ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإسلام
والغرب.. صراع المشاريع الحلقة
الخامسة: البابا
أوربان الثاني يشعل نار الحروب
الصليبية د.
علي محمد الصلابي تطرق
الحديث في الحلقة السابقة
للأسباب والدوافع التي وقفت
وراء الحملات الصليبية، حيث
توقفنا بالتفاصيل أمام شخصية
البابا أوربان الثاني، بابا
الفاتيكان، والمحرك الرئيسي
للحملات التي قادتها الكنيسة
الغربية على العالم الإسلامي،
وفي هذه الحلقة نواصل تحليل
شخصية البابا أوربان، ثم ننتقل
لتناول الحملة الصليبية الأولى
وما ترتب عليها من نتائج. 4-
الاجتماع الاستشاري للبابا بعد
خطابه : كان البابا أوربان
الثاني يجتمع مع رجال الدين
النصراني ويستشيرهم في حشد
الطاقات الرسمية والشعبية لغزو
المسلمين ، فقد اجتمع مع
أساقفته وبعد هذا الاجتماع
الاستشاري خرجوا بالقرارات
الآتية: كل من
ارتكب جرماً يعاقب عليه ؛ يصبح
في حل من العقوبة إذا اشترك في
هذه الحرب المقدسة .. كل مال
من عقار أو متاع يتركه المحارب
الذاهب إلى الأرض المقدسة ،
يكون تحت حماية الكنيسة أثناء
غيابه .. وترده كاملاً حين يعود
المحارب إلى وطنه .. ينبغي
لكل مشترك في الحملة أن يحمل
علامة الصليب .. على كل
من اتخذ الصليب أن يفي بالوعد
بالمسير إلى بيت المقدس ، فإذا
رجع عن عزمه طرد من الكنيسة .. كل بلد
يخلص من أيدي الكفار المسلمين
يجب أن يرد للكنيسة .. ينبغي
أن يكون كل فرد جاهزاً لمغادرة
وطنه في عيد العذراء .. ينبغي
أن تلتقي الجيوش في القسطنطينية
، ولقد قام البابا هذا فأرسل
أساقفته بهذه القرارات
لتبليغها لملوك العالم المسيحي
وأمرائه في الغرب 5- حملة
الدعاية الصليبية : افتتح خطاب
البابا أوربان الثاني مرحلة على
جانب كبير من الأهمية في صورة
الدعاية الصليبية وهي دعاية
قامت على أساس الانتقال الشخصي
للعديد من المواقع ، ومخاطبة
قطاعات مختلفة من البشر ، وقد
كان لها دورها الفعال من أجل
إنجاح ذلك المشروع ، ومن الممكن
ملاحظة أن الحملة الصليبية
الأولى - على نحو خاص - تم
الإعداد الدعائي لها بمنتهى
البراعة والإتقان منذ الخطاب
المذكور ، وفي هذا الصدد تم حشد
جيش من الدعاة لتوسيع صوت دائرة
الفكر من أجل مخاطبة كافة
قطاعات المجتمع الأوروبي كل على
قدر تصوره ، وقد قام البابا
أوربان الثاني بعد عقد مجمع
كليرمنت بالانتقال إلى مدن تور
، وبوردو ، ونيميز ومكث تسعة
أشهر داعياً لمشروعه الجديد [1]،
كذلك فإنه قام بإرسال العديد من
الخطابات ، من أجل الدعوة
لمشروعه الصليبي ، ومن ذلك
الرسائل التي أرسلها إلى كافة
المؤمنين بالمسيحية في
القلاندروز ، وكذلك إلى بولونا
، وقالو مبروز ، وكذلك إلى
كونتات سردانيا وروسيللون ،
وبيسالون وامبورياس ، ويلاحظ أن
الخطابات المذكورة لا يمكن
فصلها عن دور البابا في مجمع
كليرمنت فهي تكملة ومواصلة
حقيقية لدوره الدعائي للحروب
الصليبية [2] .. 6-
العقلية التنظيمية لأوربان
الثاني: ويلاحظ أن الخطابات
التي أرسلها البابا من أجل
مشروعه الصليبي ، تقدم لنا
عدداً من التفصيلات التي لم ترد
في خطاب كليرمونت ومن بينها
تقريره بدور المندوب البابوي
أدهيمار أسقف بوى ، ويذكر ضرورة
طاعة أوامره كأنهما صادرة من
البابا شخصياً ، كذلك قرر أنه لا
يسمح للرهبان أو القساوسة
بالاتجاه إلى الشرق إلا بعد
الحصول على إذن من أساقفتهم ،
وكذلك مقدمي الأديرة تجنباً
للتمرد والفوضى. وينبغي
أن ندرك أن تلك المصادر
الوثائقية التي بين أيدينا تكشف
لنا عن العقلية التنظيمية
الدقيقة لأوربان الثاني ، ولذلك
نراه قد أمتلك رؤية شاملة
للمشروع الصليبي في تلك المرحلة
المبكرة على الأقل ، وقد حرص كل
الحرص على نصيحة من سيشاركون في
الرحلة إلى الشرق بضرورة الطاعة
العمياء لأوامره ، وكذلك أوامر
رؤسائهم المباشرين ، كما نستشعر
أن البابا ألح على فكرة وحدة
العالم المسيحي ، وكأن ما حدث في
الشرق للمسيحيين - في زعم
الدعاية الأوروبية المغرضة - هو
أمر يدخل في صلب اهتمامات قاطني
الغرب الأوروبي ، وأن مساعدة
الفـرنجة وغيرهم للمسيحيين
الشرقيين هو جزء رئيسي من
واجباتهم كمسيحيين [3] ، وعلى أية
حالة فإن الثمرة الطبيعية للدور
التنظيمي والتخطيطي والدعائي
الذي قام به البابا وكبار رجال
الكنيسة الذين معه؛ قد تمثلت في
قيام الحرب الصليبية ، ومما
ساعدهم على ذلك اختيار التوقيت
المناسب للحرب .. 7- بطرس
الناسك: تأثر بطرس الناسك بخطاب
البابا أوربان الثاني ، وكان له
تأثير شديد على الناس وكان يركب
حماراً ينتقل به من بلد إلى آخر
، وكان يسير حافي القدمين
ويرتدي ملابس رثة ، ويتحدث
المؤرخ روبرت الراهب عنه فيقول :
إن بطرس هذا هو رائد الحرب
الصليبية ، وأنه كان يفوق في
ورعه القسيسين والأساقفة ، وكان
ممتنعاً عن تناول الخبز واللحم
بل جعل غذاءه السمك ، وكان لا
يسمح لنفسه إلا بقليل من النبيذ
وبعض الطعام الغليظ [4]، وعلى
الرغم من مظهر بطرس الناسك
وحالته الرثة إلا أنه كانت له
قوة غريبة تثير حماس الرجال
والنساء وتجذب الجماهير إليه ،
فاستطاع أن يجذب وراءه حوالي
خمسة عشر ألف شخص من الفقراء
الذين كانوا يتبعونه من بلد إلى
بلد آخر بحماس شديد على الرغم من
أن غالبيتهم كانوا لا يدرون
شيئاً عن استعمال السلاح أو
الفروسية ، بل لم يشتركوا في أي
حرب من قبل إلا أن تأثرهم بكلمات
بطرس الناسك الحماسية ومظهره
جعلهم يندفعون في حماس جارف
وراءه دون التفكير في أي
احتمالات أخرى ، فلقد كانت خطبه
نارية ممزوجة بالبكاء والعويل
وصب اللعنات على الكافرين ،
وبوعد الرب للذين يزحفون لإنقاذ
قبر المسيح بالمغفرة ، وتؤثر
فصاحته التمثيلية الخيالية في
قلوب الجموع [5] . ومما
نحب الإشارة إليه أن الوعاظ
الذين قاموا بدور مماثل لبطرس
الناسك في التبشير بالحروب
الصليبية والدعاية لها إنما
كانوا يعدون بالمئات والآلاف [6]،
وقد تأثر الناس بهؤلاء الوعاظ
ويصف المؤرخ بودري بوصفه
معاصراً لأحداث هذه الفترة
الزمنية أن بعض العامة من
المسيحيين كانوا يرسمون على
صدورهم علامة الصليب بواسطة
الحديد المحمي على النار
ليتباهوا بإظهار حماسهم ،
وليوهموا الآخرين بأن هذه
العلامات إنما جاءتهم عن طريق
معجزة [7] ، وهكذا انطلق الجميع
يتجهزون للذهاب للأراضي
المقدسة بالشام بعد تلك الكلمات
التي سمعوها ، وكان معظمهم
يبيعون ما يملكون ليجهزوا
أنفسهم للرحيل طمعاً في محو
ذنوبهم ورضاء الله عنهم. وكان
الآباء سعداء برؤية أولادهم وهم
يرحلون ، كما كانت الزوجات في
غاية الفرح لدى رؤيتهن لأزواجهن
وهم يتأهبون للرحيل ، فحماس
الجميع كان منقطع النظير ،
واقتناعهم بهذا العمل كان
شديداً [8]، وعلى قدر الفرحة
الكبيرة التي شعر بها أولئك
الذين غادروا بلادهم للالتحاق
بالحملة الصليبية الأولى ، كان
الأسى والحزن يخيم على أولئك
الذين لم يخرجوا في تلك الحملة
[9] .. 8- غفلة
المسلمين عما يدبر لهم: كانت
الدولة الإسلامية في العهد
الأموي ؛ لها جهاز استخبارات
اخترقت به خصومها المحليين
والدوليين ، وكانت عيون معاوية
قد اخترقت البلاط البيزنطي ،
وقد بينت ذلك في كتابي عن الدولة
الأموية ، وأما بالنسبة في عهد
الدولة العباسية فإننا لم نعثر
في المصادر الإسلامية على أية
خطبة حماسية لأي من الخليفة
العباسي ، أو الحاكم الفاطمي
كرد فعل على خطبة البابا أوربان
الثاني ، أو أن أمة المسلمين قد
علموا بما جرى في مؤتمر
كليرمونت وما بعده من تداعيات ،
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى
انشغال كل من الدولتين العباسية
والفاطمية بالتنازع فيما
بينهما ومحاولة كل منهما التغلب
على الأخرى لتكون لها السيادة ،
فظلوا في سبات عميق حتى وصلت
الحملة الصليبية الأولى بالفعل
إلى بلاد الشام [10] . ولعل ما
يؤكد هذا ما جاء في كتابات ابن
القلانسي من أن أخبار الصليبيين
لم تصل للمسلمين في بلاد الشام
إلا في سنة 490ه /1097م ، فيقول في
ذلك : وتواصلت الأخبار بهذه
النوبة المستبشعة في حق الإسلام
فعظم القلق وزاد الخوف والفرق
[11]، ومع ذلك فإن رد الفعل
الإسلامي الوحيد الذي ظهر قبيل
وصول الحملة الصليبية الأولى
إلى بلاد الشام ، كان من جهة
السلاجقة في آسيا الصغرى عندما
استطاعوا القضاء بكل سهولة على
القسم الأول من القوات الصليبية
المعروفة باسم " حملة العامة
" فضلاً عما قاموا به من
عمليات دفاعية عن ممتلكاتهم في
آسيا الصغرى [12] ، كما سيأتي
بيانه بإذن الله تعالى ، كان
الصليبيون يتحركون من خلال
قيادة مؤهلة ، ووضوح هدف ،
وحيوية ونشاط وطول نفس ؛ موظفين
القدرات الخطابية في التأثير
على الناس ، ومستخدمين العوامل
الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية والدينية لتحريك
شعوب غرب أوروبا ، كما كان
للمكانة الروحية للبابا أوربان
الثاني ؛ تأثير على تحرك الجيوش
نحو المشرق .. لقد تحرك البابا من
خلال مشروع وظف فيه كافة
الإمكانات والطاقات المتاحة .. المبحث
الثالث : بدء الحرب الصليبية
الأولى: بعد
خطبة البابا أوربان الثاني في
كليرمونت بفرنسا التي دعا فيها
إلى الحرب الصليبية، طلب إلى
رجال الكنيسة أن يعودوا إلى
بلادهم ، كيما يبشروا بالحروب،
واجتهد رجال الكنيسة في ذلك ،
وكانت الثمرة الطبيعية للدور
الدعائي الكبير الذي قام به
البابا ومن وثق فيهم هي قيام
الحرب الصليبية الأولى والتي
انقسمت إلى قسمين ، حملة العامة
، والثانية حملة الأمراء ،
واحتلت الحملة الصليبية الأولى
بشقيها اهتماماً كبيراً لا نظير
له من جانب المؤرخين المعاصرين
لها سواءً اللاتين أو
البيزنطيين أو المسلمين ، وكذلك
من جانب المؤرخين المحدثين
الذين تخصصوا في دراسة الحروب
الصليبية. ولعل
مرجع ذلك يكمن في النتائج
الخطيرة التي نتجت عن تلك
الحملة على نحـو خـاص ، حيث أدت
إلى تأسيس إمارات صليبية في
الشرق طال عمر بعضها إلى قرنين
من الزمان [13]، وقد نجحت الحملة
الصليبية إلى حد كبير في تثبيت
وتأسيس أربع إمارات لاتينية ؛
الأولى في أعالي الفرات وهي
الرها ، والثانية في أعالي
الشام وهي أنطاكية ، والثالثة
على الساحل الشامي وهي طرابلس ،
أما الرابعة فقد كانت في قلب
فلسطين ، وهي بيت المقدس [14] ،
إضافة إلى أربع بارونيات كبرى
هي [صيدا ويافا وعسقلان والجليل
] ، وأثني عشر إقطاعاً تسلمها
أصحابها من الملك الصليبي مقابل
تقديم فروض الولاء والطاعة له
وتتمثل في [ أرسوف ، حبرون ،
الداروم ، قيسرية ، نابلس ،
بيسان حيفا ، تبنين بانياس ،
كيفا ، اللد ، وبيروت ] [15] . وجدير
بالذكر إن هذا النجاح الذي
حققته هذه الحملة يرجع إلى عدة
عوامل وأسباب ساهمت فيه منها : انعدام
الوحدة السياسية في العالم
الإسلامي .. الصراع
على السلطة داخل البيت السلجوقي
.. وجود
الدولة الفاطمية الشيعية
الرافضية .. سقوط
الخلافة الأموية بالأندلس .. دور
النصارى الذين كانوا يعيشون في
بلاد الشام .. موقف
بعض الإمارات العربية من الغزو
الصليبي .. دور
الباطنية الإسماعيلية الرافضة
في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين .. انتشار
الفكر الشيعي الرافضي والباطني
.. تدهور
الحياة الاقتصادية قبل الغزو
الصليبي .. ضعف
الدولة البيزنطية .. تمرس
فرسان الإفرنج على الحرب .. الإمدادات
الأوروبية المتواصلة للحملة
الصليبية .. الاستبداد
السياسي وأثره على الدين
والحياة .. انشغال
بعض فقهاء الأمة في معارك فقه
الفروع ، وقد تحدثت عن كل سبب من
هذه الأسباب بالتفصيل في كتابي
دولة السلاجقة والمشروع
الإسلامي لمقاومة التغلغل
الباطني والغزو الصليبي [16][17] .. يتبع
بمشيئة الله تعالى .. ـــــــــ 1-
الحروب الصليبية العلاقات بين
الشرق والغرب ص 69. 2-
المصدر نفسه ص 70. 3-
الحروب الصليبية العلاقات بين
الشرق والغرب ص 70. 4-
دور الفقهاء والعلماء المسلمين
في الشرق الأدنى في الجهاد ضد
الصليبيين خلال الحركة
الصليبية ص 239. 5-
حضارة العرب نقلاً عن دور
الفقهاء والعلماء ص 239. 6-
دراسات في تاريخ العلاقات بين
الشرق والغرب ص 21. 7-
دور الفقهاء والعلماء ص 240. 8-
المصدر نفسه ص 240. 9-
المصدر نفسه ص 240. 10-
المصدر نفسه ص 241. 11-
دور الفقهاء والعلماء المسلمين
في الشرق الأدنى ص 241. 12-
المصدر نفسه ص 241. 13-
الحروب الصليبية بين الشرق
والغرب ص 71. 14-
دور الفقهاء والعلماء في الشرق
الأدنى ص 37. 15-
المصدر نفسه ص 27. 16-
دولة السلاجقة ص 500 إلى 525. 17-
دروس وتأملات في الحروب
الصليبية ص 18. ـــــــــ
المصدر
: إسلام أون لاين -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |