ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
منهجية
التعامل مع السنة النبوية -5- د.
محمد سعيد حوى القاعدة
الرابعة: القرآن
قاضٍ على ما سواه والسنة تبع
للقرآن في كل شيء وان كانت تستقل
ببعض الأحكام:. يتداول
بعض اهل العلم عبارة مفادها: "السنة
تقضي على الكتاب ولا يقضي
الكتاب على السنة" وتنسب لبعض
التابعين منهم: مكحول الدمشقي
كما تنسب للامام احمد بن حنبل
ونسبها بعضهم لابن عباس (ينظر:
ارشاد الفحول, للشوكاني (1/337)
والبحر المحيط للزركشي (4/212)
وينظر مسند احمد (5/130). وهذه
العبارة بظاهرة تصدم عقل وقلب
المسلم فهي مشكلة موهمة ملبسة
اذ كيف يمكن ان يتقدم على القرآن
شيء. نعم ان
القرآن والسنة كل وحي من الله
"وما ينطق عن الهوى, ان هو الا
وحي يوحى", "ألا وإني أوتيت
القرآن ومثله معه". لكن من
ينكر ان القرآن قطعي الثبوت وان
السنة في معظمها الا النادر
ظنية الثبوت, ومن ثم امكان خطأ
الرواة فيما ينسبون الى رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) قائم
تماماً. لقد
حاول بعض اهل العلم ان يفسر تلك
العبارة الموهمة تفسيراً
يجعلها مقبولة فقالوا: أي ان
السنة تخصص الكتاب وتبين مجمله
وتفصيله, كما بين لنا رسول الله
من اين تقطع يد السارق او كما
فصل في احكام الصلاة والزكاة
ينظر المصادر السابقة ومناهل
العرفان 1/208. ولكنني
اعتقد ان العبارة غير سليمة ولا
ينبغي لنا ان ندافع عنها, انه لا
ينكر احد حجية السنة ولا يُنكر
ان السنة مبينة للكتاب وانها قد
تستقل ببعض الاحكام, وهذا لا
يجعلها قاضية على الكتاب بل
نقول:. الكتاب
والسنة كل وحي من الله فلا
يتعارضان ولا يتناقضان وان
تستقل السنة الصحيحة بحكم او ان
تفصل مجملاً فهذا ليس من
المتعارض. لذا نجد
كل علماء الأمة يؤكد على الكتاب
والسنة معاً قال الامام الشافعي:. "واعلم
ان من تعلم القرآن جلّ في اعين
الناس, ومن تعلم الحديث, قويت
حجته, ومن تعلم النحو هيب ومن
تعلم العربية رق طبعه ومن تعلم
الفقه نبل قدره" انظر مناقب
الشافعي للأمام ابن الاثير ص 139. لكن
الاشكال لو كان هناك تعارض حسب
الظاهر بين القرآن والسنة مع
التأكيد ان التعارض الحقيقي بين
القرآن والسنة الثابتة قطعاً لا
يمكن ان يوجد اذ لا يتعارض
الوحيان. اننا لو
رجعنا الى منهج الصحابة
المستفاد من رسول الله نجدهم
يؤكدون ان القرآن هو الأصل
واليه المرجع وهو الذي يقضي على
ما سواه, وبه وحدة الامة وبه
يرفع الخلاف, وان الناس ربما
نسبوا الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما لم يقله خطأ او
غفلة او عمداً بينما يستحيل ان
يستطيع احد ان يدخل في كتاب الله
او ان يحرف او يغير. فهذا
مالك بن عبادة الغافقي سمع عقبة
بن عامر يحدث على المنبر عن رسول
الله احاديث فقال: مالك بن عبادة:
ان صاحبكم هذا الحافظ او هالك (اشارة
الى شدة خطورة الحديث عن رسول
الله وضرورة الحذر) ثم قال مالك
بن عبادة كان آخر ما عهد الينا
رسول الله ان قال: عليكم بكتاب
الله, فانكم سترجعون الى قوم
يشتهون الحديث عني, فمن عقل
شيئاً فليحدث به ومن قال علي ما
لم اقل فليتبوأ مقعداً من النار,
ومن حفظ عني شيئاً فليحدثه". اخرجه
ابو عبيد في فضائل القرآن ص 16
واحمد بن حنبل في المسند 4/334
وسنده صحيح. فهنا
نلاحظ بوضوح ان النبي رد الأمة
الى كتاب الله فهو الأصل, وشدد
في الرواية عنه خوف الخطأ. ثم
لماذا يصر النبي (صلى الله عليه
وسلم) ان لا يكتب عنه شيء فقال
بينما اخرجه مسلم بسنده عن ابي
سعيد الخدري "لا تكتبوا عني
شيئاً الا القرآن, فمن كتب عني
غير القرآن فليمحه, وحدثوا عني
ولا حرج.." صحيح مسلم. اذن
اراد النبي ان يجعل مرجع
المسلمين الذي يجمعهم ويوحدهم
ويقضي على ما سواه ولا يقضي عليه
شيء هو القرآن. فلم
يسمح بتدوين السنة ابتداء, ولعل
لذلك حكماً كثيرة, اضافة الى
التأكيد على ان القرآن هو الأصل
الجامع والقول الفصل, بيان ان
الناس قد يخطئون على رسول الله
وتحرير كل ما كتب كل انسان
مستحيل, فلا يريد ان يدعي احد ان
ما كتبه عن رسول الله حجة مطلقة,
بل يريد ان تبقى السنة ظنية
الثبوت ليبقى مجال الاجتهاد
قائماً, ويبقى القرآن هو الكتاب
الخالد الجامع الحكم الفصل. ويؤيد
هذا فقه عمر بن الخطاب رضي الله
عنه حتى في
حضرة رسول الله فعندما كان رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) في
لحظات وداع الأمة وقد اجتمع
عنده الصحابة ماذا قال لهم؟. لقد قال
(صلى الله عليه وسلم) : "هلم
اكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده"
فقال عمر: ان رسول الله غلب عليه
الوجع, وعندكم القرآن, حسبنا
كتاب الله", واختلف الناس
فأمرهم رسول الله ان يقوموا عنه
"ينظر البخاري رقم 4432 ومسلم
1637". وللأسف
بعض الناس يطعن في عمر بسبب هذا
الموقف ولا يتنبهون الى ان
النبي (صلى الله عليه وسلم) قد
اقر عمر ضمناً على موقفه والا
فلو كان الامر حتماً وعزيمة من
رسول الله لما قبل موقف عمر
ولزجره وانتهى الأمر. والشاهد
في النص قول عمر بحضرة النبي (صلى
الله عليه وسلم) "عندكم
القرآن, حسبنا كتاب الله" أي
فمهما وجد اختلاف او نزاع
فالمرجع والحكم الفصل والقضاء
لكتاب الله. وهذا
الفقه العمري في التأكيد على
مرجعية القرآن العظيم الاصل
الجامع والقاضي على ما سواه, ما
رواه عبدالرزاق في المصنف (20484)
بسند صحيح الى عروة بن الزبير
قال: اراد عمر بن الخطاب ان يكتب
السنن, فاستشار اصحاب رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) في ذلك,
فاشاروا عليه ان يكتبها, فطفق
يستخير الله فيها شهراً, ثم اصبح
يوماً وقد عزم الله له, فقال اني
كنت اريد ان اكتب السنن, واني
ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا
كتباً فاكبوا عليها وتركوا كتاب
الله, واني والله لا البس كتاب
الله بشيء ابداً" والحديث
صحيح عن عروة وعروة وان لم يدرك
عمر فقد ولد في اوائل خلافة
عثمان, لكنه من اعلم اهل المدينة
في عصره وهو يحدثنا عن امر اشتهر
عن عمر وصدقه الواقع والتاريخ
اذ لم يكن تدوين رسمي للسنة الا
في عهد عمر بن عبدالعزيز. وهنا
نلحظ هذا الفقه وذاك الأفق وبعد
النظر عند عمر كأنه يقول:
الدستور الخالد الذي يسع الزمان
والمكان وكل المستجدات والذي لا
يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا
من خلفه, والذي علينا ان نزيد
حرصاً في فهمه والتفقه به
والعمل بكل ما فيه ونصونه من أي
مخالفة انما هو كتاب الله.
وقطعاً لا يعني هذا عدم العمل
بالسنة, او التقليل من شأنها او
ردها حاشا لله ثم معاذ الله. ولكن
واضح ان السنة لم توثق كما وثق
القرآن فقد يدعي المدعون بعد
ذلك ما لم يثبت, او ان السنة ربما
جاءت لتحاكم وقائع خاصة او تجيب
عن مشكلة محددة وليس لتكون
حكماً عاماً لكل ظرف كما هو واضح
من بعض اجابات رسول الله كحكمه
لمن وقع على اهله في رمضان فقال:
"تصدق به على نفسك". لقد كان
عمر رضي الله عنه فقهاً منه في
جعل القرآن هو الأصل والدستور
الجامع القاضي على ما سواه يدعو
الى التقليل من الحديث عن رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) حذراً
وهيبة ان يتقوّل عليه وتأكيداً
على مرجعية القرآن. ولهذا
المعنى دعا عمر وعائشة وغيرهم
ابا هريرة ان يقلل من الحديث عن
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
مما حمل ابا هريرة ان يرد على
ذلك قائلا: "يقولون ان ابا
هريرة قد اكثر, والله الموعد,
ويقولون ما بال المهاجرين
والانصار لا يتحدثون مثل
احاديثه, ثم يبين عذره في ذلك
ودعاء رسول الله له بالحفظ"
انظر البخاري رقم 118 ومسلم 2492. والشاهد
رغبة الصحابة بالاقلال من
الرواية حذراً من جهة وتأكيداً
على القرآن من جهة اخرى. ويؤكد
على هذا ما سبق نقله عن عمر "انكم
تأتون قوماً لهم ازيز بالقرآن
فلا تصدوهم بالأحاديث او لا
تشغلوهم". ومرة
اخرى نؤكد ان السنة وحي كما
القرآن, ولو كنت جالساً بحضرة
النبي (صلى الله عليه وسلم)
واسمع منه مباشرة لم يجز لي ان
اتردد بالسمع والطاعة والقبول
والخضوع فلا فرق بين الوحيين من
حيث وجوب الطاعة والامتثال
والعمل والحجية. انما
الأمر متعلق بكيفية ورود السنة
لنا اذ هي ظنية في معظمها ثبوتاً
وقد يحيط بها ما يجعلها متعلقة
بواقعة او حكماً خاصاً ومن ثم
فالسنة لا يمكن ان تعارض كتاب
الله ولا يجوز ان يقال تقدم
السنة على كتاب الله اذ لا تعارض
اصلاً فاذا وجد هذا التعارض
فقطعاً القرآن هو المقدم اذ هو
القطعي الذي تكفل الله بحفظه
كاملاً, ثم ان طبيعة القرآن من
حيث اعجازه هو الذي يسع الزمان
والمكان والمستجدات ويوحد
الأمة ومن ثم ابقى النبي صلى
الله عليه وسلم السنة من غير
تدوين ليبقى باب الاجتهاد
واسعاً في هذا الميدان توسعة
وتيسيراً على الناس. فالقرآن
فرض الحجاب على المرأة دون
تفصيل كيفيته وهذا يوسع على
الناس من خلال النظر فيما ورد في
السنة فيما صح او لم يصح فتقع
التوسعة. والقرآن
اجمل فرائض الوضوء ونواقضه,
وجاءت امور اخرى في السنة تحتمل
الاجتهاد والتصحيح والتضعيف
فيقع التيسير. ان اصول
الاحاديث الصحيحة التي اليها
المرجع في الأحكام قليلة جداً. فهذا
الامام الشافعي يسأل كم اصول
الاحكام فقال: خمسمائة فقيل له
كم اصول السنن فقال خمسمائة (مثاقب
الشافعي لأبن كثير ص 181), اذن
احاديث لأحكام بفرائضها وسننها
التي هي حجة واصل لا تتجاوز بنظر
الشافعي الف حديث. ان
مشكلتنا اليوم مع قوم يريدون
تجاوز كتاب الله او نسيانه او
عدم التفقه به, او انهم لا
يحسنون فهم كتاب الله,
ويتساهلون في التصحيح والتضعيف
والنقد باسم الانتصار للسنة
فيثقلون كاهل السنة وكاهل الأمة
خلاف مراد الله ومراد رسوله, ومن
ثم ونحن نؤكد حجية السنة
الثابتة, لا بد ان نؤكد على
قاعدتين اخريين اضافة لكل ما
ذكر سنتحدث عنهما ان شاء الله:. الاولى:
لا تحدث بكل ما سمعنا عن رسول
الله. الثانية:
حسن فهم السنة على ضوء القرآن
كما يفهم القرآن على ضوء السنة. والله
الموفق.. يتبع.. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |