ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أطفالنا
.. وغرس القيم أ.د.
ناصر أحمد سنه دُعيت
إلي ورشة عمل متعددة المحاور،
ممتدة الأيام ناقشت موضوع:"ترسيخ
القيم عند الأطفال: مرحلة ما قبل
المدرسة، والطفولة المبكرة"،
وأشرف علي عقدها عدد من دور رياض
الأطفال، والمدارس الابتدائية،
وبعض الجمعيات الأهلية. ودارت
خلالها نقاشات جادة ـ تعميما
للفائدة ستعرض هذه السطور
لمجملها ـ تجمع بين مشكلات
واقعية يومية عرضتها المعلمات،
وبين الأطر المرجعية التربوية. حاولت
فعاليات هذه الورشة الإجابة عن
أسئلة منها: لماذا اختيار "موضوع
القيم" عند الأطفال، وهل من
"أزمة" / ما مظاهرها؟، وما
هي القيم, وما هو نسقها/
وأولوياتها في هذه المرحلة؟،
وما هو السن الذي عنده يبدأ
تكوين "الضمير/ الوازع
الأخلاقي" ومن ثم ظهور نسق
للقيم؟، وكيف يمكن غرس القيم في
أطفالنا؟، وما هو دور الأسرة،
ومساهمات المعلمات التربوية
كجزء من " الدور الاجتماعي"
في تنشئة الأطفال؟، وهل دور
المعلمات بديل عن دور بعض الأسر
"المنشغلة بهموم الكسب"،
أم أن دورهن تكاملي تعاوني
تشاوري؟، وما هي الوسائل
العملية التي يمكن بها قياس مدي
استيعاب/ رسوخ القيم عند
الأطفال؟. لماذا
"موضوع القيم" عند
الأطفال، وهل من "أزمة"/
وما مظاهرها؟ لا
مجتمع بلا قيم, أو اتجاهات
تجريدية/ عمومية، واجبة وملزمة
ومـُحددة لتوجه وسلوكيات
أفراده نحو مختلف الموضوعات/
المواقف. فهي إحدى المؤشرات
الدالة على (نوعية حياة)
المجتمعات، ومستوي تحضرها،
ونسق تفكيرها, وبوصلة تعديل
سلوكها، واختياراتها
المستقبلية. و"ماهية الإنسان/
المجتمعات" رهن بنسق تلك
القيم المتبناة، والتي يحددها
الدين وما يرشد إليه من أخلاق
وقيم ومعاملات وعبادات. لذا
فللقيم دور نفسي وتربوي وتعليمي
واجتماعي وإنساني كبير في صلاح
وإصلاح وتماسك ورفعة ورقي
المجتمعات. لذا
كانت التربية الخلقية والقيمية
جوهر الإسلام وغايته: فعن
مَالِك أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:"بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ
حُسْنَ الْأَخْلَاقِ"، وعن
أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا
بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ
الْأَخْلَاقِ"(1). لكن مع
تنقل (استيراد) بعض المجتمعات
بين فلسفات تربوية واجتماعية
أخري، ثمة مظاهر للتناقض
التربوي القيمي. وفي ظل
العولمة، وتجلياتها الثقافية
والإعلامية، برزت مظاهر "تمييع
للقيم، وسيولتها، وتجزئتها"،
بل وقولبتها وفق مبادئ "نفعية
مادية"(فيعاد النظر في "قيمة
الصدق" إن أدت إلي مضرة،
ويُعلي من شأن "الكذب
والاحتيال والاحتكار" إن
أديا إلي نفع ظاهري الخ). كما أن
القيم المرتبطة "بالعفة
والوفاء الزوجي" هي الأكثر
انتشارا (عربيا)، فيصب اللوم
والغضب علي من "خطب فتاة،
فأخلف وعده بزواجها"، بينما
تتعدد صور ومواقف"إخلاف
الوعد/ والخيانة" دون
مقابلتها بنفس اللوم والغضب،
حتى برزت أسئلة: "أين مظاهر
الضمير الأخلاقي/ الاجتماعي
العام، والضمير المهني،
والضمير البيئي/ الوطني/
القومي، والضمير الإنساني/
البشري؟". لقد
اختير هذا الموضوع تحت إلحاح
مشكلات يومية (عرضتها المعلمات)
تتطلب علاجا سلوكيا وقيميا:
كعدم النظام، والتراخي في
المحافظة علي الصلاة، و"اختلاق
ما هو مخالف للواقع.. قولا وعملا(
الكذب)"، و"قيام بعض
الأطفال بجمع نقود زملائهم،
وإنفاقها علي أنفسهم"، و"أخذ
أغراض زملائهم دون علمهم،
والاستحواذ عليها( السرقة)"،
و"خجل بعض الأطفال من مواجهة
الآخرين (الجبن)"، و"عدوانية
واعتداء البعض علي زملائهم"
الخ. تحدِيات ـ عامة وخاصةـ تدفع
نحو التأكيد علي (كل) القيم
الخلقية والاجتماعية الإسلامية
الموافقة لمرجعية المجتمع
المسلم وثوابته وشرائعه،
والعمل علي غرسها منذ مراحل
الطفولة الأولي. ما هي
القيم, وما هو نسقها/ وأولوياتها
في هذه المرحلة العمرية؟ قوّم،
يقيم، تقويما: عدّل، وفي القرآن
الكريم:".. وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَة" (البينة:5): دين
الاستقامة والاعتدال، وقيمة
الشيء: قدره، وقيمة المتاع: ثمنه
وما يقابله. أما تعريفها
اصطلاحا فيتنوع، فالقيم Values)) هي: "التي توجه سلوك الأفراد،
وأحكامهم، واتجاهاتهم، فيما
يتصل بما هو مرغوب فيه، أو مرغوب
عنه من أشكال السلوك في ضوء ما
يصنعه ويضعه المجتمع من معايير
وقواعد"، وهي: "الأحكام
التي يصدرها الفرد تفضيلا / أو
بعدم التفضيل بين موضوعات
وأشياء، وتتم عبر التفاعل /
الاختيار Selection بين بدائل متاحة، وفق معايير الفرد/
المجتمع وخبراته ومعارفه،
اختيار قيمي مبني علي إدراك
للأمور ونتائجها (سلبا أم
إيجابا) وعلي وعي اجتماعي
وتربوي"، وهي: "معتقد
Beliefثابت
نسبيا يحمل تفضيلا شخصيا أو
اجتماعيا نحو غاية من غايات
الوجود/ أو لشكل من أشكال السلوك
المحصل لهذه الغاية، وهي تتسم
كشان المعتقد بأنها (معرفية)
ترتبط بالوعي،( وجدانية) ترتبط
بالشعور،( سلوكية) يحددها معيار(2).
ويتعدد
نسق القيم وسلم أولوياتها،
فهناك قيم إلزامية (أساسية):
أوامر ونواهي محددة( كعلاقة
الذكور بالإناث وفق القيم
الإسلامية، وقيم تفضيلية (تشجيعية):
كالحصول علي ثروة مشروعة،
والإنجاز والترقي في العمل،
وقيم سامية (قد يعجز البعض عنها)
كمقابلة الإساءة بالحسنة(3). وقد
أكدت دراسات أن أطفال ما قبل
المدرسة (4-6سنوات) يستطيعون
التمييز بين "السلوك/ الحدث
الأخلاقي" كالصدق والأمانة
والشجاعة الخ، وهي لديهم أكثر
وضوحا وخطورة من تلك التي
تتعداهم "اجتماعيا"
كالتعاون، والصداقة، ومحبة
الناس، واحترامهم، والنظام الخ.
لكن أطفال العاشرة من العمر
يراعون ويقدرون تلك المعايير
الاجتماعية وقيمها اكثر ممن هم
في السادسة. وعن
أولويات القيم وشموليتها يقول
الأمام أبو حامد الغزالي: (يهتم
الإسلام في تربيته للناشئة علي
إقامتها علي أربعة أركان هي
أساس القيم الفاضلة: الصبر،
والعفة، والشجاعة، والعدل.
فالصبر يحمل الصبي علي الاحتمال
وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم
والأناة. أما العفة: فبها يتجنب
الرذائل في القول والفعل، وهي
تحمل علي الحياء الذي هو رأس كل
خير، وتمنع من الفحشاء والكذب
والغيبة والنميمة والبخل. أما
الشجاعة: فتحمله علي عزة النفس،
وإيثار مكارم الأخلاق، والعدل:
يحمله علي اعتدال أخلاقه فلا
إفراط ولا تفريط. كما أن منشأ
الأخلاق السيئة أربع: الجهل،
والظلم، والغضب، والشهوة. فأما
الجهل: فبه يري الحسن قبيحا
والقبيح حسنا. وأما الظلم: فهو
وضع الشيء في غير موضعه، فيبخل
حيث البذل ويجبن حيث الإقدام.
وأما الغضب: فيحمل علي الكبر
والحقد والحسد والعدوان والسفه.
وأما الشهوة: فتحمل الفتي علي
الحرص والشح والبخل والجشع
والذل والدناءة). ما هو
السن الذي يبدأ عنده ظهور "الضمير/
الوازع الأخلاقي" ومن ثم ظهور
نسق للقيم؟ حسب
دراسات تربوية حديثة، فإن بوادر
وإرهاصات " نمو الضمير" عند
بلوغ الطفل عامان، وهو نفس
العمر الذي ذكره القرآن الكريم:"
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ
أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ.."(البقرة:233)،
تلك المدة من الرضاعة جديرة بأن
تـُنشئ روابط وعوائد وجدانية/
نفسية بين الطفل وأمه تمهد
لتشرب نسق القيم الممتد. فالطفل
منذ ولادته في تعلم مستمر،
يتعلم عندما يري، ويسمع، ويلعب،
ويأكل، ويبكي، ويضحك الخ. لكن
هناك دراسات أخري أشارت إلي أن
بداية ظهور القيم/ الضمير يوجد
بين 7-10 سنوات، وهي نفس المرحلة
التي أرشدتنا خلالها السنة
النبوية الشريفة بقوله صلي الله
عليه وسلم:"مُرُوا
أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ
وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ
سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ
عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ
عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ
فِي الْمَضَاجِعِ"(4). إن
الأطفال في هذه المرحلة لوحة
بيضاء سهل النقش عليها،"..
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لَا يَعْلَمُونَ"(الروم:30)،
وصدق المصطفي صلي الله عليه
وسلم:"مَا مِنْ مَوْلُودٍ
إِلَّا يُولَدُ عَلَى
الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ
يُهَوِّدَانِهِ أَوْ
يُنَصِّرَانِهِ أَوْ
يُمَجِّسَانِهِ "(5). وقد
أثبتت "المدرسة السلوكية
الحديثة" ما ذكره هذا الأثر
النبوي الشريف عندما ذهبت إلي
أن:"الطفل يُصنع ولا يولد"
مؤكدة علي الدور الكبير للبيئة/
التربية. وفي هذا يقول الشاعر:
قد ينفع الأدب الأطفال في
صغر #
ولا ينـــفعهم من
بـــــــعده أدبُ
إن الغصون إذا عدلتها
اعتدلت
#
ولا يلين ـ ولو لينته ـ
الخشبُ خلال
هذه المرحلة تتولد لدي الطفل"القدرة
علي التمييز بين الخير والشر"،
والقيام بفعل الأوامر/ اجتناب
النواهي:"هيا إلي الصلاة"،
"لا تقترب من الخزانة"، "لا
تضرب أخيك الأصغر" الخ. ثم
تتسع هذه الأوامر والنواهي
لتشمل معايير اكثر تعميما
وتجريدا (عما يجب، وعما لا يجب)،
فلا يتم العزوف عن "ضرب الأخ
الأصغر"، بل ينبغي معاملته
بطريقة "عطوفة/ حانية"، كما
يتم تعليم الطفل أن يكون: "أمينا
/ صادقاً/ مطيعاً/ منظماً" الخ. كيف
يمكن غرس/ زرع القيم في أطفالنا؟ غرس
وارتقاء نسق القيم لدي الأطفال
يعتمد علي عوامل: بيولوجية/
وراثية، وأسرية/ بيئية، ونفسية/
شخصية، واجتماعية. وهي تتم علي
مرحلتين بناء علي تمييز الطفل
بين ما هو جسمي/ مادي / عياني،
وبين ما هو عقلي/ معنوي/ لا عياني.
فالمرحلة الأولي: مرحلة
السلوك الأخلاقي/ إحداث أخلاقية
التي تُُرسخ:(واجبات تؤدي،
وأخطاء لا تؤدي)، وتعتمد علي "المسئولية
الموضوعية/ الملموسة" حيث
يَحكم الطفل علي
إيجابية/ سلبية نتائج سلوكه.
هذه المرحلة مؤسسة علي مبادئ:
الثواب والعقاب، والمحاولة
والخطأ، والتقليد والتقين،
والتوحد والملاحظة. وللقيم
الدينية دورها وأثرها الكبير
والهام في زرع "السلوك"،
وتحوله إلي قيم و"ضمير خلقي
وازع/ رادع"، أمثلة: "من
الخطأ أخذ نقود الآخرين/
أشيائهم دون رضاهم"، ومع نمو
القدرات العقلية ترسخ "قيم
الأمانة"، من الخطأ قول ما
ليس له وجود/ أو يضر بالآخرين....ثم
تنمو "قيمة الصدق، وعدم إيذاء
الآخرين"، من الخطأ "غش
اللبن بالماء".. ثم تنمو قيمة
"المراقبة الذاتية، والوازع
الإيماني" الخ. للطفل
عالم واسع من السلوكيات، ولا
يستطيع بسهولة اتخاذ الخيار(الأخلاقي)
المناسب، أو التمييز بين ما هو
صواب وما هو خطأ، لذا ينهض بهذه
المرحلة "سلطة خارجية"(الأسرة/
المدرسة الخ)، حيث توفر معلومات
كافية وموضوعية ومبسطة حول
السلوك/ القيمة، وتراعي توافقا
مع عالم حاجات الطفل الملموسة (المتعة
واللذة). المرحلة
الثانية: مع نمو القدرات
العقلية نحو التركيب والتجريد
والشمول والتعميم (من موقف لآخر
ومن خاص لعام)، تأتي مرحلة
المسئولية الذاتية/ و"السلطة"/
الضبط الداخلي، وتكون المثل
العليا، ونمو "الضمير".
مرحلة تقوم علي الإقناع
والاقتناع، وتحكم علي الفعل وفق
نية/ وقصد فاعله أكثر من التركيز
ـ كما في المرحلة السابقةـ علي
نتائجه، وهنا (مناط القيم). هنا
"السرقة والغش جرائم"،
وإذا كان: "القائم علي
القانون لا يرانا، فإن الله
يرانا". ما هو
دور الأسرة، ومساهمات المعلمات
التربوية كجزء من " الدور
الاجتماعي" في تنشئة
الأطفال؟، وهل دور المعلمات
بديل عن دور بعض الأسر "المنشغلة
بهموم الكسب"، أم أن دورهن
تكاملي تعاوني تشاوري؟ - ينبغي
توفير الحاجات الأساسية
الأولية للطفل (طعام وشراب
وملبس ومأوي الخ)، وكذلك الحاجة
إلي الثقة و"الأمن النفسي"
(العطف والحب والحنان الخ) مما
يُحدث عملية "توحد" إيجابي
(عن حب، وليس عن خوف) بين الطفل
ووالديه/ معلميه (ومن يحيط به)
ومن ثم تبني قيمهم بسهولة. وفي
سبيل توفير هذه الحاجات
البيولوجية الأساسية، وإنشاء
الروابط الوجدانية/ النفسية/
التربوية، وإحداث التواصل
والتلقي السلوكي والقيمي
والمعرفي والإيماني.. يُعد
الطفل البشري "أطول الكائنات
طفولة"، ففي احدث القوانين
التشريعية جاء أن الطفل: هو من
دون 18 عاماً.
تلك الفترة الطويلة التي
تؤكد علي كون الإنسان"كائن
أخلاقي/ قيمي/ مُستخلف"، عليه
مسئوليه الاضطلاع بالقيم/الرسالة
الإيمانية/ الأمانة: (إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ
يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ
ظَلُومًا جَهُولًا"(الأحزاب:72).
- وفق
هرم" ماسلو" للحاجات
الشخصية بدرجاته الخمس، يمكن
القول: إن نسق القيم يرتقي
متشابها مع ارتقاء نسق الحاجات
الشخصية (6). إن ملازمة الأم
لأطفالها ـ وخصوصاً في سنواتهم
الخمس الأولى ـ فضلا عن تأكيد (بولبي
وآخرون 1973م) علي عدم انفصالها
المتكرر عنهم ـ ليشعروا
بالطمأنينة والأمن وهما سياجان
ضروريان لنمو سلوكي / وقيمي
سليم، يقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم:"نساء قريش خير
نساء ركبن الإبل،أحناه على طفل،
وأرعاه على زوج في ذات يده(7). وقد
قام"(تيرانس مور 1975م)،
بالتأكيد علي أن"الأطفال
الذين تتولى أمهاتهم رعايتهم
طول الوقت يميلون أكثر من غيرهم
لتمثل المعايير السلوكية التي
يقرها الراشدون، أما الذين
رعتهم (بدائل الأم) فلا يأبهون
برأي الكبار بقدر ما يأبهون
برأي نظرائهم فيهم". ولقد
أسفرت دراسات ميدانية عن وجود
ارتباط كبير عند الأحداث
الجانحين بين الانحراف الخلقي
والسلوكي وبين الإصابة
بالأمراض النفسية والعقلية.
فإهمال الوالدين للطفل، أو
نبذه، وعدم الرغبة فيه، وحرمانه
من إشباع حاجاته، والقسوة عليه،
قد تقود إما إلى المرض النفسي أو
إلى الجنوح. - قدوة
تمارس السلوك الإيجابي وتتجنب
السلوك السلبي.. فعلا وقولا (لعدم
حدوث تناقض أخلاقي/ قيمي). إن
الحديث عن القيم ليس كفعلها،
والأطفال "عيونهم علي قدوتهم
معقودة". فمن يري من والديه/
أخيه الأكبر/ معلميه كثرة الغضب:
لا يتعلم الاتزان، ومن يسمع
السب عند اعتراض السيارات في
الطريق: لا يتخلق بحلاوة
اللسان، ولن يمتثل للقول:"كف
عن سب الآخرين". لا تستوي قدوة
تتسم بالعلم والحلم والشجاعة
والصدق والإخلاص والتقوى
والأمانة والمسئولية الخ مع
قدوة تتسم باللامبالاة،
والغضب، والكذب، والخيانة،
والخجل والخوف، مناخ الخ، وقد
تكون مرة واحدة من معايشة تلك
القيم السلبية كافية لهدم القيم
الفاضلة عند الطفل(8). فينبغي
إظهار قيمنا الإسلامية الصحيحة
وتطبيِّقها كما نريدها في سلوك
أبنائنا. - إعطاء
الفرصة للطفل ليمارس السلوك
وتعزيزه وتدعيمه إيجابيا. تشير
الدراسات ذات الصلة أن الأطفال
ذوو التوجهات السلوكية الآمرة
كانوا يتوحدون مع آباء/ معلمين
أكثر مكافأة، وأقل عقابا، لذا
فهم يميلون لعمل "ما هو صواب".
أما الأطفال ذوو التوجهات
السلوكية الناهية فكانوا
يتوحدون مع آباء/ معلمين أكثر
عقابا وأقل مكافأة، لذا فهم
يميلون إلي "عدم عمل ما هو خطأ". -
لتنمية السلوك الأخلاقي/ القيمي
في مرحلة ما قبل المدرسة ينبغي
تنمية روح الاستقلالية
والمبادأة، والتلقائية والفضول
والخصوصية في أطفالنا،
وتشجيعهم إظهار قدراتهم
وكفاءاتهم التي تتمركز حول
المشكلات لا حول أنفسهم،
وتعويدهم علي تجنب الشعور
بالخجل، ومشاعر الخوف، وتوفير
النماذج القيمية والعملية
والجدية الملائمة لأعمار
الأطفال(9). -
ملاحظة مقدار "الشعور بالذنب"
(القلق والشعور بفداحة فقد
الدفء/ الحب/ الأمن/ الاستقرار
المعطي له من قبل الوالدين/
المعلمين) عند مخالفته المعايير
الضابطة لسلوكه. لذلك فالطفل
الذي لا يشعر بحب والديه/ معلميه
ليس لديه ما يخشي فقدانه من
روابط عاطفية/ نفسية، لذا يصعب
تمثله للمعايير القيمية، ولقد
كان رسول الله صلي الله عليه
وسلم "يُـقبل الحسن والحسين"
معبرا عن حبه لهما. وفي صحيح
مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله
عنها، قَالَتْ:"قَدِمَ نَاسٌ
مِنَ الْأَعْرَابِ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ
صِبْيَانَكُمْ فَقَالُوا
نَعَمْ فَقَالُوا لَكِنَّا
وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: وَأَمْلِكُ إِنْ
كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ
الرَّحْمَةَ"(10). -
مراعاة التدرج في وسائل التربية
بالقدوة والموعظة والملاحظة
والعقوبة والعادة لضبط السلوك
المرغوب فيه، أو المبتعد عنه(11)•
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
#
علي ما كان عوده أبوه. كما
يراعي في تعديل السلوك السلبي
ينبغي تعديل الظروف الموضوعية
التي أدت إليه وأثرت في إحداثه،
كتلك القصة المشهورة للذي قتل 99
نفسا وجاءت نصيحة "العالِم"
له بتغيير "البيئة الفاسدة". - هناك
توجه لإسناد دور أكبر للمجتمع
ومؤسساته في القيام بدور تربوي
في تنشئة الأطفال، نظرا لانشغال
الوالدين بالأعمال، وتقلص "دورهما
التربوي"، وهناك من يريد
استبدال كلمة (الأم) في بيت
الشعر المشهور لأمير الشعراء
"شوقي" بكلمة (المعلمة)
ليصبح: (المعلمة) مدرسة إذا
أعددتها # أعددت
شعباً طيب الأعراق. لذا
مشاركة المعلمات المثمرة في
عملية التربية، ينبغي لها أن
تكون علي علم ودراية ووعي وقدرة
وقدوة وتدرج، وهي من قبل ومن بعد
مؤطرة بحنان كحنان الأم، وحزم
كحزم الأب. لكن يبقي أن دور
معلمات رياض الأطفال والمراحل
الابتدائية الأولي دور تكاملي
تعاوني تشاوري، ليس بديلا بأي
حال من الأحوال عن دور الأسرة،
مهما كان مدي"الانشغال بهموم
الكسب"، أو التعلل بتوفير "حاضنات
متخصصات" لهم، يقول الشاعر:
ليس اليتيم من انتهى أبواه
#
من همَّ الحياة وخلّفاه
ذليلاً. إن
اليتيم هو الذي تلـــقى
#
له أماً تخلَّت أو أباً
مشغولاً. ما هي
الوسائل العملية (12) التي يمكن
بها قياس مدي استيعاب/ رسوخ
القيم عند الأطفال؟ -
الملاحظة المنظمة/ المشاهدة Systemic
Observation:
وسيلة ملائمة للأطفال
لمتابعتهم في المنزل/ رياض
الأطفال، وأحيانا تتم الملاحظة
عبر نوافذ زجاجية أحادية
الرؤية، وبها يتم تبين مدي
استيعاب وتطبيق السلوك المرغوب
(كحب النظام والتعاون الخ) أو
تعديل/ الابتعاد عن المنهي عنه (كالفوضى
والعدوان والسرقة الخ). -
المقابلة الشخصية Interview: عبر
أسئلة وصور ورسومات لها
مدلولاتها ويطلب الإجابة عن
سؤال أسلفها: (كأحمد) المحتفظ
بكرته، ولا يريد أن يلعب بها مع (حسن)
قائلا: "هذه ملكي، وهي جديدة
أيضا"، فهل (أحمد) طفل "يُحافظ"
علي لُعبه؟، أم هو "مخطئ"
في تصرفه لعدم مشاركته اللعب مع
(حسن)؟. - تحليل
المضمون Content
Analysis: عبر
تحليل مضمون ما يُقدم للطفل من
مواد إعلامية (عبر الألعاب
والمجلات والقصص والحكايات
والأفلام الخ) وهل مضامينها
تعكس قيما "إيجابية/ أخلاقية"
(كحب العمل، والعمل الجماعي،
والنظام، والنظافة، وحب الوطن
الخ)، أم
ترسخ قيماً "سلبية/ غير
أخلاقية"(كالكسل والخيانة،
والاحتيال، والمكر، والأنانية
الخ). كذلك تشمل هذه الوسيلة
كتابة قصص أو تخطيط رسوم غير
مكتملة النهاية، وتحتوي علي "تباين
قيمي"، ثم يُكمل الطفل تلك
النهاية، فيتبين مدي" فهمه/
استيعابه" للسلوك/ القيمة.
كما أن الأطفال الذين يستطيعون
الكتابة( 6-10سنوات) يمكن
استكتابهم قائمة بالقيم/
الأعمال الحسنة/ أو القبيحة من
وجهة نظرهم ومن ثم تحليل
مضمونها ومناقشتهم في ذلك
وتعديل ما يراد تعديله. ولمن هم
فوق الثانية عشر من العمر
يمكنهم تمثيل/ تجسيد ما هو
مرغوب، وما هو غير مرغوب من
الشخصيات/ ذات التوجهات
السلوكية والقيمية (من أنا؟؟)،
ومن ثم رؤية السلوك/ القيمة
مجسدة/ موضوعية وتحديد الموقف
منها .. قبولا أو رفضا عبر ما
يسمي بالدراما الإبداعية Creative
Drama ، أو
الدراما الاجتماعية Socio-drama. -
الاستبيانات Questionnaires : يتم
بها استقصاء التواصل السلوكي
والقيمي بين الطفل ومن يحيط به،
وهل من جنوح أو انحراف، وما هو
سببه؟. فالطفل الذي يعيش القسوة
والجفاء: لا يعرف الرحمة، كما أن
عدم العدل مع الأولاد (في العطف
والحب والهدية والهبة الخ)،
والتمييز بينهم ( كحب وتفضيل
الذكر علي الأنثى) مدعاة لتكريس
الجور والظلم، وتدمير قيمة
العدل، لذا نجد الهداية القيمية
والتربوية من المعصوم صلي الله
وسلم في هذا الشأن، فعَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
رَضِي اللَّه عَنْه قَال:َ
سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ
الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ
مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ
فَوَهَبَهَا لِي فَقَالَتْ لَا
أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ
بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ
فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ
أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ
سَأَلَتْنِي بَعْضَ
الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا قَالَ
أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟، قَال:َ
نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ،
قَالَ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى
جَوْرٍ"، وَقَالَ أَبُو
حَرِيزٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: لَا
أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"(13).
وفي رواية مسلم عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: أَلَكَ بَنُونَ سِوَاهُ؟
قَال:َ نَعَمْ، قَالَ:
فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ
هَذَا؟، قَالَ: لَا، قَالَ
فَلَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"(14). - "تفكيك"
محتوي السلوك/ القيمة لقياس
مفراداتها: فقيمة "الصدق"
التي هي: مطابقة الكلام والفعال
لمقتضى الواقع (للأطفال خيال
واسع، وأحيانا جانح فيختلقون
أحداثاً قد لا يكون لها وجود..
مما يُعد كذبا) يمكن "تفكيكها"
إلي عناصر ومظاهر: كالشجاعة في
القول والعمل، والموقف من تقدير
الصادقين ومصاحبتهم، ومعاقبة
الكاذبين واجتنابهم، والسعي
نحو معرفة الحقيقة من مصادرها
الخ. و"تفكيك" الكذب وهل هو
بغرض الاستحواذ، أم للانتقام،
أم بسبب الخوف من العقاب، أو
لمقاومة السلطة، أو تقليدا لمن
أكبر سنا، وهل هو كذبا عارضا أم
مزمنا؟. وقيمة الأمانة يمكن
قياسها من خلال: المحافظة علي
أشياء الآخرين، وإعادتها بعد
استعارتها، كلك حفظ الممتلكات
العامة، وحفظ الأسرار، ومصاحبة
الأمناء، ومعاقبة غير الأمناء
الخ. نموذج السرقة: هل يسرق أم
لا؟، وهل يسرق لعوز أم انتهاكا
لآداب السلوك، وهل لا يسرق: خوفا
من العقاب/ السلطة، القانون؟،
أم احتراما لملكية الآخرين؟ الخ.
- يبقي
أن السلوكيات الأخلاقية
والقيمية محددة لأفعال المرء
خلا ل مسيرة حياته، ولقد باتت
أمرا يخضع للقياس الموضوعي الذي
يتناول ظروفها وملابساتها،
وليست عملا "منغلقَا"(فاضلا
أو قبيحاً). إن فصل الأخلاق وعزل
القيم ومحاصرتها علي هامش
الحياة من شانه أن يؤدي إلي تفسخ
أخلاقي ومجتمعي وإنساني، حيث
إظهار المرء غير ما يبطن( النفاق)،
أو إلي الاستسلام لما هو سائد
ولو كان خطئاً. صفوة
القول: لا نجد سعادة تعادل تلك
التي تشعر بها وتتذوقها الأسرة /
المدرسة عندما تجد ثمرة
تربيتهما, وحصاد جهدهما، وتمام
رسالتهما.. أطفالهما وأبنائهما:
رجالاً خلوقين, نافعين, صالحين,
مصلحين، ناجين, مرموقين, يحققون
ذواتهم, كما يسهمون في نهضة
ورفعة وريادة مجتمعاتهم وأمتهم. ــــــــ هوامش
ومصادر 1- مسند
الأمام احمد، برقم:8595. 2-
للمزيد راجع د. عبد اللطيف محمد
خليفة: ارتقاء القيم (دراسة
نفسية)، سلسلة عالم المعرفة،
العدد:160ابريل 1992م، الكويت، ص: 16
وما بعدها. 3- السيد
أحمد المخزنجي: تنمية القيم
التربوية والنفسية عند
للأبناء، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، 1993م، ص: 161-162. 4- سنن
أبي داود: برقم 418، وفي مسند
الأمام أحمد برقم: 6467، من حديث
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وحسنه
الألباني. 5- صحيح
البخاري برقم: 1270، وفي مسند
الأمام أحمد برقم: 6884، من حديث
أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه
عَنْه. 6- راجع:
د. ناصر أحمد سنه: كيف نُـلبى
حاجة أبنائنا إلى " الأمن
النفسي" مجلة الوعي الإسلامي:
العدد:459، ذو القعدة 1424هـ ـ
ديسمبر 2003/ يناير 2004 م، ص77ـ79،
الكويت.، وكذلك د. ناصر احمد سنه:"أطفالنا..
كيف تقضى علي مخاوفهم؟"، مجلة
الوعي الإسلامي : 495، ذو الحجة 1427هـ
ـ ديسمبرـ يناير 2006ـ 2007م ، ص:74ـ75،
الكويت. 7- رواه
مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه. 8- أنظر
محمد قطب: منهج التربية
الإسلامية، ج2، دار الشروق، 1408هـ
ـ1988م وانظر أيضا د.•محمد عماد
الدين إسماعيل: دليل الوالدين
إلى تنشئة الطفل، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، مكتبة
الأسرة 2001م. 9-
للمزيد من المناخ السلوكي الخاص
بتنمية الابتكار لدي الأطفال
راجع: د. ناصر أحمد سنه: أطفالنا
كيف نجعلهم مبتكرين؟ مجلة
العربي:571 ، ص174، الكويت. 10- صحيح
مسلم برقم:4281، وسنن ابن ماجة
برقم:3655. 11- عبد
الله علوان: تربية الأولاد في
الإسلام، ج1، دار السلام
للطباعة والنشر والتوزيع، ط3 3،1401هـ
-1981م. 12-
للمزيد أنظر: د. عبد اللطيف محمد
خليفة: ارتقاء القيم،،م.س.،
الفصل الثالث، ص 67-82. 13- صحيح
البخاري، كتاب الشهادات برقم:2456،
من حديث الشَّعْبِيّ عن
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
رَضِي اللَّه عَنْهما. 14- صحيح
مسلم، كتاب الهبات برقم:3057. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |