ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حوار
الأديان ورقة
مقدمة من الباحث عبد الرحيم
طويل إلى الملتقى
المصغر لحوار الأديان في مدينة
مدريد / إسبانيا بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد
لله ، والصلاة والسلام على رسول
الله، وعلى جميع الأنبياء
والمرسلين ، وأصحابهم ومن تبعهم
بإحسان. أما
بعد : فإن
فكرة حوار الأديان فكرة قديمة
جديدة ، وربما كانت أكثر
الأفكار إثارة للجدل ، فمن مؤيد
متحمس أو مؤيد ولكنه غير متحمس
للفكرة ، إلى رافض بغير حماسة
للرفض إلى رافض بشدة ، لا يقبل
في ذلك صرفاً ولا عدلاً ... وتنشط
فكرة حوار الأديان كلما دعت
إليها الحاجة ، وتدعو إليها
الحاجة كلما أرغت قوى الشر
وأزبدت ، وتوعّدت وهدّدت ، أو
ضربت ودمّرت ... لأن
في الحوار الجاد والمسؤول كبحاً
لجماح الفتنة ، وعرقلة لمطامع
الشريرين . الحوار
بين من ومن ؟ هنالك
ثلاثة أنواع من الحوار : الأول
: الحوار بين أبناء الملّة
الواحدة ، أو الدين الواحد . الثاني
: الحوار بين أبناء ملل وأديان
شتى ، وكلها سماوية . الثالث
: الحوار بين المؤمنين بالله
وبين من لايؤمنون به أصلاً (
الملحدين ) . ولا
شك أن موضوعنا يتمحور حول
النقطة الثانية ، أي بين أبناء
الديانات السماوية . ومن
هنا فإنه لابد أن نعترف أولاً
بأننا جميعاً أبناء ديانات
سماوية ربانية ؛ أنزل الله
تعالى أصولها على الأرض على رسل
كرام نؤمن بهم جميعاً ... وإلا
فلن يكون للحوار معنى ، ولن يكون
أكثر من عبث وتضييع للجهود
والأوقات . وعندما
يأتيني أي إنسان لأعرفه على
الإسلام ، أقول له : إن من أركان
العقيدة الإسلامية بعد الإيمان
بالله وملائكته ، أن نؤمن بجميع
الكتب التي أنزلها الله تعالى
على رسله الكرام عليهم الصلاة
والسلام ، وأهمها الكتب الأربعة
الأصلية : ( توراة موسى ، وزبور
داود ، وإنجيل عيسى ، وقرآن
محمّد ) ، ثم صحف إبراهيم وموسى
عليهم السلام أجمعين ، كما نؤمن
– دون تفصيل في الأسماء – بجميع
ماأنزل على الرسل من لدن آدم
عليه السلام حتى محمد صلى الله
عليه وسلم . قال الله تعالى : " آمن
الرسول بما أنزل إليه من ربه
والمؤمنون ؛ كل آمن بالله
وملائكته وكتبه ورسله ، لانفرق
بين أحد من رسله ، وقالوا : سمعنا
وأطعنا ، غفرانك ربنا وإليك
المصير" 2/285 ، وقال تعالى :
" قولوا آمنا
بالله وما أنزل إلينا وما أنزل
إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى
وعيسى ، وما أوتي النبيون من
ربهم ، لانفرق بين أحد منهم ،
ونحن له مسلمون . فإن آمنوا بمثل
ما آمنتم به فقد اهتدوا ، وإن
تولوا فإنما هم في شقاق ،
فسيكفيكهم الله وهو السميع
العليم . صبغة الله ، ومن أحسن من
الله صبغة ونحن له عابدون".
2/136-139 وقال
أيضاً واصفاً القرآن الكريم :
"مصدقاً لما
بين يديه من الكتاب ومهيمناً
عليه". أي
أن القرآن الكريم يؤكد الكتب
السابقة ، ويُقِرُّ بها ، ويجري
تعديلات على بعض تشريعاتها
نظراً لتغير الزمان وتعاقب
الأجيال ، مما يقتضي وجود
تشريعات جديدة مناسبة .. وأما
العقيدة فهي ثابتة ، وكل رسول
كان يقول لقومه : " اعبدوا
الله ؛ مالكم من إله غيره"
. ومن
خلال الآيات الكريمة يتبين لنا
أنه لو قال أحدٌ من المسلمين :
أنا مسلم ولست يهودياً أو
نصرانياً ، فأنا لا أومن بموسى
أو عيسى ، أو قال : لا أحبه ، أو
استهزأ به أو تنقّص منه ، فلا
يمكننا – بحال من الأحوال – أن
نعتبره مسلماً . إذاً
فنحن نعترف بالأديان السماوية
التي قبلنا، فهل أتباعها
يعترفون بديننا على أنه سماوي
من عند الله؟. أو أنَّ حوارهم
معنا من باب أننا أمر واقع لابد
من التعامل معه لتطويقه ،
وثقافة كبيرة ، كثيرة الأتباع
لابد من معرفتها والتعامل معها
لتحجيمها ؟.. سؤال لابد من
الإجابة عنه ابتداء وقبل الشروع
في أي حوار ، إذا أردنا أن يكون
حوارنا مثمراً . ومن
خلال اعتراف الإسلام بالأديان
الأخرى السماوية التي سبقته ،
جاءت التسمية الكريمة التي
أطلقها القرآن الكريم على
اليهود والنصارى ( أهل الكتاب )
اعترافاً منه بكتبهم الأصلية
التي سبقت القرآن الكريم في
النزول . وقد وصف الله تعالى
القرآن الكريم أنه مصدق للتوراة
والإنجيل اللذين أنزلهما الله
على موسى وعيسى . هذه
النقطة هي أساس الانطلاق إذا
كنا جادين في الحوار ، وبدونها
فلن يكون الحوار جدياً ، بل هو
ذرٌ للرماد في العيون . أدوات
الحوار ووسائله : قال
الله عز وجل : " ولا
تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي
هي أحسن " . وقال أيضاً :
" وجادلهم
بالتي هي أحسن " . في
هاتين الآيتين الكريمتين يخط
لنا ربنا تبارك وتعالى الطريق
للوصول إلى الغاية المثلى من
الحوار ، فيأمرنا بالجدال بأحسن
ما عندنا من كلام وأساليب ، وإلا
فلا جدال إذا كان الهدف منه
المراء والمماحكة ومجرد إرادة
الغلبة . وأصل
كلمة الجدال من فعل جدل أي لفّ
الشيء على الشيء كما تلف ضفيرة
الشعر فيظهر جمالها .. ومن خلال
الجدال تلتف الأفكار على بعضها
لتظهر الحقيقة ببهائها وجمالها
. -
ومن
جملة إحسان الحوار التواضع ولين
الكلمة : قال الله عز وجل لنبيه
الكريم : " قل لا
تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل
عما تعملون " ولم يقل "تجرمون"
أو " عملنا ، وتعملون " ،
وإن كانت تناسب السياق .. بل أمره
أن يبدأ بتهذيب نفسه وترك اتهام
الآخرين ابتداء .. -
كما
بينت لنا الآية الكريمة وجوب
تحديد المسؤولية ؛ فكل فريق من
الفرقاء مسؤول عن كلامه ومواقفه
وتصرفاته .. وهو الذي يتحمل
تبعاتها.. فنحن مسؤولون عن
أخطائنا ونتحمل تبعاتها، وكل
فريق مسؤول عن أخطائه ويتحمل
تبعاتها .. وليس من المعقول أن
يخطئ فريق ثم يتهم الآخر بالخطأ
مبرئاً نفسه منه ؛ كما حصل في
السنة قبل الماضية ( أي عام 2006 )
عندما قدح البابا في الإسلام من
خلال الطعن في القرآن الكريم
وفي شخصية رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، ثم اتهم
المسلمين بسوء فهم كلامه ، وسوء
تأويله ... وبالتالي فإن عليهم أن
يتحملوا مسؤولية سوء فهمهم ، بل
وعليهم أن يعتذروا عن هذه
الإساءة ، بدل أن يعتذر هو وينهي
المشكلة من أساسها ... فانطبق
علينا قول الشاعر : إذا مرضنا
أتيناكم نعودكُمُ وتذنبون
فنأتيكم ونعتذِرُ وهذا
– ولا شك – منطق أعوج لا يقبل به
عاقل . -
الاحترام
المتبادل بين جميع الأطراف ،
واحترام مشاعر الآخرين
وعقائدهم وثقافاتهم . -
توثيق ما
يُتفق عليه حتى لايضيع أدراج
الرياح ، ولتسهيل عملية
المتابعة . -
وجوب
المتابعة ، حتى نصل إلى النتيجة
، لا أن تكون نتائج المؤتمرات
كلمات ومقالات وأوراق ووثائق
مصيرها أدراج المكاتب والأرشيف
، إن لم يكن سلال القمامة . -
حبذا
لو كانت هذه الحوارات تجري عبر
وسائل الإعلام مباشرة ومترجمة
إلى أهم اللغات العالمية لكي
يطلع جمهور الفريقين على مايجري
أولاً بأول .. وهذا ينشئ وعياً
عند عامة الناس من ناحية ،
ويصعّب عملية التنصل من التزام
أي فريق بنتائج الحوار
الإيجابية . ماذا نريد من
الحوار ، وإلى أي حوار نطمح
ونتطلع ؟ ( الآمال
والطموحات ) : نريد من الحوار أن
يحقق قضايا أساسية ، أهمها : - تصحيح فهم كل طرف
للآخر من خلال الابتعاد عن
التشنجات التي توسع دائرة
الخلاف . - الصراحة والوضوح
ووضع النقاط على الحروف في جميع
مراحل الحوار ونتائجه . - ردم الهوّة
والفجوات بين الأطراف
المتحاورة والمختلفة ؛ الناتجة
عن التراكمات التاريخية
والسياسية
والاجتماعية،
والأخطاء الحاصلة من الممارسات
غير الصحيحة ... ردماً كلياً ، أو
جزئياً على الأقل . -
مناقشة الموضوعات الرئيسية
الكبرى ، وتجاوز المسائل
الصغيرة التي تعوق مسيرة الحوار
ولا تأتي بنتيجة , فقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله
يحب معالي الأمور وأشرافها
ويكره سفسافها".
كما يجب الكف عن الإسفاف
والانحطاط الأخلاقي كالطعن في
القرآن الكريم ، أو رسول الله
صلى الله عليه وسلم، واستفزاز
المسلمين .. وللعلم فإنه لو كل
يوم طعن أعداء الإسلام في
الإسلام، وأساؤوا إلى الرسول
الكريم ، أو القرآن الكريم ...
فلا يمكن – بحال – أن نسفّ ونرد
على ذلك بشتم رسول كريم سابق
لرسولنا كموسى أو عيسى أو داود
أو سليمان ، أو غيرهم.. أو ازدراء
كتاب سابق لكتابنا كالتوراة أو
الزبور أو الإنجيل ؛ يأبى علينا
ديننا ، كما تأبى علينا أخلاقنا
... والرسول الكريم يقول : "
أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ،
ولا تخن من خانك " . -
الابتعاد عن السبل غير
الأخلاقية في محاولة اقناع
الآخرين بتتبديل دينهم إلى دين
آخر ، كاستغلال فقرهم أو جوعهم
أو مرضهم ، كما يحصل في كثير من
دول إفريقية كالصومال وغيرها ،
ودول آسيا كأفغانستان وغيرها ...
والأمثلة في ذلك كثيرة ...
والمطلوب الحجة البالغة لا
استغلال الظروف المعيشية
القاسية . -
التعايش المشترك ليس فقط لأنه
أمر واقع ، بل من واجب كل من يعيش
على أرض وطن أن يخدم هذا الوطن
مخلصاً ، وأن يتعايش مع أهله
تعايشاً سلمياً .. فإن ما يصيب
هذا الوطن من خير فهو للجميع ،
وما يصيبه من شرّ فهو يصيب
الجميع ، بغض النظر عن دينهم أو
عرقهم أو جنسهم . -
الدفاع عن القضايا العادلة
للطرفين ، كمناوأة الاحتلال لأي
بلد مهما كانت الدوافع والذرائع ،
كما حصل في فلسطين والعراق
وأفغانستان والشيشان وغيرها ...
أما أن نتآمر أو نتعاون مع
المحتل كما حصل في فلسطين حين
باع بطريرك الأرثوذوكس
اليوناني أراضيَ وقفيةً من
ممتلكات الكنيسة للمحتلين
الغاصبين مقابل إغراءات مالية ،
فهذا يعتبر من النكوص عن معنى
الحوار وبنوده المشتركة . هذا
والله تعالى هو الموفق للحق
والصواب ، وهو من وراء القصد .. وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين . ـــــــــ عبد
الرحيم طويل المركز
الإسلامي / بلنسية - إسبانيا
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |