ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 22/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإستراتيجية العسكرية الأمريكية بين مزدوجي المهارشة والقدرة المكتسبة

د.مهند العزاوي*

تُعرف المدرسة الغربية الإستراتيجية العسكرية هي ((فن استخدام القوة للوصول إلى أهداف سياسية, وإنها فن حوار القوى وحوار الإرادات التي تستخدم القوة لحل خلافاتها)), أي أن الإستراتيجية تضع مُخططات الحرب، وتحدد التطور المتوقع لمختلف المعارك, وفي تعريف أخر لها هي ((علم وفن توزيع واستخدام مختلف الوسائل العسكرية لتحقيق أهداف حددتها السياسة وذلك باستخدام القوة أو التهديد بها)) , كما وتعرف العقيدة العسكرية هي ((كافة الأفكار والمفاهيم والآراء والتعاليم، التي تستخدمها القوات المسلحة سلما وحربا)) وتعتبر ظل العقيدة السياسية, وان الإستراتيجية العسكرية  تبدأ من حيث تنتهي العقيدة العسكرية.

تعد الإستراتيجية العسكرية من حيث محتواها أعلى مجال من مجالات النشاط العسكري "Military Activity" وهي تعبر عن مزاوجة العلم النظري والخبرة العملية في أعداد القوات المسلحة للدولة، واستخدامها الأمثل في الحرب، وكذلك نشاط القيادة العسكرية العليا عند تنفيذ المهمات الإستراتيجية Strategic" "Missions في الصراع المسلح بغية تحقيق النصر, ويقسم فن الحرب الحديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: الفن الاستراتيجي، الفن ألعملياتي، فن التكتيك (أو ما يطلق عليه اصطلاح "تعبئة").

 

تقرير المراجعة الدفاعية لـ 2010- 2014

أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية في شباط 2010 تقرير"المراجعة الدفاعية 2010-2014" (Quadrennial Defense Review) والذي يتكون من 128 صفحة، وقد استغرق صياغته عاما كاملا، وشارك في إعداده  700 شخصية من وزارة الدفاع ومنظومات التسليح ومراكز الدراسات المعنية وخبراء عسكريين بهذا الشأن .

حدد التقرير إطار العمل الإستراتيجي لوزارة الدفاع , وكيفية استخدام الموارد لتحقيق النصر في الحرب, ورسم الخطوط العريضة في التعامل مع التهديدات الآنية والوسيطة ,وتطوير القدرات العسكرية المختلفة للحروب القادمة, كما وحدد التقرير قائمة الأهداف الإستراتيجية، و شكل المخاطر والتهديدات المحتملة في الفترة المحددة , وكذلك إدامة زخم الإنفاق العسكري, وقد أعلنت الموازنة الدفاعية الأمريكية لعام 2011 والتي قدرت بـ 708.8 مليارات دولار لهذه السنة وبزيادة مقدارها 44 مليار دولار عن العام الماضي ، و تضمنت ميزانية حربي العراق وأفغانستان التي تبلغ قرابة 320 مليار دولار لعامي2010 - 2011 , مما يؤكد استمرار سياسة المهارشة الإستراتيجية بالوجود المباشر وتخفيف الأنفاق عبر القضم بالقدرة المكتسبة (إستراتيجية مركبة), وكذلك استخدام العمليات العسكرية الخاصة الأقل كلفة وذلك باستخدام الطائرات بدون طيار, وخصخصة المعلومات, وتنفيذ العلميات الخاصة النوعية , وتؤكد الإستراتيجية بان النزعة العسكرية الأمريكية  لا تزال قائمة , وباستخدام  مطرقة  الإرهاب النووي الأمريكية بدلا من نزع أسلحة الدمار الشامل ,وذلك يوسع قائمة الإرهاب وفق المنظور الأمريكية, ونجد أن الإستراتيجية تعتمد التوازن البراغماتي الواقعي, والمتمثل بتقليل الإنفاق الحربي الامريكي , ولكنه  لم يعالج ترهل الانفتاح العسكري الاستراتيجي في القواعد البرية والبحرية ونشر الأساطيل في البحار وتكاليف إدامتها عملياتيا ولوجستيا, وكذلك تراجع القدرة العسكرية وأنهاك القوات المسلحة , ناهيك عن تعزيز الاحتياط الاستراتيجي, والإنفاق الإضافي للانفتاح ألمخابراتي ألشبحي في أسيا وأوربا والباكستان والسودان واليمن والصومال ولبنان ..الخ , وفق تطبيقات الإستراتيجية الوسيطة لتستعيد أمريكا قدرتها الصلبة, والملاحظ انخفاض سقف الأهداف الإستراتيجية العسكرية, ولعل ابرز المحاور الأساسية التي طرحت عبر التقرير  هي:-

1. إدامة تحقيق الأهداف والغايات الإستراتيجية المنصوص عليها في الإستراتيجية العليا/ الشاملة للولايات المتحدة الأمريكية , والمحددة في الإستراتيجية العسكرية .

2. أعادة تقييم البيئة الاستراتيجة , وتحديد قائمة التهديدات الرئيسية والتحديات الآنية والمحتملة التي يواجهها الجيش الأمريكي ضمن تلك الفترة الزمنية.

3. إعادة تأهيل القوات المسلحة الأمريكية, ورفع مستوى جاهزيتها , وتحقيق التوازن بين مختلف القدرات العسكرية لتحقيق ما يسمى النصر في الحروب الحالية.

4. الاستمرار في مشاريع التسليح الحالية وتطوير القدرات الفضائية بغية التعامل مع الحروب المتوقعة ضمن لوحة الحرب الأمريكية.

5. استمرار العمليات والأنفاق العسكري على حربي العراق وأفغانستان.

6. عسكرة السياسية الخارجية بالاعتماد على التحالفات القديمة والشراكات الجديدة.

7. تقيم العدو القادم بمزدوجي الدول والفاعلين الغير حكوميين.

  الحروب الآنية والقادمة

1. حدد التقرير سقف عالي لما يطلق عليه (النصر في حروب اليوم), وتعد حربي أفغانستان والعراق ذات أولوية قصوى لدى وزارة الدفاع الأمريكية, وهذا يتطلب استمرار العمليات للجيش الأمريكي هناك, مع  تعديل النمط والسلوك الحربي الى مفاهيم حربية وشبحيه مركبة , تستند على أذكاء الصراع السياسي الطائفي والعرقي , مع زيادة وتيرة القمع المجتمعي وتهجير السكان, وباستخدام القوة الناعمة والذكية(1) , وقد حشدت كافة مواردها من خلال تكليف وكلائها بمهام التنظيف المعلوماتية والمخابراتية , وقد  تحولت القوات الأمريكية في العراق من العمليات الحربية المباشرة الى المهارشة(2) بالعمليات الخاصة والشبحية وبما يطلق عليه ( التنظيف الناعم) , وكذلك الحرب في أفغانستان وعلى الرغم كونهما مستنقع حربي, الى أن لا تزال القاعدة وطالبان تأخذ الأسبقية الأولى في الإستراتيجية العسكرية لوزارة الدفاع الأمريكية , وفق المسار الذي استخدمته الإدارة الأمريكية السابقة، وحدد فلسفة العمل العسكري هناك بتوليف عمل الجيش الأمريكي مع الحلفاء الإقليميين والدوليين, لتعطيل عمل القاعدة وتفكيكها وقضم ما يسمى بالملاذات الآمنة في أفغانستان , وفي دول الطوق الجغرافي من خلال اجترار تجربة العراق, وحشد حلفائها وشركائها لمساعدة حكومات أفغانستان وباكستان للقضاء على القاعدة كما يقول التقرير، وستقوم القيادة المركزية بالمناورة بالقطعات من العراق الى أفغانستان وبحلول نهاية العام 2010 سيكون هناك 100الف جندي أمريكي  في أفغانستان , مما يبرر تصريحات قادة الاحتلال في العراق بالانسحاب من العراق مع الاحتفاظ بقوة تقدر ب 85 ألف جندي أمريكي(3) وما يقارب 200 ألف متعهد يستعاض عنهم  بمهام خاصة تنفذها القوة المكتسبة العراقية

2. أشار التقرير الى استمرار العمليات العسكرية والحربية في المدى القريب والمتوسط، وان أعدادا كبيرة من القوات المسلحة الأمريكية ستكون عاملة في أفغانستان والعراق، وهذا ما يدل أنّ شكل البيئة الحربية القادمة هي التي  تحدد شكل ونوع وحجم ونمط الوسائط والية عمل القوات العسكرية في السنوات المقبلة , مع استخدام فلسفة المهارشة العسكرية النوعية, وتعزيز التحالف السياسي العسكري المركزي,وتعشيق عمل الدوائر المخابراتية والمعلوماتية الغربية والعربية الحليفة, وكذلك ممارسة سياسة الاحتواء المزدوج  على المدى المتوسط والبعيد للأهداف الإستراتيجية المضادة، لتلافي حجم الاكلاف والإنفاق العسكري المتزايد , وتوزيع الأدوار والحروب بالوكالة  دوليا وإقليميا  .

3. أفضت العقيدة السياسية والعسكرية الأمريكية طيلة العقود الماضية إلى اتساع رقعة النزاعات العرقية والصراعات  الطائفية والحروب العبثية في العالم، وجعلت من البيئة الإستراتيجية الدولية بيئة مركبة ومعقدة , وتفتقر لمقومات الأمن الايجابي والسلم الانسيابي , ناهيك عن دينامكية الصراع الدولي والمتغيرات في رقعة التوازن الاستراتيجي , ومنها تبادل رقع النفوذ والتوازن الدولي وصعود قوى دولية لمسرح التوازن القطبي كالصين وروسيا والهند والبرازيل , وظهور قوى إقليمية طامحة كتركيا وإيران , وتعاظم الشغب الإسرائيلي المتفق على دوره في المهارشة الإستراتيجية, مما يعيد حسابات توازن القوة الى النقطة الحرجة, ويفرض تحديات وتهديدات آنية ومستقبلية يستوجب معالجتها, ويبدوا أن المعالجة الآنية عبر  فلسفة الاحتواء المزدوج  والتقويض السياسي, الذي يفضي الى كسب الوقت, واستخدام المهارشة والتثبيت عبر المناورات العسكرية وحافة الحرب والتحالفات العسكرية والسياسية لتصويب الخط الاستراتيجي العام.

4. جرى تحول تكتيكي في الإستراتيجية الأمريكية وذلك بالإشارة الى القوة اللامتماثلة أو ما يطلق عليه " للاعبين غير حكوميين" ,مما يوسع دائرة الاستهداف للخصوم  لتشمل دول وتنظيمات تصنفها أمريكا ( إرهابية) وفق المفهوم الامريكي للإرهاب, والملفت للنظر ربط تلك التنظيمات بانتشار الأسلحة النووية والتكنولوجيا المدمّرة  , وبما يشابه مناخ نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية.

5. يشير تقرير المراجعة الدفاعية إلا أنّ  ما تسميهم "الإرهابيين" كما تقول الوثيقة, أصبحوا يشكلون تهديدا دائما للولايات المتّحدة وشركائها , وبذلك يؤكد "عسكرة السياسة الأمريكية" من خلال ذكر أن النجاح الدائم والمستديم يتطلب استعمال كافة عناصر القوة الأمريكية والدولية , ويقصد بها مزواجة القدرة الصلبة والناعمة والذكية "فإننا لن نتردد في توظيف القوة ضد القاعدة وحلفائها حالما تطلب الأمر ذلك" .

سياسة الردع الأمريكية

تضع الإستراتيجية العسكرية الأمريكية تهديد المصالح الأمريكية عبر العالم في  مقدمة أولوياتها الإستراتيجية, وقد شددت على فلسفة الردع الامريكي , وإمكانية خوض حروب كبرى  ومحدودة في بيئة مجافية، إضافة الى التعامل مع التحديات التي تفرضها الدول الأخرى أو اللاعبين غير الحكوميين , ولمعالجتها يتطلب تعزيز قوة الردع الأمريكية عبر القدرات البرية والجوية والبحرية والمعززة بالقدرات الفضائية والصاروخية والأسلحة نووية، مع تسخير شبكة القواعد والتسهيلات العسكرية المنتشرة في العالم حسب نوع وطبيعة التهديد, أما على المستويين المتوسط والبعيد، فإن على القوات المسلحة الأمريكية التخطيط وتهيئة شروط النصر العسكري في عدد واسع من العمليات التي قد تتم في مسارح متعددة وأوقات متزامنة في الخارج، وتعزيز قدرة القوات على الفوز في نفس الوقت على دولتين قويتين؟.

اعتمدت فلسفة الردع  الامريكي بالدرجة الأولى على حماية الداخل الأمريكي من حدوث تهديدات إرهابية  ,ويعد هذا من صلب مهام وزارة الدفاع , وإذا فشل الردع في القيام بمهمته كما يقول التقرير، وقام خصوم الولايات المتّحدة بتحدّي مصالحها سواء كان ذلك بالتهديد باستعمال القوة أو باستعمالها فعلا، فإن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للرد بقوة على ذلك, وعلى الرغم من أنّه قد لا تكون هناك ضرورة لاستخدام القوة العسكرية في جميع الحالات، فإن مهمة وزارة الدفاع تتمثل في أن تكون مستعدة لمواجهة هذه المخاطر من خلال توفير مختلف الخيارات الممكنة للرئيس في مواجهة جميع الاحتمالات التي قد تتضمن الرد على هجوم ما، أو على كارثة طبيعية ما تضرب "الوطن"، أو على اعتداء من قبل دولة خصم، أو على مساعدة ودعم لدولة هشّة وتأمين الاستقرار فيها.

قائمة التحديات الإستراتيجية

يشير التقرير في وصف قائمة التحديات ,الى أن القوة الأمريكية يجب أن تكون جاهزة لتردع أي هجوم، وتهزم أي دولة تقوم بعمل عدائي، فهذه القدرة مهمة لحماية مصالح الولايات المتحدة , وكذلك في ضمان الأمن والاستقرار في مناطق حساسة على الصعيد العالمي, ويشير بذلك الى كوريا وإيران بتحديهما للمعايير الدولية عبر اختبار أنظمة صواريخ بالستيّة جديدة بالغة الدقة، وتتمتع بمدى أطول من صواريخ "سكود" العراقية التي تم استعمالها في العام 1991، وباتت قدرات هذين البلدين التي هي في نمو مطرد، تهدد الانتشار الأمريكي في مناطق مختلفة، بصورة لم يعهد لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

1. تعمل الصين في إطار خطة لتحديث قواتها المسلحة وتطوير عدد كبير من الصواريخ المتطورة- متوسطة - طويلة المدى، مثل صواريخ "كروز"، فضلا عن صنع غواصات هجومية جديدة مزودة بأسلحة متطورة، وأنظمة صاروخية دفاعية طويلة المدى إضافة إلى قدراتها في مجال الحرب الالكترونية وشبكات الكمبيوتر، وكذلك المقاتلات الحديثة، وأنظمة المواجهة الفضائية, وهذا يثير الشكوك حيال نواياها المرتبطة بهذه التحديثات في ظل انعدام الشفافية أو مشاطرة المعلومات أو الإفصاح عنها.

2. حصلت العديد من الدول خلال السنوات الأخيرة على عدد من صواريخ كروز المتطورة المضادة للسفن، وغواصات صامتة، وألغام متطورة إضافة إلى مجموعة من الأنظمة التي تهدد العمليات البحرية ويعد هذا تحديا.

3. ستواجه القوات الجوية الأمريكية تحديات جسيمة في النزاعات المستقبلية من قبل الأنظمة الدفاعية المتكاملة الأكثر تطورا وفتكا والتي تمتلكها بعض الدول المعادية، فالأنظمة المتطورة لصواريخ أرض-جو والتي تساعد روسيا على انتشارها ستفرض تحديا متعاظما للعمليات العسكرية الأمريكية على مستوى العالم، خاصّة وأن العديد من الدول تمتلك القدرة على تعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية التي تستخدم للاتصالات أو المراقبة أو الأعمال العسكرية.

4. اعتبر التقرير "الفاعلين غير الحكوميين" كتحدي عسكري , فقد باتوا اليوم يمتلكون طائرات من دون طيار، وأنظمة صواريخ جوية دفاعية محمولة على الكتف من إيران, ومن الممكن أن يؤدي انتشار ولو ترسانة صغيرة من الأسلحة النووية من قبل الخصوم ووضعها في يد مثل هذه الجماعات إلى اهتزاز التوازنات الأمنية، بالمناطق الرئيسية في العالم، وهو ما سيقوض الأمن العالمي بشكل خطير.

5. يعد انتشار القدرات النووية والكيميائية والبيولوجية والراديولوجية سواء بين الدول أو الفاعلين غير الحكوميين, يشكل خطرا على قدرة الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها وعن مصالح حلفائها، مثلما يحد من قدرتها على تحقيق الأمن والسلام وضمان الاستقرار الإقليمي وحماية المواطنين، كما أن استعمال القدرات النووية أو البيولوجية سيكون له تداعيات عالمية شديدة الخطورة, سواء على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أو على صعيد الأمن العالمي, وعليه فإن منع انتشار واستخدام هذه الأسلحة يشكل أولوية قومية لا يمكن التهاون فيها، وهو ما يتطلب القيام بعملية احتواء جغرافي للمناطق ذات الاهتمام لضمان عدم وقوع هذه الأسلحة والمواد المرتبطة بها في أيدي أعداء الولايات المتحدة.

6. أصبح مجال الإنترنت وتأمينها بالنسبة لوزارة الدفاع يوازي أهمية مجال الفضاء والبر والبحر والجو، وأن القوات المسلحة والاستخبارات وتكنولوجيا الأسلحة في الولايات المتّحدة باتت تعتمد على شبكات الاتصال وعلى فضاء الاتصال الإلكتروني (الإنترنت). وليس باستطاعة الجيوش الحديثة في القرن الـ21 القيام بعمليات فعالة ودقيقة من دون الاعتماد على المعلومات الدقيقة وشبكات الاتصالات، والولوج الأكيد إلى شبكة المعلومات وفضاء الاتصال الإلكتروني (الإنترنت) ويتطلب هذا الأمر قيام وزارة الدفاع بتأمين شبكات التواصل الإلكتروني بشكل فعّال، وهو أمر معقد خصوصا إذا علمنا أنّ وزارة الدفاع تدير أكثر من 15 ألف شبكة كمبيوتر موزعة على 4 آلاف منشأة عسكرية أمريكية حول العالم، وهناك حوالي 7 ملايين كمبيوتر وأداة اتصال تابعة لوزارة الدفاع تعمل يوميا في 88 بلد , كما أنّ الهجمات في مجال الفضاء الإنترنتي وسرعتها يميل لصالح كفّة الهجوم وليس الدفاع، وهذه الميزة للمهاجمين آخذة في الازدياد مع توفر أدوات القرصنة بشكل أرخص وأكثر تطورا , وأسهل للتوظيف والاستخدام من قبل المنافسين مما كان عليه الأمر سابقا.

يرى الباحث أن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية 2010-2014 لن تختلف عن سابقاتها كثيرا وقد أغفلت اكبر التحديات التي تعصف بالولايات المتحدة الأمريكية وبديمومة العمليات الحربية ومشاريع التسليح المستقبلية وتفوقها النوعي في العالم, وكما نعلم أن الاقتصاد عصب الحرب الذي يزاوج القوة  والاقتصاد لتحقق القدرة الصلبة , وبدوره يحقق التفوق والتكامل العسكري الذي يضع مالكها في الصدارة الدولية , ولعل الأزمة الاقتصادية والمالية (العجز-الدين) والناتجة من الإنفاق على حربي العراق وأفغانستان, قد ألقت بظلالها على شكل العمليات العسكرية التي تحولت من عمليات حروب نظامية الى عمليات شبحيه مفتوحة, ومهام عسكرية خاصة محدودة, والقتال عن بعد عبر  الطائرات المسيرة القليلة الكلفة والتكلفة في استخدامها , وهذا يعد تحول نوعي من القدرة العسكرية المتميزة والسيطرة السياسية المباشرة الى الاحتواء المزدوج بالمهارشة الإستراتيجية  واستخدام المرتزقة البديلة والقدرة المكتسبة والتي تعد تكاليفها البشرية والمادية اقل بكثير من تكلفة الجيوش النظامية, وهذا يعد تحول خطير في العقيدة العسكرية الأمريكية(خصخصة الحرب والمسئولية) والتي لم تعالجها الإستراتيجية الحالية بشكل جوهري , وعلى العكس اعتمدتها كإستراتيجية وسيطة وفق فلسفة الاستنزاف الزمني والقضم المجتمعي , دون الأخذ بنظر الاعتبار الفشل العسكري في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للحرب , والمتغيرات على الساحة الدولية ,  واختلال القدرات في مسارح الصراع ,والانتشار الرقمي, وافتقرت الإستراتيجية كذلك معالجة التمدد العسكري الامريكي  الخارجي وشبكات القواعد العسكرية التي تفترش ارض العالم ويفترض أن هناك ترقيق استراتيجي كمعالجة, وتعد تلك ابرز ملامح الانهيار الإمبراطوري لصعوبة تغطية الإنفاق الخاص بهذا التمدد, مما يدفع الساسة التفكير بحروب لاحقة ضمن الإطار الاستراتيجي لتلك القواعد, ولعل إعلان الإستراتيجية النووية وعقد مؤتمر الإرهاب النووي, يؤكد دلالات سياسية ذات طابع حربي ,وقد أغفلت أنها تخوض حربا شرسة في أفغانستان والعراق منذ العام 2001، ويبدو جليا من خلال التجربة بأنّ جيشها غير قادر على حسم وربح حروب إقليمية غير تقليدية تخوضها مجموعات مسلحة صغيرة, وبالرغم من ذلك فأنها تعسكر السياسة وتركب موجتها , ولوحظ في التقرير اعتماد فلسفة الحرب القادمة على العدو المركب بمزدوجي الدول المعادية والفاعلين الغير حكوميين , وكذلك دخول أمن الانترنيت على الخط العام للإستراتيجية العسكرية مما يوسع دائرة التضييق للحريات العامة , وكانت قد اعتمدت معالجة الحروب الحالية في العراق وأفغانستان كأسبقية قصوى, ويبدوا أنها اتخذت من فلسفة المهارشة الإستراتيجية باستخدام القدرة المكتسبة في العراق ومحاولة نقلها الى أفغانستان, خصوصا أن هناك مليون مسلح عراقي ينتهج العقيدة التدريبية والعملياتية للقوات الأمنية الأمريكية وشركات المرتزقة , وتتبع نفس سلوكياتها الشاذة الهجينة والتي تعزز السخط والغضب الجماهيري في العراق لامتهان كرامته,  ولا يوجد هناك جيش مهني وطني يدافع عن الحدود السياسية للعراق تجاه الأطماع والتهديدات الخارجية, ناهيك عن صراع الأدوات السياسية والتي تبدو أنها خليط غير متجانس فكريا وثقافيا واجتماعيا , وغالبيته ذو ثقافة مليشياوية وبمنحى طائفي وعرقي , وقد فقدت تأثيرها الشعبي بعد أن مارست كافة أنواع القمع ضد المجتمع العراقي, وانتهكت حقوق الإنسان وجعلت من الشعب العراقي رهينة, ناهيك عن سجون تفترش ارض العراق بين سرية وعامة وخاصة , يمارس فيها التعذيب حتى الموت والاغتصاب والإذلال والتغييب ألقسري, وبموافقة دوائر الاحتلال المحتكمة على المشهد العراقي ,وتقول أنها حققت الديمقراطية في العراق أو أنها تجربة دم قراطية؟؟ وجميع تلك الملفات والملفات الإنسانية الكارثية –المهجرين – المعتقلين – الأرمل –الأيتام – وفقدان كيان العراق وتحويله الى دويلات وفق المشروع الامريكي, جميعها تعد نتاج القمع العسكري الامريكي, ولابد أن تنفجر وتعصف بالجميع, وهناك نفس المشهد في أفغانستان وأيضا تجد أن عسكرة الحلول السياسية حاضر فيها , مما ألقى بظلاله على الباكستان وكذلك الحروب الشبحية في لبنان واليمن والسودان والصومال..الخ , مخلفه  بؤر عنف  هلامية تنخر الأمن والسلم الدوليين, ولعل ابرز تهديد للعالم اليوم هو تجارة وحيازة المخدرات والسلاح الخفيف والمتفجرات والألغام ولو قارنا وفق الحسابات الرقمية نجد أنها قد حصدت أرواح ملايين البشر عبر النزاعات والصراعات التي تذكيها المرتزقة وشركات السلاح لفتح أسواقها هناك , ولم  تكن الضحايا البشرية الناتج من استخدام الأسلحة النووية بهذه الأرقام الفلكية والتي اجتمع من اجلها العالم في واشنطن, والتي يفترض أن يجتمع العالم لحقن الدماء وتحقيق الأمن والسلم المجتمعي الذي فقده العالم طيلة العقدين الماضيين.

ــــــــ

1-  تعد وزارة الدفاع الامريكي النصر في العراق يخضع لمعايير الانجاز النهائي والمتمثل بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات  طائفية وعرقية, وقد أسست لذلك منذ غزو العراق وحتى اليوم عبر تامين القدرة المكتسبة من ذوي الأصول العراقية وفي المفاصل السياسية والقانونية والعسكرية والاقتصادية..الخ, وجرى ذلك بتدمير مؤسسات الدولة وحل قواتها المسلحة وإعادة تشكيها كقوات بديلة تعمل وفق معايير  تحقيق الأمن السياسي لقوات  الاحتلال الأمريكية وانجاز أهدافها , وإرساء منظومة قوانين تحقق ذلك –الدستور – ومنظومة القوانين القمعية الآمرة التي أرساها يرايمر, والتحكم بالأدوات السياسية التي شكلت وفق الإطار-الطائفي العرقي- لخلق بيئة التقسيم,وتمكنت من  تحقيق القوة المكتسبة من خلال تشكيل القوات الأمنية  وفق معايير طائفية وخاضعة لمفهوم المحاصصة الحزبية وحصرها عقيدتها العسكرية  والتدريبية بتعاليم ما يسمى مكافحة الإرهاب وبعيدا عن منظومة القيم المهنية والوطنية, مما يحقق الطاعة العمياء والتنفيذ السادي اللاانساني وبما يشابه سلوك جهاز المخابرات الامريكي FBI.

2- تعني استمرار التماس المباشر ووضع الخصم بحالة استنفار وباستخدام وسائل مختلفة حربية وشبحيه وسياسية

3-  تشير إستراتيجية الانسحاب الامريكي ببقاء 50 ألف جندي منتصف عام 2010 إضافة الى تكامل وصول  6 ألوية من المارينز الى العراق, وقد تشكلت في أمريكا وقد سميت بالألوية الاستشارية ونشرت على موقع القيادة المركزية الأمريكية.

ــــــــــــــ

*مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية

باحث في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية

saqarc@yahoo.com

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ