ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المعوقات
الإستراتيجية للثقافة العلمية
في الدول العربية العراقيل
ومواجهتها سفيان
ساسي* تقديم استطاع
المفكر البريطاني تشارلز سنو أن
يشخص المشكلة التي كانت تتفاقم
في الغرب نتيجة للخطى السريعة
والقفزات الباهرة التي كانت
تتحقق في ظل العلوم والتقنية
ففي محاضرته الشهيرة التي
ألقاها في جامعة كامبردج
ببريطانيا عام 1959م طرح سنو
راياً أصبح من أدبيات الفكر
الغربي المعاصر ، وهو ما أطلق
عليه اسم
إشكالية الثقافتين ، لقد اعتبر
سنو أن المجتمعات الغربية
ونظامها التعليمي وحياتها
الفكرية تعاني من شرخ بين
ثقافتين الآداب والعلوم
الإنسانية من جهة والعلوم
الطبية من جهة أخرى وأكد سنو أن
هذه الظاهرة تمثل خطراً كبيراً
يهدد رفاهية الجتمع الغربي ،
ومن مرئيات سنو في أطروحته هذه :
( أن بين المفكرين في مجالات
العلوم الإنسانية وبين علماء
الطبيعة شكوكاً عميقة متبادلة
وسوء فهم ، مما يؤدي إلى نتائج
وخيمة على مستقبل تطبيق
التكنولوجيا ) .وقد أثار أطروحة
سنو جدلاً كبيراً في العالم
الغربي ، وما زالت آثارها
تتفاعل على مختلف الأصعدة
وبالرغم من أن سنو كان معنياً في
أطروحته في المقام الأول بالنخب
الفكرية وانعدام التواصل بين
أهل التخصصات الإنسانية وأصحاب
التخصصات العلمية إلا أنها في
تفاعلاتها وامتداداته أكدت أن
ضرورة إقامة الجسور بين الحركة
العلمية وبين الجمهور بشكل عام
، ومن هذا المنطلق وجدت مقولة
العلم للجميع حضوراً مميزاً في
المجتمعات الغربية وأصبحت
شعاراً قومياً وهاماً وأولوية
بارزة في تخطيط الدول المتقدمة
، لأنها أصبحت تدرك أهمية توفر
قاعدة واسعة من الجمهور تمد
الحركة العلمية بالزخم والدعم ،
وتزودها بالكفاءات والمواهب
والقدرات ، ومن المهم في هذا
الخصوص ذكر الدراسة التي أجراها
البروفسور جون ميللر في عام 1970م
لقياس مستوى الثقافة العلمية في
الولايات المتحدة الأمريكية
حيث وجد أن عدداً لا يزيد عن 7% من
الأمريكان يمكن تصنيفهم على
أنهم مثقفون علمياً ، وذلك
بمقاييس مرنة جداً ولعل السؤال
الذي يطرح نفسه هنا هو : إذا كانت
نسبة المثقفين علمياً هي بتلك
الضآلة في مجتمع علمي متقدم مثل
الولايات المتحدة الأمريكية
فكيف يكون الحال في الدول
النامية ذات الصلة الحديثة
بالحركة العلمية ومعطياتها
المختلفة ؟ الثقافة
العلمية في الممارسة: * إن
الأدبيات التي تناولت إشكالية
الثقافة العلمية في العالم
العربي ظلت تتمحور حول إجراءات
آلية من قبيل: تأسيس النوادي
العلمية، نشر المجلات والكتب
العلمية، الترويج الإعلامي
للعلم. وهذه الإجراءات على
أهميتها لم تفعل ما يؤمل منها
طوال العقود الماضية، وذلك
لكونها إجراءات برانية لا تلامس
حدود المشكلة الجوهرية.
فالثقافة العلمية ليست ذخيرة
معرفية ولا هي إلمام بالقوانين
والنظريات الناظمة للكون، ولا
هي تبسيط للعلوم، ولا فهم
للكيفية التي تدار بها آلة أو
جهاز تكنولوجي، فكل هذه
المؤشرات موجودة في المجتمع
الفلسطيني. إن المجتمع
الفلسطيني -الذي يتصدر
المجتمعات العربية في نسبة
المتعلمين بالطبع- يمتلك
المعارف العلمية والخبرات
التقنية. بيد أنه ليس مجتمعاً
علمياً؛ لأن الثقافة العلمية هي
صيرورة التقدم العلمي المرتبط
بنيوياً بالحداثة الفكرية،
وصيرورة بناء للمنجز المعرفي و
انسرابه في الفعل الاجتماعي
ورسوخه في البنى المجتمعية
كمنجز حضاري. وهذه الصيرورة
والتحولات لم يعبرها العالم
العربي. وبذلك ظلت علاقة العالم
العربي بالعلوم هي علاقة
استهلاك لا امتلاك. وكما أن
الصدقات لن تكون حلاً لمشكلة
الفقر، فإن إشاعة الثقافة
العلمية ليست حلاً سحرياً
لمشكلة التثقيف العلمي للمجتمع.
إن مشروعاً للثقافة العلمية على
مستوى الوطن لا يؤتي أؤكله
بمعزل عن مشروع تنمية شامل
سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
فالثقافة لا تستنبت في مجتمع
الفقر والاضطهاد والتخلف
والتبعية، ما يعني أن أي مشروع
للنهوض بالعلم يجب أن يتزامن مع
أجواء من الحريات والتنمية
الاقتصادية. لا يمكن للوعي
العلمي أن يتأصل في حياتنا
الثقافية، وينسج قيمنا العلمية
إلا تحت شرط الحرية: حرية
الاعتقاد، حرية المساءلة، حرية
الرأي، حرية الفرد في علاقته مع
السلطة والمجتمع. وثمة أيضاً
خطوة أولية وهي تحرير العقل
الاجتماعي من الأسر الفكري، ومن
أدوات الاستلاب، وتحويله إلى
عقل منفتح يفحص ويحاور ويتأمل
وينتقد ويختار، وبالطبع فإن هذا
الأمل لن ينجز إلا في نظام
تعليمي مرن ومستقل ومناهج
دراسية منفتحة على تيارات
الحداثة والمنجز المعرفي
العالمي وقضايا المجتمع وهمومه.
معوقات نشر الثقافة العلمية في
الوطن العربي: إن مهمة
الثقافة العلمية ، في تقليص
الفجوة بين العالمين الغربي و
العربي ، بشكل عام تزداد إلا أن
تلك الحقيقة أيضا تجعل مهمة نشر
الثقافة العلمية الدول العربية
أكثر ضرورة و إلحاحا في واقع
الحياة المعاصرة لأن معايير
تقدم وتطور المجتمعات مرتبطة
بمدى استيعاب أفراد المجتمع
للعلوم والتقنية، واستجاباتهم
لها، وكفاءتهم في التفاعل معها
على طريق تحقيق مواصفات المجتمع
العلمي . تقف في
مسار نشر الثقافة العلمية في
الوطن العربي مجموعة من
المعوقات والصعوبات التي
تتفاوت في درجتها من دولة إلى
أخرى إلا أنها تبقى محافظة على
ملامحها الأساسية التي يمكن إيجازها
في الجوانب التالية: 1)
الجانب الأكاديمي: وتتمثل
صعوبته في: * قلة
المجلات العلمية في الوطن
العربي المتخصصة بنشر الثقافة
العلمية مقارنة مع المجلات المتخصصة
في الفن والأدب وميادين أخرى،
وقلة عدد الصفحات المتخصصة
للثقافة العلمية في الصحف
العربية مقارنة مع ما يقابلها
في مجالات أخرى. * قلة
عدد الباحثين العرب الذين
يكتبون في مجال الثقافة العلمية
مقارنة مع عدد الباحثين الذين
يكتبون في مجالات كالرياضة
والسياسة. * عدم
تقدير الجهات المعنية في
المؤسسات المختصة لمثل هذه
البحوث و المقالات، سواء في
مجال الترقية الأكاديمية أو
العلمية. * عدم
وجود مردود مادي مناسب لمن
يختار هذا النوع من الاختصاص. * عدم
وجود صيغة واضحة للتعامل بين
كتاب هذا المجال مع معظم دور
الناشر و إدارات تحرير المجلات. * صعوبة
الكتابة باللغة العربية في
مجالات علمية حديثة جداً، وخاصة
في المواضيع التي تحتاج لمفاهيم
علمية خاصة، وهذا ما يلاحظ عند
الإطلاع على موضوع علمي منشور
في مجلات مختلفة، إذ نجد فارقاً
كبيراً في القدرة على التعبير
عن مصطلح علمي بين كاتب وآخر أو
مترجم وآخر. و هذا يعني وجود
قصور في الترجمة العلمية في
وطننا العربي، في الوقت الذي
يوجد تسارع هائل للاكتشافات
التقنية في العالم المتقدم تشمل
مختلف مجالات الحياة، كما لا
يوجد اهتمام كبير في نشر
الترجمات العلمية عن اللغات
الأجنبية. * عزوف
أصحاب التخصصات العلمية عن
عملية التواصل مع المجتمع و
المشاركة في نشر الثقافة
العلمية، والميل إلى قصر
اهتماماتهم على أطرهم البحثية
أو التعليمية أو التدريبية. و
سواء كان هذا العزوف ناجما عن
استعلاء، عدم قدرة أو غياب
الفهم لطبيعة هذا النوع من
الجهد. و مدى أهميته، فإن الوضع
يتطلب المواجهة الواقعية
والاهتمام الجاد لاستقطاب
الكفاءات و المواهب، من بين
أصحاب التخصصات العلمية،
القادرة على الإسهام في مجالات
الثقافة المختلفة. 2) جانب
السياسات:و يبرز لنا في: * عدم
حسم كثير من قضايا حماية
الملكية الفكرية. * ضعف
دور المجتمع المدني وعدم وجود
قاعدة ثقافية لنشوء وعي علمي
عربي يكون نابع من
المجتمع وليست ناجم عن استيراد
من تجارب لدول غربية تختلف في
طبيعتها ومكوناتها عن
المجتمعات العربية. * ضعف
دور المؤسسات الوطنية و المحلية.
فإن مهمة نشر الثقافة العلمية
مهمة متعددة الأبعاد فهي قضية
جامعة و شاملة تبدأ من المنزل في
سنوات التكوين الأولى عبورا
بالمراحل والمؤسسات التعليمية
المختلفة، ومرورا بمختلف
التفاعلات الاجتماعية والفكرية
والفعاليات الحياتية الثقافية. 3)
الجانب الاقتصادي:تحدد مشكلاته
في: * عدم
تحرير الأسواق العالمية و غياب
التكتل والاندماج الاقتصادي. *
التخلف الاجتماعي و الاقتصادي. *
انكماش فرص العمل. * البطء
في إقامة نموذج اقتصادي جديد
والحديث هنا عن اقتصاد المعرفة
كأساس للنمو الاقتصادي. 4)
الجانب العلمي و التقاني:تتبلور
صعوبته في : *
التبعية التقانية. * غياب و
صعوبة الترجمة العلمية. * عدم
توفر مصادر المعلومات وقلة
الوسائط المستخدمة ومن أهمها
قلة المجلات العلمية في الوطن
العربي والمتخصصة في نشر
الثقافة العلمية مقارنة
بالمجلات المتخصصة في الفن
والسياسة. * قصور
جهود البحث العلمي. * ضعف
شبكات المعلومات العربية. 5)
الجانب الفكري الثقافي: وتتمثل
إشكالاته في: * تصطدم
قضية نشر الثقافة العلمية في
المجتمعات العربية بتفشي
الأمية ، فمن البديهي أن مساعي
تقليص الأمية العلمية تعتمد في
المقام الأول التغلب على مشكلة
الأمية الأبجدية ، وتدني
المستوى التعليمي و مشكلات
الفقر و البطالة و تدهور
الخدمات، و توتر الأجواء
السياسية، فكلها سلبيات تصب في
تضاؤل اهتمام المواطن بالقضايا
العامة، ومن أبرز الضحايا في ظل
هذه الظروف هي الثقافة العلمية. هيمنة
الخرافات على الفكر و الثقافة
العربية. ، النظرة غير العلمية
لكثير من الظواهر، وحتى المشاكل
الشخصية للإنسان العربي.
فالثقافة العربية العامة
للإنسان العربي تميل دائمًا إلى
التقليد، والتقاليد والاستعانة
بالمنجمين والعرافين وأدعياء
العلم بالغيب، والوصفات
الشعبية. ولنأخذ مثالا على ذلك،
فإذا عجز الإنسان عن علاج مرض،
فإن أول ما يفكر فيه هو الذهاب
إلى شخص معروف ومعترف له
بالقدرة ليستشرف الحالة، ويدله
على أسبابها وعلاجها. عدم
الاهتمام بالعلوم. ميل الإنسان
العربي إلى مشاهدة الأحداث
والوقائع الاجتماعية التي تعرض
في الإعلام وفي محطات
التلفزيون، دون الاهتمام أو
الميل لمتابعة الأفلام
والبرامج المتعلقة بالعلم
واكتشاف المجهول والتقنية.
فالإنسان العربي العادي يميل
دائمًا إلى مشاهدة الأفلام
الاجتماعية التي تعرض الأحداث
الأسرية، والحب والزواج
والطلاق، والعصابات والإجرام،
أو المباريات الرياضية، دون
الاهتمام أو متابعة الأفلام
التي تهتم بالخيال العلمي
واكتشاف المجهول. والإنسان
العربي وخاصة الشباب مشدود
دائمًا إلى الأفلام الاجتماعية
أو البرامج السياسية، أو
المباريات الرياضية أو الحفلات
والمسابقات الفنية، أكثر مما
يهتم بمتابعة البرامج والأفلام
العلمية و التقانية. والإعلام
العربي عمومًا يستجيب لهذه
الرغبات الاجتماعية، فلا يحاول
كثيرًا اختراق ذوق المشاهد أو
المستمع، وتوجيهه إلى العلم
والتقنية والإبداع والاختراع. و
لذلك نجد الإنسان العربي دائمًا
وفي أكثر الأحوال ضيق الأفق،
فقير الخيال، بعيدًا جدًا عن
جوانب الإبداع والخيال
والمحاولة، والخطأ والفشل
والنجاح، وعلاقة الإنسان
بالبيئة، وربما أحدهما أثر على
الآخر. فإما إن شخصية الإنسان
العربي جامدة ثابتة، ساكنة،
ولذلك لا تشاهد إلا ما هو من ذات
الطبيعة. أو إن الإعلام العربي
جامد ساكن ثابت، ولذلك كون
شخصية ثابتة ساكنة جامدة، لا
تحب أي تغيير أو تجديد أو جديد،
فالموقف أصبح محكوما بنظرية
الحلقة المفرغة، فالإعلام يخلق
الشخصية الجامدة، والشخصية
الجامدة تخلق الإعلام الساكن
الجامد، الذي يدور في حلقة
مفرغة. *
اهتزاز القيم الثقافية. * عزلة
الإنسان العربي عن العلم
والتقنية، وخاصة في الأرياف
والأوساط الاجتماعية الفقيرة.
فالإنسان العربي في هذه الأوساط
لا يملك الموارد المالية
الكافية لشراء الألعاب، أو
توفير الظروف العلمية لأبنائه،
وحتى في المؤسسات التعليمية مثل
المدارس والجامعات، فإن الطالب
قد يدخل حصة في العلوم
والتقنية، أو يدخل المعمل في
المدرسة، ولكن ما يتعلمه في
المعمل أو يشاهده يبقى في محيط
المدرسة، ولا يفكر في أثره في
حياته اليومية، أو يحاول أن
يقوم بأي نشاط هو امتداد أو مبني
على ما تعلمه في المعمل أو ما
شاهده في الصف الدراسي. و يعزز
هذا الواقع التعليمي الفصل
القاطع بين النظرية والواقع،
بين المدرسة والحياة الفعلية في
المجتمع وبيئته. * ندرة
الاهتمام بالمكتبة والكتاب
العلمي المبسط. * غياب
الحوار بين العلم والدين. تجاهل
التفكير العلمي في معالجة قضايا
المجتمع. ضعف التفكير العلمي في
ذهن الإنسان العربي، فالقاعدة
العلمية أن لكل شيء سببًا، أو
مجموعة أسباب تؤدي إلى نتائج
معينة، وآثار محدودة أو غير
محدودة. إلا أن الإنسان العربي
خاصة غير المتعلم، لا يفكر بهذه
الطريقة، فهو دائمًا يهتم بما
يقوله الآخرون عن هذا الشيء أو
الحدث، ويهتم دائما،ً إلى جانب
ما سبق، بأقوال الناس
ومعتقداتهم في ظاهرة ما أو حدث
ما. فالإنسان العربي لا يبحث
ويجهد نفسه للبحث عن الأسباب
التي تقف وراء الحدث أو
الظاهرة، أي دائما من السهل
عليه الرجوع إلى أقوال الناس
وأحكامهم مهما كانت حول الموضوع
الذي يعنيه. ولنجر التجربة
التالية: استدع مهنيا إلى بيتك
واطلب منه صيانة أي جهاز أو آلة،
لأن هناك خللا ما فيها. نعم
سيقوم هذا المهني بالصيانة،
ولكن سيجرب ويفترض طريقة واحدة
للعمل والصيانة فقط، فإذا عملت
فهذا ممتاز وهو المطلوب، وإذا
لم تنجح وتعمل سيقول لك: هذه
الآلة أو الجهاز أصبح غير نافع،
ولم يعد قادرًا على العمل،
ولابد من شراء آلة أو جهاز جديد
بد ً لا منه. طبق هذه التجربة في
ثقافة أخرى وخاصة إذا كانت
أوروبية، سيجرب هذا المهني
طريقة وألف طريقة، ويحاول ويعيد
المحاولة إلى أن يتم الصيانة
ويعمل الجهاز أو الآلة، فهو لا
يفكر في التخلص منها إلا في
المراحل الأخيرة من التفكير.
يضاف إلى ما سبق أن الإنسان
العربي يميل دائمًا إلى التعميم
والأحكام العامة، وضعف قدرات
التخطيط والتنبؤ بالمستقبل. 6)
الجانب التربوي: و يبرز لنا في: مشكلات
التربية والتعليم. إن من أخطر
مشكلات التعليم في البلدان
العربية تتمثل في تردي نوعيته.
وذلك ما يقوض واحدا من الأهداف
الأساسية للتنمية الإنسانية .
وهو تحسين نوعية الحياة للبشر
وإثراء القدرة للمجتمعات ، و
يطرح ذلك تحديات خطيرة في وجه
المكونات الرئيسية للنظام
التربوي التي تؤثر في نوعية
التربية .وتضم هذه المكونات
السياسات التعليمية ،
والمدرسين ،وشروط عمل
المربين،و المناهج الدراسية
ومنهجيات التعليم. * أما عن
التعليم فبالرغم من الانجازات
التي تحققت في مجال التوسع
الكمي في التعليم في البلدان
العربية منذ منتصف القرن
العشرين ، إلا أن الوضع العام
للتعليم لا زال متواضعا مقارنة
بانجازات دول أخرى حتى في بلدان
العالم النامي ،وبالتأكيد
مقارنة باحتياجات التنمية
الإنسانية. فمازال التوسع الكمي
في التعليم منقوصا بسبب ارتفاع
معدلات الأمية الأبجدية ن خاصة
في بعض العربية الأقل تطورا و
بين الإناث نو استمرار حرمان
بعض الأطفال من حقهم في التعليم
الأساسي، و تدني نسب الالتحاق
بالمراحل الأعلى من التعليم
النظامي مقارنة بالدول
المتقدمة . وتناقص الإنفاق على
التعليم خاصة منذ 1985. * عدم
كفاية التعليم اللاصفي من قلة
البرامج المهتمة بنشر الثقافة
العلمية سواء في الميدان
التعليمي باعتبارها منهج أو
مقرر دراسي أو باعتبارها سياسة
تربوية في البلدان العربية و
ضعف الوسائط المستخدمة نشر
الثقافة العلمية و تكتنف أنشطة
ترويج العلوم و تعزيزها في
المجتمعات النامية مجموعة من
المعوقات الفنية و التنظيمية و
الإدارية و التمويلية المرتبطة
بتفعيل برامج الإعلام العلمي
ومن أبرز العقبات في هذا الشأن
ندرة الإطارات البشرية ، ذات
الكفاءة العلمية والممارسة
الإعلامية، القادرة على طرح
موضوعات الثقافة العلمية، و
صياغة أفكارها، و تنفيذ برامجها
بطريقة فعالة. ضعف
النظم التربوية و نمطية التعليم
العربي، فهو في الغالب تعليم
حفظ وتلقين واسترجاع للمعلومات
والحقائق، أكثر مما هو تعليم
يؤكد التحليل والتركيب
والاستنتاج. فهو من النوع
الوصفي الاسترجاعي، وهذا طبعًا
أشد ما يظهر في تعليم العلوم
الإنسانية ومواد التربية
المدنية. *
التبعات الباهظة للاقتصاد
التربوي. * عدم
تحقيق غايات التربية. و يبرز ذلك
جليا في غياب عقلية تحليل
المشكلات أو ضعفها في المناهج
التعليمية في التعليم الأساسي
والثانوي في معظم البلاد
العربية، دفع بالطالب العربي
إلى الحفظ والاستذكار والميل
إلى وصف الظواهر والأحداث دون
القدرة على تحليلها، وإدراك
ترابطها وتفاعلها. وضعف هذه
القدرة العلمية انعكس على
الإنسان العربي، فتجده عندما
يكبر ويعمل ضعيف الميل إلى
التحليل، يصعب عليه تتبع
العناصر والجزئيات وترابطها
لتعمل، بل يفتقد الصبر وسعة
البال للسير في أي تحليل علمي
والدخول في خارطة العناصر
والجزئيات، فهو دائمًا يدرك
الظواهر والأشياء ككل دون ميل
لمعرفة وتتبع عناصرها
وتفاصيلها، ومعرفة كيف تترابط
وتعمل وتؤدي إلى نتيجة كلية.
والملاحظ أيضًا أن المدارس
الثانوية والجامعات والمعاهد
العليا لم تبذل جهدًا كبيرًا من
خلال مفاهيمها ونشاطاتها في
اتجاه تدريب الطلاب على عقلية
ومنهجية حل المشكلات وبناء
المشروعات العلمية. * غياب
الكفاءات المختصة في تبسيط
العلوم. 7)
الجانب اللغوي: تتحدد صعوبته في
: * لا
يمكن إنكار أو تجاهل دور اللغة
في حياة الأمة العربية ، فهي
وعاء الفكر ، و هي من أبرز
مقومات الثقافة و أدواتها ، مما
يجعل حركة التعريب ونشاط
التأليف والترجمة في المجالات
العلمية و التقنية إحدى أهم
قضايا الثقافة العلمية لتحويل
العلوم المعاصرة إلى مكاسب
مجتمعية ، وتأصيلها في الثقافة
العربية، وترسيخها في نسيج
البيئة، وإثراء اللغة وتعزيز
دورها وتطويرها لتستجيب لطبيعة
التحديات التي تفرضها الحركة
العلمية. * ضعف
أساليب تعليم اللغة العربية. * عدم
تطوير برمجيات ذكية لتعليم
وتعلم اللغة العربية. * تهميش
اللغة العربية عالمياً فإن
الافتقار إلى البعد الثقافي
العلمي في ملامح الثقافة
العربية أمر واضح للعيان ويتطلب
الأمر توجهات صادقة للتغلب على
هذا القصور ، فلا يمكن لثقافة أن
تنمو وتترعرع بانسجام وتناغم مع
معطيات الحياة المعاصرة
ومتطلباتها دون أن تستوعب ضمن
أطرها العامة وتكويناتها
الداخلية ملامح ثقافة علمية
متنامية . * تعتبر
الترجمة من القنوات الهامة لنشر
المعرفة و التواصل مع العالم،
إلا أن حركة الترجمة في البلدان
العربية ما زالت تتسم بالركود و
الفوضى. فكان متوسط الكتب
المترجمة لكل مليون من السكان
في الوطن العربي في السنوات
الخمس الأولى من الثمانينات 4.4
كتاب ( أي اقل من كتاب واحد في
السنة لكل مليون من السكان )
بينما بلغ 519 كتابا في المجر و 920
كتابا في اسبانيا لكل مليون من
السكان.. 8)
الجانب الإعلامي: تحدد مشكلاته
في: * قصور
الإعلام العربي، و قلة إنتاج
الإعلام العلمي العربي المختص.
تعتبر وسائل الإعلام من أهم
آليات نشر المعرفة ، و لكن مازال
الإعلام العربي و وسائط النفاذ
إليه ، و بنيته التحتية و مضمونه
، يعاني الكثير بشكل عام ، مما
يجعله دون مستوى التحدي بناء
مجتمع المعرفة ، إذ ينخفض عدد
الصحف في البلدان العربية إلى
أقل من 53 لكل 1000 شخص مقارنة مع 285
صحيفة لكل 1000 شخص في الدول
المتقدمة ,و الصحافة في اغلب
البلدان العربية محكومة ببيئة
تتسم بالتقييد الشديد لحرية
الصحافة والتعبير عن الرأي ، و
تكشف لممارسات الفعلية في
العديد من الدول العربية عن
انتهاكات مستمرة لهذه الحرية
سواء بإغلاق الصحف أو ضبطها و
مصادرتها أو تعطيلها ،و يتعرض
الصحفيون في كثير من الدول
العربية للحبس ،وتغليظ
العقوبات في قضايا الرأي و
النشر ، و الإيقاف عن ممارسة
المهنة ، و ما زال نمط ملكية
الدولة هو السائد ، خاصة فيما
يتعلق بملكية الإذاعة و
التلفزيون. * حياد
الإعلام عن مهامه الرئيسية و
تبعية الإعلام للسياسة. * أما
بالنسبة لوسائط الاتصال الأحدث
فقد قطعت بعض الدول العربية
شوطا لا بأس به في تطوير بنيتها
التحتية في هذا المجال ، و لكن
تظل السمة العامة محصورة في
المؤشرات الأدنى على المستوى
العالمي . فلا يصل عدد خطوط
الهاتف في الدول العربية إلى
خمس نظيره في الدول المتقدمة
وجود اقل من 18 حاسوب لكل 1000 شخص
في المنطقة ، مقارنة مع المتوسط
العالمي وهو 78.3 حاسوب لكل 1000 شخص
،و اقتصار عدد مستخدمي الانترنت
على 1.6 فقط من سكان الوطن العربي
بالكاد يعتبر نقطة انطلاق
لاستخدام المعلوماتية كأداة
لنشر المعرفة. *
والجدير بالذكر أنه من أهم
العوائق التي تواجه المستخدم
العربي اليوم ضعف وارتفاع كلفة
خدمة الاشتراك بشبكة الإنترنت
إذا ما قورنت بالدول المتقدمة.
فسوء البنية التحتية للاتصالات
في أغلب الدول العربية وعدم
مواكبتها للتطور الحديث في هذا
المجال بالإضافة إلى أنها لا
تكاد تفي بأكثر من حاجة
الاتصالات الصوتية ومحدودة
فيما تقدم من خدمات اتصال دولي
ونقل للمعلومات، كل هذه الأمور
مجتمعة أدت إلى محدودية انتشار
خدمة الإنترنت وارتفاع كلفتها
الباهظة وبطء أدائها مقارنة
بالدول الأخرى، مما أدى إلى
عزوف شريحة كبيرة من المستخدمين
عن استعمالها وقصر استخدامها
على بعض المراكز العامة مثل
نوادي الإنترنت ومحدودية وقت
الاطلاع. وانعكس ذلك سلبيا على
عدد المستخدمين للشبكة في الوطن
العربي وعدم الاستفادة من ميزات
كثيرة تقدمها من أبسطها البريد
الإلكتروني.. التخلف
الاجتماعي والثقافي
والاقتصادي، الذي يعرقل أي تقدم
علمي وتقني حقيقي، إضافة إلى
هذا الواقع الذي أدى ويؤدي
دائمًا إلى التبعية العلمية و
التقانية للمؤسسات والشركات
الأجنبية، خاصة في الغرب،
فالأرضية الاجتماعية والثقافية
التي تساعد على نمو العلم
والتقنية هشة وغير ملائمة،
وتدعمها سهولة الحصول على نتائج
العلم ومنظومات التقنية بسهولة
من الخارج ودون عناء، خاصة
بالنسبة إلى البلدان العربية
ذات الموارد المالية الكبيرة.
بل إن العربي يميل بطبعه إلى
اقتناء البضائع الأجنبية، ورفض
البضائع الوطنية، لاعتقاده
أّنها .( سيئة الصنع وغير جيدة فواقع
الثقافة العربية المعاصرة يربط
العلم والتقنية بالأجنبي
والأجانب والشركات الأجنبية،
ونادرًا ما يحيل هذه الوظيفة
للإنسان العربي حتى لو كان
قادرًا على ذلك، اللهم إلا
كمساعد، وفي عمل ثانوي
للمستشارين والخبراء من
الشركات والمؤسسات العلمية،
الثقافية والتقانية الأجنبية
العاملة في الوطن العربي. مواجهة
معوقات نشر الثقافة العلمية و
التقانية وأسلوب التنفيذ: ويقترح
التقرير التنمية البشرية 2002
لتجاوز هذه الفجوة والتخطيط
للمستقبل اتخاذ العديد من
الإجراءات لعل ما يعنينا منها
في هذا السياق ما يرتبط
بالاستثمار في البحث والتطوير
العلمي فيشير التقرير في طياته
إلى عدة عناصر منها أن
الاستثمار يبدأ في المعرفة بوضع
برنامج واضح للاستثمار في مجال
العلوم والثقافة والبحث
والتطوير. و لا بد من زيادة حصة
البحث والتطوير من الناتج
المحلي الإجمالي من مستواها
المتواضع والذي يقل عن 0.5% لتصبح
2 % في نهاية العقد الحالي. و يذكر
التقرير كذلك أن للمنطقة
العربية تاريخ علمي عظيم وقد
عاصرت العديد من النظريات التي
تعد الآن أصل العلوم الغربية. و
للأسف نجد اليوم أن الكم الكبير
من النجاح العربي في مجال
العلوم والتقنية يأتي من
المليون عربي ذوي الكفاءة
العالية الذين يعملون في الدول
الصناعية، في وقت أصبح إسهام
العلماء العرب وأساتذة
الجامعات والمفكرين المقيمين
في العالم العربي محدوداً جداً. يعتبر
نشر الثقافة العلمية في الوطن
العربي وسيلة أساسية لتحقيق
التنمية المستدامة ، واللحاق
بالمجتمعات التي سبقتنا في
التقدم، ولمشاركة الوطن العربي
مشاركة فاعلة في التقدم
الإنساني، بدلاً من أن يبقى
مجرد مستهلك لنتائج العلم
والتقانة دون أن يضيف جديداً
إلى المعارف الإنسانية.، ولكي
لا تكون هناك أمية علمية ثقافية
في الجزائر يجب الاهتمام بتعليم
العلوم في المدارس وفق منهجية
علمية ثقافية تأخذ في الحسبان
النقاط التالية : أولاً:
تحديد وتعبئة الموارد المادية
والبشرية المتاحة. ثانياً:
تفعيل دور أجهزة الثقافة العامة
ووسائل الإعلام في تنمية الفكر
العلمي في المجتمع ، والاستفادة
القصوى من وسائل الإعلام
المرئية ، المسموعة و المكتوبة
لنشر مبادئ العلوم وذلك
بتقديمها بصور مبسطة وأسلوب
علمي منمق ومنهجي تطبيقي يتناسب
وأذواق وعقول أكبر شريحة من
الأفراد الاهتمام بالمحاضرات
والملتقيات العلمية كأسلوب
جيدً لنشر الوعي العلمي وفتح
باب النقاش والحوار في القضايا
الفكرية والعلمية المعاصرة ،
كما يجب الاستفادة المثلى من
المعرض والندوات العلمية التي
تعقد سنوياً ودورياً ، وذلك
بعرض نشرات علمية وإيضاحية في
مجالات ما يقدمه المعرض أو
الندوة ، وتقديم برامج إيضاحية
مبسطة وإعطاء أفراد المجتمع على
اختلاف مستوياتهم الفرصة
لدخولها والمشاركة الفعلية
فيها ـ حتى لو كانت متخصصة وتعقد
في الجامعات ـ ويعد هذا الأسلوب
من أحد الطرق المتميزة التي
تساهم بجدية في عمليات محو
الأمية العلمية كما يمكن فتح
المجال لطلبة المدارس بزيارات
ميدانية إلى المعارض المصاحبة
للمنشآت الصناعية والتعليمية
وغيرها ويجب حث الشركات العارضة
على إحضار وتوزيع ملصقات ونماذج
علمية وأيضاً بعض الأجهزة
العلمية البسيطة والكتيبات
لتوزيعها على الطلبة والمختصين
ولا يتم تعليم العلوم ومحو
الأمية الثقافية العلمية في
المدارس بجميع مراحلها فقط بل
يجب أن تستمر لتشمل كافة فئات
المجتمع على اختلاف مستوياتهم
التعليمية والفكرية من خلال عقد
الندوات والملتقيات العلمية
الخاصة والعامة وإجراء
المقابلات باستخدام وسائل
الإعلام و استغلالها استغلالاً
جيداً لتقديم البرامج الهادفة
التي تتعامل مع الإبداع العلمي
والابتكارات الحديثة والتي
تشجع المتتبع لها ـ سواء كان
مستمع ،مشاهد أو قارئ ـ على
الاعتماد على التفكير واستخراج
المعلومات خصوصاً وأن معظم
وسائل الإعلام أصبحت تبدي
اهتمام متزايد بالبرامج
والمسابقات الرياضية
والترفيهية المختلفة فضلاً عن
أنها تقدم المسابقات التي تتطلب
من الفرد الاعتماد على الثقافة
و المعرفة ، أو تقوم بتقديم
مسابقات ميدانية في المدارس
فيما بين التلاميذ تتعلق بما
يدرس في المراحل التعليمية
المختلفة وتنصب في صلب المناهج،
وبين فئات طلابية مختارة من قبل
إدارات المدرسة ، وتعتمد
النتائج فيها على قدرة الحفظ
عند التلاميذ . ثالثاً:
تحسين العلاقة بين العلم والدين.
رابعاً:
نظم التربية والتعليم ودورها في
نشر الثقافة العلمية وتنمية
الفكر العلمي:وفي هذا الإطار
ورد في تقرير اليونسكو سنة 1996 أن
التربية في القرن الحادي
والعشرين يجب بناءها على أربعة
أسس هي: 1)
التعلم لنكون:" و هو توجه
أساسي يهدف إلى التنمية الشاملة
لكل فرد على مستوى الروح والجسد
، و العقل ، و الوجدان و الخيال و
الإبداع ، و كمقدمات الشخصية ، و
ذلك لتفادي الأثر السالب لظاهرة
التنميط السلوكي، للفرد كما
يدعو إلى إتاحة كل الفرص
الممكنة للأطفال والشباب
للتجريب والاكتشاف الفني
،الجمالي ،العقلي، التقاني
والاجتماعي وهو ما يقضي
بمساعدتهم على فهم ذواتهم و
تعرف الخيارات الفضلى
المتوافرة لهم أمام مجتمعاتهم و
تمليكهم الحس النقدي تجاه
الثقافة التي ينتمون إليها" 2)
التعلم للمعرفة: والمقصود به
اكتساب المعارف و القدرة على
إتقانها و تحويلها و صنعها
واعتبار ذلك وسيلة و هدفا في ذات
الوقت ، فتعلم المعرفة وسيلة
لأن المعرفة تمكن من " العالم
المحيط على الأقل بقدر ما يكون
ذلك ضروريا للعيش حياة كريمة،
ولتنمية قدراته (الفرد) المهنية
،و للاتصال بالآخرين. أما
باعتباره غاية، فإن أساسه متعة
الفهم و المعرفة و الاكتشاف". 3)
التعلم للعمل:بمعنى تنمية
القدرة لدى الشباب والعاملين
على توظيف المعرفة والتقانة
توظيفا علميا واكتساب الكفايات
اللازمة. 4)
التعلم للعيش معاً:و يتمثل في
مشاركة الآخرين و التعاون معهم
ويعتبر التعلم للعيش معا، من
الرهانات الكبرى للتربية في
عالم ينتشر فيه العنف و تتطور
فيه وسائل التدمير الذاتي. وحول
تطوير البحث العلمي، أرى أ ن
الغموض مازال يكتنف السياسة
العامة للبحث العلمي مع غياب
الإستراتيجية على المستوى
القومي، التي ترتكز على
الإمكانات المتوفرة،
والاستفادة القصوى من أساليب
العلم والتقانة، مع ضعف التنسيق
البحثي بين المؤسسات البحثية،
كما أرى أّننا لا نستطيع طرق
جميع السبل في جميع الاختصاصات،
فلا بد أن يجري الاتفاق على
أولويات بحثية، أذكر منها، على
سبيل المثال، التقانة الحيوية،
وهندسة البرمجيات، والأمن
المائي، والطاقات المتجددة
والبديلة، وبحوث البيئة،
والتنوع الحيوي، والعلوم
العسكرية، والعلوم المحرمة على
الدول النامية، والبحوث
التربوية، والأمن الثقافي،
والبحوث التي تتعلق بالإدارة،
وهذا يتطلب توفير الأطر العلمية
المختصة، والاهتمام بالبيئة
المناسبة للبحث، والتنسيق بين
المؤتمرات، والندوات، وحلقات
البحث و ورشات العمل، وجميع
الفعاليات المناسبة، على
المستويين المحلي والعربي، كما
يتطلب العناية بجودة البحث،
وبالحاضنات التقانية، وحاضنة
الأعمال، والإسراع في استكمال
شبكات المعلومات القطرية. ولا بد
لبلوغ الغاية في كل هذا من أن
تكون هناك هيئة عليا للبحث
العلمي محليًا وعربيًا، ُتعنى
بالترشيد والتنسيق والتكامل،
إضافة إلى وضع السياسات
والاستراتيجيات. وفي
جانب توطين التقانة، أرى أنه لا
بد من التوسع المكثف في تدريب
الطاقات البشرية على مختلف فروع
العلم والتقانة، وتوجيه
الطاقات البشرية المدربة نحو
فرص العمل في القطاعات العلمية
الإنتاجية، وزيادة الدعم
المالي للبحوث والتطوير
التقني، كما يجب مشاركة
الباحثين في التخطيط العلمي، مع
تعزيز التواصل مع القطاعات
المستفيدة من البحث، وإيقاف
نزيف هجرة الأدمغة مع تشجيع
عودة أبناء الوطن إلى أهلهم،
بعد انتهاء تدربهم. ولا بد كذلك
من سنِّ التشريعات الضرورية
لتعزيز تنمية التقانة وحماية
الملكية الفردية. ومما
يؤسف له أيضًا، عدم إدراك
القيادة السياسية والعلمية
والثقافية في بلادنا، للآثار
السلبية، البالغة الخطورة،
التي تنشأ عن إهمال اللغة
العربية في بعض مراحل التعليم،
واللجوء إلى غيرها بدعوى
التواصل مع العالم، وكأن
اهتمامنا بلغتنا يحجبنا عن
إتقان غيرها من اللغات السائدة
في العالم. ولقد أوصت مؤتمرات
اليونسكو باستعمال اللغات
الوطنية في مراحل التعليم
المختلفة. ومما يفيد في هذا
الاتجاه تنشيط ترجمة الكتب
العلمية من اللغات الأخرى إلى
اللغة العربية. لقد بات من
الضروري إنشاء شبكة اتصال عربية
حاسوبية تربط المراكز المعنية
بشؤون الترجمة والمصطلح
العلمي، وتوثيق الكتب المترجمة
في الوطن العربي، بغية الحصول
على المعلومات والبيانات
المتصلة بشؤون الترجمة، وتهدف
إلى تنسيق الأنشطة المتعلقة
بالترجمة على المستويين العربي
والعالمي. يشمل هذا التنسيق
أمورًا عدة منها: وهنا
تظهر الحاجة الماسة إلى توجيه
المدرسة العربية والتربية
العربية لمساعدة التلميذ على
استيعاب الثقافة العلمية و
التقانية التي أصبحت عنصرًا
أساسيًا في الحياة اليومية
العربية. إن تحقيق هذا الهدف لا
يمكن أن يتم في فراغ أو بدون
ارتباط وتكامل مع أنساق
اجتماعية وثقافية أخرى في حياة
الإنسان العربي. وإلى جانب
العمل التربوي الموجه إلى
التلميذ في المدرسة، هناك ضرورة
قصوى لخطة عمل عربية مشتركة
وموجهة إلى الإنسان العربي
البسيط والعادي، وعامة شرائح
المجتمع والذين هم في حاجة إلى
ثقافة علمية مبسطة ووعي ليس
بمفهوم العلم والتقنية فقط، بل
لبناء القدرة على استيعابها
والتعامل معها، والعمل
بمفاهيمها وأدواتها في مختلف
المجالات والميادين الاجتماعية
والاقتصادية. إن الواضح الآن أن
الإنسان العربي سواء في حياته
الشخصية أو المهنية، لا يزال
غير قادر على التعامل أو العيش
في "مجتمع المعرفة" أو "مجتمع
العلم والتقنية" الذي بدأ
ينمو ويتكون في الحياة العربية. إعادة
النظر في المدرسة العربية: وهذا
يتطلب ما يلي: * تحول
أساليب التدريس والتعليم من
الحفظ والتلقين والتذكر وتمجيد
الماضي و بطولاته، إلى أساليب
التعليم، التي تعتمد مناهج
التحليل والتركيب والاستنتاج
والتطبيق، والنظر إلى الظواهر
مهما كانت في بيئة الطالب، نظرة
علمية متكاملة. فلنفرض أن هناك
درسًا في البيئة، فلا تدرس
البيئة بأسلوب حفظ الحقائق
عنها، وإنما تدرس كظاهرة أو
منظومة من الظواهر والأنساق
والمؤسسات المترابطة
والمتفاعلة في الأسباب
والنتائج، فمثل هذه الطريقة
تحول عقل التلميذ من إدراك
البيئة كظاهرة منطقية صورية في
فراغ، إلى ظاهرة حية متشابكة
متفاعلة متحركة في إطار منظومة
أوسع، هي المحيط الاجتماعي
والطبيعي. *
بإعادة النظر في المفاهيم
التعليمية، وعندما نقول ذلك
فإننا نعني صراحة إعادة بناء
العقل العربي وتكوينه،
وبالتالي تكوين مجتمع المعرفة
على المدى الطويل، وهذا لن يتم
ويتحقق فجأة، أو بين يوم وليلة،
وإنما يتطلب فلسفة تربوية
وتعليمية مختلفة عما هو سائد في
مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية،
من أساليب الاستقبال والحفظ
والتلقين واسترجاع المعلومات
لغرض النجاح في الامتحانات، إلى
شيء آخر هو إعادة صنع العقل
العربي، ونقطة البداية هي
الطفولة، والتعليم الأساسي،
وإلى كل مراحل العمر. وحتى إن
حاولنا في التعليم الجامعي، فلا
يبني بيت أو قصر على جبال من
الرمال، فأساس العلم والتقنية
هو الطفولة. *
التأكيد على استحداث وتنمية
بيئة ومناخ علمي في المدرسة ،
ومنذ سنوات أو مستوى روضة
الطفولة ، وترتب هذه البيئة
العلمية بما يتناسب والعمر
العقلي والزمني للتلميذ ، ومن
شأن وجود مثل هذه البيئة
العلمية ، لفت انتباه التلميذ
ودفعه للتفكير في مكوناتها
وعلاقاتها ببعضها بعضَا . ومن
الأفضل أن تشكل هذه البيئة
العلمية المدرسية أو المختبر،
أساسًا لدروس علوم الحياة
والطبيعة وعلوم المجتمع
والتقنية المعاصرة . * النشر
الكامل للتعليم راقي النوعية مع
ايلاء عناية خاصة لطرفي المتصل
التعليمي ،و للتعلم المستمر مدى
الحياة. تتضمن المقترحات
التفصيلية في مجال إصلاح
التعليم. إعطاء أولوية للتعلم
في مرحلة الطفولة المبكرة ،و
تعميم التعليم الأساسي للجميع ،
مع إطالة أمده لعشرة صفوف على
الأقل ، و استحداث نسق مؤسسي
لتعليم الكبار ، مستمر مدى
الحياة ، و ترقية جودة النوعية
في جميع مراحل التعليم ، و إعطاء
اهتمام خاص بالنهوض بالتعليم
العالي ، و الالتزام بالتقييم
المستقل و الدوري للنوعية في
مراحل التعليم كافة. * توطين
العلم و بناء قدرة ذاتية في
البحث و التطوير التقاني في
جميع النشاطات المجتمعية من
خلال تشجيع البحث الأساسي ، و
إقامة نسق عربي للابتكار يتمركز
قطريا و يتخلل النسيج المجتمعي
بأجمعه ، مع استكماله و تعزيزه
بامتدادات عربية و دولية قوية .
و ينبغي الإسراع في تطبيق
تقانات المعلومات والاتصالات
في إطار من السياسات والحوافز
التي تشجع على الوصول إلى
المعلومات. و يمكن أن تكون اللغة
العربية عنصرا قويا في كتلة
إعلامية عربية تتنافس بصورة
فعالة مع بقية العالم *
التحول الحثيث نحو نمط إنتاج
المعرفة في البنية الاجتماعية و
الاقتصادية العربية ن من خلال
التوجه نحو تطوير الموارد
القابلة للتجدد اعتمادا على
القدرات التقانية و المعرفية
الذاتية ، و تنويع البنى
الاقتصادية و الأسواق ،كما
يتطلب تطوير وجود أقوى في
الاقتصاد المعرفة ن تعزيز نسق
حوافز مجتمعي يعلي من شأن
اكتساب المعرفة وتوظيفها في
بناء التنمية الإنسانية بدلا من
الوضع الراهن الذي تتمحور فيه
القيم حول الامتلاك المادي ،
والحظوة لدى مصدري القوة ،
المال و السلطة. * تأسي
نموذج معرفي عربي عام، أصيل
منفتح، و مستنير، يعتمد
التوجهات الرئيسية التالية: العودة
إلى صحيح الدين و تخليصه من
التوظيف المغرض و استعادة
المؤسسات الدينية لاستقلالها
عن السلطات السياسية و عن
الحكومات و الدول وعن الحركات
الدينية السياسية الراديكالية. النهوض
باللغة العربية من خلال إطلاق
نشاط بحثي و معلوماتي جاد ، يعمل
على تعريب المصطلحات العلمية و
نحت ما يمكن اشتقاقه دون تقعر ،
ووضع معاجم وظيفية متخصصة ، و
أخرى ارصد المفردات المشتركة
بين المحكيات و الفصحى يستعان
بها في برامج الأطفال و
المنشورات المكتوبة و الصوتية
،و لا بد أن يتزامن مع هذا الجهد
عمل دءوب لتيسير اكتساب اللغة
العربية السليمة من خلال مختلف
قنوات التعلم النظامية وغير
النظامية، و حركة تأليف مبتكر و
إبداعي على مستوى الاعمار
الأولى. استحضار
اضاءات التراث المعرفي العربي و
إدماجها في لحمة النموذج
المعرفي العربي بشكل يتجاوز
التفاخر الأجوف إلى التمثل
المتأصل لأسباب ازدهار المعرفة
العربية في العقول و البنى
المؤسسية العربية. إثراء
التنوع الثقافي داخل الأمة و
دعمه و الاحتفاء به من خلال
حماية كل بلد عربي لجميع
الثقافات الفرعية التي يحملها
أبناؤه ، بل و دعم فرص ازدهارها
و تلاقحها بعضها مع بعض ، كما
يتطلب ذلك التزام القيادات
السياسية و الأخلاقية بالدعوة
إلى التعددية و التسامح. الانفتاح
على الثقافات الإنسانية الأخرى
من خلال حفز التعريب و الترجمة
إلى اللغة العربية، والاغتراف
الذكي من الدوائر الحضارية غير
العربية ،و تعظيم الاستفادة من
المنظمات الإقليمية والدولية ،
و العمل على إصلاح النظام
العالمي من خلال تمتين التعاون
العربي . ان شح
المعرفة وركود تطورها يحكمان
على البلدان التي تعانيهما بضعف
القدرة الإنتاجية وتضاؤل فرص
التنمية ، حتى أن فجوة المعرفة و
ليس فجوة الدخل أصبحت تعد في نظر
مؤسسة اقتصادية دولية كالبنك
الدولي ، المحدد الرئيسي
لمقدرات الدول في العالم الآن ،
وجماع الرأي أن الفجوة في
القدرة على إنتاج المعرفة بين
البلدان النامية وتلك المتقدمة
بعد أضخم من فجوة المعرفة . و على
هذا يحق القول بأن المعرفة هي
معيار الرقي الإنساني في الطور
الحالي من تقدم البشرية. ومن
ناحية أخرى ، فإن البلدان التي
تعاني من قصور واضح في اكتساب
المعرفة أولى بأن تسعى لإقامة
مجتمع المعرفة في المجتمعات
التي يقل فيها اكتساب المعرفة
في المجتمعات التي يقل فيها
اكتساب المعرفة و تزداد ، ومن ثم
فرص الاستفادة من معين المعرفة
المتاح على الصعيد العالمي ،
بعبارة أخرى ، في المنظور
المقارن ، تعظم الحاجة إلى حفز
اكتساب المعرفة،و يتعاظم
العائد التنموي المتوقع عليه المعرفة
تتكون المعرفة من البيانات و
المعلومات والإرشادات و
الأفكار، أو مجمل البنى الرمزية
التي يحملها الإنسان أو يمتلكها
المجتمع في سياق دلالي تاريخي
محدد ،وتوجيه السلوك البشري
فرديا ومؤسسيا ، في مجالات
النشاط الإنساني كافة ، في
إنتاج السلع و الخدمات و في نشاط
المجتمع المدني و السياسة و في
الحياة الخاصة. وتضم
المعرفة على سبيل المثال ،
البنى الرمزية التي تمتلك عبر
التعليم الرسمي و الدروس
المستفادة من خبرات العمل و
الحياة ،وتشمل الحقائق و القصص
و الصور و موجهات السلوك البشري
موثقة أو شفاهة أو ضمنية
،وتشتمل المعرفة المؤسساتية
لمجتمع ما على التاريخ و
الثقافة و التوجهات
الإستراتيجية و الأشكال
التنظيمية. و على
هذا فإن المعرفة قد تكون صريحة (مدونة
أو مسجلة على صورة أو أخرى)أو
ضمنية (في موجهات السلوك البشري
التلقائية مثلا)كما أن إنتاج
المعرفة لا يقتصر على الأشكال
التقليدية للعلم و البحث العلمي
بل تنتج المعرفة كذلك عن صنوف
التعبير الفني و الأدبي و
النشاط الإنتاجي في الثقافتين
العامة و الشعبية . مع
التركيز على أن يعم بتعليم
العلوم جميع فئات الطلبة، وأن
تكون موافقة لأهداف وأغراض
متطلبات التنمية وذلك من خلال
إعداد طلبة المراحل الأساسية
والثانوية إعداداً جيداً
ليتمكنوا من خلق مجتمع
علمي،والاهتمام بتعليم العلوم
بأسلوب ومنهج علمي مبني على
التعامل مع الأجهزة التقنية
الحديثة من حيث تفكيكها وإعادة
تركيبها، وإجراء التجارب
والتفاعل مع خطوات البحث العلمي
وتقصي الحقائق بدلاً من تدريسها
من خلال قراءة كتب المقررات
التي تحتوي على المادة العلمية
في صورة جامدة، كما يجب التركيز
على أهمية الزيارات الميدانية
للمختبرات والمصانع، وفي هذا
الخصوص تكون مساهمة القطاع
الخاص مهمة وضرورية خاصة في
تقديم بعض تجهيزات المختبرات
والمعامل وإصدار الملصقات
ووسائل الإيضاح وإجراء
المسابقات التنافسية في مجالات
العلوم والتقنية كما يجب
الاهتمام بطرق الإيضاح وإجراء
المسابقات التنافسية في مجالات
العلوم والتقنية كما يجب
الاهتمام بطرق الإيضاح وحث
الطلاب على المراقبة وتشجيعهم
على رصد ملاحظاتهم وفتح باب
الحوار والنقاش العلمي بين
الطالب و الأستاذ . من كل
ما سبق يتضح أن نجاح إستراتيجية
نشر الثقافة العلمية يتطلب: 1-
معالجة أهم معوقات نجاح
الإستراتيجية. 2- أن
تعيد المجتمعات العربية النظر
في نظم التربية والتعليم و
التنشئة. 3- حل
مشكلة ضعف الأجيال الصاعدة في
اللغة العربية. 4- بناء
سياسة التربية والتعليم
القومية في كل بلد عربي على أساس
حق الفرد في التعليم المستمر. خامساً:
بناء القدرات البشرية في مجال
نشر الثقافة العلمية، و تشجيع
وحث أفراد المجتمع على الالتحاق
بالجمعيات العلمية والثقافية
التي تهتم بتوفير النشاطات
الثقافية العلمية الترفيهية
التعليمية الهادفة والأعمال
اليدوية مثل الرسم النجارة
والحياكة والنحت وجمع النباتات
وعمل الخرائط والأجهزة
والمجسمات العلمية وأيضاً رسم
وسائل الإيضاح وإجراء التجارب
العلمية في عمليات التوصيلات
الكهربائية والتفاعلات
الكيميائية ومراقبة النمو
الزراعي والتركيز على استعمال
أجهزة الحاسوب ويكون ذلك بتخصيص
محفزات للطلبة لممارسة مثل هذه
النشاطات . وقد
أعطى هذا الأسلوب نتائج جيدة
خلال تطبيقه في مدارس غربية
نموذجية فهناك من درسوا في تلك
المدارس من أصبح منهم أصحاب ورش
نجارة ومؤسسات تجارية كبرى
ورسامون وشعراء ومتخصصون في
المجالات السياسية والعسكرية
والفنية وغير ذلك من المهن
والوظائف التي تتلاءم
واهتماماتهم وميولهم . سادساً:
آليات التنفيذ والمتابعة
والتقويم. وفيما
يلي بعض النقاط الهامة التي
ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند
وضع الخطط والبرامج لتنفيذ
الإستراتيجية: 1- نظراً
للتكلفة العالية للوصول إلى
أهداف التنمية العلمية المعقدة
والمتداخلة، فإنه من الضروري أن
تتضافر جهود الوطن العربي كله
في تنفيذ الإستراتيجية. 2- من
المهم أن تشارك مختلف فئات
المجتمع المدني في تنفيذ
الإستراتيجية. 3- من
المهم أيضا في تنفيذ
الإستراتيجية الاستعانة
بالمنظمات الإقليمية. 4-
المتابعة والتقويم. سابعا:
تأرجح القيم :تتأرجح القيم في
الوطن العربي بين المعاصرة
الماضية ونعاني من هوة ازدواجية
في القيم بين الأجيال، وغياب
الحوار بين فصائل الفكر
المتصارعة، والانفصال الحاد
بين ما يتم تلقينه داخل فصول
الدراسة وما يجري في واقع
الحياة ومن تشويه للقيم، وغياب
لمبادئ الأخلاق في البيوت
والشوارع والمكاتب والنوادي. كل هذه
معوقات لابد من مواجهتها بحسم
إذا أردنا فعلاً تنفيذ
إستراتيجية عملية مرنة لنشر
الثقافة العلمية في بلداننا
العربية. إن
مواجهة معوقات نشر الثقافة
العلمية و التقانية وأسلوب
التنفيذ يعتبر نشر الثقافة
العلمية في الوطن العربي وسيلة
أساسية لتحقيق التنمية
المستدامة ، واللحاق
بالمجتمعات التي سبقتنا في
التقدم، ولمشاركة الوطن العربي
مشاركة فاعلة في التقدم
الإنساني، بدلاً من أن يبقى
مجرد مستهلك لنتائج العلم
والتقانة دون أن يضيف جديداً
إلى المعارف الإنسانية. ولذا
فإن الثقافة العلمية في الجزائر
ـ كونها إحدى الدول العربية ـ
تحتاج إلى جهود مكثفة لكي تحتل
مكانها المناسب في إطار الثقافة
العامة السائدة، ولن يأتي ذلك
إلا في وجود إستراتيجية وتخطيط
واهتمام من جهات متعددة تشمل
التعليم بكل مراحله، والإعلام
بكل وسائله، والأنشطة العامة
التي يتولاها القطاعان الخاص
والعام بكل أشكالها. وإلى
جانب التركيز والاهتمام
بالمدرسة والأسرة، فإن تدعيم
وتعزيز الثقافة العلمية و
التقانية يتطلب، في الوطن
العربي وبحسب المعطيات
الحالية، الاهتمام بإيجاد
برامج وخطط، أو إستراتيجية،
تهتم وتعالج ما يلي: إيجاد
خطة أو إستراتيجية عربية للعلم
والتقانة، بما في ذلك نشر
العقلية العلمية و التقانية في
الأوساط الاجتماعية المختلفة. و
هذه الخطة في ما نعتقد لابد أن
تقام على ثلاثة أسس مترابطة،
متفاعلة مع بعضها بعضا، وهي: الأساس
الأول: تشخيص وتقييم الواقع
العلمي والثقافي العربي، بكل
سلبياته وإيجابياته وتحدياته،
دون مجاملة أو حديث الإنجازات.
ومن ثم رسم سياسة ثقافية
وتربوية تعالج النواقص، وتبني
أساس العلم والتقنية للجيل
الحاضر، وجيل المستقبل. الأساس
الثاني: إعادة النظر في مفهوم
الخصوصية الثقافية، والهوية
الثقافية العربية، وتحويلها من
خصوصية صورية تراثية، إلى صورة
فعلية دينامكية حية تتفاعل مع
الحاضر، وتتشكل ويعاد تشكيلها
من داخل الممارسات الفعلية
اليومية، ومن خلال العمل
والمعاناة والابتعاد عن إدراك
الخصوصية في شكل مجرد صحوة
للماضي، أو صور وروايات الماضي.
فالهوية الثقافية ( مصنوعة،
ويعاد دائمًا صنعها عبر المكان
والزمان إلى الأبد ( الأساس
الثالث: لخطة نشر العلم
والتقانة في الوطن العربي، فهو
بناء شبكة من المؤسسات العلمية
و التقانية، التي تهتم بأبحاث
التطوير والتطبيق والنشر
والتداول، والمرتبطة بحاجات
المجتمع العربي وظروفه
ومعطياته الاقتصادية
الاجتماعية، وعلاقاته الدولية.
وتتبع هذه الشبكة شبكة أخرى من
العلماء، والفرق العلمية في
مختلف الجامعات وهيئات البحث
العلمي، تعمل لإنتاج المعرفة
العلمية، وتطبيقها بالتعاون
والتنسيق مع الهيئات
الاقتصادية والاجتماعية
والتعليمية. وضمن مقدمة هذه
الشبكة لابد من استحداث شبكة أو
قاعدة معلومات علمية تخدم
المجتمع، وتنشر المعرفة
العلمية و التقانية للجميع،
وبحسب المستويات التعليمية
والثقافية والمهنية لمختلف
شرائح المجتمع. مكونات
الإستراتيجية لنشر الثقافة
العلمية: و رغم
أن البلدان العربية استثمرت
أكثر من 2500 بليون دولار بين عامي
1980 ـ 1997 و في بناء المصانع
والبنية التحتية بشكل أساسي ،
فإن معدل الناتج المحلي
الإجمالي للفرد قد انخفض بالفعل
خلال تلك الفترة ، فهذه
الاستثمارات لم تؤد إلى انتقال
حقيقي للتقانة ، لأن ما تم نقله
هو وسائل الإنتاج لا التقانة
ذاتها. ومن أهم
المشكلات التي أدت إلى هذا ، عدم
وجود نظم فعالة للابتكار و
لإنتاج المعرفة في البلدان
العربية ، و غياب سياسات رشيدة
تضمن تأصيل القيم و الأطر
المؤسسية الداعمة لمجتمع
المعرفة /وقد عمق من هذه المشكلة
الاعتقاد الخاطئ بإمكانية بناء
مجتمع المعرفة من خلال استيراد
نتائج العلم دون الاستثمار في
إنتاج المعرفة محليا ، و الركون
في تكوين الكوادر العلمية على
التعاون مع الجامعات ومراكز
البحث في البلدان المتقدمة
معرفيا . دون خلق التقاليد
العلمية المؤدية لاكتساب
المعرفة عربيا. إن عدم
وجود نظم فعالة للابتكار في
البلدان العربية يعني . من
الناحية العملية . تبديد
الموارد التي استثمرتها هذه
البلدان في البنى التحتية
الصناعية و رأس المال الثابت (
مبان و مصانع و آليات و تجهيزات )
و التي لم تأت بالثورة التي كانت
المجتمعات العربية بأمس الحاجة
لها من مصادر غير استنضاب
المواد الأولية ، و لا التطور
الاجتماعي الذي كان من المتوقع
أن يرافقها . فالاستثمار في
وسائل الإنتاج لا يعني نقلا
حقيقيا للتقانة و امتلاكا لها
بل يعني زيادة في القدرات
الإنتاجية فحسب . و هي زيادة
محكومة بفترة زمنية محددة سرعان
ما تبدأ بالتلاشي التدريجي
نتيجة تقادم التقانة و بطلانها
، فتصبح المنتجات و الخدمات
التي تولدها عديمة الجدوى من
الناحية الاقتصادية و غير قادرة
على المنافسة في السوق المحلية .
في حين تخضع نشاطات الإنتاج
العالمية المماثلة في الدول
المتقدمة لعملية تطوير تقاني
مستمر من قبل نظم الابتكار
الخاصة بها , و هذا لا يجري في
البلدان العربية التي تحتاج
لشراء قدرات إنتاجية جديدة كلما
تقادمت تقانات القدرات التي
تملكها. إن نقل
و توطين التقانة و إنتاج
المعرفة بما يسمح بتوليد تقانات
جديدة يستدعيان سياقا تنظيما
محفزا لإنتاج المعرفة ، و يعزز
الروابط بين مؤسسات البحث و
التطوير من جهة ، و قطاعات
المجتمع الإنتاجية و الخدمية من
جهة أخرى ، و ينمي القدرات
الوطنية على الابتكار. هنا
يبرز دور واضح ينبغي أن تتبناه
المؤسسات التعليمية والتربوية
والإعلامية، المؤسسات الرسمية
وغير الرسمية، الخاصة والعامة
والسياسيون والأكاديميون لكي
تأخذ الثقافة العلمية حقها من
الاهتمام والرعاية وتساهم في
تأسيس ودعم البنية التحتية
اللازمة للنمو الاجتماعي
والاقتصادي والتطور التقني . يمكننا
عرض المكونات الرئيسية
للإستراتيجية لمشاريع نشر
الثقافة العلمية من خلال دراسة
المشاريع التي تم انجازها في
الدول العربية ـ والتي تم
التطرق لها في عنصر أهم تجارب
ومشاريع نشر الثقافة العلمية في
الوطن العربي ـ مع التركيز في
هذه المكونات على بعض العناصر
الأساسية التي يلزم الاهتمام
بها، باعتبارها مكونات
إستراتيجية استقر رأي الخبراء ً
عليها ، وهي كالتالي: * بناء
وتنمية القدرات البشرية. * دور
وسائل الإعلام المسموعة
والمرئية. * دور
النشاط التعليمي اللاصفي. * دور
مؤسسات المجتمع المدني. * دور
المنظمات والمؤسسات الدولية. * دور
المؤسسات الإقليمية. * ومن
هنا وجب إن نحدد أهم العناصر
التي يجب التركيز عليها، لبناء
وتنمية القدرات البشرية
اللازمة لنشر الثقافة العلمية و
التقنية في المجتمع العربي. أ-
القائمون والمشتركون: في نشاطات
نشر الثقافة العلمية، و هذه
المجموعة تضم بين صفوفها الفئات
الرئيسة التالية: * متخذو
القرار بشأن وضع وتنفيذ
الاستراتيجيات والسياسات ذات
العلاقة بنشر الثقافة العلمية. *
الآسرة ومسؤولية الوالدين. *
المعلم في كافة مراحل التعليم
ما قبل الجامعي. *
العلماء الباحثون المهتمون
بإنتاج ونشر الثقافة العلمية
وتبسيط العلوم. *
المشتغلون بالترجمة والنشر في
مجالات نشر الثقافة العلمية. *
المثقفون والكتَّاب المدافعون
عن نشر وترسيخ الثقافة العلمية
في المجتمعات العربية. *
الإعلاميون العلميون العاملون
في مختلف وسائل الإعلام و
الاتصال. *
أخصائيو المعلوماتية
والاتصالات. *
أخصائيو وسائل نشر الثقافة
العلمية. ب-
المستفيدون: وتشمل هذه الفئة
جميع أفراد المجتمع العربي الذي
يسعى إلى تكوين مجتمع علمي مع
التركيز على فئة الأطفال
والشباب. ويتم
الوصول إلى كل فئات المجتمع
التي ذكرناها من القائمين على
نشر الثقافة العلمية والمستفيدين
منها عن طريق المؤسسات العلمية
والثقافية وتقع عليها مسؤولية
كبيرة في نشر الثقافة العلمية ،
من خلال استخدام الإمكانات و
الوسائل المتاحة لها وهذه
المؤسسات هي: *
المؤسسات التربوية والتعليمية. *
المجامع العلمية واللغوية. *
المؤسسات العلمية والثقافية. *
مؤسسات الإعلام و الاتصال. *
الجمعيات العلمية والثقافية. *
مؤسسات المجتمع المدني. إن من
بين الأهداف التي تضعها هذه
المؤسسات من خلال تقديم برامج
الثقافة العلمية هو خلق وسط
علمي عام، ومثل هذا المناخ يحقق
نتائج عدة منها: *
التعرف على أخبار التقدم العلمي
السريع والمذهل في مختلف
المجالات. *
التخفيف من الإحساس بالتخلف
والشعور بالثقة بالنفس. * خلق
أرضية خصبة لتقبل الحملات التي
تستهدف محاربة عادات ضارة
كالتدخين وإدمان المخدرات،
نتيجة للفهم السليم لأبعاد
الخطر الذي يهدد صحة المدمنين. *
الاستجابة للدعوات التي تدعو
إلى نبذ الخرافات التي يساهم
الجهل بالحقائق العلمية في
انتشارها. *
التعامل مع الأجهزة الحديثة
بأسلوب يساعد على حسن تشغيلها
وإطالة عمرها. وكما هو
واضح للجميع، فإن القرن الحادي
والعشرين هو عصر التجمعات
والتكتلات، والعولمة. وإذا أراد
العرب العيش في حضارة القرن
الحادي والعشرين فلا طريق لهم
إلا بناء التكتل أو التجمع
العربي المعرفي والتقني، وبدون
ذلك فإّنه لا مفر من التبعية
والاعتماد على الآخرين. وعندئذ
تنطبق عليهم مقولة المفكر
العربي ابن خلدون "إن المغلوب
مرغم دائمًا بتقليد الغالب". الخاتمة: يتضح
لنا من خلال العرض السابق أن
المشاريع و البرامج التي تهتم
بنشر الثقافة العلمية في
الجزائر بشكل خاص التي من
أهدافها تتحكم في صياغة الوضع
الثقافي و توجيهه حيث تسعى معظم
وسائل وروافد الثقافة، و في
مقدمتها الإعلام و التعليم،
المؤسسات الثقافية إلى تنميتها
وتقديمها لأفراد المجتمع ،
تعتمد في دعمها أو تمويلها على
الدولة. غير أن
الإشكالية تكمن في عدم وجود
إستراتيجية موجهة تهتم بنشر
الثقافة العلمية، وهو ما تشير
إليه معظم الدراسات التي تناولت
موضوع الثقافة العلمية. ذلك أن
كثير من الأجهزة والمؤسسات
التعليمية و الإعلامية ليست
موجهة للتنمية الثقافية بقدر ما
هي معنية بمهام ووظائف أخرى
تسعى لتحقيقها أما الثقافة
العلمية فتظل هامشية على الدوام
في كل خططها. و عليه
فقد أصبحت المؤسسات الإعلامية،
الثقافية و التربوية الأجنبية
عامل أساسي في التدفق العلمي و
التكنولوجي و المؤثرات
الثقافية الوافدة، لاسيما و
الظروف العالمية السائدة من
ثورة علمية و تكنولوجية ، و
نتاجاتها. الخاتمة يتضح
لنا من خلال العرض السابق أن
الاهتمام بعملية بنشر الثقافة
العلمية في الجزائر بشكل خاص و
الدول العربية بشكل عام التي من
أهدافها التحكم في صياغة الوضع
الثقافي و توجيهه حيث تسعى معظم
وسائل وروافد الثقافة، و في
مقدمتها الإعلام و التعليم،
المؤسسات الثقافية إلى تنميتها
وتقديمها لأفراد المجتمع ،
تعتمد في دعمها أو تمويلها على
الدولة. غير أن
الإشكالية تكمن في عدم وجود
إستراتيجية موجهة تهتم بنشر
الثقافة العلمية، و هو ما تشير
إليه معظم الدراسات التي تناولت
موضوع الثقافة العلمية. ذلك أن
كثير من الأجهزة و المؤسسات
التعليمية و الإعلامية ليست
موجهة للتنمية الثقافية بقدر ما
هي معنية بمهام و وظائف أخرى
تسعى لتحقيقها أما الثقافة
العلمية فتظل هامشية على الدوام
في كل خططها. و عليه
فقد أصبحت المؤسسات الإعلامية،
الثقافية و التربوية الأجنبية
عامل أساسي في التدفق العلمي و
التكنولوجي و المؤثرات
الثقافية الوافدة، لاسيما و
الظروف العالمية السائدة من
ثورة علمية و تكنولوجية ، و
نتاجاتها. ــــــــــــــ أستاذ
مساعد بجامعة الطارف ـ الجزائر -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |