ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
في
الحاجة إلى القراءة العلمية
للظاهرة الدينية في
نقد المقاربة الماركسية للدين بقلم:
د. إدريس جندا ري* حضر الدين في المنظومة الفكرية الماركسية
؛ باعتباره مكونا من مكونات
البنية الفوقية ؛ التي لا تشكل
إلا انعكاسا للبنية التحتية ؛ و
لذلك فإن الفكر الماركسي لم يعر
الظاهرة الدينية الاهتمام
الكافي ؛ بل إنه حسم معها منذ
البداية ؛ من منظور سياسي ضيق ؛
باعتبارها لا تتجاوز أفيونا ؛
يخدر الشعوب المغلوب على أمرها .
و لعل هذا هو ما يسعى (جون بول
ويليمز) في كتابه " الأديان في
علم الاجتماع " إلى تأكيده
بقوله : " إن اعتبار الدين
حقيقة خاصة بالبنية الفوقية ؛
تتمتع باستقلالية ضئيلة ؛
بالنسبة إلى القاعدة المادية في
الحياة الاجتماعية ؛ حال دون
رؤية ماركس للشؤون الدينية ؛
كنظام ديني مستقل (..) مما أدى به
إلى تقليص الأمور الدينية ؛ إلى
تأثيراتها السياسية ؛
الاجتماعية البارزة ؛ في مكان
أو في آخر " (1) و لعل هذا
الاقتصار على قراءة الظاهرة
الدينية؛ من منظور الممارسة
السياسية فقط؛ هو ما أوقع الفكر
الماركسي في مأزق الخلط بين
الدين و التدين؛ الشيء الذي حال
بينه و بين القراءة العلمية
الرصينة؛ لهذه الظاهرة
الإنسانية الضاربة بجذورها في
أعماق التاريخ البشري ؛ و هذا ما
أثر سلبا على النتائج المستخلصة
من خلال هذه القراءة . و يوضح المفكر
السوري المتخصص في الميطولوجيا
و تاريخ الأديان (فراس السواح) ؛
هذا التناقض الحاصل ما بين
الدين و المؤسسة الدينية في
الفكر الماركسي على الشكل
التالي: " يختلط مفهوم الدين
اليوم بفكرتنا عن المؤسسة
الدينية و موقفنا منها ؛ إلى
درجة تبعث على التشويش ؛ و تؤدي
إلى نتائج مفجعة في بعض الأحيان
؛ و لعل أوضح مثال على ما أسوقه
هنا ؛ هو تلك الجملة التي وردت
في كتاب للفيلسوف الاجتماعي (كارل
ماركس) 1818-1883 ؛ و التي تقول بأن
الدين أفيون الشعوب (..) و
الحقيقة أن ما قصده ذلك
الفيلسوف ؛ ينصب في معظمه على
المؤسسة الدينية لا على الدين ؛
على تفسير المؤسسة الدينية
للدين ؛ لا على تدين الناس ؛ على
تسييس الدين و استخدامه أداة
ضغط و تسلط ؛ سواء من قبل السلطة
الزمنية ؛ أو من قبل أية شريحة
أو فئة ؛ تجعل من نفسها قيما على
دين الناس ؛ و مرجعا أعلى
لتفسيره ؛ و العمل بموجبه " (2) هكذا يبدو أن
الظاهرة الدينية أعقد بكثير من
الممارسة الدينية؛ التي رسختها
المؤسسة الدينية؛ لتحقيق
أهدافها الخاصة؛ سواء ارتبط ذلك
بالإخضاع؛ أو الاستغلال... الذي
يمارس باسم الدين. و النقد
الحقيقي يجب أن يتوجه إلى هذه
المؤسسة؛ التي تأخذ الدين
رهينة؛ لتحيق مآربها. و لا يمكن لهذا
النقد أن يحقق أهدافه المرجوة؛
إلا إذا أطلق سراح الدين من إسار
هذه المؤسسة ؛ و ذلك عبر قراءته
كظاهرة إنسانية ؛ من منظور علمي
؛ يستحضر قوة هذه الظاهرة و
تجذرها في التاريخ الإنساني . أما بخصوص
القراءة الإيديولوجية للظاهرة
الدينية ؛ فإنها لن تحقق أي هدف
؛ بل على العكس من ذلك ؛ فهي تقدم
خدمة مجانية للمؤسسة الدينية ؛
التي تحتمي وراء الدين ؛ و تتخذه
وسيلة لترسيخ قيم العبودية و
الاستبداد و التخلف . و لعل هذا هو ما فطن إليه المفكر الماركسي
الإيطالي (أنطونيو غرا مشي) 1891-
1937 ؛ حينما تجاوز نقد الدين إلى
نقد المؤسسة الدينية ؛ فقد
تعامل مع الكنيسة الكاثوليكية
الإيطالية على أنها جهاز الدولة
الإيديولوجي ؛ و لذلك فقد عمل
على تحليل البنية الداخلية في
الكتلة الدينية و العلاقات بين
رجال الدين و العامة و التيارات
المختلفة ؛ التي تخترق
الكاثوليكية . و هذا ما دفع جان
بول وليام إلى الإشادة بهذا
التحول ؛ حينما يعتبر أن غرا مشي
قدم تحليلا أعمق من تحليل ماركس
و إنجلز ؛ مع الإخلاص في خطوطه
العريضة للرسم البياني
الماركسي " (3) إن ما يجب أن
يتسرب إلى الفكر الماركسي؛ حتى
يتمكن من القيام بوظيفته في
مواجهة احتكار المؤسسة الدينية
للدين؛ هو تلك الروح العلمية؛
التي تحلل الظواهر- و منها
الظاهرة الدينية - و تستخلص
النتائج ؛ بعيدا عن التأثيرات
الخارجية التي يمكن أن تؤثر
سلبا على التحليل العلمي
الموضوعي ؛ و تنزاح به ليخدم
أجندة سياسية معينة ؛ مع
التضحية بالموضوع المدروس . و
لعل بوادر تحقق هذه المهمة
الصعبة باتت تظهر في الأفق؛
بحيث يعترف الكثير من الكتاب
الماركسيين بحدود ماركس و
أخطائه في ما يختص بالدين. تؤكد مشال
برتران في فرنسا ؛ أن مؤسسي
الماركسية أخطأوا في توقع نهاية
الدين الوشيكة ؛ و كتبت : في حال
لم تكن قواعد الشعور الديني
كلها ذات جذور اجتماعية ؛ فإن
فرضية بقاء الدين ( كنوع من
أنواع الوعي ) ليست مستبعدة . (4) لكن ما علاقة التيارات الماركسية العربية
بهذه التحولات؛ التي وصلت إلى
حدود التشكيك في المقاربة
الماركسية للدين؛ باعتبارها
مقاربة؛ تعاملت مع المؤسسة
الدينية و ليس مع الدين؛ الشيء
الذي أثر على نتائجها سلبا في
الأخير ؟ هل تبدو هذه التيارات قادرة على تجاوز
المقاربة الإيديولوجية للظاهرة
الدينية ؛ و استبدالها بمقاربة
علمية ؛ تتعامل مع الدين كظاهرة
قابلة للدراسة و التحليل ؟ إن الرهان المطروح على الفكر الماركسي
العربي؛ بجميع تياراته يرتبط في
العمق؛ بإعادة النظر في الكثير
من المسلمات النظرية؛ التي
تحكمت في قراءته للظاهرة
الدينية ؛ و إعادة النظر هذه
تتطلب اطلاعا فكريا على مختلف
الاتجاهات و التجارب الفكرية في
العالم ؛ مع محاولة الاستفادة
منها ؛ و على الخصوص ؛ تلك
الاتجاهات الفكرية التي
استلهمت الروح الماركسية و
طورتها ؛ سواء مع بيير بورديو في
فرنسا ؛ أو مع ماكس فيبر في
ألمانيا ؛ أو مع أنطونيو غرا مشي
في إيطاليا ... و كلها تجارب
فكرية عملت على تطوير المقاربة
الماركسية في اتجاهات سياسية و
فكرية مختلفة ؛ باعتبار الفكر
الماركسي إطارا فلسفيا ؛ قادرا
على دراسة مختلف القضايا
الإنسانية ؛ دراسة علمية عميقة
؛ لكن هذا الفكر يظل في حاجة إلى
التطوير و التجديد ؛ على ضوء
التطور الذي يعرفه الفكر
الإنساني عامة . الهوامش : 1- جان بول ويليم – الأديان في علم
الاجتماع – ترجمة : بسمة بدران
– المؤسسة الجامعية للدراسات و
النشر و التوزيع – ط: 1 – 2001 – ص:
15 . 2- فراس السواح – دين الإنسان : بحث في
ماهية الدين و منشأ الدافع
الديني – منشورات دار علاء
الدين – ط: 4 – 2002 – ص: 40. 3- جان بول ويليم – المرجع السابق – ص: 19 . 4- نفسه – ص: 20 . ________ *كاتب و باحث أكاديمي مغربي -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |