ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


القوة الأميركية في القرن الحادي والعشرين

جوزيف ناي الابن* 

يتوقع مجلس الاستخبارات القومي التابع لحكومة الولايات المتحدة أن «تتضاءل» الهيمنة الأميركية إلى حد كبير بحلول عام 2025، وأن المنطقة الرئيسية للتفوق الأميركي المستمر- القوة العسكرية- ستصبح أقل أهمية في عالم المستقبل الذي سيتسم بالمنافسة المتزايدة.

كان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف قد وصف أزمة عام 2008 بأنها إشارة إلى أن الزعامة الأميركية العالمية تقترب من نهايتها. كما أشار زعيم الحزب الليبرالي الكندي المعارض مايكل إغناتيف إلى أن قوة الولايات المتحدة قد تجاوزت مرحلة الازدهار وبدأت مرحلة الذبول.

ولكن كيف لنا أن نتأكد ما إذا كانت هذه التوقعات صادقة؟ يتعين علينا أن نحذَر هذه الاستعارات المضللة الموحية بالانحدار العضوي. ذلك أن الدول ليست مثل البشر الذين يعيشون وفقاً لدورة حياة يمكن التنبؤ بها. على سبيل المثال، بعد خسارة بريطانيا لمستعمراتها الأميركية وبحلول نهاية القرن الثامن عشر، أعرب هوراس والبول عن أسفه حيال «تضاؤل مكانة بريطانيا إلى ما لا يزيد على مكانة بلد مثل الدنمارك أو سردينيا». ولكن الواقع أنه أخفق في التنبؤ بأن الثورة الصناعية ستمنح بريطانيا قرناً ثانياً من السيادة والهيمنة.

كما ظلت روما محتفظة بهيمنتها لأكثر من ثلاثة قرون بعد بلوغ القوة الرومانية أوجها. وحتى في ذلك الحين، لم تخضع روما لدولة أخرى، ولكنها عانت سكرات الموت نتيجة لآلاف الجراح التي أحدثتها بجسدها القبائل البربرية المختلفة. والحقيقة أنه مع كل التوقعات المألوفة بتفوق الصين أو الهند أو البرازيل على الولايات المتحدة في غضون العقود القادمة، فإن الانتقال الكلاسيكي للسلطة بين الدول الكبرى قد يمثل مشكلة أقل خطراً من نهوض البرابرة المعاصرين- الجهات الفاعلة غير التابعة لدولة بعينها.

وفي هذا العالم القائم على المعلومات وانعدام الأمن الإلكتروني (السيبراني)، فإن انتشار القوة وتوزعها قد يشكل تهديداً أعظم من انتقال القوة أو تحولها. إن كان الأمر كذلك، فماذا تعني ممارسة القوة في عصر المعلومات العالمية في القرن الحادي والعشرين؟ وما هي الموارد اللازمة لإنتاج هذه القوة؟

في القرن السادس عشر كان السبق لإسبانيا بفضل السيطرة على المستعمرات وسبائك الذهب؛ وفي القرن السابع عشر استفادت هولندا من التجارة والتمويل؛ وفي القرن الثامن عشر استفادت فرنسا من تعداد سكانها الكبير وجيوشها الضخمة؛ وفي القرن التاسع عشر استندت قوة بريطانيا إلى تفوقها الصناعي وبحريتها القوية.

كانت الحكمة التقليدية الشائعة تؤكد أن الغلبة تكون دوماً للدولة التي تتمتع بأضخم قوة عسكرية، ولكن في عصر المعلومات فقد تكون الغلبة والسيادة للدولة (أو كيان آخر غير الدولة) التي تتمتع بالقصة الأكثر جاذبية. فاليوم لم يعد من الواضح كيف نقيس توازن القوى، ناهيك عن تبني استراتيجيات البقاء الناجحة.

في خطاب تنصيبه في مطلع عام 2009 قال الرئيس باراك أوباما: «إن قوتنا تنمو من خلال الاستخدام الرشيد لها؛ وأمننا ينبع من عدالة قضيتنا، وقوة المثل الذي نضربه، وشيم التواضع وضبط النفس». وبعد فترة وجيزة قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون: «إن أميركا لا تستطيع أن تحل أكثر المشاكل إلحاحاً بمفردها، ولا يستطيع العالم أن يحلها من دون الاستعانة بأميركا. لذا، يتعين علينا أن نستخدم ما أطلق عليه القوة الذكية، أو المجموعة الكاملة من الأدوات التي في حوزتنا». إن القوة الذكية تتألف من تركيبة من القوة الصارمة وقوة الجذب الناعمة.

إن القوة تعتمد دوماً على السياق. فالطفل المسيطر في ساحة اللعب قد يتحول إلى صبي متقاعس متراخ حين يتغير السياق إلى حجرة الدراسة المنضبطة. في منتصف القرن العشرين تساءل جوزيف ستالين بازدراء عن عدد الانقسامات التي يواجهها البابا، ولكن بعد أربعة قرون كانت البابوية لا تزال سالمة في حين انهارت إمبراطورية ستالين.

في عالم اليوم يتفاوت توزيع القوة باختلاف السياق. فالقوة تتوزع وفقاً لنمط أشبه بلعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد، حيث القوة العسكرية على الرقعة العلوية أحادية القطبية إلى حد كبير، ومن المرجح أن تظل الولايات المتحدة صاحبة القوى العظمى الوحيدة لبعض الوقت. ولكن على الرقعة الوسطى أصبحت القوة الاقتصادية متعددة القطبية بالفعل لأكثر من عقد من الزمان، حيث تمثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والصين اللاعبين الرئيسيين في حين تكتسب بلدان أخرى المزيد من الأهمية.

أما الرقعة السفلية فهي ساحة المعاملات العابرة للحدود والتي تقع خارج نطاق سيطرة الحكومات. وهي تشتمل على لاعبين مختلفين لا ينتمون إلى دولة بعينها، مثل المصرفيين الذين ينقلون إلكترونياً مبالغ أضخم من أغلب الميزانيات الوطنية على مستوى العالم، أو الإرهابيين الذين ينقلون الأسلحة، أو القراصنة الذين يهددون الأمن (السيبراني) الإلكتروني. وهي تشتمل أيضاً على تحديات جديدة مثل الأوبئة العالمية وتغير المناخ.

على هذه الرقعة السفلية تتوزع القوة على نطاق واسع، ويصبح من غير المنطقي أن نتحدث عن القطبية الأحادية أو التعددية أو الهيمنة أو أي قوالب أو أكليشيهات جاهزة أخرى. فحتى في أعقاب الأزمة المالية بات من المرجح أن يستمر السلام المتعثر المصاحب للتغير التكنولوجي في دفع العولمة والتحديات المتخطية للحدود القومية.

إن مشكلة القوة الأميركية في القرن الحادي والعشرين تتلخص في أن المزيد والمزيد من التحديات أصبحت خارج نطاق حتى القوة الأعظم على مستوى العالم. ورغم أن أداء الولايات المتحدة على المستوى العسكري مازال طيباً، فإن المستجدات من الأمور باتت كثيرة إلى الحد الذي فشلت معه التدابير العسكرية في القبض على زمام الأمور.

وتحت تأثير ثورة المعلومات والعولمة تتغير السياسة العالمية على نحو يمنع أميركا من تحقيق الأهداف الدولية كافة بالعمل بمفردها. على سبيل المثال، يشكل الاستقرار المالي الدولي أهمية حيوية لرخاء الأميركيين، ولكن الولايات المتحدة تحتاج إلى التعاون من جانب أطراف أخرى لضمان هذا الرخاء. وتغير مناخ العالم أيضاً سيؤثر على نوعية الحياة التي يعيشها الأميركيون، ولكن أميركا لا تستطيع أن تتعامل مع هذه المشكلة بمفردها.

وفي عالمنا هذا حيث أصبح اختراق الحدود أسهل من أي وقت مضى، سواء إن كنا نتحدث عن المخدرات أو الأمراض المعدية أو الإرهاب، فلابد أن تقدم أميركا يد المساعدة لبناء تحالفات دولية ومؤسسات قادرة على التصدي للتحديات والتهديدات المشتركة. وبهذا المعنى تتحول القوة إلى لعبة تسمح لأطرافها كافة بالفوز.

لا يكفي أن نفكر في القوة باعتبارها تميزا نفرضه على الآخرين، بل يتعين علينا أيضاً أن نفكر فيها باعتبارها وسيلة لتحقيق الأهداف. وفي العديد من القضايا العابرة للحدود الوطنية والقومية من الممكن أن يساعدنا تمكيننا للآخرين في إنجاز أهدافنا الخاصة. ففي هذا العالم أصبحت الشبكات والقدرة على التواصل والترابط من بين أهم مصادر القوة الذكية. ومشكلة القوة الأميركية في القرن الحادي والعشرين لا تكمن في انحدارها، بل في حقيقة مفادها أنه حتى أعظم بلدان العالم قوة تعجز عن تحقيق أهدافها من دون مساعدة الآخرين لها.

ــــــــ

*أستاذ في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب «قوى الزعامة».

المصدر : مركز صقر للدراسات 2009-09-15   

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ