ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حرية
العقيدة من المنظور الإسلامي (رؤية
مقارنة) بقلم :
يسري عبد الغني عبد الله* ما الذي نقصده بحرية
العقيدة ؟ يقصد
بحرية العقيدة حق الفرد في
اعتناق الدين الذي يريده ، وحقه
في ممارسة الشعائر الدينية في
حرية تامة . وتنص
الدساتير الحديثة على أن الدولة
تكفل حرية العقيدة ، وحرية
ممارسة الشعائر الدينية لجميع
المواطنين دون استثناء . موقف الإسلام من هذه
الحرية : من
الأمور الواضحة في الدين
الإسلامي أنه ترك للأفراد
اعتناقه بكامل حريتهم
واختيارهم ، ولم يحملهم أو
يجبرهم على هذا الأمر ، ويدل على
ذلك نصوص القرآن الكريم ، وهي
عديدة تقطع بكفالة حرية العقيدة
في الإسلام ، ومن هذه الآيات
الكريمة ما يلي : ـ يقول
الله تعالى : {لا إكراه في الدين
قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر
بالطاغوت ويؤمن بالله فقد
استمسك بالعروة الوثقى لا
انفصام لها والله سميع عليم.} [البقرة
: 256 ] . والمعنى
: إنه لا إجبار في الدين فقد تميز
الهدى من الضلال ، فمن يكفر
بالشيطان أو الأصنام ، ويؤمن
بالله فقد تمسك بأوثق عروة لا
انقطاع لها . ويقول
سبحانه وتعالى : {ادع إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو
أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم
بالمهتدين .} [النحل : 125 ] . والمعنى
: إن الله سبحانه وتعالى يخاطب
رسوله ونبيه محمد ( صلى الله
عليه وسلم ) قائلاً له : ادع إلى
سبيل ربك بالحكمة المشفوعة
بالأدلة المقنعة ، والموعظة
الحسنة المستندة إلى العبر
المؤثرة ، وجادلهم بالطريقة
التي هي أحسن الطرق ، إن ربك هو
أعلم بمن ضل عن سبيله ، وهو أعلم
بأهل الهدى والرشاد . ويقول
عز وجل : {فإن حاجوك فقل أسلمت
وجهي لله ومن اتبعني و قل للذين
أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم
فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن
تولوا فإنما عليك البلاغ والله
بصير بالعباد .} [آل عمران : 20 ] . والمعنى
: فإن جادلوك يا محمد في الدين
فقل لهم إني أخلصت نفسي لله أنا
ومن اتبعني من المؤمنين ، وقل
لأهل الكتاب من اليهود والنصارى
وقل للعرب الأميين : أأسلمتم مثل
إسلامي ؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا
, وإن أدبروا فإنما عليك التبليغ
، وعلينا الحساب . إن
الدعوة إلى الإسلام جوهرها
ولبها الإقناع ، وغير المسلمين
من أي ملة ومن أي نحلة في دار
الإسلام هم وشأنهم في عقائدهم ،
وبالأولى في غير دار الإسلام ،
ولا يجيز الإسلام الحنيف أخذهم
بالعنف أو الشدة إلا إذا اعتدوا
اعتداءاً سافراً على المسلمين ،
أو حاولوا ذلك . قال
جل علاه : {أُذِنَ للذين يقاتلون
بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم
لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم
بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله
ولولا دفع الله الناس بعضهم
ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات
ومساجد يذكر فيها اسم الله
كثيراً ولينصرن الله من ينصره
إن الله لقوي عزيز } [الحج : 39 ـ 40 ]
. والمعنى
: لقد رخص الله بالقتال الذين
يقاتلهم المشركون لأنهم ظلموا
وإن الله على نصرهم لقدير ، فقد
أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا من
أجل قولهم ربنا الله لا شريك له
، ولولا أن الله يدفع بعض الناس
ببعض ، ويسلط المؤمنين على
الكافرين لخربت - باستيلاء
المشركين على أهل الملل
السماوية - معابد لليهود وكنائس
للنصارى ومساجد للمسلمين يذكر
فيها اسم الله كثيراً و وقد آلى
الله لينصرن من ينصر دينه إن
الله لقوي على نصرهم ، عزيز لا
يمانعه شيء . ويقول
سبحانه وتعالى : {ولا تجادلوا
أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
إلا الذين ظلموا منهم وقولوا
آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل
إليكم إلهنا وإلهكم واحد ونحن
له مسلمون } [العنكبوت : 46 ] . والمعنى
: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا
بالخصلة التي هي أحسن الخصال ،
كمقابلة خشونتهم باللين والرفق
وشغبهم بالنصح ، إلا الذين
ظلموا منهم بالإفراط في
الاعتداء ، وقولوا لهم آمنا
بالذي أنزل إلينا وبالذي أنزل
إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن
له مسلمون ، فأي فرق بيننا
وبينكم إذن غير ما توحيه
الأهواء وتوهبه الأوهام ؟ ! في
الآيات السابقة أدلة واضحة على
أن قتال غير المسلمين لا يكون
إلا لدفع أذاهم عن المسلمين ،
ولكن لا يصل ذلك إلى حد إجبارهم
على الدخول في الإسلام . قال
جل شأنه : {ولو شاء ربك لآمن من في
الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره
الناس حتى يكونوا مؤمنين . وما
كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله
ويجعل الرجس على الذين لا
يعقلون } [يونس : 99 ـ 100] . و
المعنى : بمناسبة قصة نبي الله
يونس (عليه السلام) ، يقول
المولى عز وجل لرسوله محمد (صلى
الله عليه وسلم) : لو أراد ربك
لآمن جميع أهل الأرض , ولكنه رأى
من الحكمة أن يكون منهم كافرون
ومنهم مؤمنون ، أفأنت تجبر
الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟! وما
كانت لتستطيع نفسٌ أن تؤمن إلا
بإذن ربها ، ويجعل العذاب
والخذلان بالإثم على الذين لا
يعقلون . أهل الذمة في بلاد
الإسلام : لقد
كانت حياة أهل الذمة في بلاد
الإسلام وحريتهم في إقامة
شعائرهم الدينية أبلغ دليل
وأوضح برهان على تقدير الإسلام
لحرية العقيدة . ويشهد
أهل الاستشراق أن مبادئ التسامح
التي ينادي بها المصلحون
والمفكرون المحدثون وجدت في
الدولة الإسلامية ، في الوقت
الذي لم يعرف فيه التسامح في
بلاد أوربا طوال العصور الوسيطة
، ولم يكن في التشريع الإسلامي
ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من
أبواب العمل ، اللهم إلا بعض
الوظائف التي أطلق عليها
الولايات ، لما تستلزمه الولاية
من شروط باعتبارها نيابة عن
خليفة المسلمين . ولم
تكن الحكومة الإسلامية تتدخل
بشكل أو بآخر في الشعائر
الدينية لأهل الذمة ، بل إن
التسامح قد وصل ببعض الخلفاء
إلى أن يحضر مواكبهم وأعيادهم ،
وكانوا أحراراً في إنشاء
الأديرة والكنائس ، حتى أن بعض
الفقهاء مثل الليث بن سعد وعبد
الله بن لهيعة من فقهاء القرن
الثاني الهجري ، كان يرى أن بناء
الكنائس من عمارة البلاد ،
محتجاً بأن أغلب الكنائس في مصر
قد بنيت في الإسلام في عهد
الصحابة والتابعين .[آدم ميتز ،
الحضارة الإسلامية في القرن
الرابع الهجري ، الترجمة
العربية ، 1 / 57 ـ 71 ، بتصرف ] . ويعترف
المستشرق البريطاني / توماس
أرنولد بالتسامح الديني عند
المسلمين مؤكداً أن القبائل
المسيحية التي دخلت في الإسلام
قد دخلت عن طواعية واختيار [محمد
فاروق النبهان ، نظام الحكم في
الإسلام ، ص 236] . والحقيقة
أن الإسلام قد انتشر في بلاد
كانت تئن وتعاني من الحكم
الاستبدادي ، ومن المظالم
الوحشية التي كان يتعرض لها
الرعايا في ظلال من الحكم
المطلق الذي لا يعترف للفرد بأي
قيمة ، سواء أكان في بلاد فارس
أو في البلاد التي يسيطر عليها
الرومان في مصر والشام أو في
الأندلس ، حيث سيطر التسلط
والعسف من قبل الملوك
الإقطاعيين يعاونهم رجال الدين
الذين يوظفون الدين من أجل
مصالحهم الدنيوية ، فلما دخل
الإسلام إلى تلك البلاد ، بما
احتواه من تعاليم ومبادئ الحرية
والإخاء والمساواة بين الجميع ،
وشاهد الأهلون أن تلك المبادئ
هي التي يطبقها الحكام المسلمون
فعلاً ، دخلوا في الإسلام فرادى
وجماعات عن اختيار تام وطواعية
كاملة . [عمر الشريف ، مذكرات في
نظام الحكم والإدارة في الدولة
الإسلامية ، ص 148 ، بتصرف ] . الأسباب السياسية : وإذا
كانت قد جرت بعض حوادث الاضطهاد
لغير المسلمين في بعض العهود ،
فلم يكن ذلك مرده على الإطلاق
إلى ما يقرره الإسلام من مبادئ ،
وإنما كانت أسبابه سياسية بحتة
، نتيجة اعتداء غير المسلمين
على المسلمين أو تحرشهم بهم ،
ومن الأمثلة على ذلك ، ما جاهرت
به أوربا المسيحية من عداء سافر
للدين الإسلامي وللدولة
الإسلامية في العصور الوسيطة ،
وإعلانها الحروب الصليبية على
المسلمين ومع ذلك فإن مفكري
الإسلام في القديم والحديث
يقررون في صراحة لا مواربة فيها
بأن الاضطهاد الديني في الحالات
التي حدث فيها إنما هو انحراف
واضح عن تعاليم الإسلام الذي
تدعوا إلى حرية العقيدة ، وحق
الفرد في اعتناق الدين الذي
يريده ، وحقه كذلك في ممارسة
شعائره الدينية بحرية تامة
وكاملة . تعامل من نوع فريد : مما لا شك فيه أن
الإسلام يوجب العدل ويحرم الظلم
، ويجعل من تعاليمه السامية
وقيمه الرفيعة التي من أهمها:
المودة ، والرحمة ، والتعاون ،
والإيثار ، والتضحية ، وإنكار
الذات ، ما يلطف الحياة ويعطف
القلوب ، ويؤاخي بين الإنسان
وأخيه الإنسان في كل زمان ومكان
. [السيد سابق ، فقه السنة ، 3 / 7 ،
وما بعدها ] . وهو بعد ذلك كله
يحترم العقل الإنساني ، ويقدر
الفكر البشري ، ويجعل العقل
والفكر وسيلتين من وسائل
التفاهم والإقناع. والإسلام لا يرغم
أحداً على عقيدة معينة ـ كما سبق
وأوضحنا ـ ولا يكره إنساناً على
نظرية خاصة بالكون أو الطبيعة
أو الإنسان ، وحتى في قضايا
الدين ، يقرر الإسلام أنه لا
إكراه في الدين , وأن وسيلته هي
استعمال العقل والفكر والنظر
فيما خلق الله من أشياء ، ولو
شاء الله تعالى لآمن كل من في
الأرض ، ومن المحال أن يكره
الناس أو يجبروا حتى يكونوا
مؤمنين . ورسولنا الكريم محمد
(صلى الله عليه وسلم) لم تكن
وظيفته إلا أنه مبلغ عن الله
تعالى وداعية إليه , فما أرسله
الله إلا كشاهد ومبشر ونذير ,
يدعو إلى الله بإذنه . والإسلام هو دين
العلاقات الإنسانية , فهو لا يقف
عند حد الإشادة بهذا المبدأ
فحسب , وإنما يجعل العلاقة بين
الأفراد ، وبين الجماعات ، وبين
الدول ، علاقة ود وسلام وأمان
واحترام متبادل ، يستوي في ذلك
علاقة المسلمين بعضهم ببعض ،
وعلاقة المسلمين بغيرهم . والذي نركز عليه في
هذا السياق هو العلاقة بين
المسلمين وغيرهم ، فأساس هذه
العلاقة التعارف ، والتعاون ,والبر
، والعدل. فالله جل علاه خلقنا
من ذكر وأنثى ، وجعلنا شعوباً
وقبائل ، من أجل أن نتعارف
ونتعاون ونتضامن ونتكامل
ونتكافل ، من أجل أن نتبادل
التجارب والخبرات والأفكار
والآراء والمعارف ، من أجل أن
نتكامل اقتصادياً وفكرياً ، كل
ذلك من أجل واقع أفضل وأحسن لنا
ولذوينا في الحاضر والمستقبل ،
خلقنا لنتحاور ونتناقش بالحسنى
وبالتي هي أحسن ، لم يخلقنا من
أجل أن نتعارك أو نتطاحن أو أن
نتصادم حضارياً أو ثقافياً ...
وفي النهاية فإن أكرمنا عند
الله أتقانا .. واضعين في
الاعتبار أن العلاقة مع الآخر
أساسها تبادل المصالح ، واطراد
المنافع ، وتقوية العلاقات
الإنسانية . وقبل
أن نختتم هذه السطور التي
خصصناها لموقف الإسلام من حرية
العقيدة ، نشير إلى مسألتين
مهمتين ينظر البعض إليهما
باعتبارهما قيوداً على حرية
العقيدة في الإسلام ، وهما
مسألتا : الجزية ، والردة . أولاً : مسألة الجزية المعنى والأساس
الشرعي :- الجزية
عبارة عن قدر من المال فرضه
الإسلام (وطبقه أهل الإسلام) على
من يخضع لحكمهم من أهل الذمة ،
وذلك في مقابل الدفاع عنهم ،
وإعفائهم من التجنيد (الخدمة
العسكرية ) . وأساس
شرعها ما ورد في سورة التوبة ،
حيث يقول المولى جل علاه : {
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله
ولا باليوم الآخر ولايحرمون ما
حرم الله ورسوله ولا يدينون دين
الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون }
[التوبة : 29 ] . والمعنى
: يا أيها المؤمنون قاتلوا الذين
لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر إيماناً صحيحاً ، ولا
يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا
يدينون بدين الحق الذي نسخ جميع
الأديان السابقة ، من الذين
أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية
التي تقرر عليهم وهم صاغرون . وواضح
من ذلك أن قتالهم لا يكون بقصد
حملهم أو إجبارهم على تغيير
عقائدهم ، وإنما لكي ينصاعوا
لحكم الإسلام ، فيؤدوا الجزية ,
وإذا أدوها فلا سبيل عليهم . ويتبين
من هذه الآية الكريمة أن
استحقاق الجزية مرتبط بشرطين
هما : ـ الشرط الأول : القدرة
على دفع هذه الجزية ، وهذا معنى
قوله تعالى {عن يد} أي عن مقدرة
على دفعها . ولقد
كانت الجزية بسيطة جداً لا ترهق
محدودي الدخل ، إذ كانت تتراوح
بين دينار ودينارين وأربعة
دنانير بحسب حال الملزم بها ,
ويقدر بعض الباحثين قيمة
الدينار في ذلك الوقت بما يعادل
30 قرشاً مصرياً ، فإذا دفع الذمي
ثلاثين قرشاً أو ستين قرشاً أو
مائة وعشرين قرشاً مقابل الدفاع
عنه ، وإعفائه من الخدمة
العسكرية ، فهذا لا يحتاج إلى
تعليق . ومن
جهة أخرى : فقد كانت الجزية لا
تفرض على النساء والأطفال
والمرضى والعجزة وأصحاب
الاحتياجات الخاصة بوجه عام ,
وكذلك الرهبان ، لأن كل هؤلاء
معفون من الخدمة العسكرية ،
وعلى العموم فإن التاريخ يؤكد
لنا أن الجزية لم تفرض على عاجز
عن الوفاء بها . الشرط الثاني : الخضوع
لحكم الإسلام وهذا معنى قوله
تعالى: {وهم صاغرون} أي راضون
تمام الرضا بالخضوع لنظام
الدولة ، وأوامرها ملتزمون بها
تمام الالتزام . ولعل
الحكمة في فرض الجزية مقابل
الإعفاء من أداء الخدمة
العسكرية ، كان مرده إلى خشية
المسلمين من مشاركة غير
المسلمين في الجهاد وعدم
الاطمئنان إلى تصرفهم ، واضعين
في الاعتبار أن الدولة
الإسلامية كانت في بداية
تكوينها . ومن ناحية أخرى فإن
المسلمين قد ألزموا أنفسهم
بواجب حماية إخوانهم من أهل
الذمة ، وتمكينهم من ممارسة
شعائرهم الدينية مع إعفائهم من
التجنيد الإلزامي . وتروي لنا كتب
التاريخ صوراً كثيرة لحالات
أعفي فيها أهل الذمة من دفع
الجزية المقررة عندما اضطر جيش
المسلمين إلى التخلي عن الدفاع
عن بلادهم ، ومثال ذلك : رد
الجزية إلى أهل مدينة حمص
السورية حين اضطر المسلمون إلى
تركها لانشغالهم في واقعة
اليرموك ضد الروم ثانياً : مسألة الردة
عن الإسلام وعقاب مرتكبها المعنى والحكم
الشرعي : - معنى
الردة هي خروج المسلم عن دين
الإسلام إلى دين آخر , أو إلى غير
دينه ، وهذا أمر غير جائز حسب
أحكام الشريعة الإسلامية ، وتعد
الردة جريمة يعاقب مرتكبها
بالإعدام ، وينفذ فيه الحكم ،
بعد أن يمهل ثلاثة أيام كاملة
ليستتاب فيها , أي يطلب إليه
العودة إلى الإسلام ، فإن أصر
على ردته وأخذته العزة بالإثم ،
أعدم . ويقول
البعض : إن إعدام المرتد مناف
لمبدأ حرية العقيدة والاعتقاد ,وسوف
نحاول بقدر الطاقة والإمكان
مناقشة هذا القول . يبرر
العلامة / الماوردي في كتابه (الأحكام
السلطانية والولايات الدينية ،
ص 55 ) الحكم الشرعي في مسألة
الردة , بأن : الإقرار بالحق (والحق
هنا هو الدين الإسلامي ) يوجب
التزام أحكامه , وأحكام الإسلام
لا تبيح الردة . ويستند
الماوردي وغيره من فقهاء
الإسلام إلى قول النبي محمد (صلى
الله عليه وسلم ) : "من بدل
دينه فاقتلوه" وقد
روي عن رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) أيضاً أنه أحل دم المرتد
عندما قال في حديثه الشريف : "لا
يحل دم امرئ المسلم إلا من ثلاث :
كفر بعد لإيمان ، وزنى بعد إحصان
, وقتل نفس بغير نفس " [الماوردي
, نفس المرجع السابق]. هذا
، وقد أجمع المسلمون في صدر
الإسلام على إعدام المرتد ،
وقاتل أبو بكر الصديق (رضي الله
عنه ) المرتدين ، وأعلن الحرب
عليهم ، وقضى علي بن أبي طالب (كرم
الله وجهه) بإعدام المرتد . الإسلام دين ودولة : ومن
جهة أخرى نحب أن نوضح أن الإسلام
ليس مجرد عقيدة ، وإنما هو عقيدة
وشريعة ، هو دين ودولة ، ومن شأن
الردة أن تؤثر على كيان الدولة
وأمنها واستقرارها ، وأن الردة
تنطوي على الإساءة إلى الإسلام
، بل إنها في بعض صورها قد ترادف
جريمة الخيانة العظمى ، وهي
جريمة عقابها الإعدام في
التشريعات الحديثة . يقول
المولى عز وجل : {وقالت طائفة من
أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل
على الذين آمنوا وجه النهار
واكفروا آخرة لعلهم يرجعون . } [آل
عمران : 72] . والمعنى
: ودت طائفة من أهل الكتاب أن تضل
المسلمين ، لذلك يقول الله
مخاطباً إياهم : يا أهل الكتاب
لماذا تكفرون بآيات الله أي
القرآن الكريم وأنتم تشهدون بما
تقرأ ون عنه في كتبكم أنه حق . وهذه
الآية نزلت في اثنى عشر من أحبار
خيبر اتفقوا بأن يدخلوا في
الإسلام أول النهار ثم يكفروا
في أخره قائلين : نظرنا في
كتابنا فلم نجد نعت محمد فيه ،
والمقصد من ذلك فتح باب
الارتداد عن الإسلام . فقد
دبر اليهود أن يؤمنوا أول
النهار ويكفروا آخرة ليحملوا
الناس على الخروج من الإسلام ،
ومن هنا حذرنا الإسلام ألا نؤمن
إلا لأهل ديننا ، فتدبيرهم هذا -
والذي ما زال إلى وقتنا الراهن -
حسداً وحقداً ومحاولة للتفرقة
بين أهل الإسلام في كل زمان
ومكان . ورغم
وضوح المبدأ واستقراره ، فإن
البعض يرى أن عقاب مرتكب الردة
عن الإسلام يتعارض بل يتنافى مع
مبدأ حرية العقيدة ، بل إن
فريقاً آخر أصر على أنه لا توجد
آية في القرآن الكريم تنص بوضوح
على عقاب المرتد ، وإذا كانت
السنة النبوية المطهرة قد قررت
هذا العقاب بوضوح لا لبس فيه ،
فإن هؤلاء يقولون بأن المقصود
منها كانوا المقاتلين ... إلى آخر
ما ساقوا من أقوال وحجج لا
يستقيم لها وزن أمام صراحة
ووضوح النصوص [عبد الحميد متولي
، مبادئ نظام الحكم في الإسلام ،
ص 739 ، وما بعدها ، بتصرف ] . رأي أهل الفقه من
المعاصرين : ويبدو
لنا من أراء بعض الفقهاء
المعاصرين أنهم يرون أن الردة
التي حدثت في أغلب الأحوال كانت
تأخذ صورة جماعية ، مما لا تعتبر
معه مجرد خروج من الإسلام ,
وإنما تعتبر خروجاً عن الإسلام (أي
مقاومته ) ، ويمثلون بذلك بحالة
يهود خيبر الذي ورد بشأنهم النص
القرآني آنف الذكر ، وبأن حروب
الردة كانت لمقاومة الدولة
الإسلامية مقاومة جماعية . **
أما في العصر الحديث فإن خروج
فرد عن الإسلام لسبب من الأسباب
لا يعتبر خروجاً على الإسلام
ككل ، وبالتالي فإن الحكم عليه
بعقوبة الإعدام مسألة محل نظر ،
وفي رأينا أنه يكفي أن يعاقب
تعزيراً بالحبس . **
والفقهاء من المعاصرين يؤيدون
ما ذهبنا إليه وذلك لأن عقوبة
المرتد ليست من جرائم الحدود
التي وردت في القرآن الكريم ،
وإنما هي بالاتفاق عقوبة
تعزيرية ، ويمكن الترخص في
تحديدها بما يتناسب مع خطر
الجريمة بمراعاة ظروف الزمان . **
كما يستندون إلى نقل مهم نقلوه
عن ابن قيم الجوزية بشأن مسألة
عقاب المرتد ، إذ يقول : إنها
مسألة لا علاقة لها بحرية
العقيدة المقررة في الإسلام ،
وإنها مسألة سياسية قصد بها
حياطة المسلمين ، وحياطة
تنظيمات الدولة الإسلامية
وأسرارها من نزوع أعدائها
المتربصين بها للنيل منها
بادعاء الإسلام , ولقد أشار
القرآن الكريم إلى هذا المعنى
في الآية الكريمة {وقالت طائفة
من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل
على اللذين آمنوا وجه النهار
واكفروا أخره لعلهم يرجعون } [آل
عمران : 72] . رأي
في خاتمة : والذي
يبدو لنا في هذا الصدد ، أن
جريمة الردة إذا وقعت في دولة
إسلامية اتخذت النظام الإسلامي
كقاعدة عامة أساساً لنظام الحكم
فيها وتقيدت بمبادئه ، فإنها في
هذه الحالة تكون الردة بمثابة
خروج على مبادئ النظام العام في
الدولة ، واعتداء صريح على أصول
الحكم ومبادئه الجوهرية ، شأنها
تماماً شأن أي جريمة يرتكبها
فرد في أي دولة من الدول ضد نظام
الحكم فيها ، أو خروجاً على
مبادئه مما تعتبره التشريعات
الحديثة من قبيل الخيانة ، خاصة
إذا أخذنا في الحسبان والاعتبار
أن العقيدة والشريعة في الدولة
الإسلامية متلازمان مترابطان
متكاملتان ، وأن مبادئ الحكم في
الدولة الإسلامية تقوم على
العقيدة والشريعة معاً ، أي أن
الدين يشكل عنصراً رئيسياً في
نظام الدولة ، وهذا رأي خاص بنا
وافقنا فيه أساتذة كرام تعلمنا
على أيديهم ، واضعين في
الاعتبار أن أي رأي مهما كان
صاحبه قابل للخطأ والصواب ،
وهذه هي طبيعة التفكير البشري
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
، والله تعالى أعلم . ========== الأسانيد
والمراجع (1)
محمد فريد وجدي ، المصحف المفسر
، دار الشعب ، القاهرة ، مصر. (2)
عمر الشريف ، مذكرات في نظام
الحكم والإدارة في الدولة
الإسلامية ، القاهرة ، 1977 م . (3)
آدم ميتز ، الحضارة الإسلامية
في القرن الرابع الهجري ،
الترجمة العربية ، الجزء الأول
، طبعة بيروتية ، بدون تاريخ . (4)
محمد فاروق النبهان ، نظام
الحكم في الإسلام , القاهرة ،
مصر . (5)
عبد الحميد متولي ، مبادئ نظام
الحكم في الإسلام ، القاهرة ،
مصر . (6)
يسري عبد الغني عبد الله ،
المدنية العربية الإسلامية (نظرات
في الأصول والتطور) ، هيئة
الكتاب ، القاهرة ، 1987 م . (7)
أبو الحسن بن حبيب الماوردي ،
الأحكام السلطانية والولايات
الدينية ، الطبعة الثانية ،
القاهرة ، 1966 م . (8)
السيد سابق ، فقه السنة ، دار
الفتح ، القاهرة ، 1988 م . ــــــــــــ *باحث
ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |