ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إسهامات
الإسلام في
قيم حقوق الإنسان بقلم
: يسري عبد الغني عبد الله* إطلالة عامة : إذا نظرنا بوجه عام
إلى قضية حقوق الإنسان في
التاريخ الإنساني ، والأساس
الذي ترتكز عليه هذه الحقوق في
التصورات العامة نجد أنها تدور
بين أن تكون مبنية على أساس من
الحق الطبيعي ، أو التعاليم
الدينية أو الأخلاقية ، أو على
أساس وضعي . وقد تطور مفهوم حقوق
الإنسان في الفكر الإنساني على
مدى قرون عديدة ، وذلك من خلال
صراع طويل داخل الجماعات
الإنسانية ، وانتهى الأمر إلى
التصور الحديث لهذا المفهوم ،
والذي يرتكز بصفة خاصة على
المثل الذي نادى بها التنوير
الأوربي . وقد كان الفيلسوف
الإنجليزي / جون لوك (1632 م ـ 1704 م)
على رأس الرواد الذين نادوا
بالحقوق الثلاثة للأفراد ، وهي :
حق الحياة ، حق الحرية ، حق
الملكية ، ونظر التنوير الأوربي
إلى الإنسان بوصفه ذات مستقلة ،
الأمر الذي يعني أن الإنسان هو
سيد مصيره ، وهذا هو مضمون مبدأ
الذاتية ، والأساس الراسخ لما
أعلنته الثورة الفرنسية عام 1789
م ، من حقوق الإنسان بوصفها
حقوقاً لكل الإنسانية ، وهذا هو
الشأن أيضاً بالنسبة للإعلان
العالمي لحقوق الإنسان الصادر
عن هيئة الأمم المتحدة عام 1948 م . وفي خضم المناقشات
التي تدور في أيامنا هذه حول
حقوق الإنسان ، ترتفع بين الحين
والآخر أصوات عالية على مستوى
محلي أو دولي تتهم الإسلام بأنه
دين لا يعرف حقوقاً للإنسان ،
ويثور لغط كثير في وسائل
الإعلام الغربية حول هذا
الموضوع بناء على بعض السلوكيات
غير مسئولة تصدر عن بعض
الجماعات أو الأفراد في العالم
الإسلامي . (1) ولكننا لا نريد أن
نشغل أنفسنا الآن بهذه
الاتهامات ، وبدلاً من ذلك نريد
أن نعرض هنا نبذة مختصرة عن عطاء
الإسلام في موضوع حقوق الإنسان
على المستويين : النظري
والتطبيقي ، وذلك وضعاً للأمور
في نصابها ، وتصحيحا للتصورات
الخاطئة عن الإسلام في هذا
الصدد . تصور الإسلام لحقوق
الإنسان : نقول : إنه من المعروف
لكل دارس في الشريعة الإسلامية
أو مقاصدها منذ كانت ، تتمثل في
قيام مصالح الناس في الدين
والدنيا معاً ، وقد روعي في كل
حكم من أحكام الشريعة الإسلامية
إما حفظ شيء من الضروريات
الخمسة ، وهي : الدين ، و النفس ،
والعقل ، والنسل ، والمال .
والتي تعد أسس العمران المرعية
في كل ملة ، وإما حفظ شيء من
الحاجيات كأنواع المعاملات ،
وإما حفظ شيء من التحسينات التي
ترجع إلى مكارم الأخلاق ، وإما
تكميل نوع من الأنواع بما يعين
على تحقق . (2) وحفظ هذه الأنواع
الثلاثة المشار إليها يعني
حمايتها من أي اعتداء عليها ،
وهذه الحماية حق لكل فرد ، فهي
إذن تمثل حقوقاً للإنسان بكل ما
تحمل هذه الكلمة من معنى ، ومن
هنا كانت أساساً للعمران وشرطاً
للتحضر والتقدم والارتقاء لدى
كل الشعوب في كل العصور . وهذا يعني أنها حقوق
عامة وطبيعية للإنسان في كل
زمان ومكان ، ومن هنا يأتي
سؤالنا ، ألا وهو : على أي أساس
تقوم هذه الحقوق في الرؤية
الإسلامية أو التصور الإسلامي ؟ إن حقوق الإنسان بوجه
عام ترجع في الرؤية الإسلامية
إلى حقين أساسيين ، وهما : 1 ـ حق الإنسان في
المساواة . 2 ـ حق الإنسان في
الحرية . وكل حقوق الإنسان
الأخرى تنبثق من هذين الحقين ،
فإذا نظرنا نظرة فاحصة في مصادر
الإسلام الأساسية وهي : القرآن
الكريم ، والسنة النبوية
الصحيحة ، فإننا نستطيع أن
نتبين أن الدين الإسلامي قد
اعترف منذ البداية بحق الإنسان
في المساواة ، وحقه في الحرية ،
بصورة جلية صريحة ، وواضحة
تماماً ، وكذلك بالحقوق الأخرى
المتفرعة أو الناتجة عن هذين
الحقين . ولم
يكتف الإسلام بمجرد الاعتراف
للإنسان بكل هذه الحقوق ، بل سعى
إلى تأصيلها وبيان مرتكزاتها
بصورة مقنعة للعقول بهدف ترسيخ
هذه المعاني في الأذهان ،
وتعميقها في النفوس حتى يمكن
ترجمتها إلى سلوك يومي في حياة
الناس ، وهذا إجمال في حاجة منا
إلى تفصيل . الحق الأول : حق
الإنسان في المساواة : يؤسس القرآن الكريم
حق الإنسان في المساواة على
قاعدتين أساسيتين هما : ـ أ ـ وحدة العمل
الإنساني . ب ـ شمول الكرامة
الإنسانية لكل بني البشر . أولاً : وحدة العمل
الإنساني : ـ أما وحدة الأصل
البشري فإن القرآن الكريم
والسنة النبوية الصحيحة قد أكد
عليها تأكيداً واضحاً لا يقبل
التأويل ، وفي ذلك يقول الله
تعالى : { يا أيها الناس اتقوا
ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة
وخلق منها زوجها وبث منهما
رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله
الذي تساءلون به والأرحام إن
الله كان عليكم رقيبا .}[النساء :
1] . فالناس جميعاً
ينحدرون من أصل واحد أو من نفس
واحدة بالتعبير
القرآني ، فلا مجال في الإسلام
إذن لأي نوع من أنواع
الامتيازات الطبيعية لفئات أو
طبقات أو أعراق أو أجناس أو شعوب
في مقابل شعوب أخرى ، فكلنا من
آدم وآدم من تراب . وقد أكدت السنة
النبوية المطهرة هذه الحقيقة ،
كما جاء في قول النبي محمد (صلى
الله عليه وسلم) في خطبة الوداع
المشهورة : " أيها الناس إن
ربكم واحد ، وأن أباكم واحد ،
كلكم لآدم ، وآدم من تراب ، إن
أكرمكم عند الله أتقاكم ، وليس
لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى
." وإذا كان الإسلام
يؤكد دائماً على مبدأ المساواة
بين الناس جميعاً ، فإنه من
ناحية أخرى لا يتجاهل وجود فروق
غير جوهرية بين الشعوب ترجع إلى
الاختلاف في الجنس أو الدين أو
اللغة أو لون البشر أو درجة
التحضر .. إلخ.. ، ولكن هذه الفروق
تعد ـ في نظر الإسلام أموراً
طارئة على الإنسان ، ولا تعكس
بأي حال من الأحوال اختلافاً في
جوهر الإنسان ذاته ، ذلك
الإنسان الذي خلقه الله تعالى
في أحسن تقويم ، ومن هنا فهي
اختلافات لا يصح ولا يجوز أن
تكون عاملاً من عوامل التباعد
بين الناس ، أو أن تصرفهم عن
الالتفات إلى الجوهر الإنساني
الذي هو واحد لدى كل الناس . وفي هذا الصدد يبين
القرآن الكريم أن الاختلافات
بين الناسمهما كانت ، فإنها
ينبغي أن تكون دافعاً للتعارف
وللتعاون وللتكامل وللتضامن
وللتألف لا للتناكر والتنافر
.(3) وفي ذلك يقول رب
العزة : { يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم
شعوباً وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله
عليم خبير } [الحجرات : 13] . وفي هذه الآية نجد أن
القرآن الكريم قبل أن يلفت
نظرنا إلى الاختلافات بين الناس
، يؤكد أولاً على الأصل الواحد
للجنس البشري كله ، والذي هو
أساس المساواة بين الناس جميعاً
، فهم بمقتضى هذا الأصل الواحد
أخوة في الإنسانية ، و في حين أن
القوة الخارجية والثراء المادي
والوجاهة الاجتماعية ... إلخ .. ،
تعد كما هو معروف ، من الأمور
التي يسعى الناس لبلوغها ،
وتمثل لدى قطاعات عريضة معايير
للتفاضل بين الناس ، فإن القرآن
الكريم يعتمد معياراً آخر
للتفاضل بين الناس ، وهو معيار
الثراء الداخلي للإنسان ، وما
يرتبط به من موقف روحي يحفز
الإنسانية إلى العمل المثمر ،
وبذل الجهد في سبيل إقرار العدل
والسلام ، وإعلاء قيم الحق
والخير والجمال . وهذا المعيار
بالتعبير القرآني : التقوى التي
تعني العمل الصالح الذي يشمل كل
عمل طيب يقوم به الإنسان في هذه
الحياة ـ دينياً كان أم دنيوياً
ـ طالما كان القصد منه وجه الله
، ونفع الناس ، ودفع الأذى عنهم . ويتضح لنا من خلال
هذه الآية (الآية 13 من سورة
الحجرات) أيضاً اعتراف الإسلام
بمبدأ التعددية في المجتمع
الإنساني ، وتشمل هذه التعددية
كل المستويات الثقافية
والدينية والسياسية والحضارية
.. إلخ .. ، وفي الوقت ذاته تدعو
الآية إلى التعارف والتآلف
والتعاون وتبادل الخبرات
والتجارب والآراء والأفكار من
أجل واقع أفضل للبشرية جمعاء ،
بمعنى آخر من أجل خيرية الناس
جميعاً . وإذا كان الموقف
الطبيعي يقتضي أن الناس كلهم
أخوة متساوون في الاعتبار
البشري ، فإن هناك عوامل عديدة
خارجية تعكر صفو هذه الأخوة ،
ويصل الأمر في كثير من الأحيان
إلى العداوة والبغضاء اللتان
تؤججان نيران الحروب والصراعات
الدامية بين الشعوب . ومن هنا فإن عملية
تنمية الإنسان أو فلنقل عملية
التنمية الإنسانية تعد مسألة
جوهرية ، ينبغي أن تكون في مقدمة
أولويات الشعوب المختلفة من أجل
القضاء على كل أسباب الشحناء
والتنافر والعداوة ، وتعتمد هذه
التنمية التي يجب أن تكون
مستدامة بصفة أساسية على
التربية والتعليم والتثقيف
الذين يحظى بهم الإنسان ،
وتجعله قادراً على التعامل مع
إخوانه في الإنسانية بروح من
التسامح والاحترام لحقوق
الآخرين . ثانياً : شمول
الكرامة الإنسانية لكل البشر : ـ أما أساس الثاني الذي
يبني عليه الإسلام حق المساواة
بين البشر جميعاً هو : الكرامة
الإنسانية ، تلك الكرامة التي
يمنحها الخالق القدير لكل فرد
من أفراد البشرية منذ ولادته لا
يستثني منهم أحد ويعبر القرآن
الكريم عن ذلك بقوله : { ولقد
كرمنا بني آدم وحملناهم في البر
والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا
تفضيلا .} [الإسراء : 70] وتؤكد هذه الكرامة
الموقع المتميز للإنسان أعظم
مخلوقات الله على وجه البسيطة ،
فقد فضل الله الإنسان على كثير
من خلقه ، وجعله خليفته في الأرض
، وسخر له الكون كله ، وهذه
الكرامة التي أكد عليها الإسلام
تعد سياجاً من العصمة والحصانة
لكل فرد أينما كان وأنى كان . إذ هي بمقتضى قانون
الإسلام : تصون دمه من أن يسفك ،
وعرضه من أن ينتهك ، وماله من أن
يغتصب ، ومسكنه من أن يقتحم ،
ونسبه من أن يبدل ، ووطنه من أن
يخرج منه أو يزاحم عليه ، وضميره
من أن يتحكم فيه أي أحد جبراً أو
قسراً ، وحريته من أن تعطل
خداعاً ومكراً
. (4) وهذه الكرامة التي
كرم الله بها الإنسانية في كل
فرد من أفرادها هي الأساس الذي
تقوم عليه العلاقات بين بني آدم
. ولم يكتف الإسلام
بتعريف الأفراد نظرياً بحقهم في
الحصانة الإنسانية ، وبمقتضى
هذه الكرامة ، بل حسهم على
الدفاع عن هذا الحق والتضحية في
سبيله بكل غال ومرتخص . ومن هنا وجدنا النبي
محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول
في الحديث الذي رواه الترمذي في
سننه : " من قتل دون ماله فهو
شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد
، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ،
ومن قتل دون مطيته فهو شهيد " . وهكذا يجعل نبي
الإسلام دفاع الإنسان عن حقوقه
في مرتبة تساوي مرتبة الجهاد في
سبيل الله ، وهذا يعني أن الفرد
الذي يفرط في حقوقه يكون آثماً
في حق نفسه ، وفي حق الله الذي
منحه الكرامة ، وعليه يرفض
الإسلام أن يرضى الإنسان بالذل
والهوان طمعاً في السلام وخوفاً
من فراق الأوطان . وهذا ما نقرأه في
قوله تعالى : { إن الذين توفاهم
الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا
فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين
في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله
واسعة فتهاجروا فيها فأولئك
مأواهم جهنم وساءت مصيراً } [النساء
:97] . وهكذا يتضح لنا من
خلال ما قرر الإسلام من حق
المساواة بين الناس جميعاً
وتأصيله لهذا الحق على أساس من
وحدة الأصل الإنساني والكرامة
الإنسانية مدى اهتمام الإسلام
بحقوق الإنسان في كل زمان ومكان
، فالناس جميعاً في نظر الإسلام
سواسية كأسنان المشط ، ولا فرق
بين عربي وعجمي ، أو بين أبيض
وأسود ، إلا بالتقوى وبالعمل
الصالح . وإذا كان الأمر كذلك
ـ وهو كذلك بالفعل ـ فإنه لا
يجوز من وجهة النظر الإسلامية
الوقوف بذلك عند المرحلة
النظرية ، بل ينبغي أن يترجم ذلك
إلى ممارسة حياتية في تعاملات
الناس اليومية ، وبصفة خاصة
ينبغي أن يكون الجميع أمام
القانون ، وفي الحقوق العامة
سواء ، لا فرق بين غني وفقير ،
وحاكم ومحكوم ، فالعدالة حق
الجميع على السواء ، وليست
وفقاً على فئة من الناس . ومن المرويات في هذا
الصدد ـ على سبيل المثال ـ ما
ورد عن النبي محمد (صلى الله
عليه وسلم) من رفضه شفاعة أسامة
بن زيد (رضي الله عنه) في المرأة
المخزومية التي ثبتت عليها
جريمة السرقة ، وهي من أسرة لها
مكانتها في المجتمع ، وأكد
النبي (صلى الله عليه وسلم) على
ضرورة المساواة أمام القانون
بصرف النظر عن أي اعتبار آخر ،
وقال لأسامة : " أتشفع في حد من
حدود الله ؟ والله لو أن فاطمة
بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها
" وقد أكد الخليفة
الأول / أبو بكر الصديق (رضي الله
عنه ) هذه المساواة في التعامل
مع الجميع في خطبة توليه
الخلافة ، وذلك حين قال : "
الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرد
عليه حقه ، والقوي منكم ضعيف
عندي حتى آخذ الحق منه " .
وهناك أمثلة عديدة في
التاريخ الإسلامي تعد منارات
هادية للمسلمين ، تؤكد معنى
المساواة بين الناس أجمعين ،
وقد أطلق الفاروق / عمر بن
الخطاب (رضي الله عنه ) قولته
المشهورة : " متى استعبدتم
الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
أحراراً " ، معبراً بذلك عن
غضبه من التفرقة الظالمة في
تعامل بعض الولاة مع الرعية . وقد اشتكى شاب من
عامة المصريين والي مصر / عمرو
بن العاص (رضي الله عنه ) إلى
الخليفة / عمر بن الخطاب (رضي
الله عنه) متهماً إياه بظلمه
وعدم إنصافه ، فقد اعتدى ابن
الوالي على هذا المصري بالضرب ،
دون وجه حق ، وبلاً من أن ينصف
الوالي هذا المصري وضعه في
السجن حتى لا يذهب بشكواه إلى
الخليفة . ولكن
المصري استطاع الهرب من السجن
والوصول إلى الخليفة ، وعرض
عليه شكواه ، فاستدعى الخليفة
والي مصر وابنه ، وعندما تأكد من
صدق المصري في شكواه أعطاه درته
العُمرية المشهورة ، وطلب منه
أن يضرب ابن الوالي ، وقد فعل
الشاب المصري ذلك واقتص لنفسه ،
ثم طلب الخليفة منه أن يضرب
الوالي أيضاً نظراً لأن ابنه لم
يكن ليفعل ما فعل إلا بنفوذ
والده ، ولكن المصري اكتفى بضرب
من ضربه . (5) ومن المعلوم أن حق
المساواة في المجتمع الإسلامي
مكفول للجميع : مكفول للمسلمين ،
ولغير المسلمين على السواء ،
وهنا تسري القاعدة القانونية
الإسلامية : لهم ما لنا ، وعليهم
ما علينا . وإذا كانت الدولة
الإسلامية مطالبة برعاية جميع
المحتاجين من أبنائها ، فإنها
يجب أن تسوي في هذه الرعاية بين
المسلم وغير المسلم ، ومن هنا
رأينا الخليفة / عمر بن الخطاب (رضي
الله عنه) يخصص معاشاً دائماً
لشيخ يهودي رآه يتسول في طرقات
المدينة ، حتى يستطيع هذا الرجل
أن يمارس حياته بطريقة تليق
بالكرامة الإنسانية . (6) كما حرص الإسلام على
تأكيد الكرامة الإنسانية حتى
إلى ما بعد موت الإنسان ، وفي
هذا الصدد ورد أن النبي (صلى
الله عليه وسلم) مرت به جنازة ،
فقام احتراماً للميت ، فقيل له :
إنها جنازة يهودي ، فرد قائلاً :
أليس نفساً ؟ وطلب من أصحابه أن
يقفوا إذا مرت بهم جنازة .(7) نقول : إنه لا يقتصر
حق المساواة في الإسلام على
الرجال فقط لا غير ن بل يشمل
الرجال والنساء على السواء ،
فليس هناك فرق على الإطلاق بين
الرجل والمرأة في الاعتبار
الإنساني والكرامة الإنسانية ،
فكل منهما ينتسب إلى نفس الأصل ،
ويحظى بالكرامة ذاتها ، تلك
الكرامة التي منحها اله تعالى
لكل أولاد آدم ذكوراً وإناثاً . والعلاقة الزوجية
بين الرجل والمرأة علاقة أساسها
الحب والمودة والرحمة
والاحترام ، والله يحاسبهما على
عملهما لا من منطلق كون كل منهما
رجلاً أم امرأة ، بل على أساس
العمل ذاته ، وفي ذلك يقول
القرآن الكريم : {فاستجاب لهم
ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم
من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ...} [آل
عمران : 195] . والمرأة لها
استقلالها الكامل والتام في
التصرف فيما تملك (أي لها ذمتها
المالية المستقلة) ، كما أنه لا
يجوز بأي حال من الأحوال
إجبارها على الزواج من رجل لا
تحبه أو لا ترغب فيه . أما الفروق التي
يراها الإسلام بين الرجل
والمرأة فهي فروق لا تعني على
الإطلاق الانتقاص من شأن المرأة
أو ذاتيتها أو كرامتها ، وإنما
هي فروق ترجع إلى طبيعة كل من
الرجل والمرأة ، وهذه الطبيعة
المختلفة لدى كل منهما واقع لا
جدال فيه ، وكذلك ترجع إلى ما
أوجبه الإسلام على الرجل من
التزامات مالية لزوجته وأولاده
، وفيما عدا ذلك فكل منهما ند
للآخر ، فالنساء شقائق الرجال
لهن مثل الذي عليهن بالمعروف ،
كما ورد في الحديث الشريف ، وكما
يعبر القرآن الكريم {... بعضكم من
بعض ... } [آل عمران : 195] . وحق المساواة بين
الناس ينسحب بطبيعة الحال على
كل مجالات الحياة فالمساواة في
فرص التعليم والعمل والرعاية
الاجتماعية والصحية ، وحرية
العقيدة والرأي والفكر
والإقامة والسكن وما شاكل ذلك
من حقوق أخرى تعد جزءاً لا يتجزأ
من حق المساواة بالمعنى العام . الحق الثاني : حق
الحرية : أما الحق الرئيسي
الثاني للإنسان بجانب حق
المساواة فهو حقه في الحرية ،
وقد اعترف الإسلام بهذا الحق
بما يعنيه من شموله بشتى
الحريات الدينية والفكرية
والسياسية والمدنية . والعبارة الشهيرة
التي أطلقها الخليفة الثاني
الراشد / عمر بن الخطاب (رضي الله
عنه) ، والتي سبق أن أشرنا إليها
، تعبر عن التصور الإسلامي في
هذا الصدد ، فلم يكن قوله : "
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم
أمهاتهم أحراراً " ، تعبيراً
عن موقف عارض ، وإنما كان
ترسيخاً لتصور مبدئي ثابت في
الرؤية الإسلامية ، فالحرية شرط
أساسي لكل الفعال الخلقية . وعليه : فلا يمكن أن
نتكلم عن أخلاقيات إلا إذا كان
الإنسان يتمتع بالحرية التامة
والكاملة التي تمكنه من عمل
الخير وترك الشر ، ولو لم نكن
أحراراً في الاختيار بين الخير
والشر ، فلا يمكن أن نحاسب على
تصرفاتنا ، كما لا يمكن أن نمدح
أو نقدح أو نلام عليها ، ومن هنا
كان قول القرآن الكريم : { من عمل
صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها }
[فصلت : 46] . فالحرية الواعية
الرشيدة هي التي ترتكز عليه
الأخلاق القويمة ، ولو لم تكن
هناك حرية ما أمكن أبداً تحديد
المسئولية ، ولما كان هناك فعل
يمكن أن نصفه بأنه فعل خلقي . والإسلام يوضح لنا أن
الله الخالق الأعظم قد خلق
نوعين من المخلوقات : أحدهما ،
مسخر لا إرادة له ، ولا حرية ولا
اختيار له ، وليس له إلا الطاعة
والامتثال ، وهذا النوع يتمثل
في كل مخلوقات الله عدا الإنسان
. أما النوع الثاني :
وهو الإنسان فإنه مخلوق مكلف ،
والتكليف مسئولية ، والمسئولية
لا تقوم إلا على دعامة من الحرية
في الفعل أو الترك ، وكل منا
يشعر بحريته شعوراً مباشراً
عندما يكون في موقف الاختيار
بين سلوكين ، فالإنسان يكون على
وعي بحريته عندما يمارسها
ممارسة فعلية (8) ومن هذا المنطلق
وجدنا اهتمام الإسلام بالحرية
الإنسانية ، وذلك بوصفها تعبر
عن كيان الإنسان وحياته ، إذ
بدونها يفقد الإنسان كل معنى
للحياة الحريات التي كفلها
الإسلام للإنسان : 1 ـ الحرية الدينية : على رأس الحريات التي
كفلها الإسلام للإنسان تأتي في
المرتبة الأولى الحرية الدينية
، وهنا نجد الإسلام قد وضع بعض
القواعد المهمة التي تضمن هذه
الحرية ، وذلك على النحو التالي
: ـ أ ـ القاعدة الأولى
هي : { لا إكراه في الدين} [ البقرة
: 256 ] ، فلا يجوز إرغام أحد من
الناس بأي شكل من الأشكال ، أو
طريقة من الطرق على ترك دينه ،
واعتناق دين آخر ، فحرية
الإنسان في اختيار دينه هي أساس
الاعتقاد ، ومن هنا كان تأكيد
القرآن على ذلك تأكيداً واضحاً
في قوله : { فمن شاء فليؤمن ، ومن
شاء فليكفر } [الكهف : 29] . وإقرار الحرية
الدينية يعني الاعتراف الكامل
بالتعددية الدينية ، وقد أكد
ذلك النبي محمد (صلى الله عليه
وسلم) في أول دستور في المدينة
حينما اعترف لليهود بأنهم
يشكلون مع المسلمين أمة واحدة . ومن منطلق الحرية
الدينية أيضاً كان إعطاء
الخليفة الثاني الفاروق / عمر بن
الخطاب (رضي الله عنه) للمسيحيين
من سكان القدس الشريف الأمان
" على حياتهم وكنائسهم
وصلبانهم ، لا يضار أحد منهم ولا
يرغم بسبب دينه " ، وهذا ما
عرف بالعهد العُمري . ب ـ حرية المناقشات
الدينية : لا يمانع الإسلام في
المناقشات الدينية ، بشرط أن
تكون على أساس موضوعي ، وأن تكون
بعيدة عن المهاترات الفارغة ،
وعن الجدال السفسطائي العقيم ،
أو السخرية من الآخرين ، وفي ذلك
يقول القرآن الكريم : { ادع إلى
سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [النحل
: 125 ] ، وفي موضع آخر يقول : { ولا
تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي
هي أحسن } [العنكبوت :46] . ج ـ الاقتناع أساس
الاعتقاد : العقيدة الحقيقية هي
التي تقوم على الاقتناع واليقين
، وليس على مجرد التقليد الأعمى
الضار أو الإرغام ، وما دامت
العقيدة تتم على أساس من
الاختيار الواعي الرشيد فإنه لا
يجوز لفرد أو لفئة أن تعتدي على
عقيدة فرد أو أمة بالقول أو
بالفعل ، كما لا يجوز لأحد مهما
كان أن يعمد إلى تشكيك الناس في
عقائدهم التي يعتزون بها ، ومن
هنا كان حفظ الدين أحد مقاصد
الشريعة الإسلامية الغراء ،
وهذا يعني حمايته من عبث
العابثين وتضليل المضللين ،
وجهل الجهلاء ، وادعاء الأدعياء
. 2 ـ الحرية الفكرية : من بين الحريات
العديدة التي ضمنها الإسلام
للإنسان الحرية الفكرية ، وحرية
البحث العلمي ، فالعلماء لهم
حرية البحث والتفكير بلا حدود
فيما يتصل بالكون كله : سماؤه
وأرضه و ما بينهما ، شريطة
الالتزام التام والكامل
بأخلاقيات البحث العلمي ، مع
الوضع في الاعتبار أن الإنسان
مطالب بعمارة الأرض ، والكون
كله مسخر للإنسان ، وفي هذا
المعنى يقول القرآن الكريم : {
وسخر لكم ما في السموات ، وما في
الأرض جميعاً منه ، إن في ذلك
لآيات لقوم يتفكرون} [الجاثية :
13] لقد دعا القرآن
الكريم في كثير من آياته إلى
ضرورة التفكير واستخدام الناس
لعقولهم من أجل خير البشرية
وعمارة الكون مادياً ومعنوياً ،
وهذا يعني استخدام الإنسان لكل
قدراته الإدراكية من أجل خير
الإنسان في كل مكان ، وبناء
الحضارة التي منطلقها سعادة
البشرية جمعاء ، وعليه فلا حجر
على عقل ، ولا مصادرة لفكر جاد
ملتزم ، فكر يعلم ويرشد ويبني . ومن هنا كفلت الشريعة
الإسلامية حماية عقل الإنسان من
محاولة الاعتداء عليه أو تضليله
أو التقليل من شأنه أو خداعه ،
أو إفساده أو الانحراف به بأي
شكل من الأشكال ، وجعلت من ذلك
أحد المقاصد المهمة للشريعة
الإسلامية التي تشمل حفظ النفس
والدين والعقل والنسل والمال . وإذا كانت مساحة حرية
التفكير والتقدير والبحث
العلمي تشمل الكون كله في
الرؤية الإسلامية فإن دائرة
المقدسات التي تمثل شرف الأمة
ودينها وعقيدتها ينبغي أن تصان
عن كل عبث ، وتنأى عن كل تجريح ،
وينبغي احترام شعور جموع الناس
الذين يعتزون بها ، ولا يجوز بأي
حال من الأحوال التجرؤ عليها أو
العبث بها ، وإلا أصبحت حرية
التفكير والتعبير لوناً من
ألوان الفوضى وسبيلاً للهدم لا
للبناء ، والتدمير لا التعمير . ولكل فرد أن يتبنى
لنفسه ما يشاء من الأفكار أو
الآراء ، حتى لو كانت أفكاراً لا
تتفق مع قيم و أعراف ومبادئ
المجتمع ، فلا يستطيع أحد أن
يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ
بهذه الأفكار لنفسه ، ولا يؤذي
بها أحداً من الناس ، فكل إنسان
حر ما لم يضر الآخرين مادياً أو
معنوياً ، وعليه فلا يصح ولا
يجوز أن يعمل على ترويج فكر يسخر
من عقيدة الأمة أو يحاول
تبديلها أو إلغاء العمل بها
لصالح تيارات معينة أو
أيديولوجيات غريبة على قيم
المجتمع فهذا أمر لا صلة له
بحرية الفكر أو الرأي ، ولا
بحرية البحث العلمي . 3 ـ الحرية السياسية : من الحريات المهمة
التي ضمنها الإسلام للإنسان
الحرية السياسية ، فكل فرد بالغ
عاقل له حق ممارسة حقوقه
السياسية ، وهذا يعني أن له الحق
في اختيار رئيس الدولة وممثلي
الأمة وحق الترشيح لهذه المناصب
أيضاً ، وقد ترك الإسلام
للمسلمين حرية اختيار شكل
الحكومة وطريقة الشورى طبقاً
للمصلحة العامة بشرط إقرار مبدأ
العدل والتمكين للشورى أن تطبق
تطبيقاً سليماً يهدف إلى خير
الناس جميعاً . وقد فطن كل من
الخليفة الأول : أبو بكر الصديق (رضي
الله عنه) ، و الخليفة الثاني :
عمر بن الخطاب (رضي الله عنه )
إلى ضرورة تحديد سلطة رئيس
الدولة ، وإلى ضرورة وجود رقابة
على إدارة الدولة . ومن هنا رأينا أبا
بكر (رضي الله عنه) يقول في خطبة
تولية الخلافة : " أيها الناس :
إني وليت عليكم ولستُ بخيركم ،
فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت
فقوموني " ، وبذلك وضع
الخليفة الأول هذه القاعدة
المهمة لتكون دستوراً يسير عليه
من يأتي بعده ، منعاً للاستبداد
بالرأي والتسلط في مصائر الناس
دون رقابة وتقويم من الأمة التي
هي مصدر السلطات . ولم يكن مصادفة أن
النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)
لم يعين أحد من صحابته ليكون
خليفة من بعده ، فقد ترك ذلك
للأمة لتختار من بينها من تثق في
كفاءته ومقدرته على إدارة شئون
الأمة بالعدل والإنصاف ، وقد
سار الخليفة الثاني / عمر بن
الخطاب (رضي الله عنه) سيرة سلفه
، ولذلك قال في خطبة تولية
الخلافة: " ألا إن رأيتم في
اعوجاجاً فقوموني
" ، فقام رجل وقال : لو
رأينا فيك اعوجاجاً قومناك
بالسيف ! ، فاغتبط عمر بما قال
الرجل ، وحمد الله أن بلغ
المسلمون هذا الحد من اليقظة
والوعي .
(9) وقد كان النبي (صلى
الله عليه وسلم) ، وهو قدوة
المسلمين جميعاً ، يستشير
أصحابه وينزل عن رأيهم حتى لو لم
يكن مقتنعاً به طالما كان ذلك
رأي الأكثرية ، وأظهر مثال على
ذلك خروج المسلمين في غزوة أُحد
، فلم يكن راغباً في ذلك ، ولكن
الأكثرية كانت ترى الخروج فنزل
على رأيهم ، ورغم هزيمة
المسلمين في هذه الغزوة
فإن القرآن الكريم شدد على
ضرورة الشورى ، وذلك في قوله
تعالى : { فاعف عنهم واستغفر لهم
وشاورهم في الأمر } [آل عمران : 159]
. ومن الصفات الكثيرة
التي امتدح القرآن الكريم من
أجلها المؤمنين تمسكهم بالشورى
{ وأمرهم شورى بينهم } [ الشورى :
38] . وكلنا يذكر قول
الرسول (صلى الله عليه وسلم)
لأهل المدينة : " أنتم أعلم
بشئون دنياكم " . ومن ذلك يتضح أن
الشورى في الإسلام ملزمة للأمة
والحاكم ، ولا يلتفت في هذا
المقام إلى رأي بعض فقهاء
السلاطين الذين زعموا أن الشورى
غير ملزمة للحاكم . (10) ملاحظات مهمة : بعد أن تكلمنا بإيجاز
شديد عن الخطوط العريضة لرؤية
الإسلام بحقوق الإنسان نود في
نهاية حديثنا أن نشير إلى بعض
الملاحظات المهمة في هذا الصدد :
ـ 1 ـ على الرغم من
الدور العظيم للإسلام في إقرار
حقوق الإنسان وترسيخها في
النفوس منذ أكثر من أربعة عشر
قرناً من الزمان ، فإن الذين
يكتبون عن حقوق الإنسان خارج
الدائرة الإسلامية يتجاهلون
هذا الدور المهم قصداً أو دون
قصد ، ومن هنا نقرأ دائماً أن
حقوق الإنسان إنجاز غربي صرف
قامت به الثورة الفرنسية ـ على
وجه الخصوص ـ عام 1789 م . ولعل الجهل بالإسلام
وتعاليمه لدى الكتاب والباحثين
غير المسلمين هو سبب هذا
التجاهل ، ولكن الأمر الغريب هو
أن يتبع بعض المسلمين المقيمين
في الغرب بحوثاً ودراسات تنكر
دور الإسلام في مجال حقوق
الإنسان ، وهذا أمر يشكل علامة
استفهام كبيرة تدعو إلى الدهشة
والاستغراب ! . 2 ـ يخلط الكثيرون ممن
يكتبون عن الإسلام بين الإسلام
وسلوك المسلمين ، ويحملون
الإسلام كل أخطاء المسلمين ،
صحيح أن هناك فترات في تاريخ
المسلمين في الماضي والحاضر
شهدت ولا تزال تشهد أمثلة عديدة
من انتهاكات حقوق الإنسان ،
ولكن الإسلام كدين لا يعد
مسئولاً عن أية ممارسات خاطئة
ترتكب باسمه . إن تعاليم الإسلام
واضحة وصريحة لا لبس فيها ، وهي
ثابتة في مصادره المعتمدة :
القرآن الكريم ، والسنة النبوية
الصحيحة ، والمسلمون بشر مثل كل
البشر ، فيهم الطيب وفيهم
الخبيث ، والنظرة العلمية لا
تحكم على الإسلام من خلال
سلوكيات منحرفة لبعض أتباعه ،
والشيء نفسه ينطبق على بقية
الأديان ، والمسلم الحق لا يسمح
لنفسه على الإطلاق أن يحكم على
المسيحية من خلال الممارسات
اللاإنسانية التي قام بها الصرب
المسيحيين ضد المسلمين في
البوسنة والهرسك ، أو أن يحكم
على اليهودية من خلال الممارسات
الوحشية لإسرائيل ضد أهل فلسطين
.(11) 3 ـ إن حماية الإنسان
في كل مكان تعد مسئولية مشتركة
بين كل البشر ، ومن المعروف أن
كل حق يقابله واجب ، فإذا أردت
أن تصان حقوقي فعلي أن أفي
بالتزاماتي تجاه الآخرين ،
فالحياة أخذ وعطاء ، حقوق
وواجبات . ولا يجوز من منطق
الإسلام أن يحرص المرء على
حماية حقوقه ، ويكتفي بالتفرد
على بؤس الآخرين الذين ليسوا في
وضع يمكنهم من حماية حقوقهم ،
ومن أجل ذلك يقول القرآن الكريم
: { ومالكم لا تقاتلون في سبيل
الله والمستضعفين من الرجال
والنساء والولدان } [النساء : 75] . 4 ـ إن المدخل الحقيقي
للمسلمين في عالم اليوم إلى
دائرة النهوض والتقدم والرقي
والخروج من دائرة التخلف
والجمود لن يتم إلا باحترام
جميع حقوق الإنسان التي قررها
الإسلام ، والتي اعتمدتها
المواثيق الدولية ، وبذلك
يسهمون في ترسيخ هذه الحقوق في
العالم من أجل نشر خير البشرية ،
ونشر العدل والحق والسلام
والأمن في ربوع العالم . ويوم يحترم أهل
الإسلام حقوق الإنسان سوف
يفرضون احترامهم واحترام دينهم
وحضارتهم على الآخرين ، ويكونون
مؤهلين للدفاع عن حقوق المسلمين
التي تنتهك يومياً على نحو وحشي
في كثير من بقاع العالم . 5 ـ إن دول العالم
المتحضر التي كثيراً ما ترتفع
أصواتها دفاعاً عن حق الإنسان ،
فتتاجر بها ، وتكيل الأمور
بمكيالين ، واضعة مصالحها
الخاصة فوق أي اعتبار ، فتقف
متفرجة على الانتهاكات الوحشية
التي تحدث في بقاع كثيرة من
عالمنا ، ولا تحاول أن تفعل
شيئاً ملموساً بوقف هذه
الانتهاكات غير الإنسانية ، بل
تحاول منع المعتدي عليه من حقه
المشروع في الدفاع عن نفسه ، مما
يعد وصمة عار في جبين هذه الدول
التي تمسك بزمام قيادة العالم ،
وفي الوقت نفسه يعد أيضاً وصمة
عار في جبين الأمة الإسلامية
التي تقف حيال ذلك عاجزة عجزاً
يثير الحزن والأسى في النفوس . إن النفاق الذي
تمارسه الدول المتحضرة تجاه بعض
أزمات عالمنا التي تنتهك فيها
حقوق الإنسان أمام مرأى ومسمع
من الجميع ، أمر بات لا يخفى على
أحد ، و من الواضح أن الهيئات
والمنظمات الدولية لا تعدو أن
تكون ألعوبة في يد الدول الكبرى
التي تغض البصر عن الجرائم التي
ترتكب في حق الإنسانية . هذه الإنسانية التي
يعتبر الإسلام الاعتداء على فرد
واحد من أفرادها بمثابة اعتداء
واضح وصريح على البشرية جمعاء ،
كما يعبر القرآن عن ذلك بقوله : {
... من قتل نفساً بغير نفس أو فساد
في الأرض فكأنما قتل الناس
جميعاً ... } [المائدة : 32] . فعلى المسلمين أن
يستفيقوا ، وأن يعوا الدرس
جيداً ، وأن يعتمدوا على أنفسهم
في الدفاع عن حقوقهم المهدرة ،
فقيمة العدل لا وجود لها في
قاموس النظام العالمي الجديد ،
والاعتبار الوحيد هو للمصالح ،
وعلى المسلمين أن يستيقظوا قبل
أن يجرفهم الطوفان ، وصدق الله
تعالى إذ يقول : {والله غالب على
أمره ، ولكن أكثر الناس لا
يعلمون} [يوسف : 21 ] ************ الهوامش
والأسانيد (1) محمود حمدي زقزوق ،
الإسلام وقضايا العصر ، المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية ،
وزارة الأوقاف المصرية ،
القاهرة ، 1996 م ، ص 64 وما بعدها ،
بتصرف من عندنا . (2) الإمام / أبو اسحق
الشاطبي ، الموافقات في أصول
الشريعة ، دار المعرفة ، بيروت ،
بدون تاريخ ، 2 / 8 وما بعدها . (3) محمود حمدي زقزوق ،
الإسلام وقضايا العصر ، مرجع
سابق ، ص 65 و ما بعدها ، بتصرف من
عندنا . (4) محمد عبد الله دراز
، نظرات في الإسلام ، دار الأرقم
، 1972 م ، ص 112 وما بعدها . (5) علي الطنطاوي و
آخرون ، أخبار عمر بن الخطاب ،
دمشق ، 1959 م ، ص 182 وما بعدها . (6) علي عبد الواحد
وافي ، حقوق الإنسان في الإسلام
، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 43 . (7) فتح الباري في صحيح
البخاري ، القاهرة ، طبعة حجرية
، بدون تاريخ ، 3 / 179 ، وما بعدها . (8) محمود حمدي زقزوق ،
مقدمة في علم الأخلاق ، دار
القلم ، الكويت ، 1983 م ، ص 24 وما
بعدها ، بتصرف من عندنا . (9) علي عبد الواحد
وافي ، حقوق الإنسان في الإسلام
، مرجع سابق ، ص 128 . (10) محمد عماره ،
الإسلام وحقوق الإنسان ، سلسلة
عالم المعرفة ، الكويت ، 1985 م ، ص
35 . (11) محمود حمدي زقزوق
، الإسلام وقضايا العصر ، مرجع
سابق ، ص 66 وما بعدها .
ــــــــــــ *باحث
ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية -------------------- هذه
الدراسة
تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |