ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
منهجية
التعامل مع السنة النبوية (27) د.
محمد سعيد حوى تقرر
معنا ان السُنة لم تدون في
معظمها وان التدوين الواسع جاء
مع بدايات القرن الثاني وان
لذلك حكماً كثيرة من اهمها ان
رسول الله لم يرد ان يكون ثبوت
السنة كثبوت القرآن، بل اراد
لها ان تبقى في اطار النقل لتبقى
ظنية في معظمها خاضعة للاجتهاد
مما يسع الزمان والمكان وييسر
على الناس ويعين المجتهد على
مواكبة المستجدات, وان يعذر
العلماء بعضهم عند الاختلاف. وامر
آخر مهم جداً ان كثيراً من نصوص
السنة صادرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم مرتبطة بأحوالها
الخاصة فهو عليه الصلاة والسلام
كان يجيب على السؤال الواحد عدة
اجوبة في مقامات مختلفة مراعياً
اختلاف الاحوال. فمن
السُنة ما هو مرتبط بواقعة حال
او مرتبط بظرف خاص اوله علاقة
بتغير الاحوال, فعدم تدوين
السنة يذكرك بالأصل الجامع "القرآن"
وبقاء الباب مفتوحاً لأهل
الاختصاص والحق والاجتهاد ان
ينظروا في كيفية الافادة من
السنة مع التحري والتيسير
والتوسع والتنوع دون ان ينكر
احد على احد، فلذا لا تجد في
القرآن أي اشارة الى كيفية
الصلاة سوى الامر باقامتها
والخشوع والخضوع فيها
والمحافظة والمداومة عليها,
وتجد في السنة قضايا ثابتة لا
خلاف فيها كعدد الركعات وعدد
الصلوات والقيام والركوع
والسجود .. الخ، لكنك تجد تنوعاً
في وضع اليدين في الصلاة ورفع
اليدين وهيئة السجود والفاظ
التشهد وهيئة التشهد.. الخ, مما
يفسح باباً من التنوع والاجتهاد
والتيسير وتجد القرآن حاسماً
جداً في امور مالية كالربا ومنع
الرشوة ومنع اكل الحقوق واشتراط
امرأتين مع الرجل في الشهاد
وترك تفصيل البيوع المنهي عنها
للسنة مما يفتح باباً واسعاً
جداً من الاجتهاد والتيسير
والتنوع دون نكير مع التأكيد ان
ذلك كله لا بد ان يكون صادراً عن
اهل الاختصاص والعلم والتقوى
وان يتكامل في ذلك عمل المحدث
والفقيه ومع كون السنة تأخر
تدوينها فهذا لا يطعن بها
اجمالاً بل يحقق مقاصد شرعية
مهمة كا سنبين . ولسائل
ان يسأل: اذا كان هذا حال السنة
من حيث عدم تديونها او عدم تدوين
اكثرها لمائة عام بعد وفاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وان ذلك
لحكمة جليلة ان يتسع ميدان
الاجتهاد وان يكون ذلك باباً من
ابواب التيسير على الأمة وان
يعذر العلماء بعضهم بعضاً وان
تتسع الشريعة لمستجدات الزمان
والمكان، القرآن من حيث اجماله
وايجازه واعجازه، والسنة من حيث
تفصيلاتها وظنية ثبوت كثير منها
وامكان الاجتهاد في الفهم
والاثبات بعد ان تكون الاصول قد
احكمت في الكتاب والسنة، اذا
كان الامر كذلك فهل هذا مما يطعن
بالسنة وحجية ما صح منها, او هل
يجوز لأحد ان يشكك بالسنة اذا
ثبت الحديث بشروطه وفق قواعد
النقد المقررة عند العلماء.. او
هل يجوز التشكيك بحجية السنة
اجمالا؟. الجواب القطعي, لا!!. لماذا؟. ان
الوسائل التي نقلت بها السنة
حتى قبل تدوينها وكذا القوانين
التي احاطت بالرواية ومن ثم
قواعد النقد ذاتها الصارمة
المتبعة عند العلماء, وجعلت كل
حرف منسوباً الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم محل تمحيص
وتدقيق شديدين ونجد من الاحاديث
ما اتفق اهل العلم على صحتها
ومنها ما اتفقوا على ردها وكان
هناك طائفة محل نقد واختلاف
واخذ ورد وما كان محل اتفاق على
صحته على نوعين:. نوع لا
يحتمل الا فهماً واحداً ونوع
يحتمل اكثر من وجه في الفهم..
وهنا يأتي دور الاجتهاد ثانية. واذن ما
كان متفقاً على صحته وفهمه فلا
يجوز لأحد ان يشكك فيه لأن
العلماء قد اتبعوا من القواعد
ما هو كفيل بدقة التنقية
والتحرير. وما كان
من الانواع الاخرى فيبقى
للاجتهاد فيه نصيب. قواعد
نقل ونقد الرواية:. واحب ان
اضع بين يدي القارئ الكريم اهم
هذه القواعد والقوانين التي
ساعدت على حفظ السنة حتى
قبل تدوينها. 1-
طريقة النبي في القاء
الحديث، فلم يكن يسرد الحديث
سرداً، ولم يكن يطيل الحديث بل
هو قصد موجز، وكثيراً ما كان
يعيد الحديث ويكرره ليفهم عنه،
كما ان الاسلوب النبوي البليغ
الفصيح الموجز كل ذلك مما يساعد
على سهولة الحفظ ودقته. يضاف
الى ذلك عوامل اخرى مهمة : 1-
مكانة الحديث فاذا عرف
الصحابة والتابعون أهمية
الحديث ومنزلته ووجوب العمل بما
صح عن النبي فكانوا احرص ما
يكونون على التلقي والعمل
والنقل والتبليغ. 2-
ما عرف عن العرب من صفاء
الذهن وقوة القريحة وسرعة
الحفظ، حيث كانوا أمة أمية وكان
الحفظ وسيلتهم في حفظ علومهم
وشعرهم وتراثهم (منهج النقد ص
37-39). 3-
شدة حرص الصحابة في التحري
فاذا لم يكن الواحد منهم متأكد
من صحة ما ينسب للنبي، فان
ايمانه وخوفه من الله يردعه عن
ان يروي عنه. 4-
الذين قاموا بحفظ السنة هم
نخبة النخبة من الصحابة، فاذا
قدرنا ان عدد الصحابة في حجة
الوداع بلغ نحو (1114000) فان عدد
الصحابة الذين لهم رواية عن
رسول الله لا يزيدون عن نحو (2000)
صحابي أي بنسبة 2% فقط وهذه
النسبة النخبة في أي جيل ثم ان
هؤلاء الالفين معظمهم روى اقل
من 50 حديثاً وحفظ 50 خلال عشر
سنوات, امر ميسور جداً مع ما
علمنا من خصائص الحديث النبوي,
وساعدهم على ذلك عدم وجود اسناد
يحفظ في المرحلة الاولى. اما
الصحابة الذين رووا اكثر من 100
حديث فلا يكادون يتجاوزون
المائة أي بنسبة 1 من الالف. ونسبة
الصحابة الذين رووا ما يزيد عن
(500) اقل من عشرة. مع ما
عرف من الترهيب الشديد من الكذب
على النبي. لذا،
كان الصحابة عامة يتعمدون
الاقلال من الرواية، وكان
اكثرهم يكتفي بأن يكون رقيباً
على ما يرويه الآخرون. 5-
ثم ان الصحابة وعلماء
التابعين قبل التدوين وبعده قد
نهجوا منهج التثبت في الرواية
عند الأخذ والاداء . 6-
كما نهج الصحابة ومن بعدهم
منهج نقد الروايات بعرضها على
الكتاب وما ثبت من السنة. 7-
ثم نشأ علم الإسناد وعلم
الجرح والتعديل وعلم الفلك (ينظر
منهج النقد 52-56). ان هذه
القواعد وغيرها كانت حرية ان
تجعل المتصف يطمئن الى مبدأ
السلامة العامة في رواية السنة،
ما سبق ان قررناه ان كونها مروية
بالمعنى في كثير من الفاظها
وكونها تأخر تدوينها وكونها
رويت برواية الآحاد جعلها في
معظمها ظنية الثبوت أي خاضعة
للنقد والتصحيح والتضعيف
واحتمال الخطأ والصواب واحتمال
الاجتهاد في ذلك وفق قواعد
دقيقة. بهذه
النظرة المتوازنة يتعامل
المسلم مع السنة النبوية، فليست
هي محل شك ولا قدح بالمطلق،
وكونها رويت في معظمها برواية
الآحاد (أي ليست متواترة)
فاحتمال الخطأ وارد (وهذا ما
تكفل فيه علم العلل) وهي لن تكون
في ثبوتها بمستوى القرآن الكريم,
بل ولم يرد لها رسول الله ان
تكون كذلك. ومن ثم
كان التصحيح والتضعيف
اجتهادياً ولا ادل على ذلك اننا
نجد من علماء الحديث من يقول:
كنت قد صححت هذا الحديث ثم تبين
لي ضعفه والعكس.. وكنت
وثّقت هذا الراوي ثم تبين لي
خلاف ذلك, وكنت ظننت ان هذا
الراوي فلان ثم تبين لي ان
فلاناً آخر. ولا شك ان السنة
بمجملها حفظت بمقدار ما يجب
لحفظ الشريعة ... يتبع.. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |