ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  11/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المكتبات التراثية ببلاد الشام

المكتبة الظاهرية بدمشق وعلمائها أنموذجا

أ.حمدادو بن عمر

توطئة:

      اشتهرت دمشق بمكتباتها الوقفية خاصة ما كان موقوفاً في المدارس والمساجد، وعلى مدى العصور الإسلامية كانت محتويات مكتباتها من المخصوصات والذخائر العلمية تفوق ما في مكتبات المدن الأخرى في الدولة الإسلامية، وبقيت منها بقية في القرن التاسع عشر، وضاع القسم الأكبر منها، فبعضها خطف من قبل المقيمين عليها من غير الشرفاء فضاع أكثره (ما بين نهب واختلاس، وإهداء للزلفى وكسب الحظوة لدى السلاطين) وكان لا بد من اتخاذ خطوة جادة للحفاظ على البقية الباقية من الكتب والمخطوطات قبل أن تتلاشى تلك المكتبات وتنطمس معالمها والتي لم يبق منها سوى بعضها بعد أن "كان عدد تلك الخزائن أيام عزها ينيف على الخمسين فهبط إلى العشرة" ويسر الله لهذه المهمة الشيخ طاهر الجزائري الذي أدرك حجم المصيبة وقرر أن يتصدى لمقاومتها.(1)

        وما كان الأمر يتسنى له القيام بهذا الأمر دون مشورة أهل العلم ومساندة ذوي السلطان، فالكتب موقوفة على أهل العلم والوقف في الإسلام له أحكام وأصول، فلا بد حيال ذلك من مشاورة العلماء ومفاوضتهم لأخذ الموافقة على ما ارتأى فعله، من جمع ما تبقى من الكتب في تلك الخزائن، فأقرته طائفة منهم، ومساندة الوالي مدحت باشا الذي أمر بنقل الكتب والمخطوطات من المدارس، وأخذت الجمعية الخيرية على عاتقها هذا الأمر، فجمعت الكتب والمخطوطات وتم نقلها إلى قاعة خصصت لهذا الغرض في شطر من مدرسة الملك الظاهر بيبرس تحت القبة.(2)

      ولم يرق الأمر للقائمين على تلك الأوقاف ومانعوا ممانعة عظيمة بلغت حد التهديد بالقتل إن لم يكف عن جمع الكتب، ولكنه استمر في علمه لإتمام ما عزم عليه ونقل ما كان موجوداً إلى مسجد الظاهر لتأسيس المكتبة الظاهرية.

     وهكذا تأسست المكتبة الظاهرية كمكتبة عامة، وجعلت لها الحكومة إدارة خاصة وعينت لها قواماً وسنّت لها قانوناً يضمن صيانتها على غرار المكتبات الكبرى في دول العالم" ووضعوا لها شرائط المكاتب الكبرى وذلك عام 1879 فجاءت مؤلفة من 3453 كتاباً منوعة عدا الكراريس والأوراق المتفرقة وفق ما جاء في الفهرست المطبوع بعد سنة من افتتاحها للطلاب.

    كما جُمعت لها الكتب والمخطوطات من عدد من خزائن الكتب أشهرها عشرة هي: المدرسة العمرية، مكتبة عبد الله باشا العظم، مكتبة سليمان باشا العظم، مكتبة الملا عثمان الكردي، مكتبة الخياطين، مكتبة المرادية، مكتبة الشميصانية، مكتبة الياغوشية، مكتبة الأوقاف، مكتبة بيت الخطابة، بالإضافة إلى مكتبات أخرى لا تتعدى المصنفات المأخوذة منها خمسة أو ستة مصنفات من المكتبة الواحدة مثل المكتبة الأحمدية ومكتبة الكزبر. وإضافة إلى ماجمعه لها من خزائن الكتب فقد عمد إلى تزويدها بالكتب النافعة مما نُشر في الغرب ففي زمن رؤوف بك والي دمشق أوائل هذا القرن جمع لها بتزيين صديقيه الأستاذين الجزائري والبخاري نحو خمسمائة ليرة وابتاع لها كمية من الكتب.(3)

         وأصبحت المكتبة تشكل منارة سياحية وأثرية هامة حيث تتميز بأبنيتها المعمارية الجميلة والتي يؤمها السياح من كل أصقاع الدنيا ليتمتعوا بروعة هندستها.و عن الأبنية التي تشغلها هذه المكتبة فإن هذه المكتبة كانت عبارة عن مدارس لتخريج العلماء والباحثين حيث تضم بناءين أثريين هما من الأوابد الأثرية والمعالم السياحية في دمشق ويعتبران نموذجا لطراز العمارة والهندسة البنائية في العهدين الأيوبي والمملوكي والداخل الى باحتي المدرستين يستذكر أصحابهما ومن قام على إنشائهما فيعيش التاريخ حيا متجددا حيث يشاهد أحداث طائفية كبيرة من العلماء والأعلام مثل ابن خلدون وابن مالك وابن يعيش وابو شامة المقدسي وقد تخرجت من المدرستين أعدادا لا تحصى من طلبة علوم الدين والدنيا.(4)

         وأضافوا إن المكتبة الظاهرية التي تنسب الى الظاهر بيبرس تضم بناءين هما المدرسة العادلية الكبرى ووضع أساسها السلطان نور الدين زنكي سنة 568 لدراسة الفقه الشافعي وأكمل بناء المدرسة الملك العادل الأيوبي وابنه الملك المعظم حيث مازال ضريحاهما داخل غرفة خاصة في البناء المذكور وقد اتخذت هذه المدرسة مقرا للمجمع العلمي بدمشق سنة 1919 وهو مجمع اللغة العربية اليوم. وتجدر بنا الإشارة إلى التنويه بمؤسس المكتبة ودوره في حفظ التراث، ومن ثم ذكر لأهم المخطوطات الجزائرية بالمكتبة الظاهرية بدمشق.(5)

لمحة موجزة عن مؤسس المكتبة:

        هو طاهر بن محمد صالح بن أحمد بن موهوب السمعوني، المشهور بالجزائري. هاجر والده من الجزائر إلى دمشق سنة 1263هـ (1847)، وكان من بيت علم وشرف، تولى قضاء المالكية، حيث كان فقيهها في دمشق ومفتيها في الشام.

ولد طاهر الجزائري في دمشق سنة 1852، وتعلم في مدارسها، حيث دخل المدرسة الجقمقية الإعدادية وتتلمذ على الأستاذ عبد الرحمن البستاني، فأخذ عنه العربية والفارسية والتركية ومبادئ العلوم، كما قرأ على أبيه أيضاً، ثم اتصل بعالم عصره الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني، ولازمه إلى أن وافاه الأجل، وكان شيخه الميداني فقيهاً عارفاً بزمانه واسع النظر، معروفاً بوقوفه على لباب الشريعة وأسرارها، وببعده عن البدع وإتباع الأوهام والبعد عن حب الظهور والتفصح في المجالس، على قدم السلف الصالح بتقواه وزهده، وعلى نهجه سار تلميذه الجزائري فشب محباً للعلم على اختلاف فروعه خاصة علم الطبيعة، يفتش عن مصادره المطبوعة والمخطوطة ويقتنيها، ويتلقف بشوق ما يسمعه من أحاديث العلماء الذين تلقوا العلم في المدارس العالية أو الأجنبية، فإذا به يدخر حصيلة كبيرة قيمة من العلوم الطبيعية والفلكية والرياضية والتاريخية والأثرية إلى جانب ما وعاه من علوم العربية والفقه.(6)

أتقن الجزائري اللغة العربية وأتقن الفارسية والتركية، وتعلم الفرنسية وتكلم بها، وكذلك تعلم السريانية والعبرانية والحبشية، وكان يعرف القبائلية البربرية لغة موطنه، وتعلم كثيراً من الخطوط القديمة كالكوفي والمشجر والعبراني غيرها ليتسنى له دراسة الآثار.

كما شغف بالكتب المطبوعة والمخطوطة، وعرف الجيد من أصنافها، كما عرف طبقات المؤلفين وتراجم الرجال، وأماكن المخطوطات والنسخ المتفرقة منها في الخزائن الشرقية والغربية، وساعده على إتقان ذلك قوة حافظته.

المهام التي تقلدها:

تولى طاهر الجزائري التدريس في المدرسة الظاهرية بدمشق، والتقى بالوالي مدحت باشا الذي وجد عنده البغية التي يريدها من أجل إصلاح ولاية سورية ورآه ثقة. فهو يبحث عن أمثاله ليستعين بهم في نشر العلم وإصلاح التعليم، وخطط مع الشيخ طاهر لنهضة علمية واسعة، واتفقا على أن خير نهج يؤدي إلى النهضة يقوم على محو الأمية، وكون هذا بنشر التعليم الابتدائي من قبل هيئات أهلية لا تعتمد على الأساليب الحكومية، تجمع المال من الموسرين وتنفقها في الأغراض المقررة، فتثمر جهودها في أقصر وقت مادامت مؤيدة بعطف الوالي ونفوذه.

كان الشيخ الجزائري عضواً في جمعية علمية اجتماعية أسسها بعض العلماء والوجهاء في دمشق، أطلقوا عليها اسم (الجمعية الخيرية)، وقد اعتُمد على هذه الجمعية في تنفيذ خطة النهضة العلمية، فدأب أعضاؤها على توعية الناس وبث حب العلم والترغيب فيه بين الشباب، كما قامت الجمعية بترميم وتجهيز المدارس الموقوفة على طلب العلم، وكذلك ملحقات بعض الجوامع والتكايا، فتم في بضعة أشهر افتتاح نحو تسع مدارس في مدينة دمشق اثنتين منها للإناث.

عُين الشيخ طاهر الجزائري بناء على جهوده مفتشاً للمعارف في ولاية سورية، فبذل جهوداً إضافية جبارة في سبيل إصلاح أساليب التعليم، وكان يتعهد المعلمين بالنصح والإرشاد والتوجيه، ويسمع بشغف آراءهم في ابتكار أنجح الوسائل لتعليم الطلاب والدعوة إلى طلب العلم. وكان يسهر الليالي الطويلة عاكفاً على تأليف الكتب في مختلف العلوم الدينية والعربية والرياضية، مبسطاً أساليبها مختاراً ما تدل التجارب على نجاحه وسهولة تلقينه، وكان يشرف بنفسه على طبع كتبه في مطبعة الجمعية الخيرية.

عمل الشيخ طاهر الجزائري على تأسيس دور عامة للكتب في مختلف البلاد، فكان منها دار الكتب الوطنية الظاهرية ـ وهي اليوم ثروة كبرى من ثروات دمشق الوطنية ـ فجمع فيها البقية الباقية من الكتب والمخطوطات الموقوفة في مختلف الجوامع والمدارس، فهددته أكلة أوقاف المدارس بالقتل إن لم يكف عن جمع الكتب في مكان واحد، لأنه استولى بسيف الحكومة على جميع ما أبقته أيدي النهب من الكتب المخطوطة.

كذلك أسس الشيخ الجزائري بمساعدة آل الخالدي في القدس مكتبة وطنية باسم (المكتبة الخالدية) ضمت كتب الشيخ راغب الخالدي وكتب أسرته، وجمع فيها مخطوطات وكتب أخرى قيمة.

بعد أن سجن الوالي مدحت باشا، أُعفي الشيخ طاهر الجزائري من منصبه الحكومي، وعُرض عليه وظيفة أخرى لا يكون له فيها اتصال بالناس فأبى، ولزم بيته شاغلاً أوقاته بالمطالعة والتأليف، وعاش على بيع الكتب حتى آخر أيامه إلى من يرجو حفظها عندهم وعدم خروجها من الشام، كما واصل تتبع نوادر الكتب والمخطوطات، وكان يدون خلاصة ما يطلع عليه في مذكرات بلغت مجلدين ضخمين.

وكان يسافر بين حين وآخر إلى مختلف البلاد العثمانية والبلاد الشرقية والأوروبية، يجتمع بعلمائها ومفكريها باحثاً في كنوز المكتبات عن مخطوطات التراث العربي. كثر تردد طلاب العلم على الشيخ طاهر الجزائري، مما زاد نشاطه الاجتماعي، ونشر الدعوة للعلم، كما تحلقت حوله طبقة من شيوخ دمشق والعلماء النابهين فيها، فكان يتحفهم بالدروس العلمية والفكرية، والسياسية، ومركزه الأساسي الذي يقيم به دروسه كان مدرسة عبد الله باشا في دمشق.(8)

قال الأمير الشهابي: (في تلك المدة التي قضاها الشيخ طاهر الجزائري بالشام، كان يتحلق حوله في دمشق صفوة من المتعلمين والنبهاء والمفكرين العرب، فتألفت من جمعهم أكبر حلقة أدبية وثقافية، كانت تدعو إلى تعليم العلوم العصرية، ومدارسة تاريخ العرب وتراثهم العلمي، وآداب اللغة العربية، والتمسك بمحاسن الأخلاق الدينية والأخذ بالصالح من المدنية الغربية).

فقد كان الشيخ الجزائري يدعو المسلمين إلى تعلم دينهم، والاحتفاظ بمقدساتهم وعاداتهم الحسنة والأخلاق القويمة، وأن يفتحوا قلوبهم لعلوم الأوائل والأواخر على اختلاف ضروبها، وكان يأخذ بأصح الأدلة من الكتاب والسنة ويجتهد بعدها، ولطالما أعطى الحق للمعتزلة والإباضية والشيعة في مسائل تفرد بها وضيقها أهل السنة، وكان يتفنن في بث الأفكار الصحيحة في العامة والناشئة.

كما كان الشيخ الجزائري يشجع على إنشاء الصحف السياسية والاجتماعية، والمجلات العلمية والأدبية، وكان يدعو إلى تناول الصحف النافعة ويبتهج بها، وله شغف بالاطلاع عليها وتتبعها، خصوصاً التي تكثر من الترجمة عند الغرب واقتطاف ثمرات علومه.

قال فيه تلميذه الشيخ سعيد الباني: (جمع بين المعقول والمنقول، ومزج القديم بالحديث، أخذ من كل علم لبابه، ونبذ لفاظته، فكنت تجد منه العالم الديني والمدني والرياضي والطبيعي والسياسي والأديب والمؤرخ والأثري والاجتماعي والأخلاقي والكاتب والشاعر، فكان عنده من كل علم خبر... فهو دائرة المعارف، ومفتاح العلوم، وكشاف مصطلحات الفنون، وقاموس الأعلام).(9)

في سنة 1898 عُين الشيخ الجزائري مفتشاً لدور الكتب العامة في دمشق، فعاود سيرته الأولى مبشراً بمبادئه، فبث أفكاره بين معارفه ومؤيديه لمدة أربع سنوات، ثم لما كان اسم الشيخ لدى رجال الحكم في رأس الداعين إلى التحرر في وقت ازدادت في السياسة اضطراباً، رحل الشيخ الجزائري خفية إلى مصر التي كانت يومئذ تنعم بالاستقرار وبشيء من الحرية والأمن، حاملاً معه ما استطاع من كتب قيمة ومخطوطات نادرة.

اتصل الشيخ الجزائري في مصر بالعلماء الذين عرفوا فضله بغية الإفادة من خبرته، كما كانت بين الشيخ والمستشرقين صداقات يراسلهم ويراسلونه على اختلاف قومياتهم، وزاره كثير منهم في رحلاتهم إلى الشرق، يقتبس منهم ما ينفع المسلمين، ويُقبسهم ما يثبت سماحة الإسلام ومدنيته ومجد المسلمين وتمدنهم، وهذا ما جعله في عداد حلقات السلسلة التي تصل الشرق بالغرب، كما شهد له الكثيرون. كما شارك الجزائري في تحرير بعض الصحف المصرية، وكان يعكف في لياليه وأوقات فراغه على التأليف، فكان من أهم آثاره في تلك الفترة كتاب في الحديث (توجيه النظر إلى أصول الأثر)، جمع فيه زبدة ما جاء في كتب أصول الفقه ومصطلح الحديث من القواعد والفوائد بشكل يدل على سعة إطلاع وفهم عميق لأسرار الشريعة.(10)

عاد إلى دمشق سنة 1919 بعد قيام الدولة العربية، فعينته الحكومة العربية مديراً عاماً لدار الكتب الوطنية الظاهرية، وانتخب عضواً في المجمع العلمي العربي، إلا أن إقامته لم تدم أكثر من أربعة أشهر بسبب مرضه.

 وفاة الشيخ طاهر:

       استحكم فيه مرض الربو، وقبيل وفاته بشهر قفل راجعاً إلى دمشق، وانتقل إلى رحمة ربه يوم 14 ربيع الثاني سنة 1338هـ و5 كانون الثاني سنة 1920م ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق حسب وصيته.فقد اشتد به مرض الربو، فتوفي يوم الاثنين الموافق 5 كانون الثاني سنة 1920، ودفن في سفح قاسيون تنفيذاً لوصيته. ترك الشيخ الجزائري الكثير من المؤلفات التي تدل على علمه الغزير وثقافته الواسعة، وطُبعت أكثرها في حياته وبإشرافه.

مدوناته التراثية:

ومن تآليفه المطبوعة:

• الجواهر الكلامية في العقائد الإسلامية

• منية الأذكياء في قصص الأنبياء

• مد الراحة إلى أخذ المساحة

• مدخل الطلاب إلى فن الحساب

• الفوائد الجسام في معرفة ضواحي الأجسام

• ورسالة في النحو وأخرى في البديع وثالثة في البيان ورابعة في العروض

• وكتاب تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز

• وشرح ديوان خطب ابن نباتة

• ومختصر البيان والتبيين للجاحظ

أما المخطوط فيتمثل في:

• تفسيره الكبير ويدخل في أربعة مجلدات مخطوطة محفوظة في دار الكتب الظاهرية.

اهتمام الشيخ بالتراث المخطوط:

ومن شدة خوف الشيخ الجزائري على الكتب والمخطوطات النادرة من الضياع شكى الى والي دمشق انذاك مدحت باشا الذي ينسب اليه سوق مدحت باشا التاريخي حيث أصدر الأخير قرارا بأن تجمع الكتب الوقفية جميعها في مكان واحد، وتم ذلك بالفعل وجمعت في المدرسة الظاهرية، وسميت في العهد العثماني بالمكتبة العمومية وكانت اول واكبر مكتبة عرفت في ديار الشام بما حوته من نوادر الكتب والمخطوطات.

وتضم المكتبة ثلاث قاعات: قاعة الأمير مصطفى الشهابي وقاعة الشيخ طاهر الجزائري وقاعة خليل مردم ويؤم المكتبة الطلاب من المرحلة الاعدادية حتى الجامعية، أما قاعة مردم فهي خاصة بالباحثين والمؤلفين حيث توضع تحت تصرفهم كافة المراجع والمخطوطات والكتب القيمة لانجاز ابحاثهم.

       ويبلغ رواد المكتبة في العام الواحد وسطيا حوالي 45 الف طالب علم وتبلغ عدد الكتب المعارة في السنة الواحدة 30 الف كتاب ويزورها سنويا سياح عرب واجانب يبلغ عددهم وسطيا 5000 سائح.

كما بلغ عدد الكتب الموجودة في المكتبة الظاهرية 72 الف كتاب وما يقرب من 85 الف مجلة مقسمة الى اصول وفروع حسب علاقتها بذلك الاصل، وهذه الاصول عبارة عن ثمانية عشر صنفا تضم 53 فرعا جميعها في الخزائن.

     أما قسم المخطوطات والحديث للقائمين على المكتبة فقد بلغت محتوياته 13 الف مخطوط قديم ونادر واقدم المخطوطات كتاب مسائل الامام احمد بن خليل المنسوخ في عام 260 هجري، وتضم المكتبة كذلك قسما خاصا بالصحف والمجلات وامهات الكتب والدوريات والمعاجم.

         وقسمها الملك العادل الى قسمين قسم الفقه، وقسم للقراءات والعلوم العربية، وفي عهد نور الدين زنكي الملقب بالشهيد صارت مقرا للعلماء والفقهاء، وفي عام 1920 ميلادي تأسس فيها المجمع العلمي العربي وظل يشغل المدرسة حتى انتقاله لمقره الجديد قبل حوالي ربع قرن في حي المالكي بدمشق.

     والمدرسة العادلية التي ما زالت ملكيتها تعود لمجمع اللغة العربية هي والظاهرية، يقوم المجمع حاليا بمشروع ترميم كبير في العادلية لينتقل بعدها الترميم الى المدرسة الظاهرية.

شمولية الشيخ طاهر وموسوعيته:

     يتضح ذلك من خلال قول ووصف محمد كرد علي شيخه بأنه مجموعة نفيسة من العلوم ومكتبة سيّارة ضمت خباياها المفسّر والمحدث والأصولي والفقيه والفيلسوف والأديب واللغوي والكاتب والشاعر والمؤرخ والأثري والطبيعي والرياضي والفلكي والاجتماعي والأخلاقي. فأية موسوعة تحوي من المعارف أكثر من هذا؟ ويقول في موضع آخر نقله عن الخطيب "كان يتقن علوم العربية، ويحفظ وقائع التاريخ، أتقن علوم الدين والدنيا.

    أما تلميذه الآخر محمد سعيد الباني فيرى أنه في شمول معرفته وموسوعيته "قل من يدانيه من معاصريه بإحاطته وسعة اطلاعه، جمع بين المعقول والمنقول، ومزج القديم بالحديث، أخذ من كل علم لبابه ونبذ لفاظته" وبعد أن يعدّد العلوم التي ألم بها أستاذه يقول "فهو دائرة المعارف، ومفتاح العلوم وكشاف مصطلحات الفنون وقاموس الأعلام".

      كان كثير القراءات متنوعها تكاد قراءاته وفق شهادة معاصريه وتلامذته تغطي كل ما طبع في الشرق والغرب باللغة العربية أو ترجم إليها إضافة إلى المخطوطات التي ربما فاقت المطبوعات، لا ينسى ما يقرأ مهما طال به العهد، تساعده ملكة قوية في الحفظ وسريعة حتى يكاد يحفظ معظم ما يتصفحه ويتلوه، وكان دائم البحث عن الكتب ونوادر المخطوطات في المكتبات وخزائن الكتب،يرحل في طلبها ويتقنها "إذا زاد دخله عن حاجته أسرع إلى الوراقين يشتري بما عنده من مال ما يتنفع به"، فالكتب عنده أعز أصدقائه لا يمل من مجالستها والاطلاع عليها واكتشاف خباياها، يقرأها ويعيد قراءة الكتاب الجيد أكثر من مرة. يحملها معه أينما ذهب" وكانت جيوبه وأعبابه مفعمة على الدوام من الرسائل والدفاتر والجرائد والمجلات والكناشات والأوراق كأنها حانوت ورّاق وكان فراشه محاطاً بسور من الكتب والأوراق والمحابر والأقلام".(11)

      يقرأ الكتب والمخطوطات ويختصرها ويعلق عليها، ويكتب رأيه فيها في مذكرات يقول عنها محمد كرد علي أنها غريبة في بابها فبينما ينقل رأياً في التفسير إذا به ينقل جملاً طويلة في مذهب النشوء والارتقاء أو رأياً جديداً للماديين.

      لقد هيأت له معرفته الواسعة بالكتب واطلاعه عليها أن يكون علماً من أعلام الببليوغرافيا يكاد ينفرد بين علماء الشرق والغرب في معرفة الكتب وما تحويه من علوم فيدل كل واحد من طلابه على ما يجب مطالعته من الكتب وفق استعداده. فيعرف الكتب ومؤلفيها وموضوعاتها وأبوابها التي تشتمل عليها وأرقامها في فهارس المكتبات. ففي رسالة إلى تلميذه محمد كرد علي ينصحه فيها بوصف بعض المخطوطات يتبين مدى معرفته بها يحفظ عنوان المخطوطة وموضعها ورقمها في الفهارس "أرجوزة ابن سيدة" وهي من قبيل الملح اللغوية في نمره1، من الأدبيات المنظومة مع ديوان أبي العتاهية. ويعرف المخطوطات الموجودة في كل مكتبة من المكتبات ويصف شكلها المادي "المجمل في اللغة في الطاهرية نسخة ناقصة من الطرفين". ويعرف طريقة ترتيب مواد الكتب ويحفظ صورة سماع كل منها "الأربعون السلفية وهي مرتبة على البلدان، وممن سمعها على السلفي الملك الناصر صلاح الدين".(12)

      كان يدرك أهمية الضبط الببيلوغرافي ويدعو إلى الاهتمام بتسجيل أسماء الرجال الذين يرجع إليهم عند الخاصة فحين "اشتد به المرض كان يردد: اذكروا من عندكم من الرجال الذين ينفعونكم في الشدائد، ودونوا أسماءهم في جريدة لئلا تنسوهم".(13)

     لقد أدرك الجزائري الفقيه والعالم وموسوعي المعرفة الذي تربى في بيت علم وأدب أن لا سبيل إلى إعادة الروح لهذه الأمة إلا بنشر العلم بين الناس وإحياء تراثهم العلمي وذيوعه بين الناس كافة. ففي دمشق كان له الفضل في إنشاء المكتبة الظاهرية، وفي القدس كانت له مساعدة وجهود في إنشاء المكتبة الخالدية أول مكتبة عامة في القدس في القرن التاسع عشر.

ذخائر المكتبة الظاهرية بدمشق:

    تحظى المكتبة الظاهرية بكّم  لابأس به من المخطوطات القيمة والنفيسة، ونحاول هنا أن نبرز تلك المخطوطات الجزائرية والمغاربية والتي يمكن حصر بعضها فيما يلي:

• أحمد بن يحي التلمساني، سكردان السلطان

• أحمد بن محمد التلمساني المقري، أزهار الرياض في أخبار عياض

• الثعالبي، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

• محي الدين أبو العباس أحمد بن علي القرشي المغربي المعروف بالبوني، كتاب في تعبير الرؤيا

• أبو زيد عبد الرحمن بن أبي غالب بن عبد الرحمن الجادري المديوني الموقت في مسجد القرويين بفاس، رسالة في علم الرمل

• محي الدين ابن أبي شكر المغربي، نبذة من كلام الفلاسفة

• أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب، حواشي على رقائق الحقائق في حساب الدرج والدقائق

• عبد الرحمن أبو القاسم المعروف بابن الخطيب، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس

• ابن حزم الأندلسي رسالة في مداواة النفوس

• ابراهيم بن محمد بن محمد المغربي الأندلسي، تمرين الناقلين في أحوال النيرين

• أحمد الخفاجي، خبايا الزوايا فيما في الرجال من البقايا

• محمد الأندلسي، غريب القرآن

• محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب في لسان العرب

• أحمد بن ميرها القرطبي، المنتقى لأهل التقى

• عبد المجيد بن عبدون الأندلسي، لجاجة الزهر وفريدة الدهر

    ومما يمكن الإشارة إليه هو أنّ للشيخ طاهر الجزائري كتاب التذكرة الطاهرية(14) يقع في أكثر من عشرين مجلدا تبحث في نوادر المخطوطات ومحل وجودها ومزاياها وأمثلة منها، وغير ذلك من المعلومات التي يستعين بها المحققون في تحرياتهم عن المخطوطات، غير أنّ هذه المدونة عل حد علمنا أنها لا تزال غير منشورة.(15)

    وإنني أرجو أن تكون مدينة دمشق وبلاد الشام عموما منارة للعلم والعلماء كما كانت ولا زالت وستزال هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا خدمة لتراثنا العربي الإسلامي الذي يحظى بعلماء أجلاء خلفوا للإنسانية كم هائل من المخطوطات القيمة التي لا تزال مجعا للعديد من المستشرقين اليوم.

ــــــ

مراجع البحث:

1. إبراهيم خوري، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية، علم الهيئة وملحقاته، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، سورية. ط1969.

2. ياسين محمد السواس، فهرس مجامع المدرسة العمرية في دار الكتب الظاهرية بدمشق، منشورات معهد المخطوطات العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت، ط1، 1987.

3. رشيد الزوادي، التبادل العلمي بين المشرق والمغرب الإسلامي، " مجلة الحضارة الإسلامية " وهران. الجزائر. ع1، 1993.

4. محمد المنوني، المصادر العربية لتاريخ المغرب، الفترة المعاصرة ( 1790- 1930)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة الدراسات الببليوغرافية. مطبعة فضالة المحمدية. المملكة المغربية.ط1989.

ــــ

الهوامش:

1) ابراهيم خوري، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية، علم الهيئة وملحقاته، "مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق"، سورية. ط1969.ص: 143

2) المرجع نفسه، ص:144

3) المرجع نفسه، ص: 144

4) المرجع نفسه، ص: 145

5) المرجع نفسه، ص: 147

6) ياسين محمد السواس، فهرس مجامع المدرسة العمرية في دار الكتب الظاهرية بدمشق، "منشورات معهد المخطوطات العربية"، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت، ط1، 1987.ص ص:5-23

7) المرجع نفسه، ص: 15

8) رشيد الزوادي، التبادل العلمي بين المشرق والمغرب الإسلامي، " مجلة الحضارة الإسلامية " وهران. الجزائر. ع1، 1993، ص ص: 327- 339.

9) المرجع نفسه، ص: 328

10) المرجع نفسه، ص: 330

11) المرجع نفسه، ص: 333

12) المرجع نفسه، ص: 336

13) المرجع نفسه، ص: 339

14) محمد المنوني، المصادر العربية لتاريخ المغرب، الفترة المعاصرة ( 1790- 1930)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة الدراسات الببليوغرافية. مطبعة فضالة المحمدية. المملكة المغربية.ط1989. ص ص:325-327

15) المرجع نفسه، ص: 326

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ