ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أوباما
أمام المحك بقلم:
د. فوزي الأسمر إستطاع
بنيامين نتنياهو أن يضع الكرة
في ملعب الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، بعد أن رفض كل مطالب
الإدارة الأمريكية الداعية إلى
تجميد بناء أو توسيع المستعمرات
اليهودية على
الأراضي الفلسطينية، وعدم
تغيير معالم مدينة القدس
العربية، تمشيا مع خارطة الطريق
التي سبق وقبلتها إسرائيل،
وغيرها من المطالب. وتعتقد
إسرائيل واللوبي الصهيوني في
امريكا أنهما سجلا إنتصارا على
الرئيس ألأمريكي، كالعادة
في مثل هذه الأحوال. ومع ذلك
يمكن القول أن قادة إسرائيل
يتجاهلون حقيقة التغيير الذي
حدث لدى المجتمع الأمريكي، وأن
حقيقة موقف
أوباما نابع من مصالح أمريكية،
وليس من أجل مصلحة عربية، وتعرف
إسرائيل إن
أي تنازل أمريكي
معناه فشل في سياسة أوباما
الخارجية في الشرق الأوسط، فهل
مستعد الرئيس الأمريكي لمثل هذا
الفشل؟! فتزايد
غطرسة إسرائيل نابع أيضا بسبب
المواقف العربية. فهناك مواقف
عربية صامتة،
والصمت معناه قبول الأمر الواقع.
وهناك مواقف عربية
متحركة تريد أن تتماشى من
مطالب أمريكا وفي كلا الحالتين
تصب في خانة عدم الجدوى وتعطي
إسرائيل المزيد من القوة
والغطرسة. فإدارة
أوباما لم تطالب الدول العربية
رسميا (علنا على الأقل) أن تقدم
بعض التنازلات لإسرائيل مقابل
قبولها تجميد البناء في
المستعمرات اليهودية على
الأراضي الفلسطينية، كون أنها
تعرف أن هذه المستعمرات جميعها
غير شرعية ويجب
إزالتها كليا. إلا أن بعض الدول
العربية تحركت في هذا الإتجاه.
فقد نشرت صحيفة "هآرتس"
(14/8/2009) تقول أن الولايات
المتحدة قد أخبرت إسرائيل أن
دولة قطر وسلطنة عمان على
إستعداد لإعادة فتح السفارة
الإسرائيلية ومكتب المصالح
الإسرائيلي، إذا ما جمدت
إسرائيل البناء في المستعمرات. وقامت
حركة "فتح" في مؤتمرها
السادس الذي عقد في مدينة بيت
لحم في أوائل شهر آب/ أغسطس 2009
بإنتخاب ما سمتهم بالوجوه
الجديدة في لجنتها المركزية:
"هذه الوجوه المعروفة
بمواقفها المعتدلة من ناحية
مسيرة السلام
وأنهم على إستعداد
للإستمرار في هذه المسيرة. ولكن
مشكلة مسيرة السلام ليست مشكلة
وجوه فلسطينية جديدة، بل الحجج
التي تخترعها حكومة إسرائيل كي
تأجل المفاوضات". (هآرتس
16/8/2009). بمعنى
آخر فقد فصّلت حركة "فتح"
ثوبا على قياس إسرائيل، لتغريها
في قبول الموقف الأمريكي وتجميد
المستعمرات وتعود لطاولة
المفاوضات. إلا أن هذا الموقف
رفضته إسرائيل، وكانت صحيفة
"هآرتس" هي التي وضعت
النقاط على الحروف كما أسلفنا. فهذا
الغرور الإسرائيلي نابع من شعور
أن على العالم، بما فيه
الولايات المتحدة، أن يقبل كل
مواقف إسرائيل، ومطالب
الجاليات اليهودية، مهما كانت
قبيحة بسبب المجزرة التي لحقت
باليهود على أيدي النازيين إبان
الحرب العالمية الثانية. فقد صرح
بذلك أكثر من زعيم إسرائيلي.
ولكن مقولة
غولدا مائير رئيسة وزراء
إسرائيل كانت واضحة ومباشرة.
فبعد إنتهاء محاكمة النازي
أدولف أيخمان في إسرائيل عام 1962
قالت مائير: "الآن وبعد أن عرف
الجميع ماذا فعلوا بنا، يحق لنا
أن نفعل كل شيء، ولا يوجد حق لأي
شخص أن ينتقدنا أو أن يقول لنا
ماذا يجب أن نفعل" (كررتها
هآرتس في عددها يوم 14/8/2009). وفي نفس
العدد من "هآرتس" جاء ما
قاله مناحيم بغين في أعقاب
الهجوم الجوي الكبير على بيروت
إبان حرب لبنان الأولى: "لا
يحق لأية دولة من الدول التي
حاربت في الحرب العالمية
الثانية أن تحدثنا عن
الأخلاقيات. إن هذه الدول لم
تحرك ساكنا لإيقاف قتل وإبادة
اليهود". هذه
الغطرسة وتبرير الإجرام الذي
تقوم به إسرائيل لم يقتصر على
قادة إسرائيليين بل كانت هناك
تصريحات مماثلة من أيلي فازيل
الذي حصل على جائزة نوبل بسبب
مؤلفاته عن اليهود في الفترة
النازية. ولكن من أهم الكتب التي
نشرت حول موضوع الغطرسة
الصهيونية كان كتاب "الوقاحة"
(هحوتسبه) لإلن درشوفيتس وهو
صهيوني متعصب يستغل منصبه
كمحاضر للقانون الدولي في جامعة
"هارفرد" لترويج هذه
الأفكار. وقد جاء كتابه
المذكوركصدى لما قالته غولدا
مائير، حيث قال أنه يحق لليهودي
أن يكون وقحا بسبب ما حصل له على
أيدي النازيين ولا يحق لأحد
الإعتراض على ذلك. إن فكرة
اليهودي بأنه
"الضحية" وأن "العالم
كله ضده" هي التي دفعت حكومات
إسرائيل إلى التصرف بغطرسة،
ودفعت بنيامين نتنياهو أن يتصرف
بالشكل الذي تصرف فيه مع الرئيس
الأمريكي أوباما. ولكن
لدى أوباما مقدرة، إذا أراد،
لمواجهة التحدي
الإسرائيلي/ الصهيوني لأنه
ينتمي إلى شريحة شعبية عرفت
معنى العبودية والإضطهاد
والمآسي، فأجداد زوجته ميشيل
جاؤوا عبيدا إلى أمريكا ليعملوا
في مزارع البيض. فالجميع
ينتظر خطاب أوباما في شهر أيلول/
سبتمبر القادم أمام الدورة
العادية للجمعية العامة للأمم
المتحدة، حيث من المقرر (حسب ما
جاء في بعض وسائل الإعلام
الأمريكية) أن يطرح مبادرة
أمريكية سياسية والتي قد تتضمن
مخططا لإتفاق فلسطيني ـــ
إسرائيلي. والذي
يقلق إسرائيل في هذه الحالة أنه
لغاية الآن لم يجر أي تنسيق
معها، كما كانت العادة مع
الإدارات السابقة. والذي يزيد
من قلقها هو أن تطرح الولايات
المتحدة مشروعها أمام مجلس
الأمن الدولي وتمرره (معاريف
16/8/2009). وإذا ما حدث ذلك فإنها
ستكون المرة الأولى التي تطرح
فيها الولايات
المتحدة موقفا
على العالم بالنسبة للشرق
الأوسط. وبرهنت إسرائيل عن
قلقها هذا بإرسال مستشار رئيس
وزرائها إسحاق ملوخو إلى واشنطن
في محاولة منها "إحتواء"
الأمر. لقد
أصبح واضحا للجميع أن الحل في
الشرق الأوسط لا يمكن أن يحدث
إلا بوضع ضغط حقيقي على إسرائيل.
فموقف الدول العربية يتماشى مع
الموقف الأمريكي والمبادرة
العربية وضعت النقاط على
الحروف، وسيكون الموقف العربي
قويا إذا ما تمسكت الدول
العربية ببنود المبادرة
جميعها، ولا تقد أية تنازلات
لإسرائيل. فإسرائيل
تعرف أن كل الحجج التي تقدمها
لمنع الوصول إلى حل تتساقط
واحدة بعد
الأخرى. فمنذ وصول أوباما إلى
الحكم وبعد خطابه في جامعة
القاهرة توقف القصف الصاروخي من
غزة على المدن والمستعمرات
الإسرائيلية، والعمليات
العسكرية من الضفة الغربية
متوقفة منذ فترة، وإنتخابات "فتح"
وضعت واجهة الشخصيات الموافقة
على حل الدولتين والعودة إلى
طاولة المفاوضات، وتم إسقاط بند
الكفاح المسلح من مقرارات مؤتمر
"فتح" الأخير، وقال سلام
فياض أن في إستطاعت إسرائيل أن
تسمي دولتها ما تشاء، طالما أن
العرب سيعترفون بكيان سياسي،
وفوق كل ذلك هناك المبادرة
العربية. فإذن
الصورة من الجانب الفلسطيني
والعربي مكتملة بالنسبة لمطالب
أمريكا. ويبقى
أن يعيد الرئيس الأمريكي أوباما
الكرة إلى الجانب الإسرائيلي،
وأن يضع
ضغطا أساسيا على إسرائيل، وسيرى
أن شعوب العالم، بما فيها الشعب
الأمريكي، والتي سئمت التصرفات
الإسرائيلية، والصراع المستمر
منذ عشرات السنيين، تقف إلى
جانبه. وبدون ضغط أمريكي حقيقي
على إسرائيل لن ترى منطقة الشرق
الأوسط سلاما. وفي هذه الحالة
تبقى المعادلة الناصرية قائمة:
"ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير
القوة". ــــــــــــ *كاتب
وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن ــــــــ المصدر
: أمين 18/8/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |