ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 02/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 توظيف التاريخ في خدمة المصالح السياسية

- الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل نموذجا-

محمد بوبوش**

يعتبر التاريخ الحقل الخصب الذي تؤخذ منه الأحداث على مر أزمانه الطويلة، ومن استقراء تلك الأحداث،تستنبط القواعد والأسس كما فعل ابن خلدون،وكثير من العلوم يلجأ في أبوابه إلى الحديث عن نشأته من خلال استقراء التاريخ ثم تطور هذه النشأة،والعلاقات الدولية واحدة من ذلك، فالتاريخ مجالها الذي تراعى فيه لتجد كيف نشأت العلاقات بين الناس؟ ثم كيف تكونت الدول؟ وكيف اتصلت الدول ببعضها؟ وما هو أسلوبها في الاتصال؟ ومن ذلك تخرج بقواعد مقررة .

إذ أن التعمق في تفهم الظروف والمؤثرات التاريخية يعد أمرا ضروريا لاستيعاب الملابسات التي تحيط بالعلاقات الدولية في أشكالها المعاصرة،فالروابط والصراعات والأحقاد التاريخية،تعد في تقرير المنهاج التاريخي من بين القوى الرئيسية التي تتحكم في الاتجاهات السياسية الخارجية للدول وهذا يعني بأن للعلاقات الدولية بعد تاريخي،إذ لايمكن فهم المشاكل الدولية المعاصرة دون إدراك المصالح التي تتحكم فيها منذ قرن تقريبا فضلا عن تقاليدها السياسية وما خلفته من آثار، ولايمكن فهم المواقف التي تتخذها دول العالم الثالث إلا بربطها بتاريخها القريب وعلى الأخص رواسب التركة التي خلفتها عهود السيطرة الاستعمارية عليها.

ولقد تم توظيف التاريخ في مجال دراسات النظام الدولي في ثلاث اتجاهات:

- الاتجاه الأول: يرى في التاريخ مصدرا للمادة الأولية اللازمة لصياغة بعض الفروض النظرية،ومعملا لدراسة العلاقة بين السبب والنتيجة واختيار الفروض.

- الاتجاه الثاني: ينطلق من واقع تاريخي محدد ويحاول وفق معايير التمييز بين أنماط من النظم الدولية التاريخية،أو يحاول مجرد متابعة التطور التاريخي للعلاقات الدولية بالاستعانة بأطر التحليل النظمي ، وعلى هذا الأساس يجد المنهج التاريخي المادة الخام له لكتابة التاريخ الدبلوماسي للمنظمات الدولية الصرف، واصفا ومحللا لأطوارها، والدلالة هنا نجدها على سبيل المثال في الكتابات الكلاسيكية والمذكرات والمعاهدات العامة المتعلقة بالتنظيم الدولي بصفة شاملة،أو لمنظمة دولية معينة،حيث تعتبر الحصيلة رصيد من خلال المنهج التاريخي المندمج إلى حد كبير مع التفسير القانوني على المستوى الدولي .

- الاتجاه الثالث: يهتم بتنظير أسباب صعود وهبوط الإمبراطوريات أو القوى الكبرى المهيمنة التي تتابعت على مدار التاريخ،وخاصة منذ القرن 16 م،ولقد أتبع هذا الاتجاه خلال العقد الماضي نظرا لطبيعة المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي بسبب التحولات التي حدثت في توزيع القوى العالمية .

ويمكن تحديد العلاقة بين التاريخ و العلاقات الدولية من خلال تسليط الضوء على مدرستين ساهمتا في إرساء أرضية لتفسير تطور ظاهرة التنظيم الدولي هما: مدرسة التاريخ الدبلوماسي ومدرسة تاريخ العلاقات الدولية.

* مدرسة التاريخ الدبلوماسي أو المدرسة الوثائقية:

تركز هذه المدرسة على دراسة تاريخ العلاقات الدولية من زاوية التاريخ الدبلوماسي، ويعتمد روادها في دراستهم على الوثائق الدبلوماسية التي منها المعلومات المتعلقة بمراحل تاريخية معينة، والتي يتخذوها كمادة خام في دراساتهم ، ويهتم التاريخ الدبلوماسي بوصف تطور العلاقات بين الدول، وهو لا يذكر سوى الأحداث الكفيلة بالتأثير في السياسة الخارجية الخاصة بكل منها وهذه السياسة متصلة اتصالا وثيقا بارتفاقات جغرافية وبمستلزمات اقتصادية وسياسية .

وهو يهدف إلى محاولة القيام بجمع وتفسير الوثائق الدبلوماسية بما في ذلك الوثائق الرسمية العلنية أو السرية التي يمكن الوصول إليها، هذه الوثائق التي كان للملوك والأمراء يتصلون بواسطتها فيما بينهم أو يوجهونها إلى ممثليهم بالخارج،والواقع أن هذه الوثائق غالبا ما يكون الوصول إليها صعبا، لذلك يجب أن تولى بعناية خاصة علاوة على كونها تنطوي في الغالب على أهمية قصوى بالنسبة للمراحل التاريخية التي تتحدث عنها،لذلك يجب استغلالها في الكشف عن خفايا هذه المراحل،وتجدر الإشارة إلى أن جهود المدرسة الوثائقية كانت تنحصر في البداية في الوثائق الرسمية،لذلك كانت تكتفي في بحثها عن الدوافع الحقيقية لسلوك الحكام بإيجاد هذه الدوافع ضمن الرواية الرسمية للأحداث.

وعلى هذا الأساس قدمت الوثائق نفسها باعتبارها تيارا كليا في التاريخ يرتكز بالتحديد على الوثائق المكتوبة،وبعد ذلك بدأت اهتمامات المؤرخين تتسع ولا تكتفي بمجرد الوثائق الرسمية المكتوبة،وإنما يشمل اهتمامها جميع الوثائق العلنية منها والسرية،والرسمية منها والشخصية والشفوية.

 * مدرسة تاريخ العلاقات الدولية:

تجاوزت هذه المدرسة النظرة الضيقة للمدرسة الوثائقية، واهتمت علاوة على العلاقات الدبلوماسية- كما تكشف عنها الوثائق الرسمية- بمجموع العلاقات الدولية،وعملت على دراسة هذه العلاقات اعتمادا على الأحداث التاريخية من مصادرها المتعددة والمتنوعة، لذلك جاءت دراستها أكثر وعيا بتعقد العلاقات الدولية وتشعبها وتنوعها ، بلإننا نجد من أقطاب هذه المدرسة من يهتم بالقوى العميقة المؤثرة في متخذي القرارات، ومثال ذلك ما يذهب إليه "رونوفن وديروزيل" في كتابهما الشهير "مدخل إلى تاريخ العلاقات الدولية" حيث يريان أن هناك مجموعة من العوامل والقوى والضغوط التي تؤثر في متخذي القرارات ورجل الدولة،ويقسمان هذه الضغوط إلى:

- ضغوط مباشرة: وتتجلى في الأشخاص الذين يستقبلهم رجل الدولة، خصوصا أولئك الذين لا يخضعون لإمرته،فهؤلاء يقدمون إليه طلباتهم باستمرار،ويختلف شكل هذه الطلبات ويتنوع من مجرد التماس إلى درجة التهديد وذلك تبعا لقوة وأهمية الجهة التي يمثلها هؤلاء الأشخاص.

- ضغوط غير مباشرة: وتتجلى في الفعل الذي تمارسه المجموعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الرأي العام أو على الصحافة، وذلك لدفع القائد أو رجل الدولة إلى اتخاذ قرار معين إزاء مسألة معينة،ومن بين هذه الضغوط أيضا ما يسمى بالقوة العميقة المتمثلة في القوة السكانية والوضع الجغرافي والدور التاريخي للبلد الذي يمثله رجل الدولة، وكذلك في القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذه الدولة.

وهكذا تصبح مدرسة تاريخ العلاقات الدولية مع "رونوفن وديروزيل" أقرب ما تكون إلى المدارس الأنجلوسكسونية التي تسعى إلى تفسير السلوك السياسي اعتمادا على جمع كم هائل من المعطيات المتنوعة .

* الحركة الصهيونية واغتيال التاريخ الفلسطيني:

إن الحركة الصهيونية حركة سياسية حديثة ظهرت في القرن 19 م ، تطالب بإعادة توطين اليهود في فلسطين باعتبارها "أرض الميعاد" كوسيلة لحل المشكلة اليهودية، وتخضع لتخطيط قائم على أسس علمية تهدف إلى جعل المواطن يتشكك في واقعه، وقدراته ونفسيته، وهو تخطيط محدد من حيث أهدافه وأدواته ومراحله، ومن حيث استناده إلى منطق فكري واضح ومترابط، وفي هذا يقول ميناحم بيجن : "يجب أن تعمل وبسرعة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم فيطلعوا على وسائلنا الدعائية، فإذا استفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعاماتها وأسسها،فعندئذ سوف لن تفيدنا مساعدات أمريكا " . وهي تستند في ذلك على أسس إيديولوجية محددة للدعاية الصهيونية،ومتمثلة بالأساس في:

- الإدعاء بأذية العداء للسامية.

- القول بحتمية لجوء اليهود إلى وطن خاص بهم يكفل لهم الحماية الكاملة.

- الادعاء بوجود حضارة عبرية قديمة لها أفضالها على العالم وحضارته.

- التأكيد على تميز العنصر اليهودي على غيره، وأن العالم مدين له بإنجازاته العلمية والفنية المعاصرة.

كما يسعى الإعلام الإسرائيلي، منذ اغتصاب فلسطين العربية إلى توظيف كل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، وتسخيرها لخدمة أهداف المشروع الصهيوني، بالتأكيد على أن فلسطين أرض يهودية محررة، وليست أرضًا فلسطينية محتلة، وأن إسرائيل الحالية هي تكرار لإسرائيل القديمة، وأن تاريخ فلسطين يبدأ بمملكة داود، في القرن العاشر قبل الميلاد، وينتهي بإسرائيل الجديدة التي تمثل بعثًا لإسرائيل القديمة، وإحياء لها.

وعليه فقد ثبت استنادا للمجريات ولكثير من الوثائق أن الحركة الصهيونية وليدة النظام الاستعماري الإمبريالي، ولذا لجأت السياسة الامبريالية بكل أدواتها الثقافية والإعلامية والسياسية والعسكرية،إلى البحث عن مسوغات ومبررات وعوامل تساعد في خلق الكيان الصهيوني في فلسطين العربية، وكان من أهم دعائم ادعاءات الوطن القومي"الادعاء التاريخي و "الادعاء الديني"، هذان الادعاءان اللذان يؤكدان إدعاء "الأرض الموعودة" و"الشعب المختار" إضافة إلى عوامل أخرى مدعمة مثل "إعمار الأرض الخالية" و "حق تقرير المصير" وغيرها من أساليب التضليل وتزييف الحقائق .

أ-الادعاء التاريخي:

 أطلق اسم فلسطين القديم على تلك المنطقة الواقعة بين لبنان من الشمال وحليج العقبة على البحر الأحمر من الجنوب،وبين ساحل البحر الأبيض المتوسط وسيناء من الغرب، ومجرى نهر الأردن والبحر الميت ووادي عربة من الشرق. وقد عرفت فلسطين بأرض كنعان حتى عام 1200 ق.م حينما غزتها القبائل الكريتية واستقرت على شواطئها بين يافا وغزة فسميت تلك المنطقة باسم "فلسطين" نسبة إلى القبيلة الكريتية الغازية .

ولقد تعرضت فلسطين منذ القدم لكثير من الغزوات،فقد غزاها قدماء المصريون والبابليون والحبشيون،ولكنها على الرغم من ذلك كله، ظلت كنعانية عربية صفة وسيادة حتى عام 1000 ق.م،حيث استطاع النبي داود عليه السلام بعد حروب عديدة إخضاع الكنعانيين وتأسيس مملكة إسرائيل وجعل أورشليم "القدس" عاصمة لها، ولكن لم يكد ابنه سليمان عليه السلام الذي خلفه يموت عام 935 ق.م، حتى انقسمت المملكة على نفسها فقامت مملكة يهوذا في القدس ومملكة إسرائيل في السامرة، ونشبت الخصومات والحروب بين المملكتين مما أضعفهما وأضعف سلطتهما على السكان، وميز عهديهما بالفساد والحروب والانحطاط.

وفي عام 920 ق.م هاجم شيشنق ملك مصر مملكة يهوذا واحتلها فخضعت منذ ذلك الحين لسلطات المصريين،وفي عام 720 ق.م هاجم الأشوريون مملكتي إسرائيل ويهوذا واحتلوهما وفرضوا الجزية عليهما .

ولما حاولت إسرائيل التمرد هاجمها الأشوريون مرة أخرى عام 701 ق.م،وفي نفس الوقت زحف المصريون على مملكة يهوذا واحتلوها وألحقوها بمصر مما حدا بنبوخذ نصر الكلداني إلى الزحف عام 597 ق.م على فلسطين واحتلالها،وأخذ ملكها وعائلته وقواده ومعظم جيشه أسرى إلى بابل في العراق.

وهكذا دالت دولة اليهود في فلسطين بعد أن عاشت أربعة قرون (1000ق.م- 986 ق.م) حافلة بالاضطرابات والحروب الداخلية والخارجية،وبزوالها نتيجة غزوات الأشوريين والكلدانيين، زال كل أثر فعلي لليهود في فلسطين .

ومن هنا يتضح أن هذه البلاد كانت هدفا لكثير من الغزوات والموجات والهجرات، وميدانا لكثير من الحضارات والحكومات طيلة 45 قرنا، وأن اليهود كانوا من غزوها في القديم وأقاموا فيها حكما دام 4 قرون، فهل هذا الحادث التاريخي كاف لإنشاء حق يهودي ثابت في فلسطين بعد ثلاثين قرنا من وقوعه واندثاره؟

إن اليهودية العالمية تستند إلى هذه الواقعة فقط في دعواها بملكية فلسطين،غير أنه من الثابت تاريخيا أن غزوة اليهود لفلسطين في القرن العاشر قبل الميلاد لم تكن الأولى والأخيرة، وأن حكمهم الذي دام أربعة قرون لم يكن العهد الوحيد في تاريخ البلاد، فقد سكن الكنعانيون العرب في فلسطين قبل اليهود( حتى عام 1200ق.م) وأنشؤوا فيها حكما وحضارة داما 15 قرنا،وغزاها بعدهم الآشوريون (721 ق.م) والكلدانيون (597 ق.م) والإغريق (332ق.م) والعرب الأنباط (90 ق.م) والرومان (أوائل القرن الميلادي الأول)، وحكموها أكثر من أحد عشر قرنا وتعرضت فلسطين خلال هذه الفترة لكثير من الموجات العربية من العراق وسوريا والجزيرة، ثم جاء الفتح العربي الإسلامي بعد ذلك كله عام 636 م وصبغ فلسطين بالصبغة العربية الخالصة،وظلت كذلك طيلة 14 قرنا وحتى وقوع المأساة عام 1947، وهذه الفترة العربية من تاريخ فلسطين الحديث مع ما تعرض له اليهود أثناء وجودهم فيها قبل الميلاد على أيدي الآشوريين والكلدانيين والمصريين والرومان، من أسر وتهجير وإبادة كافية للرد على كل مزاعم اليهود القومية والتاريخية في فلسطين .

وهكذا فقد دخل اليهود فلسطين كغيرهم من الجماعات العابرة للصحراء، وحينما أرادوا الاستقرار في فلسطين،لم يمتلكوا أبدا المقومات الحضارية المميزة من عمرانية وثقافية ولغوية وحتى دينية،حتى الدولة التي أرادت تلك المجموعات القبلية إقامتها، تتمكن في أكثر الفترات نهوضا من امتلاك كامل البلاد من سكانها العرب الأصليين،ولم تستمر إلا لفترة وجيزة لم يلبثوا بعدها أن تفرقوا وانتشروا في مناطق مختلفة من العالم،وليس يهود العصور الوسطى والحديثة والمعاصرة إلا من معتنقي الديانة اليهودية من شعوب وقوميات العالم المختلفة. وهذا ما أثبتته الحقائق والمصادر التاريخية المختلفة باستثناء نصوص العهد القديم الذي كتبه أصحاب الإدعاءات أنفسهم .

وعلى هذا فمن الصعب جدا إسناد الحق التاريخي للصهيونية في فلسطين،لأنهم لم يكونوا في أي وقت من السكان الأصليين للبلاد،وإنما مروا فيها كغيرهم من الغزاة الآخرين،إذن كيف تقبل التصريحات الصهيونية المعلنة في مناسبات مختلفة، مثلا تصريح مذكرة المنظمة الصهيونية العالمية في مؤتمر الصلح في جنيف عام 1919،إذ تعلن "أن هذه الأرض وطن تاريخي لليهود"،وكذلك تصريح 14 ماي 1948 على أن تأسيس هذه الدولة في فلسطين تم "بموجب الحق الطبيعي والتاريخي للشعب اليهودي" .وتربط الدعاية الصهيونية دائما بين فكرة الحقوق التاريخية و فكرة أرض الميعاد التي يبدو وكأنها تعطي للإسرائيليين حقا إلهيا لتملك فلسطين والسيطرة عليها .

وفي سياق هذه المزاعم الإسرائيلية الباطلة، والدعاوى الصهيونية الزائفة، يخاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "بيجين" الكنيست، أثناء زيارة الرئيس "السادات" لإسرائيل عام 1977م بقوله: "نحن لم نستول على أي أرض أجنبية، لقد عدنا إلى وطننا، إن العلاقة بين شعبنا وهذه الأرض هي علاقة أزلية، نشأت منذ فجر التاريخ، ولم تنفصم عراها في أي وقت من الأوقات، ففي هذه الأرض أقام أجدادنا حضارتنا، وعليها تنبأ أنبياؤنا، وعندما نزحنا منها تحت وطأة القوة المستخدمة ضدنا، وابتعدنا عن بلادنا، لم ننس هذه الأرض ولو ليوم واحد".

وفي هذا الصدد يعلق الكاتب الفلسطيني "زكريا محمد" على المزاعم الإسرائيلية بقوله: "لقد وجد الفلسطيني نفسه إزاء هذه الدعاوى الزائفة فجأة من دون تاريخ، ومن دون ماضٍ، وصار مجرد ضيف على هذا التاريخ، وإذا كان تاريخ إسرائيل القديم يبدو كلحظة في التاريخ الفلسطيني الطويل، فقد جرى التركيز على هذه اللحظة من جانب جهاز الدعاية الإسرائيلية، باعتبارها جوهر هذا التاريخ، فكل ما قبلها باطل، فقد ابتلعت لحظة قيام إسرائيل في عام 1948م كل اللحظات السابقة التي يجسدها التاريخ الفلسطيني الضارب بجذوره في فلسطين منذ عهدها الأول.وهكذا يركز الإعلام الصهيوني والإسرائيلي على إسكات التاريخ الفلسطيني، وقطع أية علاقة عربية وفلسطينية به، وفي هذا المقام يضيف "زكريا محمد" قوله: "وهذا ما أورث الفلسطينيين شعورًا بأن تاريخهم اغتصب، لقد تم اغتصاب الماضي أيضًا، لا الحاضر فقط، وفي ضوء ذلك التزييف الصهيوني للحقائق، وتشويه التاريخ، فإن الإعلام الإسرائيلي يتسم بسمتين:

الأولى: أنه دعاية منظمة ومخططة ذات أهداف استراتيجية واضحة، فهي تسبق الأحداث وتواكبها ولا تأتي في أعقابها، فينتقي هذا الإعلام لكل حدث ما يلائمه من الأساليب والمضامين، وما يتلاءم والجمهور الذي يخاطبه والمرحلة التاريخية التي يقع فيها.

والثانية: أنه دعاية تركز على تكرار مجموعة من القضايا والدعاوى الباطلة، التي يتم الإلحاح عليها لترسيخها في الأذهان، وتثبيتها في ذاكرة الإنسان، حتى تصبح وكأنها حقائق يجب التسليم بها، خاصة عندما تطرق مسامعه عبر المذياع، وتتجسد أمامه صورًا يراها على شاشة التليفاز ويقرؤها بعينيه مكتوبة في صحيفة أو مجلة، تلاحقه في البيت، وفي العمل، وتلح عليه حتى عندما يذهب لسريره لينام.

ومن هنا لا يجد المرء مفرًا أمام هذا الحصار الإعلامي إلا الانصياع، والاستسلام إزاء الإلحاح المستمر والمتكرر لهذه الدعاية الصهيونية، أو على الأقل التأثر بهذه المغالطات، وهو تأثير سرعان ما يتحول إلى قبول بها، ثم اعتناقها، والتشيع لها، والاستعداد للدفاع عنها. فهذه هي نقطة القوة الأساسية في الدعاية الإسرائيلية من تكرارها لمصطلحات وعبارات زائفة ومقولات باطلة، وإلحاحها، وملاحقتها للرأي العام لترسيخها في عقله ووجدانه.

ومن هنا يسعى الإعلام الإسرائيلي إلى تسريب العديد من هذه المصطلحات في دعايته ضد العرب والمسلمين، فنجده يروج لفكرة "الأصولية الإسلامية" لإيهام العالم أن التطرف هو أصل الإسلام، وجوهر تعاليمه. ومن الملاحظ أن الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص وقع أسيرًا لهذه الفكرة حتى ضاعت المسافة بين الأصول الإسلامية التي تؤكد على أنه: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[البقرة:256]، (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[الكافرون:6]، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)[الكهف:29]. وبين حركات التطرف السياسي التي تلغي الآخر، وتستبيح دمه، وتسيء إلى هذه الأصول الإسلامية التي تحدد بدقة قواعد سلوك الاختلاف مع الآخر.

كما تردد أبواق الدعاية في إسرائيل مصطلح "يهوذا والسامرة" بديلاً عن استخدام مصطلح "الضفة الغربية" للإيحاء أنه كان يوجد مملكتان في الضفة الغربية بعد وفاة سليمان – عليه السلام – إحداهما في جنوب الضفة وهي مملكة يهوذا، والأخرى في شمالها وهي مملكة إسرائيل، متناسية أن هاتين المملكتين لم تدوما إلا ثمانين عامًا، وهي في عمر الأمم تبدو قصيرة؛ فقد ظل العرب المسلمون في الأندلس حوالي ثمانمائة عام ومع ذلك لم يطالبوا بأي حق تاريخي فيها، وفوق ذلك كانت كل مملكة من الصغر بحيث وصفها بعض المؤرخين بأنها مملكة مدينة.

ومن ناحية أخرى يستخدم الإعلام الصهيوني، منذ أواخر القرن التاسع عشر، مصطلح "الشرق الأوسط" بدلاً من عبارة "الوطن العربي" الذي يؤكد عروبة هذا الوطن من المحيط إلى الخليج، وما إسرائيل إلا جسم غريب عن الوطن العربي، ولقد بزغ في الأوساط الإعلامية الصهيونية والغربية والأمريكية على وجه الخصوص مصطلح "الشرق الأوسط الكبير" الذي يضم إسرائيل وتركيا وأفغانستان وباكستان وإيران، إلى جانب الدول العربية، حيث تلعب فيه إسرائيل دور الهيمنة وحراسة المصالح الأمريكية، وقيادة هذه المنطقة، كما يقوم هذا المصطلح على فكرة أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من جغرافيته، وأن وجودها هو وجود طبيعي يتوجب على العرب القبول به وتحرص وسائل الإعلام الإسرائيلي على ترديد عبارة "جيش الدفاع الإسرائيلي" بديلاً عن عبارة "الجيش الإسرائيلي" لتوهم العالم أن إسرائيل - دائمًا – في حالة دفاع عن النفس ضد محيط عربي معادٍ، يسعى إلى القضاء عليها.

ب- أسطورة الصحراء:

عندما تحدد المفهوم الواضح لليهودية السياسية انطلاقا من كتاب "ثيودور هرتزل" "الدولة اليهودية" الصادر عام 1896 م، لم يرد به ذكر الشعب الفلسطيني، بل لم يذكر اسم ذلك الشعب لا في كتاب هرتزل ولا في الجمعيات السياسية التأسيسية للحركة الصهيونية العالمية، فإنكار وجود هذا الشعب هو مبدأ من المبادئ الأساسية للصهيونية، وهو أصل مل الجرائم اللاحقة التي ارتكبت ضده، ولقد صرحت "جولدا مايير" لجريدة " Sunday Times " اللندنية في 15 يونيو 1969 قائلة: "لا وجود للفلسطينيين،وليست المسألة مسألة شعب في فلسطين يعتبر نفسه الشعب الفلسطيني، وليست المسألة أننا أتينا وطردناهم وأخذنا بلادهم، لا، إنهم لا يوجدوا أصلا". وعندما توجه. وقد ذكر الأستاذ الجامعي " نبزيون دينور" * في كتاب له، المعنون بـ: "تاريخ الهاغاناه" : ليس في بلادنا مكان إلا لليهود،وسنقول للعرب: ارحلوا، فإن لم يرضوا بذلك وعمدوا إلى المقاومة،فسنرحلهم بالقوة" .،وكتب "جوزيف فايتر" قائلا: "من الواضح – فيما بيننا – أنه لا مكان في البلاد لشعبين،والحل الوحيد هو إسرائيل اليهودية التي تضم على الأقل إسرائيل الغربية- غربي نهر الأردن- بلا عرب ولا مخرج إلا بنقل العرب إلى مكان آخر في البلدان المجاورة" .

وعمل الصهاينة على تدعيم أسطورتهم التاريخية بادعائهم أن فلسطين " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" حسب عبارة "إسرائيل زانغويل".فالصهيونية خلقت تماما كما فعلت اللاسامية بعد أن هدمت الاستمرارية التاريخية للأرض الفلسطينية استمرارية عنصرية وعرقية الشعب اليهودي استنادا إلى أسباب خيالية ورفض الاندماج تسويغا للعودة إلى أرض الأجداد، وكأن اليهود الحاليون أسلافا وورثة طبيعيين لإسرائيل العهود التوراتية ومحققي الأمنية الألفية لجميع الطوائف اليهودية في العالم تلك أقوالهم، ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك كل الاختلاف،فبعد تصريح "بلفور" المشؤوم عام 1917، و بعد عشرين عاما من الدعاية الصهيونية السياسية للعودة إلى فلسطين وبعد مجيء الموجات الأولى من المهاجرين الذين فروا من المذابح في روسيا وبولندا ورومانيا،كان في فلسطين كما هو ثابت من التعداد الذي قام به الإنجليز في 31 دجنبر 1922، 757000 نسمة منهم 66300 من العرب- 590000 عرب مسلمون و 73000 عرب مسيحيون- و 83000 نسمة يهود، أي كان في فلسطين 88% من العرب،و 11% من اليهود.

وينبغي أن نتذكر أن تلك البلاد والتي زعموا أنها كانت صحراء قبل مجيئهم، كانت تصدر الحبوب والموالح (الحمضيات) بكميات كبيرة، وهنا يكمن التناقض في الادعاءات الصهيونية،وهذا ما يتأكد من قول أحد الصهاينة الأوائل: "آشير غتربرج"، الذين جاؤوا إلى إسرائيل،حين كتب في عام 1891 بتوقيع مستعار" واحد من الشعب" " اعتدنا أن نقول في الخارج بأن أرض فلسطين شبه صحراوية، وأنها لا زرع فيها ولا ضرع، وعلى من شاء الحصول على أرض أن يأتي هنا، ويأخذ ما شاء من أرض،غير أن الواقع مخالف لذلك تماما، فيصعب أن نجد في طول البلاد وعرضها، أرضا بلا زرع، والمناطق الوحيدة غير المستزرعة هي مساحات من الرمال وجبال صخرية،يمكن أن تنمو بها أشجار الفاكهة، بعد جهد شاق من استصلاح الأرض وإعدادها" .

لقد كان ذلك الفراغ التاريخي والجغرافي المزعوم الأساس الأول للصهيونية السياسية عندما تذرعت به لتبرير عمليات الطرد والنهب والقمع التي ستظهر مدى ما وصلت إليه.

* الأسطورة العنصرية:

أما الأسطورة الثانية التي أقيمت على أساسها الصهيونية، فهي أسطورة الاستمرارية العرقية والحنين الدائم للعودة إلى الوطن، فهناك خرافة عن أصل اليهود تزعم " أن كل يهود العالم اليوم من ذرية جنس واحد جاؤوا كتلة واحدة بأمر الرب مع إبراهيم ومن تبعوه إلى الأرض الموعودة (أرض كنعان) ثم ساروا نحو مصر وأنقذهم الرب من العبودية بفضل (معجزة الخروج) بقيادة موسى حوالي القرن 13 ق.م،وغزوا (الأرض الموعودة) تحت قيادة يوشيا (يوشع بن نون)، وأبادوا السكان الأصليين، وأسسوا مملكة داوود ثم حاقت بهم الهزيمة وتشردوا في أنحاء الأرض . ولكن من الثابت بأن مفهوم "العرق" من اختراع القرن التاسع عشر الأوروبي، ظهر لتسويغ السيطرة الاستعمارية الغربية.

وقد استنكر المفكر الاجتماعي المعاصر "ليفي ستراوس" هذه العنصرية أشد استنكارا، وأوضح تماما أن هذه الفكرة مضرة بالبشرية،لأنها تستبعد اللقاء بين الثقافات، وقال في كتابه "العرق والدين": ليس هناك عيب أشد صررا بأمة من الأمم، وأكثر إعاقة لها، عن تحقيق ذاتها، من بقائها منعزلة، وقد استخدمت نظرية العرق المزعومة كمبرر لمختلف ألوان السيطرة والعنف، وبلغت أقضاها في عهد النازية، واتهم "هتلر" اليهود في كتابه "كفاحي" بأنهم يريدون تدمير الجنس الأبيض الذي يبغضونه أشد البغض وذلك بالهبوط به إلى الدرك الأسفل عن طريق اختلاط الدم والتهجين "فاليهودي يسمم دم غيره بينما يصون دمه" .

إن التاريخ لا يقدم على أساس موضوعي لفكرة "العرق"، فالقول بأن اليهود "عرق أو جنس" منعزل عن بقية الأمم هو مدعاة لخلق أسطورة يعتنقها اللاساميون والصهيونيون على حد سواء، فاللاسامية والصهيونية يقومان على نفس النظرية ويؤديان إلى نفس النتائج، فالفرضية المشتركة لدى الجانبين هي الإيمان بوجود كيان "يهودي" غير قابل للاندماج في غيره من الشعوب سواء أكان ذلك لأنه "الشعب المختار" أو أنه" الشعب المطرود" فهناك نتيجة واحدة متماثلة في الحالتين ألا وهي اقتلاع اليهود من الشعوب التي يعيشون فيها وذلك لجمعهم في "معزل عالمي"،وهذا بالضبط هو هدف اللاساميين ، والواقع أنه لم يكن هناك قط جنس "يهودي" ففي كل مراحل التاريخ كان اليهود أحد العناصر التي تتكون منها الشعوب الكبرى ،وهكذا فإن الحصيلة الأكثر وضوحا على القضاء على الخدعة التاريخية التي صاغها "توماس كيرنان" بقوله "كان الصهيونيون أوربيون وليس ثمة أي صلة إطلاقا بيولوجية متعلقة بالأجناس البشرية بين أسلاف اليهود والقبائل العبرانية القديمة" .

ج- أسطورة الماسادا

ومن أساليب حرب الصهيونية ضد التاريخ وحقائقه أيضاَ، ابتكار وصياغة أساطير جديدة تخدم الأهداف الصهيونية، هي نتاج بنات أفكارهم، والمثل بين أيدينا هو أسطورة "المسادا" حيث الرواية الأسطورية للمسادا تختلف تمام الاختلاف عن الرواية الحقيقية الوحيدة التي تملكها أي رواية يوسيفوس فلافيوس.

فقد جرى خلق هذه الأسطورة بواسطة عمليات حذف دؤوبة لحقائق أساسية، وإضافة وتزييف حقائق لم تكن قائمة في رواية يوسيفوس.

المستشرق اليهودي برنارد لويس كان أحد أوائل الباحثين الذين اتخذوا موقفاً صارماً من رواية المسادا (1975) حيث أكد أن الرواية الحديثة للمسادا تشكل إحدى الحالات فيما يدعوه "التاريخ المختلق".

المؤرخ الفرنسي بيير فيدال – ناكيه – شاطر لويس رأيه، في المسادا بالقول "إن الرواية الأسطورية للمسادا كما يعرفها الإسرائيليون وغيرهم ليست سوى مجرد أسطورة وتلفيق".

من المعروف أن أسطورة المسادا تتحدث عن أن جماعة من المقاتلين اليهود الفارين من القدس بعد تدميرها على يد الجيش الروماني عام (70)م إلى المسادا خاضوا معركتهم الأخيرة ضد الجيش الروماني، وعندما أوشك هذا الأخير على احتلال قلعة المسادا اختار المقاتلون اليهود الانتحار الجماعي بدلاً من الاستسلام أمام الرومان والتحول إلى عبيد، أو الموت ميتة فظيعة.

وقد أصبحت هذه الأسطورة لدى الصهاينة رمزاً بطولياً لـ "الوقفة الأخيرة" كما قال ذات يوم موشي دايان. وقد لعبت هذه الأسطورة لدى الصهاينة دوراً حاسماً في بلورة الهوية الفردية والجمعية الجديدة لأجيال من اليهود والإسرائيليين بين مطلع الأربعينيات وأواخر الستينيات.

لكن المكتشفات الأثرية لم تعثر في مكان المسادا سوى على ثلاث جثث لطفل ورجل وإمرأة مما يبرهن أن لا وجود لها كأسطورة وكحادثة تاريخية.

د-الادعاء الديني:

اعتمدت الصهيونية على التوراة في تدعيم ادعاءاتهم المختلفة، لأنها رأت في الحجة التوراتية ترسيخا لمطالب إقليمية وحقا إلهيا في امتلاك فلسطين،وبهذا الصدد يقول "ميناحيم بيجن":"وعدنا هذه الأرض ولنا عليها حقوق"،وكذلك يقول "موشي ديان": "إذا كنا نملك التوراة،وإذا ما اعتبرنا أنفسنا شعب التوراة، وجب علينا امتلاك الأراضي التوراتية: أراضي قضاة ورؤساء القدس والخليل وأريحا وغيرها من الأمكنة". إن هذا التصور للوعد وكذلك وسائل تحقيقه كما استخرجه قادة الصهيونية السياسية من "سفر يوشع" ومآثر ذبح السكان السابقين التي تمت بأمر من الرب،يشكلا بالإضافة إلى موضوعات "الشعب المختار" و"إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات أساس الإيديولوجية الصهيونية.

لقد رأت الأنظمة الاقتصادية والاستغلالية عبر مختلف العصور في الدين وسيلة صالحة تخفي وراءها أهدافها في السيطرة والنهب واستغلال الشعوب، أما فكرة "الشعب المختار" فهي مرفوضة تاريخيا، لأنها منبثقة أصلا عن كاتبيها الذين ميزوا أنفسهم لأنفسهم وليس من إثبات لذلك سوى أهداف وغايات عنصرية عدائية.

كما أن الفكرة سياسيا إجرامية، لأنها تضفي القداسة والتوسع والسيطرة، وكل سياسة تدعى الاستناد إلى هذه الخرافة اللاهوتية في الاصطفاء تقود إلى إنكار الآخرين ورفضهم، وليس ثمة نظرية لاهوتية للعزلة، لأن الفرد المعزول المكتفي ذاتيا لا رب له.

يتأكد مما سبق والذي ذكرناه، إذا علمنا أن الأكثرية الساحقة الواسعة من إسرائيل اليوم لا يمارسون الشعائر الدينية،و لا العقائدية، ثم إن الأحزاب السياسية المختلفة لا تضم سوى أقلية ضئيلة من المواطنين المتدينين على الرغم من أنها تضطلع بدور حاسم في "دولة إسرائيل"، وقد علل "ناتان نشتوك" هذه المفارقة تعليلا جيدا، فقال: "إذا ما انتصرت الظلامية الحاخامية في إسرائيل، فلأن الصوفية الصهيونية لا تتماسك إلا بالعودة إلى الملة الموسوية. وإذا ما حذفتم مفهومي "الشعب المختار" و "أرض الميعاد"، انهارت أسس الصهيونية. ولذا تستمد الأحزاب السياسية قوتها من تواطئها مع الصهيونيين" . وإذا بحثنا في جوهر الأيديولوجية الصهيونية،نجد أنها اعتمدت هذه الأفكار كإضافات إلى بنية أيديولوجية، والعلاقة بين هذه المحتويات والبنية الأيديولوجية ليست علاقة عضوية، وإنما علاقة ميكانيكية خارجة ولو حذفت هذه الأفكار من البنية الأساسية، فإنها لا تتغير ولا تتعدل كثيرا، لأن جميع الاتجاهات السياسية المؤمنة بفكرة الوطن القومي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تلتقي عند الهدف الأساسي رغم المفارقات الأيديولوجية التي يتميز بها كل اتجاه بمفرده، فلقد وجد الفكر الصهيوني الجديد في فكرة "الدولة القومية" التي شكلت "زي العصر" ارتباطا بمبدأ القوميات وبحق الشعوب في تقرير مصيرها منطلقا مناسبا يرتكز عليها للمطالبة بالعودة إلى فلسطين، ولكن هذه المرة لا من أجل إعادة بناء الهيكل، وإنما بقصد إقامة "دولة قومية لهم" على أساس أن الشعوب الأوروبية التي صممت على إعمال حقها في تقرير مصيرها بإقامة دولة قومية لن يتراجع منطقها بالنسبة لليهود .

وهكذا فلو عممنا هذا المبدأ الصهيوني لمطالب تقوم على "الحقوق التاريخية أو الدينية"، لعمت الفوضى العالم بأسره. فلماذا لا يطالبون البريطانيون قياسا على ذلك "بحقوق تاريخية في فرنسا" التي حكمها الرومان منذ عهد "يوليوس قيصر" حقبة أطول من الحقبة التي حكم فيها ملوك إسرائيل أرض فلسطين؟ .

ولماذا لا يطالب السويديون بأرض نورمانديا وبإنجلترا وصقيلية باسم أسلافهم "النورمان"؟ وماذا يكون مصير إفريقيا لو طالب قدامى الغزاة بإعادة إمبراطورية "ماندانج" أو بسيادة "قبائل اليبل"؟ وحتى لو اقتصر الأمر على أوروبا فلنا أن نتخيل ما يحدث لو طالبت الدول الأوربية اليوم " بحقوقها التاريخية" فوق الأرض التي سبق لها أن حكمتها أو أن شكلت أغلب سكانها في حقبة من الحقب؟. وثمة دليل منطقي على استحالة ما يقول به الصهيونيون نستعيره من العلم اللاهوتي " ألبيردي بيري" من جامعة "نيوشاتل" إذ يقول: " قام استعمار أمريكا على سلسلة من أعمال الاغتصاب لممتلكات الهنود الحمر، ولا يمكن الاعتماد على تلك الحقيقة للطعن في مشروعية قيام الدول التي نشأت فوق أرض تلك القارة"، وذلك مع كون "الحقوق التاريخية" للهنود أكثر بكثير من الحقوق المزعومة للصهيونيين".

ومن وجهة النظر التاريخية يتضح أنه ليس للمتعصبين من دعاة الصهيونية حقوق تاريخية في فلسطين أكثر مما كان للصليبيين، فالأسطورة القديمة التي نادى بها صهيونيو اليوم ليست سوى حجاب يختفي خلفه الوجه الحقيقي للاستعمار الصهيوني في القرن العشرين. ولكي يعوض الصهيونيون ضعف هذا المطلب المتعلق "بالحقوق التاريخية" والذي يخلو من أي أساس معقول، فهم يلجؤون إلى سلاح آخر لأساس تاريخي ألا وهو مذابح اليهود على يد هتلر.وقد يعطي المرء الحق للصهيونيين الذين لا يبررون مطلبهم بغطاء أسطوري، فيقولون إنهم يردون ملجأ لضحايا الاضطهاد الهتلري. ولكن ليس من المعقول أن نحل المشكلة بالالتجاء إلى الظلم لإنصاف المظلوم، فلا يمكن طرد شعب والاستيلاء على أرضه بالقوة وهو لم يشارك قط في الجريمة الهتلرية ضد اليهود.

ويرى البعض وعلى رأسهم الصهيونية اليهودية أن الحل الأوحد لمشكلة أمن اليهود هو إنشاء دولة يهودية. وهذا أمر غير معقول، فلم يحدث خلال التاريخ أن وجدت دولة آمنة كانت بمنأى عن التدمير، فهناك أكثر من ذلك، فالإمبراطوريات الاستعمارية التي قامت –كما هو الحال في الدولة الصهيونية – ضد إرادة السكان المحليين لم تستطع واحدة منها البقاء مهما كانت القوة العسكرية لجيوش الاحتلال. وقد دلت التجربة الاستعمارية في إنشاء دولة صهيونية بفلسطين، تقوم على أساس سياسة توسعية وفقا لروح المذهب الصهيوني، كما دلت هذه التجربة خلال نصف قرن، أن هذا معناه حالة حرب دائمة وخوفا أكبر إزاء المستقبل، بل وأدى هذا إلى أن اصبح أكثر يهود العالم تعرضا للخطر هم من يعيشون في تلك الدولة اليهودية والأغلبية العظمى لليهود 80% من يهود العالم على إدراك تام لهذه الحقيقة، لأنهم آثروا البقاء في أوطانهم، بل إنهم بعد نصف قرن من إنشاء إسرائيل، أصبح عدد من يهجرونها أكبر من عدد من يهاجروا إليها .

د- أشكال أخرى للتزييف التاريخي:

ترفض الصهيونية، شأنها في ذلك شأن أي حركة عنصرية التسليم بمنطق العلم وحقائقه، لا بل وتخوض معهً حرباً واسعة، مكشوفة حيناً ومستترة في معظم الأحايين، وبالتحديد ضد حوامله وتستخدم في تلك الحرب أساليب متنوعة.

من أبرز هذه الأساليب القتل المعنوي من خلال إشهار تهمة معاداة السامية أو تعبير "اليهودي الكاره لذاته" حين يكون العالم يهودياً، كما هو حال عالم النفس النمساوي مؤسس مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد إثر صدور كتابه "موسى والتوحيد".

1-القتل المادي

إضافة إلى القتل المعنوي، هناك القتل والتصفية الجسدية، كما حصل مع عالم الآثار الأميركي بول لاب الذي ترأس بعثة تنقيب في فلسطين العام 1962 بالقرب من نابلس.

ففتح بعمله الطريق لنقد علم الآثار التوراتي وساهم في تعزيزه. ومع العام 1967 بعد استكمال احتلال فلسطين، احتج لاب علناً على الحفريات التي بدأها الجيش الصهيوني وفريق علماء آثاره.

وكان لاحتجاجه أثر بالغ في اتخاذ منظمة اليونسكو قرار طرد الكيان الصهيوني من عضويتها، بعد أن أدانته لقيامه بحفريات غير مشروعة في أرض محتلة، وتدميره المتعمد للآثار الفلسطينية مثل إزالة حي المغاربة في مدينة القدس، وقد تم إغراق د. بول لاب على شاطئ قبرص الشمالي -وهو السباح الماهر- عمداً كعقاب له على مواقفه هذه.

وتم أيضاً اغتيال عالم الآثار الأميركي د. ألبرت جلوك في بير زيت عام 1992، والمذكور ترأس قسم علم الآثار في جامعة بير زيت، وأسس معهد الآثار الفلسطينية، وهو الأول من نوعه في الوطن العربي.

الكاتب والصحفي الأميركي إدوارد فوكس في كتابه الموسوم "فجر فلسطين.. مقتل د. ألبرت جلوك وعلم آثار الأرض المقدسة" اتهم الجيش الصهيوني في عملية الاغتيال.

 عميد جامعة بير زيت د. برامكي شبه عملية الاغتيال المذكورة كما نقل عنه المؤلف بقتل مائة عصفور برصاصة واحدة. فقد استهدفت عملية القتل بث الرعب في نفوس الأساتذة الأجانب العاملين في جامعة بير زيت، وضرب مشروع استكشاف التاريخ الفلسطيني، وعرقلة تنمية قدرات فلسطينية في هذا الحقل المعرفي.

بالإضافة إلى معاقبة جلوك على مواقفه المنحازة إلى الحقوق الفلسطينية، والقضاء على مشروعه الذي كان يعمل عليه وهو نشر نتائج أبحاثه القائمة على التنقيب الميداني في المواقع الفلسطينية.

والأوسع من كل هذا، هو أن اغتيال جلوك جاء في سياق حرب خفية أحياناً ومعلنة في أحيان أخرى على جبهة خطاب الاستشراق التوراتي، وفي خضم هذه الحرب قامت سلطات الاحتلال الصهيوني 1967 بطرد عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينو بعد أن أعلنت نتائج تنقيباتها عن واقع تدحض مزاعم الخطاب التوراتي حول مدينة أريحا الفلسطينية.

يقع في مقدمة هذه الأشكال تزييف الحقائق التاريخية والمكتشفات الأثرية باستخدام أدوات العلم لتطويع المادة التاريخية لخدمة أغراض أبعد ما تكون عن العلمية.

وخير دليل هو فليكوفسكي في كتابه "عصور في فوضى" إذ يعمد إلى تزييف الحقائق التاريخية لتأكيد الأساطير اليهودية انطلاقاً من فرضية تذهب إلى أن ثمة خطأ وقع في تأريخ التاريخ المصري القديم، حيث توقف تاريخ مصرعند لحظة محددة مع نهاية الأسرة الثانية عشرة في الدولة الوسطى بدخول الهكسوس إلى مصر، ولأن هؤلاء الغزاة كانوا بدواً برابرة لا يحترمون الحضارة ولا يعرفون حتى الكتابة فقد حطموا حضارة مصر ولم يحاولوا أن يتعلموا شيئاً من المصريين.

لذلك لم يتم تدوين شيء ذي بال طوال فترة احتلال الهكسوس، بينما كان بنو إسرائيل وقت دخول الهكسوس إلى مصر في طريق الخروج لشبه جزيرة سيناء، ووقت فوران أحداث جسام لم تسمح بتدوين واضح كامل لتلك الأحداث.

بالطبع كما هو واضح الهدف من هذا التزوير هو تبرير لماذا لم تسجل المدونات المصرية عملية "خروج بني إسرائيل" من مصر؟

أما فيما يتعلق بتزييف المكتشفات الأثرية فنشير إلى إقدام فليكوفسكي على تزييف قراءة اللقى الأثرية التالية:

- بردية ليدن، أو بردية إيبور

-حجر العريش

-بردية الأرميتاج

2-سرقة الوثائق

وهناك أسلوب آخر يضاف إلى ما تقدم هو سرقة الوثائق التاريخية وإخفاؤها، ولعل أكبر عملية سطو شهدناها هي السطو على المحفوظات العراقية وتحديداً تلك التي تخص اليهودية.

فقد نشرت الصحف كثيراً من الأخبار عن سرقة المتحف العراقي من أجل الحصول على التلمود البابلي الذي لم يكن في استطاعة الصهيونية الحصول عليه في العهود السابقة، فانتهزت فرصة الاحتلال الأميركي لسرقة ما يهمها من المتحف العراقي.

بل إن الصحف نشرت أن الاحتلال الأميركي وأذنابه حين دخلوا إلى دائرة المخابرات العراقية أخرجوا منها حمولة (25) صندوقاً من الوثائق والكتب أرسلت جميعاً إلى واشنطن لدراستها والاستفادة منها، وربما إخفاء بعضها حسب المصلحة الصهيونية.

 وقد أكد الدكتور خالد الناشف أنه "أثناء مداهمة مبنى المخابرات العراقية في بداية مايو/أيار سنة 2003 عثر على كتب ووثائق قيل إنها تخص الطائفة اليهودية العراقية نقلت إلى واشنطن لترميمها، وتنظيم معارض لاحقة لها".

وجاء في المقال أيضاً "إن جيف كاي مدير الموارد المالية التابع للوكالة اليهودية كان يتحرك في بغداد بحرية بدعوى تفقد أوضاع الجالية اليهودية بالعراق" كما يذكر أن كاي قد كلف من شارون "بمهام أخرى منها جلب هذه المحفوظات اليهودية إلى الكيان الصهيوني".

 ولا يتوقف الكيان الصهيوني في حربه على التاريخ وحقائقه عند ما سلف من أساليب، فجعبته حافلة بأساليب أخرى تتمثل في الاستيلاء على اللقى الأثرية، أو استخدام سطوة الحركة الصهيونية من أجل تأخير نشرها وما تحمله من حقائق، كما هو حال مخطوطات البحر الميت المعروفة باسم مخطوطات قمران، حيث أخرت الحركة الصهيونية نشرها قرابة الخمسين عاماً وذلك لإيهام الرأي العام بأن المخطوطات تحتوي على ألغام دينية.

بالمقابل حاول اليهود جاهدين التركيز على أن هذه المخطوطات جاءت لتؤكد أصالتهم في المنطقة. وهذا بالطبع زيف. فالحقيقة المكتشفة من الدراسة المتعمقة لهذه المخطوطات تبين أن اليهودية نفسها قامت على إضافات وتأليفات مستمرة عبر قرون كثيرة، في محاولة لبناء دين يكون أساساً لبناء قومية لم يكن لها مقومات الوجود والاستمرار أصلاً.

 لكن الصهاينة كما سبق وأسلفنا ليس ممن يسلم بالحقائق العلمية، لذلك نحوا منحى آخر في المواجهة مع مخطوطات قمران وهو تدمير أسورة قمران.

 وفي التفاصيل: علماء آثار صهاينة يزعمون أن الموقع الذي حظي باسم الدير الأقدم في العالم الغربي لم يكن سوى قرية عادية، ويستدلون على ذلك بنتائج الحفريات التي قاموا بها في السنوات الأخيرة، في خربة قمران الواقعة شمال غرب البحر الميت والمعروفة في العالم كله كمكان وموطئ مؤلفي أسفار البحر الميت وهم من أبناء طائفة الأسانيين.

 وفي هذا الصدد تقول صحيفة هآرتس في تقرير مطول لها "إن المعطيات تثبت -في زعمهم- أن سكان قمران عاشوا حياة مريحة بعيدة عن حياة الرهبنة، ولم يعملوا قط في كتابة الأسفار".

 كما يقوم الكيان الصهيوني بتدمير الأماكن الأثرية حيث صدر تقرير عن اتحاد مهندسي نابلس بحصر الآثار التي تم تدميرها، مثل جامع الحضرة الذي يتجاوز عمره الألف عام، والجامع الكبير ويبلغ عمره 1800 عام حيث كان في الماضي كنيسة بيزنطية، وجامع الزيتون ويتجاوز عمره 1600 عام، والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية ويتجاوز عمرها أربعمائة عام، كذلك تم تدمير ستين منزلاً على الأقل تنتمي لعصور تاريخية مختلفة، إضافة إلى تدمير أكثر من ثمانين بالمائة من شوارع المدينة القديمة الصخرية بحجة تجديد رصفها، ويضاف إلى ذلك تدمير حمام الشفاء التركي، والمدخل الشرقي لأحد الخانات، وعدد من القناطر والأروقة، وأكثر من خمسة مصانع تاريخية للصابون، وسبعة ينابيع مياه رومانية دمرت بالكامل. وانتهى التقرير انتهى إلى أن عدد الآثار المدمرة كلياً أو جزئياً يقترب من الثلاثمائة أثر.

ويذكر أيضاً أن الانتقادات العالمية لم تكن بالصورة التي شهدناها عندما دمرت حركة طالبان تمثال بوذا، ويذكر أن التحرك الوحيد تمثل في موافقة هيئة مكتب مركز التراث العالمي التابع لليونسكو على وضع هذا الموضوع على جدول الأعمال ليناقش في المؤتمر العام الذي كان مقرراً أن يُعقد في بودابست في يونيو 2002. وعلى الرغم من النجاح الذي حقق في استصدار قرار مبدئي بإدانة الممارسات الإسرائيلية تجاه التراث وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق فإن الولايات المتحدة بذلت جهوداً

أما الحفائر الإسرائيلية في فلسطين فقد بدأت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وفقاً لفرضيات مسبقة يتم السعي إلى إثباتها. ومما تقدم فإن الآثار الإسلامية والمسيحية لاقت إهمالاً شديداً بل وتدميراً متعمداً في بعض الأحيان، ويذكر أيضاً أن بعثة فرنسية برئاسة ديولسي قامت بأول حفائر في القدس عام 1863 ، واكتشفت خارج البلدة القديمة مقابر الملوك التي ادعت أنها ترجع لعصر الملك داود، ومنذ ذلك التاريخ والادعاءات تتتابع رغم أن الحفائر أثبتت زيفها. كما انه منذ احتلال القدس بدأت العمليات الحفرية بشكل هستيري، وهو ما أدى إلى تصدع الكثير من الآثار الإسلامية والمسيحية وتعرضها للانهيار. ورغم أن معظم الآثار التي تم العثور عليها حتى الآن تعود إلى العصر الأموي، إلا أن( إسرائيل) تصر على تتبع الهيكل السليماني المزعوم الذي تدعي أنه هو نفسه المسجد الأقصى.

خاتمة:

لقد أكدت بحوث علماء الاجتماع والأنثربولوجيا مبدأ النسبية الثقافية، ومن تم يصعب إخضاع تاريخ الثقافة بأكمله لقانون واحد ثابت للتقدم لا يطرأ عليه أي تعديل، يضاف إلى ذلك أن أصحاب الاتجاه التاريخي يعتمدون على الظن والتخمين.كما تعرض المنهج التاريخي لنقد شديد نلخصه فيما يلي:

- التحيز: حيث يلاحظ أن هناك من الدراسات التي تركز على جانب واحد للحدث التاريخي المقصود دراسته وذلك قصد الوصول إلى استعراض جانب معين، وذلك سيكون على حساب العرض المحايد وقد يكون هذا التركيز مغرضا، وذلك بقصد الوصول إلى استنتاجات تخدم أهداف معينة.

- عدم الأخذ بالارتباط السببي أو التطور المنطقي المنتظم بمعنى أن هناك علاقة وثيقة بين السبب والنتيجة، أي أن هناك سببا ونتيجة وقد تصبح النتيجة سببا لنتيجة أخرى.

- إن التاريخ لا يتطور في اتجاه محدد أو معلوم، حتى يمكن استخلاص قوانين يمكنها تفسير الظواهر المختلفة التي تحيط بعملية التطور هذه وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه كثير من الدارسين حيث يعملون تحت وهم الاعتقاد بأن التاريخ وما يرتبط به من علاقات بين الدول يتطور من وضع إلى آخر بفعل قوانين بالإمكان تحديدها والتوصل إليها .

- زيف بعض الوثائق الرسمية العلنية التي قد تحمل معطيات غير حقيقية بالمرة، بل يراد منها تغليط الرأي العام والباحثين.

 إن تاريخ الصهيونية وتاريخ اليهودية حمل معه على مر القرون من المعتقدات المتناقضة ومن الأفكار المزيفة ومن تشويه الواقع، ما يحول دون تكون أي وجود يهودي فابل للبقاء ، وواقع دولة إسرائيل بعد ولادتها حمل معه من أعباء ذلك التاريخ ما حمل، وحمل فوق ذلك ما اصطنعته الصهيونية من تحليل مزيف للواقع اليهودي وحاجته، كان من أفضل الأحوال رد فعل خاطئ على النزاعات المعادية للسامية وعلى اضطهاد اليهود دون ما تساؤل عن مسؤولية اليهود أنفسهم ومسؤولية الصهيونية نفسها عن نمو تلك النزاعات الكارهة لليهود، ودون ما تساؤل عن مدى سلامة مداواة الداء بالدواء، أي مداواة شعور بعض اليهود بالغربة في ديار الشتات بدعوتهم إلى غربة أدهى وأمر تضيف إلى تبعثرهم السابق في دول العالم شتاتا جديدا لهم وسط وجود عربي يكره على احتوائهم بالقوة.

 بالإضافة إلى ذلك كله حملت النزاعات الصهيونية الدينية نفسها تناقضا فاضحا حين أكدت في دعوتها الدينية على الجانب المتصل بأرض الميعاد في معزل عن سواء، وهذا ما يعبر عنه "نعوم تشومسكي" حين يأخذ على اليهودية الأرثوذوكسية المسيسة استخدامها في الكتب المقدسة استخداما انتقائيا يأخذ ببعض ويدع البعض الآخر، ويقول في هذا " عندما يؤكد المدافعون عن إسرائيل أهمية الأرض في الديانة التوراتية، ينبغي أن نسألهم بادئ ذي بدء، عما إذا كانوا يردون حقا إرجاع اليهودية إلى عهدها التوراتي،أي عما إذا كانوا يريدون أن تلجأ اليهودية اليوم إلى تقديم الحيوانات قرابين لله، وإلى قبول الرق، وإلى تطبيق أحكام الإعدام على من يخالف الطقوس الدينية، وإلى إقامة دولة ثيوقراطية، أم أنهم يريدون فقط أن يؤكدوا دور الأرض في معزل عن سياقه، وهكذا فإن هذا التناقض البذيء والمستمر في تاريخ اليهودية وفي تاريخ الحركة الصهيونية بوجه خاص، لم تجد في إخفائه وتعميمه الجهود الدائبة منذ ولادة إسرائيل حتى اليوم، وأخذ يكشف للعيان ويزداد حدة وشدة مع الأيام، وغدا في أرض إسرائيل أشبه بقنبلة موقوتة معرضة للانفجار في الوقت المناسب .

ــــــــــــ

عبد المنعم بدراوي: العلاقات الدولية بين النظرية والتطبيق،الجزء 2 و3، مطبعة النجاح البيضاء 1983،ص: 13.

- أحمد إبراهيم الجبير: مبادئ العلوم السياسية، الجامعة المفتوحة، 1995، ص: 52.

- نادية مصطفى: الدولة العثمانية،أبعاد التحيز في دراسات النظام الدولي وفي دراسة التاريخ الإسلامي،مقال ضمن كتاب " إشكالية التحيز،الجزء الثاني،المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1981،ص: 656.

- بلقاسم كريمني: نظرية المنظمات الدولية، دراسة تأصيلية في التنظيم الدولي، مكتبة دار السلام، الرباط،الطبعة الثانية، 1994،ص: 41.

- نادية مصطفى،المرجع السابق،ص: 656.

- محمد الصوفي: تحولات النظام الدولي في عصر العولمة، مكتبة دار السلام،الرباط، الطبعة الأولى 2001،ص:26.

- لويس دوللو: التاريخ الدبلوماسي،ترجمة سموحي فوق العادة، بيروت،الطبعة الأولى 1970،ص: 5.

- محمد الصوفي: تحولات النظام .....،مرجع سابق،ص: 26.

- نفس المرجع،ص: 27.

- سمر بهلوان ومحمد حبيب صالح: دراسات في تاريخ القضية الفلسطينية، منشورات جامعة دمشق، 1998،ص: 78.

- محمد منير حجاب: الدعاية السياسية الصهيونية، وتطبيقاتها قديما وحديثا، دار الفجر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1998،ص: 86.

 - المرجع نفسه،ص: 87-88.

- شفيق الرشدان: فلسطين: تاريخا...وعبرة...ومصيرا، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة التراث القومي، الطبعة الأولى 1991، ص: 29.

 - شفيق الرشدان،المرجع السابق، ص: 30.

 - نفس المرجع،ص: 31.

 - نفس المرجع،ص: 33.

 - سمر بهلوان ومحمد حبيب صالح: المرجع السابق،ص: 79.

 - نفس المرجع،ص: 80.

 - روجي جارودي: إسرائيل،الصهيونية السياسية، دار الشرق، الطبعة الأولى 1983،ص: 33.

* أول وزير للتعليم في وزارة دافيد بن غريون مؤسس دولة إسرائيل ومن أقرب الناس إليه.

 - صلاح عبد الرحيم محمد: حرب الإعلام الإسرائيلي: مجلة الأزهر، رجب، 1425هـ.

- روجي جارودي، نفس المرجع،ص: 42.

 - المرجع نفسه،ص: 43.

 - سمر بهلوان ومحمد حبيب صالح: دراسات في تاريخ.........،المرجع السابق،ص: 80.

 - روجي جارودي: المرجع السابق، ص: 43-44.

 - المرجع نفسه،ص: 45.

 - روجي جارودي،المرجع السابق،ص: 49.

 - نفس المرجع:ص: 51.

 - سمر بهلوان: المرجع السابق،ص: 81.

 - نفس المرجع،ص: 82.

 - نفس المرجع،ص: 83.

 - روجي جارودي: المرجع السابق، ص: 62.

 - نفس المرجع، ص: 74-75.

 - عبد الله الحسن: الصهيونية ومحالو اغتيال التاريخ الفلسطيني، الجزيرة نت:

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C8AEA984-

782A-4824-8DF2-3A943DFE43B5.htm

- خالد الناشف: المخطوطات اليهودية والاخترق الصهيوني، صحيفة الدستور الاردنية، 17/8/2004.

 - كمال محمود الخطيب: دور الوثيقة في مواجهة المشروع الصهيوني، مجلة العربية 3000، أخبار وثقافة:

http://www.arabcin.net/akbar/modules.php?name=News&file=article&sid=892

- أحمد إبراهيم الجبير: مبادئ العلوم السياسية......، المرجع السابق،ص: 365.

 - عبد الله عبد الدائم: إسرائيل وهويتها الممزقة، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة الثقافة والقومية، الطبعة الأولى 1996،ص: 112.

 - عبد الله عبد الدائم: المرجع السابق،ص: 113-114.

ـــــــ

**باحث في العلاقات الدولية-المغرب

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ