ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  06/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


موجبات تغير الفتوى

(7)

من موجبات تغير الفتوى .. تَغيُّر حاجات الناس

د.يوسف القرضاوي

الحاجات تتغير في عصرنا، وهناك أشياء كان الناس يعتبرونها كماليات، وأصبحت الآن حاجيات. لا أستطيع الآن وأنا أعيش في دول الخليج في جوه اللاهب أن أقول: الثلاجة كمالية!! إنها باتت ضرورية، وكذلك المروحة أو المكيف وما شابهها، كلها أصبحت ضروريات لا يمكن للناس الاستغناء عنها، في مناخ تبلغ درجة الحرارة فيه قريبا من خمسين! فلو كنت أتكلم عن نصاب الزكاة، وعن أن النصاب يجب أن يكون فاضلا عن الحاجات الأساسية للإنسان، لا أستطيع أن أعتبر أن الحاجات الأساسية هي: الطعام والشراب واللباس والمسكن فقط، فهناك حاجات جديدة للناس ستُبنى عليها أحكام جديدة، وإليكم بعض النماذج والأمثلة.

 

اقتناء الكلاب بين القديم والحديث

مما ذكره الفقهاء: أن الإمام ابن أبي زيد القيرواني صاحب (الرسالة) المعروفة في المذهب المالكي، والتي شرحها كثيرون. هذا الإمام زاره بعض معاصريه من الفقهاء، فوجدوا في داره كلبا للحراسة. فقالوا له: إن مالكًا رضي الله عنه كان يكره اقتناء الكلاب. فقال لهم: لو أدرك مالك زمننا لاتخذ أسدًا ضاريًا[1].

لقد تغيّرت حاجات الناس، ولم تَعُد حاجات الناس في زمن أبي زيد القيرواني كما كانت في زمن مالك رضي الله عنه، فلجأ الناس إلى الكلاب لتحرسهم من اللصوص وقُطّاع الطرق، فالحاجات إذن تتغير، وإذا تغيّرت الحاجات فلا بد أن يتغير الحكم المبنى عليها.

وفي عصرنا: رأينا الغربيين؛ في أوربا وأمريكا وأستراليا: يقتنون الكلاب في حالة الشيخوخة – التي أمست تطول عندهم، بحيث تزيد عادة على الثمانين - لتؤنسهم من الوحشة، فكثيرا ما يعيشون وحدهم، لا رفيق ولا أنيس، فأمست الكلاب حاجة من حاجاتهم، حيث هجرهم أبناؤهم وأحفادهم وحفيداتهم.

 

التعليم المنهجي وضرورته

أذكر مثلا آخر لذلك. التعليم المنهجي، أيْ في المدارس والجامعات، لم يكن معدودا من الحاجات والمطالب الأساسيّة من قبل، واليوم أصبح مطلبا مهما للأفراد، ومسألة مهمة للأسرة، وواجبا كبيرا من واجبات الدولة، ولهذا يجب أن يُعتبر في باب النفقات. وكما يجب أن يوفر للإنسان مأكله ومشربه ومسكنه، يجب أن يوفر له ولأبنائه ما يلائمه من التعليم، حسب تطور المجتمعات.

كما يجب أن يعتبر هذا التعليم - في مراحله الأولى على الأقل - في حاجات الإنسان في الزكاة، وفي تحديد (الكفاية التامة) التي يجب أن توفر لكل من يعيش في المجتمع الإسلامي، مسلما أو غير مسلم. فهو مما تتم به كفاية الإنسان في كنف الحياة الإسلامية.

 

اشتراط المرأة في عقد الزواج

ومما سئلت عنه: هل يجوز للمسلمة أن تشترط في عقد الزواج على من يتزوجها: أن تكمل تعليمها الجامعي؟ وهل يجب على الزوج أن يفي بهذا الشرط؟

وكان جوابي: نعم، يجوز لها ذلك، فإن هذا من حقها، ولاسيما إذا كانت نجيبة ومتفوقة، ومن حقها أن تشترط ذلك في العقد، وعلى الزوج أن يفي به، كما في الحديث: "المسلمون عند شروطهم"[2] وهو نوع من الوفاء بالعهد، وهو فرض في الإٍسلام. وأحق الشروط أن يوفى به: شروط النكاح، لحرص الإسلام على بناء المؤسسة الزوجية الصالحة المستمرة.

ومثل ذلك حق الزوجة العاملة: أن تظل في عملها، إذا اشترطت ذلك في العقد أو خارجه، وقَبِل ذلك الزوج، أو تزوجها وهي تعمل ولم يشترط عليها ترك العمل، وكان عُرف المجتمع إقرار المرأة العاملة على عملها بعد الزواج.

 

بيوت السكنى ومتطلبات العمل

وبيوت السكنى في الأزمان الماضية: غير بيوت السكنى في الزمن الحاضر، وقد كان يكفي في المسكن قديما: أن يكون فيه عدد من الحجرات تكفي لعدد من أفراد الأسرة، وأن يدخله الهواء والشمس، وأن يكون فيه أثاث محدد مناسب لذلك العصر.

أما الآن فلا بد للمسكن الذي يوفره الزوج لامرأته، أو توفره الدولة لعاملها، أو المؤسسة للموظف لديها، أن يكون موصولا بشبكة الماء والكهرباء، وأن تكون فيه جملة من الأجهزة الأساسية التي تعرف الناس عليها، للشرب وللغسيل والتنظيف، وللطهي وللإطفاء ولتبريد وغيرها، وبدون هذا لا يكون المنزل ملائما ولا ملبيا لحاجات الناس المعاصرة.

وقد تصبح السيارة في بعض البلدان أداة ضرورية لنقل الإنسان من موضع عمله إذا كان بعيدا، كما هو الشأن الآن في بعض المدن الكبيرة، ولم تتوافر الموصلات العامة الموصلة إليه بسهولة.

وبعض الأعمال أمست اليوم تحتاج إلى شروط لم تكن تحتاج إليها في الزمن الفائت، مثل: حاجة المعلم إلى أن يكون مؤهلا تأهيلا تربويا – غير التأهيل العلمي- يستطيع به أن يوصِل ما عنده من علم إلى تلاميذه بطريقة سليمة ومشوقة، وهو ما تقوم به معاهد التربية المختلفة، التي تعد المدرسين المؤهَّلين في اختصاصاتهم، إعدادا تربويا خاصا يعينهم على القيام بأداء رسالتهم على أفضل وجه ممكن.

 

شراء بيوت السُكنى في الغرب عن طريق البنوك

ومن تغيّر حاجات الناس: ما لمسناه عند الأقليات المسلمة في أوربا وأمريكا وغيرها، من اشتداد الحاجة إلى سكن يملكه المسلم لنفسه ولأسرته، بدل السكن المستأجر، فالسكن المملوك يوفر له أشياء لا يوفرها السكن المستأجر، وهذه الأشياء هي في الحقيقة أمور يحتاج إليها الإنسان المعاصر، وخصوصا في البلاد الغربية.

فهو في حاجة إلى مسكن يستقر فيه، ولا يتحكم فيه المالك ويهدده بالطرد إذا كثر فيه عدد الأولاد،  وإلى سكن يرفع مستواه الاجتماعي حيث مستوى أصحاب البيوت المملوكة عادة أعلى من أصحاب البيوت المستأجرة: في الخدمات، وفي نظرة الناس، وتقديرهم الاجتماعي.

وهم في حاجة إلى المزايا التي يتمتع بها أصحاب البيوت المشتراة، عن طريق البنك، باعتبارهم مدنيين، مثل إعفائهم من حد معين من الضرائب، واستحقاقهم لمعونات معينة إلى غير ذلك.

لهذه الحاجات وغيرها: أفتى المجلس الأوربي للإفتاء بالأغلبية للأقلية الأوربية المسلمة بجواز شراء المسلم بيتا للسُكنى عن طريق البنك الربوي، وبذلك يجعل ما كان يدفعه أجرة شهرية للسكن باعتباره قسطا شهريا للسكن المبيع له بالأجل.

وكان الاعتبار الشرعي للمجلس هو: تقدير حاجات المسلمين القوية، التي اعتبرها الفقهاء بمنزلة الضرورة، كما هي قاعدتهم المقررة:(الحاجة تنزل منزلة الضرورة خاصة كانت أو عامة)[3].

 

طواف الحائض التي تخشى فوات الرفقة

وفي مثل هذه الحالة أيضا ينبغي أن نراعي فيها تغيّر الحاجات، فقد باتت المرأة اليوم في حجها مرتبطة برفقة تصاحبهم في سفرها، هي ومن معها، سواء كان سفرها برا أم بحرا أم جوا، ولم تعد الأمور كما كانت سابقا، بمعنى أن يتحكم كل حاج في موعد سفره! وإنما أضحى للسفر مواعيد محددة بدقة، لا يستطيع الإنسان أن يتقدم أو يتأخر عنها، وخصوصا في موسم الحج. فلو لو فُرِض أنه تأخر الحيض عند المرأة ولم تطف طواف الإفاضة، وانتظرت أول يوم العيد والثاني والثالث ولم ينقطع الحيض، هنا يجوز لها أن تطوف وهي حائض بعد أن تتحفظ وتتحوط، ولا حرج عليها حتى قال الإمام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم أنه لا يجب عليها شيء. فلنا أن نأخذ هنا بهذه الرخصة، ولا نشدد على المرأة ومن معها.

هكذا نجد في عصرنا حاجات كثيرة، تستجد وتحدث دائما وعلى الفقيه أن يراعي هذه الحاجات المتجددة والمتغيرة في فتواه.

-------------------

 [1]  راجع القصة في منح الجليل شرح مختصر خليل / باب في البيع (9/ 369)، وانظر: شرح العلّامة زروق على الرسالة (ج2/ 424).

 [2]  ورد هذا الحديث بأكثر من لفظ، وفي بعضها زيادة، وعن عدد من الصحابة منهم: أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك ورافع. أما اللفظ الأول: "المسلمون عند شروطهم" فرواه البخاري معلقا في الإجارة بصيغة الجزم، والحاكم في المستدرك كتاب البيوع (2/57) عن عائشة، ورواه الدارقطني في السنن كتاب البيوع (3/27) عن عائشة، والطبراني في الكبير (4/275) عن رافع بن خديج، وذكره الألباني في الصحيحة (2915).

وأما لفظ "المسلمون على شروطهم" فرواه الترمذي في الأحكام (1352) عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وقال: حسن صحيح، وأبو داود في الأقضية (3594) عن أبي هريرة، والحاكم في المستدرك كتاب البيوع (2/57) وقال: رواة هذا الحديث مدنيون و لم يخرجاه، وهذا أصل في الكتاب، وله شاهد من حديث عائشة و أنس بن مالك رضي الله عنهما، وقال الذهبي: لم يصححه وكثير ضعفه النسائي ومشاه غيره. والطبراني في الكبير (17/22)، والدارقطني في السنن في البيوع (3/27) عن أبي هريرة وأنس، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6714).

 [3]  انظر: كتابنا ( في فقه الأقليات المسلمة)/154- 188، ط دار الشروق القاهرة.

ـــــــــــــ

موقع القرضاوي/ 22-11-2007

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ