ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإمام النسائي ومنهجه في كتابيه (الضعفاء والمتروكين ) و (المجتبى) أ.د. عبد الرحمن البر* ترجـمة الإمـام النَّسـائي اسمــه ونســبه : هو الإمام الحافظ الثبت
شيخ الإسلام ، ناقد الحديث ، أبو
عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي
بن سنان بن بحر الخراساني
النسائي ، صاحب السنن . مولـــده ونشــأته ، وطلبه للعلم ،
وشيوخــه فيه : ولد بنسا في سنة
خمس عشرة ومائتين ، وطلب العلم
في صغره ، فارتحل إلى قتيبة بن
سعيد في سنة ثلاثين ومائتين ،
فأقام عنده ببغلان سنة ، فأكثر
عنه وقال : أقمت عند قتيبة بن
سعيد سنة وشهرين . وسمع من إسحاق
بن راهويه وهشام بن عمار ومحمد
بن النضر بن مساور وسويد بن نصر
وعيسى بن حماد زغبة وأحمد بن
عبدة الضبي وأبي الطاهر بن
السرح وأحمد بن منيع وغيرهم من
كبار شيوخه ، وخلق كثير . علــمه ورحلــته : كان رحمه الله من بحور
العلم مع الفهم والإتقان والبصر
ونقد الرجال وحسن التأليف ، جال
في طلب العلم في خراسان والحجاز
ومصر والعراق والجزيرة والشام
والثغور ثم
استوطن مصر ، ورحل الحفاظ إليه
ولم يبق له نظير في هذا الشأن . تــلاميذه : حدث عنه أبو جعفر الطحاوي ،
وأبو علي النيسابوري ، وحمزة بن
محمد الكناني ، وأبو جعفر أحمد
بن محمد بن إسماعيل النحاس
النحوي وأبو بكر أحمد بن محمد بن
السني ، وأبو القاسم سليمان بن
أحمد الطبراني ، وخلق كثير . وصــفه ومعيشــته : كان شيخاً مهيباً ،
مليح الوجه
ظاهر الدم ، حسن الشيبة.
وكان رحمه الله يسكن بزقاق
القناديل بمصر ، وكان نضر الوجه
مع كبر السن ، يؤثر لباس البرود
النوبية والخضر ، ويكثر
الاستمتاع ، له أربع زوجات ،
فكان يقسم لهن ولا يخلو مع ذلك
من سُرِّيَّة ، وكان يكثر أكل
الديوك تُشترى له وتُسمَّن
وتُخصى . عقيــدته : كان رحمه الله سُـنيَّ العقيدة
، وكان ينكر أشد النكير على
المعتزلة والقدرية القائلين
بخلق القرآن . قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد
بن أبي العوام السعدي : حدثنا
أحمد بن شعيب النسائي ، أخبرنا
إسحاق بن راهويه ، حدثنا محمد بن
أعين قال : قلت لابن المبارك : إن
فلانا يقول : من زعم أن قوله
تعالى ( إنني أنا الله لا إله إلا
أنا فاعبدني ) مخلوق فهو كافر.
فقال ابن المبارك : صدق . قال
النسائي : بهذا أقول. اتهـامه بالتشــيع : كان رحمه الله جريئا
في الجهر بما يعتقد أنه الحق ،
لا يبالي في سبيل الحق بشيء ،
ولما رأى تحامل أهل الشام على
علي بن ابي طالب t ألف كتابه (خصائص علي) ، فاتهم
رحمه الله بالتشيع بسبب تأليفه
هذا الكتاب ،فردَّ عن نفسه هذه
التهمة ، وصنف في فضائل الصحابة
. قال محمد بن موسى المأموني صاحب النسائي :
سمعت قوما ينكرون على أبي عبد
الرحمن النسائي كتاب الخصائص
لعلي t، وتركه تصنيف فضائل الشيخين ، فذكرتُ له
ذلك فقال : دخلت دمشق والمنحرف
بها عن علي كثير فصنفتُ كتاب
الخصائص ، رجوتُ أن يهديهم الله
تعالى . ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل
الصحابة ، فقيل له : وأنا أسمع :
ألا تخرج فضائل معاوية t ؟
فقال : أي شيء أخرِّج ؟ حديث
(( اللهم لا تشبع بطنه ))
فسكت السائل . قال الذهبي : لعل
أن يقال هذه منقبة لمعاوية ؛
لقوله صلي الله عليه وسلم : ((
اللهم من لعنته أو سببته فاجعل
ذلك له زكاة ورحمة)) علمــه بالحديث وفقهه فيه : كان الإمام
النسائي رحمه الله بارعاً في
الحديث عالماً بفقهه ، وكان
العلماء من معاصريه يطلبون منه
أن ينتقي لهم من أحاديث شيوخهم . قال مأمون المصري المحدث : خرجنا إلى
طَرَسوس مع النسائي سنة الفداء
، فاجتمع جماعة من الأئمة عبد
الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن
إبراهيم مربع وأبو الآذان
وكيلجة ، فتشاوروا من ينتقي لهم
على الشيوخ ، فأجمعوا على أبي
عبد الرحمن النسائي ، وكتبوا
كلهم بانتخابه .
قال الحاكم :كلام النسائي على فقه الحديث
كثير ، ومن نظر في سننه تحير في
حسن كلامه .
ورعــه وتحريه في كتابة الحـديث : قال ابن
الأثير في أول جامع الأصول : كان
شافعياً له مناسك على مذهب
الشافعي ، وكان وَرِعاً متحريا
، قيل : إنه أتى الحارث بن مسكين
في زي أنكره عليه ، قلنسوة وقباء
، وكان الحارث خائفاً من أمورٍ
تتعلق بالسلطان ، فخاف أن يكون
عيناً عليه ، فمنعه ، فكان يجيء
فيقعد خلف الباب ويسمع ، ولذلك
ما قال : حدثنا الحارث ، وإنما
يقول : قال الحارث بن مسكين
قراءة عليه وأنا أسمع . ومن ذلك أنه لم يكتب حديث ابن لهيعة الذي
أخذه من شيخه قتيبة لكونه رآه
ضعيفا ، وكان ربما قرَنه بعمرو
بن الحارث أو غيره مبهما . قال
أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ : من
يصبر على ما يصبر عليه النسائي ،
عنده حديث ابن لهيعة ترجمة
ترجمة ، يعني عن قتيبة عن ابن
لهيعة ، قال : فما حدث بها . ثنــاء العلماء عليه : قال الحافظ أبو علي
النيسابوري : أخبرنا الإمام في
الحديث بلا مدافعة أبو عبد
الرحمن النسائي
. وقال أبو الحسن الدارقطني : أبو عبد
الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا
العلم من أهل عصره . وقال الحافظ ابن طاهر: سألت سعد بن علي
الزنجاني عن رجل فوثقه ، فقلت :
قد ضعفه النسائي . فقال : يا بني ،
إن لأبي عبد الرحمن شرطاً في
الرجال أشدَّ من شرط البخاري
ومسلم . قال الذهبي : صدق
، فإنه ليّن جماعة من رجال صحيحي
البخاري ومسلم . قال الدارقطني : كان أفقه مشايخ مصر في
عصره وأعلمهم بالحديث والرجال . وقال : كان أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير
الحديث ولم يحدث عن غير النسائي
، وقال : رضيت به حجة بيني وبين
الله تعالى . وقال الذهبي : لم يكن أحد في رأس
الثلاثمائة أحفظ من النسائي ،
هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله
من مسلم ومن أبي داود ومن أبي
عيسى ، وهو جارٍ في مضمار
البخاري وأبي زرعة ، إلا أن فيه
قليل تشيع ،
وانحراف عن خصوم الإمام علي
، كمعاوية وعمرو ، والله يسامحه
. قال أبو عبد الله
بن منده : الذين أخرجوا الصحيح
وميزوا الثابت من المعلول
والخطأ من الصواب أربعة :
البخاري ومسلم وأبو داود وأبو
عبد الرحمن النسائي . أخلاقه وعبادته : قال محمد بن المظفر
الحافظ : سمعت مشايخنا بمصر
يصفون اجتهاد النسائي في
العبادة بالليل والنهار ، وأنه
خرج إلى الفداء مع أمير مصر ،
فوصف من شهامته وإقامته السنن
المأثورة في فداء المسلمين ،
واحترازه عن مجالس السلطان
الذي خرج معه والانبساط في
المأكل ، وأنه لم يزل ذلك دأبه
إلى أن استشهد بدمشق من جهة
الخوارج . وفــاته : روى أبو عبد الله بن منده عن
حمزة العقبي المصري وغيره أن
النسائي خرج من مصر في آخر عمره
إلى دمشق ، فسئل بها عن معاوية
وما جاء في فضائله ، فقال : لا
يرضى رأسا برأس حتى يفضل . قال :
فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى
أخرج من المسجد ، ثم حمل إلى مكة
فتوفي بها . قال الذهبي : كذا قال ، وصوابه : إلى الرملة
. قال الدارقطني : خرج حاجا فامتحن بدمشق
وأدرك الشهادة فقال : احملوني
إلى مكة ، فحمل وتوفي بها وهو
مدفون بين الصفا والمروة ،
وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث
وثلاثمائة. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه : كان أبو
عبد الرحمن النسائي إماما حافظا
ثبتا ، خرج من مصر في شهر ذي
القعدة من سنة اثنتين وثلاثمائة
، وتوفي بفلسطين في يوم الاثنين
لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث .
قال الذهبي : هذا
أصح ، فإن ابن يونس حافظ يقظ ،
وقد أخذ عن النسائي ، وهو به
عارف . مصنفــاته : صنف السنن الكبرى ، والمجتبى
من السنن الكبرى ، وهو المعروف
بسنن النسائي ، ومسند علي ،
وكتابا حافلا في الكنى ،
وكتاب خصائص علي ، وهو داخل
في سننه الكبير ، وكذلك كتاب عمل
اليوم والليلة، وهو مجلد ، هو من
جملة السنن الكبير في بعض النسخ
، وله كتاب التفسير في مجلد ،
وكتاب الضعفاء والمتروكين ،
وغير ذلك . وسأتناول فيما يلي الحديث عن كتابي (الضعفاء
والمتروكين) و(المجتبى) : 1 -كتاب (الضعفاء والمتروكين) : سبق أن النسائي
رحمه الله كان له شرط شديد في
الرجال ، ولهذا عده العلماء من
المتشددين في الجرح والتعديل ،
الذين يضعفون الرجل بالغلطتين
والثلاث ، ولا يوثقونه إلا بعد
بحث واطمئنان شديد ، وهؤلاء
المتشددون إذا وثق أحدهم شخصاً
فإن توثيقه يقدم على تضعيف غيره
إذا لم يذكر للتضعيف سببا
مقبولا ، وممن وصف بذلك غير
النسائي : شعبة بن الحجاج ،
ويحيى بن سعيد القطان ، ويحيى بن
معين . لكن النسائي مع ذلك لا يترك حديث الرجل
إلا إذا أجمع العلماء على تركه ،
وقد ألف رحمه الله كتابه (الضعفاء
والمتروكين) ، وجمع فيه (675)
ستمائة وخمسة وسبعين راويا ،
يرى أنهم من الضعفاء . منهجه في الكتاب : أ - اختصر النسائي في ذكر الرواة الضعفاء
اختصارا شديدا ، بحث لم يذكر إلا
اسم الراوي ، ثم رأيه فيه مباشرة
، وقليلا ما يذكر له شيخا ،
وغالبا ما ينسبه إلى بلده . ب - يذكر النسائي رأيه في الراوي ولا ينقل
آراء الآخرين ممن سبقوه أو
عاصروه من العلماء . ج - لم يهتم النسائي بضبط الأسماء أو
النِّسب . د - رتب الكتابَ على حروف الهجاء بحسب
الحرف الأول فقط ، فبدأ
بالأسماء المبدوءة بحرف الألف ،
ثم المبدوءة بحرف الباء ، وهكذا
. وبعد الانتهاء من الأسماء أورد
بابا في الكنى ختمه وختم الكتاب
بـ(أم الأسود) . هـ - لم يلتزم في الحرف الواحد بالترتيب
الهجائي على الحرف الذي يليه
،ففي حرف الألف مثلا بدأ بـ(إبراهيم)
، ثم (أبان) ، ثم (أُبَيّ) ، ثم (أيوب)
، ثم (إسماعيل) ، ثم (إسحاق) ، ثم (أسامة
وغيره) . و - لم يلتزم في الاسم الواحد بمراعاة
الترتيب الهجائي في اسم الأب ،
فمثلا يذكر (إبراهيم بن هراسة)
قبل (إبراهيم بن عثمان) ، وهما
قبل إبراهيم بن الحكم) ، وهكذا .
الألفاظ التي استخدمها النسائي في
التعبير عن الرواة الضعفاء في
الكتاب : استخدم النسائي في كتابه كثيرا من ألفاظ
الجرح ، بحيث وصف كل راو ممن
ذكرهم بلفظ الدال على رتبته
عنده ، وهاك الألفاظ التي
استخدمها : ليس به بأس إلا أنه كان اختلط ، ضعيف ، لا
يعجبني حديثه ، ليس بذاك ، ليس
بثقة ، ليس بثقة ولا مأمون ، ليس
بذاك القوي ، ليس بالقوي في
الحديث ، ليس بالقوي ، كثير
الغلط ، تغير ، قيل إنه كان تغير
، نكرة تغير ، يُعرَف ويُنكَر ،
فيه نظر ، عنده حديث منكر ، ليس
بشيء ، ذهب حديثه ، مضطرب الحديث
، عنده عجائب ، متروك ، متروك
الحديث ، منكر ، منكر الحديث ،
كذاب . 1 - كتــابه : (المجتبى) أو (السنن الصغرى) هذا الكتاب هو المعروف بسنن النسائي إذا
أطلق ، وهو رابع الكتب الستة ،
بعد البخاري ومسلم وأبي داود ،
والعلماء مختلفون : هل الذي
اختصره من السنن الكبرى هو
الإمام النسائي نفسه ، أو
تلميذه أبو بكر ابن السنِّي
رحمهما الله ؟ . فيرى الذهبي وتبعه بعض العلماء أن ابن
السني هو الذي اختصره من السنن
الكبرى لشيخه النسائي ، وردَّ
الذهبي في السير ما ذكره ابن
الأثير من أن النسائي اختصر
الكتاب استجابة لرغبة أمير
الرملة ، وقال : هذا لم يصح ، بل
المجتبى اختيار ابن السني
. ويرى أكثر العلماء أن النسائي نفسه هو
الذي اختصر المجتبى من كتابه (السنن
الكبرى) ، وأن بعض الأمراء - سماه
بعضهم أمير الرملة - سأله عن
كتابه السنن أكله صحيح ؟ فقال :
لا ، قال : فاكتب لنا الصحيح
مجردا . فقام النسائي باختصار
المجتبى من ( السنن الكبرى ) . أما منهجه في اختصاره ، فذكروا أنه ترك كل
حديث أورده في السنن مما
تُكُلِّم في إسناده بالتعليل . ويبدو هذا الرأي الثاني أكثر وجاهة
وقبولا لعدة أسباب : 1 - أن الذهبي لم يُسبق إلى هذا القول ، ولم
يذكر دليلا عليه ، بل ذكر ابن
خير الإشبيلي- وهو متقدم على
الذهبي - في فهرسته أن النسائي
هو الذي ألف المجتبى ، وذكر أن
ممن رواه عن النسائي : ابنه عبد
الكريم بن أحمد ، ووليد ابن
القاسم الصوفي ، فكيف يكون ابن
السني هو الذي انتخبه ، وقد رواه
غيره عن النسائي ؟ . 2 - عنون النسائي الباب الأخير من كتاب
القصاص في المجتبى بقوله : (ما
جاء في القصاص من المجتبى مما
ليس في السنن ) وهذا واضح في
الدلالة على أن النسائي هو الذي
ألف المجتبى ، ولو كان من اختصار
ابن السني للزم أن يكون ما في
المختصر موجودا في الأصل . 3 - ذكر الأستاذ الدكتور فاروق حمادة محقق
كتاب (عمل اليوم والليلة)
للنسائي في تقديمه للتحقيق أنه
وجد مجلدين من (المجتبى) قديمين
جدا ، كتبت عليهما سماعات بين
سنة 530 هـ ، وسنة 561 هـ ( أي قبل
الذهبي بنحو قرنين ) فيها نص
ظاهر أنها من تأليف النسائي .
مما يدل على أن ابن السني كان
مجرد راوية للسنن فقط . وانظر ما
ذكره الدكتور فاروق هناك ففيه
إفادة كبيرة. ومع ذلك فالقول بأن النسائي اقتصر فيه على
الصحيح وترك ما تكلم في إسناده
بالتعليل ليس صحيحا بإطلاق ، بل
إن الباحث يرى بأدنى نظر كثيرا
من الأحاديث المُعلَّة ،
وأكثرها أوضح النسائي علته أو
أشار إليها . ويتضح كذلك أن النسائي رحمه الله حذف عند
الاختصار أبوابا بكاملها ، بل
كتبا بكاملها ، ولم يقتصر على
حذف بعض الأحاديث فقط . ترتيب السنن : رتب الإمام النسائي رحمه
الله كتابه السنن أو المجتبى
على الكتب والأبواب الفقهية ،
بادئاً بكتاب الطهارة فالصلاة ،
وهكذا ، وفي كل كتاب يورد
أبواباً متعددة تتناول المسائل
المختلفة ، ويذكر القول
وأدلته ، بحيث يعتبر كتابه
موسوعة فقهية مقارنة . وهو غالبا
لا يقدم للباب بقوله : باب كذا
كما هي عادة أكثر المصنفين ،
وإنما يذكر عنوان المسألة
مباشرة من غير ذكر كلمة ( باب ) في
أغلب الأحيان . 1 - أنه يورد في الباب الأحاديث والروايات
المختلفة ، مبينا عللها صراحة
أو تلميحا ، ومواضع الاختلاف
فيها . وسترى شيئا من ذلك واضحا
في ثنايا هذا الكتاب عند شرح
الأحاديث إن شاء الله تعالى . 2 - أنه يورد الأحاديث التي استدل بها كل
فريق من المختلفين ، بحيث تسهل
المقارنة بين الأدلة المختلفة ،
والترجيح بينها 3 - إن كان في المسألة إيجاب ورخصة في ترك
الأمر أو نهي وترخص في فعل
المنهي عنه ، فإنه يورد ترجمة في
الأمر أو النهي
ثم يعقبها بترجمة في الرخصة
، ففي كتاب ( الجمعة ) ذكر الباب
رقم 7 بعنوان : باب الأمر بالغسل
يوم الجمعة ، والباب رقم 8
بعنوان : باب إيجاب الغسل يوم
الجمعة ، ثم أعقب ذلك بالباب رقم
9 بعنوان : باب الرخصة في ترك
الغسل يوم الجمعة . 4 - أنه يذكر أحيانا أحوال بعض الرواة جرحا
أو تعديلا في أثناء سرد الإسناد
أو بعد الانتهاء من رواية
الحديث ، وربما أورد كلام أئمة
العلم في الراوي . مثال ذلك
: قوله عن حديث أبي الأحوص عن
سماك بن حرب (8/319) : (( هذا حديث
منكر ، غلط فيه أبو الأحوص سلام
بن سُليم ، لا نعلم أحدا تابعه
عليه من أصحاب سِماك بن حرب ،
وسماك ليس بالقوي ، وكان يقبل
التلقين ، قال أحمد بن حنبل : كان
أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث .
خالفه شريك في إسناده ولفظه )) .
ثم ساق حديث شريك عن سماك. 5 ـ أنه يبين المحفوظ من الروايات والشاذ
منها ، والمرسل والمسند منها ،
والمنكر والمعروف منها ، وإذا
رواه مختصرا فربما قال بعد
روايته : مختصر ، كما يبين
الصواب والخطأ ، وربما حدد موضع
الخطأ ومن وقع منه . 6 ـ أنه يذكر كثيرا من اللطائف والفوائد
الحديثية في أثناء الكلام ، كما
لو كان للراوي شيخان في حديث ما
، أو كان الراوي سمع الحديث من
شيخه ثم سمعه من شيخ شيخه ورُوي
عنه على الوجهين ، فإنه يبين ذلك
، حتى لا يتوهم أحدٌ أن أحدَ
الإسنادين مُعَلٌّ بالآخر ، كما
في حديث توبة كعب بن مالك ، حيث
رواه الزهري عن عبد الله بن كعب
بن مالك عن أبيه ، ورواه أيضا عن
عبد الرحمن بن كعب عن عبد الله
بن كعب عن أبيه ، فهو يقول عند
ذكر تلك الروايات في كتاب (
الأيمان والنذور ) قبل الباب 36:
يشبه أن يكون الزهري سمع هذا
الحديث من عبد الله بن كعب ومن
عبد الرحمن عنه في هذا الحديث
الطويل توبة كعب . 7 ـ أحيانا يبين اتصال السند من عدمه ،
وسماع الراوي من شيخه أو عدم
سماعه منه . 8 ـ أحيانا يشرح في الترجمة بعض العبارات
أو الألفاظ ، كقوله في الباب
الرابع عشر من كتاب ( البيوع ) :
النهي عن المُصَرَّاة ، وهو أن
يُربط أخلاف الناقة أو الشاة
وتُترك من الحلب يومين وثلاثة
حتى يجتمع لها لبن ، فيزيد
مشتريها في قيمتها ؛ لما يرى من
كثرة لبنها . 9 ـ يذكر أحيانا الناسخ بعد المنسوخ من
الأخبار ، فمثلا في كتاب (الزينـة)
ذكر الباب رقم 88 بعنوان : لبس
الديباج المنسوج بالذهب ، وأورد
حديث لبسه r جبة الديباج التي أرسلها إليه
أكيدر دُومة الجَندل . ثم ذكر
الباب رقم 89 بعنوان : ذكر نسخ ذلك
، وذكر حديث جابر في ذلك . 10 ـ أحيانا ينتصر للرأي الراجح بتفنيد
أدلة القول المرجوح وبيان عللها
سواء كانت عللا في السند أو في
المتن ، فمثلا في
كتاب ( الأشربة ) آخر كتب
المجتبى عنون الباب رقم 48 بقوله
: ذكر الأخبار التي اعتل بها من
أباح شراب السكر
، وهو من أطول أبواب الكتاب
، وأورد فيه بدائع من دقائق
العلم وعلل الأحاديث ، فهو يذكر
ما اعتلوا به ، ثم يبين ما في
دليلهم هذا من علل ، ثم يورد ما
يخالفه مما هو أصح منه وأولى
بالاحتجاج به منه ، ببيان رائع
فائق ، رحمه الله . 11 ـ إن كان في المسألة الواحدة أحاديث
متعددة ، لكن لا تناقض بينها بل
يصح العمل بكل منها فإنه يعبر
عنها غالبا بأنها نوع آخر مما
ذكره ، فمثلا في كتاب ( الصلاة )
عند ذكر التسبيح عقب الانصراف
من الصلاة أورد ترجمة بعنوان :
عدد التسبيح بعد التسليم ، ثم
ترجمة ثانية وثالثة ورابعة
بعنوان : نوع آخر من عدد التسبيح
، ثم ترجمة خامسة وسادسة بعنوان:
نوع آخر . وفي كيفية صلاة الكسوف
ذكر تسعة أبواب في أنواع صلاة
الكسوف . 12 ـ أحياناً يذكر درجة الحديث عقب الرواية
، كما فعل في حديث عبد الله بن
مسعود في باب الحكم باتفاق أهل
العلم ، من كتاب : آداب القضاة 8
/230 ، حيث قال عن الحديث : (( هذا
الحديث جيِّـد جيِّـد )) . نموذج مما انفرد به الإمام النسائي كتـــاب تحـــريم الــدم يقع كتاب ( تحـريم الـدم ) في سنن النسـائي
بين كتابي : ( عشرة النســاء ) و (
قسم الفيء ) في الجزء السابع من ص
75 حتى ص 128 . وبلغت الأحاديث التي رواها الإمام
النسائي في كتاب (تحريم الدم )
حوالي مائة وسبعين حديثا ،
انتظمها في تسعة وعشرين بابا ،
في كتابه السنن الكبرى ،
وأوردها في المجتبى كاملة من
غير اختصار. وتناولت هذه
الأبواب القضايا التالية: 1 - تحريم إراقة دم المسلم الذي شهد أن لا
إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله ، إلا بحقها . 2 - تعظيم دم المسلم وأنه أعظم عند الله من
الدنيا ، وأن زوال الدنيا أهون
عند الله من إراقته بغير حق . 3 - بيان كون الدماء أول ما يقضى فيه بين
العباد يوم القيامة . 4 - توبة قاتل المؤمن وما جاء فيها من
اختلاف . 5 - الكبائر باعتبار قتل المؤمن من أعظمها
، وخصوصا قتل الولد . 6 - بيان ما يَحل به قتل المسلم من ردة بعد
إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل
نفس بغير حق . 7 - بيان ما يُحِل دمَ المسلم من مفارقة
الجماعة وشق العصا وتفريق الأمة. 8 - بيان حد الحرابة بالنسبة لمن حارب الله
ورسوله r وسعى في الأرض فسادا ، وما
يتعلق بذلك من الصلب والتمثيل
والتنكيل والنفي من الأرض . 9 - حكم دم العبد
الذي أبق إلى أرض الشرك . 10 - حكم توبة المرتد . 11 - حكم قتل من سب النبي صلي الله عليه وسلم
. 12 - حكم السحر والسحرة . 13 - حكم قتل من تعرض لمسلم يريد أخذ ماله
بغير حق . 14 - حكم من قُتل وهو يدافع عن ماله . 15 - حكم من قُتل وهو يدافع عن أهله وعرضه . 16 - حكم من قُتل وهو يدافع عن دينه . 17 - حكم من قُتل وهو يطلب مظلمته ممن
ظلمه . 18 - حكم قتل من يتعرض للناس بالقتل تخريبا
وإفسادا . 19 - حكم قتال المسلم وحكم سبابه . 20 - حكم القتال تحت راية عمية أو عصبية ،
وحكم من قُتل وهو يدعو لذلك . 21 - ثم ختم الكتاب بباب طويل في بيان تحريم
قتل المسلم والتحذير من قتال
الأمة بعضها بعضا . وقد انفرد الإمام النسائي بهذا العنوان (
كتاب تحريم الدم ) ، ومسائلُه
يوردها العلماء في كتب
المحاربين ، والحدود ، ونحوها . __________ * أستاذ
الحديث وعلومه بجامعة الأزهر
وعضو مكتب الإرشاد بجماعة
الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد
العالمي لعلماء المسلمين -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |