ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
90عاماً
على وعد بلفور قصة
117 كلمة إنجليزية زورت تاريخ
وجغرافيا الشرق الأوسط
مأمون
كيوان / دمشق صدر قبل 90 عاما تصريح
بلفور المشؤوم، بنصه الشهير
التالي: “عزيزي اللورد روتشيلد:
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة
عن حكومة صاحب الجلالة التصريح
التالي الذي ينطوي على العطف
على أماني اليهود والصهيونية،
وقد عرض على الوزارة وأقرّته: “إن
حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين
العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب
اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية
جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية،
على أن يكون مفهوماً بشكل واضح
أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن
ينتقص الحقوق المدنية والدينية
التي تتمتع بها الطوائف غير
اليهودية المقيمة الآن في
فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع
السياسي الذي يتمتع به اليهود
في البلدان الأخرى. وأكون
ممتناً لكم لو أبلغتم هذا
التصريح إلى الاتحاد الفيدرالي
الصهيوني. إذا ما أحطتم اتحاد
الهيئات الصهيونية علماً بهذا
التصريح. المخلص آرثر بلفور”. وهذه
الدراسة تعرض وتعالج الحجج
القانونية الدامغة التي تثبت
بطلان وعدم قانونية تصريح بلفور
من وجهة نظر القانون الدولي. قبيل
صدور تصريح بلفور في العام ،1917
كانت الحركة الصهيونية قد عقدت
أحد عشر مؤتمرا عاما لها تم فيها
حسم الخيارات الصهيونية وتكريس
سيطرة جناح الصهيونية السياسية
الذي تزعمه منذ البداية تيودور
هرتزل، واستند إلى نظرية مفادها
أن حل المسألة اليهودية لن يتم
بالهجرة والاستيطان فحسب،
وإنما أيضا بمساعدة واعتراف
دوليين، وهو جوهر منظور هرتزل،
الذي عبر عنه بمصطلح “البراءة
الدولية” charter))
الذي عبر عنه هرتزل في
المؤتمر الصهيوني الثالث 1899
بصيغة رسمية مفادها: “تتجه
مساعينا صوب الحصول على براءة
من الحكومة التركية بحيث تأتي
هذه البراءة في ظل سيادة صاحب
الجلالة السلطان العثماني. وحين
تصبح هذه البراءة في حوزتنا،
شرط أن تشتمل على الضمانات
القانونية العامة اللازمة،
يمكننا آنذاك الشروع في استعمار
عملي واسع النطاق. وسوف نجلب
للحكومة التركية منافع كبرى
لقاء منحها إيانا هذه البراءة”. وبعد
قيام “إسرائيل” زعم “الإسرائيليون”
أن كيانهم السياسي الاستعماري
الاستيطاني يتمتع بالشرعية
القانونية الدولية، وذلك على
اعتبار أن تصريح بلفور وصك
الانتداب البريطاني على فلسطين
اعترفا بالأمرين التاليين: أولا:
الصلة التاريخية بين الشعب
اليهودي وفلسطين. وثانيا: حق
الشعب اليهودي في إعادة تأسيس
وطنه القومي. وأقرت
الجمعية العامة للأمم المتحدة
في العام 1947 مشروع التقسيم الذي
يدعو إلى إقامة دولة يهودية في
“أرض إسرائيل” وناشدت سكان
البلد اتخاذ الخطوات الكفيلة
بوضع المشروع موضع التنفيذ.
فضلا عن أن اعتراف الأمم
المتحدة بحق الشعب اليهودي في
إقامة دولته يؤلف أمرا يتعذر
الرجوع عنه أو إلغاؤه. التصريح
وسياقاته التاريخية- السياسية قدم
الوزير البريطاني اليهودي
الصهيوني هربرت صاموئيل في سنة
1908 مذكرة اقترح فيها تأسيس دولة
يهودية في فلسطين تحت إشراف
بريطانيا شارحا الفوائد
الاستعمارية التي ستجنيها
بريطانيا من قيام هذه الدولة في
قلب العالم العربي والقريبة من
قناة السويس. وافق العديد من
سياسيي بريطانيا على هذه
المذكرة ومن بينهم: لويد جورج
وآرثر بلفور. وقد صدر تصريح
بلفور الذي شكّل محطة رئيسية في
تاريخ الاستيطان الصهيوني،
وبالتالي القضية الفلسطينية،
في سياق الحرب العالمية الأولى،
بأسبابها وأهدافها. وعندما بانت
نتائجها بالانسجام مع المخططات
البريطانية إزاء المنطقة. فقد جرت
خلال سني الحرب العالمية الأولى
محادثات سرية بين الحكومة
البريطانية وزعماء الصهيونية
للوصول إلى اتفاق بشأن منح
فلسطين لليهود عقب نهاية الحرب.
وحرص الصهيونيون على إظهار
محاسن مثل هذا الاتفاق
للاستعمار البريطاني، وقد مهّد
هايين وايزمان لذلك برسالة
نشرها بتاريخ 12/11/1915 في جريدة “المانشستر
غارديان” جاء فيها بالحرف “إذا
دخلت فلسطين ضمن منطقة النفوذ
البريطاني ووافقت الحكومة
البريطانية على تشجيع إسكان
اليهود فيها فانه يمكن أن يصير
لنا فيها خلال عشرين أو ثلاثين
عاماً نحو مليون يهودي أو ربما
أكثر من ذلك فيشكلون حراسة
عملية قوية لقناة السويس”.
ووصلت المحادثات البريطانية
الصهيونية ذروتها في خريف العام
1917 عندما أخذت وزارة الحرب
البريطانية تبحث رسمياً في
مسألة تحقيق الأهداف الصهيونية
في فلسطين وإصدار وعد بهذا
الشأن. وقد بعث وايزمان برسالة
إلى وزارة الحرب هذه بتاريخ
1917/10/14 قال فيها “إننا نعلن لكم
بصراحة واحترام أننا نترك بين
أيديكم مصيرنا الوطني الصهيوني
آملين أن تنظروا إلى قضيتنا في
ضوء مصالح الإمبراطورية
البريطانية”. وكانت
بريطانيا وحلفاؤها قد بذلت
وعوداً عديدة بقصد الاعتراف
باستقلال العرب والعمل على
تحقيقه. وكان من جملة هذه الوعود
والتأكيدات: المراسلات التي جرت
في عام 1919-1915 بين الملك حسين ملك
الحجاز، وكان يومئذ شريف مكة
وهنري مكماهون المندوب
البريطاني في مصر. وكتاب هوجارت
الذي وجهته الحكومة البريطانية
إلى شريف مكة في كانون الثاني/يناير
1918 رغبة في تبديد مخاوف العرب من
ناحية تصريح بلفور. وتصريح
السبعة، وهو الصادر في 16/6/1918
والذي أكد لسكان الأقاليم التي
تحتلها قوات الحلفاء بان حكم
هذه الأقاليم في المستقبل
سيستند إلى رضا المحكومين
وموافقتهم. والتصريح الإنجليزي
الفرنسي الصادر في 7/11/1918 وقد جاء
فيه، أن الغاية التي تتوخاها
فرنسا وبريطانيا العظمى من خوض
غمار الحرب إنما هي التحرير
الكامل النهائي للشعوب التي طال
زمن استعباد الترك لها، وإقامة
حكومات وإدارات وطنية تستمد
سلطاتها من الممارسة الحرة
لحقوق الشعوب المحلية
واختيارها. وقد نثرت آلاف النسخ
من هذا التصريح بمنشورات ألقتها
الطائرات فوق فلسطين. مسودات
التصريح على ضوء
اتضاح المسار العام لنتائج
الحرب العالمية الأولى لصالح
بريطانيا وفرنسا، بدأت
المباحثات البريطانية-
الصهيونية في شباط 1917 تم خلالها
صياغة ست مسودات لتصريح بلفور
هي التالية: المسودة
التمهيدية لوزارة الخارجية
البريطانية المعدة في يونيو/
حزيران أو يوليو/ تموز 1917 كانت
الألفاظ الرئيسية عندما أعدت
هذه المسودة هي: اللجوء والملجأ.
والتصور أن تعلن الحكومة
البريطانية تحبيذها لكي ينشأ في
فلسطين “ملاذ لضحايا الاضطهاد
من اليهود”. واحتج على هذه
الصيغة ناحوم سوكولوف عضو
اللجنة التنفيذية للمنظمة
الصهيونية العالمية بقوله: “لن
تلبي حاجات القضية إطلاقا”. المسودة
التمهيدية الصهيونية في 12/7/1917:
نصت على أن الحكومة البريطانية
“تقبل بمبدأ الاعتراف بفلسطين
وطنا قوميا للشعب اليهودي وحق
الشعب اليهودي في بناء صرح
حياته القومية بفلسطين تحت ظل
حماية تجري إقامتها عند إبرام
الصلح وعقب انتهاء الحرب إلى
النجاح (....) منح الاستقلال
الداخلي للقومية اليهودية
بفلسطين، (و) حرية الهجرة لليهود”.
لم يجر تقديم هذه المذكرة
رسميا، ولذلك صرح سوكولوف في
رسالة تفسيرية إلى اللورد
روتشيلد بوجوب النص على مبدأين
أساسيين هما: الاعتراف بفلسطين
وطنا قوميا للشعب اليهودي،
والاعتراف بالمنظمة الصهيونية. المسودة
الصهيونية في 18/7/1917: نصت على ما
يلي: 1- إن حكومة جلالة الملك
تقبل المبدأ القائل بأنه يجب
تحويل فلسطين وطنا قوميا للشعب
اليهودي. 2- سوف تبذل حكومة
جلالته أفضل مساعيها لضمان
تحقيق هذا الهدف، وسوف تبحث في
الطرق والوسائل اللازمة مع
المنظمة الصهيونية. مسودة
بلفور المقدمة في شهر اغسطس/ آب
1917: نصت على ما يلي: إن حكومة
جلالته تقبل المبدأ القائل
بإعادة تكوين فلسطين وطنا قوميا
للشعب اليهودي. وهي سوف تستخدم
أفضل مساعيها لضمان تحقيق هذه
الغاية، كما أنها على استعداد
للنظر في أية مقترحات حول
الموضوع قد ترغب المنظمة
الصهيونية في عرضها عليها. مسودة ميلنر
المقدمة في شهر آب 1917: نصت على ما
يلي: إن حكومة جلالته تقبل
المبدأ القائل بإتاحة كل فرصة
ممكنة لإقامة وطن بفلسطين للشعب
اليهودي، وسوف تستخدم أفضل
مساعيها لتسهيل تحقيق هذه
الغاية، كما تكون مستعدة للنظر
في أية مقترحات حول الموضوع قد
ترغب المنظمة الصهيونية في
عرضها عليها. مسودة ميلنر-آمري
في 4/10/1917: نصت على ما يلي: إن
حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين
العطف إلى تأسيس وطن قومي في
فلسطين للجنس اليهودي، وسوف
تبذل أقصى مساعيها لتسهيل تحقيق
هذه الغاية، على أن يفهم جليا
بأنه لن يؤتى بعمل من شأنه إلحاق
الأذى بالحقوق المدنية
والدينية للطوائف غير اليهودية
الموجودة بفلسطين، أو الحقوق
والمكانة السياسية التي يتمتع
بها في البلدان الأخرى أولئك
اليهود الذين يشعرون بقناعة
تامة إزاء جنسيتهم ومواطنيتهم
الراهنة. ومما لا
بد ذكره أن اللورد كرزون كان
وحده بين المسؤولين
البريطانيين آنئذ، وهو نائب
الملك في الهند سابقاً والوزير
البارز في وزارة الحرب، الذي
توقف بعض الوقت عند المضامين
والمغازي التي ينطوي عليها وعد
بلفور، مبيناً أثناء جلسة
مناقشته في الوزارة البريطانية
أن إعطاء هذا الوعد افتئاتاً
على حقوق مصالح إسلامية وعربية
أساسية، فقد قال حسبما ورد في
سجل وقائع الاجتماع الذي جرى في
4/10/1917: “كيف يعقل أن يقترح
التخلص من أغلبية السكان
الحاليين المسلمين وإحلال يهود
محلهم؟”. وهو يرى أن تأمين حقوق
مدنية ودينية متساوية لليهود
المقيمين في فلسطين سياسة أفضل
من العمل على إعادة اليهود إلى
فلسطين على نطاق واسع، وهو “أمر
يعتبره من مظاهر المثالية
العاطفية التي ينبغي ألا يكون
لحكومة صاحب الجلالة شأن بها من
قريب أو بعيد”. وقد بلور كرزون
وجهة نظره في مذكرة قدمها إلى
الوزارة مؤرخة في 26/10/،1917 أوضح
فيها بجلاء المكانة التي تحتلها
مدينة القدس في دنيا الإسلام
والمسيحية، ويشير إلى المشكلة
الإنسانية التي ينطوي عليها وعد
بلفور إذ يقول: “يوجد هناك ما
يزيد على نصف مليون من العرب
السوريين، وقد استوطنوا هم
وأجدادهم البلاد منذ قرابة 1500
عام، وهم أصحاب الأرض التي
يتقاسم ملكيتها الملاك
والمجتمعات القروية، ولن يرضى
هؤلاء بمصادرة أراضيهم
وانتزاعها منهم لتسليمها
للمهاجرين اليهود أو أن يكونوا
مجرد حطابين وسقائين لهم”. ولإيضاح
درجة خطورة هذا التصريح قال
الكاتب والصحافي البريطاني
دايفيد هيرست في كتابه الشهير “البندقية
وغصن الزيتون”: كان وعد بلفور
إحدى وثيقتين رئيسيتين شكلتا
التاريخ الحديث في الشرق الأوسط.
أما الوثيقة الثانية فهي
اتفاقية سايكس-بيكو (...) ولقد جاء
وعد بلفور نتيجة لاتفاقية سايكس-بيكو
إلا أن أهميته تفوق أهمية هذه
الاتفاقية كثيرا. بل من الصعب
جدا اعتبار أن أي وثيقة غيرت
مجرى التاريخ تغييرا عشوائيا
مثلما فعلت هذه الوثيقة.
فالصراع العربي-الصهيوني هو في
العالم المعاصر المشكلة الأولى
التي يحتمل أن تفجر يوم القيامة
النووي. وإذا حصل ذلك فإن من
يبقى على قيد الحياة من
المؤرخين لاشك سيسجل أن المشكلة
كلها ابتدأت برسالة مختصرة،
بريئة المظهر لا تزيد على 117
كلمة بالإنجليزية وجهها آرثر
بلفور وزير الخارجية البريطاني
إلى اللورد روتشيلد في الثاني
من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917.
فيما لم يجد المؤرخ الكبير
ارنولد توينبي مناصاً من إدانة
بلاده على تقديم وعد بلفور
للحركة الصهيونية، معلناً انه
كإنجليزي يشعر بالخجل والندم
الشديدين على ازدواجية
المعايير الأخلاقية التي حكمت
سلوك حكومة بلاده في الإقدام
على هذه الفعلة المنكرة. دحض
قانونية وشرعية التصريح هناك
حجج وبراهين قانونية تثبت أن
إجراءات الانتداب كانت خرقا
لميثاق عصبة الأمم وان التقسيم
كان تجاوزاً لصلاحيات الأمم
المتحدة وان وجود “إسرائيل”
مخالف للقوانين والمبادئ
القانونية. فضلا عن الحجج التي
تثبت بطلان ولا قانونية تصريح
بلفور لجهة مخالفته للقانون
الدولي والأعراف الدولية. ويمكن
تلخيص أبرز النقاط الأساسية
التي تضمنتها الحجج العربية على
النحو الآتي: تأكيد
الحق الثابت والأصلي لسكان
فلسطين الأصليين بتقرير
دستورهم وحكومتهم في المستقبل. العهود
والتأكيدات التي أعطتها
بريطانيا للعرب في أثناء الحرب
العالمية الأولى ( ومنها
التصريح البريطاني-الفرنسي سنة
1918) بصدد استقلال البلاد
العربية ومستقبلها عند نهاية
الحرب هل كانت تشمل فلسطين أم
لا؟ هل
تصريح بلفور الذي أعطي دون
معرفة سكان فلسطين الأصليين أو
موافقتهم يتمتع بالصحة
القانونية ويلزم شعب فلسطين؟
وهل هو منسجم مع الوعود
والتأكيدات السابقة واللاحقة
المعطاة للعرب؟ هل نصوص
صك الانتداب على فلسطين
والمتعلقة بإنشاء الوطن القومي
اليهودي فيها مطابقة لأهداف
عصبة الأمم ونصوص ميثاقها (المادة
22 منه بنوع خاص) ومتمشية مع تلك
الأهداف والنصوص؟ وهل يمكن
التوفيق في هذا الصك بين النصوص
الواردة فيه والمتعلقة بإنشاء
الوطن القومي اليهودي، وبين ما
تضمنته من نصوص أخرى متعلقة
بتطوير الحكم الذاتي والحفاظ
على حقوق عرب فلسطين ومركزهم؟ ألا
يعني حل عصبة الأمم بدوره زوال
الأساس القانوني للانتداب على
فلسطين؟ أو ليس من واجب الدولة
المنتدبة إذ ذاك أن تسلم السلطة
والإدارة إلى حكومة فلسطينية
تمثل الشعب الشرعي والحقيقي في
فلسطين؟ وكانت الحجج العربية
التي تدحض المزاعم الصهيونية
حول قانونية تصريح بلفور، تتمثل
في التالي: هذا
الوعد لم يكن يمثل أي سند قانوني.
فقد صدر عمن لا يملك وأعطي لمن
لا يستحق، فلا بريطانيا كان لها
أية ولاية على فلسطين حين إصدار
الوعد ولا كان للحركة الصهيونية
في فلسطين أي حق قانوني أو
أخلاقي. ولم يراع صك الانتداب
على فلسطين بالذات نص المادة 22
من عهد العصبة أو روحها على
علاتها القانونية والأخلاقية.
فقد كان الهدف الواضح منه ليس
تحقيق رفاهية شعب الإقليم
الأصلي وتقدمه كأمانة مقدسة في
عنق المدنية بل بكل بساطة
التمهيد أو التهيئة لترجمة وعد
بلفور إلى واقع عملي وبالصورة
التي قصدها وتعني إقامة دولة
يهودية في فلسطين. وتقول مقدمة
صك الانتداب على فلسطين... ولما
كانت دول الحلفاء الكبرى قد
وافقت أيضا على أن تكون الدول
المنتدبة مسؤولة أيضا عن تنفيذ
التصريح الذي أصدرته في الأصل
حكومة صاحبة الجلالة
البريطانية في اليوم الثاني من
تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917
وأقرته الدول المذكورة لصالح
إنشاء وطن قومي لليهود في
فلسطين على أن يفهم جلياً انه لن
يؤتى بعمل من شأنه الإضرار
بالحقوق المدنية والدينية التي
تتمتع بها الطوائف غير اليهودية
الموجودة الآن في فلسطين. ولما
كان قد اعترف بذلك بالصلة
التاريخية التي تربط الشعب
اليهودي بفلسطين وبالأسباب
التي تبعث على إعادة إنشاء
وطنهم القومي في تلك الدول”. صك
الانتداب لا يأتلف مع نظام
الانتداب في المخالفتين
الجوهريتين التاليتين: 1-اعتبرت
المادة 22 من ميثاق العصبة ان
الانتداب، يشكّل رسالة حضارية
مقدسة وان غايته هي تسهيل إنقاذ
الشعوب التي كانت خاضعة لسيادة
بعض الدول ولم تصل إلى مرحلة
كافية من النضج السياسي
والاجتماعي الكامل. وعين صك
الانتداب على فلسطين حدود
السلطة والرقابة والإدارة التي
تتمتع بها دولة الانتداب، واخضع
إدارة الانتداب لالتزامات
معينة كالحفاظ على حرية الضمير
وممارسة الشعائر الدينية
وتنظيم القوات اللازمة لحفظ
السلم والدفاع عن البلد وإدخال
نظام زراعي يلائم حاجاته،
وتطوير ثقافة السكان وإنماء
الثروات فيه، وعدم إنهاء
الانتداب إلا بإقامة حكومة
مستقلة في فلسطين. غير أن
المادة الأولى من صك الانتداب
خالفت هذه الأهداف عندما منحت
السلطة المنتدبة أوسع
الصلاحيات في نطاق التشريع
والإدارة، الأمر الذي شجع سلطة
الانتداب على تطبيق تشريعها
الخاص في أكثر من مجال. ثم إن
التقيد بمبادئ نظام الانتداب
كان في معظم الأحيان، تقيداً
ظاهرياً ينطوي على تحيز في
المعاملة وتمييز بين فئات
السكان. 2-تبنت
المادة الثانية من صك الانتداب
وعد بلفور الذي تعهدت فيه
بريطانيا في 2/11/1917 إقامة وطن
قومي للشعب اليهودي في فلسطين. هذا
الوعد باطل لعدة أسباب: أ- لأن
الوعد صدر في عام 1917 أي في وقت لم
يكن لبريطانيا فيه أية صلة
قانونية بفلسطين. ب- لأن احتلال
بريطانيا لفلسطين حدث بعد صدور
الوعد، ولأن قانون الاحتلال
الحربي لا يجيز لدولة الاحتلال
التصرف بالأراضي المحتلة، ولان
الحكومة البريطانية أعلنت في
مناسبات كثيرة أن الهدف من
احتلالها هو تحرير فلسطين من
السيطرة العثمانية وإقامة
حكومة وطنية فيها. ج- لأن الوعد
أعطى فلسطين لمجموعة من الناس
لا تملك أية صفة أو حق في تسلمها
أو استيطانها أو احتلالها. د-لأن
الوعد ليس اتفاقية مع دولة أو
كيانات دولية ذات سيادة،
فاللورد بلفور مسؤول بريطاني،
ولكنه لا يملك حق التعاقد باسم
دولته. واللورد روتشيلد مواطن
بريطاني صهيوني، ولكنه لا يمثل
الطائفة اليهودية المنتشرة في
العالم.. والطائفة اليهودية لم
يكن لها شخصية قانونية دولية. ه-لأن
الوعد اضر بالحقوق التاريخية
والحقوق المكتسبة لسكان
فلسطين، فهؤلاء السكان موجودون
في فلسطين منذ آلاف السنين، وقد
اعترفت لهم الدول الحليفة
المنتصرة في الحرب العالمية
الأولى بحق تقرير المصير وحق
اختيار النظام السياسي
والاجتماعي الذي يلائمهم. ولان
الوعد يتناقض مع بعض المواد في
ميثاق عصبة الأمم أو صك
الانتداب فهو مثلاً يتناقض مع
المادة العشرين من الميثاق التي
تنص على “إن جميع أعضاء العصبة
يقرون كل ما يعنيه، بان هذا
الميثاق يلغي كل الالتزامات أو
الاتفاقيات الدولية المتعارضة
مع أحكامه. ويتعهدون رسمياً
بعدم عقد التزامات أو اتفاقيات
مماثلة في المستقبل. وإذا كان
أحد الأعضاء قد تقيد، قبل دخوله
العصبة، بالتزامات متعارضة مع
أحكام الميثاق، فعليه اتخاذ
التدابير الفورية للتخلص منها”. تصريح
بلفور باطل بسبب واضح هو أن
بريطانيا التي أصدرته لا تملك
فلسطين ولا تملك حق تقرير مصير
شعبها، إنما فلسطين ملك شعبها
بأكثريته العربية، وهو وحده
يملك حق تقرير مصيره طبقاً
لمبدأ حق الشعوب في تقرير
مصيرها. عندما
صدر التصريح في 2/11/1917 كانت
فلسطين لا تزال جزءاً من الدولة
العثمانية، ولم تكن بريطانيا
ومعها دول الحلفاء أكثر من محتل
لجزء من فلسطين. التصريح
يتعارض والتزامات بريطانيا
بالاعتراف باستقلال البلاد
العربية وبضمنها فلسطين، تلك
الالتزامات التي ارتبطت بها
بريطانيا بمكاتباتها مع الشريف
حسين بن علي. حيث حارب العرب
وبضمنهم عرب فلسطين جنباً إلى
جنب مع بريطانيا على أساس من ذلك
الاتفاق والاعتراف باستقلال
البلاد العربية. ليس
لتصريح بلفور صفة الإلزام
القانوني، فهو تصريح من جانب
واحد، لا التزامات متقابلة فيه،
وقد صدر في شكل رسالة من وزير
خارجية دولة إلى أحد رعايا
الدولة ذاتها، فليس لهذا
التصريح صفة المعاهدة أو
الاتفاق أو العقد الدولي. إذ لا
بد لاعتبار وثيقة ما كذلك وفقاً
لقواعد القانون الدولي من توفر
شرطين: أ-أن تكون تلك الوثيقة
جرت بين شخصين قانونيين من
شخصيات القانون الدولي. ب-أن
يكون قد أبرمها ممثلون عن
الشخصية المذكورين، مفوضون
بذلك رسمياً وفقاً للأصول
والقواعد الدولية. التصريح
مبني لتحقيق غاية غير مشروعة
ومخالفة للقانون الدولي. تصريح
بلفور يجعل فلسطين “وطناً”
لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين،
حيث لم يكن في فلسطين من اليهود
عند صدور التصريح سوى خمسين
ألفا من اصل عدد اليهود في
العالم حينذاك ويقدر بحوالي 12
مليوناً. في حين كان عدد السكان
العرب في ذلك الوقت 650 ألفا. التصريح
لا يعترف لأكثرية سكان فلسطين
وهم العرب إلا بحقوق مدنية
ودينية، أما الحقوق السياسية
فلا اعتراف لهم بها. تصريح
معاكس مقابل
ما شكله تصريح بلفور قبل 88 عاما
من تزييف للتاريخ ومنح من لا
يملك فلسطين لمن لا يستحقها، لا
بد من الإشارة إلى أن وزير
الخارجية البريطاني جاك سترو
أقر في مقابلة مع مجلة “نيو
ستيتمان” الأسبوعية في 15/11/2002
بمسؤولية بلاده التاريخية عن
الكثير من النزاعات الحالية
بالمنطقة العربية وخاصة القضية
الفلسطينية والنزاع بين الهند
وباكستان حول إقليم كشمير من
خلال قوله: “إن الكثير من
النزاعات الحالية بين الدول هي
من نتائج ماضينا الإمبريالي،
وينبغي علينا تسويتها”. وأقر أن
بلاده أعطت وعد بلفور لليهود،
والذي يعدهم بوطن في فلسطين،
وفي الوقت نفسه منحت ضمانات
متناقضة لكل من الفلسطينيين
واليهود. “وهذه الأشياء تمثل
تاريخا مهما لنا، لكنه ليس
تاريخا مشرفا”. وهذا التصريح
البريطاني المتأخر لم يرفق ببذل
أي جهد سياسي حقيقي لإلغاء بعض
آثار تصريح بلفور عن كاهل الشعب
الفلسطيني، كما أن الحكومة
البريطانية الحالية لم تقدم أي
دعم للقرارات الدولية التي تدين
“إسرائيل” على مخالفتها لكافة
القوانين والأعراف الدولية
والقرارات الصادرة عن الشرعية
الدولية ممثلة بهيئة الأمم
المتحدة ومؤسساتها الرئيسية
وفي مقدمها مجلس الأمن الدولي. ------------------------ الدارسة
المنشورة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |