ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
من
يطفش حقّاً من مصر؟ فهمي
هويدي حينا
بعد حين تتوافر لدينا القرائن
الدالة على أن شواغل الرئيس
مبارك لا تتيح له قراءة الصحف
المصرية. وهي ذات القرائن التي
تؤيد ما يتردد في دوائر النخبة
من أن الذين يذهبون للقاء
الرئيس ينبه عليهم قبل الدخول
بعدم إزعاجه بالمعلومات
والأخبار التي لا تسر الخاطر،
ومن ثم ينصحون بأن يكون حديثهم
مقصورا على الأخبار المريحة،
التي تبعث على السرور
والاطمئنان. لا
أستبعد أن تكون نتائج الاستطلاع
الذي قيل إن الحزب الوطني أجراه
مؤخرا من جنس المعلومات
المرغوبة. ذلك أنه تحولت إلى
نشرة أخبار وردية عبرت عن
ازدياد ثقة الناس في الحكومة
التي تعمل بتوجيهات الرئيس.
وتحدثت تلك النتائج عن التحسن
النسبي في مستوى المعيشة
والدخل، وفي خدمات الصحة
والتعليم ومياه الشرب وتوفير
الخبز المدعوم، إضافة إلى
الاقتناع السائد بزيادة هامش
الحرية في المجتمع. إلى غير ذلك
من الخلاصات الدالة على أن
الناس في بر مصر ينظرون إلى
المستقبل بشكل أكثر تفاؤلا. لست أشك
في أن هذه النتائج حققت مرادها
في إراحة الرئيس وطمأنته إلى أن
الأوضاع مرضية، وأن مضمونها أكد
ما تردده الأبواق الرسمية عن «أزهى
العصور» التي بات يرفل فيها
الشعب المصري، في ظل استرشاده
بحكمة الرئيس واحتمائه بقانون
الطوارئ. دعك من
الشك في طبيعة العينة التي سئلت
في الاستطلاع، وهل كانت من بين
عناصر الحزب الوطني أم لا. دعك
أيضا من الحيرة التي تنتاب قارئ
الصحف حين يطلع على تلك
النتائج، ثم يقع في صحف أخرى على
نتائج معاكسة لاستطلاعات
مؤسسات دولية، اعتبرت أن الشعب
المصري بين أكثر شعوب العالم
سخطا على حكومته وعدم رضاء عن
أحواله، فربما قيل إن تلك
مؤسسات مشبوهة تحركها الغيرة
مما بلغته مصر من إنجاز وزهو. لكن ما
يلفت نظرنا أنه في ذات اليوم
الذي نشرت فيه صحيفة «الأهرام»
نتائج استطلاع الحزب أبرزت
العناوين الرئيسية للصفحة
الأولى تصريحات للرئيس مبارك
حول بعض القضايا الداخلية، إذ
طالب وزير الصحة بضرورة توفير
الأدوية لعلاج الفقراء، وشدد
على أهمية توفير مياه الشرب
للمواطنين. كما حذر من «تطفيش»
رجال الأعمال بإطلاق الشائعات
حولهم، في حين أنهم يقومون بدور
مهم في دفع عجلة التنمية. أدري أن
هذه التصريحات صدرت عن الرئيس
بعد أيام قليلة من فضيحة محافظة
القليوبية التي اختطلت فيها
مياه الشرب بالمجاري، مما أدى
إلى انتشار التيفود بين
الأهالي، لكن الملاحظة الأهم
أنها جاءت بعد 28 عاما من تولي
الرئيس مبارك للسلطة. ورغم أن
خطابات عدة له ألمحت إلى
الاهتمام بالفقراء وتوفير
الخدمات المختلفة لهم، إلا أنه
من الواضح أنها لم تؤخذ على محمل
الجد. ولم يحط الرئيس علما بذلك.
فلم يبلغه أحد بالحقيقة ولم
تمكنه شواغله من الاطلاع على ما
تنشره الصحف من أخبار وتقارير
عن تدهور الخدمات التي تقدم
لشعب المحروسة. وقفت في
تصريحات الرئيس عند امتداحه
لرجال الأعمال وتحذيره من «تطفيشهم»
رغم أن الجميع يعرفون أنهم
الوحيدون الذين يشعرون بأن
البلد يعيش «أزهى العصور». ذلك
أن الخبر الذي لم يقرأه الرئيس
أن الذي يطفش حقا من مصر هم شباب
الأجيال الجديدة، الذين ضاقت
بهم سبل الحياة. ولم يصدقوا
استطلاعات الحزب الوطني، ولا
الأخبار المغشوشة التي تصدر عن
المسؤولين ويسوقها الإعلام
الرسمي. فتسابقوا على مغادرة
البلد إلى حد التضحية بحياتهم
للوصول إلى شواطئ أوروبا بحثا
عن الأمل الضائع. فغرق منهم
الكثير ونجا آخرون. هل يعقل
أن يكون الخبر نقل خطأ إلى مسامع
الرئيس، فقيل له إن الذين «يطفشون»
هم رجال الأعمال «الغلابة» هربا
من شعب مصر المفتري الذي لا يكف
عن الغمز في قناتهم والتلسين
عليهم؟ ــــــــ المصدر
: صحيفة الرؤيه الكويتيه 6/8/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |