ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الاستيطان
الصهيوني.. المشروع والمخاطر هيثم
محمد أبو الغزلان عملت الحركة الصهيونية على تثبيت مقولة
إن "فلسطين أرض بلا شعب، لشعب
بلا أرض"، على أرض فلسطين
محاولة الإيهام أنها ملك للشعب
اليهودي! وليس من السهل تطبيق هذه النظرية، فكان لا
بد من تنظيم اليهود لأنفسهم
بشكل صارم، وإنشاء مؤسسات
اقتصادية واجتماعية وعسكرية
لوضع المشروع الصهيوني موضع
التنفيذ. ولهذه الغاية تم تأسيس الوكالة اليهودية،
ومهمتها القيام بمعظم عمليات
التخطيط والتطبيق الفعلي لهجرة
وتدريب المستوطنين، وتأمين كل
ما يحتاجونه من وسائل وأدوات
إنتاج وخدمات للمهاجرين، وكانت
مهمة الصندوق القومي اليهودي
شراء الأرض لصالح اليهود،
وتعتبر المؤسسة العسكرية
والتنظيمات شبه العسكرية من
أبرز القواعد التي تضطلع بتطبيق
المخطط الاستيطاني الصهيوني
والمحافظة على استمرار العملية
الاستيطانية وحمايتها فتقوم
المؤسسة العسكرية بتعبئة
الجماهير، وتجنيدهم حول فكرة
الاستيطان باعتبارها المثل
الأعلى للمواطن الإسرائيلي،
أما التنظيمات العسكرية وشبه
العسكرية مثل: الهاجاناه
والناحال والجدناع، فتقوم
بأدوار الحراسة والأدوار
الأمنية ورفع الروح المعنوية. ويحظى الاستيطان الصهيوني بأهمية بالغة
في الفكر الصهيوني، وهدفت
إسرائيل من ورائه على وضع حقائق
على الأرض تفرض نفسها في أي
مفاوضات مع أي طرف في الصراع
الذي تخوضه ضد الفلسطينيين
والعرب والمسلمين إضافة إلى
الدوافع الاقتصادية، والمائية
والأمنية، كانت الدوافع
التاريخية والدينية المزعومة
هدفاً لإقامة المستوطنات. وتميزت ظاهرة الاستيطان الصهيوني في
فلسطين عن غيرها من التجارب
الاستيطانية القديمة والحديثة
من خلال ارتباط هذه الظاهرة
بالعنف والاستيلاء على أراض
مملوكة لأصحابها الشرعيين
بالقوة، مع التخطيط المسبق لطرد
هؤلاء السكان واستئصال حضارتهم
والقضاء على وجودهم،
فالاستعمار الاستيطاني اليهودي
قام على أسس استعمارية وعنصرية
تخالف مبادئ القانون الدولي
والعهود والمواثيق والاتفاقات
الدولية. في بادئ الأمر قامت الحركة الصهيونية
بمساعدة بريطانيا والولايات
المتحدة ببناء القاعدة
الديمغرافية اليهودية في
فلسطين العربية، واتصف سلوك
المستوطنين تجاه سكان فلسطين
الأصليين وأصحابها الشرعيين
بالإرهاب والعنصرية من أجل
ترحيلهم والقضاء عليهم ودفعهم
إلى الرحيل من وطنهم فلسطين إلى
البلدان العربية المجاورة، حيث
شكل الاستيطان عنصراً رئيسياً
من عناصر إقامة دولة اليهود في
فلسطين العربية، باعتباره
وسيلة عملية تهدف إلى تهويد
فلسطين وإقامة الكيان
الاستيطاني فيها وتزويده
باستمرار بالعنصر البشري
لتقوية طاقاته العسكرية
والاقتصادية والبشرية. (1) بداية الاستيطان بدأت فكرة الاستيطان في فلسطين، تلوح في
الأفق، بعد ظهور حركة الإصلاح
الديني على يد مارتن لوثر في
أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب
البروتستانتي الجديد بترويج
فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا
جزءاً من النسيج الحضاري
الغربي، وإنما هم شعب الله
المختار، وطنهم المقدس فلسطين،
يجب أن يعودوا إليه، وكانت أولى
الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما
قام به التاجر الدنمركي
أوليغربولي عام 1695، الذي أعد
خطة لتوطين اليهود في فلسطين،
وقام بتسليمها إلى ملوك أوروبا
في ذلك الوقت، وفي عام 1799، وكان
الإمبراطور الفرنسي نابليون
بونابرت أول زعيم دولة يقترح
إنشاء دولة يهودية في فلسطين
أثناء حملته الشهيرة على مصر
وسوريا. واشتدت حملة الدعوات للمشروع الاستيطاني
اليهودي في فلسطين في القرن
التاسع عشر، حيث انطلقت هذه
الدعوات من أوروبا مستغلة
المناخ السياسي السائد حول
الأطماع الاستعمارية الأوروبية
في تقسيم ممتلكات الرجل المريض"الدولة
العثمانية" والتي عرفت حينئذ
بالمسألة الشرقية، وقد تولى أمر
هذه الدعوات عدد من زعماء
اليهود وغيرهم، أمثال: اللورد
شاتسبوري، الذي دعا إلى حل
المسالة الشرقية عن طريق
استعمار اليهود لفلسطين، بدعم
من الدول العظمى ساعده في ذلك
اللورد بالمرستون"1856-1784"،
الذي شغل عدة مناصب منها، وزير
خارجية بريطانيا، ثم رئيس مجلس
وزرائها حيث قام بتعيين أول
قنصل بريطاني في القدس عام 1838
وتكليفه بمنح الحماية الرسمية
لليهود في فلسطين، كما طلب من
السفير البريطاني في
القسطنطينية بالتدخل لدى
السلطان العثماني للسماح
لليهود بالهجرة إلى فلسطين. وبعد ظهور الحركة الصهيونية كحركة سياسية
عملية في النصف الثاني من القرن
التاسع عشر، سعت هذه الحركة إلى
السيطرة على الأراضي
الفلسطينية، وكان من أبرز
نشطائها لورنس أوليفانت 1888-1820
والذي كان عضواً في البرلمان
الإنجليزي، وعمل أيضاً في السلك
الدبلوماسي الإنجليزي، اعتقد
بضرورة تخليص اليهود من الحضارة
الغربية بتوطينهم في فلسطين،
وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ
الدولة العثمانية من مشاكلها
الاقتصادية، لما يتمتع به
اليهود من ذكاء في الأعمال
التجارية ومقدره على جمع
الأموال، ومن أجل ذلك قام في عام
1880م بنشر كتاب بعنوان "أرض
جلعاد" اقترح فيه إنشاء
مستوطنة يهودية شرقي الأردن
شمال البحر الميت، لتكون تحت
السيادة العثمانية بحماية
بريطانية، وكذلك شجع استعمار
اليهود في فلسطين والمناطق
المجاورة عن طريق إقامة
مستعمرات جديدة ومساعدة القائم
منها. وساهم المبشرون الأمريكيون في عودة
اليهود إلي فلسطين ففي عام 1814
وقف القس جون ماكدونالد راعي
الكنيسة المسيحية داعياً إلى أن
اليهود يجب أن يعودوا إلى أرض
صهيون، ولقد تبعه العشرات من
المبشرين الذين دعوا إلى الفكرة
نفسها. وفي عام 1870 تم تأسيس مستوطنة (مكفا
إسرائيل) وتعني "أمل إسرائيل"
في لواء القدس والتي أنشأت
مدرسه كانت تهدف إلى تزويد
المستوطنين اليهود بالخبرة
الزراعية وتقديم التسهيلات لهم.
هذا ويعتبرها المؤرخون اليهود
أول مستوطنه زراعية يهودية في
فلسطين. وساهم تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية
بزعامة هرتسل سنة 1897، بوضع حجر
الأساس للمشروع الصهيوني، حيث
كان الأساس الأيديولوجي الذي
اعتمدته الحركة الصهيونية، منذ
بدء نشاطها. (2). مراحل تطور الاستيطان لم يكن الهدف الاستيطاني لليهود في
فلسطين وليد لحظة إنشاء الدولة
اليهودية، بل عمل اليهود على
تحقيق هذا الهدف منذ زمن بعيد،
وإن كانت هذه المحاولات قد
اتخذت أشكالاً فردية متفرقة،
سرعان ما وجدت الدعم المادي
والمعنوي الكثيف من جانب
الأثرياء الرأسماليين اليهود
الأوروبيين الذين قاموا بتمويل
المشاريع الإسكانية الأولى،
الذي أبقى الاستيطان مستمراً. وشُكلت لأجل هذا الهدف المنظمات
الصهيونية التي قادت الاستيطان
ووجهته وجمعت الدعم المادي له،
ووضعت الخطط الإستراتيجية
للسيطرة على الأرض، واعتبرت
الحركة الصهيونية في خطوة جريئة
بأن جميع الأراضي التي بحوزة
الصندوق اليهودي غير قابلة
للنقل للأبد، ولا يستأجرها إلا
اليهود، وبدأ الاستيطان يتخذ
شكلاً أكثر تنظيماً وتأثيراً
بعد الانتداب البريطاني. وجاءت حرب عام 1967 لتحقق إسرائيل من خلالها
هدفها غير المعلن، وهو فتح آفاق
جديدة أمام الصهيونية لإقامة
أكبر عدد من المستوطنات بعد أن
كان أُعلن أن الحرب شُنّت
لأسباب أمنية، فعملت إسرائيل
وحتى بداية الثمانينات على
إقامة المستوطنات على الأراضي
التي صودرت بعد الحرب وسنّت
القوانين والتشريعات المختلفة
التي تسهل هذه المهمة. فالمشاريع الاستيطانية، مرتبطة جوهرياً
بتفاعل العاملين: الصراع
والتغير في التركيبة السياسية-
الاجتماعية الإسرائيلية.. وهنا
أبرز هذه المشاريع والتي تبناها
وعمل على تنفيذها بالتعاقب أو
المشاركة الحزبين الكبيرين في
إسرائيل" العمل" "والليكود"،
ومن أهم هذه المشاريع: 1. مشروع Alon
ألون / حزب العمل 1967-1976 ويقوم على
فكرة استيطان يهدف لتحقيق
إستراتيجية تضييق مجال
الخيارات المتاحة للتسوية بشأن
السيادة على الأرض المحتلة.. وهو
مشروع قال عنه ألون من متطلبات
الأمن وكحافز للنضال السياسي. 2. مشروع غاليلي Galili
ومشروع فوخمان Fochman،
والأول قدمه الوزير العمالي
إسرائيل غاليلي سنة 1977 ويهدف
إلى إقامة 186 مستوطنه في أنحاء
فلسطين تمتد من سنة 1977-1992 منها 49
مستوطنة في الأرض المحتلة
بعدوان 1967، أما المشروع الثاني (فوخمان)
فلم تتبناه الحكومة
الإسرائيلية العمالية في حينه،
وتبناه لاحقا "شارون" من
خلال حكومة الليكود، ويسمى
مشروع "العمود الفقري
المزدوج". 3. مشروع غوش امونيم (التحول والاستيطان
على أوسع نطاق). أحدث تقدم وصعود حركة "غوش ايمونيم "وفكرها
في خضم عملية تغير انقلابي في
الحياة الاجتماعية- السياسية في
إسرائيل ووصول الليكود إلى
السلطة سنة 1977، وما شكله فكر هذه
الحركة ومشروعها الاستيطاني من
تحول في الممارسة الاستيطانية
لتصبح واسعة النطاق بما لا يقاس
الأمر الذي نتج عنه إقامة 120
مستوطنه في سنوات (1977- 1995)، وقد
نجحت "غوش ايمونيم" في
التحول إلى مؤسسة تحمل اسم"
يشع" (مجلس المستوطنات)، وفي
فتح الباب كذلك أمام الاستيطان
الأرثوذكسي / الحريدي في
المناطق الفلسطينية المحتلة. 4. مشروع دروبلس وهو الأهم في توجيه سياسات الليكود
الاستيطانية/ الرسمية حتى سنة
1983 بهدف إقامة 70 مستوطنه في خطة
خمسية (1979- 1983) وجلب 120-150 ألف
مستوطن للسكن فيها، وذلك
بالبناء في شكل كتل استيطانية
مترابطة. 5. مشروعي شارون للاستيطان تبنى" شارون" سنة 1983 عندما كان
وزيراً للزراعة مشروع "فوخمان"
(العمود الفقري المزدوج) وبدا
بتنفيذه- ثم تقدم بمشروع خاص
للاستيطان باسم مشروع "النجوم
السبعة". 6. مشروع (نتنياهو + ألون) ويقوم على رؤية نتنياهو للتسوية مع
الفلسطينيين المستند إلى لاءات
ثلاث هي لا للدولة الفلسطينية-
لا لإعادة الانتشار- ولا لوقف
الاستيطان، وتعتمد خطته على أن
تحتفظ إسرائيل ب (70%) من مساحة
الضفة بما عليها من مستوطنات. 7. خطة الخطوط الحمراء وخارطة الجيش
للمصالح الإستراتيجية وهما خطتان تستندان إلى المبادئ الأمنية-
الاستيطانية نفسها، وقد طرحتا
في عهد حكومة الليكود بتوجيه من
الثلاثي شارون- مردخاي-
شيرانسكي. 8. مشروع جماعة
الطريق الثالث للتسوية الداعي
لضم كل المستوطنات إلى السيادة
الإسرائيلية. ورغم توقيع اتفاقية أوسلو مع الجانب
الفلسطيني الرسمي استمرت
الحكومات الإسرائيلية
المتعاقبة في سياستها القاضية
بتوسيع سياستها الاستيطانية
وشقّ المزيد من الشوارع
الالتفافية التي قطعت أوصال
الأراضي الفلسطينية بحجة توفير
الحماية لهذه المستوطنات. ومن المفارقات الكبرى التي تبلورت مع
بدايات المشروع الإستيطاني،
أنه في الوقت الذي كان فيه
المستوطنون يتبنون سياسات
تتضارب مع سياسة حكومات "إسرائيل"،
وكثيراً ما كانت غير شرعية بنظر
القانون الإسرائيلي، فإن معظم
التمويل الذي حصلت عليه الحركة
الإستيطانية للقيام بأنشطتها
جاء بطريقة مباشرة أو غير
مباشرة من الحكومات نفسها ومن
أمثلة ذلك قيام "مجلس
المستوطنات 2005، بتنظيم وتمويل
حملة مناهضة لخطة فك الإرتباط
مع غزة التي وضعها رئيس الحكومة
آنذاك ارييل شارون. ويمكن تفسير ذلك من خلال: دور المستعمرات في السيطرة على المناطق
المحتلة. وجود هذه المستعمرات هو عذر للوجود
العسكري وللتدابير المتخذة على
الطرقات في تلك المناطق؛ واتخاذ
هذه التدابير ليس فقط لحماية
المستوطنين، بل الهدف هو أكثر
أهمية من الناحية
الإستراتيجية، فبعد أوسلو
أصبحت الإستراتيجية الأمنية
تحت عنوان: "السيطرة من
الخارج". معتمدة على
المستعمرات كبؤر للسلطة
العسكرية في الضفة وغزة؛ معتمدة
نظام الطرق الإلتفافية، الذي
مزق الضفة والقطاع إلى جزر
صغيرة، على المستعمرات كمحاور. ويجب إبداء ملاحظة أن قوة "مجلس
المستوطنات" " غوش امونيم"
كقوة ضغط برزت من خلال رفض رؤساء
الوزراء رابين وبيريز ونتنياهو
تبني إخلاء أي من المستعمرات،
وذلك للأهمية الإستراتيجية،
بالإضافة إلى كونه مدخلاً إلى
السلطة. (3). مواقف القوى الإسرائيلية يمكن تصنيف مواقف القوى السياسية
الإسرائيلية من الاستيطان إلى
عدة فئات تستند كل منها إلى
منظومة قيم لا تختلف كثيراً عن
نظيرتها إلا في مستوى التمسك
بها وإعلانها أو إخفائها لأغراض
مصلحية، فعلى الحد الأقصى للخط
المتواتر يأتي اليمين الديني
المتطرف الذي لا يعترف من
الأساس بوجود فلسطيني سابق على
دولة إسرائيل. و يرى أنصاره أن
حرب 1967 كانت معجزة من الله وأنه
يجب ألا يفرط الإسرائيليون في
أي شبر من الأرض المقدسة بما في
ذلك الضفة الغربية والقدس. كما
يؤمن اليهود الصهاينة بأن إقامة
إسرائيل على كامل أرض الميعاد
يعجل "بالخلاص" ولذا كانت
بعض الجماعات الصهيونية
الدينية تدبر عمليات إبادة
للفلسطينيين، كما لا يُعتبر عرب
48 مواطنين إسرائيليين وفق رؤية
الأحزاب الدينية لأن
الإسرائيلي هو اليهودي
والمواطنة تقوم على أساس ديني
بحت، وهذا الخطاب المعلن ينطوي
على منظومة قيمية تقوم على عدة
أسس أهمها العنصرية والصراع
وتغييب الآخر وهو لا يتأثر
كثيراً بالتغير في الأوضاع
السياسية أو اعتبارات
البرجماتية لأن هذه الرؤية تعد
ثابتاً دينياً لا يمكن التخلي
عنه وفق منظورهم. وعلى مستوى آخر فإن حزب الليكود ينتمي
للفكر المحافظ ليمين الوسط منه
لليمين المتطرف. ويؤكد هذا
التوجه على أهمية القوة
العسكرية وحسم الصراعات لصالح
إسرائيل، و تجد مقولات "أرض
إسرائيل الكبرى" موقعاً
محورياً في خطاب حزب الليكود
أكثر منها في سياساته لاعتبارات
انتخابية إستراتيجية واقتصادية
بالأساس. وهذا يعني أنهم
مستعدون للانسحاب من الأراضي
المحتلة ولكنهم يفضلونه
انسحابا أحادي الجانب يقوم على
تجاهل الآخر ويعتبر التغير
الديمغرافي ويهودية الدولة
واقتصاد السوق الحر والانفصال
أحادي الجانب والترانسفير أهم
ثوابت هذا الخطاب وبمعنى آخر
فإن حزب الليكود أكثر برجماتية
من الأحزاب الدينية وإن كان
يشارك قادتها في خطابهم المتطرف
تجاه التسوية والاستيطان،
ناهيك عن تبنيه لقيم الليبرالية
الغربية على المستوى الاقتصادي
وأهمها الفردية والنفعية
والحرية إلا أن تلك القيم يقتصر
تطبيقها على يهود إسرائيل دون
عرب 48 الذين لا يعتبرون سوى
مواطنين من الدرجة الثانية،
فالعنصرية والاستعلاء تعد
ركناً أساسياً في القيم التي
يتبناها حزب الليكود وإن كان
بصورة أقل علانية من الأحزاب
الدينية. أما اليهود الروس والذين يمثلهم حزب
إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان
فيعطون أهمية كبيرة لتوازن
القوى وطالما أن إسرائيل هي
الأقوى بين جيرانها العرب فليس
هناك مبرر أن تتنازل طواعية عن
أي شبر من الأراضي المحتلة.
ويُعزى موقفهم إلى أنهم
يستوطنون الأراضي المحتلة ولا
يريدون تركها، حيث يعمل الروس
بالأساس لصالح الجماعة الروسية
وأولوياتها. هذا ويعتقدون في
ضرورة قصر الديمقراطية والحقوق
على اليهود دون العرب ولا يثقون
في الآخر. وفيما يتعلق بأحزاب اليسار ويسار الوسط،
فإنها تعتمد على تبني خطاب أكثر
اعتدالاً حيال التسوية
والاستيطان دون ترجمة هذا
الخطاب لممارسة واقعية بحيث
تحقق عوائد ايجابية من مختلف
الأطراف الإقليمية والدولية،
وتعتبر تلك الأحزاب عرب 48
مواطنين إسرائيليين بشرط إعلان
ولائهم للدولة اليهودية وعدم
التواصل مع الفلسطينيين أو حزب
الله أو سوريا باعتبارهم أعداء
لإسرائيل، ويقوم الحزب على
إتباع نهج بوتقة الصهر لدمج
العرب في المجتمع الإسرائيلي من
خلال دفعهم للالتحاق بوحدات جيش
الاحتلال ومراجعة المناهج
الدراسية التي تدرس لهم كي تعكس
صورة ايجابية للمجتمع
الإسرائيلي وترسخ قيم الولاء
والطاعة لدى النشء من عرب 48،
وفيما يتعلق بالاستيطان فإن
أحزاب اليسار تعتبره أحد أهم
وسائل تفريغ الضغط السكاني
والحفاظ على توازن القوى لصالح
إسرائيل من خلال الحيلولة دون
إقامة دولة فلسطينية ذات إقليم
متصل في الضفة الغربية وقطاع
غزة، كما يؤدي الاستيطان وظيفة
أخرى ذات طابع سياسي تتمثل في
اجتذاب تأييد اليهود المتدينين
لتدعيم تمثيل اليسار في الكنيست
وبمعنى آخر فإن الاعتبارات
النفعية البرجماتية تحتل
المرتبة الأولى لدى قادة أحزاب
اليسار. ولقد تزايد تأييد الإسرائيليين لتوجهات
أحزاب اليمين الديني المتطرف
على أثر الحرب الإسرائيلية على
لبنان ولم يقتصر المد الديني
على قاطني المستوطنات وإنما
تجاوز ذلك ليجتذب تأييد قطاعات
مختلفة من يهود إسرائيل، ووفقاً
لبيانات معهد إسرائيل
للديمقراطية فإن (8 %) من يهود
إسرائيل فوق 50 عاماٌ و (32 %) ممن
تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً
ينتمون إما للتيار الديني
القومي أو للتيار الديني
المتشدد في حين تراجعت نسبة
اليهود المؤيدين لليسار من (23 %)
عام 1997 إلى (17 %) عام 2007، وإجمالاً
يتجاوز عدد اليهود المتدينين في
إسرائيل حوالى 1.5 مليون نسمة بما
يمثل حوالى (20 %) من العدد
الإجمالي لسكان إسرائيل . آليات الاستيطان وسماته الأساسية وفي حين تعرف إسرائيل نفسها وفق إعلان "استقلال
دولة إسرائيل"بأنها دولة
يهودية ديمقراطية. ووفقاً
للقانون الإسرائيلي، فهي
ديمقراطية برلمانية تتخذ
قراراتها نظرياً على أساس
القوانين والأنظمة التي تكفل
الفصل بين السلطات في مختلف
المؤسسات المعنية بصناعة
القرار. ولكن في حقيقة الأمر،
فإن آلية صناعة القرار في
إسرائيل عملية معقدة، تحكمها
المكانة الشخصية بدرجة عالية،
وهي مسيّسة إلى حد كبير، إضافة
إلى كونها عملية مائعة وغير
رسمية لا تحكمها سلطة واضحة
وشاملة؟ وتتأثر عملية صنع
القرار فيها بالمؤسسات
والأفراد ذوي النفوذ، وبالبيئة
لخارجية المعقدة المحيقة بها. ونرى طغيان العامل الأمني ينبع من عدة
عوامل: أن إسرائيل هي الملاذ
الآمن للإسرائيليين وفق الفكرة
الصهيونية الأساسية. موقع فلسطين " الجيو استراتيجي"
الفريد، وهامش الخطأ المحدود
الذي ولّده هذا العامل، وهما
نتيجة عدد السكان الصغير،
مقارنة بالتعداد السكاني للدول
المجاورة، وصِغَر المساحة
الجغرافية وافتقارها للعمق
الإستراتيجي. بالإضافة إلى
التهويد القائم كون هذا الكيان
هو كيان احتلالي استيطاني
إحلالي. وكل هذه العوامل تضافرت
لتشكل بحسبهم " تهديداً
وجودياً" يحيق بهم. ولمواجهة
هذه التهديدات التي اعتبرها
ديفيد بن غوريون، أولويات أمنية
، قال: "الأمن يعني الإستيطان
وسكان، وبناء الصناعات... وتطوير
الزراعة، والأمن يعني غزو البر
والبحر... وأخيراً الأمن يعني
الجهد التطوعي للشباب، وللناس
بشكل عام، للقيام بمهام خطيرة
في مجال الإستيطان، والأمن
وإدماج المهاجرين". (4). ويعدد الدكتور عبد الوهاب المسيري
الأهداف والسمات الأساسية
للاستيطان الصهيوني بما يلي: - يهدف الاستيطان الصهيوني إلى أن تحل
الكتلة البشرية الصهيونية
الواحدة محل السكان الأصليين،
فهو استعمار إحلالي، وانحلالية
الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
- حددت منظمة الهاجاناه جوهر
الإستراتيجية الاستيطانية
عندما أكدت عام 1943م أن
الاستيطان ليس هدفًا في حد
ذاته، وإنما هو وسيلة الاستيلاء
السياسي على البلد، أي فلسطين،
وقد استمرت هذه السياسة قبل
وبعد عام 1948م أي أنها العنصر
الأساسي الثابت في
الإستراتيجية الصهيونية، ومن
ثم عرف بن جوريون الصهيونية
بأنها الاستيطان، وهو محق في
ذلك تمامًا، ولذا يمكن القول
بأن الاستيطان هو نفسه التوسع
الصهيوني، لا يوجد أي فاصل
بينهما. - ثمة سمة بنيوية ثالثة يتسم بها
الاستيطان الصهيوني هي أنه ليس
مشروعًا اقتصاديًا، وإنما
مشروع عسكري استراتيجي، ولذا
فهو لا يخضع لمعايير الجدوى
الاقتصادية، ولا بد أن يمول من
الخارج، يمكن أن يكون الدياسبور
اليهودية الثرية (أي الجماعات
اليهودية في العالم أو الراعي
الإمبريالي). - يتسم الاستيطان الصهيوني بأنه استيطان
جماعي عسكري بسبب الهاجس الأمني
(استجابة لمقاومة السكان)، ولأن
جماعة المستوطنين ترفض
الاندماج في المحيط الحضاري
الجديد الذي انتقلت إليه وتساهم
علميات التمويل من الخارج في
تعميق هذه السمة. - ارتبط انتشار المستوطنات بحركة الهجرة
اليهودية، وهو ما جعل
إستراتيجية الاستيطان تتخذ
خطًا متوازيًا مع الخطوات التي
قطعها المشروع الصهيوني لجذب
المهاجرين اليهود واقتلاعهم من
البلاد التي أقاموا فيها. - من الملاحظ أن المؤسسات الاستيطانية
الصهيونية تقف على رأسها بدلاً
من أن تقف على قدميها (ويمكن أن
نسميها الهرم الاستيطاني
الصهيوني المقلوب)، فقد كان
هناك مزارع الكيبوتس، وهي
تنظيمات زراعية هدفها
الاستيلاء على الأرض التي
ستزرع، وتكوين طبقة مزارعين
يهود، كما كان هناك الهستدروت،
وهي نقابة عمال تهدف إلى خلق
الطبقة العمالية، وذلك على خلاف
النقابات العمالية التي لا تظهر
إلا كتعبير عن وضع قائم بالفعل.
ثم كانت هناك جماعات الحراس
المختلفة مثل: الحارس
والهاجاناه والبالماخ، وهي
تنظيمات عسكرية تهدف إلى خلق
الشعب اليهودي، أي أن الجيش
يسبق الشعب، أو كما قال شاعر
إسرائيلي: كل الشعوب تملك سلاح
طيران إلا في "إسرائيل" حيث
يوجد سلاح طيران يملك شعبًا، بل
إن الجامعة العبرية نفسها أسست
بادئ الأمر كمبان وهيئة تدريس
في انتظار الطلبة، ويمكن سحب
هذا المنطق على كل الحركة
الصهيونية فهي قد بدأت بتأليف
الحكومة التي كان هدفها الأساسي
إقامة الدولة التي كانت ترمي
أساسًا إلى تجميع السكان:
حكومة، فدولة، فشعب، وما من شك
في أن هذا يعود إلى أن الصيغة
الصهيونية الأساسية الشاملة هي
صيغة غير يهودية تم تهويدها
لتجنيد المادة البشرية التي
رفضت هذه الصيغة أو تملصت منها،
كما أن الأصول الطبقية لبعض
العناصر البشرية المستوطنة
صعبت عليهم الاضطلاع بوظائف
معينة، ولذا كان حتميًا أن يسبق
عملية الاستيطان مؤسسات
استيطانية مختلفة مهمتها جذب
المستوطنين وتدريبهم، كما أن من
أهم سمات الاستيطان الصهيوني أن
الكيان الاجتماعي الصهيوني في
فلسطين لم يكن متكاملاً، بل كان
في مرحلة بداية التكون والتشكل،
ولم يكن هدف المستوطنين
الاندماج في المجتمع القائم، بل
إقامة كيان اجتماعي وسياسي
مستقل.(5) التأثيرات السلبية توجد تأثيرات كثيرة ومختلفة للاستيطان؛
فعدا عن التأثيرات الأمنية
السلبية للاستيطان على
الفلسطينيين تظهر للاستيطان
آثار ومشكلات أخرى في مختلف
المجالات، فمصادرة الأراضي،
وتجريفها واقتلاع الأشجار
المثمرة، وتخريب المحاصيل
الزراعية من قبل المستوطنين،
وشق الطرق الالتفافية كل هذا
يؤثر سلباً ويشكل كبير على حياة
الفلاح الفلسطيني وبالتالي
يهدد القطاع الزراعي للشعب
الفلسطيني بشكل عام. ووجود هؤلاء السكان العنصريين
الإسرائيليين المدججين بالسلاح
في هذه المستعمرات الملاصقة
للقرى والمدن الفلسطينية يشكّل
أمراً مقلقاً على الدوام
بالنسبة للسكان الفلسطينيين
الذين يرقبون تحركاتهم بعين
الريبة والخوف من إقدامهم على
تكرير استفزازاتهم الدائمة. ويأتي الجدار الأمني الذي بدأ بناءه عام
1994 خلال فترة حكم حزب العمل
بقيادة اسحق رابين " ليجسدّ
سياسة الفصل العنصري التي
انتهجتها الحكومات الإسرائيلية
المتعاقبة، وتوجتها حكومة
شارون بالاستمرار ببناء هذا
الجدار الذي تسبب مشكلات كبيرة
للشعب الفلسطيني من التهام
للأراضي وهدم للبيوت. وقد أثّر الاستيطان ومصادرة الأراضي على
الزراعة في فلسطين تمهيداً
لمصادرة الأرض والسيطرة على
المصادر الطبيعية. فقامت
السلطات الإسرائيلية بضرب قطاع
الزراعة بتخفيض الأسعار
والسيطرة على المصادر المائية
والقضاء على الأصناف البلدية من
الإنتاج النباتي من الأشجار
والخضروات والحبوب، كما تم
إضعاف البنية التحتية للزراعة
خاصة في مسألة شق الشوارع
الزراعية وإمكانية وصول الفلاح
الفلسطيني إلى أرضه. وقد قامت المستوطنات وشوارعها
الالتفافية المتعددة الأغراض
على حساب مساحات واسعة من
الأراضي الزراعية، وأغلقت
مساحات أخرى من الأراضي بحجج
أمنية، وأدى ذلك إلى خسائر لا
حصر لها نتيجة فقدان المزارع
لأرضه وعرقلة وصوله إليها. وفي إطار أمر سلبي آخر يتعلق بسياسة قلع
الأشجار التي بدأت مباشرة بعد
عام 1967 ولا تزال مستمرة حتى
الآن، فقد اقتلع الاحتلال حوالى
نصف مليون شجرة فلسطينية وشكلت
شجرة الزيتون (70%) منها، وأدى ذلك
إلى خسائر مادية على الزراعة في
المدى البعيد. كما أثّر الاستيطان على الوضع الاجتماعي
الفلسطيني، فوجود السكان
العنصريين الإسرائيليين
المدججين بالسلاح في
المستوطنات بالقرب من الأماكن
السكنية الفلسطينية والاحتكاك
بين الطرفين أدى إلى المزيد من
عنف المستوطنين واعتداءاتهم ضد
الفلسطينيين. فالمستوطنات
أقيمت على أراضي القرى والمدن
الفلسطينية، والأراضي الزراعية
التي صودرت هي المستقبل والمصدر
الأساسي للدخل، وجاء العنصر
الغريب ليقيم في هذه المستوطنات
المنظمة والأكثر تطوراً
وعمراناً مقابل منازل البؤس
والفقر التي يسكنها
الفلسطينيون. كما أن مصادرة الأراضي أدت إلى تجميع
البدو ونقلهم إجبارياً من
البداوة إلى حياة المدن وما
يتبع ذلك من صدمة حضارية، مما
أدى إلى وجود فجوات اجتماعية
أثرت على سلوك وعادات البدو
وعلاقاتهم العائلية. كما أدت
إلى تحول نسبة كبيرة من
المزارعين من نمط الحياة
الزراعية إلى نمط الحياة
العمالية، وانعكس ذلك على
العادات الريفية ودور المرأة في
المجتمع الريفي إلى جانب ظهور
حالات التوجه نحو السكن في
المدن مما يؤثر سلباً على
التطور الديمغرافي في فلسطين. كما أن له تأثيراً على التنمية
الفلسطينية من حيث السيطرة على
موارد الأرض والمياه وباقي
الموارد الفلسطينية. كما أنه يقطع التواصل والاتصال الجغرافي
والعمراني والقروي الفلسطيني
وشرذمته في وحدات تتصل بواسطة
مناطق تسيطر عليها المستوطنات. وإن أبرز الأهداف الاستيطانية هو منع
التوصل إلى تسوية إقليمية
فلسطينية إسرائيلية تسمح
بإقامة كيان فلسطيني ذي ولاية
جغرافية واحدة متواصلة. كما أن
وجود هذه المستوطنات يهدد
الكيان الفلسطيني الذي لا يبشر
بالأمان ما دام الاستقرار مهددا.. وأخيراً من الواضح أن استمرار السياسات
الإسرائيلية الساعية إلى إفراغ
الأراضي المحتلة من أصحابها،
على الرغم من كل المواقف
الدولية والعربية الرافضة
لموضوع الاستيطان، واعتبار
إقامة المستوطنات أمر غير مشروع
ومتنافٍ مع قواعد القانون
الدولي، قد ساهم بتسريع وتيرة
الاستيطان وزيادته بهدف فرض
وقائع جديدة على الأرض وخاصة في
مدينة القدس. وهذا يتطلب من
الفلسطينيين جهداً أكبر ووحدة
ومقاومة تُفشل المشروع
الاستيطاني وأهدافه الخطيرة. _________ المصادر: 1- الاستيطان الصهيوني في فلسطين، صلاح
عبد العاطي، حوار المتمدن -
العدد: 1833، (21/7/2007). 2- المصدر السابق نفسه. 3- صناعة القرار الإسرائيلي، تأليف كريم
الجندي – مركز الزيتونة
للدراسات والإستشارات. 4- المصدر السابق. 5- الاستعمار الاستيطاني الصهيوني: أهدافه
وآلياته وسماته الأساسية د. عبد
الوهاب المسيري، ( www.elmessiri.com
). -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |