ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 29/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حينما يكون التنسيق مع إيران ضرورة وجود

سمير كرم

هي حالة استثنائية تماما.. اجتماع أو مؤتمر يدعى اليه العرب وهم حريصون جميعا ـ المعتدلون والممانعون على السواء ـ على ان تحضره اسرائيل. انها حالة المؤتمر الدولي للأمن النووي الذي تعتزم ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الدعوة الى عقده في آذار /مارس 2010 . والمشكلة هي ان ادارة الرئيس اوباما لا تزال مترددة في دعوة اسرائيل لحضور هذا المؤتمر. ليس لان العرب يمكن ان يعترضوا على حضورها بل لان ثمة «مخاوف من ان تتعرض اسرائيل في هذا المؤتمر للنقد والمساءلة».

لماذا هذه الخشية؟

لان اسرائيل ستكون اكثر من اي دولة اخرى في المؤتمر، بل في العالم، عرضة لان توضع في قفص الاتهام من جانب المؤتمرين بسبب سياسة الغموض النووي، وأكثر من هذا بسبب رفضها التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، مع العلم بأن إيران ـ على الرغم من كل ما تتعرض له من ضغوط بسبب «طموحها النووي» ـ هي من الدول الموقعة على هذه المعاهدة، كذلك الحال بالنسبة لسوريا، وبالنسبة لمصر والسعودية والدول العربية المرشحة لان يكون لها طموح نووي.

الولايات المتحدة ـ ممثلة في ادارة الرئيس اوباما ـ تخشى ان تتعرض اسرائيل للنقد والمساءلة من دول المؤتمر الدولي للامن النووي بشأن ترسانتها النووية التي لا تزال من الناحية الرسمية سرا اسرائيليا يحاط بألف حظر. وقصة العالم النووي الاسرائيلي فانونو، الذي قضى في السجن 18 عاما ولا يزال حبيس اسرائيل بعد ان امضى مدة الحكم كاملة، لا يستطيع ان يخرج الى اي مكان في العالم ولا ان يتحدث الى اي اعلام عربي، او بريطاني، وهو ما فعله قبل نحو ربع قرن وأسفر عن اختطافه من قبل المخابرات الاسرائيلية ومحاكمته وإدانته لانه قال لصحيفة «صنداي تايمز» البريطانية ان اسرائيل تملك ترسانة نووية مؤلفة من عدد من الرؤوس النووية لا يقل عن 200 رأس... هذه القصة لا تزال ماثلة في الأذهان بتفصيلاتها.

ولقد أصبح واضحا ـ على مدى نصف قرن ـ ان الولايات المتحدة تعتبر الترسانة النووية الاسرائيلية سرا استراتيجيا وأمنيا أميركيا يحظر الكلام عنه من قبل المتحدثين الرسميين الأميركيين بالدرجة نفسها من الحرص الذي تراعى به السرية في إسرائيل ذاتها. ويبدو ان هذا ينطبق اليوم على ادارة اوباما كما انطبق على كل الادارات التي توالت على السلطة في الولايات المتحدة منذ زمن جون كيندي.

مع ذلك فإن خبرة العمل في الحقل الإخباري في الولايات المتحدة تضيف شيئا مهما. ان بعض المسؤولين الاميركيين يسمحون لانفسهم ـ إذا ما قرر الواحد منهم ان يدافع عن الترسانة النووية الإسرائيلية ـ بأن يقولوا جملة واحدة هي ان الولايات المتحدة تعتقد اعتقادا جازما بأن اسرائيل دولة مسؤولة وأنه حتى مع افتراض امتلاكها سلاحا نوويا فإن من المستبعد ان تتهور فتتخذ قرارا وتنفذ هذا القرار بأن تستخدمه ضد اي عدو لها، بصرف النظر عن علاقة هذا العدو بالولايات المتحدة وأهميته للاستراتيجية الأميركية او للاقتصاد الاميركي.

هذه هي القاعدة التي تركن اليها الولايات المتحدة في التعامل مع ـ او بالاحرى في التغافل عن ـ الترسانة النووية الاسرائيلية. وهي قاعدة هشة للغاية، لا تصمد لاي فحص دقيق او حتى عابر. من ناحية لان امتلاك السلاح النووي مع ضمان بنسبة 100 بالمئة أن لا يستخدم يلغي وجوده تماما، ومن ناحية اخرى لان اسرائيل ليست على قدر يوحي بالثقة بإمكان التردد فضلا عن الإحجام عن استخدام اي سلاح مهما كانت فداحة تأثيراته. اتضح هذا في حروبها جميعا من استخدام سلاح المذابح في حرب 1948 وما قبلها، وفي حروب 1956 و 1967 و 1973 ... حتى الحرب على لبنان في صيف 2006 والحرب على غزة في شتاء 8ـ2009 . في كل هذه الحالات لم تكن اسرائيل تواجه خطرا وجوديا. وفي المرة الوحيدة التي تصورت انها تتعرض لخطر وجودي ـ وكان ذلك في ذروة الهجوم العربي في حرب تشرين /اكتوبر 1973 ـ لم تتردد اسرائيل في التوجه الى ترسانتها النووية وإعداد مفاتيحها ووضع يدها على الزناد النووي. وكان هذا احد المبررات التي سيقت للجسر الجوي بالأسلحة والمعدات الأميركية إلى إسرائيل، والذي تمكنت به من عكس نتائج الحرب بأن عبرت قناة السويس الى الجانب الغربي وحاصرت الجيش الثالث المصري في طرف سيناء.

ومن الناحية التاريخية فإن إسرائيل أثبتت نزوعا إلى الانتحار في حالة مواجهة خطر لا تستطيع التصدي له. وقد أطلق اسم «الماسادا» على عقدة الانتحار الجماعي في مواجهة خطر جسيم. وكانت الماسادا القلعة اليهودية الأخيرة في مواجهة الحصار الروماني في الحرب ضد اليهود، وبمجرد سقوط أورشليم (القدس) في أيدي الرومان وهدمهم الهيكل (في عام 70 قبل الميلاد) وقعت الماسادا تحت الحصار وطلب من حاميتها اليهودية الاستسلام، ولكن الحامية ـ وكان بين أفرادها نساء وأطفال ـ اتخذت قرارا بالانتحار الجماعي ... وكان ما وجده الرومان فور دخولهم القلعة (يوم 15 نيسان /ابريل 73 قبل الميلاد) هم جميع المدافعين عنها قتلى منتحرين عدا سبع نساء اختبأن في قناة مائية ليروين ما حدث.

لم يكن بمتناول المحمية اليهودية في الماسادا سلاح للتدمير الشامل يوازي في ذلك الزمان قوة السلاح النووي سوى الانتحار. وليس هناك إذاً مبرر لذلك الاعتقاد الأميركي برجاحة العقل الإسرائيلي في دولتهم الحديثة وقد توفر لهم سلاح إبادة شامل ضد أعدائهم.

وسياسة الولايات المتحدة المشاركة في إخفاء خطر الترسانة النووية الإسرائيلية معناها انه مطلوب من العرب ان لا يخافوا من هذا الخطر النووي الإسرائيلي، بينما يحق لاسرائيل ان تخشى ـ وتخشى معها الادارة الاميركية ـ خطر النقد والمساءلة إذاً هي حضرت المؤتمر الدولي للامن النووي في آذار/ مارس القادم. وهذه معادلة اخطر في دلالاتها من المعادلة الأميركية الاخرى التي تطلب من العالم ـ والعرب في المقدمة ـ أن يخافوا من طموح إيران النووي أكثر مما يخافون من ترسانة إسرائيل النووية. ان يخافوا من فرضية لم تثبت صحتها إلى الآن، وأن لا يخافوا من واقع أصبحت اسرائيل نفسها لا تنكره، مستفيدة منه في ردع خصومها (...)

ان الاحتمال الاكبر ان لا تدعو الولايات المتحدة اسرائيل الى هذا المؤتمر ... ولكنها ـ حتى في هذه الحالة ـ لن تكون قادرة على حجب مسألة الترسانة النووية الإسرائيلية عن مؤتمر دولي مهمته الأولى والأساسية هي البحث في البعد الدولي للأمن النووي. والسؤال الآن هل ترضى الدول العربية ـ معتدلوها وممانعوها على السواء ـ بالاكتفاء بطرح موضوع القوة النووية الإسرائيلية أمام المؤتمر في غياب اسرائيل لمجرد تجنيب اسرائيل والولايات المتحدة الحرج؟ ام انه يتعين على الدول العربية ـ حتى وإن اقتصر ذلك على الممانعين ـ ان تمارس اقصى ما يمكنها من ضغوط من الآن حتى وقت انعقاد المؤتمر لحمل اسرائيل على الحضور ومواجهة الانتقادات والمساءلات والتساؤلات، بل والاتهامات؟

وثمة سؤال آخر يفرض وجوده على هذا المؤتمر: هل تدعى ايران؟ وهل تبني ايران موقفها ـ بالحضور او الامتناع عنه ـ بناء على حضور إسرائيل او غيابها؟

يكاد يكون في حكم المؤكد ان تصمم الولايات المتحدة على حضور ايران .. للسبب نفسه الذي يجعلها تتردد في دعوة اسرائيل. وهو الرغبة في ان تتعرض ايران للنقد والمساءلة. وسيكون لدى ايران من المبررات في غياب اسرائيل ما يسمح لها وهي مرتاحة الضمير بأن تتغيب عن المؤتمر. لكن من المؤكد انه سيكون لدى ايران ايضا من المبررات ما يجعلها تحرص على حضور المؤتمر، لان حضورها يكشف عورة الغياب الاسرائيلي ويحرم اسرائيل من دوافع شن الهجمات الدعائية على ايران حتى وإسرائيل غائبة.

وإذا كان حضور اسرائيل ـ من منظور عربي ـ امرا ضروريا لانه يتعلق بالامن الاستراتيجي العربي في مواجهة الخطر الاسرائيلي المتمثل في امتلاكها اسلحة دمار شامل نووية وكيماوية ـ ولانه يتعلق بالمثل بالامن الاستراتيجي الايراني في مواجهة هذا الخطر الاسرائيلي، الا ان من الممكن تصور وضع

أفضل من هذا وذاك.

هذا الوضع الامثل هو قيام تنسيق كامل وفعال بين الدول العربية وإيران بصدد اتخاذ موقف موحد في هذا المؤتمر في ما يتعلق بإسرائيل وترسانتها النووية وخطرها على الامن الاقليمي والدولي، وبصدد اتخاذ موقف عربي ـ ايراني موحد في المؤتمر في ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة وازدواج معاييرها إزاء الملف النووي الايراني وإزاء الترسانة النووية الاسرائيلية.

هل يمكن للعرب والإيرانيين ان ينسقوا في ما بينهم سياسة واحدة في المؤتمر الدولي بشأن الأمن النووي؟

قد لا يكون هذا امرا سهلا ـ بحضور الضغوط الاميركية على دول نظام الاعتدال العربي ـ لكنه ليس مستحيلا.

يتعين على الدول العربية أن تجرب الضغط على الولايات المتحدة والاقتراب من إيران. قد يكون هذا في البداية تغييرا تكتيكيا من اجل تحقيق نتائج محددة ومحدودة في هذا المؤتمر، لكنه قد يسفر عن سياسة استراتيجية اقليمية تثبت صحة مواقف وسياسات دول الممانعة وأهمية علاقاتها الاقليمية.

لقد تمكنت اسرائيل ـ بتواطؤ صريح ومكشوف مع الولايات المتحدة وأوروبا، وسكوت صريح ومكشوف ايضا من الدول العربية ـ من إخفاء خطرها النووي على الامن الاقليمي كله. الوقت من الآن الى موعد انعقاد المؤتمر الدولي للامن النووي يسمح، بل وحان بالفعل لكي ينتبه العرب الى خطر الترسانة النووية الاسرائيلية ...

... وإلا فإننا مهددون بما يوازي «ماسادا عربية» في القرن الحادي والعشرين.

ــــــــــ

المصدر : السفير  21/8/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ