ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
منهجية
التعامل مع السنة النبوية (23) د.
محمد سعيد حوى مع
القاعدة الحادية عشرة ثانياً خلاصة
ما تقرر في هذا اذا
اثبتت السنة 100% فلا يمكن ان يرد
شك او تردد او ظهر في الثبوت في
اليقينية والقطعية وهي
المتواترة ومع ذلك قد تكون ظنية
الدلالة أي مما يختلف فيها في
الفهم. اما اذا
اثبتت السنة بنسبة 51%-99% فهي من
الظنية الثبوت وعندئد حتى وان
حكم اهل النقد بصحة حديث فيقال
فيه ظني الثبوت, مع كونه قد يكون
ظني الدلالة وعليه فيتعامل معه
وفق ما تقرر سابقاً, انه محل
اجتهاد ونظر وانه محل احتمال
الخطأ والصواب, وان كان الصواب
والصحة تزداد بمقدار ارتفاع
نسبة الثبوت وانتفاء ادلة الرد. وانه
اذا كان الذي رد هذا النوع من
الحديث عالماً مختصاً تقياً فهو
مجتهد فان اصاب فله اجران وان
اخطأ فله اجر, واذا كانت نسبة
الثبوت 50% فهو محل شك وتوقف, واذا
كانت نسبة الثبوت 49% فما دون فهو
كل رد مطلق. والاحاديث
الصحيحة التي يسميها العلماء
صحيحة غالباً ما تأخذ نسبة 90%
فما فوق (تقريباً) والاحاديث
التي تسمى (الحسن) تأخذ نسبة 70-90%. والاحاديث
الضعيفة تأخذ نسبة 51%-69% تقريباً
وما دون ذلك رد. وقلنا
ان السنة في معظمها حتى ما حكمنا
بصحته هو في دائرة الظن الراجح
لاسباب أي يمكن ان ترد ويمكن ان
يكون فيها خطأ وفيما يلي مناقشة
هذه الاسباب:. 1-
كونها رويت بالمعنى. لم يكن
التدوين واسعاً في اول العهد
وكان جل اعتماد الصحابة
والتابعين على الحفظ ولكن مع
تقرير هذا المبدأ فان ذلك مما لا
يطعن في السنة لما رافق ذلك من
عوامل مهمة جداً مساعدة على
الضبط والاتقان والتحري. ومن ذلك:
عامل الذاكرة والحفظ الذي عرف
به كثير من العرب ومن ذلك شدة
تحري الصحابة وشدة اهتمامهم
فكان الواحد منهم لا يحدث بما
يظن انه لم يضبطه ديانة وورعاً. ومن ذلك,
طبيعة الحديث النبوي الموجز
البليغ الذي يساعد على الحفظ
وايضاً طريقة النبي صلى الله
عليه وسلم الالقاء حيث كان لا
يسرد الكلام سرداً بل لو اراد
العادّ ان يعده لعده وكان يكرره
ثلاثاً ليفهم عنه, هذا مع كون
الصحابة كانوا يأخذون الحديث
للعمل والتطبيق وورث عنهم
التابعون ذلك وكلها عوامل تساعد
على حفظ السنة وضبطها, مع كون
الاسانيد لم تنشأ اذ هو جيل
الصحابة والتابعين. وبعد
ذلك (بعد المائة الاولى بدأ
انتشار التدوين كما سنشير, ولكن
ومع كل هذه العوامل فانه لا ينكر
ان السنة في كثير منها رويت
بالمعنى سواء كان هذا التصرف من
قبل بعض الصحابة او من بعدهم ولا
ادل على ذلك من واقع كتب السنة
نفسها حتى الصحاح فأنت تقرأ
الحديث الواحد في الصحيح فتجده
روي مثلاً بلفظ:. "كان
الله ولم يكن غيره". وبلفظ
"كان الله ولم يكن شيء قبله". وبلفظ
"كان الله ولم يكن شيء معه". فما هو
اللفظ الذي نطق به النبي (صلى
الله عليه وسلم) حقاً؟؟. ونقرأ
حديث يضع الجبار "يوم القيامة"
قدما وتقرؤوه بلفظ "يضع قدمه". وبلفظ
"يضع رجله". وهذا
الفاظ تؤدي الى تباين في الفهم. وتقرأ
حديث "خلق الله آدم على صورته. وخلق
الله آدم على صورة الرحمن. وامثال
ذلك كثير. ونأتي
الى حديث "إنما الأعمال
بالنيات" لتجده بهذا اللفظ
وبلفظ "إنما الأعمال"
بالنية وبلفظ "إنما العمل
بالنية". وبلفظ
"لكل امرئ ما نوى" او "ولامرئ
ما نوى", والدليل
على الثاني على وجود الرواية
بالمعنى ان علماء الحديث قاطبة
تصدوا لهذه القضية. وهنا لا
بد من وقفة بيان. ان
العلماء بينوا انه اذا روى
الحديث بالمعنى فلا بد من ضوابط
لقبوله: كان يكون الذي رواه ثقة
ضابطاً عالماً بما يحيل المعاني. وبينوا
انه اذا وقع اختلاف فهذا
الاختلاف على نوعين: 1- اختلاف
تنوع كما في حديث من تبع الجنازة
"حتى تدفن". وجاء بلفظ "حتى
توضع". وبلفظ "حتى تلحد"
فالامر سهل وقريب. 2-
اختلاف تضاد فلا بد من دراسة
وترجيح ورد المرجوح ويعد شاذاً
او منكراً. ومن
الامثلة في ذلك:. حديث
"طلق ركانة زوجة البتة"
فعدها رسول الله واحدة لما سأله
ما اردت قال ما اردت الا واحدة
وهذا اللفظ لا اشكال فهي وهو
الصحيح ومعناه ان من طلق طلاقاً
كنائياً يرجع فيه الى نيته سواء
في اللفظ او العدد. لكن
الحديث روى بلفظ آخر "طلق
ركانة زوجة ثلاثاً" فعدها
النبي واحدة ولكن هذا تصرف
باللفظ وفق معنى غير صحيح ظنه
الراوي صحيحاً فأوقع في اشكال
خطر جعل بعض الناس ان الثلاث
واحدة, والمشكلة الكبرى هنا ان
تروى احاديث بالمعنى فتؤدي الى
فهم ملتبس او خلاف ما اراد
الشارع الكريم دون ان نكتشف ذلك
او ان يجعل بعض اهل العلم يصر
على ظاهر حديث والعلة فيه
الرواية بالمعنى. نعم,,
لقد نهض علماء نقد الحديث
والعلل الى دراسة هذه الاحاديث
وليس المقصود في هذا الامر
الطعن او ان يتخذ احد ذلك ذريعة
للطعن في السنة انما المقصود ان
هذا احد الاسباب المهمة العملية
التي تجعل المجتهد يتعامل مع
السنة انها ظنية الثبوت,
لاحتمال الخطأ من هذا الباب حتى
ولو لم يظهر لنا ولكن ولا شك ليس
لكل احد ان يشكك او ان يطعن وفق
هواه. ولا بد
ان يكون ذلك مبنياً وفق علم
واجتهاد وبرهان. ومن ذلك,
مثلاً حديث "كان فيما نزل من
القرآن عشر معلومات يحرمن ثم
نسخن إلى خمس معلومات يحرمن ثم
توفي رسول الله وهن فيما يتلى من
القرآن". ان هذا
الحديث لا يمكن ان يقبل على
ظاهرة فهل فيه علة وان هذه العلة
من اسبابها الرواية بالمعنى. ومن
الاحاديث التي تستوقفك ما روي
عن الطاعون انه وخز أعدائكم من
الجن وشهادة لكم "اخرجه
الحاكم بنظر صحيح الجامع (3846)
فان الواقع يخالف ذلك الا ان
يكون روى بلفظ آخر وبدل فيه
بالمعنى ولو من غير قصد وحديث
"إن الشمس تذهب (عند الغروب)
تسجد تحت العرش".. والواقع
العملي يخالف ذلك والحديث في
البخاري فهل تصرف الرواة باللفظ
فأدى معنى مغايراً. ومن
الاحاديث في ذلك: "ان احدكم
يجمع خلقه في بطن امه اربعين
يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل
ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك". هذا
اللفظ الصحيح للحديث, لقد رواه
بعضهم واعتمده النووي في
الاربعين فاشتهر بلفظ إن أحدكم
يجمع خلقه في بطن أمه أربعين
يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك
ثم يكون مضغة مثل ذلك" وكلها
في الصحيح حتى ظن البعض ان مدة
النطفة والعلقة والمضغة 120
يوماً بينما هي كلها في اربعين
واحدة, كما هي رواية اللفظ
الصحيح ويشهد لها احاديث اخرى
صحيحة – لا مجال لذكرها الآن -. ان سبب
الخلل هنا الرواية بالمعنى ومع
ذلك فكلها وردت في الصحيح. قلت ان
العلماء شرطوا لدقة وصحة
الرواية بالمعنى شروطا ومنها ان
لا يتعمد ذلك وان يكون ضابطاً
وعالماً بما يحيل المعنى وان لا
يكون لفظ الحديث متعبداً به كما
في الحديث ان النبي قال للبراء
بن عازب إذا أتيت مضجعك فتوضأ
وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك
الأيمن ثم قل: "اللهم أسلمت
وجهي إليك وفوضت أمري إليك إلى
أن قال: وآمنت بنبيك الذي أرسلت". فلما
ردده البراء على النبي قال آمنت
برسولك الذي أرسلت فصحح له
النبي (صلى الله عليه وسلم)
قائلاً: لا, ونبيك الذي أرسلت (خ
247). ان هذا
انموذج مهم للتدقيق في الرواية
والحرص على الالفاظ النبوية. ولكن
ليست المشكلة هنا, فلا شك ان هذه
الضوابط تجعل امن الخطأ من
الرواية بالمعنى متحققاً لكن
المشكلة ان ندرك ان الشروط قد
توافرت في حديث ما, ولذا ولوجود
الرواية بالمعنى كان الصحابة
يتحرون فيقولون او نحوه او كما
قال او شبيه ذا. لنخلص
الى القول انه لا شك وجدت
الرواية بالمعنى مما يستدعي من
المحدثين والنقاد والفقهاء
المزيد من التدقيق في فنون
الاحاديث حتى وان سلمت الاسانيد
او سلم ظاهر اللفظ. ولنقول
ان ذلك يؤكد ان السنة بهذا
المعنى, من حيث الثبوت تبقى ظنية
– أي احتمال الخطأ ممكن – بينما
القرآن هو النص الوحيد في
الدنيا الذي حفظ لفظاً ومعنى
غاية الدقة الذي ليس بعدها غاية,
وانه ما دام الامر كذلك فيبقى
ميدان الاجتهاد مفتوحاً سواء من
حيث التصحيح والتضعيف او من حيث
الاستنباط والعمل. وانه
لاجل ذلك لا بد ان يعذر بعضها
بعضاً وفوسع دائرة النظر
والاجتهاد والاختلاف على ان
يكون ذلك بعلم وحق ودليل وبرهان
بعيداً عن الهوى والتعصب. وايضاً
ان نضع هذه الظاهرة – ظاهرة
الرواية بالمعنى – في حجمها
المناسب – فلا نبالغ في الطعن
برواية بالمجرد الظن والادعاء
وان نعلم ان علماء العلل حاولوا
جاهدين ان يكشفوا عما وقع لهم من
ذلك لكن ايضاً لا يعني انهم
احاطوا بذلك. وان
نؤكد ان ذلك كله لا يجوز ان يكون
سبباً للطعن في السنة
ومصداقيتها لما بذل الصحابة فمن
بعدهم من جهود مضنية في التحري
والتثبيت والتدقيق ولقوة قواعد
النقد التي وضعها علماؤنا ومنها
محاكمة النصوص الظنية الى
النصوص القطعية والى الواقع
والتاريخ والعقل الثابت. انه اذا
اخذنا الامور وفق هذه القواعد
سلم لنا المنهج, واجتهد اهل
الاختصاص في معرفة الحق او منا
هو اقرب الى الحق ان شاء الله. يتبع.. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |