ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 10/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الحكومة الإلكترونية والبعد الأمني  

إعداد : العربي العربي

مقدمــــة

لقد لعبت الثورة التكنولوجية التي عرفها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، دورا كبيرا في تغيير العديد من المفاهيم التي كانت بمثابة مسلمات، وتم تعويضها بمفاهيم جديدة، ساهمت في تحليل ودراسة وحدات المجتمع الدولي، و حلٌ الكثير من عقده. فدخل العالم مرحلة متقدمة ضمن آفاق عصر المعلومات، بغية الإستفادة من التقنيات المتوفرة في مجال المعلومات. والتي أصبحت معيارا يقاس به تقدُم المجتمعات وتطورها. إن العالم اليوم، غدا كقرية صغيرة، أوجبت تجاوز البعد الزماني والمكاني. فقامت الدول بتطوير الآليات التقنية والوسائل لمتابعة تنفيذ تلك السياسات وتحقيق أعلى كفاءة ممكنة لأداء عملها الحكومي, وتهيئة المناخ لملائمة التطورات العالمية المتجددة. هذه التحديات فرضت على الحكومة الكلاسيكية، ضرورة مواكبة هذا التغير والتفكير في الإنتقال إلى مرحلة الحكومة الإلكترونية. خاصة بعد انتقال كافة مكونات المجتمع المدني، الإقتصادي والإعلامي إلى الفضاء الإلكتروني. إن هدف الحكومة الإلكترونية، هو الإجابة على مختلف طموحات شرائح المجتمع، في تعاملاتهم اليومية مع الجهات الحكومية، عن طريق تقديم الخدمات لهم بطريقة سهلة وعلى مدى أربع وعشرين ساعة، طوال أيام الأسبوع عبر الوسائل الإلكترونية. ما يعني تقديم هذه الخدمات آليا. فتُحقق نوعا من الشفافية، والمشاركة في صنع القرار. كما تعمل على تسهيل تنقل المعلومات، وردم الفجوة البيانية بين مختلف الوزارات والإدارات وتشجيع التكامل والتبادل الآلي للبيانات. ما يؤدي إلى دمج الحكومة مع محيطها الخارجي، وبالتالي التفاعل مع النظام الدولي. إلا أن الإنتقال من الحكومة الكلاسيكية إلى الحكومة الإلكترونية، طرح إشكالات جديدة، ومن ضمنها الأمن على مختلف المستويات الوطني منها، الإقليمي والدولي. لقد تطور مفهوم الظاهرة الأمنية عبر التاريخ ومر بثلاث مراحل جوهرية: مرحلة التركيز على القوة العسكرية كوسيلة وحيدة للحفاظ على الأمن، ودامت حتى سبعينيات القرن الماضي. تلتها مرحلة ما بعد إعلان الدول العربية سياسة الحظر النفطي على الدول المؤيدة لإسرائيل عام1973م ما جعل الدول المتضررة تفكر بأن للأمن أبعاد أخرى غير الجانب العسكري، وهو البعد الإقتصادي. أما المرحلة الثالثة، فتبدأ بانهيار المعسكر الاشتراكي وزوال الخطر الشيوعي. فتغيرت منهجية التعامل مع القضايا الأمنية، وظهور مواضيع جديدة كالإرهاب، الجريمة المنظمة، الهجرة السرية...وتزامن هذا مع ظهور مدرسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية، والتي تعتبر همزة وصل بين الدراسات التقليدية، والدراسات النقدية للأمن. حيث ركزت على الفرد كوحدة أساسية للتحليل بدل الدولة. ما عزز ظهور ما يسمى بالأمن الإنساني، الذي هو" الطفل الذي لا يجب أن يموت، المرض الذي لا يجب أن ينتشر، العقيدة التي لا يجب أن تفجر العنف، المختلف الذي لا يجب أن يسكُت، الأمن الإنساني ليس متعلق بالأسلحة، إنه متعلق بكرامة الحياة الإنسانية". انطلاقا من هذا المضمون الجديد لمفهوم الأمن، يتبين لنا الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه الحكومة الإلكترونية سواء على المستوى الوطني أو الدولي، في تعزيز عملية التنمية، وبالتالي الوصول إلى الأمن. لقد قال وزير الدفاع الأمريكي السابق مكنمارا "الأمن هو التنمية، فهما وجهان لعملة واحدة". إن الحكومة الإلكترونية تهدف إلى خدمة المواطن، وإشراكه في اتخاذ القرار. و بالتالي الذهاب بالمصالح الحكومية إليه أينما كان، وفي أي وقت أراد. ما يجعله أكثر ثقة في هيئاته الحكومية، فيمنحُها الشرعية التي هي مفقودة لدى العديد من الأنظمة السياسية. وتتكاثف الجهود من أجل إنجاح هذا المشروع الضخم، الذي تتهدده الأخطار من كل حدب وصوب. إن الإهتمام بالبعد الاقتصادي، يدعم الدولة وعناصر أمنها. حيث يجعل المجتمع أكثر استقرارا ورفاهية، ويسهل عليها الخروج من حلقة التبعية والضغوط الخارجية. كما أن التعرف على قوة التهديدات أو ضعفها يتم عند إدراكها، وبالتالي إمكانية تحديدها إذا كانت رئيسية أو ثانوية، والخطوات الواجب إتباعها للقضاء على هذه التهديدات. ويلعبُ التنسيق الإلكتروني بين مختلف الوحدات المكونة لهذه الأجهزة دورا كبيرا في توحيد الجهود، وبالتالي سهولة إدراك الخطر وكذلك القضاء عليه. فالحكومة الإلكترونية أداة من الأدوات الفعالة، لإنجاح المشاريع التنموية، وخلق أرضية صالحة لمشاريع أمنية ناجحة. والعمل للدفاع على حدود البلاد الإلكترونية، مثل الحفاظ على الحدود الجغرافية في الحكومة الكلاسيكية. وإنجاز جهاز مناعة معلوماتي، للحفاظ عليها من المتطفلين، وجماعات التخريب، بغية تفادي زعزعة ثقة المواطنين بالنموذج الإلكترو-حكومي، فيصاب بزلزال مدمر،لايمكن تداركه. لمعالجة هذا الموضوع، ارتأينا طرح الفرضية التالية: إن تجسيد الحكومة الإلكترونية خطر على الأمن بمختلف أشكاله ومعانيه. وضع هذه الفرضية فوق طاولة التجريب يقودنا إلى طرح الإشكالات التالية: ما هو المقصود يا ترى بالحكومة الإلكترونية؟ و ماهي الأبعاد المختلفة لمفهوم الأمن؟ وهل أن أهداف الحكومة الإلكترونية تتنافى والمصالح الأمنية؟ هل يمكن للحكومات أن تبقى في معزل عن التأثير والتأثر بمحيطها الخارجي، وبالتالي الاندماج في النظام الدولي؟ هل أن الوصول إلى الحكومة الإلكترونية هو نذير وفاة الحكومة الكلاسيكية؟ فكيف يمكن يا تُرى تطوير الأمن الحكومي الكلاسيكي، لكي يشمل الأمن ألمعلوماتي، وبالتالي حماية حدود البلاد الإلكترونية؟ ماهي عناصر نجاح الحكومة الإلكترونية؟ وكيف يُمكنها المساهمة في رسم وصياغة السياسات الأمنية؟ و ماهي عقبات الحكومة الإلكترونية ومُهدداتها الأمنية؟ هل يمكننا اعتبار أن الحكومة الإلكترونية هي نسخة جديدة لمشروع إستعماري خلال القرن الواحد والعشرون ؟ أي ماهي ما ورائيات الحكومة الإلكترونية ؟ الإجابة على هذه الإشكالات المُهمة فرضت علينا الاعتماد على مناهج مختلفة منها،المنهج الوصفي،المنهج المقارن وكذلك التاريخي. مع الاستعانة ببعض الإقترابات، كالاقتراب ألنسقي لديفيد أيستن، وكذلك اقتراب الإتصال لكارل دويتش.علنا نستطيع الوصول إلى خيوط هذه المعادلة المعقدة, وبالتالي تفكيك رموزها واستجلاء الجوانب الغامضة فيها.

 

أولا:ماهية الأبعاد الأمنية والحكومة الإلكترونية. أ- تعريف الأمن ومفاهيمه: لقد اختلف المهتمون بالأمن الوطني في إعطائهم تعريفا موحدا، بل حاولوا تحديد مفهوم له. لأن الأمن الوطني متغير بتغير العصر والظروف، و وسائل تحقيقه. و يختلف التعريف عن المفهوم، في أن التعريف محدد بدقة، ويضع مواصفات محددة وواضحة، ولا يختلف فهمه لدقته ووضوحه. أما المفهوم فهو شرح لمضمون ما، لذلك يختلف بإختلاف وجهة النظر المفسر له. إن الحديث عن أمن المواطنين يستلزم الحديث عن أمن الدولة، فلا وجود لأمن لهم دون استقرار الدولة. ويعرف الأمن على أنه:" التحرر من الخوف والقلق".(1) إن وظيفة الدولة لم تعد مجرد دركي، يقوم بمعاقبة الخارجين عن القانون. ولا ينحصر في الحفاظ على أمنها الداخلي بل يتعداه إلى محيطها الخارجي. ما يعني مواجهة كل من يتهدَد حدودها، ثرواتها، رعاياها أو يرغب في القضاء على قَيمها من ثقافة ودين أو خصوصَيات اجتماعية. لهذا تعرفه دائرة المعارف للعلوم الإجتماعية: "الأمن الوطني يعني قدرة الدولة على حماية قيَمها من التهديدات الداخلية والخارجية، وتأمين الوصول إلى المواد الخام, والأسواق الإستراتيجية".(2) وهناك تعاريف أخرى نذكر منها:(3) دائرة المعارف البريطانية التي رأت:"أن الأمن القومي يعني حماية الأمن من خطر القهر، على يد قَوة أجنبية". أما هنري كيسنجر فيرى:"أن الأمن، هو التصرفات التي يسعى المجتمع عن طريقها، إلى حفظ حقَه في البقاء". فهو في هذا التعريف، يشير إلى استعمال عناصر القوة المختلفة ليس العسكرية فقط، بل توضيح لشرعية تلك التصرفات وتحديد توقيت استخدامها. ما يترُك المفهوم مفتوحا لتصرفات عدوانية. وهذا استجابةً لمسلَمات النظرية الواقعية وأركانها. أما تعريف روبرت مكنمارا Robert McNamara))(4):"الأمن عبارة عن التنمية، ومن دون التنمية لايمكن أن يوجد أمن. وأنَ الدول التي لا تنموا، لايمكن أن تظل آمنة". لقد ركزَ على كلمة التنمية[العسكرية،الاقتصادية، الإجتماعية] كمفتاح للأمن، لربطه بين التنمية والقدرة على النمو والآمان. أما الدكتور علي الدين هلال فيرى أن:"الأمن القومي، هو تأمين كيان الدولة. أوعدد من الدول ضَد الأخطار التي تهدَدها من الداخل ومن الخارج، مع تأمين مصالحها الحيوية، وخلق الأوضاع الملائمة لتحقيق أهدافها، وغاياتها القومية". إذاً فالأمن مفهوم شامل، ولا يقتصر على قدرات الدولة العسكرية، التي ترَكز على القوة، دون التعامل مع القَدرة. التي تمثل نسيج متشابك، تتداخل معه كل قِوى الدولة، لحمايتها من التهديدات الداخلية والخارجية. فالقَوة تتحدد في حجم القُوات المسلحة ونوعيتها. في حين تتمثل عناصر القدرة في الإمكانات الاقتصادية، الكفاءة السياسية في إدارة الصراع، القوة العسكرية، بالإضافة إلى التكنولوجيا والعوامل المعنوية.(5) من خلال تحليلنا وتشريحنا لهذه المفاهيم يمكننا استخلاص النقاط التالية: 1- أن الفكرة الأساسية لهذا المصطلح، هو التزام الدولة بحماية أفرادها الطبيعيين والمعنويين، وكفالة حقوقهم مقابل التزامهم بواجباتهم، دون أن يعرَضها ذلك إلى المخاطرة بكيانها. - مبدأ الحماية للفرد والمجتمع ثم الدولة والأمة. 3- لم يعد المصطلح مقتصرًا على الشكل السياسي للدولة، بل أصبح يشمل متطلبات أمنية إقليمية جديدة، كالحديث عن الأمن الأوربي، الأمن العربي... ولعل ماذكره وزير الدفاع الأمريكي السابق ماكنمارا في كتاب له عن "جوهر الأمن"، أن امتلاك الأسلحة لم يمنع الثورات والعنف، وربط بين الأمن والتنمية. ورأى أن السلاح والقوة العسكرية، قد يكون جزء من الأمن وليس أهمها. فحلول هذه المشاكل، يتطلب حلولا اقتصادية، ذات أبعاد اجتماعية، دون المغالاة في رفع القدرات العسكرية. هذا التحول في مفهوم الأمن يلتقي مع أهداف الحكومة الإلكترونية التي تركَز على التنمية، وخدمة مصالح المواطن قبل الحكومة، والتي تعتبره أساسها وركيزتها. ب: التعاريف المختلفة للحكومة الإلكترونية. لقد كثرت التعاريف والمفاهيم للحكومة الإلكترونية، لتعدَد الأبعاد التقنية، الإدارية، التجارية والاجتماعية التي تؤثر عليها. تعرفها المنظمة العربية للتنمية الإدارية(6)على:"أنها عملية استخدام المعلومات العريضة للإنترنت، والإتصال عبر الهاتف الجوال, لإمتلاكها القدرة على تغيير وتحويل العلاقات مع المواطنين، ورجال الأعمال ومختلف المؤسسات الحكومية". أما الدكتور أحمد القرعي(7) فيعرفها:"على أنها حكومة خفية تحتضنها الحكومة الشرعية القائمة في الدولة، أي أنها تقتنيها ولا تمتلكها، حيث المواطن سيد قراره. كما يتِم توظيف كل وسائل الإِتصال والمعلومات لخدمته. وعلى الحكومة أن تلبي رغباته أينما كان في المنزل، في الشارع، داخل الوطن أو خارجه". ومنه يمكننا استنتاج أن الحكومة الإلكترونية هي النسخة الإفتراضية عن الحكومة الكلاسيكية. وهناك من يعرفها(8) على أنها:"ربط المواطن بمختلف أجهزة الحكومة، للحصول على الخدمات الحكومية، بشكل آلي ومؤتمن. باعتماد شبكات الإتصال والمعلومات، مع خفض للتكلفة وتحسين للأداء وسرعة في الإنجاز. مع تحسين علاقة العمل بين المؤسسات الحكومية المختلفة والأفراد". أما المعهد التخصصي للدراسات(9) فيعرفها على النحو التالي:"هي قدرة القطاعات الحكومية المختلفة على تقديم الخدمات والمعلومات الحكومية التقليدية للمواطنين، بأساليب إلكترونية سريعة، وبتكاليف ومجهود أقل، وفي أ ي وقت، ومن خلال شبكة الإنترنت". إذا فالحكومة الإلكترونية هي الإستخدام التكاملي الفعال لجميع تقنيات المعلومات والإتصالات، لتسهيل وتسريع التعاملات بدَقة عالية داخل الجهات الحكومية، أو بينها وبين تلك التي تربطها بالأفراد وقطاعات الأعمال. لقد عرفت الأمم المتحدة عام 2002م الحكومة الإلكترونية على أنها: "استخدام الإنترنت والشبكة العالمية العريضة، لإرسال معلومات وخدمات الحكومة للمواطنين". أما منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية(O.C.D.E), فعرَفتها عام 2003م (10):"أنها استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات،وخصوصا الإنترنت للوصول إلى حكومات أفضل". فالحكومة الإلكترونية تهدف إلى:"توفير الخدمات عن طريق أساليب جديدة، تقوم على مبدأ استخدام تكنولوجيا المعلومات وبطريقة الخدمة الذاتية، مما يمنح فرص متكافئة للجميع للإستفادة من المعلومات، وإجراء المعاملات الحكومية. كما أنه يسمح بفتح مجالات واسعة لتوفير الخدمات بطرق سهلة، مما يوفر الجهد والمال، ويُحقق ثقة المستخدم بفاعلية هذا التوجه".(11) إذا حاولنا جمع هذه التعاريف واستخلاص النقاط المشتركة بينها، يمكننا تعريف الحكومة الإلكترونية على الشكل التالي:هي استخدام التكنولوجيا وتقنية المعلومات، لدعم الأعمال الحكومية والتفاعل مع المواطنين، بغية تقديم هذه الخدمات بطريقة سهلة وعلى مدى 24 ساعة يوميا، وكل أيام الأسبوع, عبر الوسائل الإلكترونية وأدوات التكنولوجيا، وأهمها الإنترنت، والتقنيات الجديدة للإتصال, كالطرق السَيارة للمعلومات فائقة السرعة، وكذلك الألياف البصرية التوصيلية العالية القدرة.

ثانيا:التطور التاريخي لمفهوم الأمن،ومراحل التحول نحو الحكومة الإلكترونية.

أولا:المحطات المختلفة لتطور مفهوم الأمن: يحس الطفل بالأمان عند تواجده مع أمه وأبيه، اللذان يوفران له إشباع حاجاته المادية والمعنوية. وباطمئنانه يشَب سوياً. و إذا فقد أحد الأبوين أو كليهما، أو عدم تأمينهما لبعض الحاجات تولَد لديه قلاقل وأمراض نفسية. ومن الأبوين أصبحت العشيرة والقبيلة توفر الأمن لأعضائها. وبعد استقرار الإنسان واكتشافه للزراعة، واستئناسه للحيوان زادت مطالبه، ولم تعد حدوده هي أفراد أسرته. ولم تعد القبيلة مجرد عدد من الأسر،بل أصبح لها ملكية ذات حدود.فبدأ التنازع بين القبائل على الملكية الأكبر والأغنى. ما فرض تكاثف الجميع لحماية أنفسهم، أسرهم وممتلكاتهم التي كثرت وتنوعت. ثم الإنتقال من إشباع الحاجات الأساسية إلى الحاجات الثانوية. فالإنسان عندما يشبع ويسكن، يبحث عن الحب ثم والتفاخر، حسب درجات هرمية تعرض لها علماء النفس ومن ضمنهم ماسلو.(12) بعد مطالبة الإنسان الحماية من الظواهر الجوية، ومن الحيوانات المتوحشة، أصبح مفهومه للأمن أوسع وإدراكه لما يهدده أكبر. فأصبح الأمن جماعيا بعدما كان فرديا. إن نزول الإنسان من الكهوف وامتهانه للزراعة , أدى إلى اشتَداد الصراع بين القبائل.ما دفعها إلى تكثيف جهودها لمواجهة الخطر المشترك ومنه ظهرت الدولة(هناك نظريات عديدة حول نشأة الدولة، منها نظرية الدوران الحلزوني لأبن خلدون، نظريات العقد الإجتماعي...) لها قانونها الخاص، وجيش يقوم بحماية أمن مواطنيها، وحدودها، وسلطة سياسية تحقق مطالب الشعب وحاجاته. فالإنسان في حالة الأمن يمارس نشاطه بلا توتر. وفي حالة الخوف يصاب بالعصبية، ويظل كذلك حتى تزول المسببات أي التهديدات الأمنية. ومع تقدم البشرية، أصبح أمن المجتمع والدولة، هما أساس أمن المواطن. وتقدم الأمن الجماعي (أمن الوطن) على الأمن الذاتي(أمن الفرد). فالدولة هي التي تحقق أمن المجتمع وأمن الوطن. والوطن لغة هو "مكان عيش الإنسان ومقره "، فيصبح مفهوم الأمن الوطني لغوياً "هو سلامة المكان الذي يعيش فيه سكان البلاد، في سلام وبدون خوف".(13) إن التصور الكلاسيكي لمفهوم الأمن في العلاقات الدولية(14) يرجع إلى معاهدة وستفاليا لسنة 1648 م ، والذي ارتبط مباشرة بالسيادة التي تمارسها الدولة على أراضيها مع حماية كل السكان الذين يعيشون فوق أراضيها، مع تمتع الحكومة داخل حدودها باستقلالية سياسية، عسكرية، اقتصادية ودينية. إن مصطلح الأمن الوطني تزامن مع ظهور الدولة القومية في أوربا خلال القرنين السادس والسابع عشر ميلاديين. و رأى خبراء الإستراتيجية، أن الظروف التي مرَت بها أوربا قبل الثورة الفرنسية من تمزق وتناحر، أوجب فرض مفهوم أمني يرتبط بالظروف الجغرافية. إن الإختلافات العرقية خلقت مشاكل في الحدود الأمنية، فغدا الأمن القومي, مرتبط بالتوسع الحدودي، بغية ضَم مناطق تمكنها من إيجاد التوازن بين جغرافية المكان، ومطالب سكانه الحيوية. وأصبح مفهوم الأمن الوطني يعني ضرورة التوسع في الإقليم. وهو ما طبع فلسفة هتلر التوسعية على حساب جيرانه اعتماداً على مفهومه الخاص بنمو الدولة في مجالها الحيوي، ولو خارج حدودها. ما زاد من حدة المشاكل الأمنية بين الدول الأوربية. لقد استخدم هذا المصطلح بشكل رسمي بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديدا سنة1947م بإنشاء أمريكا لهيئة رسمية سميت "مجلس الأمن الوطني الأمريكي"، مهمته البحث في كل ما يمُس كيان الأمة الأمريكية. واعتبر المحللون السياسيون والأكاديميون الأمريكيون، الأمن كظاهرة سياسية يمكن تحليلها. ويمكننا تقسيم المراحل المختلفة التي مرَ بها مفهوم البعد الأمني إلى ثلاث مراحل أساسية: المرحلة الأولى: إن المفهوم التقليدي للأمن اعتمد على التفسير الأحادي الإتجاه، بتركيزه على الأمن العسكري دون غيره. حيث يمكن للدولة بواسطته الحفاظ على سلامة حدودها، وتحقيق الإستقرار الداخلي و قهر العدوِ الخارجي.(16) وكان للمدرسة الواقعية دوراً كبيرا في التركيز على عنصرا لقوة، واعتبار الدولة كوحدة أساسية في تحليل العلاقات الدولية. ما يجعلها في حالة صراع دائم بغية ضمان بقائها. ورأت أن الأمن يقتصر على الجانب العسكري حتى تتمكن من مواجهة خطر الشيوعية القادم من الإتحاد السوفيتي، الذي يهدَد القيَم والوجود الليبرالي. بعد التطور في ميدان تكنولوجيا السلاح الذي وصل إليه الإتحاد السوفييتي وتحقيقه التوازن العسكري، ومناطحته الولايات المتحدة الأمريكية في الفضاء, وإرساله للقمر الصناعي(Sputnik) عام 1957م.(17) غدا تحقيق الأمن هو تحقيق للمصلحة الوطنية. لذلك رأى(Raymond Aron) أن الأمن هو الهدف الأول والأسمى لكل فرد أو وحدة سياسية. فهناك علاقة وطيدة بين المصلحة الوطنية والأمن الوطني. ودامت هذه المرحلة حتى سبعينيات القرن الماضي.(18) المرحلة الثانية: بعد الحرب العربية الإسرائيلية، وسياسة الحظر التي انتهجتها الدول المصدرة للنفط تأثرت إقتصاديات الدول الغربية. ما دفعها إلى التفكير بأن للأمن أبعاد أخرى غير الجانب العسكري، ألا وهو البعد الإقتصادي. ومع نهاية الحرب الباردة، تغيرت أجندة السياسة الدولية، وبالتالي السياسات الأمنية. ومثل الخوف من الغزو السوفيتي، التنافس العسكري، الإستقطاب الدولي، والردع النووي التهديدات الأمنية لتلك المرحلة. لكن حلَت محلها عوامل جديدة كالتنافس الإقتصادي والتكنولوجي، ظاهرة التكتلات الإقتصادية ،الحواجز الجمركية، كما بدأ التركيز على مشكل التنمية. قال Robert McNamara)) في تعريفه للأمن الذي ربطه بالتنمية في كتابه "جوهر الأمن": "أن الفقر يؤدي إلى القلاقل، كما يؤدي إلى ضعف الإمكانات البشرية. والفقر ليس مفهوما بسيطا، فهو ليس مجرد عدم توافر الثروة، إنه شبكة من الأحوال التي تؤدي إلى الضعف. فالأمية والمرض والجوع، يؤدي إلى الهبوط بمطامح الإنسان، فيلجأ إلى التطرف والعنف. والأمن معناه التنمية، وليس المعدَات العسكرية، وإن كان يتضمنها...فبدون تنمية لا وجود للأمن"(19). إن ظهور مواضيع جديدة دفعت قُودوِين (Godwin) إلى القول, أن الإعتماد على المنظور الإستراتيجي التقليدي في مقاربة الأمن لم يعد ملائما، لتفسير التحديات الراهنة للأمن. وأن حقل الدراسات الأمنية تم إعداده بشكل سيء، لا يسمح التعامل مع عالم ما بعد الحرب الباردة. المرحلة الثالثة:بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وزوال الخطر الشيوعي، والتوجه نحو نظام عالمي أحادي القطبية, تغيرت منهجية التعامل مع القضايا الأمنية. وظهور مواضيع جديدة كالإرهاب الدولي، تبيض الأموال والجريمة المنظمة، فرض التعامل معها بمنظار جديد. ما دفع الدول الأوربية إلى تغيير منهجية تعاملها مع الدول العربية ومن ضمنها الدول المغاربية في القضايا الأمنية. فالحوار الأوربي المغاربي ركز على القضايا الإقتصادية والثقافية، وارتفع حجم مساعداتها المالية. إلا أن هذه المبادرات أحادية الجانب، فالدول المغاربية تُطبق ما يُملى عليها، ما يُصعَب الوصول إلى سياسة أمنية مشتركة وفي الثمانينات، أتت الدول الأوربية بمصطلح جديد وهو الشراكة. وهو مفهوم أوربي يعني إعادة بناء العلاقات الإقتصادية والتجارية لأوربا مع جيرانها من دول المغرب العربي، في ظل المتطلبات الأمنية الجديدة للإتحاد الأوربي. فالشراكة هي بديل للتكامل، من حيث العلاقة بين الكلفة والمكاسب. فهي لا تتطلب نفس التضحيات التي تتطلبها العملية التكاملية، خاصة مع تفاوت القُدرات الإقتصادية بين الدول الأعضاء(20) إلى جانب ظهور مصطلحات جديدة كالإعتماد المتبادل، والتكامل الإقتصادي الذي يرمي إلى إنشاء منطقة للتبادل الحَرمع2010م.(21) وتعتمد على محاور من ضمنها، المحور الثقافي، والإجتماعي. ولم يرَكز هذا المحور على الجانب العسكري، وإنما على الديمقراطية وحقوق الإنسان، الدبلوماسية الوقائية، مكافحة الجريمة المنظمة، الإرهاب ونزع السلاح.(22)

ثانيا:مراحل التحول نحو الحكومة الإلكترونية:إن للحكومة الإلكترونية عدَة مزايا، فهي وسيلة لبناء اقتصاد قوي. كما أنها تُقدم خدمات بأحسن وجه وأقل تكلفة، وتساهم في القضاء على البيروقراطية. وتعتبر أداة للرقابة التقنية لما تتمتع به من تقنيات في التحليل والمراجعة الآلية.(23) لذلك فتجسيد الحكومة الإلكترونية يستلزم المرور بمراحل مختلفة(24):

المرحلة الأولى:النشر الإلكتروني:على شبكة الإنترنت من خلال بناء مواقع تضم معلومات عن الخدمات الحكومية، حسب نوع الخدمة المقدمة، مع إضافة النماذج المستخدمة، لتأدية الخدمة المطلوبة. بحيث يمكن ملئه وطبعه. أما الأسلوب الثاني، فتنشر هذه الخدمات من خلال شبكات الهاتف بصورة صوتية، حيث يتم تخصيص أرقام لهذا الغرض. و يتطلب بناء قاعدة بيانات صوتية وإتاحتها لأكبر عدد ممكن من المشتركين في نفس الوقت. وتسمى هذه المرحلة أيضا بعرض المعلومات, وهو اتصال باتجاه واحد.(25) و يتطلب: أ- تحسين البنية التحتية للإتصالات, وزيادة عدد الهواتف الثابتة والمحمولة, وتطوير قطاع الإتصالات. ب- تخفيض تكلفة الإتصالات, مع تشجيع ودعم تكاليف الحواسب الشخصية. ج- زيادة المنافسة في تقديم خدمات الإنترنت, وتخفيض تكلفة توصيلها. د- تحسين الإتصال في المؤسسات العامة والمكتبات, مكاتب البريد, وتشجيع القطاع الخاص على انتهاج نفس السياسة والسلوك.

المرحلة الثانية: تنفيذ المعاملات الإلكترونية على شبكة الإنترنت: ويتطلب تنفيذ هذه المرحلة, وجود بيئة قانونية مالية وأمنية مناسبة, وكذلك بنية تحتية قوية للإتصالات. من خلال استخدام موقع على الإنترنت يسمح بالإستفسارات المعلوماتية, وتعبئة النماذج الإلكترونية مباشرة. وهو إتصال ذو اتجاهين ويتطلب الإجراءات التالية:(26) أ- جعل البيانات متوفرة, مع إمكانية طلبها بحرية. ففي الدول العربية المعلومات مقيدة, وتعامل عادة كأسرار دولة. إن قانون حرية المعرفة في أمريكا, يلزم جعل المعلومات متوفرة للجميع. ب- العمل على توفير خدمات الإنترنت في كل مكان, مدارس, جامعات, أماكن عمومية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يقدم برنامج (E-Rate) أجهزة وحواسيب ووصلات الإنترنت, للمدارس الإبتدائية والثانوية. كما تقوم الحكومة في كوريا الجنوبية بتمديد الأسلاك لجميع غرف الدراسة, وتوفير جهاز حاسوب محمول لكل الأساتذة. ج- تمويل تدريب المعلمين على كيفية الإستخدام الأفضل لتقنيات الإنترنت. ففي اسبانيا تقوم الحكومة بتمويل تدريب 125000 مدرب جديد لتقنية المعلومات, كجزء من الميزانية البالغة 5،2 مليار لبرنامج توفير مجتمع معلوماتي للجميع. د- تقديم تدريب تقني للعاملين في تقنيات المعلومات, حتى يتمكنوا من صيانة الشبكات المختلفة. المرحلة الثالثة: تكامل الأعمال الحكومية لتحقيق الترابط الإلكتروني: بغية توفير جميع الخدمات ابتدءاً من عرضها وانتهاءاً بقنوات إيصالها, والتمتع بمنافعها. مع وضع المشروع الإستراتيجي التكنولوجي للسياسات والإرشادات العامة, التي ينبغي استخدامها في جميع الأعمال الحكومية لدَعم الحكومة الإلكترونية.ويتم ذلك:(27) أ- باعتماد مواصفات قياسية وموحدة لتبادل المعلومات والبيانات بين الوزارات والجهات الحكومية ب- تطوير وتحسين مستوى الكفاءة في الخدمات الحكومية. ج- الربط بين كافة الخدمات والإجراءات الحكومية, بما يكفل سهولة ومرونة التعامل بين مختلف الوزارات. د- مواكبة التطور التكنولوجي, وإستخدام أنظمة إلكترونية حديثة. ه- تسهيل وتسريع تقديم الخدمات للعملاء والمواطنين, حتى يتسنى لهم إتمام إجراءاتهم عبر وسائل الإتصال. و- تقليل التعامل بالأوراق والنماذج اليدوية, واستخدام النماذج الإلكترونية.

ثالثا: أهداف الحكومة الإلكترونية, ودورها في إدراك مصادر التهديد.

أ- الحكومة الإلكترونية وأهدافها المختلفة: إن جذور الحكومة الإلكترونية يعود إلى المشاكل التي واجهت مختلف شرائح المجتمع في تعاملاتهم اليومية, مع الجهات الحكومية. ورغبة منها في تخفيف العراقيل البيروقراطية, حاولت استغلال هذه الوسيلة الجديدة وهي الإنترنت. إذا فهدف الحكومة الإلكترونية هو تدعيم نشاط الحكومة الكلاسيكية وذلك بتقديم الخدمات آليا للمستفـدين, والسماح لهم بالمشاركة في صنع القرار. كما أنها تهدف إلى تخفيف الأعباء المالية مقابل الخدمات التي كانت تقدمها كلاسيكيا, مع المحافظة على جودتها. وتستهدف الحكومة الإلكترونية مجموعات من المستفدين يمكن تقسيمها حسب المجالات التالية:(28) 1- المجال الحكومي, الشعبي: أي علاقة الحكومة بمواطنيها, والتي تهدف إلى تحقيق رفاهية المواطن ومشاركته في الحكم. عن طريق إيصال الخدمة إلى المواطن, بدل وصوله إليها عن طريق تكنولوجيا الإنترنت. مع توسيع دائرة المشاركة الشعبية عن طريق الإنتخابات والتصويت الإلكتروني في ترسيخ المسار الديمقراطي. مع ضرورة توحيد مصادر المعلومات الحكومية حتى يتسنى للجمهور التعامل معها. 2- المجال الحكومي, المؤسساتي: تهدف الحكومة الإلكترونية إلى تنشيط الدورة الإقتصادية, عبر تسهيل معاملات المؤسسات التجارية, سواء كانت محلية, إقليمية أو عالمية. تقليل تكاليف التنسيق والمتابعة المُستمرة, مع زيادة العوائد الربحية للتعاملات الحكومية مع قطاع الأعمال, وتسهِيل نظام الدفع الإلكتروني. تشجيع بناء بنيات تحتية لتقنية المعلومات, والعمل على تحقيق التكامل بين المشاريع الحكومية والقطاع الخاص فيما يخدم الإقتصاد الوطني. وتحويل وظائف كانت يدوية إلى تلقائية, مع تقليل استخدام الورق وتنقلات الموظفين. 3- المجال الحكومي, الحكومي: وينقسم إلى: أ- المجال الداخلي: العمل على ردم الفجوة البيانية والإجرائية, بين مختلف الوزارات والإدارات العامة. و التركيز على رفع مستويات الكفاءة والفعالية في الأنظمة الحكومية الداخلية, عن طريق تزويد جميع إداراتها بحواسيب, وتقليل الإجراءات المكررة مع تشجيع الوحدة والتكامل الآلي للبيانات.(29) ب- المجال الخارجي:العمل على دمج الحكومة بطريقة انسيابية, حتى تكون ذات جدوى اقتصادي مع محيطها الخارجي. كالإهتمام بالقطاع السياحي, وتقديم خدمات ومعلومات سياحية في نشريات ومجلات إلكترونية يمكن الإطلاع عليها من خلال موقعها على الإنترنت. وتشجيع الإستثمار الخارجي, مع تسهيل التحصيل الإلكتروني عن طريق نظام التراخيص الصناعية, ونظام المشتريات الحكومية.إلى جانب تهيئة الجهاز الحكومي للإندماج في النظام العالمي, حتى يستطيع مواكبة التطور التكنولوجي الهائل, وبالتالي العمل على توفير المعلومات المطلوبة بدَِقة, وفي الوقت المناسب, لصانعي القرار بغية اختيار أفضل البدائل المتاحة كحلول لأزمات, أو تهديدات من أطراف مختلفة.(30) ب- دور الحكومة الإلكترونية في تحديد مصادر التهديد: من خلال دراستنا لأهداف الحكومة الإلكترونية, رأينا أنها تسعى لتحقيق انسيابية معلوماتية في التعامل بين الأطراف المختلفة, على المستوى الداخلي وكذلك الخارجي . كما أنها تنشد خدمة مصالح المواطنين بالدرجة الأولى عن طريق إلغاء العراقيل البيروقراطية, والذهاب بالخدمة إلى المواطن, بدل أن يأتي إليها. إن التكامل الوظيفي بين مختلف الإدارات والأجهزة الحكومية, يؤدي إلى سهولة الوصول إلى المعلومة, وبالتالي طريقة التعامل معها., فقدرة الوصول إلى ا لعناصر المسئولة عن اللاأمن تعتبر جزءاً مهماً في نجاح المنظومة الأمنية. إن التكامل الإلكتروني يساعد على إدراك المصادر المهدَدة للأمن, وبالتالي سهولة تحديد الرئيسي منها والثانوي. 1- إدراك المصادر المهدَدة للأمن:(31) إن دراستنا للمعطيات الأمنية, يتطلب إرساء قواعد للتعامل معها, فكلما كان الإدراك لمصدرالتهديد شاملا, كانت الإجراءات لإزالته أكثرسهولة. ويتم هذا الإدراك على ثلاث مستويات: أ- مستوى صناعة القرار:ويشمل أعلى المستويات الأمنية, إلى جانب الأجهزة الرسمية العاملة في مجال الأمن الوطني(وزارة الدفاع, وزارة الخارجية, أجهزة المخابرات) التي تهتم بالحفاظ على الأمن الوطني وصيانته. وتتعدد المؤسسات العاملة في مجالات الأمن الوطني بحجم علاقات الدولة إقليميا ودوليا. مع ضرورة وضع خطوات عمل للكشف عن مهِددات الأمن الوطني, وتحديدها, وترتيبها حسب الأولوية مع تحديد الأهداف الوطنية لوضع استيراتيجية سياسية وأمنية. والإطلاع بصفة مستمرة على هذه المتغيرات, كشف التهديد, مستواه, هدفه, وتحديد الأسلوب الأمثل للتعامل معه. ب- مستوى النخبة: وتلعب دوراً كبيراً لأنها تضَُمُ قادة الرأي في الأبعاد الأمنية, والخبراء والباحثين الأكاديميين والكتاب. ويتوازى مع المستوى السابق لما يضمُه من خبراء ومتخصِصِين وضرورة الأخذ بآرائهم وتحذيراتهم لما لها من قيمة عالية. ج- مستوى الجماهير: يخضع مستوى إدراك الجماهير لعِدَة مقاييس من ضمنها انتشار مستوى الوعي الأمني بين الجماهير. كما أنَ ارتفاع المستوى الثقافي يساهم في زيادة حاسة الإدراك الجماهيري للمؤثرات الأمنية, كالإحساس بقوة الإنتماء للوطن مثلا. 2- تحديد مصادر التهديد: وهي الخطوة الثانية لكشف مصادر التهديد, ويتِمُ ذلك على مستويين: أ- مستويات مصادر التهديد: أ-1: مصادر التهديد الرئيسية: والتي تمثل خطراً يهددُ مصادر الحياة في الدولة, وخطراً بالغا على حياة الشعب ووجوده. وبالتالي تهديد لكيان الدولة وبقائها. كتهديد لمصادر المياه­(إسرائيل لدول منطقة الشرق الأوسط), أو الإعتداء على مصادر النفط(إيران والعراق, الولايات المتحدة في العراق). إلى جانب الإعتداء على وسائل نقله وخطوطه. فتقفز هذه التهديدات من ثانوية إلى مصادر التهديد الرئيسية. أ-2: مصادر التهديد الثانوية: إنَ مواجهة مصادر التهديد الرئيسية يستوجب حشد كافة القِوى والقُدرات وتعبئتها في الحال. بينما يمكن التريث في مواجهة التهديدات الثانوية, شريطة أن تبقى ثانوية ولا تتحول إلى مصادر رئيسية. وتُصنف بثانوية لضعف تأثيرها, أو تأثيرها الجزئي, أي لا يشمل الدولة كلها. وتلعب الحكومة الإلكترونية دوراً في جمع المعلومات و تصنيفها و تسهيل التعامل معها. 3- العوامل المهدِدة للبعد الأمني ومؤشرات قياسه: أ- مصادر التهديد الداخلية: تكون مُوجهة للدائرة المحلية للأمن الوطني للدولة, وتكون ذات تأثير قوي على تماسك الشعب. فهي تؤلب الطوائف وتثير الأقليات(ما تفعله الفصائل المتطاحنة في الصومال), تشجع عمليات التخريب اليومية للمنشآت والمصالح (العشرية السوداء في الجزائر). ويمكن للتهديد أن يأخذ بعدا عسكرياً, فتصل حِدَة الصراع إلى الإشتباك المسلح. وبإمكان التهديد أن ينتقل من داخل الدولة إلى إقليم مجموعة من الدول . ويستخدم مُثيروا الشغب، وعناصر المعارضة السياسية للسيطرة على الشارع بهدف إثارة الذعر والفوضى. كما أن الإضطرابات الداخلية المستمرة والصراع على السلطة يؤدي إلى تدخل قوى من الخارج لتأمين مصالحها الخاصة, ما يفقد الدولة استقرارها السياسي ويهدَِد أمنها الوطني, و يفقدها القدرة على التحرك السليم لمواجهة الأخطار. كما أن تعدد الأطراف المؤثرة في صنع القرار تعقِِدُ عملية اتخاذه وتؤخر سرعته, وقد تعرقله أحيانا. أ-1 : مؤشرات قياس عناصر التهديدات الداخلية: يمكن إجمالها في العناصر التالية: * انعدام أو ضعف الشعور بالولاء والإنتماء السياسي. * غموض الأهداف المرحلية, وعدم توضيحها من قبل الدولة. * مقاطعة مختلف التنظيمات التعامل مع النظام السياسي. * ضعف السلطة وتزعزع هيبتها, مع زيادة نفوذ جماعات الضغط وتأثيرها على النظام الحاكم. * ضعف مشاركة المجتمع المدني في المؤسسات الدستورية. ب- مصادر التهديد الخارجية: وتُوجه للأبعاد الأمنية للدولة في دوائرها الخارجية إقليمية كانت أو دولية. وهو ما يعني تدخُل من قوى خارجية, أو جماعات مُنشقة أو معارضة تحتضنها دول أجنبية. وغالباً ما تكون من دول الجوار الجغرافي(كجنوب السودان, الأكراد في العراق). ويعتبر الإعتداء المسلح على أراضي الدولة ومصالحها الخارجية أعلى درجات مصادر التهديد الخارجية. ويبالغ الحُكام في توصيف التهديدات الخارجية إلى وجود مؤامرة تهدد أمن البلاد, وهو ما يعرف بالنظرية التآمرية. وينتشر في الفكر السياسي نظرية استحداث مصادر تهديد خارجية, مثلما تفعل إسرائيل للحصول على مساعدات خارجية, وتحقيق إجماع وطني. وتستعملها بعض الدول كحل لأزماتها الداخلية, وإيجاد مبررات لإجراءات البطش و الإستبداد. إن مصادر التهديد هذه تفقد الدولة القدرة على رسم سياستها الخارجية, وبالتالي تكريس ما يسمى بالتبعية السياسية, وهو أكبر التهديدات وأكثرها خطراً على الأمن الوطني. ما يجعلها تخضع لضغوط من دول أخرى, قصد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المحيط الذي لا تتحكم فيه. ب-1: مؤشرِات قياس عناصر التهديد الخارجية: بإمكاننا تلخيصها في العناصر التالية:

* توتُر العلاقات الدبلوماسية أو قطعها مع دول الجوار.

* فرض عقوبات سياسية على الدولة, أو صدور قرارات إدانة من منظمات وهيئات دولية.

* خسارة الدولة لعضويتها, بعدم الترشح أو الإنتخاب. تجميد هذه العضوية أو فصلها من المنظمات الإقليمية والدولية.

رابعا: رسم السياسات الأمنية ودور الحكومة الإلكترونية في صياغتها. إن إستراتيجية الحفاظ على الأمن في ظل الحكومة الإلكترونية يختلف عن طبيعته في الحكومة الكلاسيكية, لذلك وجب تكاثف العديد من الجهود بغية وضع إستراتيجية يمكن من خلالها الدفاع على حدود الحكومة الإلكترونية والحفاظ على مصالحها. 1- صياغة السياسات الأمنية ورسمها: يقوم صانعوا القرار بصياغة السياسات الأمنية مع تحديد ماهو رئيسي من مصادر التهديد و ماهو ثانوي. وعملية الإدراك والتصنيف تقوم بها أجهزة دبلوماسية وأخرى أمنية. فالجهاز الدبلوماسي يتمثل في وزارة الخارجية والسفارات المختلفة. أما الأجهزة الأمنية فتشمل أجهزة الاستخبارات, والأمن التابعة لوزارة الدفاع, وزارة الداخلية, وكذلك القيادة العليا للدولة. إضافة إلى أجهزة الدولة المتخصصة بالوزارات والهيئات الحكومية الأخرى. تجمع هذه الأجهزة المعلومات من مصادرها المختلفة حسب التخصص والإمكانات ثم تقوم بتصنيفها, تحليلها, وتداولها مع أجهزة أخرى. بغية تحقيق رؤية كاملة لمصدر التهديد وحجمه الحقيقي, وبالتالي وضع التهديد الأكثر إلحاحا مكان التهديد الثانوي. فالإجماع على تصنيف التهديد يُمكن القيادات السياسية من وضع إستراتيجيات للمواجهة. و انعدام التنسيق بين مختلف الأجهزة, يدفع الدولة إلى استخدام العنف السياسي والأمني داخليا لتحقيق استقرار سطحي وظاهري. يقوم المجلس الأعلى للأمن الوطني بصياغة الإلتزامات الأمنية, مع وضع الأولويات والحدود القصوى للتصعيد أوالدينا للتفاوض(32) والتنازلات مع إدخال هامش من المرونة لتطبيق السياسة الأمنية. ويضَمُ هذا المجلس كل أجهزة إدراك مصادر التهديد, وأجهزة إعداد وصناعة القرار والقيادات المسئولة عنه وبعض المتخصصين والخبراء. وتلعب الحكومة الإلكترونية دورا كبيرا في تسهيل رسم هذه السياسات. إن قدرة وجاهزية القطاعات الحكومية على تقديم الخدمات إلكترونيا, تساهم في توفير بنية تحتية لازمة, وتحديث قطاعات الدولة وتدعيمها بأحدث وسائل التكنولوجيا من تقنيات وسائل الإتصالات والمعلومات, يُسهِل تقديم الخدمات إلكترونياً. هذا الجانب يُطلِقُ عليه المهندس علي بن صالح مدير عام برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية بالجانب التقني(33), والذي يتعلق بتطور الأجهزة والمعدات التقنية. 2- تعبئة قدرات الدولة: عند شعور الدولة بالتهديد, أو الإحساس بضعف في الأبعاد الأمنية, تعمل أجهزة الأمن المختلفة على تعبئة قدراتها لتتمكن من إبعاد التهديد, وإعادة الأمان. فإذا كان التهديد خارجيا, يغلب على الوسائل صورة التعاون بين الدولة ودول أخرى لمواجهة مصدر التهديد. ويأخذ عدة أشكال كإقامة حلف أو الإنضمام لحلف قائم, أو عقد معاهدة دفاع ثنائية, أو متعددة الأطراف, وتكون التعبئة بالقُوة التي تناسب التهديد. إن نشر المعارف الإلكترونية في القطاعات الحكومية, وتعميق المفاهيم والخبرات لمساعدة مُسيري القطاعات الحكومية على تطبيق الحكومة الإلكترونية. وتوعية المجتمع بمزايا التحول إلى المجتمع الرقمي, وكيفية الإستفادة من الخدمات الإلكترونية وبالتالي تغيير المفهوم القيادي, وطريقة التفكير الإدارية. يُساهم كثيرا في تعبئة قدرات الدولة على مختلف المستويات والإستفادة منها. (34)

خامسا: الأبعاد الإقتصادية والعسكرية للأمن الوطني وأهمية الحكومة الإلكترونية.(35)

1- العامل الإقتصادي والعناصر المهددة للبعد الأمني: يلعب العامل الإقتصادي دوراً كبيراً في التأثير, حيث يمكن استعماله كوسيلة لإحداث توازن في حالة حدوث اختلالات أمنية. كما غدت القوة الإقتصادية في النظام الدولي تمثل الشكل العصري للصراع, كالتصعيد, فرض الحصار والعقوبات الإقتصادية المتنوعة, قبل اللجوء إلى التصعيد المسلح. إن تداعيات الإنهيار الإقتصادي خطيرة جداً, حيث أنها تترك بصماتها على مختلف المستويات, ومن ضمنها وأخطرها البعد الإجتماعي, وتداعياته التي لايمكن التكهن بنتائجها. إن إصلاح هذا الفشل يتطلب ضعف زمن الإنهيار. حيث أنه يؤدي إلى تقلص الخطط التنموية, وبالتالي فقدان الدولة إلى كثير من عناصر أمنها(كالصومال مثلا). أما الإقتصاد القوي هو الذي يمنح الدولة نفوذا سياسياً وإقليميا واسعاً. وتُعد التكنولوجيا المتطورة من أهَم العناصر المساهمة في اقتصاد الدول. وتعتبر العلوم التقنية والصناعات الإلكترونية من أهم عناصر التقدم الإقتصادي بمنحها تقنية متقدمة لمختلف الصناعات, وبالتالي قدرة تنافسية عالية. كما أن الأجهزة المتطورة تساعد على البرمجة ومواكبة الطلبات المختلفة, مع إمكانية استشراف المستقبل والتخطيط له. هذا التطور الإقتصادي يؤدي إلى نجاح المشاريع التنموية, وبالتالي الخروج من حلقة التبعية والضغوط الخارجية. إن ارتفاع مستوى دخل الفرد, توفر الحاجات يُحقِق الرفاهية للمجتمع, ويجعله أكثر استقرارا ويرفع درجة الأمن والأمان. إن التطور الإقتصادي يمكن القطاع العسكري الحصول على أحدث العتاد, وأكثره فاعلية. فتصبح قوة لايُستهان بها, وتتضاعف قدراتها على تحقيق الأمن والإستقرار. أ- مؤشرات قياس العناصر المهددة للبعد الإقتصادي: ويمكن تقسيمها إلى: المؤشرات الداخلية:* انخفاض مستوى المعيشة وتدهور القدرة الشرائية مع ارتفاع نسبة البطالة. * ضعف المنشآت الإقتصادية وقلة الإنتاج, مع ضعف الموارد وعدم القدرة على المنافسة الدولية. * ضعف مستوى الخدمات ونقصها مع زيادة القروض وارتفاع نسب فوائدها. * انعدام الرقابة على المؤسسات البنكية والشركات الأجنبية بالدولة. المؤشرات الخارجية: * ارتفاع نسبة الديون وزيادة عبء خدماتها. * الحصار والمقاطعة الإقتصادية, خاصة من قبل دول الجوار الجغرافي والدول الصديقة سابقا. * توقف المجتمع الخارجي, الدولي والإقليمي من مَد يد العون, وفرض قيود تتعارض و مصالحها. 2- البعد العسكري للأمن الوطني: يمكن اعتبار القوة العسكرية أداة لحماية الوطن من الأخطار والحفاظ على الأمن. وتقاس مكونات البعد العسكري بحجم القوات المسلحة, تكوينها, تنظيمها وتسليحها. عناصر المرونة, خفة الحركة المتاحة والخبرات القتالية. نظام وخطط التعبئة والقدرة على تنفيذ المهام والاستمرار فيها. أ- العوامل المُهددة للبعد العسكري: أ-1 :التهديدات الداخلية:* وهو كل ما يؤثر على قدرات القوة العسكرية ويعيق تأديتها لمهامها. كأن لا تمنح ميزانية كافية, أو عدم تزويدها بعتاد حديث مع ضعف في الموارد البشرية. ومن أخطرها وجود تنظيم شبه عسكري داخلي غير خاضع للسيطرة ومناوئ للقوات المسلحة بشكل رسمي أو غير رسمي.(المليشيات في لبنان, الصومال, الجزائر أثناء العشرية السوداء). * وجود مصادر تهديد داخل القوات المسلحة نفسها. كوجود عناصر مختلفة في القناعات مع أيديولوجية النظام الحاكم. *انتقال الصراع بين الطوائف إلى المؤسسة العسكرية, أو تمرد جزء من القوات المسلحة وانفصاله بإقليم حدودي . أ-2: التهديدات الخارجية: من قبل القوات العسكرية الأجنبية وتهديدها لأمن وحرية الدولة, عن طريق الإحتلال أو بالسيطرة على مناطقها الحيوية, وإقامة قواعد عسكرية يمكن لها أن تُشكِل قيودا وتهديدات لصانع القرار السياسي.

سادسا: وسائل حماية الأمن الوطني وعناصر نجاح الحكومة الإلكترونية. إن التطور التكنولوجي الهائل جعل المجتمع الدولي بمثابة قرية صغيرة تتشابك فيها العلاقات وتزداد حِدَةً يوما بعد يوم. هذا الترابط الشديد ازداد تعقيدا بسبب الشبكة الإلكترونية, فأصبحت التهديدات الأمنية ذات طابع جديد, استلزمت ضرورة توحيد الجهود لمواجهة هذه الأخطار. فعمِدت الدول إلى إنشاء أجهزة تشمل وسائل أكاديمية نظرية علمية, وأخرى عملية لحماية أمنها وذلك على مستويين: 1- المستوى الداخلي:(36) أ- مراكز البحوث والدراسات: تهدف هذه المؤسسات إلى: * إجراء الدراسات البحثية المتعلقة بكل أبعاد الأمن القومي, مستوياته, مجالاته ودوائره.مع تحديث آليات البحث العلمي وتطوير نظم المعلومات الأمنية, وابتكار أساليب التنبؤ واستشراف الأحداث. فتح قنوات التعاون وتبادل المعرفة تحسباً للمشاكل الأمنية العابرة للحدود مع التعرف على مستجدات المعارف الإستراتيجية والأمنية, على المستوى الإقليمي والدولي. * الوصول إلى تقييم متكامل لظاهرة الأمن الوطني عن طريق المتابعة اليومية للأحداث, وتأثيراتها المستقبلية, وتقديم استشارات لقادة الأجهزة الأمنية, لإتخاذ القرارات المناسبة في مجالات العمل المختلفة. *إجراء البحوث الأمنية قصد رصد التهديدات على المستويين الداخلي والخارجي, وصياغة إطار فكري مُوحد ومُلائم لرسم سياسة أمنية متكاملة, تُؤسِس لقاعدة معلومات أمنية تساعد على رسم خطط مستقبلية. * ضرورة إعداد واستقطاب الباحثين في ا لمجالات الأمنية والجنائية والإجتماعية, مع ضرورة عقد ندوات وتنظيم مؤتمرات في المواضيع المتعلقة بالقضايا الأمنية. وتلعب هذه المراكز أيضاً, دوراً في ترسيخ نجاح الحكومة الإلكترونية. فقد نصح مركز دراسات الحكومة الإلكترونية بضرورة تشكيل وحدة إدارة المعرفة الإستراتيجية(37). تقوم بإدارة المعرفة والمعلومات المناسبة لإتخاذ قرارات إستراتيجية أمنية, عسكرية, اقتصادية وتنظيمية. ويلعب فيها عامل المعرفة, الذي هو المسئول على التنقيب عن المعلومات ضمن النطاق المعرفي المخصص له في ترتيب هذه المعلومات, ثم تحويلها إلى الشخص المسئول على تبويبها, تحديد مدى صلاحيتها ومستوى سريتها. ثم إضافة المعلومات التعريفية إلى المعلومات الخام, ومن ثم إيصالها إلى المستوى القيادي المناسب. وتتبع وِحدة إدارة المعرفة الإستراتيجية الخطوات التالية: 1- التنقيب والإستكشاف. 2- تكرير هذه المعلومات. 3- إضافة المعلومات التعريفية. 4- تحديد صلاحية المعلومات. 5- تحديد مستوى السرية. 6- تحديد المستوى القيادي المستهدف. 7- بث المعلومات إلكترونياً. ب- أجهزة الأمن والاستخبارات: هي وسيلة حكومية رسمية تعتمد عليها القيادة السياسية في صناعة القرار. نجاح المشاريع الأمنية رهين بدِقة هذه الأجهزة ونجاحها في تجميع المعلومات وتحليلها. لذلك يرى كارل دويتش في اقتراب الإتصال, أن صحة المعلومة ودقتها تلعب دوراً كبيراً في تفاعل النظام السياسي مع محيطه الخارجي كما تُمكِنه من الإجابة على المطالب في أسرع وقت ممكن. وإيجاد البدائل الملائمة للتحديات الأمنية, مع تفكيك رموزها وحلَِها بأقل التكاليف الممكنة.(38) مرجع محمد نصر عارف. ج- مجالس الأمن الوطني: تتلقى المعلومات من أطراف مختلفة, تعيد ترتيبها وتجميعها, تُحلِلها وتتنبأ باحتمالات ردُود الأفعال المستقبلية, والإجراءات الملائمة لكل رَدةِ فعل حتى تتمكن القيادة السياسية من اتخاذ القرار السليم, وفي الوقت المناسب. إن صانعي القرار هم الجزء المُهم في منظومة القيادة الحكومية في الدولة, ما يستوجب إبقاءهم على اطلاع تام بكل ما يجري على مختلف المستويات, وعبر مختلف قطاعات المجتمع, الإجتماعية, الإقتصادية, السياسية والعسكرية بطريقة عمودية وأفقية. 2- المستوى الخارجي: أ- الأداة الدبلوماسية: هي الأداة الرئيسية في السياسة الخارجية. تُحقق الدولة من خلالها الأهداف السياسية وقت السلم, وتدير عن طريقها الأزمات لتجنب الحرب والصدامات. وتستعمل الدبلوماسية عدة أساليب كالمفاوضات. ويهدف العمل الدبلوماسي الناجح إلى تجميع القوى الإقليمية والدولية, واستغلال العلاقات الخارجية الجيِدة لتأييد القضايا الوطنية. ما يساعد على تهيئة المجتمع الدولي لتقبل حلول مناسبة لصالح الأمن الوطني. كما يمكن لهذه الأداة أن تساهم في جمع كل المعلومات عما تَم إنجازه إلكترونياً لدى حكومات دول أخرى والتقنيات التي استخدمت وكذا المشاكل التي واجهتهم, وكيفية تجاوزهم إياها. وهناك تجارب عالمية رائدة يمكن الإستفادة منها.(39) ب- الأداة العسكرية: إن امتلاك الدولة لقدرات عسكرية متطورة يُمكنها من تحقيق أهدافها وردع الآخرين الذين يُهدِدون الأمن الوطني. فالمؤسسة العسكرية تعتبر الأداة الثانية بعد الدبلوماسية في حماية الأمن الوطني. وتستخدم هذه الأداة حينما تفشل الأدوات الأخرى السياسية والإقتصادية, فيبدأ التلويح باستخدام الأداة العسكرية, كالردع المعنوي والتلويح باستخدام القُوة لحسم الخلاف, كتلويح كيندي باستخدام السلاح النووي أثناء أزمة كوبا. ما دفع نيكيتا خروتشوف إلى سحب الصواريخ عام 1962م. وما نشهده اليوم بين إيران والعالم الغربي من مَدٍ وجزر بغية إثنائها عن برامجها النووية, يدخل ضمن هذا الإطار.

سابعا: عقبات الحكومة الإلكترونية ومُهدِداتها الأمنية:

1- عراقيل الحكومة الإلكترونية: إِن الوصول إلى مرحلة الحكومة الإلكترونية ليس سهلاً, بل يتطلب بذل جهدٍ كبير بغية تفادي العديد من العراقيل ومن ضمنها: أ- الجوانب التشريعية والإدارية: ما يستوجب تطوير الهيكل التنظيمي, وأساليب العمل في المراكز المزمع استخدامها في المعاملات الإلكترونية. وتطوير التشريعات بإعداد قانون يُنظِم المعاملات الحكومية الإلكترونية مع تطوير التشريعات القائمة. ب- الأمية الإلكترونية والحاجز الرقمي: ضرورة وضع برنامج لتنمية الإطارات البشرية وتكوينهم بما يتلاءم مع مفهوم الحكومة الإلكترونية. تدريب فرق العمل على مستوى كل الجهات الحكومية التي ستشارك في هذا المشروع بهدف القُدرة على إدارته وإنجاحه. مع إعداد خطة تُعرِف المجتمع بمزايا التحول نحو المجتمع الرقمي, و كيفية الإستفادة من المشاريع, والذي يعني القضاء على الطبقية في المجتمع المعلوماتي, فلا تحتكرها فئة على غرار فئات أخرى بعيدة كل البعد عما يدور في المجتمع الرقمي. ج- ضعف البنية التحتية للإتصالات والمعلومات: ضرورة إقامة برنامج تطوير فني واسع, مع استخدام أحدث الأجهزة والمُعدِات, أنظمة وقواعد البيانات. تحديث البنية الأساسية للإتصالات والمعلومات مع تطوير المؤسسات المالية بغية جعلها أكثر مرونة داخل الحكومة الإلكترونية. د- نقص الثقافة الإفتراضية أو المجتمع التخيلي.( Virtual society)إن الواقع الإفتراضي(Virtual reality) من الناحية الدلالية هو مرادف للفضاء السيبرني(Cybernetic). وهو عالم مصطنع ومختلف, يتكون بعرض مركب ثلاثي الأبعاد. يمكن للمستخدم(User) التجول فيه من خلال إصدار الأوامر للحاسوب. فالسيبرنتيك هو علم التحكم الآلي, الذي يهتم بالجانب المعلوماتي للأنظمة الديناميكية المعقدة. ويحاول هذا العلم محاكاة هذه النظم الآلية الإلكترونية المعقدة مع النظم العصبية للكائنات الحية.(40) فالعَالَم الإِفتراضي, هو ذاك العَالَم أو الوَاقِع المُحاكي للعَالَم الحقيقي الذي ينقُل إلى عَينيك وأُذنيك وسائر حواسك الأخرى, ما كنت ستراه من مكانك في العالم الإفتراضي. فبإمكان طبيب في نيويورك إجراء عملية جراحية لمريض في بلد آخر, أو أن يرتدي نظارات خاصة يستطيع من خلالها القيام بمسح دقيق لدماغ أحد المرضى في مستشفى بعيد بآلاف الكيلومترات. ولعل التوجه اليوم يُعزز إنتاج مُعدات هذا الواقع الإفتراضي, كالمشروع الذي يعمل عليه فريق بحث بجامعة (Buffalo) بنيويورك, من أجل تطوير تقنية نقل الإحساس بِمَلمَسِ الأجسام عبر شبكة الإنترنت. وإمكانية تحويل الروائح إلى بيانات يمكن تبادلها. فبإمكان الشخص مُستقبلا أن يجلس أمام الحاسوب, ويرى أحد أقاربه يتجول في ساحة عمومية ببكين, مع قدرة على لمس طفله, وتَحسُسِ ملامحه على راحة يده, وتَنسُمِ روائح الأزهار المحيطة به. هذا الخيال الرائع والجميل يعمل العلماء اليوم, من أجل تحويله إلى واقع.(41) إن المجتمع الإفتراضي أدى إلى طرح معادلة جديدة, وهي تقليص الدور المادي للحركة في الوقت الذي اتسعت فيه الحركة الإلكترونية في العالم الإفتراضي. فكلما تطورت الحركة هنا, تقلصت هناك. فمعظم المعاملات تتم بواسطة الهاتف المحمول والإنترنت, ما يمنح شركات تقنيات الإتصال والمعلومات دوراً بارزاً في ا لمستقبل. ما كان يُتحصل عليه في شهور أو سنوات, أضحى اليوم لا يتعدى ثوان معدودات. أي الدخول فيما يسمى بالزمن الإفتراضي(Cyber time), والمكان الإفتراضي(Cyber place), وهو ما أَدخَل طابع المعلومة والسيطرة على تداولها محَك الصراع. 2- التهديدات الأمنية للحكومة الإلكترونية: أ- الأمن ألمعلوماتي في المجتمع الإلكتروني: أو الإختراقات الإلكترونية في المجتمع المعلوماتي. مع كُل لحظة تزداد شبكة الإنترنت العالمية اتساعًا, بازدياد عدد المشتركين وكذلك المواقع. ما يزيد من حجم المعلومات المنقولة عبر هذه الشبكات. وتستعمل الحواسيب كأهم الوسائل للتجسس على الآخرين دون علم أصحابها, وذلك باستغلال ثغرات أمنية أو اختراق أمن الحاسوب(Security cracking) للوصول إلى المعلومات المخزنة بداخله. هناك معلومات تكلفتها المالية كبيرة جِداً لأنها تكتسي طابعاً من السِرية يساوي ملايير الدولارات. ما جعل المُهتمِين ينشطُون للحصول على هذه المعلومات القيِِمة. وقد تكون أحياناً أمنية وعسكرية. هناك عمليات جوسسة دولية للحصول على معلومات سرية رسمية حول حكومات أو أفراد معينين من النشطاء السياسيين أو العصابات. لذلك فبناء الهيكل الإلكترو-حكومي يستدعي حمايته من المتطفلين وجماعات التخريب, أي الحفاظ على حُدود البلاد الإلكترونية, مثلما تم الحفاظ على الحدود الجغرافية في الحكومة الكلاسيكية. وهو ما طرح مشكل الأمن المعلوماتي في الدولة وأجهزتها الحكومية, وبالتالي ضرورة تطوير تشكيلات جديدة داخل الحكومة كوحدة الرقابة الأمنية المعلوماتية للحفاظ على أمن البلاد الإلكتروني, وإنجاز جهاز مناعة معلوماتي (Antivirus) يُجنِب الحكومة نسف مشروع التحول الإلكتروني(42) وبالتالي زعزعة ثقة المواطنين بالنموذج الإلكترو- حكومي, فيصاب بزلزال مُدمِر لايمكن تداركه. ففي عام 2000 م قام جدل كبير في الولايات المتحدة حول خصوصية المعلومات الشخصية بعد أن كشفت المباحث الفيدرالية الأمريكية أنها طورت برنامج سُمي "كارنِيفور" "Carnivore" أو"المُلتهِم" وظِيفُته التجسس على جميع أنواع الإتصالات التي تتم عبر الإنترنت, خاصة مع وجود شبكة تجسس عالمية أمريكية أوربية إسمها "(Echelon) أيشلون, أسستها وكالة الأمن القومي الأمريكي(N.S.A) مع عدد من المؤسسات الإستخبارية العالمية, هدفها التجسس على كافة الإتصالات الرقمية, السلكية واللاسلكية, والإتصالات عبر الأقمار الصناعية. إن برنامج كارنيفور أو ملتهم البيانات هو نظام كمبيوتر مُصمم يسمح لوكالة المباحث الفيدرالية الأمريكية, بالتعاون مع الشركة المُزودة لخدمات الإنترنت بتطبيق أمر محكمة لجمع معلومات محددة حول رسائل البريد الإلكتروني لمُستخدم يستهدفه التحقيق. ومصطلح كارنيفور كلمة انجليزية تعني آكل اللحوم.أي أن هذا البرنامج يقوم بِمَضغِ كافة البيانات المتدفقة عبر شبكة ما, مع إلتهام المعلومات التي تسمح بها المحكمة. إن حكومات الدول العربية تُواجه تحديات حقيقية على جميع الأصعدة, البطالة, الأمية, عدم الإحساس بالأمن مع استحالة مواجهة ما يسمى بالعولمة. إن خطر التجسس المعلوماتي يستوجب تطوير برامج مع الشركات الكبرى المتخصصة(I.B.M - Microsoft), لوضع برامج للبحث والمتابعة, وتدريب الإطارات, والذي تراه الدول العربية نوع من أنواع الرفاهية. ففي الحملة الإنتخابية لبوش وكيري, خصصا 20 مليار دولار في خُططهِما للتدريب وتنمية المهارات. أما في اليابان فإنها تفرض على الشركات نسبة لا تقِل عن 8% من الراتب الأساسي للتدريب, بهدف إثراء المعلومات وزيادة المعرفة. إن الحفاظ على حُدود الأمن المعلوماتي يستوجب التعامل مع الشركات المتخصصة في مجال تطوير تقنيات تأمين الشبكات على الويب ضد عمليات الإختراق, بهدف تطوير إستراتيجية تفعيل الخبرات المُتخصصة, لتدعيم الحلول التقنية بغية توفير درجة أمنية عالية لمختلف الأجهزة والإدارات. ب- القرصنة الإلكترونية: في دراسة قامت بها جمعية برامج الكمبيوتر التجارية, أن معدلات القرصنة الإلكترونية في تزايد مُستمر حيث بلغت عام2007م حوالي 38%, أي بخسارة تجاوزت 48 مليار دولار. وقد استطاع أحد القراصنة تحت إسم "جبان مجهول" باختراق مِلفات 6 ملايين شخص, ومن ضمنهم رئيسة الشيلي وعَرضَ ملفاتها على الشبكة العنكبوتية, إلا أن مصالح أمنها استطاعت سحبها في أسرع وقت. وقد تم الدخول إلى وزارات مختلفة من ضمنها وزارات دفاع, بنوك ومصارف. يَقتحِمُون مُجلدات القُرص الصَلب, ويفتحون ملفات تُمكِنهم من تحويل مبالغ مالية من حساب مصرفي إلى آخر, دون الحاجة إلى قناع أو مسدس للتهديد, والقتل. وبعد قرصنته للمعلومات يقوم بتدمير القرص الصلب, وإتلاف محتوياته عن طريق المسح المباشر, أو نسخ مِلفات تحتوي على فيروسات(VIRUSES) تقوم آجلا أو عاجلا بتعطيل وإتلاف المعلومات. إما حُباً للتخريب والمتعة, أو تحت دوافع سياسية إنتقامية وعدائية(43). لهذا دعا العقيد الأمريكي تشارلز وليام سون, إلى ضرورة تطوير إستراتيجيات لمواجهة الهجمات الإلكترونية القادمة من مختلف القراصنة. وقال أن أيام القلاع والحصون قد ولَت على الشبكة, فعلينا أن نُحصن أنفسنا تكنولوجياً حتى لا نسمح للقراصنة بالمرح والسرح على الشبكة الإفتراضية. ففي عام 2007 م تعرضت الحكومة الإِستُونِيَة لِهجمات شرسة من قبل القراصنة. كما اعتقلت الحكومة الإسبانية خمسة قراصنة اخترقوا مواقع حكومية في الولايات المتحدة الأمريكية, ودول من أمريكا اللاتينية وآسيا.(44) وعلى الرغم من البرامج الخاصة لمكافحة القراصنة والمطالبة بكلمات مرور سرية, إلا أنهم استطاعوا الإختراق والوصول إلى مختلف الأجهزة من خلال ملفات الفيروس التي تصل ربما على شكل رسالة أو برنامج مضغوط. وكأسلوب للقضاء على عمليات القرصنة والإختراقات المعلوماتية, أصبح اليوم بعدما كان خيالياً إمكانية تزويد الحواسيب الشخصية والمحمولة بأنظمة التحقق البيولوجي (Biometrics). حيث تستطيع هذه الأنظمة تسجيل معلومات عن بصمات الأصابع, الوجوه, الأصوات, قزحية العين والتوقيع اليدوي وغيرها من الخصائص الفيزيائية التي بإمكانها أن تعمل كحارس لنظام معين. فتسمح بمرورك من بوابة معينة أو تمنعك منها, بناءاً على انطباق خصائصك الفيزيائية مع المعلومات المخزنة في قاعدة البيانات. وقد عمدت بعض المصارف إلى إصدار بطاقات إئتمانية ذكية تُدمَجُ فيها معلومات خاصة بِبَصمَةِ أُصبِع مَالِك البطاقة. وتحتوي أكشاك الصرافة الآلية اليوم على ماسحات لِلوُجوه أو أنظمة لِلتَعرُف على الصوت.(45)

الخاتمـــــــة

إن المجتمع الدولي يسير بوتيرة لايمكن التحكم فيها, فهي سريعة سرعة البرق في الكثير من مجالاتها. ولعل الثورة المعلوماتية التي تعيشها القرية الكونية اليوم, دليل على هذا التغير الذي يجب أن نحسب له ألف حساب. إن الوصول إلى مرحلة الحكومة الإلكترونية ليس سهلا, بل يتطلب إنجاح العديد من الركائز التي تخدم مصالح الشرائح المختلفة من المجتمع, وتجعلنا نتفادى تقسيم إجتماعي جديد, وصراع طبقي قائم على المعلوماتية والتمكن من الأدوات المعرفية الرقمية. إن العالم الإفتراضي اليوم, بدأت تتضح ملامحه وتتجلى تأثيراته في المجتمع, وسوف يُشكِل ثورة إجتماعية كبيرة في غضون هذا القرن, تفوق في حجمها أثار الثورة الصناعية. لكن السؤال الذي طرح نفسه, وحاولنا الإجابة عليه من خلال هذه الورقة, يكمن في مدى علاقة البعد الأمني بالحكومة الإلكترونية ؟ لقد اتضح لنا من خلال الغوص في فترات مختلفة من التاريخ, وتمحيص معرفي للعديد من المدارس الفكرية, والمقاربات المفاهيمية, تغيُر التصور الكلاسيكي لمفهوم الأمن في العلاقات الدولية, وإنتقاله من معنى إلى آخر تجاوباً مع ما توصلت إليه البشرية من إختراعات تكنولوجية, وتطور صناعي هائل في الميدان العسكري. جعل المصلحة العامة مهددَة, بل يمكن للعنصر البشري أن يزُول.هذا المنطق الجديد فرض تغليب المصلحة المشتركة على المصلحة الخاصة. وأصبح للأمن مفهوم مغاير لما كان عليه. كما أن الخوف من الإنتحار الجماعي في حالة المواجهة النووية, وما أفرزته العولمة من مُتغيرات جديدة وتهديدات أمنية لم تكن واردة, دفع بالعديد إلى إعطاء مفهوم جديد للأمن يتمحور في المعادلة التالية, أن هناك علاقة طردية بين التنمية والأمن. فكلما كان الوضع الإقتصادي جيداً، كان احتمال تحقيق الأمن وارداً. هذا المنظور الجديد لمفهوم الأمن تزامن مع الثورة التكنولوجية الهائلة التي عرفها العالم من خلال ما يسمى بشبكة الإنترنت, التي ربطت مختلف أجزاء المجتمع الدولي المتباعدة الأطراف من خلال الألياف البصرية السريعة, والأقمار الصناعية إلى تشابك المصالح أكثر من تنافرها. فأصبح حرف [ E] وهو اختصاراً لكلمة إلكتروني مرافقاً للعديد من المصطلحات المُتعلقة بتكنولوجيا المعلومات في أدائها وتشغيلها منذ التسعينات. كالتجارة الإلكترونية, التعليم الإلكتروني, الأعمال المالية والبنكية الإلكترونية وأخيراً الحكومة الإلكترونية. من خلال دراستنا لأهداف الحكومة الإلكترونية رأينا أنها تسعى إلى محاولة تحقيق درجة أعلى من الإنسيابية في التعامل بين الأطراف المختلفة على المستوى الداخلي وكذلك الخارجي. كما أنها تنشُد خدمة مصالح المواطنين بالدرجة الأولى عن طريق إلغاء العراقيل البيروقراطية, والذهاب بالخدمة إلى المواطن بدل أن يأتي إليها.

 إن التكامل الوظيفي بين مختلف الإدارات والأجهزة الحكومية, يؤدي إلى سهولة الوصول إلى المعلومة وبالتالي طريقة التعامل معها. كما أن قُدرة الوصول إلى العناصر المسئولة عن اللاأمن تعتبر جزءاً مهماً في نجاح المنظومة الأمنية. إن التكامل الإلكتروني يساعد على إدراك مصادر تهديد الأمن, وبالتالي سهولة تحديد الرئيسي منها والثانوي, ما يُمكن الأطراف الفاعلة في الدولة والمسئولة على اتخاذ القرار الأمني من تحديد ورسم السياسات الأمنية وصياغتها. تواجد المعلومات ودِقتها يساعد على تعبئة كل القُدرات المتوفرة لمواجهة الخطر الأمني الداهم مهما كانت قُوته. وبالتالي سهولة إستغلال الوسائل المتاحة كمراكز البحوث والدراسات, أجهزة الأمن والإستخبارات, مجالس الأمن والمقرات الدبلوماسية. حفاظاً على الأمن وخدمةً لمصالح الشرائح المختلفة من المجتمع, وبالتالي التأقلم مع المدخلات القادمة من مختلف وحدات المجتمع الدولي والتمكن من إصدار مخرجات تخدم مصالح الدولة قبل غيرها. وحيازة ما يسمى بالبصيرة الإلكترونية التي تتعامل مع الواقع المتخيل أو الإفتراضي بقوانينه الإلكترونية التي تتغير كل يوم.أي اكتساب هذا النوع الجديد من الإستبصار أو ما يسمى قرون الإستشعار. إن هذا الدور الإيجابي للحكومة الإلكترونية في خدمة الأمن وترسيخه تواجهُه تحدِيات تعيقه من مواصلة المسار بكل سلاسة, كالأمية الإلكترونية والحاجز الرقمي, ضعف البنية التحتية للإتصالات والمعلومات, نقص الثقافة الإفتراضية وأيضاً التشريعات والعوائق الإدارية. إن الإنتقال من نموذج الحكم الكلاسيكي إلى مفهوم الحكم الإلكتروني يصاحبه ظهور تهديدات من نوع جديد, أخطرها الإختراقات الإلكترونية في المجتمع المعلوماتي. ما يستوجب ضرورة الحفاظ على الحدود الإلكترونية بأساليب تكنولوجية جِد متطورة. أيضا خطر القرصنة الإلكترونية الذي يزداد يوما بعد يوم, يتطلب تطوير إستراتيجيات لمواجهة الهجمات الإلكترونية القادمة من مختلف القراصنة وبناء قلاع وحصون تمنعهم من السرح والمرح على الشبكة الإفتراضية. من خلال تفحصنا لجميع جوانب هذه الظاهرة يتبين لنا أن الفرضية التي طرحت في البداية خاطئة. تجسيد الحكومة الإلكترونية ليس خطراً على الأمن الوطني, بل أن نجاحها يساهم في توطيد الأمن وتعزيزه على مستويات وأبعاد مختلفة. كما أنها تهدف إلى تحقيق التنمية, التي أصبحت عنصراً أساسياً في تحقيق الأمن. لكن هذا لا يعني إلغاء خطرها على الدول التي لا تُحسِن إستعمالها, ولا تُحظِر لإمتلاك وسائل إنتاجها المُتمثِلة في العلم والمعرفة. فبراءات الإختراع كلها في أياد غير آمنة بمنطق الأخلاق, وعناصر قوة لدول تُخطِط لخدمة مصالحها بمنطق السياسة.إن الإستعمار التقليدي لم يَعُد له مكان في عالم التكنولوجيا والإختراع, ما يجعل الحكومة الإلكترونية نعمةً على من فَقَهَ كُنهَ أسرارها, ونقمةً على الذين لا يرحمهم التاريخ لجهل حل بهم, أو غباء كان فيهم. لكن السؤال الذي يظل مطروحاً: هل نحن مُستعِدون لحلِ هذه المعادلة بالإعتماد على العلم والمعرفة, أم سنظل عبيداً لِمَنطِق الفشل و الإنهزامية.

المراجــــــــــــع:

1-أمين هويدي, العسكرة والأمن في الشرق الأوسط وتأثيرهما على الأمن والديمقراطية, ط1, بيروت: دار الشروق, 1991, ص 50. 2- ممدوح شوقي كامل, الأمن القومي والأمن الجماعي الدولي, ط1, القاهرة: دار النهضة العربية, 1985, ص, 35. 3- أسس ومبادئ الأمن الوطني, المبحث الثاني, العنصر الثاني. متاح على:http//www.Moqatel.com 4- وزير دفاع أمريكي سابق, وهو رجل سياسي, اقتصادي, ومختص في شؤون الأمن. 5- عمرو عبد الله كامل, أعمال ندوة الأمن العربي, التحديات الراهنة والتطلعات المستقبلية, ط1, مركز الدراسات العربي الأوربي, 1996, ص84-85. 6- أحمد محمد يوسف, تفوق دول الخليج في تطبيق الحكومة الإلكترونية, جريدة الشرق الأوسط, العدد9534, 04جانفي2005. 7- أحمد حسن بلح, أهداف الحكومة الإلكترونية. متاح على:http//www.kenanaonline.com 8- مفهوم الحكومة الإلكترونية. متاح على:http//www.e=g awardspace.com/index.htm. 9- المعهد التخصصي للدراسات, الحكومة الإلكترونية, النجف: العراق, السبت 16ماي 2009. 10- صحيفة الوقت البحرينية, الحكومة الإلكترونية, العدد 145, السبت 15 يوليو2006. متاح على: http//www.alwaqt.com 11- مفهوم الحكومة الإلكترونية. متاح على: http:www.balagh.com/islam/

12- أشهر النظريات هي مدرج ماسلو الهرمي.نسبة للعالم النفسي ماسلو, حيث رتب الحاجات الإنسانية على شكل هرمي. يبدأ من القاعدة وفقا لدرجة الإلحاح (الحاجات الأكثر أهمية الضرورية للحياة وفي قمة الهرم أقلها أهمية). 13- الأمن في العصر الحديث, جريدة الصباح, يومية سياسية عراقية, شبكة الإعلام العراقي, 2007. 14- ن.الحياني, العالم أمام التحديات الأمنية, مجلة الجيش, العدد 519, أكتوبر 2006, ص 10. 15- أسس ومبادئ الأمن الوطني, المبحث الثالث, متاح على:http//www.almoqatel.com 16- ص.المجذوب, الأمن الأوربي المتوسطي من وجهة نظر مصرية, السياسة الدولية, جويلية 1996,ص95. 17- دانيال كولار, العلاقات الدولية, تر:خضر خضر, 1ط, بيروت: دار الطليعة, 1980, ص96-98. 18- عبد النور بن عنتر, تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية,السياسة الدولية,العدد160, أفريل2005, ص57. 19- أمين هويدي, الأمن والعسكرة في الشرق الأوسط وتأثيرهما على التنمية الديمقراطية, مرجع سابق. 20- مصطفى بخوش, حوض البحر المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة, دراسة في الأهداف والرهانات, القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع, 2006, ص 114. 21-Pierre Yousef ,Les enjeux de partenariat Euro-Méditeranéene,Marseille: Institut de la méditerrané,1998, P:07. 22-مصطفى عبد الله أبو القاسم خشيم, الشراكة الأورومتوسطية, النتائج وردود الأفعال, بيروت: معهد الإنماء العربي, ط1, 2002, ص78. 23- مزايا الحكومة الإلكترونية, ص4. متاح على: http//www.E-g.awardspace.com 24- المعهد التخصصي للدراسات, الحكومة الإلكترونية, مرجع سابق. 25- توفيق محمد بن محمد الشمس, إشراف:كامل بن محمد المبارك, الحكومة الإلكترونية, معهد الإدارة العامة, الظهران: جامعة الملك فهد للبترول والمعادن, السعودية 31261, 30 محرم 1424ه, ص11. 26- نفس المرجع, ص13. 27- المعهد التخصصي للدراسات, الحكومة الإلكترونية, مرجع سابق. 28- مركز دراسات الحكومة الإلكترونية, أنظمة دعم القرار الحكومي, بيروت:لبنان, 26 أوت 2009, متاح على: http//www.egoconcepts.com 29- مجلة العالم الرقمي, محاور نجاح الحكومة الإلكترونية, الجزيرة: الرياض, العدد 159, 23/04/2006. 30- أحمد حسن بلح, أهداف الحكومة الإلكترونية. متاح على: http//www.Kenanaonline.com/page/4105 31- مصادر تهديد الأمن الوطني, متاح على:http//www.moqatel.com 32- حسن محمد وجيه, مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي, عالم المعرفة, الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون, أكتوبر 1994, ص33. 33- مصادر تهديد الأمن الوطني, مرجع سابق, متاح على:http//www.moqatel.com 34- حسن الأمير, نحو إدارة أفضل للإجراءات الحكومية. متاح على: :http//www.alriadh.com/2009/04/11/section,home 35- مركز دراسات الحكومة الإلكترونية, أنظمة دعم القرار الحكومي, مرجع سابق. 36- وسائل حماية الأمن الوطني, مرجع سابق, متاح على:http//www.moqatel.com 37- مركز دراسات الحكومة الإلكترونية, أنظمة دعم القرار الحكومي, مرجع سابق.

38- د: محمد نصر عارف, ابستومولوجيا السياسة المقارنة . ص268 39- التجربة الفنلندية التي يعتمد إقتصادها على الهاتف المحمول في تسيير الكثير من أعمالها الإلكترونية وتسمى (Mobile Government), وكذلك تجربة سنغافورة التي تعتبر شركة, وليست دولة, وتدار من قبل مجلس إدارة. 40- أحمد الكبيسي, الطريق السريعة للمعلومات في الوطن العربي, الواقع والآفاق,تونس: اليونسكو 1999, ص75-76. 41- مجلة إتصال, أشرف إحسان فقيه, الإحساس رقميا عن بعد,العدد 05, نوفمبر2003. متاح على:http//www.etesal.com/etesal/section/fullstory.cfm 42- عباس بدران, الحكومة الإلكترونية, بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2004. 43- رفعت شميس, الأمن المعلوماتي بين القرصنة والإرهاب الإلكتروني, موسوعة دهشة. متاح على:http//www.dahcha.com 44- شبكة النبأ المعلوماتية, الأحد 25 مايو 2008, متاح على:http//www.annaba.org 45- رفعت شُميس, الأمن المعلوماتي بين القرصنة والإرهاب الإلكتروني, مرجع سابق.

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ