ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإسلام دين القوة بقلم
عصام العطار لا
أريدُ ولا أستطيعُ في هذهِ
الكلمةِ المختصرةِ أنْ أُلِمَّ
بكلّ معاني القُوّةِ
ودلالاتِها في مجالاتِ العلمِ
والفكرِ والأدبِ والفنِّ ،
ومجالاتِ الحياةِ المختلفةِ ،
فذلك ما يحتاجُ إلى اختصاصاتٍ
متعدّدةٍ ، وما لا يَفي بهِ
كتابٌ كامل ولا
أريدُ أن أتحدثَ عن القوّة في
الإسلامِ في مختلف
تَجَلِّياتِها في جوانبه
المختلفة ، فذلك أيضاً بحثٌ
طويل ، وليسَ هو المقصود في هذا
المقال ، وسَأَقْتَصِرُ هنا على
بعضِ معاني القوّةِ كما جاءتْ
في القرآنِ الكريم ، وفي بعضِ
الحديثِ الشريف فالقوّةُ
-كما جاء في معجمِ ألفاظِ
القرآنِ الكريم- هِيَ القدرةُ
الماديّةُ أو المعنويّةُ ، قال
تعالى : ) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ ... (
[ الأنفال : 60] والقوة
أيضاً : الْجِدُّ وصِدْقُ
العزيمة ، قال تعالى : ) ... خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ
بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا
فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( [ البقرة : 63] والْقَوِيُّ
: القادِرُ ، قال تعالى : ) ... وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ
لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (
[ الحج : 40] وقال : ) ... إِنَّ خَيْرَ مَنِ
اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الأَمِينُ (
[ القصص : 26] والقويُّ
اسمٌ من أسماءِ اللهِ الحسنى : ) ... إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (
[ هود : 66] نَعَم ،
الإسلامُ بالمعاني المتقدّمة
دينُ قُوّةٍ ، أو دينُ القوّةِ ،
وهو يدعو المؤمنين به إلى أن
يَأخُذُوا بأسْبابِ القوةِ
ويكونوا - أُمّةً وأفراداً -
مِنَ الأقوياء في كل مجال من
مجالات الحياة ، ورسولُ الله
صلى الله عليه وسلم يقول : «
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ
وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ
الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي
كُلٍّ خَيْرٌ » رواه مسلم والقوّةُ
بالمعاني المتقدّمة لا
يَسْتَغْني عنها فردٌ ولا
مجتمعٌ ولا أُمّةٌ تريدُ أن
تعيشَ حرّة كريمة ، وأن تتقدّم
في ميادين البناء والعطاء ؛
فالإنسانُ دونَ قُوّةٍ
وقُدْرَةٍ لا يستطيعُ أن
يُحَقِّقَ لنفسهِ أو لغيرهِ
خَيْراً ، ولا أن يدفع شرّاً ،
ولا أن ينجز عملا . الإشكالُ أن
القوةَ تُغْرِي أصحابَها أو
تجرُّهم إلى الطغيانِ
والعدوانِ فتكونُ شرّاً بَدَلَ
أن تدفعَ الشرّ ، وفساداً بدل أن
تساعد على الصلاح والإصلاح ،
وهذا ما ينبه إليه ويحذر منه
الإسلام ) كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ
لَيَطْغَى أَنْ
رَآَهُ اسْتَغْنَى ( [ العلق : 6-7] ) فَأَمَّا عَادٌ
فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا
مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ
اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ
هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً
وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا
يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا
فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ
لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ
الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ
الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا
يُنْصَرُونَ ( [ فصلت : 15-16] ) ... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا
أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى
وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ
سَبِيلَ الرَّشَادِ ( [ غافر : 29] ) ... مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرِي ... (
[ القصص : 38] ) ... أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ( [ النازعات : 24] لكن
القوة والقدرة في الإسلامِ
وعندَ المسلمينَ الواعينَ
الصادقينَ الملتزمينَ
بالإسلامِ مُبَرَّأَةٌ من
غُرورِ القوّةِ وطُغْيانها
ومفاسدِها ومساوئها .. بمقدار ما
يمكن أن تبرأ نفس بشرية من هذه
الآفات القوةُ
والقدرةُ في الإسلامِ إنّما هي
بالدرجة الأولى قوةٌ إيمانية
خلقية معنوية تَضْبِطُ النفسَ
حتى لا تَطْغَى ، وحتى تكونَ
قوتُها وقدرتُها في خدمةِ
الحقِّ والعدلِ والتسامحِ
والعفوِ والإحسان ) ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ ( [ آل عمران : 134] ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ
إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ
الأُمُورِ (
[ الشورى : 43] ) وَمَا خَلَقْنَا
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ
بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ
لآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ
الْجَمِيلَ (
[ الحجر : 85] ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ ( [ النحل : 90] وهكذا
فالقوة في الإسلام ليست خطراً
على البشر وعلى القيم العليا
وحقوق الإنسان -كما يَتّهِمُها
المفترونَ الظالمونَ - ؛ لكنّها
- عندما يَتَحَقَّقُ الإسلامُ
في النفوس علماً وفهماً وشعوراً
وسلوكاً - ضمانةٌ للبشر وللقيم
العليا وحقوق الإنسان وهنالك
أمرٌ جَوْهَرِيٌّ يجبُ أن
يعرفَهُ ويفهَمه المسلمون
وغيرُ المسلمين : القوةُ
في الإسلامِ ليستْ شيئاً
مُنْفَلِتاً مُنْفَصِلاً عن
سِواهُ من المبادئِ والعناصرِ
والصفاتِ الإسلاميّةِ الأُخرى
؛ وإنما هي جزءٌ من منظومةٍ
متكاملةٍ تتحرّكُ في نِطاقِها
ومِنْ خِلالِها ، فلا تكونُ
إلاّ كريمةَ الأهدافِ
والوسائلِ سَديدَةَ الْخُطَى ،
مقترنةً بالعلمِ والحكمةِ
والرحمةِ والمغفرةِ والعطاء ،
وما يَسْتَأهِلُ الحمدَ من
المواقف والأعمال ولقد
كنت لاحظتُ قبلَ عشراتِ السنينَ
وأنا أقرأُ القرآنَ الكريمَ
مَدَى الترابُطِ والتكاملِ
بينَ صفةِ القوةِ والصفاتِ
الإسلاميّةِ الأُخرى فاسمُ
اللهِ تعالى (العزيز) - على سبيل
المثال - وهو يَدُلُّ على غايةِ
القوةِ ، فالعزيزُ معناه :
الغالِبُ القويُّ الذي لا
يُغْلَبُ ، والقاهرُ القويُّ
الذي لا يُقْهَر .. يَأْتي
مُقْتَرِناً باسمٍ من أسمائهِ
وصفاتهِ الآتية : -
العليم
فهو :
العزيزُ العليم -
الحكيم فهو
: العزيزُ
الحكيم -
الرحيم فهو
: العزيزُ
الرحيم -
الغفور فهو :
العزيزُ الْغَفُور -
الغفّار
فهو :
العزيزُ الغَفَّار -
الوهاب فهو :
العزيزُ الوهّاب -
الحميد فهو
: العزيزُ
الحميد - ذو
انتقام وهو
: عزيز
ذو انتقام(1)
وهو : العزيز الجبار المتكبر(2) والمؤمنون
مطلوبٌ إليهم ، ومحمودٌ منهم ،
أن يتخلَّقوا بإخلاقِ ربِّهِم
وصفاتهِ التي هي ليستْ من خصائص
أُلُوهيّته ورُبُوبيته وحدها ..
فالمؤمن القويّ لا بدَّ أن
تقترن قوتُه بعلمه وحكمته
ورحمته ، وأن تتحرك من خلال علمه
وحكمته ورحمته وبقيةِ ما تقدّم
من صفات ، إلاّ ما اخْتصَّ
باللهِ وحدَه كما قدمت ، وهذا
يحمي القوةَ في الإسلامِ من
تكونَ قوةً جاهلةً عمياءَ
رَعْنَاء ، أو قوةً باغيةً
قاسيةً مُدَمِّرَة ، تصنع
الشرَّ ولا تصنع الخير ، كما
كانتْ - وكما لا تزال - عندَ دولِ
الاستعمارِ والاستغلالِ
والاستكبارِ في القديم والحديث
نعم ، الإسلام دين القوة ،
ولا يتعارضُ ذلك مع قولنا في
المقال السابق : الإسلامُ دينُ
الرحمة ؛ فالقوةُ والرحمة في
الإسلام يتكاملان ولا يتعارضان
، وعندما تلتقي القوة والرحمة
يكون لقاؤها خيراً للإنسانية
والإنسان ، والحياة والأحياء ـــــــــ (1)
ذو انتقام : أي : يعاقب بعدله من
عصاه . (2)
الجبروتُ والكبرياء من الصفات
الخاصة بالله وحده . ــــــــ المصدر
: http://www.iid-alraid.de ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |