ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 14/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رسالتي إلى الإخوان

"هوناً ما"

بقلم: أ. د. محمد السيد حبيب – نائب فضيلة المرشد العام

الإخوة الأحباب.. أحييكم بتحية الإسلام..

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه "أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما"، وقد رُوي عن علي رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا والصحيح وقفه، وهذا الأثر يضع في الواقع أحد أسس العلاقات الاجتماعية بين الناس... والمعنى أن التوسط والاعتدال حتى في المشاعر- حبًّا أو كرهًا- أمرٌ مطلوبٌ، فهو يحفظ على الإنسان توازنه ومواقفه ونظرته للأمور، فضلاً عما يترتب على ذلك من آثار وتداعيات على العلاقات مع الآخرين.

في دعوتنا نلقى أنواعًا شتى من البشر، هناك الطيب والخبيث، الصالح والطالح، الكريم والبخيل، الشهم والخسيس، الأمين والخائن، الحسن والقبيح، الشجاع والجبان، وهكذا، والاستثناء- خاصةً في هذا الزمان- أن تجد كريمًا أو شجاعًا أو أمينًا بنسبة مائة في المائة، لكنك تجد على وجه العموم أشكالاً وألوانًا من الناس وبأعداد لا حصر لها، تجمع بين الكرم والبخل، أو بين الشجاعة والجبن بنسب متفاوتة، فمنهم من يحوز قدرًا من الشجاعة يصل إلى (90%) مثلاً، وبالتالي يكون نصيبه من الجبن 10%، ومنهم من يحوز شجاعةً تبلغ 60%، وبالتالي يكون حظه من الجبن 40% وهكذا، وتأتي المحن والابتلاءات على تفاوت في طبيعتها وشدتها، فتكشف عن معادن الرجال ومدى صلابتها ومقاومتها.

والكرم الذي نقصده ليس هو كرم الإنفاق فقط، وإنما كرم الأخلاق على وجه الإجمال، أو من أطلق عليهم الأستاذ العقَّاد في إحدى عبقرياته "كرام النحيزة"؛ حيث العقل والحكمة والرشد والمروءة والشهامة والشجاعة والنبل والصدق والوفاء، والبذل والعطاء والجود والتضحية والفداء، إلى غير ذلك من الصفات الحميدة.

وليس هناك ما يدعو إلى التحفُّظ في التعامل مع كرام النحيزة، خاصةً إذا كان حظهم من الكرم عظيمًا، فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر:

وإن أنت أكرمت الكريم ملكته    وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

أما إذا كان نصيبهم من الكرم محدودًا أو متواضعًا؛ فها هنا يكون التحفظ والحذر مطلوبًا، فضلاً عن الصبر على ما يصيب الإنسان من عنت، وهذه الأنواع للأسف كثر وجودها في هذا الزمان، لذا لزم التنبيه.

نحن أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، وأن نتعامل معهم بالقدر الذي يتلاءم وطبائع نفوسهم، فإن أحببنا إنسانًا فليكن في اعتدال؛ إذ إن الإفراط في الحب قد يدفع الواحد منا إلى البوح بكل ما يعتمل في ضميره، فيضرُّ أكثر مما ينفع؛ ذلك لأن العقول تتفاوت، والأفهام تتباين، والقلوب قد يعتريها بعض الشك مما يُساء فهمه، فحاذر- وقاني الله وإياك- فليس كل ما يُعرف يقال، ولا كل ما يُقال جاء أوانه ورجاله، وقديمًا قالوا: "لو تكاشفتم ما تدافنتم"، وقد نسب صاحب كتاب "كشف الخفا" هذا القول إلى كتاب "المجالسة" للدينَوَرِىْ، ومعناه كما جاء في لسان العرب: لو انكشف عيب بعضكم لبعض، ونُسب لابن الأثير قوله: أي لو علم بعضكم سريرة بعض لاستثقل تشييع جنازته ودفنه، وأقول: إن المسألة أعمُّ من ذلك وأشمل؛ بمعنى أن الأمر لا يخص ما يرتبط بالمشاعر والمواقف تجاه المتوفين فقط، بقدر ما يتعلق بالعلاقات بين الأحياء أيضًا.

والمقصد أن الإنسان لو باح بكل ما يجول بخاطره حتى ولو لأقرب الناس إليه؛ لصارت الحياة غير محتملة، ولأمر ما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "أمسك عليك لسانك".. فاضبط لسانك يا أخي- عافاني الله وإياك- وفكِّر قبل أن تتكلَّم، واعلم أن الكلمة إذا انطلقت من الفم لا ينفع استعادتها مرةً أخرى.

إن هناك من الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في مرحلة ما من حياته- وسترها الله عز وجل- ينبغي ألا يتحدث بها أو يستدعيها أمام الآخرين، كما أن هناك من المشاعر السلبية التي يحملها الإنسان في موقف ما تجاه آخرين تحتاج إلى ضبط وإحكام، بل وعدم إعلان؛ فمن يدري؟ ربما تعود المياه يومًا إلى "مجاريها"، "والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء".

لا تكشف إذًا كلَّ أسرارك لمن حولك، فقد يتحوَّل المُحب إلى مُبغض- إلا من رحم ربي- وتغريه تقلبات الزمان وعوارض الأيام بالوقوف ضدك واستغلال ما كان يعرف عنك، وحاذر أن تبلغ في الخصومة مع من اختلفت معه إلى نقطة اللا عودة، فقد تجمع الأيام بينكما، وقد يتذكر في ساعة الصفاء ما كان منك أيام البعاد، فيعود سيرته الأولى.

وقد أنشد بعضهم:

أحبب إذا أحببـت حبًّـا مقاربـًا     فإنك لا تدري متى أنت نازع

وابغض إذا أبغضت بغضًا مقاربًا     فإنك لا تدري متى أنت راجع

أخي الحبيب..

أكرر مجدَّدًا.. لا بد أن تكون هناك مساحة ما بينك وبين من تتعامل.. مساحة تحتفظ فيها "ببعض" خلجات قلبك ومكنونات نفسك، فهذه أجدى لك وأنفع في مستقبل الأيام، فإن كنت مستطيعًا- وأرجو من الله لي ولك ذلك- فبها ونعمت، وإلا فحاول أن تنتقي من الأحباب الكرام من تأتمنهم على نفسك وأهلك ومالك وولدك، ولن تُعدم بعضهم بإذن الله.

إنك لا تدري ما الأيام صانعة بالناس، فالحياة لا تخلو من اقتراب ثم ابتعاد، واندماج ثم افتراق، ولا تنسَ أن دوام الحال من المحال؛ فهذه ساعة صفاء وإقبال، وتلك ساعة كدر وإدبار، والفطِن من عمل حسابًا لكل حال؛ إذ قد تتعرَّض النفس البشرية لمحن وابتلاءات، وما أكثرها في أيامنا هذه، فتتغيَّر النفوس وتنقلب الأوضاع.

لقد علمتنا الأيام أنه لا ثبات لوضع ولا ضمان لشيء، والفتنة لا تؤمن على حيٍّ، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وقد قيل: الاطمئنان يورِّث الغفلة، ويؤتَى الحذر من مأمنه، فاستيقظ وتنبَّه، ولا تركن إلى الحياة فهي باستمرار في صعود وهبوط، وتغيُّر وعدم استقرار، فاليوم نحن في غنى، وغدًا في فقر.. اليوم نحن في عافية وغدًا في غير ذلك، ونسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

الإخوة الأحباب..

أوصيكم ونفسي بالحذر من سقط الكلام ولغو الحديث؛ فإن ذلك يوغر الصدور، ويشقُّ الصفوف، ويوقظ الفتن ويشعل النار، و"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها"، كما جاء في الحديث، وإياكم أن يفسح الواحد منكم صدره ويعطي أذنه لكل لسان؛ فإن ذلك من الخطورة بمكان، فكم من علاقات حميمة ساءت، وكم من كلمة قد يلقي- أو لا يلقي- لها صاحبها بالاً تعكِّر بحرًا وتثير فتنًا، لنكن أصحاب كلمة طيبة، مبتعدين عن كل ما هو خبيث.. لنكن مقرّبين لا مفرّقين.. لنكن ناصحين لا فاضحين، ولنجتهد أن نلتزم بآداب النصيحة، وليكن ذلك لله، ولنعلم أنه مراقبنا مُطلعٌ علينا.. لا نتعالى على نصيحة، فليس منا من هو صاحب قداسة أو عصمة، نسأل الله تعالى أن يجنِّبنا الزلل، وأن يعصمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يستر عيوبنا، ويرحم ضعفنا، وأن يُثبِّت على طريق الحق أقدامنا.

والله من وراء القصد.

ـــــــــــ

المصدر : رسالة الإخوان

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ