ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هؤلاء العباقرة العرب أسسوا لبنية الفيزياء، والعلم
الحديث أ.د. ناصر أحمد سنه* في سعيهم، وسعيها النظري والتجريبي،
لمحاولة تفسير خصائص الكون
الطّبيعية، ومادته، وظواهره،
وقواه، وقوانينه الحاكمة له
تبؤت الفيزياء مكانة متميزة في
تاريخ العلم والفكر الإنساني.
فهي تُعد من أهم وأقدم نشاطات
الإنسان العلمية والمعرفية
والفلسفية في آن معاَ. إذ في
لبها علم الفلك وما يزخر به من
"إبداعات" الحضارات،
القديمة والحديثة، المتعلقة
بالتقويم وتقدير الزمن، وحركة
الشّمس، وأدوار القمر وتشكيلات النجوم،
ومن ثم غزو الفضاء، وإرسال
الأقمار الاصطناعية، وثورة
الاتصالات الحديثة الخ. تحاول الفيزياء وصف الحوادث والتنبؤ بها،
فما الذي تفعله على الصعيد
المعرفي؟. للفيزياء علي كر
الدهور، بما تحدثه من قفزات
علمية رائعة، أثر حاسم في أسس وبُنية العديد من حقوله
ومجالاته العلمية والمعرفية
والفلسفية والتطبيقية. فتّقدم
عباقرتها في فهم القوي "الكهرومغناطيسية"
أدي إلى إنتشار
واسع للأجهزة
الكهربائية كالتلفاز والحاسوب.
أما التطور المذهل في مجال
المحركات ووسائل النقل فكان
بسبب ثمرة جهودهم في مقاربة "الديناميكا
الحرارية" الخ. وما نشاهده من
محاولات حثيثة لسبر أغور الفضاء
الخارجي، كان بسبب تطور علومها،
وجهود عباقرتها. فمن هم بعض
هؤلاء العلماء العباقرة
الأعلام، الذين أسسوا بُنية ذلك
العلم الرائع، وأسهموا في مسيرة
التحضر والحضارة، وأبدعوأ
لتطوير العلم الحديث،
وتطبيقاته التي تحيط بنا في كل
مكان؟. ثلة من العباقرة العرب الأفذاذ لعلماء الحضارة العربية- الإسلامية دور
رئيس ورائد شكل إنعطافات بارزة
في صياغة أسس علم الفيزياء،
وبنية العلم الحديث. وفي هذا
الشأن تبرز قامات وإسهامات رجالات أفذاذ أمثال "الحسن
بن الهيثم"، و"الخوارزمي"،
و"ثابت بن قرة"، و"البوزجاني"،
و"البتاني". ركز "أبو علي الحسن بن الهيثم" (ولد
في البصرة سنة 354 هـ/ 965م) "أبو
علم البصريات"
جهوده وتجاربه العلمية على
الضوء، وإنتقاله، وإنعكاسه،
والأوهام البصرية الخ،. فدرس
قوانين إنتشار، وانحراف،
وانكسار، وتشتت أشعة الضوء،
وانحراف الصور عن موضعها في
الأوساط المختلفة المتجانسة
وغير المتجانسة. ولامس اكتشاف
نظرية العدسات المكبرة، ومهّد
لاستعمال العدسات
المتنوعة في معالجة عيوب العين. وكان أول من قدم وصفاً صحيحاً لأجزاء
العين، وأعطى
تفسيراً "ثورياً" للكيفية
التي تُبصر بها الأشياء. كان "بطليموس"،
ومن تبني نظريته، يؤكد أن
الرؤية تتم بواسطة "أشعة تنبعث من العين إلى
الجسم المرئي". لكن "ابن
الهيثم" لم يتبن هذه النظرية،
أو يعدلها، بل صححها جملة
وتفصيلاً في كتابه "المناظر"
(يعد ثورة علمية بما يحتوي من
نظريات جديدة أسست لبُنية علم
البصريات الحديثOptics). فقد بين "ابن الهيثم" أن الرؤية تتم
"بواسطة الأشعة
التي تنعكس من الجسم المرئي
باتجاه عين المبصر". ويعتبر
من أول من استخدم الحجرة
المظلمة لمراقبة التغيرات في الرؤية. كما حاول
تفسير عملية الرؤية من خلال
المنظار وأعطى شرحا صحيحا لسبب
ازدياد حجم القمر
والشمس عندما يقتربان من الأفق.
ويسجل لابن الهيثم دراساته
الرائدة عن ظواهر فيزيائية
مختلفة كقوس قزح
والظل والكسوف وطبيعة الضوء.
تشريح
العين
عند
ابن
الهيثم ومن خلال مؤلفات "ابن الهيثم"
الكبيرة والمتنوعة يتضح دوره
الرائد وإسهاماته العلمية
والمعرفية، فمن أهم ما ترك: كتاب
المناظر، وكتاب الجامع في أصول
الحساب، وكتاب في حساب
المعاملات، وكتاب
شرح أصول إقليدس في الهندسة
والعدد، وكتاب في تحليل المسائل
الهندسية، وكتاب في الأشكال الهلالية، ومقالة في التحليل
والتركيب، ومقالة في بركار
الدوائر العظام،
ومقالة في
خواص المثلث من جهة العمود،
ومقالة في الضوء، ومقالة في
المرايا المحرقة بالقطوع،
ومقالة في المرايا المحرقة
بالدوائر، ومقالة في الكرة
المحرقة، ومقالة في كيفية الظلال، ومقالة في الحساب الهندي،
ومسألة في المساحة، ومسألة في
الكرة، وكتاب في الهالة
وقوس قزح، ووكتاب صورة الكسوف،
اختلاف مناظر القمر، ورؤية
الكواكب ومنظر القمر،و سمْت القبلة بالحساب، وارتفاعات
الكواكب، وكتاب في هيئة العالم.
كما أنه ترك مؤلفات هامة في
الإلهيات والطب والفلسفة
وغيرها. ويمكن العثور في كتاباته على شواهد عن
تطور المناهج العلمية التي
طبقها العلماءالعرب والمسلمون
من مراقبة منهجية وتحقق من
الظواهر موضوع دراساتهم
وعلاقاتها بالنظريات العلمية العامة...
وشكل ذلك اختراقا كبيرا في
المنهجية العلمية وافتراقا
نهائيا عن التكهنات والتخمين. وفي ضوء تبادل الدور الحضاري بين الأمم،
وفي ظل تسنم الآخر لتبؤ دورته
الحضارية، وتحقيق نهضته
الثقافية والعلمية، سعا جاهداً
لنقل العلوم والمعارف إلى
لغاته، وتنوعت ـ مظاهر عنايتهم
بأمر الترجمة. فنقلوا عنا،
وترجموا الكثير عبر مناطق ونقاط
"الإحتكاك الحضاري" في
الأندلس (حيث دانت ثمانية قرون
لحضارة الإسلام)، وصقلية (مكثت
تحت الملسمين من 902-1091م)، وخلال
نحو قرنين علي مدار الحروب
الصليبية (1091-1298م)الخ. وقد تُرجم
كتابه "المناظر" الى
اللاتينية في القرون الوسطى
إضافة إلى كتاب آخر له يتناول
الالوان. ومن بين العلماء
الغربيين الذين اعتمدوا في أعمالهم
على كتاباته "ليوناردو
دافنشي"(1453-1519م)، و"يوهانس
كبلر". "الخوارزمي" أما "محمد بن موسى الخوارزمي"
(ت بعد عام 232 هـ)، فقد اشتهر
بالرياضيات والفلك
والهندسة، وقد اتصل بالخليفة
"المأمون"، وانتمى إلى (بيت
الحكمة) وأصبح
من العلماء الموثوق بهم. وتمتاز
جهود "الخوارزمي" أنه أول
من فصل بين علمي الحساب والجبر،
كما أنه أول من عالج
الجبر بأسلوب منطقي علمي. لا
يعتبر الخوارزمي أحد أبرز
العلماء العرب فحسب، وإنما أحد
عباقرته في العالم،
إذ تعددت جوانب نبوغه. ففضلاً عن
أنه واضع أسس "علم الجبر
الحديث"، ترك آثاراً مهمة في علم الفلك وغدا (زيجه) مرجعاً
لأرباب هذا العلم. كما اطلع
الناس على الأرقام
الهندسية، ومهر علم الحساب
بطابع علمي لم يتوافر للهنود
الذين أخذ عنهم هذه الأرقام.
وأن نهضة أوروبا في العلوم
الرياضية وفي الفيزياء ق انطلقت
ممّا أخذه عنه رياضيوها،
ولولاه لكانت
تأخرت هذه النهضة وتأخرت
المدنية زمناً ليس باليسير. ترك الخوارزمي عدداً من المؤلفات أهمها:
الزيج الأول، الزيج الثاني
المعروف بالسند هند، كتاب الرخامة، كتاب العمل
بالإسطرلاب، كتاب الجبر
والمقابلة الذي ألَّفه لما
يلزم الناس من الحاجة إليه في
مواريثهم ووصاياهم، وفي
مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم،
وفي جميع ما يتعاملون به بينهم
من مساحة الأرضين وكرى الأنهار
والهندسة، وغير ذلك من وجوهه وفنونه. ويعالج كتاب
الجبر والمقابلة المعاملات
التي تجري بين
الناس كالبيع
والشراء، وصرافة الدراهم،
والتأجير، كما يبحث في أعمال
مسح الأرض فيعين
وحدة القياس، ويقوم بأعمال
تطبيقية تتناول مساحة بعض
السطوح، ومساحة الدائرة، ومساحة قطعة الدائرة، وقد عين لذلك قيمة
النسبة التقريبية ط فكانت 7/1 3 أو
7/22،
وتوصل أيضاً
إلى حساب بعض الأجسام، كالهرم
الثلاثي، والهرم الرباعي
والمخروط. "ثابت بن قره" اشتهر "ثابت بن قره" (221 ـ 288 هـ) بالفلك
والرياضيات والهندسة
والموسيقى، وامتهن الصيرفة.
والتقى "الخوارزمي" الذي
أعجب
بعلم "ثابت"الواسع،
وذكائه النادر، فقدمه "الخوارزمي"
إلى الخليفة المعتضد. مهّد "ثابت
بن قره" لحساب التفاضل
والتكامل. وفي مضمار علم الفلك
يؤثر أنه لم يخطئ في حساب السنة النجمية إلا بنصف
ثانية، كما يؤثر اكتشافه حركتين
لنقطتي
الاعتدال
إحداهما مستقيمة والأخرى
متقهقرة. وله أعمال جلية
وابتكارات مهمة في "الهندسة
التحليلية" التي تطبق الجبر
على الهندسة،
ويعزى إليه العثور على قاعدة
تستخدم في إيجاد الأعداد
المتحابة، كما يعزى إليه تقسيم الزاوية ثلاثة أقسام متساوية
بطريقة تختلف عن الطرق المعروفة
عند رياضيي اليونان.
ولم تقتصر عبقريته، علي العلوم
الرياضية والفلكية، بل تعدهما
إلي مجال العلوم
الطبية أيضاً. ترك "ثابت بن قرّه" عدة مؤلفات ذكرها
كتاب "عيون الأنباء"، أشهرها:
كتاب في المخروط المكافئ، كتاب
في الشكل الملقب بالقطاع، كتاب
في قطع الاسطوانة،
كتاب في العمل بالكرة، كتاب في
قطوع الاسطوانة وبسيطها، كتاب
في مساحة الأشكال وسائر البسط والأشكال المجسمة،
كتاب في المسائل الهندسية، كتاب
في المربع،
كتاب في أن
الخطين المستقيمين إذا خرجا على
أقلّ من زاويتين قائمتين
التقيا، كتاب في
تصحيح مسائل الجبر بالبراهين
الهندسية، كتاب في الهيأة، كتاب
في تركيب الأفلاك، كتاب المختصر في علم الهندسة، كتاب في
تسهيل المجسطي، كتاب في
الموسيقى، كتاب في
المثلث القائم
الزاوية، كتاب في حركة الفلك،
كتاب في ما يظهر من القمر من
آثار الكسوف
وعلاماته، كتاب المدخل إلى
إقليدس، كتاب المدخل إلى
المنطق، كتاب في الأنواء، مقالة في حساب خسوف الشمس
والقمر، كتاب في مختصر علم
النجوم، كتاب للمولودين في سبعة أشهر، كتاب في أوجاع
الكلى والمثاني، كتاب المدخل
إلى علم العدد
الذي ألفه
نيقوماخوس الجاراسيني ونقله
ثابت إلى العربية. "البوزجاني" من أعظم رياضيي العرب،
الذين لهم فضل كبير في تقدم
العلوم الرياضية "أبو الوفاء
محمد بن يحيى بن إسماعيل بن
العباس البوزجاني"(328 هـ ـ 377هـ).
لما بلغ العشرين من عمره انتقل
إلى بغداد حيث فاضت قريحته ولمع
اسمه وظهر للناس إنتاجه في كتبه
ورسائله وشروحه لمؤلفات إقليدس
وديوفنطس والخوارزمي.
وقد انتخب ليكون أحد أعضاء
المرصد الذي أنشأه "شرف
الدولة"، في سراية، سنة 377 هـ. يعتبر "أبو الوفاء" أحد الأئمة
المعدودين في الفلك
والرياضيات، وله فيها مؤلفات قيمة،
وكان من أشهر الذين برعوا في
الهندسة، أما في الجبر فقد زاد
على بحوث "الخوارزمي" زيادات تعتبر أساساً
لعلاقة الجبر بالهندسة، وهو أول
من وضع النسبة المثلثية
(ظلّ) وهو أول من استعملها في
حلول المسائل الرياضية، وأدخل القاطع
والقاطع تمام، ووضع الجداول
الرياضية للماس، وأوجد طريقة
جديدة لحساب جدول الجيب، وكانت جداوله دقيقة، حتى أن جيب
زاوية 30 درجة كان صحيحاً إلى
ثمانية أرقام عشرية،
ووضع البوزجاني بعض المعادلات
التي تتعلق بجيب زاويتين، وكشف
بعض العلاقات بين
الجيب والمماس والقاطع
ونظائرها. وظهرت عبقرية "البوزجاني" في نواح
أخرى كان لها الأثر الكبير في فن
الرسم. فوضع كتاباً
عنوانه (كتاب في عمل المسطرة
والبركار والكونيا) ويقصد
بالكونيا المثلث القائم
الزاوية. وفي هذا الكتاب طرق
خاصة مبتكرة لكيفية الرسم
واستعمال الآلات ذلك. ولأبي الوفاء مؤلفات قيمة، ورسائل نفيسة،
منها: كتاب ما يحتاج إليه العمال والكتاب من صناعة الحساب وقد
اشتهر باسم كتاب منازل الحساب،
كتاب فيما يحتاج إيه
الصناع من أعمال الهندسة، كتاب
إقامة البراهين على الدائر من
الفلك من قوس النهار،
كتاب تفسير كتاب الخوارزمي في
الجبر والمقابلة، كتاب المدخل
إلى الأرتماطيقي، كتاب معرفة الدائر من
الفلك، كتاب الكامل، كتاب
استخراج الأوتار، كتاب المجسطي. "البتاني" أما "أبو عبد الله محمد بن سنان بن جابر
الحراني، المعروف بالبتاني" (ولد
أواخر القرن 2 هـ،، وتوفي أوائل
القرن 3 هـ)، فقد اشتهر بالفلك والرياضيات، ويعد من أعظم فلكيي
العالم، إذ وضع نظريات مهمة،
كما له نظريات في علمي الجبر وحساب المثلثات.
اشتهر البتاني برصد الكواكب
وأجرام السماء. وعلى الرغم من
عدم توافر الآلات الدقيقة
كالتي نستخدمها اليوم فقد تمكن
من جمع أرصاد ما زالت محل إعجاب
العلماء وتقديرهم. وقد ترك عدة مؤلفات في علوم الفلك،
والجغرافيا. وله جداوله الفلكية
المشهورة
التي تعتبر من
أصح الجداول التي وصلتنا من
العصور الوسطى. وفي عام 1899 م طبع بمدينة
روما كتاب الزيح الصابي
للبتاني، بعد أن حققه كارلو
نللينو عن النسخة المحفوظة بمكتبة الاسكوريال بإسبانيا.
ويضم الكتاب أكثر من ستين
موضوعاً أهمها:
تقسيم دائرة
الفلك وضرب الأجزاء بعضها في
بعض وتجذيرها وقسمتها بعضها على
بعض، معرفة
أقدار أوتار أجزاء الدائرة،
مقدار ميل فلك البروج عن فلك
معدل النهار وتجزئة هذا الميل، معرفة أقدار ما يطلع من فلك
معدل النهار، معرفة مطالع
البروج فيما بين
أرباع الفلك،
معرفة أوقات تحاويل السنين
الكائنة عند عودة الشمس إلى
الموضع الذي كانت
فيه أصلاً، معرفة حركات سائر
الكواكب بالرصد ورسم مواضع ما
يحتاج إليه منها في الجداول في الطول والعرض. عرف البتاني قانون تناسب الجيوب، واستخدم
معادلات المثلثات الكرية
الأساسية. كما أدخل
اصطلاح جيب التمام، واستخدم
الخطوط المماسة للأقواس،
واستعان بها في حساب الأرباع الشمسية، وأطلق عليها اسم (الظل
الممدود) الذي يعرف باسم (خط
التماس).
وتمكن البتاني
في إيجاد الحل الرياضي السليم
لكثير من العمليات والمسائل
التي حلها اليونانيون
هندسياً من قبل، مثل تعيين قيم
الزوايا بطرق جبرية. ومن أهم
منجزاته الفلكية أنه أصلح قيم
الاعتدالين الصيفي والشتوي،
وعين قيمة ميل فلك
البروج على فلك معدل النهار (أي
ميل محور دوران الأرض حول نفسها
على مستوى سبحها من حول الشمس). ووجد أنه يساوي 35َ 23ْ
(23 درجة و 35 دقيقة)، والقيمة
السليمة
المعروفة اليوم هي 23 درجة. وقاس
البتاني طول السنة الشمسية،
وأخطأ في مقياسها بمقدار
دقيقتين و 22 ثانية فقط. كما رصد حالات عديدة من كسوف الشمس
وخسوف القمر. ـــــــــــــ *كاتب وأكاديمي من مصر. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |