ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
انفصال جنوب السودان ... مقدمة
لتفتيت العالم العربي محمد
بوبوش* دأبت
النصوص التي تقرأ مبدأ تقرير
المصير إلى تقييد ممارسته
بضرورة احترام الوحدة السياسية
والترابية للدول المستقلة وذات
السيادة. فمبدأ تقرير المصير لا
يمكن أن يمارس على حساب مبدأ
الوحدة الترابية للدول
المستقلة[1].
فقد نصت التوصية 1514 في فقرتها
السادسة على أن كل محاولة تسعى
إلى تفكيك الوحدة الوطنية للدول
تخالف أهداف ومبادئ ميثاق الأمم
المتحدة[2]
وقد أعيد التركيز على هذه
الفكرة في التوصية 2625 (د-25) لسنة
1970 المتعلقة بمبادئ القانون
الدولي المنظمة للعلاقات
الدولية بين الدول ومنها مبدأ
حق تقرير المصير، وتنص هذه
التوصية على أنها لا تتضمن ما
يمكن أن يفسر بمثابة تشجيع أو
ترخيص لأي عمل كيفما كان نوعه قد
يفكك أو يهدد كليا أو جزئيا
الوحدة الترابية والسياسية لكل
دولة مستقلة وذات سيادة[3]. وقد
تزايدت في الآونة الأخيرة حدة
المواجهة بين مبدأ حق تقرير
المصير والوحدة الترابية للدول.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة
إلى وجود ما يزيد عن 5000 إثنية في
العالم. النظام الدولي الراهن
المبني على الدولة واحترام
الحدود القومية لا يمكنه إرضاء
كل العرقيات الاستقلالية، إلى
ذلك فإن تزايد عد الدول تزيد من
احتمالات الصدام، كما يوضح ذلك
المثال الإريتري[4].
لكن في شكل عام يبدو جليا أن "الحرب
لا تنبع اليوم من قوة الدول
وإنما من ضعفها، فقضية الأمن
الأولى اليوم ليست طموحات
القوة، بل عطل الدول[5]. لقد
كان الفقه وإلى زمن غير بعيد
يعتبر أن القانون الوضعي لا
يقبل بالحق في الانفصال، فلقد
كلفت عصبة الأمم سنة 1920 لجنة من
الحقوقيين[6]
بإنجاز تقرير حول الجوانب
القانونية لجزر "الأند"
وانتهت اللجنة في تقريرها إلى
أن "القانون الوضعي لا يعترف
لفئات من الشعب بالحق في
الانفصال[7]
عن الدولة التي ينتمون إليها،
وذلك بمجرد
أن
لهم الرغبة في ذلك، كما أنه لا
يعطي الحق لدول أخرى في أن تدعم
تلك المطالبة. وقد أشار "جورج
سيل" إلى أن حق مجموعة في
الانفصال يصطدم مباشرة بحق آخر
وهو حق باقي السكان في
الاستمرار في تكون أمة ودولة
ورغبتهم في العيش المشترك[8].
كما سبق للأمين العام للأمم
المتحدة "أوتانت" أن
أكد أن الأمم المتحدة لم يسبق
لها أن قبلت ولا تقبل اليوم، ولن
تقبل أبدا –على ما أعتقد- مبدأ
انفصال جزء من إحدى الدول
الأعضاء[9]. لقد
أصبحت عملية التفتت الإقليمي
لدول ذات سيادة شيئا مألوفا،
كما أن الدول المجهرية التي
تفرزها النزعات الانفصالية في
ظل المخاض المرتبط بتطبيق
النظام العالمي الجديد سوف
تتزايد[10]. إن
الإقرار للأقليات بحق الانفصال
وإقامة كيانات صغيرة فيه من
التفتت للمجتمع الدولي ما يؤدي
إلى عدم الاستقرار وتهديد
النظام القانوني الدولي
بالانهيار، وبالتالي تهديد
السلم والأمن الدوليين، ولما
كانت الأقليات في هذا العالم
وفقا للاتفاقيات الدولية قد
حظيت بحقوقها وتوفرت لها
الحماية القانونية اللازمة،
فإنه وفقا لمقتضيات استقرار
القواعد القانونية في النظام
القانوني الدولي، أن لا يسمح
لهذه الأقليات بتجاوز هذه
الحقوق والحماية المقررة لها،
بحيث لا يفسر حق تقرير المصير
تفسيرا واسعا،
تفسيرا واسعا، بل تعتبر هذا
الحق من الحقوق التي أقرت
للشعوب الواقعة تحت الحكم
الاستعماري"[11]. ويبدو
أن المجموعة الدولية تكيل
بالمكيالين في تعاطيها مع حق
الشعوب في تقرير مصيرها. لكن من
البين أنها اليوم أمام إشكالية
صعبة كيف يمكن رسم الحدود بين
القبول الدولي بالانفصال
ومساندة الحلول في إطار الدولة
القائمة[12].
تشترك مختلف الخصوصيات رغم
تنوعها في كونها مطالب هوياتية،
إثنية ثقافية عرقية أو دينية،
وغالبا ما تكون كلها تعبر عنها
جماعات تشعر بأنها محرومة
ومقهورة في الدول-الأمة الفتية
أو القديمة، ولقد جاءت الحاجة
إلى الرفاهية الاقتصادية لتقوي
هذه الكوكبة من الميزان أو
الملامح. إذا كان الانفصاليون
يعبرون عن رغبة في حماية هويتهم
التي يعتقدون أنها مهددة، فإن
الدافع الاقتصادي أصبح عاملا
محركا. البعض يرغب في الانفصال
عن الآخرين ليستفيد لوحده
بثروات البلاد أو برخائها
الاقتصادي[13].
ومن
الخطأ الاعتقاد بأن الصراعات
العرقية السياسية شيئا تافها،
فالمطالب الطائفية بالخروج أو
الانفصال تمثل تهديدا خطيرا
لأنها تعتبر تحديا
للإيديولوجية القومية التي
تتبعها معظم الجماعات
المستقرة، وبصفة عامة يقاوم ذلك
الاتجاه بالقوة. فمنذ الحرب
العالمية الثانية خاضت مجموعات
الأعراق القومية حروبا طويلة
للاستقلال القومي لمجموعة
طائفية أو الوحدة مع مجموعة من
نفس العشيرة أو دولة مجاورة،
وقد تم إتباع استراتيجيات
متعددة للوصول إلى نوع من
التسويات بين مصالح الجماعات
الطائفية وبين الدول تراوحت بين
منح الاستقلال والحكم الذاتي
الإقليمي مع تجدد الصراع بين
الفينة والأخرى[14].
إن
انفصال جنوب السودان عن دولة
السودان المركزية لم يعد مجرد
احتمال نظري، بل أصبح مشهداً
محققاً، أقر بحتميته الرئيس
السوداني نفسه الذي ذهب فيه إلى
مطالبة السودانيين بالاستعداد
لهذا الخيار المتوقع. ولا شك أن
الحدث يستدعي الاهتمام الواسع
من عدة مناح، أبرزها كونها
سابقة في المنطقة العربية، التي
تضم عدة بلدان لها تركيبة إثنية
ودينية مركبة، قد تكون بؤرة
لنزعات انفصالية. هل تكون الحالة
سودانية نذير مشهد التفكك
العربي وقيام الدويلات العرقية
والطائفية، وهو المشهد الذي
تحدث عنه الكثيرون منذ اندلاع
الحرب الأهلية اللبنانية في
سبعينيات القرن الماضي؟ لهذا المشهد خارج
الساحة السودانية شواهد قائمة،
أبرزها: حالة الفتنة المحتدمة
في اليمن، والصراع متعدد الأوجه
في العراق، حيث أصبح الشمال
الكردي مستقلًا عملياً عن
المركز، والحرب الأهلية
المشتعلة منذ عقدين في الصومال
المتفكك فعلياً. وتذهب بعض
التحليلات السياسية الشائعة في
الأدبيات العربية إلى أن هذا
السيناريو يفسر بعوامل
موضوعية، تتمحور حول منطلقين: أولهما: اعتبار
الدولة الوطنية المستقلة في
المجال العربي دولة مصطنعة في
الغالب، لا تستند لرصيد تاريخي،
وإنما هي حصيلة مسار اندماجي
قهري، وأثر لمخطط استعماري
عشوائي. ولذا من الطبيعي أن
تنهار وتتفكك. ثانيهما: تأكيد
علاقة التلازم بين التجانس
الضروري للكيان المجتمعي وبنية
الدولة، بحيث تكون البلدان ذات
التركيبة الديمغرافية المركبة
أقل تماسكاً وأكثر هشاشة من
البلدان منسجمة النسيج
المجتمعي. وقد وضع مركز ابن
خلدون الذي يديره الكاتب المصري
"سعد الدين إبراهيم"
مقاييس تصنيفية لحالة الانسجام
والتجانس في الدول العربية في
تقاريره الشهيرة والمثيرة حول
"وضع الأقليات في العالم
العربي". وفق هذه المقاييس،
تتأرجح أغلب البلدان العربية
بين خانتي الدول الأقل تجانساً
أو المتوسطة التجانس، مما يفضي
بها إلى مخاطر الانقسام والتفكك
والصراع الأهلي. إدراكا لهذه
الحقائق، برز إجماع دولي على
فرض احترام الحدود الموروثة عن
الاستعمار، أي الحفاظ على الدول
الوطنية في شكلها الحالي لحماية
الاستقرار العالمي. إنه المبدأ
الذي كرسته اتفاقية إنشاء منظمة
الوحدة الأفريقية عام 1963، معطية
الأولوية لسيادة الدولة على
مبدأ حق تقرير مصير المجموعات
والأقليات الساعية للاستقلال
والانفصال. وهكذا لم تنجح أي
من الدويلات التي أعلنت
استقلالها الأحادي في مناطق
أفريقية عديدة في الحصول على
اعتراف دولي، كما هو شأن دولة
"الصومال لاند".وبقيت حالة
إريتريا استثناء فريداً له
خصوصيته المعروفة، باعتبار أن
الهيمنة الإثيوبية كانت نمطاً
من الاستعمار التقليدي أكثر من
كونها داخلة في منطق الكيانات
الموروثة عن الاستعمار. ولقد طرحت
السابقة الإريترية تحديات
جديدة في منطقة القرن الأفريقي
التي ينتمي إليها السودان الذي
عرف منذ استقلاله حربا ًأهلية (عرقية
ودينية) طويلة. ولم تكن حركة
تحرير جنوب السودان التي تزعمها
"جون قرنق" حركة انفصالية
في بداياتها، رغم خطابها الثوري
الراديكالي ومطالبها القومية
الصريحة، وإنما كانت أشبه
بالنزعات اليسارية المسلحة
التي عمت بلدانا كبيرة في
المنطقة، كما هو شأن أنجولا
والكونجو (زائير)...إلا أن التيار
الانفصالي انتهى إلى السيطرة
على الحركة وعلى سكان الجنوب
السوداني، بعد تجربة سنوات خمس
من التعايش الذي قننته اتفاقيات
نيفاشا. والسؤال المطروح
هنا هو هل سيؤدي انفصال جنوب
السودان إلى تشجيع انفصال مناطق
أخرى من هذه البلاد الشاسعة في
مقدمتها إقليم دارفور، وهل
سيفضي في ما وراء ذلك إلى تشجيع
الحركات الانفصالية داخل
المجال العربي الأوسع؟ بخصوص الشق الأول
من السؤال، لا مندوحة من
الإقرار أن الاحتمال مطروح،
فتداعيات أزمة دارفور التي تم
تدويلها بصدور مذكرة اعتقال
الرئيس البشير لم تزل قائمة
متفاقمة، وجهود تسويتها لم تنفك
متعثرة. إلا أن الحالة
العربية العامة لا تنطبق عليها
المقاييس السودانية. صحيح أن
العديد من البلدان العربية تضم
مكونات عرقية ودينية تشكل
أحياناً بؤرة توتر اجتماعي
وسياسي، لكن باستثناء الوضع
الكردي في العراق لا نجد أثراً
لحركات انفصالية حقيقية، مع
العلم أن التنظيمات الكردية
نفسها تنفي ميولها الانفصالية
وتدعو للحفاظ على وحدة الجسم
العراقي، ولو في إطار نظام
فيدرالي مرن يؤمن للإقليم
الكردي شبه استقلال فعلي. وإذا كانت تظهر
أحياناً في اليمن نزعات
انفصالية، بلغت أوجها خلال
الصراع الأهلي العنيف الذي
احتدم عام 1994، إلا أن مشهد
العودة للانقسام بين الشمال
والجنوب ليس وارداً. والمثير في
الموضوع اليمني، هو أن البلد
يصنف من بين الدول الأكثر
انسجاماً في تركيبته القومية
والدينية (لا تشكل الطائفة
الزيدية فئة متميزة في نسيجها
العقدي والمذهبي عن المجموعة
السُنية). وتلك هي حال الصومال
أيضاً الذي هو من أكثر البلدان
تجانساً، على الرغم من استفحال
وطول أزمته الداخلية[15]. والواقع أن
الاستناد إلى" اصطناعية "،
وتنوع البلدان ليس مقنعاً في
توقع انهيارها وتفككها. فأغلب
بلدان العالم تدخل في هذا
التصنيف، بما فيها الدول الأكثر
عراقة واستقرارا. بل إن البلدان
الأوروبية الكبرى التي قامت
فيها كيانات قومية عتيدة في
القرن التاسع عاشر كما هو شأن
فرنسا وبريطانيا وإسبانيا... لم
تكن منسجمة ومتجانسة المكونات
الإثنية والدينية. وكما يبين
مؤرخ فرنسا الكبير "فرناند
برودل" فإن الدولة القومية في
فرنسا، هي التي أنشأت القاعدة
القومية للكيان الوطني ولم تكن
تجسيداً لهذه القاعدة أو
تعبيراً عنها كما يظن. ففي نهاية
القرن التاسع عشر كان المتحدثون
بالفرنسية لا يزالون أقلية في
هذا البلد الذي صدر نموذج
الدولة القومية المركزية.
والقاعدة قابلة للتعميم في جل
بلدان أوروبا شرقاً وغرباً. فالدولة العربية
الحديثة على جدتها أصبح لها
إرثها التاريخي وتجربتها
الخصوصية، على الرغم من
الإشكالات، والتحديات الكثيرة
التي تعاني منها. وكما أن
السودان لم يكن نموذجاً
للاحتذاء، فإنه ليس مصدر خطر في
راهن الحال[16].
ليس
هناك شك من أن انفصال الجنوب
السوداني صار يطبخ على نار
هادئة.. فخلافات فرقاء الحياة
السياسية في هذا البلد ذي
التركيبة القبلية والسياسية
المعقدة، الشبيهة باليمن، وصلت
إلى حد لم يعد فيه من مجال
لتعايش الجنوبيين والشماليين
في إطار دولة سودانية واحدة..
والمؤشرات لا تعطي اطمئناناً من
أن الجنوب سيبقى ضمن الدولة
السودانية الموحدة، على الأقل
وفق المؤشرات التي تتوارد من
هذه الدولة العربية المليئة
بالتحديات. لقد تقاتل
السودانيون لسنوات طويلة فيما
بينهم، وقتل الآلاف منهم وشرد
مئات آلاف آخرين، وخسرت الدولة
إمكانات مادية هائلة لو كانت
سخرت للتنمية في كافة مناطق
البلاد بدون تمييز، لما تنامت
مشاعر الانفصال عند الجنوبيين،
ولما وصلنا إلى ما نحن عليه
اليوم. فقد كانت الخلافات بين
أطراف وشركاء الحياة الحزبية
والسياسية في البلاد تفعل
فعلها، واكتشف الجميع ـ لكن بعد
فوات الأوان ـ أنهم لم يكونوا
يحاربون عدواً خارجياً، بل
يحاربون أنفسهم ووحدتهم. لقد
كنا نسمع منذ سنوات طويلة أن
الانفصال هو «خط أحمر»
للسودانيين، لكننا اليوم نجد أن
هذا الخط لم يعد موجوداً ـ على
الأقل عند الجنوبيين. ولعل
الاستفتاء الذي من المقرر أن
تشهده السودان خلال الفترة
القليلة المقبلة سيجيب على
أسئلة تثير قلق الجميع، وأولهم
العرب، حول وحدة السودان،
وبقائه بلداً يتعايش فيه
الشمالي مع الجنوبي، الأسود مع
الأبيض والأسمر، المسلم مع
المسيحي من دون فوارق ولا تمييز.
أليس هناك مؤامرة معلنة
لتفتيت الوطن العربي على أسس
طائفية
وعرقية ومناطقية؟ أليس
هدفهم تجزئة المجزأ وتقسيم
المقسم؟ ألم تنشر مجلة
القوات المسلحة الأميركية
خارطة جديدة للشرق الأوسط
بعنوان حدود
الدم؟ ألم تصبح اتفاقية
سايكس بيكو التي قطعت أوصال
المنطقة مجرد لعبة أطفال
بالمقارنة مع المخطط الأميركي
الجديد الذي يستهدف العراق
ولبنان وسوريا
والسعودية والإمارات والسودان
والمغرب العربي؟ ألم يصبح تقسيم
العراق أمرا واقعا؟ ألم
يرفع الأكراد علمهم الخاص فيما
يسمى بكردستان؟ ألا
يطمح الأكراد إلى إقامة إسرائيل
جديدة في شمال العراق كي لا تبقى
الدولة العبرية الكيان
العنصري الوحيدة في المنطقة؟ واغلب
مشروعات التقسيم مستوحاة من
المشروع الخطير الذي اقترحه
المؤرخ الصهيوني الأميركي
الشهير برنارد لويس ونشرته مجلة
إكسكيوتف إنتلجنت ريسرش بروجكت
(التي تصدرها وزارة الدفاع
الأميركية) في يونيو سنة 2003
والتي اقترح فيها تقسيم الشرق
الأوسط إلى أكثر من ثلاثين
دويلة إثنية ومذهبية لحماية
المصالح الأميركية وإسرائيل. ويتضمن
المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث
دويلات وإيران إلى أربع وسوريا
إلى ثلاث والأردن إلى دويلتين
ولبنان إلى خمس دويلات وتجزئة
السعودية إلى عدة دويلات. ويرى
برنارد لويس أن كل الكيانات
ستشلّها الخلافات الطائفية
والمذهبية والصراع على النفط
والمياه والحدود والحكم وهذا ما
سيضمن تفوّق إسرائيل في الخمسين
سنة القادمة على الأقل. وتؤكد
الكتابات والدراسات
الإسرائيلية أن الموقف
الصهيوني من الأقليات في الوطن
العربي مبني على أساس شد
الأطراف ثم بترها بمعنى مد جسور
العلاقة مع الأقليات ثم جذبها
خارج النطاق الوطني ثم تشجيعها
على الانفصال. ولو أجري
استفتاء بين الشعوب العربية حول
الموقف العربي المحتمل من
انفصال جنوب السودان، هل تعترف
به الدول العربية أم تناهض
الدولة الجديدة، فإن
الشعوب سوف تجمع على رفض
انفصال الجنوب السوداني لأسباب
عديدة لا خلاف عليها أهمها أن
هذه الشعوب لا تريد انفصال أي
جزء من الجسد العربي تحت أي مسمى
وبأي ذريعة كما أن هذا الانفصال
سوف يشجع على حالات انفصال
مماثلة في العالم العربي
وإفريقيا وسوف تكون آثار
الدومينو أسرع مما نتوقع خاصة
وأن تفتيت العالم العربي مخطط
أمريكي صهيوني نجح حتى الآن في
فلسطين والعراق ورسم قسماته في
لبنان ويوشك أن يهدد وحدة
اليمن، وغير ذلك كثير مما تم
رصده من مؤشرات خطيرة في كل
الدول العربية خلال العقد
الأخير وبالأخص منذ الغزو
الأمريكي للعراق. وتدرك الشعوب
العربية أيضاً أن قسطاً مما آل
إليه حال العالم العربي يعود
إلى سياسات الحكومات الوطنية
التي أسهمت في نجاح مخطط
التفتيت. والأكيد
أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية
كانت نقطة البداية في تفكيك
العالم العربي وتمزيقه ثم تفكيك
أوطانه الواحد تلو الآخر حتى
رغما عن الحكام[17]. هناك مخططات خارجية تطبخ للسودان، كما هي
تطبخ لليمن ولأكثر من بلد عربي،
هدفها تمزيق النسيج الاجتماعي
للبلاد العربية وتجريد المواطن
العربي من الشعور بأهمية الوحدة
وعظمتها، وهو أمر يؤكده القرآن
الكريم ودساتير الدول العربية،
لكن الخلافات التي تعصف بقادة
العمل السياسي يمكن أن تجد لها
منفذاً لتفكيك جسم الأمة
العربية المتماسك. من هنا يجب
على العرب قادة ومواطنين ـ أن
يعوا أن الحفاظ على الأمة
العربية مهمة مقدسة، عليهم أن
يتنازلوا لبعضهم البعض قبل أن
يأتي الطوفان ويلتهم الجميع،
حينها لن يكون باستطاعة أي طرف
أن يستعيد ما كان ممكناً تحقيقه
قبل سنوات، ولنا في التاريخ
عبرة لمن يريد أن يفهم[18].
ــــــــــ *باحث
بقسم الدكتوراه،علاقات
دولية،كلية الحقوق،الرباط [1]
-
د.عبد الحق الجناتي
الإدريسي،
القانون الدولي العام،
مكتبة المشكاة، وجدة: 2002، ص:
211. [2]
- « Toute tentative visant à détruire
partiellement ou totalement l’unité nationale et
l’intégrité territoriale d’un pays est
incompatible avec les buts et les principes de la
charte ». [3]
- « Rien dans les paragraphes précédents ne
sera interprété comme autorisant ou en cou rageant
une action qui dememberait
ou minerait, totalement ou partiellement
l’intégrité territoriale ou l’unité
politique de tout Etat souverain et indépendant ». [4]
-
بعد سنتين فقط من استقلالها
في سنة 1993 احتلت إريتريا جزر
حنيش اليمنية، وفي 1999 شنت
حربا ضد أثيوبيا. [5]
- Delmas (Philippe): Le bel avenir de la
guerre, Paris, Gallimard, 1995, p : 9. [6]
-
تم تكوين هذه اللجنة من ثلاث
حقوقيين وهم الأساتذة
لارناند M.Larnande
عميد كلية الحقوق بباريس،
وماكس هيبرMax
Huber أستاذ في زيوريخ syryken
مستشار قانوني نيوزيلاندي. [7]
-
يقصد بالانفصال Sécession
تكوين دولة جديدة فوق جزء قد
يضيق وقد يتسع من إقليم دولة
قائمة، شريطة استمرار هذه
الدولة التي كانت ضحية
الانفصال، إن استمرار هذه
الدولة هو الذي يميز الانفصال
عن حل أو تفكك الدول éclatement,
Dislocation désintégration بحيث
تنهار وتختفي الدولة الأصلية
نهائيا لفائدة دولتين
جديدتين أو
أكثر. [8]
-
د.محمد تاج الدين الحسيني،
المجتمع الدولي وحق التدخل،
سلسلة المعرفة للجميع، العدد
18، يناير 2001، منشورات رمسيس،
الرباط، ص: 180-181. [9]
- L’ONU, chronique mensuelle, janvier 1970, p :
30. وقد جاء هذا التصريح
أثناء محاولة الانفصال التي
عرفتها نيجيريا والتي أدت إلى
حرب أهلية دامية استمرت ما
بين سنتي 1967 و 1970 انتهت لصالح
السلطة المركزية ضد انفصال
إقليم "بيافرا". [10]
-
عبر الأمين العام للأمم
المتحدة بطرس بطرس غالي بخصوص
هذا التطور المتمثل في
استفحال ظاهرة الدول
المجهرية: "نعم لقد أظهرت
تخوفاتي بخصوص نزعة القوميات
التي تجتاح العالم، وإذا
استمر هذا الاتجاه فسيصبح
لدينا ما بين مائتين إلى
ثلاثمائة دولة عضو، لكن ينبغي
أن نعترف في مقابل ذلك بأن عدة
جهات من العالم تعرف جهودا
لإنشاء نوع من الاندماج، وما
حدث في الرابطة الأوربية،
يمكن أن يتكرر في عدة مناطق.
إن القومية المجهرية هي
مرحلة، وينبغي أن نكون جاهزين
للمرحلة الموالية لمحاولة
إدماج مختلف الدول المجهرية
عن طريق نظام فيدرالي أو
كنفدرالي بقصد الرجوع إلى
وضعية "الماكرو-دولة"
التي هي أساسية لتحقيق النمو
الاقتصادي والسياسي". -
Voir l’Entretien avec le secrétaire générale de
l’ONU. B.B.Ghli (le trimestre du Monde) 2ème
trimestre 1992, N° 18, p : 9 et s. مذكور في د.محمد تاج
الدين الحسيني، المجتمع
الدولي....المرجع السابق، ص: 181 [11]
-
سالم الكسواني: المركز
القانوني لمدينة القدس،
الطبعة الثانية 1978 (دون ناشر)،
ص: 275. [12]
-
ناصيف يوسف حتي : التحولات
في النظام العالمي والمناخ
الفكري الجديد وانعكاساته
على النظام الإقليمي العربي،
بيروت، مجلة المستقبل
العربي، العدد 165، تشرين
الأول/نوفمبر 1992، ص: 46. [13]
-
عبد النور بن عنتر: الدولة
والعولمة وظهور مجتمع مدني
عالمي، بيروت، مجلة شؤون
الأوسط، العدد 107، صيف 2002، ص:
79. [14]
-
ومن بين تلك الأمثلة نشير إلى
ما يلي: (نتائج بعض حروب
الاستقلال العرقية القومية) - أوكرانيا: (الاتحاد
السوفيتي) الاستقلال عام 1992 /
فترة الصراع 1944. - مجموعة ميسكيتو (نيكاراغوا):
حكم ذاتي إقليمي في 1990 / فترة
الصراع 1981-1988. - مجموعة ناجا (الهند):
حكم ذاتي إقليمي عام 1972 / فترة
الصراع 1952-1975. - مجموعة شيتا جونج (مجموعة
التلال) (البنجلاديش): مجالس
محلية استقلالية محدودة 1989،
فترة الصراع 1975-1989. - مجموعة "عفارا"
(إثيوبيا): حكم ذاتي إقليمي في
1977. - مجموعة "بالوش"
(باكستان): حكم ذاتي 1970-1973:
استعادة جزئية. - الكاثوليك (شمال
إيرلندا): منذ 1969 حتى الآن
مفاوضات متقطعة على المشاركة
في السلطة. - إيبو (نيجيريا): فترة
الصراع 1967-1970: الصراعات قمعت،
إعادة الاندماج مع الدولة. - تاميل (سريلانكا):
فترة الصراع من 1975 حتى الآن:
حكم ذاتي إقليمي 1987 استمرار
الصراع. - جنوب السودان: فترة
الصراع 1955-1978: حكم ذاتي 1973-1983:
استمرار الصراع واتجاه نحو
استفتاء للانفصال. [15]
-
د. السيد ولد أباه: العرب
مابعد انفصال جنوب السودان، 13
ديسمبر 2010: http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=56391 [16]
-
د. السيد ولد أباه: العرب
مابعد انفصال جنوب
السودان،المرجع السابق. [17]
- السفير
عبد الله الأشعل: العالم
العربي وانفصال جنوب السودان: http://www.fikr.com/?Prog=article&Page=details&linkid=842 [18]
-صادق ناشر: مخاطر انفصال
جنوب السودان، موقع المؤتمر
نت: 30/12/2009 http://www.almotamar.net/news/76833.htm -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |