ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مفهوم
الشورى في الفكر الإسلامي
الحديث مقارنة
بين عبد الرحمان الكواكبي ومحمد
حسين النائيني أ.
آمال زرنيز * مقدمة: ان
الفكر الاستبدادي الذي ساد
مبكرا مفاصل الدولة العربية
والإسلامية، وكذلك شرائح
المجتمع الإسلامي الفاعلة
وقواه السياسية المتحركة كان
السبب الرئيس والمباشر في تشكّل
وصيرورة الأزمة السياسية
المستعصية (أزمة الحكم)، بعد ما
نجح هذا الفكر في منازعة وإزاحة
التوجه الديمقراطي ــ مبدأ
الشورى ــ الذي انطلقت العقيدة
الإسلامية به في نشر دعوتها
وترسيخ مبادئها، والذي ساد عصري
الرسول (صلى الله عليه وسلم )
والخلفاء الراشدين الأربعة.
وتعتبر أزمة السلطة هذه أو ما
أتفق الباحثون على تسميتها
بـ(الإشكالية) هي الأهم في جميع
مسارات الفكر الإسلامي منذ
نشأته وحتى اليوم، لما ترتبّ
عليها من نتائج وأحداث ما تزال
تبعاتها تظهر بشدّة لافتة خاصة
في الظروف الراهنة. وبما
أن حالة الاتساق مع طبائع
الأشياء تقتضي الأخذ بمسلمات
وشروط حركة الواقع وحقائق
الأحداث التي كانت مصدرا فعليا
لقيام هذه الإشكالية (السلطة) ،
فانه سواء كان سبب الحالة
الاستبدادية أن قضية الحكم لم
تأخذ حقها من المناقشة في الفكر
الإسلامي،أوانها تعود إلى قسوة
الحكام وعدم التوافق على آليات
عادلة للممارسة السياسية أو غير
ذلك، فإن المحصلة تمثلت في شيوع
درجة عالية من الإرهاب الفكري
والديني حرم الخروج عن قاعدة
الإجماع العام . ولعل
أهم ما كشفت عنه هذه الإشكالية
هي تلك الأزمة التي وصف بها
الفكر السياسي الإسلامي،وذلك
الضمور والنمو الفقهي
والدستوري الذي ظل يعاني منه ،
تلك الأزمة التي يحدد إطارها
العام في طبيعة رؤية الفكر
السياسي الإسلامي لمفهوم
الدولة والضعف الفقهي
والدستوري الذي يمكن وصفه
بالخطيرفي القدرة على بناء رؤية
جديدة لمفهوم الدولة المغايرة
جذريا لجميع الأنماط المتوارثة
في تاريخ الفكر السياسي
الإسلامي،والتي وان كانت تتعدد
تسمياتها إلا أنها متحدة من حيث
جوهرها كالدولة العصبية
أوالرعوية أو السلطانية
أوإمارة الشوكة والتغلب
والاستيلاء إلى غير ذلك من
التسميات التي تصور واقع الدولة
في تاريخ المجتمعات الإسلامية
نتيجة اعتماد مبدأ التوريث من
بعد العصر الراشدي ,وما ترتب عنه
من مصادرة لجميع الأعراف التي
أسسها النبي (صلى الله عليه
وسلم)والخلفاء الراشدون
الأربعة في الاستخلاف والحكم
على وهج أفكار التحرر والمساواة
والعدل والحرية،ورفع الغبن عن
الإنسان والانتصار لحقوقه،
وتبني مبدأ التوحيد كأسلوب
ومنهج ومشروع لحل مشاكل عصرهم
أمام فرض أيديولوجية استبدادية
نشرت بمختلف أساليب الترهيب
والترغيب لتصبح أمرا واقعا يطبع
السلطة الاستبدادية . وفي
غمار ذلك يتضح أن أزمة المجتمع
الإسلامي بشروطها ومظاهرها
والياتها ومضاعفاتها تلك ظاهرة
كلية معقدة تطال الواقع و الفكر
على حد سواء، إذ قلما يسلم فكر
من ضغط النمذجة فالنموذج
حاضرعلى الدوام وفي سجال صراعي
متواصل بين الحاضروالماضي،ولعل
من أهم مراحل التاريخ تأثيرا في
الأفكار والمؤسسات وفي الوعي
لدى الأفراد والجماعات وحاضر
العالم الإسلامي ، هي المرحلة
التي شهدت قيام دولتين كبيرتين
متأخرتين في العالم الإسلامي
وهما :الدولة العثمانية في آسيا
الصغرى (تركيا) وفي معظم أنحاء
المنطقة العربية (ممثلة للمذهب
السني)، والدولة الصفوية
وامتدادها القاجاري في إيران
(ممثلة للمذهب الشيعي) وهما آخر
الدول الإسلامية الكبرى التي
أعلنت انتسابها إلى الشريعة
الإسلامية، والتي كان لمستوى
تنظيم الدولة بها، ولتنظيم
علاقتها بالمسلمين والمجتمع
عامة تأثيرفي الصورة التاريخية
الموروثة في حاضر المسلمين عن
ماضي دولتهم التي استمرت حتى
بدايات القرن التاسع عشر
ميلادي، الفترة التي شهد حركية
الخروج من قاعدة الغلبة والقوة
والعصبية ضمن الفضاء العربي
والإسلامي وتزامنت مع ما يسميه
المؤرخون بنهضة أوروبا ، مما
أدى إلى إثارة الإشكال التاريخي
الذي لا يزال يشكل علامة
استفهام كبرى حول العلاقة بين
وضعيتين تاريخيتين عالميتين :
تقدم الغرب وتأخر الشرق
الإسلامي، الأمر الذي دفع إلى
طرح أهم التساؤلات التي ما زالت
قائمة حتى اليوم ,وهي : لماذا
تخلف العالم الإسلامي ؟ وما هي
أسباب انحطاطه ؟وكان من
العلامات الفارقة في خضم هذه
التساؤلات ما طرحه عدد من
المفكرين حول العلاقة السببية
بين التخلف وشيوع الاستبداد
التي شغلت مفكري عصر النهضة في
النصف الثاني من القرن التاسع
عشر ميلادي، حيث ظهرت نخب
إسلامية تريد مزاحمة الطابع
التراثي الإسلامي الشرقي مع
الطابع الليبرالي الغربي وفق
شكلين منهجيين اثنين هما: 1 - شكل
يريد أن ينفذ من مدخل الثورة على
كل ما هو قائم، يتبع أسلوب النصح
للحاكم مع تحريض الناس على عدم
القبول بالوضع القائم أمثال
جمال الدين الأفغاني . 2 - شكل
يريد أن يصل إلى إقامة الدولة
الدستورية المرتكزة على مبدأ
الشورى، وهو الخط الذي سلكه
المفكرون والفقهاء المؤمنون
بالحرية والوحدة والجامعة
الإسلامية،وهؤلاء على اختلاف
قومياتهم ومذاهبهم الدينية
اجتمعوا على أن الاستبداد
السلطاني صورة دخيلة على
الإسلام ، وقد مثل هذا الاتجاه
عبد الرحمان الكواكبي ورشيد رضا
من السنة ومحمد حسين النائيني
من الشيعة . وهو
ما أوجد جدلا فكريا حول موضوع
الاستبداد السياسي ومسألة
التوفيق بين المفاهيم الأجنبية
الوافدة التي دخلت على الواقع
الإسلامي وبين الموروث،حيث تم
التأكيد على ضرورة إحداث تحول
في أسلوب تناول المفاهيم،أوفي
طريقة طرحها والتعامل معها لفهم
التفصيلات المرتبطة بالنظام
السياسي الإسلامي، فقد وضع
الإسلام أحكاما عامة تحكم
الإطار السياسي في المجتمع وترك
التفصيلات لظروف الزمان
والمكان،يتوصل إليها المسلمون
بإعمال عقولهم مستحضرين
الأحكام الإسلامية العامة
والسياسية منها بوجه خاص
والمعبرين عنها بوضع تفصيلات
لتطبيقها على أرض الواقع .
ويعتبر عبد الرحمان الكواكبي
ومحمد حسين النائيني من أبرز
المفكرين في هذا المضمار حيث
تمكن عبد الرحمان الكواكبي في
وقت مبكر من رصد الجذور
التاريخية لأزمة الحرية
والديمقراطية في صيغتها
النافية (الاستبداد والاستعباد)
وجمع بين النظر والعمل وبين
البحث عن طبائع الاستبداد وفهم
مصارع الاستعباد أي طرق التخلص
منه، ويمثل محمد حسين النائيني
واحدا من رواد الفكر السياسي
الإصلاحي الإسلامي الذي نادى
بوقف الاستبداد وإصلاح الحكم في
تزامن مع دعوة عبد الرحمن
الكواكبي لوقف طغيان الاستبداد
والفساد الآتي منه، والحسم في
الإشكالية على مستويات السلطة
السياسية والنظام الاجتماعي
والاقتصادي والنسق المعرفي
والأيديولوجي،وهو ما يدل على
وجود مساحة مهمة فيما يمكن أن
يطلق عليه بعملية التثاقف أو
التلاقح أو إظهار التقارب و
التماثل بين المحاولتين بما
يسهم في وضع بناء نظري لشكل
الدولة المشروعة من وجهة نظر كل
منهما. -
السياق التاريخي والاجتماعي
والفكروي للمفكرين: الكواكبي
والنائيني : لعل
من أهم مراحل التاريخ الإسلامي
تأثيرا في الأفكار والمؤسسات
وفي وعي الأفراد والجماعات، هي
تلك المرحلة التي شهدت قيام
الدولة السلطانية الإسلامية
مجسدة في دولتين كبيرتين
متأخرتين هما: الدولة العثمانية
في أسيا الصغرى (تركيا) ومعظم
أنحاء البلاد العربية، والدولة
الصفوية وامتدادها القاجاري في
إيران كأخر الدول الإسلامية
التي أعلنت إنتسابها للشريعة
الإسلامية، وقد تزامنتا مع ما
يسميه المؤرخون بـ "نهضة
أوروبا"، حاول كل من عبد
الرحمان الكواكبي ومحمد حسين
النائيني البحث في أسباب تخلف
المسلمين، وإمكانية تجاوزه من
خلال مؤلفاتهما المتزامنة
تقريبا "أم القرى" و
"طبائع الإستبداد ومصارع
الإستعباد" للكواكبي، و
"رسالة تنبيه الأمة وتنزيه
الملة" للنائيني، في إطار
الدولتين العثمانية والقاجارية
على التوالي، فقد كانت الهواجس
والموضوعات هي ذاتها التي تفرض
نفسها على مجال الفكر الإسلامي
في الميدان العربي– التركي
والإيراني. - واقع
الدولة العثمانية وإنعكاساتها
على فكر الكواكبي: تباينت
الآراء حول تاريخ مولد عبد
الرحمان الكواكبي، إذ سجلت
الأوراق والوثائق الرسمية أنه
من مواليد سنة 1265 هـ- 1848 م، عندما
عينه والي حلب "عثمان باشا"
رئيسا لغرفة التجارة لإزالة
عائق السن، في حين أكد الكاتب
أديب إسحاق الذي كان موجودا يوم
ولادته أنه من مواليد 09تموز
م1855بحلب ، وهو ما يطابق التاريخ
الهجري الذي كتبه الكواكبي ضمن
دفتر صغير يحمل تواريخ ولادة
أفراد أسرته . (1) انبرى
يكتب في الصحافة منذ عامه
الثاني بعد العشرين، وبدأ محررا
في جريدة الفرات التي كانت تصدر
عن الحكومة العثمانية بالعربية
والتركية، 2)) تميز ببراعته
ومنهجه الخاص في الكتابة
التحريضية، إلى جانب إلمامه
بميادين الفقه والسياسة
والقانون، وهو ما أهله لإصدار
صحيفة خاصة عام 1878م، تحمل اسم
الشهباء كأول صحيفة عربية بحلب،
ثم جريدة "الاعتدال" سنة1879
م بعد إغلاق الشهباء، لتلاقي هي
الأخرى نفس مصير الأولى،3)) وبعد
ذلك استمر يكتب في الصحافة
الحلبية وتنقل بين مناصب عدة
حاولت من خلالها السلطة احتواءه
وترويضه،ومن بينها تعينه رئيسا
لغرفة تجارة حلب عام 1982، (4)
وبسبب الضغط المستمر عليه ستقال
ليتفرغ لمهنة قلما امتهنها قبله
أحد من المناضلين في تاريخ
الشعوب، وهي تحرير شكاوى
المواطنين المعبرة عن سخطهم،
ورفعها إلى الباب العالي من
خلال مكتب محاماة افتتحه في
حلب، فشكل مرجعا للمحاماة في
القانون . (5) بعد أن
ضاقت به سبل الحياة والتعبير في
بلده، وبعد أن ألقى القبض عليه
مرارا، حيث سجن أول مرة عام
1886بحلب، متهما بمحاولة اغتيال
الوالي التركي، وحكم عليه
بالإعدام من القضاء التركي
بحلب، غير أن محكمة بيروت برأته
من تهمة الاتفاق مع دولة أجنبية
ضد الدولة العثمانية، ولما شعر
بأن المكر يحيط به من كل جانب،
غادر حلب عام 1899 إلى مصر بصورة
سرية، وقد استفاد من تمتع مصر
بقسط من حرية التعبير وخاصة
فيما يتعلق بالسلطة العثمانية،
وساهم انفتاحها لاستقبال
الثقافة الأوروبية في جعله
"يطور فكره ويضيف له
الجديد". (6) قام
الكواكبي بالعديد من الرحلات
زار فيها شرق إفريقيا وجنوبها،
وشبه الجزيرة العربية والهند
وجنوب الصين وزار الحبشة
والسودان وزنجبار، ومن خلال
رحلاته هذه درس الناس والثقافات
والأرض وثرواتها، وكل ما يهم
المثقف الكبير صاحب الفكر
الموسوعي الشامل . (7) ـــــــــــ (1)
سعد زغلول الكواكبي، "جوانب
من السيرة الذاتية
للكواكبي"، زكي علي العوضي،
حركة الإصلاح في العصر الحديث
–عبد الرحمان الكواكبي
نموذجا-، ط1 ، الأردن: دار الرازي
للطباعة والنشر،2004 ص 22-21. (2)
سامي الدهان، عبد الرحمان
الكواكبي، القاهرة: دار
المعارف،1964 ،ص 30. (3)
أحمد الجباعي، "الكواكبي... هم
التأخر العربي وصاحب
النهضة"، مجلة الوحدة،العدد81
،السنة7 ، المملكة المغربية:
المجلس القومي للثقافة، يونيو
1991، ص 87 (4)
محمد عمارة، عبد الرحمان
الكواكبي – شهيد الحرية ومجدد
الإسلام، بيروت: دار الوحدة،
1984،ص 24. (5)
، مسلمون ثوار، ط 2، بيروت:
المؤسسة العربية للدراسات
والنشر، 1979، ص 209. (6)
عبد الرحمان الكواكبي ، الأعمال
الكاملة، (دراسة وتحقيق محمد
عمارة)، بيروت: المؤسسة العربية
للدراسات والنشر، 1975،ص29 . (7)
نفس المرجع الأنف الذكر، ص 31. ـــــــــ توفي
عبد الرحمان الكواكبي مسموما
يوم 06 حزيران م1902، بعد عودته من
ضيافة أقامها الخديوي في إحدى
سراياه بالإسكندرية،(1) وعلى
الرغم من أن الموت قد طوى حياته
في سن مبكرة (سن الخمسين)، إلا
أنه قد ملأ الأوساط الثقافية
والسياسية جدلا وحماسا من خلال
معاركه السياسية والفكرية ضد
العثمانيين سواء بمسقط رأسه حلب
أو في مصر، بكتابه "طبائع
الاستبداد ومصارع الاستعباد"
أو ما اشتمل عليه كتابه "أم
القرى"، (2) كما كتب الكواكبي
كتابين قيل أنهما كانا أشد حماس
في الدفاع عن الحرية وأشد قسوة
على الحكام، وهما "العظمة
لله" و "صحائف قريش"، إلا
أنهما ضاعا ضمن أوراقه التي
جمعها بعد وفاته مندوب من
السلطان عبد الحميد هـــو
"عبد القادر القباني"،
صاحب جريدة "ثمرات الفنون
البيرونية"، (3) وقيل أنهما
أحرقا في الأستانة، كما خط
كتابا أخر بعد رحلته تلك التي
دامت ستة أشهر لم تمهله المنية
طباعته، واختفى مع ما اختفى من
كتب بعد وفاته . (4) لقد
عاش الكواكبي الجزء الأكبر من
حياته العلمية في فترة الحكم
الحميدي ( م1909-1876 )، حيث تولى
السلطان عبد الحميد الثاني
الحكم إثر انقلاب قام به ضد أخيه
السلطان مراد، قاده الاتجاه
الإصلاحي برئاسة التنويري
"مدحت باشا"،(5) في وقت شهدت
فيه الدولة العثمانية ثورات
إقليمية داخلية، وتهديدات
روسية بالحرب، وضغوطات أوروبية
بضرورة إصلاح الدولة، ومنح
المسيحيين نفس حقوق المسلمين
كوسيلة للتقدم مع الزمن، فيظهر
أول دستور للدولة العثمانية
استجابة لتلك الضغوط، وكمحاولة
لوضع حد لسلطة السلطان المطلقة،
غير أن فترة الثلاثة والثلاثين
سنة التي تولى فيها السلطان عبد
الحميد حكم الدولة العثمانية قد
شهدت تعطيل الدستور لمدة ثلاثين
سنة، ولم يعد إليه إلا مرغما بعد
عام 1908، إذ بدأ فترة حكمه بتعطيل
الدستور، مستندا إلى الضمانات
التي منحتها له معاهدة برلين،
ليتجسد الطغيان والفساد
وإستغلال السلطة بشكل واضح، إذ
شهدت هذه الفترة استبدادا لا
مثيل له في تاريخ الإمبراطورية
العثمانية.(6) إن
الإطار السياسي العام الذي ساد
هذه الفترة، كان متحركا متغيرا
عن نسق الحكم الإسلامي القديم،
الهدف منه مجابهة القوة الغربية
عن طريق إصلاح النظام السلطاني
العثماني، إذ مهدت لهذه
الإصلاحات الحملة الفرنسية
التي شنها "نابليون
بونابرت" (1798) على مصر،والتي
كانت سببا قويا في بث أساليب
المدينة الجديدة، وإدراك مفكري
العرب أن قوة العرب ليست
الأشياء والأدوات وحسب، ولكن
المهم عصرنة أساليب الحكم .(7) واقع
الدولة القاجارية وانعكاساتها
على فكر النائيني : ولد
محمد حسين بن الشيخ عبد الرحيم
النائيني العزوي الأصفهاني في
مدينة نائين التابعة إلى
أصفهان، وفي أسرة دينية معروفة،
نشأ في نائين، وتعلم عند
أساتذتها المقدمات والمبادئ
الأولية، هاجر بعدها إلى أصفهان
سنـة 1293هـ ـــــــــ (1)
احمد الجباعي، "الكواكبي... هم
التأخر العربي وصاحب
النهضة"، مجلة الوحدة،
العدد81 ،السنة7 ، المملكة
المغربية: المجلس القومي
للثقافة، يونيو 1991، ص 67. (2)
سمير أبو حمدان، عبد الرحمان
الكواكبي وفلسفة الإستبداد،
بيروت: دار الكتاب العالمي،
1992،ص 22-21. (3)
السيد يوسف، مرجع سابق، ص 25-24 . (4)
زغلول الكواكبي، عبد الرحمان
الكواكبي (السيرة الذاتية)،
بيروت: دار بيسان، 1998،ص 181. (5)
أحمد برقاوي، محاولة في قراءة
عصر النهضة (الإصلاح
الديني،النزعة القومية)، سوريا:
الأهالي للطباعة والنشر
والتوزيع،1999 (6)
محمد جمال طحان، مرجع سابق، ص 81. (7)
مصطفى عبد الرحمان العساف،
"السمات التاريخية للعالم
وواقع الأمة العربية الإسلامية
وإنعكاساتها على شخصية
الكواكبي ورؤيته الإصلاحية"،
العوضي، حركة الإصلاح في العصر
الحديث - عبد الرحمان الكواكبي
نموذجا-، ط1 ، الأردن: دار الرازي
للطباعة والنشر،2004مرجع سابق، ص
131. ـــــــــ أو1295هـ
(م1876أو1878م)لإكمال دراسته هناك ،
ودرس عند الشيخ محمـد بـاقر نجل
الشيخ محمد تقي صاحب "حاشية
المعالم"، والشيخ محمد حسن
المعروف الشيـخ بالهزاز جريبي،
وأبي المعالي الكلباسي، والشيخ
جهانكير القشقائي الشهير
بالحكمة والكلام . ويتحدث الشيخ
النائيني عن تلك المرحلة
الدراسية من حياته فيذكر أنه لم
يترك درس الشيخ محمد باقر طوال
المدة التي قضاها في أصفهان،
وأنه كان يدرس عنده كتاب
"نجاة العباد" للشيخ محمد
حسن صاحب "الجواهر"، وبعد
أن استوعب الشيخ النائيني
المعطيات العلمية المتوافرة في
مدينة أصفهان وجه نظره إلى
العراق وكانت المرجعية يومئذ
للمجدد السيد محمد حسن
الشيرازي، فقصد سامراء سنة 1303هـ
(1884م)، شارك النائيني من خلال
تواجده في العراق في أحداث
عصره، إذ كان أحد أعضاء هيئة
العلماء التي شكلت في النجف
لإدارة الحركة الدستورية،
وتولى كتابة البرقيات
والبيانات التي كانت تصدر عن
الشيخ الخراساني، ويذكر الأخ
الأصغر للشيخ النائيني أن أخاه
كان يعتزم الرحيل إلى إيران مع
الشيخ الخراساني، من أجل صد
الهجوم الروسي على شمال إيران،
وتوجيه الحركة الدستورية من
داخل إيران نحو الاتجاه المطلوب
الذي انحرفت عنه مؤخرا . بعد
وفاة الأخوند الخراساني، استقر
بالتدريس، وازدادت حوزته
اتساعا في عهد مرجعية شيخ
الشريعة، مضيفا أراء جديدة في
الأصول، ومنها تولى الرئاسة
العلمية في العراق رفقة السيد
الأصفهاني، (1) ولا زالت آراؤه
ونظرياته ضمن المدرسة الأصولية
التي ينتمي إليها تتداولها
الأوساط العلمية، وتهيمن على
الفكر الأصولي في مرحلته
المعاصرة، ويعبر عنها باسم
"مدرسة النائيني"، إذ تولى
المرجعية مدة ستة عشر عاما في
النجف ، وظلت مكانته العلمية
ومرجعيته كحلقة مشعة في
الدراسات الحوزية التخصصية منذ
سنتين عاما حتى الآن، وانعكس
هذا الواقع على تلامذته أمثال
العلامة الطباطبائي وحسين
الحلي ومحمد تقي الأملي وغيرهم .
وعندما
أعلن الجهاد ضد الإحتلال
الإنجليزي للعراق عام 1914، كان
النائيني من جملة العلماء
المشاركين فيه سواء على مستوى
الجهاد أو الجبهات، وعندما أعلن
مؤتمر القاهرة في ربيع عام
م1921"فيصل بن الشريف حسين"
مرشحا وحيدا لعرش العراق، وقف
النائيني ومعه الأصفهاني موقفا
معارضا لفكرة ترشيح ملكا للعراق
ما لم يضمن أولا الإستقلال
بصورة تامة، وعندما أعلنت
الحكومة إجراء إنتخابات نيابية
أصدر الشيخ النائيني
والأصفهاني ومهدي الخالصي
فتاوى تحرم المشاركة في
الانتخابات، وهنا قامت الحكومة
بنفي الشيخ النائيني
والأصفهاني ومن معهما إلى إيران
في حزيران عام 1923م، وبقي فيها
حتى نيسان عام 1924م، حيث جرى
الإنفاق بين الحكومة والعلماء
على العودة إلى العراق، وعدم
التدخل في الشؤون السياسية،
وفيه توفي عام 1355ه - م1936. (2) ومن
أهم أثاره : تعليقه على العروة
الوثقى، رسالة لعمل المقلدين،
رسالة في اللباس المشكوك، رسالة
في أحكام الخلل في الصلاة،
رسالة في نفي الضرر، أجوبة
مسائل المستفتين، كما كانت له
مجموعة من التقارير والمخطوطات
أشهرها: "فوائد الأصول"
بقلم الشيخ محمد علي الكاظمي
الخراساني، و"منية الطالب في
شرح المكاسب" بقلم الشيخ موسى
النجفي، و "أجود
التقريرات" بقلم أية الله
السيد أبي القاسم الخوئي،
وتعتبر رسالته "تنبيه الأمة
وتنزيه الملة" خلاصة المشروع ـــــــــ (1)
محسن الأمين، أعيان الشيعة،
بيروت: دار التعارف
للمطبوعات،ج6 ،1983، ص 56-54. (2)
عبد الكريم أل نجف، "زعماء
الإصلاح والتجديد في مدرسة أهل
البيت –الشيخ النائيني- مؤسس
الفقه السياسي الإسلامي
الحديث-"، 2008/2/15 . WWW.e6resqneh.com/Arabeer/Sheikh ـــــــــ التجديدي
والإصلاحي للنائيني، في
إنتقاده لطبيعة النظام
الإستبدادي الذي كان مجسدا في
الدولة القاجارية . (1) لقد
عاش النائيني فترة الحكم
القاجاري حيث إستلم القاجاريون
السلطة سنة (1193هـ)، وكان أول
ملوكهم "أغا محمد خان"،
واعتمدوا كما أسلافهم الصفويين
على التشيع كمذهب رسمي يدينون
به، وسادت ضمن فترة حكمهم فكرة
النيابة العامة للفقيه عن
الإمام ، فكان للفقهاء دور بارز
في مسائل الحكم والقيادة، إذ تم
تفويض صلاحية الحكم والحرب إلى
الفقيه النائب عن الإمام في
التصدي لقضايا الأمة، والبث في
أمورها، وحل مشاكلها، فتميزت
هذه المرحلة بعلاقة خاصة بين
الفقيه والسلطان، حيث أن الدولة
القاجارية مع أنها لم تحمل
رسالة دينية أو مذهبية محددة -
وإن أظهرت إدعاء بذلك - فقد ركزت
في استتاب السلطة على اتساع
قاعدة التحالفات المحلية
والخارجية، مما جعل من العلماء
والتجار وزعماء القبائل دورا
سياسيا فاعلا يحكم سيطرتهم على
شبكات واسعة من التكتلات
القبلية والدينية،(2) وهو ما دفع
الشيخ النراقي لبحث مسألة ولاية
الفقيه، وجعل منها مسألة فقهية
مستقلة، وبناء عليه امتدت
النيابة العامة للفقهاء لتشمل
كل ما ثبت للنبي والإمام
المعصوم الولاية فيه . هذه
الفترة التي شهدت تطوير النظرية
السياسية في مدرسة أهل البيت،
والتي عاصرها النائيني، تمثل
المرحلة الثانية من مراحل تطور
الفقه السياسي الشيعي، حيث
سبقتها مرحلة سيادة التقية
وغياب النظرية السياسية، بدء من
عصر الغيبة حتى القرن العاشر
الهجري، وفيها عاش أئمة الشيعة
حالة برزخية في العمل السياسي،
يبطنون الإيمان وأحقيتهم بمنصب
الخلافة والإمامة، ويظهرون
البعد عن أجواء السياسة حفــاظا
عـن المذهب والدين، (3) وتلتها
مرحلة تكـامل النظـرية
السياسية في الفقه الإمامي خلال
القرن الرابع عشر هجري التي
كرست فكرة الولاية المطلقة
الشاملة حتى في الأمور الشخصية
كبطلان زوجة المواطن، أو بيع
دار الشخص. في ظل
هذه الظروف أو الوقائع السياسية
التي أثرت وتأثرت بأفكار
المفكرين، يتضح دور كل من عبد
الرحمان الكواكبي ومحمد حسين
النائيني سواء بمواقفهما أو من
خلال التنظير الفكري بمؤلفاتهم
لمقاومة الوضع القائم وطرح
البديل، حيث ألف الكواكبي كتاب
" طبائع الاستبداد ومصارع
الاستعباد" و كتاب "أم
القرى"، ويركز في الأول على
انتقاد الحكومات الإسلامية
ومهاجمتها، ويتركز الثاني على
نقد سلبية الشعوب الإسلامية،
وحثها على النهوض لمقاومة
الاستبداد. ويعد
كتاب" طبائع الإستبداد
ومصارع الإستعباد" المؤلف
الرئيس في فكر عبد الرحمان
الكواكبي، وهو كتاب في الفكر
السياسي والاجتماعي ألفه
الكواكبي نهاية القرن التاسع
عشر ميلادي، وطبع محققا في
109صفحة من القطع المتوسط، ونشرت
فصوله بصحيفة المؤيد دون توقيع
بعد هجرته إلى مصر، حيث تم نشره
فصلا فصلا، ويذكر أن هناك طبعة
قديمة للكتاب من دون تاريخ ،
مذكور عليها أن محررها هو
الرحالة (ك)، ومطبوعة على نفقة
المكتبة الشرقية في مصر، وهي في
102صفحة من القطع الصغيرة. أما
النائيني فقد ألف رسالة
"تنبيه الأمة وتنزيه
الملة" إبان الثورة الثالثة
ضد محمد علي الشاه، وقبل ثلاثة
أشهر من الانتصار عليه وخلعه،
ليتحرك بذلك ضمن مشروع سياسي
يتسم بالوضوح والثبات في مقاومة
الاستبداد ومحاربة ـــــــــ (1)
محمد أحمد صالح أبو الطيب،
إشكالية الإستبداد السياسي في
رسالة الشيخ النائيني (تنبيه
الأمة وتنزيه الملة)، بغداد: دار
الكتب والوثائق،2005 ، ص30-29. (2)
فؤاد ابراهيم، الفقيه والدولة
–الفكر السياسي الشيعي-، بيروت:
دار الكنوز، 1998، ص 198. (3)
محسن كديور، نظريات الحكم في
الفقه الشيعي، بيروت: دار
الجديد، 2000، ص 20-19. ـــــــــ الاستعمار،
وبهذا جاءت الرسالة استجابة
لمطلبين اثنين في الإجماع
الوطني والإسلامي الإيراني
الحديث، هما: التنظير للحركة
الدستورية والتماس مخرج للمأزق
الفقهي الشيعي . (1) طبعت
الرسالة أول مرة سنة 1327هـ /1909 م
في بغداد، وصدرت طبعتها الثانية
في طهران بالسنة التالية
1328هـ/1910 م)، وبعد انتكاس الحركة
الدستورية، أصبح أنصارها في ضيق
شديد، فلجأ النائيني إلى جمع
الرسالة وشراء النسخ بأغلى
الأثمان وإتلافها، وتقع
الرسالة في مقدمة وخمسة فصول
وخاتمة.(2) -
مفهوم الشورى عند الكواكبي و
النائيني : تشكل
الشورى احدى الركائز الاساسية و
المبادئ الهامة في النظام
السياسي الاسلامي ، حيث جاء بها
الامر في القران الكريم مخاطبا
الرسول ـ ص ـ و من بعده الحكام
المسلمين ، يأمرهم بفتح باب
المشورة في القضايا العامة التي
لم ينزل فيها نص ، يقول تعالى :
" فبما رحمة من الله لنت لهم ،
و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا
من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم
و شاورهم في الامر فاذا عزمت
فتوكل على الله ، ان الله يحب
المتوكلين " . (1) بمعنى و
شاورهم في الامر العام الذي هو
سياسة الامة في الحرب و السلم ،
و الخوف و الامن ، و غير ذلك من
مصالحهم الدنيوية ، و قد اقرت
هذه الاية الشورى كمبدا من
مبادئ الحكم و السياسة الشرعية
، و النص جاء جازما و قاطعا لا
يدع شكا في ان الشورى مبدا اساسي
لا يقوم النظام الديني و المدني
دونه . كما
جعل القران الشورى من صفات و
خصائص و اخلاق المؤمنين اللازمة
لهم ، فقال : " و الذين
استجابوا لربهم و أقاموا الصلاة
و أمرهم شورى بينهم و مما
رزقناهم ينفقون " (2) بمعنى
يتشاورون فيما بينهم و لا
ينفردون بالرأي ، و هذا النص مكي
، نزل قبل قيام الدولة
الاسلامية ، و هو يؤصل لمبدأ
الشورى كنظام اجتماعي تتصف به
الجماعة المؤمنة ، لتكون دلالته
أعمق و أوسع من الشورى السياسية
المتعلقة بالدولة و شؤون الحكم
، (3) من حيث أن الشورى في الصلاح
الشرعي هي " استطلاع رأي
الأمة المسلمة، أو من ينوب عنها
في الأمور المتعلقة بها ( الشؤون
العامة لمعرفةالرأي و الصواب أو
الحق فيها ) لأن العقول اذاما
اجتمعت و تشاورت وضح السبيل
أمامها ..." (4) ان
الشورى العامة و الخاصة كمبدأ
سياسي و اجتماعي تتصف به
الجماعة المسلمة في محيطها
الاجتماعي ، كما يتصف به الحاكم
في محيط الدولة لما فيها من
مقاصد جليلة و محاسن مفيدة أمر
لا إشكال فيه ، لكن الإشكال الذي
طرح قديما و لا زال مطروحا حديثا
في الساحة الاسلامية الفكرية و
السياسية هو : هل الشورى واجبة
على الحاكم ابتداءا و انتهاءا ؟
بمعنى هل يجب عليه ان يعرض
الامور العامة على المجالس
النيابية و يلتزم بما سفر عنه من
نتائج و
قرارات ؟(5) لقدشهد
هذا المفهوم تطبيقات عديدة في
التجربة التاريخية لانظمة
الحكم في المجتمعات الاسلامية ،
الا ان تغيرات ـــــــــ (1)
سورة ال عمران ، الاية 159 . (2)
سورة الشورى ، الاية 38 . (3)عبد
الكريم حامدي ، " محاسن
الشورى و اشكالية لزومها في
النظام السياسي الاسلامي "
.مجلة الوعي الاسلامي ، العدد 498
، السنة 44 ، الكويت : الشركة
العصرية للطباعة و النشر و
التوزيع ، ماي 2007،ص 48 (4)
مهدي فضل الله ، الشورى طبيعة
الحاكمية في الاسلام ، لبنان :
دار الأندلس ، 1984 ، ص 53 (5)عبد
الكريم حامدي ، مرجع سابق ، ص 48 . ـــــــــ و
تحولات عديدة بين النص و
التجربة التاريخية للامة قد
طرات عليه ، فبدا يتقلص و يتضيق
ابتداءا من القرن الاول و في
النصف الثاني منه بالتحديد ، و
الشورى التي عنت مطلع القرن
الثالث هجري بدا يغلب عليها
الطابع الاخلاقي على حساب
الابعاد الاجتماعية و السياسية
، و اهملت في هذا السياق الاية
المكية الاولى " و امرهم شورى
بينهم " التي تجعل من الشورى
خصيصة تكوينية في الأمة ، و جرى
العمل بالآية الثانية : " و
شاورهم في الأمر فاذا عزمت
فتوكل على الله " و اعتبرت
الشورى ندب و ليس فرض ، فهي
متعلقة بحالة عدم عزيمة الأمر
أو الحاكم ، فاذا عزم فلا
مسؤولية عليه الا أمام الله . ونتيجة
لذلك تضاءلت الأبعاد السياسية
لمفردة الشورى تدريجيا حتى غابت
تماما ، و ظهرت في كتب الأحكام
السلطانية صفات و مؤهلات أخرى
للسلطة و السلطان ، تنحصر في
مسألتين اثنتين هما : الكفاية و
الشوكة : أما الكفاية فتعني
القدرة على قمع الفتنة الداخلية
و أما الشوكة فتعني القدرة على
دفع العدوان الخارجي . (1) و ما
يلفت النظر في هذا السياق
التاريخي هو أمران : الاول:
و يتصل بالجانب الزمني و كيف ان
الفترة الزمنية لتجربة الشورى
كانت قصيرة للغاية ، و بعدها ثنا
عهد طويل من الاستبداد كمكون
رئيسي من مكونات طبيعة الدولة
السلطانية في الاجتماع السياسي
الاسلامي . الثاني
: يتصل بالجانب الكيفي حيث توقف
مفهوم الشورى عن التطولر و
النمو السياسي و القانوني و عن
الاسهام في البناء المؤسساتي و
صياغة و تكوين الدولة و
الاجتماع السياسي الاسلامي . لقد
أكد المفكران أن الأمة هي مصدر
السلطة السياسية في الدولة بما
لا يتيح لغيرها من الأمم
استعبادها و استغلالها ، اذ
يقول الكواكبي : " ان الله جلت
حكمته قد جعل الأمم مسؤولة عن
أعمال من تحكمه عليها ، وهذا حق
فاذا لم تحسن أمة سيادة نفسها
أذلها الله لأمة أخرى تحكمه كما
تفعل الشرائع باقامة القيم على
القاصر و السفيه ، و هذه حكمة ، و
متى بلغت أمة رشدها و عرفت
للحرية قدرها استرجعت عزها و
هذا عدل ، و هكذا لا يظلم ربك احد
، و انما الانسان يظلم
نفسه."(1) و
بناءا على ذلك كان الكواكبي من
انصاف فكرة سيادة الامة اةو
سيادة الشعب و حكم نفسه بنفسه ،
اذ كلما كانت الامة ماسكة بزمام
امورها و مراقبة للحكومة ، و
مسيطرة عليها , استطاعت التخلص
من الاستبداد ، و لا يتاتى ذلك
الا اذا كانت الامة هي مصدر
السلطة السياية ، تستمد سلطتها
من قوة شريعتها و من منتجات عقول
ابنائها .) (2 و
يؤكد النائيني ذلك ، اذ يقر
بعيدا عن الوعي السياسي الشيعي
التاريخي ان الولايةالزمنية –
السلطة في عصر الغيبة هي للامة,
و ان ولاية الامة على نفسها امر
سياسي لا شرعي ، ان عدم امكانية
تحقيق الامامة الالهية ، يفتح
المجال للامة في تحقيق سلطانها
عبر اقامة مجلس شورى منتخب ، كما
يفتح عدم امكانية تحقيق الحاكم
العالم العادل بتشكيل اهل العقد
و الحل عند اهل السنة, فالسلطة
هي نتاج بنية المجتمع و
خصوصياته ، اذ لا يمكن حفظ شرف
استقلال آية امة او أي سواء في
امتيازاتهم الدينية او الوطنية
الا اذا كانت حكومتهم منهم و
امارتهم من نوعهم ، ان السلطة
تتعامل مع تراث انساني عام ، ـــــــــ (1)
توفيق السيد ، سياسات الاسلام
المعاصر : مراجعات و متابعات ،
بيروت : دار الكتاب العربي ، 1997 ،
ص 273 . (2)
فاضل زكي محمد ، الفكر السياسي
بين ماضيه و حاضره ، ط 2 العراق :
منشورات وزارات الاعلام
العراقية ،1976, ص 372 ـــــــــ يتجاوز
الخصوصيات المباشر للامم ، و
يضع المبادئ المشتركة قنطرة
للوصول الى اطروحة سياسية
عامة.وولاية الامة على نفسها هي
ولاية مؤقتة مشروطة بعودة
الامام الثاني عشر،الذي
يمثلالجانب الشرعي من هذه
الولاية ,في حين تمثل الامة
الامر الواقع بحسب مقتضيات
الحال ,وهي بذلك سلطة غير نهائية
تشمل مساحة المجتمع برمته،أي
علاقة الانسان بنفسه ، وعلاقته
بالمجتمع ، و علاقته بالطبيعة ،
و لا عم بذلك النائيني بين الاصل
و الاصل الثاني ( الدولة ) ، التي
راي فيها امرا شوريا محضا منوطا
بالامة التي تتحمل فيه
مسؤولياتها في عصر غيبة الامام
المهدي ، و هو ما يتطابق مع
الطابع الشوري للامامة
المعصومة نفسها . ان
الامة استنادا لأطروحة
المفكرين تشكل مرتكز السلطة
بمشاركتها في ممارسة الحكم
ليكون حكما عادلا ، بحيث لا
تستقيم شرعية أي حكم سياسي أو أي
تصرف في الشؤون العامة للمجتمع
من دون ان يكون قائما على مبدأ
الشورى المكون لمفهوم المجتمع
السياسي في الاسلام .(1) اراد
الكواكبي الشورى الاسلامية
لإرساء دعائم و قواعد الحرية و
العدل و المساواة من اجل تقدم
الانسان و رقيه ، فبعد بحث استمر
ثلاثين عاما تمحص عنه " أن أصل
الداء هو الاستبداد السياسي "
و دواؤه دفعه بالشورى الدستورية
" (2) الشورى التي تنتمي
انتماءا حميميا الى حقل السياسة
، فهي تعني مشاركة الرعايا في
سياسة الدولة و شؤون الحكم بحثا
عن القرار الأكثر صوابا ، على أن
يتم ذلك في حدود القانون ، (3) و
لأن الصلاح و الفساد دائران مع
سنة الاستشارة أو الاستقلال في
الرأي، فان الحكومة الصالحة
العادلة ، التي توفر الأمان
الروحي و الفكري و الجنسي و هي
تقوم بواجباتها و مسؤولياتها
اتجاه المجتمع (4)لا تستطيع
القيام بوظائفها تلك الا اذا
كان نظامها يسير وفق نظام الحكم
التشريعي ذي الصفة
الديموقراطية ، " و انفع ما
بلغه الترقي في البشر هو
احكامهم اصول الحكومات
المنتظمة ]... [ و يجعلهم لا قوة و
لا نفوذ فوق قوة الشرع ].. .[ و
يجعلهم قوة التشريع في يد الامة
و الامة لا تجتمع على ضلال " . و
يقوم بوظيفة الشورى هذه من
عناهم القرآن بأهل الذكر و
اصطلح على تسميتهم بأهل الحل و
العقد من قادة الامة و ههداتها
.(5) و اطلق الكواكبي على هذه
الشورى " الشورى
الارستقراطية " أو " شورى
الاشراف " كاشخاص جديرين بحمل
مسؤولية هذه الوظيفة الشريفة ،
" و هم خواص الطبقة العليا في
الامة ، الذين امر الله عز شانه
نبيه بمشاورتهم في الامر الذي
لهم شرعا حق الاحتساب و السيطرة
على الإمام و العمال ، لأنهم
رؤساء الأمة ووكلاء العامة ، و
القائمون في الحكومة الإسلامية
مقام مجالس النواب و الأشراف في
الحكومات المقيدة (6)و بهذا لم
يجعل السلطة التشريعية حكرا على
الاصلاء أو الأغنياء ، بل يرى أن
الحاسم هو وجود رأي عام غالب
لسواد الناس ، فإذا تحقق توفره
استطاعت الأمة أن تقيم لنفسها
حكومة انتخابية لا وراثية حتى
بوجود الاصلاء أنفسهم بينها، و
بذلك يقر بضرورة مجلس النواب
كسلطة تشريعية ـــــــــ (1)
محمد مهدي شمس الدين , في
الاجتماع السياسي الاسلامي ،
بيروت : المؤسسة الدولية
للدراسات و النشر ، 1999 ، ص 97 2)
(الكواكبي ، طبائع الاستبداد و
مصارع الاستعباد ، مرجع سابق ، ص
13 (3)
محمد جمال طحان ، الاستبداد و
بدائله في الفكر العربي الحديث
، الإستبداد وبدائله في الفكر
العربي الحديث- الكواكبي
نموذجا- ، سوريا: دار النهج،2006 ،
ص 239 (4)
نوبير تابييرو ، الكواكبي:
المفكر الثائر، (ترجمة علي
سلامة)، بيروت: منشورات دار
الأدب، 1981، ص 156 . (5)
محمودالعقاد عبد الرحمان
الكواكبي (الرحالة ك)، القاهرة:
دار النهضة مصر، 1986 ،ص 155 (6)
الكواكبي ، أم القرى ، مرجع سابق
، ص 66 . ـــــــــ وظيفتها
السيطرة و الاحتساب على السلطة
التنفيذية التي يسميها الإدارة
العمومية السياسية ، فالمراد هو
"إقامة فئة تسيطر على حكامها
كما اهتدت إلى ذلك الأمم
الموفقة للخير ، فخصصت منها
جماعات باسم مجالس نواب وظيفتها
السيطرة و الاحتساب على الإدارة
العمومية : السياسة والمالية و
التنفيذية " (1)هذا ناهيك عما
أوردها الكواكبي من ربط بين
الشورى و دور
الفقيه و السلطان من حيث تحديد و
وظائف الشورى أيضا في تمحيص
أمهات المسائل الدينية
المرتبطة بسياسة الأمة، حيث
أورد على لسان الأمير العربي
قوله : "
أما وظائف الشورى العامة فتقضي
أن لا تخرج عن تمحيص أمهات المسائل
الدينية التي لها تعلق مهم في
سياسة الأمة و تأثير قوي في أخلاقها
و نشاطها ، و ذلك مثل فتح باب
النظر و الاجتهاد تمحيصا للشريعة
، و تيسيرا للدين ، و سد أبواب
الحروب و الغارات و
الاسترقاق اتباعا لمقتضيات
الحكمة الزمانية ، و كفتح أبواب حسن
الطاعة للحكومات العادلة ، و
الاستفادة من إرشاداتها و أن
كانت غير مسلمة ، و سد أبواب
الانقياد المطلق و لو لمثل
عمر بن الخطاب – رضي الله عنه
–" (2) و
يستمد النائيني من الفكر
السياسي السني استدلالات رصينة
يقيم على أساسها سلطة إسلامية
موحدة على قواعد الشورى ليرسي
قاعدة الاجتماع الإسلامي على
السلطة ، بعد أن يستبعد سجالا
تاريخيا و تراثا مثقلين
بالسجالات العميقة حول الخلافة
و الإمامة ، مؤكدا أن الشورى هي
أساس الدولة الإسلامية بنص
الكتاب و السنة ، و متمثلا بسيرة
الخلافة الراشدة و الأحكام
السلطانية السنية في تأكيد هذا
الأصل.(3) و
بما أن الشورى أساس الحكم
الإسلامي بنص القران و السنة ،
فان تحديد السلطة يقتضي
الاستناد إلى قوة خارجية بشرية
رادعة تقوم مقام القوة العاصمة
الإلهية ، تتمثل في هيئة
دستورية ناظرة تتجسد في مجلس
المندوبين أو مجلس الشورى ،
الذي يقوم بمراقبة و تسديد عمل
القوة الإجرائية و التنفيذية
التي تكون وظائفها و أعمالها قد
حددت سلفا تبعا للقوانين و
التشريعات المصادق عليها .(4) ان
وجود هذه الهيئة ضروري لكي لا
يتحول الاستيلاء إلى جور ، إنها
نوع من قوة ضابطة و رادعة و
مسددة كما يراها النائيني ،
تتوافق مع وجهة النظر السنية
القائلة بشرطي عملية الخليفة و
عدالته ، و مع وجهة نظر الإمامة
القائلة بعصمة الإمام ، أنها
الإمكان الضروري لهذا الزمان,(5)
أن الهيئة الدستورية إذا "
قدر مقدور من القوة العاصمة
الإلهية بناءا على أصول مذهبنا
طائفة الإمامة ، و بناءاعلى
مذهب أهل السنة ، هي مقام القوة
العلمية و ملكة التقوى و
العدالة",و يوضح النائيني أن
الأمور السياسية في المذهب
السني هي مناطة بأهل العقد و
الحل كما أورده الكواكبي ، حيث
يكفي ـــــــــ (1)
الكواكبي, أم القرى ، مرجع سابق
، ص 37 . (2)
نفس المرجع الآنف الذكر ، ص 39 . (3)
توفيق السيف ، ، ضد الإستبداد
–الفقه السياسي الشيع في عصر
الغيبة-، بيروت: المركز الثقافي
العربي، 1994، ص 210 . (4)
محمد دكير ، من الإستبداد إلى
الديمقراطية –دراسة في فكر
الشيخ النائيني من خلال كتابه
"تنبيه الأمة وتنزيه
الملة"، مجلة الكلمة، العدد
18، السنة الخامسة، بيروت: منتدى
الكلمة للدراسات والأبحاث، 1998 ،
ص 65-64 . (5)
وجيه كوثراني ، الفقيه و
السلطان جدلية الدين والسياسة
في إيران الصفوية- القاجارية
والدولة العثمانية، بيروت: دار
الطليعة للطباعة والنشر،2001 ،
ص141 . ـــــــــ انتخاب
المبعوثين لتحقيق هذا الغرض ،
على خلاف المذهب الشيعي ، حيث
يتولى النواب العامون عصر
الغيبة هذه الأمور اذ يكفي
أن تشمل الهيئة المنتدبة على
عدد من المجتهدين العدول او
المأذونين من قبلهم (1) ممن تتوفر
فيهم جملة من الشروط التيتعطيهم
الحق في الترشح باختلاف مذاهبهم
و فرقهم و أديانهم من مثل : -
الكفاءة و الاحاطة العلمية
الكاملة في باب السياسة ، او
الاجتهاد فيها بتعبير آخر ،
إضافة إلى فقاهتهم الشرعية
لتكملة القوة العلمية اللازمة
في مجال الإدارة السياسية . الخلو
من الأغراض و الأطماع الخاصة ، و
البعد عن الصفات الرذيلة ، عملا
بوصية الامام علي – ع – " و لا
تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك
عن الفضل و يعدك بالفقر ، و لا
جبانا يضعفك عن الأمور ، و لا
حريصا يزين لك الشرك
بالجور."(2) -
النزوع الوطني و الديني : بمعنى
الغيرة العامة على الوطن و
الدين و جميع المسلمين . و
لهذا فبامكان غير المسلمين أيضا
الترشح للعضوية بالهيئة
بتوفرهم على هذهالشروط ، نظرا
لحقهم في الانتخاب و اشتراكهم
في المالية و غيرها أولا ، و
لتوقف تمامية الشورى الرسمية
على دخولهم فيها ثانيا .(3) و
تم تحديد وظائف هذه الهيئة في :
ضبط الخراج و تنظيم موارد
الدولة ومصارفها ، النظر في
عملية وضع القوانين و ضبطها و
احراز تطابقها مع الشريعة
الاسلامية ، لأن طبيعة القوانين
الصادرة عن المجلس النيابي يجب
ان لا تخرج عن الاطار الشرعي ،
فالاحكام الرعية اما منصوصات لا
تتغير باختلاف الأعصر و تغير
الأمصار ، و اما ان تكون غير
منصوصة ، و انما هي تبعا لمصالح
و مقتضيات الأعصر و الأمصار ،
أما الأولى فيجب ان لا يصدر عن
المجلس ما يخالفها لانها خارج
عن اصول الشورية ، و اما الثانية
فهي من مختصات الفقهاء في عصر
الغيبة ، و هي لا محالة ملزمة
شرعا بمقتضى نيابتهم الثابتة
القطعية, (4)و من الوظائف ايضا ،
تجزئة و تضييق قوى الدولة و
وظائفها ، بحيث تعود كل شعبة
منها الى ضابط صحيح و قانون عملي
، و النظر في ذلك يعود الى دراية
و كفاءة العاملين في الدولة ، و
وضحها امير المؤمنين – ع – في
عهده الى الأشتر حين قال " و
اعلم ان الرعية طبقات لايصلح
بعضها الا ببعض ،و لا غنى ببعضها
عن بعض، فمنها جنود الله ، و
منها كتاب العامة و الخاصة ، و
منها قضاة العدول ، و منها
التجار ، و أهل الصناعات ،"
الى أن يقول : " فالجنود باذن
الله حصون الرعية ، وزين الولاة
، و عز الدين ، و سبل الأمن ،
وليس تقوم الرعية الا بهم
..."(5) و
يعالج النائيني مسألة الأخذ
برأي الأكثرية و اعتماده أيضا
في عدة جوانب أهمها : أولا :
اذا تأرجحت القضية بين شيئين
فلا بد من ترجيح رأي الأكثرية هو
مثل ترجيح حكم العقل على ما سواه
من الاحكام الشاذة . ثانيا
: انه عند الابتلاء بالمشاكل و
الاختلافات يجب الرجوع الى
المرجحات العقلية و الدينية ، و
أحدها اعتماد راي الاكثرية . ثالثا
: في حالة ثبوت مشروعية الطرفين
بحيث يتساوى الاخذ باي منهما من
الناحية الشرعية ، و لا يمكن
الترجيح بينهما ـــــــــ (1)
محمد احمد صالح أبو الطيب ، مرجع
سابق ، ص 93 (2)
نفس المرجع الآنف الذكر ، ص 101-100 (3)
فؤاد ابراهيم ، الفقيه والدولة -
الفكر السياسي الشيعي-، بيروت:
دار الكنوز، 1998، ص 255-254 (4)
محمد الحسيني ، " الشيخ
النائيني - فكر سياسي مبكر- " ،
مجلة المنهاج, العدد 18. WWW. Islamicfeqh .com .al-menhaj/ALMEN 15/Footnt 01.
htm (5)
محمد احمد صالح أبو الطيب ، مرجع
سابق ، ص 102-10 ـــــــــ شرعا ،
يبقى من باب حفظ النظام
الاجتماعي اعتماد راي الاكثرية
مقدما على الاخر ، لشموله بادلة
حفظ كيان المجتمع و النظام
العام ، و بذلك يصبح و اجبا
الأخذ به ، و يكوم التقيد به من
القضايا الملزمة شرعا .رابعا :
وافق الرسول – ص – و الامام علي
– ع – في المسائل و المواضيع
السياسية و الاجتماعية على رأي
الاكثرية ، و التزموا به عمليا
كما هو معروف في السيرة .(1) و
بهذا أعطى أولوية للشورى على
الاجتهاد كقاعدة لقيام النظام
السياسي و عمله ، و هو ما يجافي
منطق فقهاء الشيعة القائل بان
" المجتهد الجامع للشرائط لا
يعمل براي غيره باعتباره حجية
العلم التي تتوصل إليها ", (2) و
انتقل بذلك من قاعدة الاجتهاد
الى قاعدة الشورى ، ليعزز موقف
الفقهاء ، و شرعية مطالبهم
باحتكار الولاية ، فهو لم يسقط
الاجتهاد بل أعاد تاسيسه من
جديد ، من خلال إخراجه من اختصاص
الفقهاء إلى عامة الأمة تمارسه
من خلال ممارسة حقها في الولاية
. (3) و
هنا لا ننسى الجدل الذي دار و لا
يزال يدور حول إلزامية الشورى
من الناحية الشرعية ، لانه وجد
من الفقهاء من لا يرى في الزامية
الحاكم بها ، و هم زعماء
الاستبداد الديني ، لأنه بغض
النظر عن الوجوب الشرعي فان "
انفرا د شخص بالفصل في أمر عام
يتعلق بالجميع دون اعتبار
الآخرين ، ظلم و اجحاف ، و هو
يتضمن أيضا نوعا من تعظيم النفس
و احتقار الآخرين ، و هي صفات
أخلاقية مذمومة لا يمكن أن توجد
في المؤمن ذرة منها " . (4) لقد
اعترض هؤلاء على اقامة المجلس
بحجة ان ادارة الشؤون العامة
ولائية بحثة ليس للانتخابات دور
فيها ، و هي بذلك من مسؤولية
الفقهاء و المجتهدين فقط ، و لا
يحق لاي شخص كائن من كان التدخل
فيها ، و ان الاخذ باراء
الاكثرية يتناقض و اساسيات
المذهب الامامي ",(1) و يرد
النئيني بانه اذا كان المجلس
النيابي قدرا من العصمة بحكم
الشورى و الالتزام بقواعد
القانون و الشريعة ، فان الركن
الاعظم لهذا التحفظ و الاصل
لهذه الرقابة هي اقامة دستور
تتحدد بموجبه الوظائف و
القوانين و المسؤوليات و الحقوق
و الواجبات . (2) و
بناءا على ماسبق تعد الشورى
مرتكزا اساسيا من مرتكزات بنية
نظام الحكم في الاسلام ، ان حفظ
النظام و تثبيته لا يمكن ان
يتحقق بدونها ، و هي سمة من سمات
الدولة الاسلامية و جزء لا
يتجزأ من الفكر السياسي
الاسلامي و الدولة الاسلامية ،
فعن طريقها يمكن الكشف عن قدرات
و امكانيات الامة لجهة حركيتها
لاجل تطوير المجتمع و صيانة و
السمو به ، و صيانة النظام العام
و نظام الحكم ، بل و المشاركة في
تدعيمه و ترسيخه لما فيه من خير
للامة الاسلامية باكملها . و
لهذا يستحضر المفكران منهجية
فقهية واحدة لحل المشاكل التي
عاشها العالم الاسلامي في اخر
مراحل الدولة السلطانية، ففي
مواجهة الاستبداد السلطاني
الفردي ، و محاربة الخطر
الخارجي الاجنبي ، و التصدي
لسياسة افقار الامة و امتهان
ارادتها يظهر مفهوم الشورى كاصل
من اصول العمل الاسلامي الذي
ضمن للدولة الاسلامية الاولى
ازدهارا لدعوتها و منعة لكيانها
السياسي. ـــــــــ (1)
فردهان الهيان," مبادئ النظام
الدستوري" ، النبأ ، عدد 55 ، ،
آذار 2001. . www. Annabaa . org/ nba 55/deen . htn 2))
توفيق السيد ، ضد الاستبداد,
مرجع سابق ، ص 162 . (3)
عبد الاله بلقزيز ، الدولة في
الفكر الإسلامي المعاصر،
بيروت:مركز دراسات الوحدة
العربية،2003 ،ص 77-76 . (4)
عبد المجيد اسماعيل الانصاري ،
الشورى و أثرها في الديموقراطية
، دراسة مقارنة ، لبنان :
منشورات المكتبة العصرية ،
(د،س،ن) ، ص 6 ـــــــــ ان
الضرورة التي توجب حاكما او
سلطانا لا يجوز شرط الامام
العالم و العادل في مذهب اهل
السنة ، او شرط العصمة المستحيل
توفره في زمن الغيبة الكبرى في
مذهب الامامية ، تحتاج الى
تقييد كي لا يستغل السلطان واقع
ضرورته, الامر الذي اوجد صيغة
اهل العقد و الحل في البيعة
الاختيارية مجلسا نيابيا يسمح
بمشاركة الامة ، لقد اعترض
هؤلاء على اقامة المجلس بحجة أن
ادارة الشؤون العامة ولائية
بحثة ليس للانتخابات دور فيها ،
و هي بذلك من مسؤولية الفقهاء و
المجتهدين فقط ، و لا يحق لأي
شخص كائن من كان التدخل فيها ، و
ان الاخذ باراء الاكثرية يتناقض
و اساسيات المذهب الامامي", و
يرد النئيني بانه اذا كان
المجلس النيابي قدرا من العصمة
بحكم الشورى و الالتزام بقواعد
القانون و الشريعة ، فان الركن
الاعظم لهذا التحفظ و الاصل
لهذه الرقابة هي اقامة دستور
تتحدد بموجبه الوظائف و
القوانين و المسؤوليات و الحقوق
و الواجبات . و
ما خلاصة ما قدمه المفكرين إلا
تعبيرا فقهي أو أصولي أو كلامي ،
يجيب من يدعي ان الدستور بدعة و
الانتخاب خروج فالأصل اسلامي ،
و البضاعة إسلامية ، و ما الدولة
الديموقراطية الحديثة إلا
إخراج تاريخي لهذه الأصول و
ترجمة واقعية لتلك المبادئ , ان
الاسلام مؤسس على مبادئ العدل و
الحرية و المساواة و القسط و
الاخاء ، اما اصول الحكم فتركز
على الشورى و مشاركة الامة في
حكم نفسها بنفسها . شكل
الحكومة المشروعة عند الكواكبي
والنائيني: لقد
تبين للمفكرين أن للنظام
السياسي الصحيح دورا كبيرا في
تكوين مجتمع متوازن ، و لأن قمة
التنظيم السياسي هي ادارة
الدولة ادارة يشترك فيها أصحاب
العلاقة المعنيون جميعا في ظل
وجوب مبدأ الامامة لتنظيم
المجتمع الانساني ، أوجد
المفكران البديل المطلوب
للاستبداد في تطبيق الشورى
الدستورية ، حيث يكون للحكومة
قانون تسير عليه ، يتم تداول
مبادئه من قبل جميع أفراد الأمة
أو من ينوب عنهم من أهل الشورى
قبل اقراره و تمتد صلاحياتهم
الى ابداء رأيهم في كل ماله
علاقة بشؤون الدولة التي يعيشون
على أرضها . و
بهذا استعمل المفكران مقابل
حكومة مستبدة : حكومة عادلة ،
مقيدة ، دستورية ، بحيث يجب أن
تتضمن في كل ذاك مبادئ : الحرية و
المساواة و الحس المشترك ، و
لذلك نجدهما يستحضران في بحثهما
عن شكل الحكومة المشروعة
المرغوب كلا من القرآن و السنة
النبوية ، من منطلق أن الاسلام
قد أسس التوحيد و نزع من قلوب
الناس سلطة الأشخاص، و وضع
شريعة عامة لا يخطئ من سار على
هديها ، و هو ما ادى الى تأسيس
حكومة الخلفاء الراشدين،الذين
بناءا على التزامهم بما طالبهم
به القرآن الكريم ، تمكنوا من
انشاء حكومة قوامها المساواة ،
و أقاموا سنة الاشتراك و
التعاون بين الناس, فتأسست بهم
دولة العدالة التي ظلت نموذجا
للحكومة الاسلامية الحقيقية
التي اتخذت شكلها النهائي قبل
فترة حكومة معاوية على الأمة
الاسلامية . و
لهذا ألمح الكواكبي الى أن علاج
الاستبداد يكون بالعودة الى
نظام سياسي ذي طابع ثوري شبيه
بالعهود الأولى للاسلام ، في
اشارة منه الى فترة الخلافة
الراشدة ، فلم يحدد نوعية
الحكومة التي يراها مناسبة بشكل
واضح و مميز ، و
لكن أكد على ضرورة أن تكون
مسؤولة عن أعمالها أمام الأمة
بغض النظر اذ كانت ملكية أو
جمهورية (1) . فجميع
صور الحكم حسنة ما دامت تحقق شرط
المحاسبة عن طريق قانون رقابة
ملزم ترتضيه الأمة لنفسها ، فقد
كانت ـــــــــ (1)
نوبير تابييرو ، مرجع سابق ، ص 153
. ـــــــــ السياسة
الاسلامية نيابة اشتراكية أي
ديموقراطية تماما ، " أما
عندي فيتخيل لي أن سبب الفتور هو
تحول نوع السياسة الاسلامية حيث
كانت نيابية اشتراكية أي
ديموقراطية تماما, فصارت بعد
الراشدين بسبب تمادي الممارسات
الداخلية ملكية مقيدة بقواعد
الشرع ثم صارت أشبه بالمطلقة
." و
عليه ، فان الحكومة الضامنة
لحرية الفرد ، و تحقيق سعادته
النفسية و المادية هي تلك التي
يحكمها الشرع الذي يسهر على
تنفيذه غالبية الأمة ، و يحاكم
في ظله الحاكم و المحكوم على حد
سواء ، و يلتزم خلالها كل فرد
بحقوق و واجبات بها تسعد الأمة
التي تكون مصدر السلطة و أداة
الرقابة ، الا أن هذا النوع من
الحكومة لا ينطبق على دولة
الخلافة العثمانية في نظر
الكواكبي الذي وقف منها موقفا
معاديا ، منكرا احقيتها في
الخلافة التي أكد أن شرطها
الأساسي هو أن تكون خلافة عربية
قريشية ، و هو ما تفتقر اليه
الخلافة العثمانية و من ثمة كان
الحل الأمثل لقضية الحكم في
البلاد العربية هو بعث خلافة
عربية قريشية روحية بمكة ، و
تأسيس اتحاد فيدرالي بين دول
اسلامية ذات حكم ديموقراطي
دستوري .(1) بهذه
الطريقة أراد الكواكبي تكوين
وحدة عربية ضمن اتحاد اسلامي
مستند الى التراث التاريخي و
التاريخ العربي الاسلامي ، و
متجاوزا اطار القومية العربية
الضيقة التي لا تعني أكثر من شكل
من أشكال التجمع ,الى تصور رؤية
قومية واسلامية انسانية شاملة
من اتحاد عائلي ، الى تجمع مدني
، ثم قومي ، الى روابط دينية و
جغرافية و سياسية و انسانية
شاملة ، الا أن ميله ظل واضحا ،
فقد نادى باسم العودة الى اسلام
خالص عن طريق تمجيد القومية
العربية التي تمر نهضتها عبر
الخلافة القريشية ، و مع ذلك فهو
يجد حلا لتكوين اتحاد اسلامي
بين الدول يبقي على الرابط
القومي بعيدا عن المعتقد الديني
.(2) لقد
ظلت الخلافة تشكل النموذج
الأمثل للمسلمين في حراسة الدين
و سياسة الدنيا ، نموذج حقق
وحدتهم و تماسكهم في ظل سلطة
مشتركة من الناحية السياسية و
الدينية ، اذ تولى الخلفاء
الناحية السياسية ,و تولى
العلماء الناحية الدينية بما
يحقق الانسجام بين الخلفاء من
الجهة و العلماء باعتبارهم
يمثلون الواسطة بين الشعب و
الحاكم من جهة أخرى ، و هو ما شكل
وحدة سياسية دينية للمسلمين لم
تستمر طويلا نتيجة الشروخات
التي ظهرت على مستوى العلاقة
بين العلماء أنفسهم,(3) حيث أصبح
من غير الممكن تطبيق نظام
الخلافة كنظام سياسي ، بل يكون
لكل دولة نظامها السياسي مع
الابقاء على عامل الارتباط فيما
بينها بوحدة روحية دينية ، و هو
ما جعل من مؤسسة الخلافة مؤسسة
دينية بحتة يجري العمل فيها على
أساس قاعدة الشورى ، بهذه
الطريقة حاول الكواكبي الابقاء
على منصب الخلافة الذي حوله الى
مجرد رمز ديني روحي يربط بين
المسلمين, بدعوى أن الاسلام لم
يدع قط الى وحدة ادارتي الملك و
الدين وحدة كاملة . يفصل
الكواكبي بين الحاكم و الخليفة
كأساس لتحقيق الحكم الدستوري ،
فالحكام يجب أن يكونوا كثيرين ،
لأنه لا يجوز أن يحكم سلطان واحد
جميع الأقاليم الاسلامية ، بل
لا بد أن ينال كل اقليم استقلاله
، و يعمل بقوانين خاصة به ، ـــــــــ (1)
نفس المرجع الانف الذكر، ص 164 . (2) Khaldoun
sateh al husry , three reforms : A study in modern Arab
political thought , Beirt , 1966 , p 85 (3)
اسماعيل زروخي ، الدولة في
الفكر العربي الحديث- دراسة
فكرية فلسفية- ، القاهرة: دار
الفجر للنشر والتوزيع، (د.س.ن)، ص
292. ـــــــــ و تكون
بذلك سلطة الحاكم مدنية ، في حين
تكون سلطة الخليفة دينية معنوية
دون أي سلطة سياسية الا على
الحجاز ، و سلطته المعنوية تلك
هي سلطة مقيدة باشراف مجلس
الشورى الاسلامي ، الذي يجعل من
الخليفة مجرد رمز شكلي للاتحاد
الروحي بين المسلمين مما يساعد
على اصلاح الدين ، و من الخلافة
مؤسسة مستقلة عن أمور الحكم ،
تعود الى العرب و تقوم على أساس
الشورى و الانتخاب ,(1) و بهذا كان
الكواكبي أول مفكر عربي اسلامي
يتقدم بمشروع انشاء دولة وطنية
تفصل فيها السلطة التنفيذية عن
الدين, خلافا لما طرحه المفكرون
المسلمون قبل ذلك في دعوتهم الى
ابقاء السلطة التنفيذية و
الزعامة الدينية ملتصقتين في
شخص الخليفة السلطان. (2) لقد
أخرج الكواكبي مؤسسة الحكومة من
دائرة التحكم بالدين لضمان حرية
العقيدة بعيدا عن السلطة
السياسية ، كما جعل الرابطة
الاسلامية بمنأى عن التدخل في
شؤون الحكم ، و هو بذلك لم يكن
علمانيا بما تحمله الكلمة من
معنى الفصل التام بين الدولة و
الدين ، بل جعل من الاسلامية
المعلمنة منهاجا عاما للدولة ،
بما في ذلك مؤسسة الحكم ، حيث
دعا الى حكومة دنيوية قانونها
الأساسي الشريعة الاسلامية
كاطار عام لها . كما
رأى في الفصل ما بين السلطتين
التنفيذية و التشريعية أساسا
لبلوغ لحكومة الديموقراطية
الاشتراكية,ففي حالة ما اذا "
لم يكن المنفذون مسؤولون لدى
المشرعين و هؤلاء مسؤولون لدى
الأمة ، تلك الأمة التي تعرف أن
تراقب و أن تتقاضى ",(3) ستتحول
الحكومة الى استبدادية . الا
أن الكواكبي بما يقدمه من رؤية
لهذه الحكومة النيابية
الاشتراكية التي يشترك فيها
المواطنون في تسيير أنفسهم
بأنفسهم، بما يحقق العدل فيما
بينهم في ظل اشتراكية توزع
بينهم الثروة بالتساوي ، و توفر
لهم فرص العمل و الانتاج دون
تمييز و استثناء ,1)) لا يقدم حلا
جذريا لطبيعة النظام الذي يجب
أن يكون ، فهو لم ينادي بنظام
حكومة معين كالحكومة الملكية
المقيدة مثلا ,2)) بل أكد أن جميع
الأنظمة ملكية أو جمهورية يجب
أن تكون مقيدة ، أساسها العام
الديموقراطية ، و وضع بناء على
ذلك مجموعة تساؤلات تشكل
الاجابة عنها تصورا من قبل
الأمة و القائمين بها لنوع
الحكومة المطلوب ، فالكواكبي
يمتنع عن الاجابة عن التساؤلات
التي طرحها لما يرى في ذلك من أن
صلاح الراعي ، و من جملة الأسئلة
المطروحة حول شكل الحكومة
المرغوب فيها : ماهي الحكومة ؟ هل
الحكومة تملك السيطرة على أعمال
و أفكار المواطنين ؟ نوع
الحكومة ، من هو الأصلح ؟ ماهي
وظائف الحكومة ؟ هل ادارة شؤون
الأمة حسب الرأي و الاجتهاد ؟ أم
تكون مقيدة بقانون موافق لرغائب
الأمة ؟ هل للحكومة أن تخصص
بنفسها لنفسها ما تشاء أو يكون
التصرف في ذلك منوط بالأمة ؟و
تكييف للأمة طاعة عمياء أم
عليها الاعتناء بوسائل التفهيم
و الاذعان ؟ هل
تكون الحكومة لا تسأل عما تفعل
أم يكون للأمة حق السيطرة عليها
؟ (3) و
اذا كان الكواكبي قد توقف عند
طرح الأسئلة و الاستفهامات بشأن
الحكومة الدستورية ، فان
النائيني قدم نظرة متكاملة حول
البناء الدستوري للحكومة
الاسلامية ، و استطاع أن يصوغ
أفكار الكواكبي صياغة علمية
استنادا الى الكتاب و السنة ـــــــــ (1)
محمود العقاد ، مرجع سابق ، ص 11 (2)
سليمان موسى ، الحركة العربية :
المرحلة الأولى للنهضة العربية
الحديثة, بيروت ، دار النهار 1986,
ص 23 . (3)
الكواكبي، طبائع الاستبداد و
مصارع الاستعباد ، مرجع سابق ، ص
22 ـــــــــ و نهج
البلاغة ، (1) و قدم رؤية كاملة
حول مفهوم الحكومة الاسلامية
الواقعية الحقيقية ، التي
اعتبرها الآلية للخلاص من
الاستبداد و الانحطاط ، و يعدد
مزاياها في النقاط التالية : -أول
ما تمتاز به الحكومة الاسلامية
هو تقييد سلطة الحاكم بقيود
القانون ، و يقصد بذلك عدم جنوح
الحاكم للاستأثار بالحكم طبقا
لارادته و هواه ." -لميزة
الثانية : هي حفظ مكانة الفقهاء
فيها حيث يورد رأي الامامية في
زمن الغيبة بإيكال جميع المهام
و خاصة ما تعلق منها بأمور
الحسبة و الحفاظ على نظام
الدولة الاسلامية الى الفقهاء
الجامعيين للشرائط ، و بهذا
تحتفظ الحكومة الاسلامية
الحقيقية بحلقة الوصل التي
تربطها بالمذهب . -الميزة
الثالثة : هي تأسيس مجالس و
هيئات رقابية تضطلع بمسؤولية
الاشراف و الرقابة على سلوك و
تصرفات الحاكم لكي لا يحيد عن
القانون أو يتجاوز الدستور ، و
يكوم الحاكم مقيد و ملزم باتباع
القانون ، و يعمم ذلك على جميع
المراتب من الحاكم الأعلى الى
أصغر موظف بالحكومة مرورا بحكام
الولايات و تعويضهم دائما
للمساءلة و المحاسبة ، و هذا
التفاوت في الحكم مطلوب عقلا و
شرعا ، و يعتبر من الواجبات
الأساسية في الحكومة الاسلامية
. -الميزة
الرابعة : هي قيام الحكومة
الاسلامية على أساس الشورى و
السماح للأمة بالمشاركة في صنع
القرار السياسي.(2) و
على الرغم من عرض النائيني
لسمات وميزات الحكومة
الاسلامية الواقعية الحقيقية
الا أنه لم ينادي بتأسيس حكومة
اسبلمية ، ذلك أن طبيعة السياق
الداخلي و الخارجي ، من تطورات
لأحداث المشروطة على المستوى
الداخلي ، و مسألة التنافس
الدولي الشديد للسيطرة على
ايران بخاصة و العالم الاسلامي
عموما ، ناهيك عن عقبة المؤسة
الدينية التي لم يكن قد بلغت
المستوى النظري و التنظيمي
المطلوب لاسقاط الحكم القاجاري
، و اقامة حكم الفقيه . كل
هذه الظروف دفعت دعاة المشروطة
بايران الى المطالبة بتقييد
سلطات الحاكم في ظل تراث سياسي
تتحكم فيه مفاهيم الملكية
السلطوية المطلقة التي لا يمكن
استئصالها بسهولة ، غير أن
النائيني استطاع أن ينظر لهذه
الفكرة مفاهيم تتناغم مع مفهوم
الجمهورية ، و خاصة مقولتي
الحرية و المساواة اللتين
تميزان الحكومة الاسلامية (3)
مما جعل بعض الباحثين يعتقدون
أن النائيني كان يدعو الى حكومة
الملكية المقيدة .(4) و
انطلاقا من طبيعة الحكم العادل
المشروع في الاسلام يميز
النائيني بين نوعين من أنظمة
الحكم : -النوع
الأول : يتصف بالعصمة ، تكون
السلطة فيه بيد الامام المعصوم
وفقا للنظرية الشيعية الامامية
و هو شرط لا يمكن توفره في ظل
الغيبة الكبرى ، مما يحيل الى
النوع الثاني . -النوع
الثاني : تؤول السلطة فيه الى
البشر العاديين ، معيار عدالته
هو الخضوع للنقد و المراقبة و
المحاسبة ، يقوم على أساس
الولاية و الأمانة ، اذ أن سائر
الأمانات و الولايات مشروطة
بعدم التجاوز و مقيدة بعدم
التفريط . و
ينطلق النائيني من هذا النوع ، و
هو النوع الولايتي ، الشكل
المعقول للحكم ، و البديل
المعقول أيضا عن الامام في تولي
المهام و الوظائف الراجعة الى
الدولة ، و بمعنى آخر فان
النائيني و ان كان يقر بلا شرعية
الحاكم الزمني أو أي ـــــــــ (1)
محمود العقاد ، مرجع سابق ، ص 154 . (2)
فردهان الهيان ، " آفات
الاستبداد في فكر العلامة
النائيني " مجلة النبأ ،
العدد 52 ، مرجع سابق . (3)
نفس المرجع الآنف الذكر (4)
محمد احمد صالح أبو الطيب ، مرجع
سابق ، ص 177 . ـــــــــ حكم
دنيوي ،الا أنه يفاضل بين نمط و
آخر مادامت جميعها زمنية ،
بشرية ، لا شرعية ، فيختار
الأنسب منها,(1) من حيث أن الأمة
ليست مدعوة الى تشكيل حكومة
الهية دينية ، بل تشكيل حكومة
زمنية عادلة ، يسميها النائيني
بالديموقراطية ، اذ يستقل
الديني على الزمني ، و لا يغدو
شأنا من شؤون الدولة ،
فالتنظيمات و القوانين الزمنية
العلمانية هي دائما أجنبية على
التكاليف التعبدية و التوصلية ،
و أحكام المعاملات و المناكحات
و سائر أبواب العقود و
الايقاعات و المواريث و القصاص
و الديات ، و نحو ذلك مما يكون
المرجع فيه الى الرسائل العملية
و فتاوى المجتهدين، ذلك لأن
الأمور الخاصة بالحرية الدينية
في الدولة الديموقراطية خارجة
عن وظائف الموظفين و تداخل هيئة
المبعوثين ( نواب الأمة ) ، و غير
مرتبطة بوظائف الحكومة
االشرعية ، و هو ما يعني أن
الدستور غير معنى بتطبيق
الشريعة، انه يهدف الى تحديد
الاستيلاء ، و ضبط أعمال
الموظفين ، لا أن تكون أحكام
الاسلام ابتداء من كتاب الطهارة
الى آخر كتاب الديات من جملة
السياسات التي يجب أن تذكر في
دستور عمل الموظفين و
المتصدين,أو أن يكونوا مسؤولين
عن جزئياتها . و
في اطار هذا السياق ، تحدث بعض
الباحثين عن علمانية النائيني و
نظريته السياسية في ذلك ، بما
أسماه من وجهة نظره العلمنة
الاسلامية أو مشروع اللوثرية
الاسلامية ، من حيث أن النائيني
لم يتكلم عن الحكومة الدينية ، و
انما على المطابقة بين الشريعة
و المشروطة بغرض شرعنة هذا
المبدأ و تقريبه من أذواق الناس
، والرد على دعاة المستبدة ، و
من كانت أهمية هذا الطرح تبرز من
خلال الآليات التي حكمت أنتاج
هذه المطابقة و وجهتها ، بشكل
يقضي الى شرعنة الدولة الزمنية
العلمانية ، التي تفسح المجال
لأقصى حد ممكن أمام قبول
التنظيم العلماني الزمني
الديموقراطي لشؤون الدنيا في
اطار النظرية السياسية الشيعية
، و اصلاح الوعي الاجتماعي بشكل
يتقبل فيه ايديولوجية هذا
التنظيم .(2) و
اذا كان البعض قد وجد في نظرية
النائيني عن الحكم علمانية
لوثرية ، فان البعض الآخر راى
فيها توضيح لحد بعيد لنظرية
ولاية الفقيه الخمينية بشطبها
لدور الامة و اعطائها للفقهاء
منقطعة عن الخطاب الاسلامي
الشيعي ، و ما أطروحة الجمهورية
الاسلامية الا نتيجة لذلك .(3) انه في
ظل هذه الحكومة التي حدد
ملامحها المفكران ، يعيش
الانسان في ظل مجتمع عادل ،
يتساوى فيه حاكما و محكوما ،
غنيا أو فقيرا أمام القانون
الذي لا يستثني أحدا ، اذ يكون
الحاكم موظف لا يتعدى حدود
وظيفته في خدمة شعبه ، الذي
يحترم رأيه و يؤخذ به فيما يتعلق
بالشؤون العامة التي تمس مصالحه
، و هي دلائل انتشار
الديموقرطية في بلد آمن مستقر . ولهذا
يمكن القول ان المسلمين كانوا
مهتمين بمضمون الحكم ,وليس
بشكله,فما يميز حكومة جيدة عن
اخرى سيئة هو مقدار رعايتها
لهذا المضمون بين الناس ,ومع ضم
الاستهداف الديني المباشر
لاقامة العدل واستعمال السلطان
في ضمانه,اصر الفقهاء على مختلف
عصورهم على ضرورة اتصاف السلطان
او الذي يتولى امور المسلمين
بالملكات الروحية التي تجعله
عادلا في نفسه ,ورعا عن المحارم
,مراقبا ربه في سره وعلانيته
,معرصا عن الدنيا زا هدا في
زينتها ,والحصول على رجل كهذا
–كما رأى النائيني –لا يخلو من
عسر ,خاصة ان من هذا شانه لن يركب
مركب السلطة خوفا على نفسه منها
.(4) ـــــــــ (1)
محسن عبد الجبار ، مرجع سابق . (2)
محمد الحسيني ، مرجع سابق (3)
فردهان الهيان ،"آفات
الاستبداد في فكر العلامة
النائيني" ، مجلة النبأ ،
العدد 52, مرجع سابق (4)
توفيق السيف ,نظرية السلطة في
الفقه الشيعي, الدار البيضاء:
المركز الثقافي العربي , 2002 ,ص 260 ـــــــــ الخلاصة
و الاستنتاجات: لقد
تم التاكيد في بحث الاصلاح و
معالجة الاستبداد عند المفكرين
على مداخل ثلاث هامة : - مدخل
مقاومة الاستبداد و اصلاح نظام
الحكم القائم بالتوجه الى
التركيز على الحكام بالدرجة
الاولى . - مدخل
اقامة الدولة الدستورية
المرتكزة على مبدا الشورى مجسدا
في مبدا الديموقراطية
البرلمانية ، ممثلة في ان الامة
تساوي الشورى . -
مدخل التعليم و تحرير العقل و
تجديد الدين . و
وفقا لهذا يتلاقى المفكران في
موقف سياسي واحد لحدث دستوري
بإيران و الدولة العثمانية ،
يتراجع معه مفهوم الخليفة
الواحد للعالم الاسلامي ، و
الذي ستريه " سلطان الضرورة
" و يتقلص دور نائب الامام في
الدولة الشيعية السلطانية ،
ليفسح المجال لاقامة نظام سياسي
لكل قطر من اقطار العالم
الاسلامي ، يؤمن حدا من
المساواة و الحرية و العدالة . -
ان الافكار الاصلاحية التي
طرحها المفكران ، و عرفتها
التجربة الدستورية في كل من
الدولة العثمانية و القاجارية ،
تشكل في تاريخنا و واقعنا
المعصر تجربة ينبغي ان يعود
اليها الفكر الاسلامي الان ، لا
ليكون اسيرها ، فهي ثمرة مرحلة
تاريخية مضت ،بل لكي يراكمها في
وعي تاريخي يخرج كما خرج وعي
النهوضية انذاك اولا من اسر
وحدوية ما يسمى بالمرجعيات
المنفصلة في الحضارات
الاتسانية ، و ثانيا من
اسرالخوف من النقد التاريخي
لتجربة الدولة المستبدة و لو
ادعت هذه الاخيرة تطبيق الشريعة
، ومن نقد الفقه الذي ساندها او
بررها . إن
ما قدمه كل من عبد الرحمان
الكواكبي ومحمد حسين النائيني
كنموذجين للفكر السياسي
الإسلامي الحديث ينم عن وعي
تاريخي يتطلع إلى المستقبل وان
اختلفت المرجعيات جزئيا في
نصوصهما ،فالخلط أمر تحمله
بدايات التفاعل والتلاقح
الثقافي دائما. قائمة
المراجع : أولا:المصادر -
القران الكريم . ثانيا:
الكتب ا -
باللغة العربية: . 1- أبو
الطيب، محمد أحمد صالح ،
إشكالية الإستبداد السياسي في
رسالة الشيخ النائيني (تنبيه
الأمة وتنزيه الملة)، بغداد: دار
الكتب والوثائق ،2005. 2-
الكواكبي، زغلول ، عبد الرحمان
الكواكبي (السيرة الذاتية)،
بيروت: دار بيسان، 1998. 3-
السيف، توفيق ، ضد الإستبداد
–الفقه السياسي الشيع في عصر
الغيبة-، بيروت: المركز الثقافي
العربي، 1994. 4- ____
،____ ، نظرية السلطة في الفقه
الشيعي,الدار البيضاء المركز
الثقافي العربي , 2002 . 5-
السيد، رضوان ، الجماعة
والمجتمع والدولة، بيروت: دار
الكتاب العربي، 1997. 6-____،_____
، سياسات الاسلام المعاصر :
مراجعات و متابعات ، بيروت : دار
الكتاب العربي، 1997 . 7-
العقاد، عباس محمود ، عبد
الرحمان الكواكبي (الرحالة ك)،
القاهرة: دار النهضة مصر، 1986 . 8-
العوضي، زكي علي ، حركة الإصلاح
في العصر الحديث - عبد الرحمان
الكواكبي نموذجا-، ط1 ، الأردن:
دار الرازي للطباعة والنشر،2004 . 9-
بلقزيز،عبد الإله،الدولة في
الفكر الإسلامي المعاصر،
بيروت:مركز دراسات الوحدة
العربية،2003 10 -
تابييرو، نوبير، الكواكبي:
المفكر الثائر، (ترجمة علي
سلامة)، بيروت: منشورات دار
الأدب، 1981. 11 -
طحان، محمد جمال ، الإستبداد
وبدائله في الفكر العربي
الحديث- الكواكبي نموذجا- ،
سوريا: دار النهج،2006 .3- عمارة،
محمد ، عبد الرحمان الكواكبي –
شهيد الحرية ومجدد الإسلام،
بيروت: دار الوحدة، 1984 . 12-
____،____، مسلمون ثوار، ط 2، بيروت:
المؤسسة العربية للدراسات
والنشر، 1979. 13-
____،____، التراث في ضوء العقل ،
بيروت: دار الوحدة ، 1980. 14-
كديور، محسن ، نظريات الحكم في
الفقه الشيعي، بيروت: دار
الجديد، 2000. 15-
كوثراني، وجيه ، الفقيه
والسلطان –جدلية الدين
والسياسة في إيران الصفوية-
القاجارية والدولة العثمانية،
بيروت: دار الطليعة للطباعة
والنشر،2001. 16-
زروخي، إسماعيل ، الدولة في
الفكر العربي الحديث- دراسة
فكرية فلسفية- ، القاهرة: دار
الفجر للنشر والتوزيع، (د.س.ن). 17-
يوسف،السيد ،عبد الرحمان
الكواكبي - رائد القومية
العربية وشهيد الحرية- ،
القاهرة: الهيئة المصرية
للكتاب،2006. ب-
باللغات الاجنبية: 18- al
husry ,Khaldoun sateh , three reforms : A study in
modern Arab political thought , Beirut , 1966. -
ثانيا: قائمة المجلات : 19- أبو
حمدان، سمير ، "خطاب الحرية
في عصر النهضة"، مجلة الوحدة،
العدد 45، المملكة المغربية:
المجمع القومي للثقافة
العربية، 19884. 20-
الجباعي، أحمد ، "الكواكبي...
هم التأخر العربي وصاحب
النهضة"، مجلة الوحدة،
العدد81،السنة7 ، المملكة
المغربية: المجلس القومي
للثقافة، يونيو 1991. 21-
حامدي ،عبد الكريم ، " محاسن
الشورى وإشكالية لزومها في
النظام السياسي الإسلامي "،
مجلة الوعي الاسلامي ، العدد 498
، السنة 44، الكويت : الشركة
العصرية للطباعة و النشر و
التوزيع ، ماي 2007. 22-
دكير، محمد ،ً من الإستبداد إلى
الديمقراطية –دراسة في فكر
الشيخ النائيني من خلال كتابه
"تنبيه الأمة وتنزيه
الملة"، مجلة الكلمة، العدد
18، السنة الخامسة، بيروت: منتدى
الكلمة للدراسات والأبحاث، 1998 -ثالثا:
مواقع الانترنيت 23-
الحسيني ، محمد، " الشيخ
النائيني - فكر سياسي مبكر- " ،
مجلة المنهاج, العدد 18. WWW.Islamicfeqh.com.al-menhaj/ALMEN15/Footnt
01.htm 24-
الهيان، فردهان ، "أفات
الإستبداد في أفكار
النائيني"، (ترجمة عباس
كاظم)، مجلة النبأ، العدد 52
كانون الأول 2000 . WWW.annabaa.org/nba53/deen.htm 25-
____،_____،"الدين والديمقراطية
في فكر العلامة
النائيني"،(ترجمة عباس كاظم)،
مجلة النبأ، العدد53،كانون
الثاني 2001. WWW.annabaa.org/nba53/deen.htm 26–_____،____,"
مبادئ النظام الدستوري " مجلة
النبا ، العدد 55 ، آذار 2001. . www.Annabaa.org/nba55/deen.htm 27- أل
نجف، عبد الكريم ، "زعماء
الإصلاح والتجديد في مدرسة أهل
البيت –الشيخ النائيني- مؤسس
الفقه السياسي الإسلامي
الحديث-"، 2008/2/15 . WWW.e6resqneh.com/Arabeer/Sheikh ــــــ *جامعة
باجي مختار – عنابة- الجزائر -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |