ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 14/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسلام والغرب.. صراع المشاريع

الحلقة الثامنة:

دور الشعراء في مقاومة الغزو الصليبي

د. علي محمد الصلابي

قام بعض الشعراء بدور كبير في تحريض المسلمين ووصف أحوال الأمة وطبيعة الغزو الصليبي الذي احتل البلاد وهتك الأعراض، ومن أشهر هؤلاء ما قاله القاضي الهروي وقيل لأبي المظفر الأبيوردي القصيدة التي أولها :

مزجنا دماءً بالدموع السواجم      فلم يبق منا عرضه للمراجم [1]

وشر سلاح المرء دمع يفيضه      إذا الحرب شُبَّت نارها بالصوارم [2]

 

إنه، في هذا المطلع، يصّرح ببكاء الناس بكاءً أنزل الدم من العيون لشدته واستمراره، وأنهم بكوا حتى لم يبق فيهم مجال للذم، ولكنه لا يلبث أن يفطن إلى أن البكاء على شدته، لن يغني في شيء في معركة لا يسّعر نيرانها إلا السيوف القواطع،  ومنها أيضا :

 

فأيها بني الإسلام إن وراءكم      وقائع يلحقن الذُرا بالمناسم

أتهويمةً في ظلَّ أمن وغبطةٍ       وعيشٍ كنّوار الخميلة ناعم [3]

وكيف تنام العين ملء جفونها      على هفوات أيقظت كلَّ نائم

وأخوانكم بالشام يُضحي مقيلُهم      ظهور المذاكي أو بطون القشاعم [4]

تسومهم الروم الهوان، وأنتم       تجرون ذيل الخفض، فعل المسالم [5]

 

وهنا يستصرخ الشاعر المتخلفين عن القتال مع إخوانهم المسلمين في بلاد الشام، فيبدأ هذا المقطوعة بتوجيه نداء حار للمسلمين : أيها بني الإسلام أن اصُحوا من نومكم فما دهمكم من الغزو يجعل أعزتكم أذلة. ثم يعجب لهم ولنومهم، إذ كيف ينامون ملء عيونهم ويعيشون ناعماً آمناً، وغير بعيد منهم تجري فظائع الأمور التي تقع على رؤوس إخوانهم من أهل الشام، فلا يجدون وقتاً قصيراً ينامون فيه في بيوتهم، فجلّ أوقاتهم على صهوات خيولهم يحاربون أو تكتب لهم الشهادة فتتخطفهم نسور الجو ولا من يدفن جثثهم، وربما يقعون تحت إذلال أعدائهم من الفرنجة، أما أنتم فيبدو عليكم التقلب في ثياب النعمة، ومنها كذلك :

وكم من دماء قد أبيحت ومن دمىً      تواري حياءً حسنها بالمعاصم[6]

بحيث السيوف البيض محمرة الظبا      وسمرُ العوالي دامياتُ اللَّهاذِم [7]

وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة      تظل لها الولدان شيب القوادم

وتلك حروب من يغب عن غمارها      ليسلمٍ يقرع بعدها سنَّ نادم

سَللن بأيدي المشركين قواضباً       ستُغمد منهم في الطُلا والجماجم [8]

يكاد لهن المستجنُّ بطيبة       ينادي، بأعلى الصوت، يا آل هاشم

 

وفي هذه الأبيات يصور شراسة المعارك التي وقعت بين المسلمين وأعدائهم من الفرنجة، فقد أُبيحت فيها دماء كثير من المسلمين ولقد اقتحم فيها على النساء خدورهن وما وجدت ما يدفعن به عن أجسامهن المصونة غير معاصمهن المشتبكة حياءً وخوفاً، وقد اشتدت هذه الحروب واستحّر فيها القتل حتى بدت أسنَّة السيوف والرماح حمراء لاهبة، وحتى أن الصبيان ربما يظهر في شعرهم الشيب لما فيها من هول الطعن والضرب ثم يعود لتنبيه المتخلفين بأنهم سوف يندمون على تخلفهم عن الاشتراك في هذه الحروب، التي يعود ليتحدث عن أخطارها فيهّون من شأن الأعداء وأسلحتهم فيما استلّوه من سيوف قاطعة تعود إلى نحورهم وجماجمهم. وفي آخر الآبيات يؤكد فظاعة هذه الحروب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، في ضريحه الطاهر في المدينة المنورة يستنجد على الأعداء، بالعرب والمسلمين وليس بآل هاشم فحسب [9].

 

أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا      رماحهم، والدين واهي الدعائم

ويجتنبون النار خوفاً من الردى      ولا يحسبون العار ضربة لازم

أترضى صناديد الأعاريب بالأذى      ويغفي على ذلَّ كماة الأعاجم [10] ؟

فليتهم إذ لم يذودوا حمية     عن الدين، ضنوا غيرة بالمحارم

وإن زهدوا في الأجر، إذ حمي الوغى      فهلاً أتوه رغبة في الغنائم ؟

 

ويرى الشاعر قعود بعض بني قومه عن الجهاد فيتألم لذلك ألماً يصور معه واقعهم المتخاذل عن نصرة دينهم الذي يحاول الأعداء إضعافه، جبناً وخوفاً وغفلة عما يلحق بهم من العار في حالة الهزيمة، ويعجب لشجعان المسلمين، من عرب ومن عجم، كيف يقبلون بهذا كله ثم يقلب لهم أسباب الدفاع عن الدين وعن البيضة تقليباً منطقياً، فيه الألم الذي يعصر قلبه، والتبكيت الذي يهز أحاسيسهم من الأعماق، فيطالبهم بالدفاع عن الدين أولاً فإن لم ينهضوا له فليحموا محارمهم من النساء والبلدان والعقار، وهذا أضعف الإيمان، أن يهتموا بالدنيا وعَرضَها من غنائم وأسلاب إن فقدوا الثأر للدين والخروج للجهاد ونيل الشهادة !!. وفي نهاية القصيدة يبلغ به الألم مبلغاً أشد فعلاً وتأثيراً، فيكشف لهم عن مستقبل أيامهم وما يلاقون فيه من إذلال وصغار في أيام أبنائهم الوارثين للخنوع إن قبلوا باحتلال الأعداء لبلادهم، ثم يهددهم بعار تسليم النساء للأعداء إن هم ظلوا على ما هم عليه من الخنوع والحين والقعود عن الجهاد ولم يزل الشاعر يستصرخهم والحرب مستعرة، ليغيروا على المعتدين غارة شعواء تلقن الفرنجة درساً قاسياً، كما تعّودوا في كل مرة يهاجمون فيها بلاد الإسلام :

 

لئن أذعنت تلك الخياشيم للبُرَى     فلا عطست إلا بأجدع راغم [11]

دعوناكم والحرب تدعو ملحة      إلينا بألحاظ النسور القشاعم [12 ]

تراقب فينا غارة عربية     تطيل عليها الروم غَضَّى الأباهم [13]

فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه      رمينا إلى أعدائنا بالجرائم [14 ]

 

وقال شاعر آخر في الغزو الصليبي لبيت المقدس :

أحلَّ الكفُر بالإسلام ضيماً      يطول عليه للدين النحيب

فحقُّ ضائع وحمىً مباح      وسيف قاطع ودم صبيب [15]

وكم من مسلم أمسى سليباً      ومسلمة لها حرم سليب

وكم من مسجد جعلوه ديراً      على محرابه نُصبَ الصليب

دم الخنزير فيه لهم خَلوقٌ     وتحريف المصاحف فيه طيب[16]

أمور لو تأملهن طفل      لطفَّل في عوارضه المشيب [17]

أتسبى المسلماتُ بكل ثغر؟     وعيش المسلمين إذن يطيب

أما لله والإسلام حق ؟      يدافع عنه شبان وشيب

فقل لذوي البصائر حيث كانوا      أجيبوا الله، ويحكم، أجيبوا [18]

 

- الشاعر ابن الخياط : أبو عبدالله أحمد بن محمد ابن الخياط: فقد حاول هذا الشاعر تحريك همة عضب الدولة زعيم الجيوش في دمشق فقال قصيدة طويلة يحثه على إعداد العدة للجهاد مطلعها قوله:

فدتك الصَّواهل قُبَّا وجرداً      وشُمُّ القبائل شيباً ومرداً

وذلت لا سيافِك البيض قضباً      ودانت لأَرماحك السُّمر مُلْدا [19]

إلى أن يقول:

وإني لمهد إليك القريض     يُطوى على النُّصح والنُّصحُ يهُدَي

إلى كم وقد زخر المشركون      بسيل يُهال له السيل سداً

وقد جَاشَ من أرض إفرنجة      جيوش كمثل جبال تردا

أنوماً على مثل هدَّ الصفاة     وهزلا وقد أصبح الأمر جِدَّاً

وكيف تنامون عن أعين     وترتم فاسهر تموهنَّ حقداً

بنو الشرك لا يُنكرون الفساد     ولا يعرفون مع الجور قصداً

ولا يردعون عن القتل نفساً    ولا يتركون من الفتك جُهداً

فكم من فتاة بهم أصبحت      تدق من الخوف نحراً وخداً

وأمَّ عواتق ما إن عرفن      حَّرا ولا ذُقن في الليل برداً

تكاد عليهنَّ من خيفة     تذوب وتتلف حزناً ووجدا

 

وبعد أن وصف الشاعر حال المشركين وقسوتهم، وحال المسلمين معهم بدأ يحرض عصب الدولة على الجهاد فقال:

فحاموا عن دينكم والحريم       محاماة من لا يرى الموت فقداً

وسُدُّوا الثغور بطعن النحور      فمن حق ثغر بكم أن يُسَدَّا

فقد أينعت أرؤس المشركين      فلا تغفلوها قِطافاً وحصدا

فلابد من حدَّهم أن يُفَلَّ      ولابد من ركنهم أن يُهَدّا [20]

 

وكانت لجهود العلماء والفقهاء والقضاة والأدباء والشعراء أثر في تقوية حركة المقاومة المسلحة والتي قادها أمراء السلاجقة والتي سيأتي الحديث عنها بإذن الله في الصفحات القادمة. 

-------------------

 [1]المراجم : جمع مرجم وهو القبيح من الكلام.

 [2]شُبَّت : سُعَّرت اشتدت.

 [3]الهوم: النوم الخفيف. نوّار : زهر . الخميلة : الشجر الملتف.

 [4]المذاكي : مذكية وهي الفرس : قشاعم : جمع قشعم وهو النسر المسن.

 [5]الخفض : الغنى.

 [6]نصوص من أدب عصر الحروب الصليبية عمر الساريسي ص 26.

 [7]المصدر نفسه ص 26.

 [8]العنديد: المقاتل الشديد، والكماة جمع كمي، وهو لابس السلاح.

 [9]المصدر نفسه .

 [10]المصدر نفسه ص 26.

 [11]الخيشوم : أقصى الأنف، البُرى : جمع بُرة وهي حلقة من صفر أو غيره في أحد جانبي أنف البعير للتذليل أو في أنف المرأة للزينة.

 [12]القشعم : النسر المسن.

ـــــــــ

المصدر : إسلام أون لاين

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ