ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
لأنه
أموي أم لأن فيه صلاح الدين اختراق
في حرم الجامع الأموي هل هذا الاختراق خطوة في طريق
إزالة آثار الأمويين أم إنها حول ضريح صلاح الدين
تتمة لمقولة الجنرال غورو عندما
احتلت دمشق ووقف على قبر البطل
الذي قهر الصليبيين (ورفس) القبر
برجله وقال : قم يا صلاح الدين
الآن انتهت الحروب الصليبية ؟1!!!! د.
ناديا خوست بناء
الجامع الأموي الجامع
الأموي رمز دمشق وجوهرتها. أول
مشيدة إسلامية كبرى، والشهادة
على إبداع المعماريين
السوريين، وعلى ذوق الفنانين
القدماء الذين بقيت منهم هذه
المقاطع البراقة من الفسيفساء.
بنى المعماريون السوريون
الجامع الأموي في زمن الوليد بن
عبد الملك، "في موقع معبد
الإله السوري حدد، ومعبد جوبيتر
الدمشقي. أبقوا على الجدران
الخارجية والأبراج الأربعة
والبوابتين الشرقية والغربية،
لكنهم أبدعوا رؤية معمارية
جديدة. واستمرت أعمال بناء
الجامع عشر سنوات من سنة 86 هجرية
إلى 96 هجرية". من
يتجول في الوثائق التاريخية
ومذكرات الرحالة يشعر بأنه يدور
حول الأموي في عصور متنوعة. سحرت
هذه المشيدة الكبرى ابن جبير
القادم من الأندلس، فقاس الجامع
وترك لنا شهادة دقيقة عنه. وكتب
باحثون غربيون عن عمارته
ومقاييسه. وفصّل الدكتور طلال
العقيلي في كتابه "الجامع
الأموي"، في فرادة عمارته.
ولعل كتابه أول مؤلف شامل يكتبه
معماريون سوريون يتناول سيرة
الجامع وهندسته وفنونه. بالرغم
من القرون التي مرت على الأموي
لايزال الزائر حتى اليوم يستمتع
بجمال عناصره وتناسقها وهو
يتنقل من الحرم إلى الصحن إلى
الأروقة. ولابد أن يعود إلى
الصور بعد زيارته ليتأمل سطح
الجامع وقبة النسر. وسيحيط
بعمارة الجامع عندما يرى الصور
التي التقطها برتران، المشهور
بتصويره الأرض من الجو. وسيشعر
عندما يتفرج على تلك الصور
معروضة في حديقة تشرين بأن هذا
المصور الفنان أحاط بعناصر
الجامع المعمارية. لكن
الأموي لم يعان فقط من الحرائق
والزلازل، بل عانى من التزوير.
تجاهلت الرواية براعة المدرسة
المعمارية والفنية السورية
التي شيدت المعابد والكنائس في
بلاد الشام مفيدة من تراث
المنطقة المعماري. وردّدنا
مثلها أن بنائيه استقدموا من
القسطنطينية. لكن من يعد إلى
مصادر أخرى يتبين أن المعماريين
والفنانين السوريين بنوا
الجامع وزيّنوه مستندين إلى
تراث المدرسة السورية التي
اشتهرت في الشرق كله، وساهم
معماريوها في بناء معابد القدس
واللد وأنطاكية وغيرها. نهلت
تلك المدرسة من التقاليد
القديمة السورية الفلسطينية
التي تتداخل فيها منجزات الفن
كلها في ذلك الزمن، المحلية
الأصيلة والهلنستية والساسانية
والرومية. لذلك لعبت دورا
مركزيا في تطور الفن الإسلامي. موزاييك
الأموي جلس
الزوار في الصحن طوال عصور
ونظرهم مثبت على موزاييك الأموي.
والتقط المصورون تلك الواجهة
الفاتنة منذ بدأ التصوير. ألأن
العمل الفني الفريد واسع يتجدد
فيوهم المتأمل بأنه عميق لايحاط
به، ويغري بالعودة إليه؟ يعبّر
موزاييك الأموي عن استلهام
الفنانين السوريين الواقع
وأدائهم جوهره بفن خلاق، بمهارة
في ايجاز هوية مدينة تتميز
بنهرها وعمارتها وأنواع
أشجارها. ويوحي بعلاقة سكانها
ببيئتها من خلال شرفاتها
وواجهات بيوتها وقصورها المطلة
على بردى. ويمكن أن نتبيّن كيف
تتسلل النباتات من أشكالها
الواقعية لتؤلف مجموعات من
أشكال هندسية في توليفات خيالية
تؤسس لفن عرف فيما بعد باسم "أرابيسك".
ونستنتج علاقة الفن المعقدة
المركبة بالواقع، التي درسها
فيما بعد الفلاسفة في علم
الجمال والنقد الفني. إلى
ذلك، يصلنا موزاييك الأموي
بجلسات الشعر والموسيقى التي
كانت تجمع الناس على شاطئ بردى.
ويشهد، مع زخرفة قبة الصخرة،
على مرحلة مهمة من تطور فن
الموزاييك في العالم. ويجسد
نموذجا رفيعا من الفن الإسلامي
المبكر يوحي بطبيعة دمشق،
وبعلاقة اجتماعية إنسانية
رفيعة بالبيئة في مدينة وهبت
نظاما مائيا فريدا وغوطة ترد
عنها الصحراء. في
مستوى العمل الفني، يبيّن
الجامع الأموي أن الموهبة
الأصيلة ابنة مكانها، وقادرة
على استيعاب الفنون في زمنها،
وعلى افتتاح مرحلة تؤهل لعمل
جديد بعدها. يزيد في تقديرنا هذه
الحقائق أن نتذكر أن موزاييك
الأموي نفذ بين سنتي 705 ـ 711، في
زمن الخليفة الأموي عبد الملك
بن مروان والوليد الأول. محيط
الأموي عاش
الأموي وسط نسيج معماري من بيوت
وأسواق تستظل به. وسجل في كنوز
التراث الإنساني العالمي.
وبتسجيل دمشق مدينة تاريخية حمي
محيطه. وأسست هيئة دمشق القديمة
لتدير ذلك النسيج وفق معايير،
منها أن مايرمم يجب أن يكون
بمادة البناء التقليدية
العازلة، وأن مخططها
الكادسترائي مخطط تنظيمي
لايجوز خرقه. شكلت هيئة دمشق
القديمة من ممثلي منظمات وهيئات
وشخصيات، ومهندس واحد يمثل
محافظة دمشق. وقصد ذلك أن تكون
قراراتها نقية، علمية، تعتمد
التاريخ واحترام الذاكرة،
وتحتاط من أي نفوذ عقاري. وكان
ذلك في فترة اعتمد فيها مجلس
محافظة دمشق اقتراحنا: احترام
قرار ممثل الآثار في أية رخصة
للهدم أو البناء. لكن تلك الهيئة
قلبت لأنها عملت كهيئة ميدانية،
وأقرت نصا يعلن الحماية لجميع
أحياء دمشق خارج السور، التي
كانت عيون تجار العقارات عليها.
ومع ذلك أدار دمشق القديمة زمنا
أشخاص مخلصون خبراء عملوا بجد
وفق رؤية علمية. ولو استمروا في
عطائهم لما وقعت الأخطاء التي
نشرت الصحافة بعضها، ولاستمر
مشروع الحماية العلمية. نخصّ من
اولئك الأشخاص الدكتور موفق
دغمان الذي كنز خبرة بالمدينة
من خلال عمله في مديرية الآثار.
وكان على صلة بالمحيط الثقافي
والمعماري وبالرأي العام. وكان
باطلاعه على المعايير العالمية
في حماية المدن القديمة، يعرف
أن حماية المدن الحية لاتتحقق
إلا بحماية السكن فيها. لذلك يجب
أن يحفظ التوازن بين التوظيف
السياحي وبين حقوق السكان.
ويفيد في التوظيف الثقافي من
فضائها المعماري ليرسخ السكان
فيها، ويحفظ لها شكلا يليق بها.
كان الرجل المناسب في المكان
المناسب، لكنه استبعد أو هجّر! الخرق
في الحرم التاريخي استولد
تجاوز المعايير مشاكل كثيرة.
منها اختراق حرم الأموي. مع أن
حرم الأبنية التاريخية، ولو
كانت أقل أهمية بكثير من
الأموي، مقدس لايمس إلا
بالفرشاة. وذلك تكريم للمكان
ولصنّاعه القدماء وللذاكرة
العامة، وإشارة إلى أخلاق رفيعة
تؤمن بمقدسات وتمارس احترامها.
محيط الأموي في المستويات
الأخلاقية والتاريخية
والمعمارية والعلمية
والاجتماعية محيط لاتجوز
الاستهانة به، ولايجوز أن
يتناوله مشروع في مستوى
المقاولات. بل يفترض بمن يلامسه
أن يعرف تاريخه وقيمته معرفة
الصائغ جوهرة لامثيل لها. فوق
ذلك، يفترض أن يتذكر أن العدو
الإسرائيلي يهين المقدسات
الإسلامية والمسيحية العربية،
ويقصد اقتلاعها، ويرتّب هذا
علينا مسؤولية إضافية في حماية
كل مابقي في الأرض العربية
الحرة من تراث وطني. يسّر
تصميم الفسحة خلف الأموي للناس
أن يجلسوا ليتأملوا مئذنة
العروس التي استوحى منها العالم
الإسلامي مآذنه. ويسهل على زائر
الجيرالدا في أشبيلية أن يخمن
أنها استلهمتها. كانت تلك
الفسحة واحة للشعور بقداسة
المكان. فماذا نرى اليوم؟ الأرض
منبوشة في مشروع يكلف مالا
لاضرورة لهدره. وهناك سيارة
يستفز الناظر وقوفها وسط المكان.
وأمامنا "تصوينة" من
الإسمنت تبنى حول ضريح صلاح
الدين. أما باحة الضريح فقد قلع
منها البلاط القديم ورحّل.
وكُتبت على حجارة البحرة
القديمة أرقام بدهان أسود!
ماتراه يشعرك بأنك أمام مشروع
مقاولين، لاأمام ترميم خبراء
مختصين يلامسون المكان
التاريخي باحترام! وهاهو
المقاول يجيبنا على سؤالنا عن
بلاط الباحة: "لم تكن باحة
الضريح معبدة! أما الإسمنت فهو
مستخدم سابقا وأمامك هذا الجدار"!
يقاس إذن على الخطأ لاعلى
الصواب. وافقت هيئة دمشق
القديمة على هذه الإنشاءات فما
شأنك أيها المواطن المتطفل؟!
المسؤولون في المحافظة أكثر منك
معرفة بما يصح للمدينة. ألم تر
"رشاقة" ساحة العباسيين
التي أنفقت الملايين على كتلتها
الصماء؟ أما أن المحافظة نفسها
موظفة عند المواطنين الذين
يدفعون رواتب العاملين
والمسؤولين، فأمر لم يسمع به
أحد! لاأحد هناك يشعر بأن الدنيا
تغيرت! فندق في
حرم الأموي على بعد
خطوات، خلف ضريح صلاح الدين،
يرمم بيت محظوظ بمجاورة الجامع
الأموي والضريح. لكن زمننا الذي
يوهم بأن سطوة المال أقوى من
سطوة المعايير الفنية
والأخلاقية زيّن له أن يفيد من
موقعه ليوظف فندقا في حرم أول
مشيدة إسلامية كبرى. على باب
البيت كتب بخط كبير: "منزل
هيفاء عنبتاوي"، بدلا من
الورقة الرسمية التي توضع عادة
على البيوت التي ترمم، لتطمئن
الجيران إلى مايجري قربهم. في
المدينة الحديثة تلصق مثل تلك
الأوراق الرسمية على أبواب
البيوت التي تجدد، فلماذا تغيب
في حرم الأموي؟ لايجيبنا المشرف
على الترميم. لكننا نعرف أن لجنة
شكلتها وزارة الثقافة زارت
البيت. قبل
حماية دمشق القديمة كان الهوى
يميل إلى هدم البيت العربي
ليشيد برجا أو بناء طابقيا يحمل
الثروة لصاحبه. بعد الحماية
أصبح الحلم بالثروة يمر من بيت
عربي يحوّل إلى مطعم. وفي العالم
كله تتنوع أحلام الأفراد بتنوع
الظروف والثقافة. لكن بلديات
المدن تضبط تلك الأحلام
بالمعايير المعتمدة في
الارتفاعات والعلاقة بالبيئة
ومادة البناء وشكل الواجهات
ونوع التوظيف. فتحمي الحق العام
وهوية المدينة، والعلاقات بين
الجيران. ويتصل بهذا قرار السيد
رئيس الجمهورية منع مخالفات
البناء ومعاقبة مرتكبيها
والموظفين المتسترين عليها. فقد
قصد، بين ماقصد، ترسيخ هذه
الضوابط وحماية العلاقات بين
الجيران. والمسألة دائما من
يحرس تلك الضوابط والمعايير،
ويسهر على تنفيذها بشجاعة إنسان
نزيه ذي ضمير حي! يفترض
أن تكون مديرية الآثار هي
المرجعية لأي قرار يمس المدينة
القديمة والأبنية التاريخية
وحرمها، أكانت ملك الأوقاف أم
مستملكة للمحافظة أم ملكا شخصيا.
وقد ذكرنا أن مجلس محافظة دمشق
اعتمد أن يكون قرار ممثل الآثار
القول الفصل! في حرم الأموي تضاف
إلى تلك المرجعية حرمة المشاعر
العامة، والضرورات الوطنية
التي لاتجيز أي خرق يمكن أن
يُنسخ في مكان آخر! تجتمع إذن
المحاذير التي تحظّر الإذن
بفندق في بيت يلاصق الأموي: 1 ـ
عريضة من الجيران تعترض على
الفندق. واعتراض الجيران، عادة،
يكفي لمنع أي نشاط يرفضونه في
جوارهم. بل تعتمد بلدياتنا عادة
شكوى الجيران لمنع المخالفات. 2
ـ رفض المرجعية الأثرية توظيفا
فندقيا في حرم الجامع الأموي.
وهذا وحده يكفي لمنعه. 3 ـ لايقبل
المحيط الاجتماعي في حرم الأموي
إقامة سياح غرباء لهم حريتهم في
ملابسهم وسلوكهم. فالفندق لن
يكون سجنا يلزمهم بملابس وسلوك
يناسب ذلك المحيط! 4 ـ لايجوز أن
تسجل في جوار الأموي سابقة في
التطاول على حرم ذي مكانة في
الوجدان العام. 5 ـ رأت اللجنة
المكلفة بمعاينة الموقع برئاسة
معاون وزير الثقافة أن موقع
العقار وقربه الشديد من الجامع
الأموي وملاصقته لضريح صلاح
الدين يوجب إلغاء توظيفه
للإقامة والمبيت، وإغلاق كافة
الفتحات المطلة على الضريح
والجامع، وإلغاء تغطية أرض
الدار. (ويفترض أن يكون هذا
قرارا ملزما). 6 ـ تذكر الرسائل
إلى السيد وزير الأوقاف أن "هذه
المنطقة تقع في حرم الجامع
الكبير والضريح وهي مشمولة
بقانون الآثار". تشير
رسالة السيد أمين أبو الشامات
رئيس لجنة ترميم الأموي إلى
الفسحة التي صممت لتصل الأموي
بضريح صلاح الدين، وتسهل للزوار
تأمل مئذنة العروس: "وقد
فوجئت إدارة الجامع والأوقاف
بتغيير الحديقة التي هي من
أملاك الجامع الأموي وتغيير
معالمها واستخداماتها".
ويطلب إعادتها إلى حرم الجامع
الأموي والإبقاء على الآثار
الدينية والتاريخية والأثرية،
وإلغاء التعديات والتغييرات
ضمن منطقة حرم الجامع الأموي
الكبير وأرضه! ويذكر السيد أبو
الشامات في رسالة أخرى إلى
السيد وزير الأوقاف: "فوجئ
الجميع بترخيص هذا المنزل كفندق
سياحي في منطقة حرم الجامع وضمن
ضريح صلاح الدين.. لذلك يرجى
توجيه كتاب إلى الجهات المعنية
لإعادة المنزل سكنيا فقط حسب
التعهد المقدم من آل الأغواني
أو متابعة استملاك كامل العقار
لوجوده ضمن ضريح صلاح الدين
الأيوبي وحرم الجامع الأموي
الكبير". الخلل
في العلاقة بالمكان التاريخي في بلاد
الدنيا تبحث، حتى المشاريع
البعيدة عن حرم مكان أثري كبير،
على طاولة عامة ويستشار أهل
الحي. فلماذا تقصد الهيئات
المعنية عندنا أن تؤكد
للمواطنين أنهم قاصرون، لارأي
لهم، ويجب أن يكونوا تحت
الوصاية؟ كتبت مصادر غربية: "عندما
حمي الضغط على سورية استند
الرئيس بشار الأسد إلى شعبه".
فهل تجهل هذه الهيئات أن الشارع
السوري هبّ لدعم غزة ومنه انتشر
الغضب والتضامن العربي
والعالمي؟ يتميز السوريون بوعي
رفيع، لكن هذه الهيئات تستبعدهم
عن القرار الذي يتصل ببيوتهم
وطرقاتهم وحياتهم اليومية.
وتعزل السياسة عن العمارة مع
أنها في قلب الحقوق التاريخية
والصراع العربي الصهيوني. في ملف
الرسائل والعرائض، التي ترفض
أعمال البناء في حرم الأموي،
يُذكر مشروع "الصوت والضوء"
بمناسبة سنة دمشق عاصمة الثقافة
العربية. اقترحنا مثل ذلك
المشروع المتداول في بلاد
العالم. لكن المسألة دائما
اختيار المكان الملائم للمشروع.
فلو قصدنا البساطة الأنيقة،
واحترام عواطف سكان المدينة،
ودراسة المكان، لاهدر المال،
لتبينا، مثلا، أن الفسحة
الممتدة في الجهة الغربية هي
المناسبة! فهي أكثر سعة،
ومأهولة بالناس، وفي ملامسة
السوق. معروف أن البلديات في
بلاد الدنيا تقدم مهرجانات
الضوء لأهل المدينة في أمكنة
تاريخية، فتعبر عن الاعتداد
الوطني بذاكرة المدينة، وتقصد
فرح الناس ورضاهم لاتحدي وجدان
ابن البلد لإرضاء الغريب.
ولماذا لاينفذ مثل ذلك المشروع
في قلعة دمشق؟! على كل
حال، من يتصفح ملف هذه القضية
يدهش من "تمرير" رخصة
الفندق، خطوة خطوة، في مثل ذلك
المكان الحساس. وتجاوز
المسؤولين عن الحرم التاريخي،
والرأي العام. وذلك كله مما
يفترض أن يحساب المسؤولون عليه! وما
يستوقف الانتباه، في هذا
السياق، تناول المكان التاريخي
بخفة، وغياب تمييز العمل
الإنشائي في مكان مقفر يجيز
استخدام آليات ضخمة، من أعمال
البناء والتخطيط في أمكنة
تاريخية ومقدسة لايمسها إلا
الخبير بالفرشاة. فهل السبب
استخفاف البلديات بالمكان
التاريخي وجهلها "خصوصيته"؟
أم غياب المعيار الذي تضعه
البلديات عادة لتمنع التطاول
على التاريخ؟ أم غياب الثقافة
التي ترشد إلى القيم؟ أم
الاستخفاف بسطوة مديرية
الآثار؟ أم الثقة بأن المال إذا
وظف في السياحة كان حرا في
اختيار أي مكان يرغب فيه، ولو
اعتدى على الحرم التاريخي؟ وفوق
ذلك، جهل أن الصناعة السياحية
في العالم تختلق حتى الأساطير
لتجذب الزوار إلى المكان وتفترض
احترامه! نستنتج
أن الشرط الأول في بلديات المدن
القديمة هو فهم قيمة ماتديره،
وتقدير أن تناول تلك المدن ذو
مواصفات تختلف عن تناول المدينة
الحديثة أو الأرض المقفرة. في
المدن القديمة لابد من اختصاص
لاتكفي فيه شهادة مهندس. لابد من
معرفة التاريخ، والخبرة
بالترميم، والثقافة الجمالية
والفلسفية التي تتيح فهم
المعماريين القدماء. لابد من
الولع بالعمارة القديمة
والخشوع أمام إبداع فنانيها.
لابد من وعي وطني رفيع يحيط بأن
الأبنية التاريخية وحرمها
والنسيج المعماري شهادة على
هوية وذاكرة وحضارة. ولابد من
معرفة أن العدو سلب العرب مدن
يافا وعكا وصفد وطبرية القديمة
ووظفها ثقافيا وسياحيا كعمارة
يهودية، ويهدد الآن القدس.
ويفرض ذلك مسؤولية إضافية تلزم
بحماية الإرث المعماري وتعليم
احترامه. الفندق
في حرم الأموي،إذن، جزء من رؤية
تتناول المكان التاريخي في خفة.
فوقوف السيارات ملاصقة للجامع
الأموي، بالرغم من خطر التلوث
على موزاييكه، وبالرغم من تشويه
واجهته، إشارة إلى الاستهانة
بالمكان. يكملها تسجيل الأرقام
بالدهان الأسود على حجارة
البحرة في باحة ضريح صلاح الدين.
وترحيل بلاط تلك الباحة كأنقاض.
وبناء التصوينة الجديدة
بالإسمنت. وتخريب ساحة جميلة
بين الأموي والضريح. وجلافة
المقاول الذي يكاد يقول لمن
يسأله عما يجري: انصرف، أنت
مواطن لارأي لك! وفوق ذلك،
مايُشعر كل غيور على المدينة،
كيفما لامس "إنشاءات"
بلدياتها، بأنه مخطئ ومذنب
ومدان وربما تجب محاكمته،
والصواب مااتفق عليه المقاول مع
المحافظة! فلنتذكر
أن بلدية مونتروي الصغيرة في
ضواحي باريز دعت سكانها
لتستشيرهم: ماذا نفعل بالجدران
القديمة التي كانت تستند إليها
شجيرات الأجاص في البساتين في
القرن الماضي! بذلك أكدت للناس
بأنهم شركاء في القرار، وكسبت
ثقتهم، وبينت أنها موظفة لديهم
وليست قيّمة عليهم. نضيف أن
زيارة السيد الرئيس بشار الأسد
والسيدة أسماء الأسد إلى النمسا
وسلوفاكيا بدت للمتابع في حضن
عمارة تاريخية مجلوة ومحترمة
تعبر عن الاعتداد الوطني.
فلماذا لاتقتدي محافظة دمشق في
تناول الأبنية التاريخية
ومحيطها بمثل ذلك الاحترام،
فتستند إلى مختصين مخلصين لاإلى
مقاولين؟ نتائج وبعد،
قد يغري صاحب أي بيت يلاصق مشيدة
معمارية تاريخية دينية كبرى
ماسيجنيه إذا وظفه فندقا وفتح
نوافذه عليها. لكن الضوابط هي
التي تسوس الأحلام الفردية
بالثروة والشهرة، وتربي الناس
على مثل أخلاقية ووطنية عامة
لاتجيز للفرد أن يجرح الوجدان
العام. لذلك لم نر فندقا يلاصق
كنيسة "المخلّص" في موسكو،
أو يلاصق الفاتيكان. بل يمشي
السياح إلى الأبنية التاريخية
مستمتعين بالطريق إليها. يجب
إذن أن يلبى طلب أهل الحي،
واقتراح السلطة الأثرية، وقرار
رئيس لجنة الأموي، وطلب وزارة
الأوقاف. ويجب أن يحاسب بصرامة
من سمح بفندق في جوار الأموي،
ومن ستر أعمال البناء وأباح ألا
توضع ورقة رسمية على الباب تعلن
مايجري من أعمال في ذلك البيت،
وتحدى الوجدان العام. وإذا
أردنا العودة إلى مسار الحماية
يفترض أن يغير الإصلاح بنية
هيئة دمشق القديمة، لتعود هيئة
تمثل منظمات وهيئات علمية بعيدة
عن العقارات. وبنية بلديات
المدينة القديمة لترجح فيها
الثقافة والنقاء والصلة الحسنة
بأهل المدينة وبالرأي العام.
وبنية محافظة المدينة نفسها
لتليق بالموقف السياسي الوطني
الذي تمثله دمشق كعاصمة
المقاومة العربية. فننتقل من
ترفّع الوصي إلى تواضع المؤمن
بأنه يعمل لدى أهل المدينة،
ويستحق أجره على جهده، ويستشير
الناس ويطلب رضاهم عليه. ـــــــــ المصدر
: موقع اتحاد الكتاب العرب –
السبت 23 أيار/ مايو 2009 -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |