المعقول جني الثمار الموعودة
للتطبيع في ظل غياب الطرف
الفلسطيني القادر على الالتزام
بما يتم الاتفاق عليه ، الامر
الذي تحاول السلطة الوطنية
الفلسطينية التقليل من اهميته
،وهي تتحدث عن الخريف المقبل ،
باعتباره السقف الزمني لحسم
احتمالات فشل ونجاح الجهود ،
التي تبذلها الادارة الاميركية
لتحريك عملية سلام حقيقية ،
تنتهي بتسوية تاريخية ، تضع حدا
للصراع ، وتوفر الامن
والاستقرار للمنطقة
. ولا يقل
حرج موقف الوسيط الاميركي الذي
يحاول ان يكون نزيها قدر
المستطاع عن الحرج الذي تواجهه
المواقف العربية المعنية بشكل
مباشر او غير مباشر بملف عملية
السلام ، والموقف الاسرائيلي
الذي يحاول الموازنة بين الوضع
الداخلي ومتطلبات السياسة
الخارجية . فالقناعة
التي دفعت الرئيس اوباما لوضع
معظم بيضه في سلة عملية السلام ـ
التي بات نجاحها ضرورة للمصالح
الاميركية في المنطقة ـ تبقي
ادارته قلقة من احتمالات الفشل . وادراك
البيت الابيض لضرورة تحقيق
نجاحات قبل فقدان الرئيس اوباما
زخم شعبيته يعطي مزيدا من
الاهمية لعامل الوقت في ذهن
الادارة الاميركية المثقل
بالاجندات الدولية
. فالتدخلات
المباشرة التي قام بها الرئيس
اوباما خلال الاسابيع الماضية
الى جانب الجولات المكوكية التي
يقوم بها المبعوثين الاميركيين
الى المنطقة تعيد الى الاذهان
انهماك الرئيس الديمقراطي
السابق بيل كلنتون بعملية
السلام في اواخر فترته الرئاسية
. هذه
التدخلات ، التي لا تقتصر على
الرسائل الموجهة من اوباما الى
القادة العرب ، وتحثهم فيها على
خطوات ملموسة تجاه التطبيع مع
اسرائيل ، يفسرها السقف الزمني
المحدد لاطلاق المبادرة
الاميركية للسلام ، والذي لن
يتجاوز الشهرين على ابعد تقدير .
والسقف
الزمني المحدد لاطلاق المبادرة
، واحد من عدة اسقف ، بينها الـ 18
شهرا المحددة لوصول المفاوضات
الفلسطينية ـ الاسرائيلية
المتوقع ان يتم اطلاقها في وقت
لاحق الى تسوية . كما
يندرج الاجتماع الدولي
التمهيدي المقرر عقده لاطلاق
المبادرة الاميركية في اطار
الاسقف الزمنية التي يجري
الحديث حولها . الا ان
ضبط حركة سياسية غير منضبطة
الايقاع تحت هذه الاسقف الزمنية
لا يبدو مستوعبا لدى طبقات
سياسية عديدة في المنطقة سواء
كانت في الحكم او المعارضة . ويزيد
من صعوبة استيعاب هذه الاوساط
التي تتابع التطورات الداخلية
الاميركية ـ بشغف لا يقل عن
اهتمامها بالوضع الداخلي
الاسرائيلي ـ تسارع حركة اليمين
الاميركي الهادفة الى وضع العصي
في دواليب مبادرة الرئيس اوباما
وتحركات ميتشل ، والتي
تساهم فيها كبريات الصحف ومراكز
الدراسات ، وبلغت ذروتها بترويج
معلومات حول تقاعد المبعوث
اللبناني الاصل قبل نهاية العام
. غياب
قدرة هذه الطبقات السياسية على
استيعاب حدوث تطورات
دراماتيكية ، في ظل العقبات
التي تعترض ضبط ايقاع الحركة
السياسية ، تحت الاسقف الزمنية
التي حددها اوباما ، يساهم في
التشكيك بقدرة الادارة
الاميركية على المضي قدما في
مبادرتها . ويعيد
تدني الثقة بقدرة الادارة
الاميركية على تحريك عملية
السلام ، باتجاه الوصول الى
تسوية ، انتاج حالة القلق ، الى
الحد الذي يغذي التردد ، الضابط
لايقاع حركة النظام الرسمي
العربي ، والذي يعيق التعاطي
الجاد مع التحرك الاميركي . فلم
يتوان النظام الرسمي العربي عن
ارسال اشارات واضحة بقبول
الدعوات الاميركية الى
اتخاذ خطوات تطبيعية مع اسرائيل
مقابل وقف الاستيطان . الا ان
هذه الاشارات بقيت خجولة ولم
ترق الى الخطوات الحقيقية التي
تريدها الادارة الاميركية
لاغراء الجانب الاسرائيلي بها . والواضح
ان هناك محاذير ما زالت تحول دون
تلبية رغبة الادارة الاميركية
يعود بعضها الى اسباب ذاتية
والاخر الى اسباب موضوعية . فيما
يتعلق بالاسباب الذاتية يعتقد
صناع السياسة في العالم العربي
ـ واعتقادهم محكوم بطبيعة
العلاقة بين الانظمة والشعوب في
المنطقة ـ ان الاوضاع الداخلية
في بلادهم لا تسمح بخطوات سريعة
نحو التطبيع . وفي بلد
مثل الاردن تأخذ الاسباب
الذاتية شكل العقدة المركبة ،
فهي تتجاوز افتقار الفعل
التطبيعي الى قاعدة شعبية ، الى
الخشية من افرازات التسوية التي
يمكن ان تكون مضاعفة بسبب
التركيبة السكانية . الا ان
هذه الخشية لا تبرر استمرار
دوران اسطوانة التحذير من
التوطين ودعوات نزع المواطنة عن
مواطنين بكل ما في هذه
الاسطوانة من شروخ ونغمات نشاز
تشوه الذوق وتحاول توجيه الراي
العام نحو اتجاهات تكرس النعرات
وحالة الاحتقان وتهدد السلم
الاهلي . وحين
يتعلق الامر بالاسباب
الموضوعية للتردد الرسمي
العربي تجاه اتخاذ خطوات عملية
للتطبيع تشجع نتنياهو على خطوات
تطمينية تطفو على السطح خشية
رسمية عربية مشروعة من عدم
الحصول على مقابل في حال اتخاذ
خطوات تطبيعية . امام
هذه الخشية يجد الجانب الاميركي
نفسه معنيا بتقديم تطمينات
للنظام الرسمي العربي بقدر
حاجته لتوفير اغراءات للجانب
الاسرائيلي تقنعه بثمن التوقف
عن الاستيطان ومصادرة الاراضي .
وبسلوكها
السياسي تعزز حكومة اليمين
الاسرائيلي حالة الحرج
الاميركي والقلق العربي . فالظاهر
من الممارسات اليومية لرئيس
الحكومة الاسرائيلية بنيامين
نتنياهو وطاقمه الوزاري يصعب
ادراجه خارج سياقات محاولة فرض
الامر الواقع والتهرب من عملية
السلام . وفي هذا
السياق تندرج سياسة مصادرة
الاراضي وبناء المستوطنات ،
وتهويد القدس ، وتحديد الخطوط
العريضة للدولة الفلسطينية
بالمقاييس الاسرائيلية . ففي
زيارته الى الجانب الاخر من جسر
الملك حسين تحدث نتنياهو عن
تحويل الضفة الغربية الى دبي . قلة من
السياسيين العرب توقفت عند مغزى
حديث صاحب نظرية الحل الاقتصادي
عن نموذج دبي في الوقت الذي
يجوب المبعوثون الاميركيون
المنطقة . كما يصب
اكثار اركان الحكومة
الاسرائيلية في الحديث حول حروب
مقبلة مع ايران وحزب الله في
قناة اعادة خلط الاوراق
بالطريقة التي يمكن ان تعيد
الجهود الاميركية الى المربع
الاول . ولا شك
في ان هذه المعطيات ستكون ماثلة
امام اوباما وهو يضع اللمسات
الاخيرة على مبادرته لتلقي
بظلالها على مجمل التحركات
الاميركية المقبلة . ــــــــ المصدر
: المعهد الوارف للدراسات
الإنسانية 3/8/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |