ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
منهجية
التعامل مع السنة النبوية -
55 - د.
محمد سعيد حوى التعامل
مع الصحيحين – 2 - ذكرت ان
تدوين الصحيحين كان مرحلة فاصلة
وتطوراً هائلاً بين مرحلة سبقت
مرّت بها السنة ومرحلة لحقت
وقلنا من المهم معرفة كيف كان
حال السنة قبل تدوين الصحيحين
لنعرف اهمية ومكانة الصحيحين،
ووجوب الحذر في التعامل مع
السنة اذ لم يكن التدوين شائعاً
وكان جل الاعتماد على الرواية
الشفوية مع وجود التفرد غالباً
في هذه الروايات. حال
السنة قبل كتابة الصحيحين:. ذكرت من
قبل ان السنة في المرحلة
الثالثة وتقدير هذه المراحل
انما هو اجتهاد عمومي، والا
فيمكن لعلماء آخرين ان يعيدوا
ذكر المراحل بطريقة اخرى. اقول:
ذكرت ان المرحلة الثالثة كانت
مرحلة تدوين موسوعي، لكن
الملاحظ انها كانت تجمع الصحيح
والسقيم والسليم والمعلول، بل
وكثير من الغرائب والمنكرات مما
دعا الشيخين – البخاري ومسلم –
الى منهجية جديدة في التأليف
ودعا الى وجود الست الاربعة كما
سأبين. ولقد
صوّر لنا الامام مسلم بوضوح حال
السنة والرواية والتصنيف قبيل
تصنيف الصحيح. يقول
الامام مسلم في صحيحه (1/8) وهو
يحدث عن سبب تأليفه الصحيح
ومنهجه فيه، فيقول: وبعد يرحمك
الله, فلولا الذي رأينا من سوء
صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثاً،
فيما يلزمهم من طرح الاحاديث
الضعيفة، والروايات المنكرة،
وتركهم الاقتصار على الاحاديث
الصحيحة المشهورة, مما نقله
الثقات المعرفون بالصدق
والامانة، بعد معرفتهم
واقرارهم بألسنتهم، ان كثيراً
مما يقذفون به الى الاغبياء من
الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم
غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم
ائمة اهل الحديث، مثل مالك بن
انس وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن
عيينة ويحيى بن سعيد القطان
وعبدالرحمن بن مهدي وغيرهم من
الائمة – لما سهل علينا
الانتصاب لما سألت من التمييز
والتحصيل، ولكن من اجل ما
اعلمناك من نشر القوم الاخبار
المنكرة، بالاسانيد الضعاف
المجهولة، وقذفهم بها الى
العوام الذين لا يعرفون عيوبها
خفّ على قلوبنا اجابتك الى ما
سألت" أ.د. ونحن
اذا تأملنا هذا النص الدقيق
المهم الصادر عن الامام مسلم
سنجد فيه قضايا مهمة ودقيقة
جداً, ولا بد من فهم منهجية
التعامل مع السنة في ضوئها وضوء
امثالها من النصوص عن الائمة.
فالامام مسلم بيّن اموراً منها:. 1-
كثرة الاحاديث الضعيفة بل
والمنكرة. 2-
تداول كثير ممن ينسبون الى
الحديث لهذه الروايات. 3-
نشر الاخبار المنكرة وتلقي
العوام لها. 4-
عدم الاقتصار على الصحيح من
روايات الأئمة. بل والانشغال
عنها. 5-
عدم قدرة كثيرين على
التمييز بين الصحيح والسقيم
وتداخل ذلك. 6-
وقد حذر مسلم من الرغبة
الجامحة عند بعضهم في الاستكثار
من الرواية دون تمييز، ووجوب
دقة النقد والتيقظ. فقال
(1/4): "فالقصد الى الصحيح
القليل اولى بهم من ازدياد
السقيم".. فاما عوام الناس
بخلاف معاني الخاص من اهل
التيقظ فلا معنى لهم في طلب
الكثير وقد عجزوا عن معرفة
القليل". فاذا
كان هذا الحال من الاختلاط وسوء
النقد وكثرة الروايات المنكرة
وجهل كثيرين شأنها واعجز الاكثر
عن نقدها مع انها تروى ممن نصب
نفسه محدثاً، فاذا كان هذا
الحال وقت الامام مسلم فماذا
سيقول في يومنا هذا, وقد اصبح كل
من هبّ ودبّ يتكلم في الحديث،
واذا وجد طالب علم محقق يقصد
التحري والدقة فيسعى الى كشف ما
في بعض النصوص من علل، فاذا
بالتهم توجه اليه من كل صوب
مدّعين عليه انكار السنة, او
تحكيم الهوى او نعته بالزندقة
او الجهل, مع ان واجب طلاب علم
الحديث بحق ان ينهضوا بقوة الى
النقد سنداً ومتناً نصحاً لله
ولرسوله ولأئمة المسلمين
وعامتهم وذباً عن سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فلا
يجوز الاغترار بظاهر الرواية
والسند، وقد اكد العلماء ان من
شروط الصحيح تفي العلل والشذوذ. فاذا
جاء حديث من رواية ثقة يخالف
ثقات او اوثق ردّ، فكيف اذا خالف
القرآن او السنة المشهورة او
الواقع او احكام العقل المستقرة
لدى العقلاء, وهذا امر سنعود
لبيانه ان شاء الله بوضوح. وقد حذر
مسلم من التفرد والغرائب وشؤون
الروايات وكذلك فعل ابو داود في
رسالته الى اهل مكة في وصف سننه
اذ يقول: "فالحديث المشهور
المتصل الصحيح ليس يقدر ان يرده
عليك احد، اما الحديث الغريب
فانه لا يحتج به، ولو كان من
رواية الثقات من ائمة العلم..
ولا يحتج بالحديث اذا كان
غريباً شاذاً" رسالة ابي داود
ص 24 تحقيق الصباغ. واني
لأقف متعجباً جداً امام كلام
ابي داود في رفض الحديث الغريب
والحديث الشاذ بل وحتى لو كان
هذا الغريب من رواية الثقات –
ومع تأكيدي اننا بحاجة ان نفهم
بدقة كلام ابي داود – لكن القصد
من ذلك بيان شدة دقة علمائنا وان
لا نغتر بظواهر الاسانيد كما في
ذلك اشارة الى معاناة ائمتنا في
النقد وضرورة متابعة المسيرة. ويتحدث
الامام البخاري عن سبب تأليفه
لصحيحه بما يكشف عن حال الرواية
في عصره وكثرة الضعيف وانتشار
المعلول والقيم والمنكر من ذلك
قوله:. "صنفت
الصحيح في ست عشرة سنة"
السيرة 12/405. وهذا
كما ينبئ عن دقة الامام البخاري
فانه ينبئ عن المعاناة التي كان
يواجهها في ذلك. وقد امضى مسلم
الفترة ذاتها – 15 – في تصنيف
صحيحه. يقول
البخاري "لم تكن كتابتي
للحديث كما كتب هؤلاء، كنت اذا
كتبت عن رجل سألته عن اسمه
وكنيته ونسبته وحمله للحديث، ان
كان الرجل فهماً، فان لم يكن،
سألته ان يخرج الى اصله ونسخته,
فأما الآخرون, لا يبالون ما
يكتبون، وكيف يكتبون" السير
(12/406)). وهنا
نلاحظ ان مجرد وجود الكتاب عند
محدث ليس كافياً وكم شوهت كتب او
دس فيها او اسيء نسخها او تلاعب
متلاعب فيها وتلاحظ كذلك من
كلام البخاري شكوى مرة من حال
اهل عصره في الرواية. ويذكر
ابن حجر السبب الباعث للبخاري
على تأليف صحيحه، ويذكر كيف كان
حال الرواية قبله، وان اكثر
الصحابة والتابعين لم يكونوا
يعرفون الكتابة (او قل لم يدونوا)
ويذكر حال المصنفات قبل البخاري
فقال: "وجدها بحسب الوضع (التأليف
جامعة بين ما يدخل تحت الصحيح
والتحسين والكثير منها يشمله
التضعيف.. فحرك همته لجمع الحديث
الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين. ونقل عن
البخاري قوله: كنا عند اسحاق بن
راهويه فقال: لو جمعتم كتاباً
مختصراً لصحيح سنة رسول الله,
قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي
فأخذت في جمع الجامع الصحيح"
هدى الساري 1/6 والسير (12/401). وهكذا
نلحظ من كلام اسحاق بن راهويه
شعوره بالمشكلة الخطيرة في
تداخل الصحيح بالضعيف. فاذا
كان هذا بعض حال السنة قبل تدوين
الصحيحين مما دفع الشيخين الى
تدوين كتابيهما. ثم وجد
اصحاب السنن الاربعة انفسهم
امام كم هائل من الروايات ما زال
بحاجة الى نقد وسبر وكثير من هذه
الروايات يتداولها الفقهاء
فضلاً عن الوعاظ. فماذا
قدّم الائمة الاربعة اصحاب
السنن وما دلالة جهود الائمة
الستة (البخاري ومسلم وابي داود
والترمذي والنسائي وابن ماجه)
وما هو الواجب اليوم, نكمل ان
شاء الله.. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |