ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
منهجية
التعامل مع السنة النبوية -
58 - د.
محمد سعيد حوى التعامل
مع الصحيحين – 5- تبين
لنا من قبل ان العلماء اجمعوا
على تلقي الصحيحين بالقبول،
وانهما اصح كتب السنة على
الاطلاق, وان العلماء اقروا مع
ذلك مبدأ مناقشة بعض احاديث
الصحيحين وقد فعلوا ذلك فعلاً. لكننا
وجدنا انفسنا امام حال تكرست في
العصور المتأخرة ان احاديث
الشيخين لا تقبل نقاشاً ولا
نقداً بل وتجد من ينسب لهما
العصمة (حالاً ان لم يكن مقالاً)
وتجد من يتهم من ناقش حديثاً في
الصحيحين بالبدعة والزندقة
والفسق.. الى غير ذلك من التهم. من اين
جاءت مثل هذه التصورات؟. نعم،
لقد رأى بعض اهل العلم ان كل ما
في الصحيحين صحيح – اوهكذا فهم
من كلامهم – فلنرَ اقوال هؤلاء
ولنناقشها بايجاز:. اولاً:
ابو جعفر محمد بن عمرو العقيلي ت
322:. من اول
من رأيتهم نصوا على صحة كل ما في
الصحيحين ابو جعفر العقيلي حيث
يقول "لما صنف البخاري كتاب
الصحيح عرضه على ابن المديني
واحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له
بالصحة الا اربعة احاديث،
والقول فيها قول البخاري" (هدى
الساري ص 7 وص 676). ولا بد
من مناقشة هذا القول:. 1-
ما مصدر هذا القول وما مدى
صحة نسبته للعقيلي؟ وما سند
العقيلي الى البخاري في ذلك؟ لم
اجد مصدراً يبين سند هذا القول
الى العقيلي وهل قاله فعلاً ام
لا؟ ولم اجد مصدراً ذكر سنداً
بين العقيلي والبخاري لنثبت صحة
هذا القول. 2-
ولنا ان نناقش هذا القول
تاريخياً، فمتى الف البخاري
صحيحه؟ ومتى عرضه على هؤلاء
الائمة؟ فان ابن معين توفي عام
233 وابن المديني توفي عام 234.
والبخاري كما هو مشهور بقي في
تأليف كتابه ست عشرة سنة, وكان
اول من سمعه ممن عرفناهم محمد بن
يوسف القربري عام 248هـ. يقول
البخاري: صنفت الصحيح في ست عشرة
سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين
الله تعالى (السير 12/405) وقال ابن
حجر: اتصلت لنا رواية القربري
وكان سماعه للصحيح مرتين مرة
بقربر سنة ثمان واربعين (أي بعد
المائتين) ومرة ببخارى سنة 252 .. (مقدمة
فتح الباري 1/5). 3-
ومع هذا ولو سلم نقل العقيلي
فان واقع الحال ان النقاد
تعرضوا لنقد الصحيحين اضافة ان
السابقين انما ركزوا على النظر
في الاسانيد دون النظر في
المتون. ثانياً:
ابو اسحاق ابراهيم بن محمد
الاسفرائيني المتوفى سنة (418)
وهو من علماء الاصول والفقه
وعلوم الكلام، شافعي المذهب:. يقول
الاسفرائيني: اهل الصنعة مجمعون
على ان الاخبار التي اشتمل
عليها الصحيحان مقطوعة بصحة
اصولها ومتونها ولا يحصل الخلاف
فيها بحال وان حصل فذاك اختلاف
في طرقها ورواتها.. (فتح المغيث
1/47). وللقائل
ان يقول: هذه وجهة نظر
الاسفرائيني وهو كلام عام، فهل
واقع الصحيحين والعلماء انهم
كذلك وقد نقلنا من كلام
المحدثين انفسهم ما هو خلاف ذلك. ثالثاً:
ابو عبدالله محمد بن فتوح
الازدي الحميدي المتوفى سنة 420
له كتاب الجمع بين الصحيحين, نسب
له ابن حجر انه كان ممن يقول
بافادة ما خرجه البخاري ومسلم
العلم النظري (نزهة النظر ص 53)
ذلك ان العلماء يفرقون بين
العلم النظري والعلم الضروري،
فالقطعي هو الضروري اما النظري
فهو قطعي في حق العالم، ومع ذلك
وجدنا النووي وابن حجر يردون
على ذلك كما سبق نقله. ونص عبارة
الحميدي: لم نجد من الائمة
الماضين من افصح لنا في جميع ما
جمعه بالصحة الا هذين الامامين (علوم
ابن الصلاح ص 26). رابعاً:
ابو الفضل محمد بن طاهر المقدسي
ت 507، كذا نسب له ابن حجر قوله: ان
الاخبار في الصحيحين تفيد العلم
النظري، (نزهة النظر ص 53). خامساً:
ونسب الى امام الحرمين وابو نصر
الوائلي السجزي وغيرهما قولهم
"اجمع اهل العلم الفقهاء ان
رجلاً لو حلف بالطلاق ان جميع ما
في كتاب البخاري قد صح عنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم قاله لا
شك فيه, لا يحنث" (علوم ابن
الصلاح، والتقييد والايضاح ص 26). ومع ذلك
قال العراقي: وما ذكره لا يقتضي
انه لا يشك في صحته ولا انه
مقطوع به لأن الطلاق لا يقع
بالشك. سادساً:
ابو عمرو عثمان بن عبدالرحمن
الشهرزوري المعروف بابن الصلاح
ت 643:. ان كلام
ابن الصلاح في مقدمته من أسباب
اشتهار القول بقطع الصحة لكل ما
في الصحيحين فبعد ذكر ما اتفق
عليه البخاري ومسلم قال: وهذا
القسم مقطوع بصحته والعلم
اليقيني النظري واقع به ثم قال:
ما انفرد به البخاري او مسلم
مندرج في قبيل ما يٌقطع بصحته
لتلقي الامة كل واحد من
كتابيهما بالقبول على الوجه
الذي فصلناه.. سوى احرف يسيرة
تكلم عليها بعض اهل النقد.." (علوم
الحديث ص 28-29). ولا بد
من التنويه ان كلام ابن الصلاح
هذا قائم على مذهبه المرجوح في
اغلاق باب الاجتهاد في التصحيح
والتضعيف كما نص على ذلك في علوم
الحديث ص 12 ومن ثم تساهل بقبول
تصحيح من صحح من بعد الشيخين
فقبل تصحيح ابن حبان وابن خزيمة
والحاكم حتى قال في حق الحاكم ص
18 بعد ذكر انه متساهل في التصحيح
"ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه
لغيره من الائمة ان لم يكن من
قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن
يحتج به ويعمل به الا ان تظهر
علة توجب ضعفه, انتهى. بينما
الواقع ان كتاب الحاكم مليء
بالمنكرات شديدة الضعف. كما ان
ابن الصلاح قال كلاماً ناقض
نفسه فيه فمرة يقول في حق
الصحيحين الا احرفاً يسيرة (وهذا
امر نسبي) ثم يقول في حق الحاكم
الا ان تظهر علة. فيلاحظ
ان كلام هؤلاء العلماء او هم ان
كل ما في الصحيحين صحيح وان ذلك
اجماع بينما الواقع ان النووي
والعراقي وابن تيمية والعز بن
عبدالسلام وكبار العلماء لم
يقروا كلام ابن الصلاح وغيره. وقد ورد
الامام زين الدين عبدالرحيم
العراقي ت 806 على ابن الصلاح ومن
سار على نهجه من قبله فقال: ان ما
ادعاه من ان ما اخرجه الشيخان
مقطوع بصحته قد سبقه اليه ابن
طاهر المقدسي وابو نصر الوائلي
السجزي وقد عاب الشيخ عزالدين
بن عبدالسلام على ابن الصلاح
هذا. ... وقال
النووي: خالف المحققون
والاكثرون ابن الصلاح فقالوا
يفيد الظن ما لم يتواتر, وقال
النووي في شرحه على مسلم: لا
يلزم من اجماع الامة على العمل
بما فيهما اجماعهم على انه
مقطوع بأنه من كلام النبي, ثم
قال العراقي ان ما استثناه ابن
الصلاح من المواضع اليسيرة قد
اجاب عنها العلماء ومع ذلك
فليست بيسيرة بل هي مواضع كثيرة". انتهى
كلام العراقي في التقييد
والايضاح ص 28-29 ومن هنا ندرك من
اين جاءت فكرة ان كل ما في
الصحيحين صحيح, وانها جاءت من
اطلاقات لبعض اهل العلم. ومن خلط
بين فكرة تلقي الامة للكتابين
بالقبول وانهما اصح الكتب من
جهة, ومن ثم تعميم هذه الفكرة
لتصبح ان كل ما في الصحيحين صحيح. وقد
لاحظنا ان المحققين من العلماء
لم يقبلوا هذا القول على اطلاقه
وان عبارة المحققين كالنووي
والعز بن عبدالسلام والعراقي
وابن تيمية ان الصحيحين اصح
الكتب, وجميعهم نقلوا ان بعض
احاديث الصحيحين كانت محل نقد
ودراسة ونظر. ولكنه
وللأسف ومع جمود علم النقد
وبسبب ادعاء ابن الصلاح اغلاق
باب الاجتهاد وبسبب انتشار
التقليد ساد رأي ابن الصلاح
وامثاله تناقله الكتاب من بعده
حتى ظن الناس ان ذلك اجماع وليس
باجماع بل خلاف الحقيقة. وعليه,
فاين الحرج الشرعي او العلمي في
ان نخضع بعض احاديث الصحيحين
للنقد العلمي الشرعي الدقيق
بعيداً عن الهوى والعصبية خاصة
وان واقع العلماء والكتابين
كذلك. مع كون
ذلك لا يؤثر مطلقاً في القيمة
العلمية العظيمة للصحيحين كما
بدأت هذه المقالات. وسأورد
نماذج ممن أُخذ او انتقد على
الشيخين او على احدهما تأكيداً
لهذا المبدأ. ومع ذلك
فنجد الغلو في احاديث الصحيحين
صار مذهباً لكثيرين مع ما رأينا
من كلام ابن تيمية اذ يقول: فان
جميع اهل العلم يجزمون بصحة
جمهور احاديث الكتابين "مجموع
الفتاوى (1/257 و18/17) فوجدنا من
يقول: اما الصحيحان فقد اتفق
المحدثون على ان جميع ما فيهما
من المتصل المرفوع صحيح بالقطع..
وان كل من يهون من امرهما فهو
مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين"
الدهلوي حجة الله البالغة 1/283. ولا شك
ان من هوّن امر الصحيحين غير
مصيب لكن ان يكون كل ما فيهما
صحيح بالقطع فهذا شأن آخر. ووجدنا
احمد شاكر يقول، احاديث
الصحيحين صحيحة كلها ليس في
واحد مطعن او ضعف.." الباعث
الحثيث ص 35. مستغلين
في ذلك عبارات سبق ذكرها ومنها
قول النووي "واجمعت الامة على
صحة هذين الكتابين ووجوب العمل
بأحاديثهما" تهذيب الاسماء
واللغات 1/74). مع انه
قد نقلنا عن النووي قوله انها
اصح الكتب وانها تفيد الظن وانه
لا يلزم من وجوب العمل القطع
بأنه من كلام النبي صلى الله
عليه وسلم. فكل هذا
مع اغلاق باب الاجتهاد بغير حق
وانتشار التقليد ادى الى القول
بعصمة الصحيحين ونعت من يناقش
حديثاً في الصحيحين بالابتداع
وهذا ما سنناقشه واقعياً ان شاء
الله. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |