ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 13/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسلام والغرب.. صراع المشاريع

الحلقة السادسة عشر

فتح الرها.. وسقطت قطعة الدومينو الأولى

د. علي محمد الصلابي

نواصل الحديث في هذه الحلقة عن فتح إمارة الرها وتحريرها من أيدي الصليبيين، على يد القائد المجاهد عماد الدين زنكي، حيث نتطرق إلى عدد من الوقائع التي جرت بالتوازي مع هذه الفتح، كما نرصد أهم النتائج التي ترتبت على انتزاع "الرها" من أيدي المحتلين، ما فتح الطريق أمام تحرير بيت المقدس.

* موقف الفقيه موسى الأرمني في فتح الرها: كان للفقيه المؤذن موسى الأرمني المدرس بإحدى مدارس الموصل موقفا مشكورا في فتح الرها، حيث استخدم أسلوب الحرب النفسية في حملة عماد الدين زنكي على الرها عام 539ه/1145م فقد نزل الفقيه محاصراً ومقاتلاً، فخطرت بذهنه فكرة ذكية أثناء حصار عماد الدين للرها، فقد نزل السوق، واشترى ملابس الأرمن، لكي يدخل بها إلى المدينة حتى لا يعرفه الصليبيون، ويشكون في أمره (1):

 

ويحكي الأرمني القصة، فيقول: فنزلت السوق، واشتريت لباساً من لباس الأرمن، وتزينت في زيهم (2) ووصلت إلى البلد لأنظره وأكشف حاله، فجئت إلى الجامع فدخلت ورأيت المنارة فقلت في نفسي أصعد إلى المنارة، وأوذن حتى يجري ما جرى، فصعدت وناديت الله أكبر الله أكبر، وأذنت، والكفار على الأسوار، فوقع الصياح في البلد أن المسلمين قد هجموا البلد من الجهة الأخرى، فترك الكفار القتال ونزلوا على السور، فصعد المسلمون وهاجموا المدينة (3).

 

* ملك جزيرة صقلية: كان ملك جزيرة صقيلة من الفرنج لما فتحت الرُّها، وكان بها بعض الصالحين من المغاربة المسلمين، وكان يُحضره ويكرمه ويرجع إلى قوله، ويّقدمه على من عنده من الرهبان والقسيسين، فلما كان الوقت الذي فتحت فيه الرُّها سير هذا الملك الإفرنج جيشاً في البحر إلى إفريقية فنهبوا وأغاروا وأسروا، وجاءت الأخبار إلى الملك وهو جالس وعنده هذا العالم المغربي، وقد نعس وهو شبيه النائم فأيقظه الملك وقال: يا فقيه، قد فعل أصحابنا بالمسلمين كيت وكيت، أين كان محمد عن نصرهم؟ فقال له: كان قد حضـر فتـح الرها – أي رسـول الله صـلى الله عليه وسلم – فتضاحك من عنده من الفرنج، فقال لهم الملك : لا تضحكوا، فوالله ما قال عن غير علم واشتد هذا على الملك، فلم يمض غُير قليل حتى أتاهم الخبر بفتحها على المسلمين، فأنساهم شدة هذا الوهن رخـاءَ ذلك الخبر؛ لعّـلو منزله الرّها عند النَّصرانية (4).

 

* رويا للشهيد بعد قتله: ويحكى أن رجلاً من الصالحين قال: رأيت الشهيد بعد قتله في المنام في أحسن حال، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي. قلت: بماذا ؟ قال: بفتح الرها (5).

 

* مؤامرة فاشلة من سكان الرها: ما لبث سكان الرها من الأرمن أن دبروا – في العام التالي – مؤامرة استهدفت الفتك بالمسلمين وإعادة المدينة إلى السيطرة الصليبية بعد القيام باستدعاء جوسلين، إلا أن زنكي سرعان ما تمكن من كشف هذه المحاولة الخطيرة، والقبض على مُدبريها وإعدامهم، ثم أعقب ذلك نفي عدد من الأرمن كي لا يتاح لهم مرة أخرى أن يسعوا إلى طعن المسلمين من الخلف، وتسليم أهم مواقعهم لقمة سائغة للغزاة الصليبيين (6).

 

- نتائج فتح الرها: حقق عماد الدين زنكي بفتح الرها أهم إنجازاته التي قام بها ضد الصليبيين طوال مدة حكمه، وكانت لهذا النصر نتائج هامة في العالمين الإسلامي والنصراني ومن أهم تلك النتائج على الإجمال:

 

أ - تأكد للمسلمين أن حركة الجهاد الإسلامية وصلت سن الرشد وتجاوزت المراهقة السياسية والعسكرية دون أن يكون ذلك إجحافا بإنجازات القادة السابقين على زنكي لاسيما مودود – وإذا كانت أولى الإمارات الصليبية تهاوت تحت أيديهم، فإنها البداية، واليوم إسقاط الرها وغداً إسقاط باقي الكيان الغازي الدخيل، وهذا ما حدث فعلاً، ومن الآن فصاعداً لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، بل التقدم إلى الأمام بكل ثقة، وإباء، وإنجاز.

 

ب- تأكد منطق التاريخ من أن مثل تلك الكيانات الصليبية غير الشرعية لن تستمر على الأرض المسلمة، لأن أبناء المنطقة أصحاب الهوية الدينية الموحدة لن يقبلوا بذلك الوضع السياسي والعسكري الدخيل وبالتالي عاد التجانس لمنطقة شمال العراق، ولم تعد الرها تمثل دور الفصل والكيان الصليبي الحاجز المانع من الاتصال بين كل من سلاجقة آسيا الصغرى، وسلاجقة العـراق، وكذلك بلاد فارس (7).

 

ج- زاد الضغط على النطاق الصليبي الذي اتخذ شكلاً طولياً من أنطاكية في الشمال إلى إيلات (الرشراش) جنوباً ومن نهر الأردن شرقاً إلى الساحل الشامي – باستثناء عسقلان، إذ أن صور سقطت بالفعل عام 1124م/518ه/ بما اشتمله من إمارة طرابلس، ومملكة بيت المقدس الصليبية، فالمؤكد أن رأس الحربة الصليبية في الرها سقطت إلى غير رجعة، والآن أصبح ذراعها قائماً في باقي الكيان الصليبي، ولذلك ازداد الضغط العسكري عليه من قِبل القوى الإسلامية التي سيطرت على الظهير الشـامي الموازي للساحل والسهل السـاحلي، وكـأن المعـركة صـارت – على المستوى الجغرافي – معركة بين الساحل والظهير، واعتمد الأول على الدعم الخارجي الأوروبي في الأساس، واعتمد الثاني على إمكاناته المحلية الوافرة التي تزايد شأنها مع ظهور قادة الوحدة بين المسلمين.

 

د - أدى إسقاط الرها بمثل هذه الصورة إلى تحرك الحلف الدفاعي الاستراتيجي القائم بين الكيان الصليبي في الشرق، والرحم الأم في الغرب الأوروبي، فلم يكن ذلك الغرب ليسمح لامتداده السياسي والتاريخي في الشرق أن ينهار قطعة قطعة، بل لابد من التدخل من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وإجهاز فعاليات إمـارة الموصـل، ومـن ثم كان قيام صليبية 1147 – 1149/542ه - 544ه التي اشتهرت بالصليبية الثانية، وهي من النتائج المباشرة لإسقاط الرها وهو أمر يوضح لنا بجلاء كيف أن قادة الجهاد الإسلامية حاربوا قوى عالمية، ولم تكن مجرد قوى محلية محدودة التأثير والفعالية، وأنهم بالفعل كانوا جزءاً من صراع قاري أو عالمي على نحو يجعل لهم مكانة بارزة في تاريخ المسلمين – عامة – في عهد الحروب الصليبية.

 

ه- ومن النتائج العديدة التي نتجت عن ذلك الإنجاز، ارتفاع شأن عماد الدين إلى حد بعيد، فبعد أن كان مجرد حاكم محلي محدود النطاق والفعالية، تردد اسمه سريعاً في الحوليات اللاتينية والسريانية ليعكس أنه أحدث تأثيراً كبيراً في مجرى أحداث الشرق اللاتيني، وبصورة غير مسبوقة، أما بالنسبة للمسلمين، فقد احتل مكانة بارزة (8)، فقد عزّز فتح الرها مركز عماد الدين تجاه السلطان السلجوقي مسعود والخليفة العباسي المقتفي لأمر الله الذي أنعم عليه بعدد كبير من الألقاب التي حازها عن جدارة، كالأمير المظفر، ركن الإسلام، عمدة السلاطين، زعيم جيوش المسلمين، ملك الأمراء،  أمير العراقين والشام (9).

 

وجعل هذا النصر عماد الدين زنكي المدافع الأول عن الدين والمجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله، ودارت في المحافل الإسلامية، أحاديث تمحورت حول شخصه، تصور لنا مدى التقدير، والإعجاب اللذين نالهما إثر تحقيقه هذا النصر الكبير، ومهد هذا الفتح الطريق أمام عماد الدين زنكي لاستكمال فتح الحصون المجاورة، وفرض سيطرته التامة على أملاك أعدائه في المنطقة، وأَّدى فتح الرها دوراً كبيراً في إنقاذ إمارة عماد الدين زنكي من خطر استمرار الغارات الصليبية عليها، فأصبح أهلها بعد الخوف آمنين (10)  وهذا إنشاء الله من عاجل بشرى المؤمن.

------------------------

 (1) موقف فقهاء الشهام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 22.

 (2) المصدر نفسه نقلاً عن بغية الطلب في تاريخ حلب.

 (3) بغية الطلب في تاريخ حلب (9/3851) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 122.

 (4) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/141).

 (5) المصدر نفسه (1/141).

 (6) عماد الدين زنكي ص 157.

 (7) الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 164 ، 165.

 (8) الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق الغرب ص 165.

 (9) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 156.

 (10) المصدر نفسه ص156.

يتبع بإذن الله ..

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ