ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 08/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أيها السادة العلماء أنتم الحراس الأمناء على

 دين الله في الأرض

بقلم الأمين العام لرابطة العلماء السوريين

أليس هذا مضمون قوله تعالى:[الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ] {الأحزاب:39} . وقوله سبحانه: [وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ] {آل عمران:79}؟؟. وقد قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره القيِّم لهذه الآية الكريمة: >الربانيون: أرباب العلم، واحدهم ربَّان، من قولهم: ربَّه يَرُبُّه، فهو: ربَّان إذا دبَّره وأصلحه، فمعناه على هذا: يُدبِّرون أمور الناس ويصلحونها<. ثم ميَّز بين الأحبار والربانيين فقال: >الأحبار هم العلماء، والرباني الذي يجمع إلى العلم البَصَر بالسياسة، مأخوذ من قول العرب: رَبَّ أمرَ الناس يَرُبُّه إذا أصلحه وقام به ). ثم قال: الربَّاني العالم بالحلال والحرام، والأمر والنهي، والعارف بأنباء الأمة، وما كان وما يكون<.

ثم أليست هذه المسؤولية مما حدَّده رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال: >يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين<؟؟.

فمِن فضل الله على هذه الأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، ومِن رحمته بها أن يُقيِّض لها في كل جيل،وفي كل قرن، وفي كل عصر ومصر، مَن يُجدِّد لها أمر دينها؛ علماء عاملين، عدولاً أمناء، حراساً أوفياء، يحملون رسالة الإسلام كما أنزلها الله على رسوله، بكل خصائصها وقِيمَها ومُثُلها وسِماتها، كالمحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، نقية من كل شائبة، صحيحة من كل تشويه، كاملة من غير نقص، مستقيمة من غير عِوَج، متوازنة من غير مَيْل، وسطية من غير انحراف ذات يمين أو ذات شمال...

لكنَّ نور النبوة، ووحي الله الصادق على رسوله الأمين، يكشف أن سيظهر إلى جانب أولئك الربانيين الحكماء العلماء... دعاة أدعياء، متشددون متطرفون، منحرفون شاذون، غالون فيه، جافون عنه، بضاعتهم من العلم قليلة، متعجِّلون قصيرو البصيرة، لا يُحسنون التدبير ولا التخطيط، ولا يُتقِنون الإعداد ولا التنظيم، جريئون في الفتيا والتكفير.

مهمتكم أيها السادة العلماء أن تحموا الإسلام وتنفوا عن صفِّه كل منحرف في الفهم، وكل داعية ضال، وكل مدع جاهل،وكل مُفت سفيه، تلكم هي المهمام التي حددها لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: >ينفون عنه تحريف الغاليين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين<.

ما أحوج الأمة في هذا العصر أن يتحرك علماؤها لأداء هذه المهمات في وقت تحَّول هؤلاء إلى ظاهرة عالمية، يهددون مستقبل الإسلام والعمل له، ويُعطون الذرائع والمبررات لأعدائه حتى ينالوا منه، ويُضيِّقوا عليه الساحات، ويشوهوه في أبشع الصور، ويصدوا عن سبيل الله!!.

ولنبين هذه المهمات بالتفصيل:

1 ـ مهمة العلماء الأولى: ينفون عن الإسلام تحريف الغالين:

الغلاة المتشددون في كل دين هم بلاء كل عصر، بسُقم تفكيرهم، وانحراف فهمهم، وتجاوزهم حدود الفقه الراشد العدل الوسطي، وتجاوزهم فقه الأولويات وفقه المقاصد، يقدِّمون ما حقه التأخير، ويؤخّرون ما حقه التقديم، يقدمون الجزئيات على الكليات، والسنن على الفروض، تشدَّدوا وتصلَّبوا وتطرَّفوا، وادَعْوا لأنفسهم علم الأولين وعلم الآخرين، وأعطَوْا لأنفسهم حق منح شهادات الإيمان والكفر، والتبديع والتفسيق، فكفَّروا الأمة، وكفَّروا علماءها، وكفَّروا مخالفيهم. قال الله تعالى محذِّراً كل أهل كتاب: [قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ] {المائدة:77} .

أيها السادة العلماء بِحُكْم المسؤولية التي حمَّلكم الله إياها في الآية السابقة، وبِحُكْم أنكم من ولاة الأمر في هذه الأمة، لابد أن تتصدَّوا لهذا المرض الخطير، مرض الغلو والتطرف، والتصلُّب والتشدُّد والتنطُّع الذي ظهر في كثير من شبابنا لأكثر من سبب، وهو مرض يهدد الأمة بالهلاك كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : >إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين<([1]).

كذلك فإن هذا المرض يهدد الغلاة أنفسهم بسوء العاقبة والخاتمة فقد ذُكِر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ رجال يجتهدون في العبادة اجتهاداً شديداً، فقال:> تلك ضراوة([2]) الإسلام، وشِرَّته، ولكل ضراوة شِرَّة، ولكل شِرَّة فَتْرة، فَمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنة فلأمٍ([3]) ما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك<([4]).

وهو ماقاله رسول الله لعمر رضي الله عنه حين استأذنه في قتل (ذو الخُوْيصِرَة) المتشدِّد المتطرِّف الذي اجترأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهمه بمجافاة العدل، قال صلى الله عليه وسلم: >لا تقتله، دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمَّقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية...<([5]).

نعم هؤلاء هم المتنطِّعون، المتعمقون المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم والذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم > هلك المتنطعون... وكررها ثلاثاً< ([6])يهلكون أنفسهم وأمتهم، ويشوِّهون الإسلام وينسبون إليه أفعالاً وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.

2 ـ مهمة العلماء الثانية: ينفون عن الإسلام انتحال المبطلين:

والمنتحِلون المبطِلون هم أولئك الذين تظاهروا باعتناق الإسلام للكيد له، والتآمر عليه، ومحاولة تدميره من داخله، كما فعل المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توَّلى القرآن الكريم فضحهم في سورة الفاضحة الكاشفة المدمدمة، سورة العذاب، سورة التوبة، وغيرها من السور، وكما فعل يهود صنعاء حين حرَّكوا داعيتهم الخبيث عبد الله بن سبأ وزمرته وخلفاءه مِمَّن سَعَوْا في الفتنة وتمزيق الصف الإسلامي، ودسِّ العقائد الباطلة والأحاديث الموضوعة، والأخبار الكاذبة، وأنشأوا لذلك مذاهب منحرفة وفرقاً باطنية، وأحزاباً ضالة كالنصيرية والدروز والإسماعيلية والبهائية وغيرها... وفي العصر الحديث أنشأت بريطانيا بخبثها ومكرها فرقة القاديانية الضالة وغيرها...

واليوم تقوم الدوائر الصليبية والصهيونية والمجوسية والعلمانية بتخريج وإعداد دعاة مبطلين، لِيفسِدوا الإسلام باسم الإسلام، ويدمِّروه من داخله، يزاودون على العلماء العاملين المخلصين بالشكل والشهادة والقدرة على الخطابة والحديث ، يمنحونهم الشهادات العالية من أقسام الدراسات الإسلامية اللاهوتية والعربية المشبوهة في جامعاتهم، ويُطلقون عليهم الألقاب العلمية الفخمة، ويحيطونهم بهالة إعلامية كبيرة، ويفتحون أمامهم آفاق الشهرة، ويسندون إليهم المناصب العلمية والوزارات الثقافية، حتى إذا قالوا خدعوا، وإذا كَذَبوا صُدِّقوا، وإذا أفتَوْا اعتُمدوا، وإذا أبدَوْا رأياً كالوا لهم المديح وأثنت عليهم الصحافة، ورحَّبت بهم وسائل الإعلام... لم يعد الأمر مقتصِراً على الأفندية من هؤلاء أيام زمان، بل تجاوزهم إلى المعمِّمين ولابسي زي العلماء بدءاً من الشيخ علي عبد الرازق صاحب كتاب أصول الحكم، ليكون المكر أشد، والتلبيس على العامة أدهى وأخبث.

وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول رُصدت ميزانيات ضخمة، وجُنِّدت أقلام بارعة، ووُظِّفَت قنوات فضائية، واعتُمِدت صحف مشهورة، واستؤجِرت شركات إعلامية، وأُنتِجت أفلام سينمائية، ومسلسلات تلفزيونية، وأُنفِقَت أموال ضخمة لسياسيين وكتاب وعلماء وصحفيين وإعلاميين وممثلين... كل ذلك بقصد تشويه الإسلام، وربطه بالقتل والعنف والإرهاب... مِن هؤلاء مَن يُظهِر الغَيْرة على الإسلام والدفاع عنه، فيشوِّهون الحقائق، ويلوون أعناق النصوص... بل لقد كان لأجهزة المخابرات العالمية والمحلية دَوْر في التخطيط والتنفيذ لبعض العمليات الإرهابية بشراء العناصر، وتقديم الإغراءات، وتوليد القناعات، وغسل المخ، إذ أضحى لديهم خبراء في صناعة القادة والزعماء، والانقلابات والثورات، وعناصر الإرهاب، وإلا فما معنى استئجار الشركات الأمنية التي يستعينون بها في العراق وأفغانستان؟!، ولا تزال كثير من إشارات الاستفهام، وكثير من الضبابية حول ما حدث في نيويورك في الحادي عشر من أيلول!!، وتُشكَّل عشرات اللجان على أعلى المستويات للتحقيق في حقيقة هذه الأحداث، ومَن وراءها، ثم تنتهي هذه اللجان، ولا يُكشَف من مَحاضِرِها وقراراتها شيء!!

لا ننفي أنه قد انزلق شباب على هذا الطريق، ورفعوا السلاحِ باسم الجهاد، وارتُكِبت على أيديهم تصرفات حمقاء، وأعمال مشينة، ومستنكَرة، واستُبِيحت دماء وأموال وبلدان، وظهرت فتاوى جريئة ما أنزل الله بها من سلطان...!! لكِنْ هذا شيء وإلصاق التهمة بالإسلام شيء آخر، ففي كل دين، وفي كل بلد متشددون متطرفون، يمارسون العنف والإرهاب والقتل، وتوجد جماعات وأحزاب تؤمن بذلك، وتدافع عنه، لكِنْ لم يسبق أن أُلصِقت التهمة بأديان أو معتقدات أو... أو... !! بل من المعروف أن يُفصَل بين جناحٍ سياسيٍ حرٍ معتَرف به، وجناح متشدِّد مُدان وملاحَق كما في إيرلندا وإسبانيا وغيرهما.

لكن الذي حدث أن الصليبية والصهيونية والعلمانية والساسة في أوروبا وأمريكا شعروا أن الإسلام قادم، وأن المستقبل له، وأنه يتقدم في كل ميدان، ويثبت صلاحيته في كل مجال، وينتشر في كل بلد، ويفوز في كل انتخاب... ويشعرون بالمقابل أنهم عاجزون عن مواجهته وكبْح جماحه، والحد من انتشاره... عجزوا أن يواجهوا الإسلام فكراً بفكر، وعقيدة بعقيدة، ومنهجاً بمنهج... ثم إن الرأسمالية والشيوعية والعلمانية فضلاً عن المسيحية واليهودية والوثنية لم تمدهم بما يعينهم على المواجهة، فلجؤوا إلى الكيد والدسِّ والتآمر محلياً وعالمياً، واصطنعوا لذلك حكاماً وعملاء وأدعياء ليتولَّوا كِبْر ذلك، ولينوبوا عنهم في حرب الإسلام. [وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ] {إبراهيم:46} .

مَن لهؤلاء الأدعياء العملاء المستأجرين غيركم أيها السادة العلماء الغيورون على دين الله ؟؟

مَن لهذا الكيد العالمي الذي بلغ أشُدَّه غير العلماء العاملين المخلصين المؤيدين بنصر الله وتوفيقه؟؟

مَن لهذه الحركات المنحرفة المتشدِّدة والمتطرفة غير العلماء العدول الأمناء على دين الله والحراس لدعوته؟؟.

3 ـ المهمة الثالثة : ينفون عن الإسلام تأويل الجاهلين:

تأويل الجاهلين يعني: سوء فهمهم لمسائل العلم ، وسوء تأويلهم وتفسيرهم  للنصوص والحقائق والوقائع..والجاهلون هنا ليسوا هم الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون ، بل قد يكونون من منتسبي العلم الشرعي ، وحملة الشهادات العليا ، لكنهم جهلوا فقه المقاصد، وفقه المصالح ، وفقه الأولويات ، وفقه النوازل ، وفقه الموازنات ، وفقه الواقع ، وفقه الفتوى ، وفقه اللغة ، وفقه الأصول ، ودلالات القواعد الفقهية... ومن ثَمَّ تكون آراؤهم وفتاويهم مجانبة للحق والصواب ، خارج العصر ، خلاف المصالح العامة ، استظهروا نصوصاً ، وحفظوا كلمات ، على غير وعي واستيعاب ، فضلَّوا وأضلوا ، وحللوا وحرموا ، وقد قيل : > إن من العلم جهلاً <

قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : أهلُ الجهل والظلم الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والظلم باتِّباعِ أهوائهم الذين قال الله تعالى فيهم :[ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الهُدَى] {النَّجم:23} . وهؤلاء قسمان:

أحدهما: الذين يحسبون أنهم على علم وهدى وهم أهل الجهل والضلال ، فهؤلاء أهل الجهل المركَّبِ الذين يجهلون الحقَّ ويُعَادُونه ويُعَادُون أهله ، وينصرون الباطل ، ويوالون أهله ، وهم : [وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الكَاذِبُونَ] {المجادلة:18} . فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السراب الذي :[ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا] {النور:39} . وهكذا هؤلاء أعمالُهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي يكون صاحبه أحوج ما هو إليه ، ولم يقتصر على مجرد الخيبة والحرمان كما هو الحال فيمن أمَّ السَّراب فلم يجده ماء ، بل انضاف إلى ذلك أنه وجد عنده أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين ـ سبحانه وتعالى ـ فحسب له ما عنده من العلم والعمل فوفَّاهُ إيَّاه بمثاقيل الذر ، وقدِمَ إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه ، فجعله هباءً منثوراً إذ لم يكن خالصاً لوجهه ولا على سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علوماً نافعة كذلك هباءاً منثوراً ، فصارت أعماله وعلومه هكذا ([7]).

وإن أنس لا أنسى حادثتين ؛ الحادثة الأولى : كنتُ في رحلة جامعية مع بعض طلاب جامعة الملك عبد العزيز إلى مدينة الرياض لحضور مخيَّم للتوعية الإسلامية دعت له جامعة الإمام محمد بن سعود ، وكان من برنامج الرحلة زيارة كلية أصول الدين ، بحضور عميدها ، فألقيتُ كلمة باسم الوفد أبديتُ فيها إعجابي بمناهج هذه الكلية ورسالتها ، وركَّزت على علم أصول الفقه الذي يشهد بحق على عظمة الفقه الإسلامي ، وعظمة العقلية الاجتهادية المبدِعة ، وما توصلت إليه الحضارة الإسلامية الزاهرة من علوم وإبداعات ، فكان أن ردَّ عليَّ عميد الكلية بكلمة ناقدة ، معتبِراً أن كثيراً من هذه العلوم تأثرت بالفلسفة الوضعية وتجاوزت النصوص ، وحكَّمت العقل و.... و....

والحادثة الثانية:كنت والزميل العلامة الشيخ عبد الله بن بيَّة في كلية الآداب التابعة لجامعة الملك عبد العزيز بجدة ، فقال أحد الطلاب وعلى مسمعنا وبوقاحة وبدون مناسبة : أن المذاهب الفقهية وأئمتها الأعلام كانوا سبب فساد الدين وانتشار البدع و... طبعاً تألَّمنا لما سمعنا ، وردَّ عليه الشيخ ابن بيَّه رداً غاضِباً مقتضَباً .

ماذا نتوقع أن يصدر عن مثل هؤلاء ؟! ومَن لهؤلاء غير العلماء المتمكنين والفقهاء المستبصرين؟ أليس العلماء هم صمَّام الأمان لهذه الأمة إذا نهضوا برسالتهم ، وأدَّوْا واجبهم ، واستشعروا مسؤوليتهم، أما إذا تقاعسوا عن ذلك ، وقصَّروا وضعفوا فستكون النتيجة تسلط علماء السوء وعلماء السلطان ، وأولئك الذين يهون عليهم بيع دينهم وعلمهم بثمن من الدنيا قليل، وعندئذ تكون كارثة الأمة ومقتلها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: > إنَّ بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج ، والهرج القتل< ([8]).

وقوله صلى الله عليه وسلم : >إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا< ([9]).

وتأكيداً لذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:> قراؤكم وعلماءكم يذهبون، ويتخذ الناس رؤوساً جهالاً يقيسون الأمور برأيهم<.

هل من العلم في شيء إذا رأينا أمراً نكرهه من حكامنا وولاة أمرنا الذين يرجُحُ خيرهم على شرهم ، وصلاحهم على فسادهم ، ومعروفهم على منكرهم... أن نثور عليهم ، ونتمرَّد على أمرهم ، وندعو لشق عصا طاعتهم ، ونحكم بردتهم وكفرهم، وكفر الأمة التي قبلت بهم، ثم نترك الأمة تموج فيها الفتن! ويضطرب فيها النظام! وتُهدَّد الأرواح والأموال والأعراض والأوطان! ويصبح أمر الناس فوضى لا سراة لهم ، ولا قانون ، ولا نظام...!!

وأخيراً فهذا سيدنا علي رضي الله عنه يحمِّل المسؤولية للعلماء أولاً وقبل الجهلة في ضرورة أداء واجبهم يقول: >لا يؤخذ على الجاهل عهدٌ بطلب العلم حتى يؤخذ على العلماء عهدٌ ببذل العلم للجُهال ، لأن العلم كان قبل الجهل به< ([10]).

خادم الرابطة الأمين العام

22/9/1430هـ

12/9/2009

________________________________________

([1]) جزء من حديث رواه النسائي وابن ماجه وأحمد.

([2]) ضراوة الإسلام: لزومه والولع به.

([3]) أي: هو على طريق ينبغي أن يقصد.

([4]) رواه أحمد، صحيح الإسناد.

([5]) رواه أحمد وأصله في الصحيحين.

([6]) رواه مسلم.

([7]) عن موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مجلد 9 صفحة 4368 تابع القسم الثاني من أهل الجهل.

([8]) البخاري الفتح 13(7062) واللفظ له ، ومسلم 4 (2672).

([9]) البخاري ـ الفتح 1(100) واللفظ له ، مسلم (2673).

([10]) جامع بيان العلم وفضله (1 : 123).

ــــــــــــ

المصدر :

http://www.islamsyria.com/Details.php?QType=1&Id=919

نقلاً عن العدد الرابع من مجلة بشائر الإسلام التي يصدرها فرع الرابطة في اليمن

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ