ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
روسيا
بين الاحترام والقطبية الدكتور
عبد الستار قاسم هل تبحث
روسيا عن نفسها الآن؟ وهل هزّت
رأسها بالفعل لكي تستفيق على
وضعها الحالي بالمقارنة مع
ماضيها التليد عندما كانت
كاترينا وبطرس الأكبر، وعندما
كان الاتحاد السوفييتي يهز عصاه
في موسكو فيقف العالم؟ هل يبحث
الروس قيادة وشعبا عن مكان لهم
في هذا العالم، أم عن مكانة
مرّغها الضعف والفقر في التراب؟
يقول مراقبون ومحللون بأن الدب
الروسي قد ملّ البرد، ويريد
الاستدفاء بمناطق أخرى في
العالم؛ أو ربما كره الاستضعاف
فيبحث عن وسيلة لإمضاء أنيابه. روسيا
دولة معقدة تاريخا وثقافة
ونسيجا اجتماعيا وأخلاقيا
وجغرافيا، ومن الصعب الإحاطة
بمكوناتها، أو التكهن الدقيق
بسلوك شعبها وقياداتها؛ والخوض
بنواياها وخططها أشبه ما يكون
بغطس في مياه تخفي في جوانبها
الكثير من الحوامات. روسيا ذات
تاريخ عريق طويل مليء بالمفاجآت
والتقلبات، ودائما شكلت مؤشرا
قويا على أحوال السلم والحرب في
أوروبا، وألقت بظلها على مناطق
آسيا الوسطى والقفقاس. وهي ذات
موارد طبيعية هائلة تشكل لها
الرصيد القوي في زمن المحن
والسنين العجاف؛ وذات طاقة
سكانية كبيرة مليئة بالطاقة
والحيوية، والرغبة في العمل
والإنتاج. ماذا
تريد روسيا؟ يختلف الأكاديميون
المتخصصون بالشأن الروسي حول
تقييم التحركات الروسية في
السنين الأخيرة، فمنهم من يرى
أن روسيا تريد العودة إلى
القطبية لتنافس الولايات
المتحدة، ومنهم من يقول إنها
تريد أن تكون قوة عظمى لها
كلمتها على الساحة الدولية،
وآخرون يرون أن روسيا لا تملك
مقومات القطبية، وهي ستكتفي
بوضع تحافظ فيها على نفسها، الخ.
هذا البحث عبارة عن محاولة
لتقييم ووزن مختلف الإجراءات
والتصريحات الروسية التي اتخذت
أو صدرت في الفترة ما بعد العام
2000، عام صعود بوتين كقائد يتمتع
بثقة الشعب الروسي، ومن ثم
استخلاص الاستنتاجات حول ما
ترمي روسيا إلى تحقيقه في
السنوات المنظورة القادمة. هذا
البحث محصور في تطلعات روسيا
على المستوى الدولي، لكنه يتطرق
أيضا إلى السياسات الداخلية
التي تعزز هذه التطلعات، إنما
دون الانهماك في مجمل السياسات
المحلية. هناك بالتأكيد سياسات
داخلية لها علاقة بالأوضاع
المدنية واليومية للشعب
الروسي، لكن ما يهمنا في هذا
البحث هو تلك السياسات التي
يمكن أن تشكل آليات لتعزيز
سياسة دولية روسية. وهو بحث يدور
حول سؤال رئيسي واحد وهو: ماذا
تريد روسيا؟ هل هي تبحث عن مكانة
اضمحلت، أم عن احترام فقدته عبر
سنوات التسعينات، أم عن قطبية
تنافس الولايات المتحدة؟ الفرضية
الأساسية في هذا البحث هي أن
روسيا لا تريد العودة إلى الحرب
الباردة التي سادت في عهد
الاتحاد السوفييتي،
والإمكانيات الروسية التقنية
والاقتصادية تؤهلها الآن لفرض
احترامها على العالم، لكنها لا
تؤهلها لكي تكون مرجعية دولية
أو قوة عظمى كما هي الولايات
المتحدة. من
ناحية المنهجية، يستند هذا
البحث إلى منهج تحليل المضمون
القائم على وقائع ملموسة على
الأرض. أي أن البحث يستند إلى
الكثير من التصريحات والخطاب
السياسي الروسي مع الأخذ بعين
الاعتبار قيمة هذا الخطاب وهذه
التصريحات في ضوء الخطوات
العملية المتخذة أو القدرة
الفعلية لروسيا على التنفيذ.
هذا يعني أنه ستتم مراجعة
سياسات الكرملين الاقتصادية
والعسكرية والثقافية والنفطية
لفحص طريقة إدارتها وبوصلة
توجيهها لما في ذلك من مؤشرات
واقعية وعملية على السياسة
الدولية التي تتبعها روسيا. ينقسم
هذا البحث إلى عدد من العناوين:
مقدمة تشرح الوضع الميداني
القائم حاليا من حيث علاقة
روسيا بالدول الأخرى وبالأخص
الولايات المتحدة وجورجيا؛
ويلي ذلك عنوان حول تدعيم
الموقف الروسي من خلال إجراءات
عملية؛ ثم يناقش البحث التوجه
الروسي من خلال استعراض القوة
والسياسة النفطية والغازية
الروسية على اعتبار أن مصادر
الطاقة تشكل القوة الاقتصادية
والسياسة التي يمكن أن تعتمد
عليها روسيا في صعودها؛ السياسة
العسكرية والتطوير التقني الذي
ينهض بكفاءة الإنتاج الروسي
وقدرته على منافسة الآلة
الاقتصادية والعسكرية الغربية.
وسيكون هناك عنوان أخير يتضمن
استنتاجات. الاستفزاز
الأمريكي لم تخف
الولايات المتحدة سعادتها
بانهيار الاتحاد السوفييتي،
ووجدت في ذلك فرصتها للاستفراد
على المستوى العالمي، وإقامة
العصر الأمريكي، أو ما سماه بعض
الأمريكيين بالقرن الأمريكي،
أي القرن الحادي والعشرين. ومن
أجل أن يخلو لها الجو تماما،
وضعت استراتيجية للتخلص من
القوة الروسية، وتفكيك
الفيدرالية الروسية إلى عدد من
الجمهوريات، إدراكا من
الولايات المتحدة بأن روسيا
يمكن أن تعود لتقف على أقدامها
بسبب ثرواتها الهائلة وقدراتها
التقنية الكفيلة بمواصلة إنتاج
مختلف أنواع الأسلحة التدميرية.
(Jose
Miguel Alonso Trabanco, Global Research) اهتمت
الولايات المتحدة والدول
الغربية عموما بتفكيك روسيا على
غرار صربيا لكي لا تعود قادرة
على التحدي. ربما خُدعت روسيا
بداية ببعض الاستثمارات
الغربية، وظنت أن الغرب سيدمجها
بالنظام الاقتصادي العالمي،
لكن هذا كان مجرد وهم، ذلك لأن
الغرب ركز على المعونات
الاقتصادية لدول أوروبا
الشرقية لإبعادها بالمزيد عن
روسيا مما سيضعف روسيا بالمزيد.
(Joseph
Black, Russia Faces NATO Expansion, pp 45-50) وركز على تدمير الاقتصاد الروسي من خلال
تشجيع الفساد المالي
والاقتصادي، وصناعة أباطرة
المال الذين أخذوا يسيطرون على
جوانب مهمة من النشاطات العامة
في روسيا. (Donald Jensen, ”The Big Seven,” Radio Free Europe) وقد فتح الرئيس يالتسين في
حينه الباب أمام العبث
الاقتصادي ظنا منه بأنه يحول
روسيا إلى اقتصاد حر. استمر
الغرب بقيادة حلف الأطلسي
باستقطاب دول المعسكر الشرقي
المنهار، والتهم جمهوريات
لتفيا وإستونيا ولتوانيا، ومن
ثم قام بالهجوم على صربيا، أقوى
حلفاء روسيا. وقد شكلت الحرب على
صربيا إهانة كبيرة لروسيا التي
لم تستطع أن تصنع شيئا لمساعدة
حليفها القوي. لقد صال حلف
الأطلسي وجال في المنطقة، وضرب
القوات الصربية والعديد من
المنشآت الصربية داخل صربيا
ذاتها، وحقق حكما ذاتيا في
كوسوفو تحت إشرافه، ونجح في
تغيير الحكم في صربيا واستبداله
بحكم تمشى مع المتطلبات الغربية
وعلى رأسها تسليم قادة صربيين
متهمين بجرائم ضد الإنسانية. وقد
وقفت أمريكا ومعها حلف الأطلسي
مع ثورة الألوان أو الأزهار
التي اجتاحت عدد من جمهوريات
الاتحاد السوفييتي المنهار
بهدف عزل روسيا تماما ومن ثم
محاصرتها. اندلعت هذه الثورة
حوالي سنة 2000 في وسط وشرق أوروبا
وأواسط آسيا تعبيرا عن ثورات
سلمية ضد الأنظمة الحاكمة في
تلك الدول. منها من رفع ألوان
البرتقالي مثل أوكراينا، ومنها
من رفع زهرة الزنبق مثل
قرقيزيا، أو زهرة الورد مثل
جورجيا. كانت تعمل روسيا وفق
إمكانياتها المنهكة على إبقاء
منطقة عازلة من دول صديقة بينها
وبين الأطلسي، لكن الغرب له
حساباته أيضا، وحقق إنجازات
كبيرة جعلت روسيا مكشوفة أمام
الزحف السياسي والاستراتيجي
العسكري. واقترب
حلف الأطلسي بعد ذلك أكثر فأكثر
في محاولة لضم أوكراينا وجورجيا
إلى صفوفه. ربما هذا الاقتراب هو
القشة التي قصمت ظهر البعير. رفعت
الولايات المتحدة من منسوب
الاستفزاز عندما أعلن الرئيس
بوش عزمه على نشر الدرع
الصاروخية بخاصة في بولندا
وجمهورية التشيك، وبالتحديد
نشر أجهزة التتبع والرصد
الرادارية، وصواريخ مضادة
للصواريخ وذلك بهدف القضاء على
قدرة الردع الروسية. حاولت
أمريكا تبرير خطواتها بما أسمته
التهديد الإيراني، لكن روسيا لم
تكن مقتنعة بذلك بخاصة أن قدرات
إيران الاستراتيجية ما زالت
بعيدة جدا عن تشكيل خطر على
الأمن الأوروبي. صعود
بوتين إلى سدة الرئاسة الروسية
قلب الأمور إلى حد كبير. بوتين
ينتمي إلى فئة السيلوفيكي siloviki الروس، والذين يعتزون بروسيا
ويعملون على المحافظة على
أمجادها وذلك بالحفاظ على قوتها
ومكانتها كقوة عظمى. (William
Safire, Siloviki Versus Oligarchy)
إنهم لا يكرهون الغرب ولا
يريدون مصارعته، لكنهم مهتمون
بالمحافظة على قوة روسيا
ومصالحها سواء رضي الغرب أم لم
يرض. عمل بوتين منذ البدء على
إصلاح الوضع في روسيا من خلال
كسب ثقة الجمهور أولا، وإقامة
مثل قيادي مقنع للناس. ركز بداية
على مسألة الشيشان وصمم على ضرب
الثورة هناك بكل قوة، ولاقى
نتيجة لذلك دعما شعبيا قويا
مكنه فيما بعد بالقيام بالمزيد
من الخطوات على رأسها ضرب
أباطرة المال الذين كانوا
يتحكمون بالاقتصاد الروسي. (Stratfor
Editor, “Russian Oligarchs: Part 1: Putin’s Endgame
against his Rivals”) في شباط/فبراير
2007 ألقى الرئيس بوتين خطابا في
ميونخ/ألمانيا قال فيه بأن
الولايات المتحدة قد تجاوزت
حدودها من كل النواحي، وهذا امر
يدعو إلى سباق التسلح وإلى
امتلاك السلاح النووي. ويقول
فريدمان بأن هذا يعني بأن تجاوز
الحدود يعني رغبة دول مثل إيران
لامتلاك السلاح النووي. ويقول
الكاتب إن روسيا رأت الخطر
الأمريكي عند التدخل في
أوكراينا، لكن الموقف الروسي
تطور ليقول بأن الولايات
المتحدة تعطي نفسها حق التدخل
لحل المشاكل في حين أنها هي
نفسها مشكلة. تحرك
قادة روسيا لاتخاذ إجراءات
احتياطية. فمثلا طوروا صواريخ
عابرة للقارات عصية على
الاعتراض الصاروخي الغربي،
وعملوا على تطوير طائرة سوخوي
بعيدة المدى لا يكتشفها
الرادار، وأعلنوا عن نشر صواريخ
في كاليننغراد وبيلوروس،
وبدأوا بإقامة علاقات ودية مع
دول غير صديقة لأمريكا مثل
إيران وكوبا وكوريا الشمالية،
وعملوا على التقارب مع الصين
بهدف إقامة حلف جديد يواجه
الأحلاف الغربية، ووقعوا
اتفاقية لإقامة منظمة شنغهاي
للتعاون والتي نظر إليها الغرب
بخطورة كبيرة. الاختبار
الجورجي ربما
قدرت أمريكا أن ساعة الصفر
لمعرفة النوايا الروسية قد حانت
فقررت استعمال جورجيا كمجس
للإرادة الروسية، وشجعت
سكاشفيلي، الرئيس الجورجي، على
مهاجمة أوسيتيا الجنوبية. (Phillip
Dru, Connecting the Dots)
لم تتأخر روسيا في الرد وسحقت
الجيش الجورجي على مرآى ومسمع
الدول الغربية، ولم تستطع
الولايات المتحدة عمل شيء سوى
الإدانة. دعت الولايات المتحدة
إلى اتخاذ إجراءات عقابية بحق
روسيا لكن دولا غربية مثل فرنسا
وألمانيا لم تستجيبا. وفي
المقابل، هدد الرئيس الروسي
ميدفيدف باستعمال مزيد من
القوة، وحذر بأن روسيا قادرة
أيضا على فرض عقوبات على الدول
الغربية مذكرا بأن أنابيب الغاز
الممتدة من الشرق إلى الغرب تحت
رحمة القوة الروسية.
(The Times of India, Medvedev Threatens to Hit Back if
Sanctions Imposed)
ومن ثم يبدو أن روسيا قررت
التخلص من النظامين السياسيين
في جورجيا وأوكراينا، وهي تعمل
على ذلك. ظن
الرئيس الجورجي بأنه يستطيع
السيطرة على أوسيتيا الجنوبية
وأبخازيا بسهولة، ولم يكن يتوقع
تدخل روسيا بسبب ظنه بأنه
إسرائيل القفقاس، أو الحليف
المدلل للغرب الموجود على
الحدود الروسية مباشرة، وأن
الغرب سيتدخل فورا فيما إذا
تدخلت روسيا. والرئيس الأمريكي
كان على درجة كبيرة من قلة
الفطنة، ولم يكن يتوقع تدخل
روسيا السريع. وقد فاقم سوء
تقديره عندما باع جورجيا الكثير
من الوعود الطيبة على اعتبار أن
روسيا عبارة عن عجوز غير قادرة
على الفعل. حتى أن وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية
لم تتوقع دخول روسيا الأراضي
الجورجية. (Jose Alonso Trabanco, Op. Cit) ساء ظن الرئيس الأمريكي، وذهبت وعوده
لجورجيا أدراج الرياح. غامر
رئيس جورجيا في 7/آب/أغسطس/2008
بدخوله أوسيتيا الجنوبية حيث
يعتبرها جزءا من الأراضي
الجورجية. أراد ساكاشفيلي أن
يثبت وجوده على حدود روسيا. أما
روسيا فأرادت تأكيد وضعها كدولة
ذات قوة واحترام، وقد أيدها
الشعب الروسي الذي بقي يشعر
بالإهانة نتيجة انهيار الاتحاد
السوفييتي، ونتيجة لغياب روسيا
عن المسرح العالمي لفترة تبلغ
العقدين.
هذا وأتبعت روسيا انتصارها
بالاعتراف باستقلال أوسيتيا
الجنوبية وأبخازيا بتاريخ 26/8/2009،
وهما المنطقتان اللتان
تعتبرهما جورجيا جزءا منها.
وبهذا يكون الرئيس الروسي
ميدفيدف قد حسم المسألة التي
طال عهدها، وأيد مطالب سكان
هاتين المنطقتين في الاستقلال.
حاولت جورجيا ضم أبخازيا مع
بداية التسعينات، لكن الأمر بقي
معلقا بسبب المقاومة
الأبخازية، وقررت الأمم
المتحدة عام 1993 إرسال بعثة
مراقبة تابعة لها للحيلولة دون
الاحتكاك العسكري والتوتر بين
أبخازيا وجورجيا. كانت تأمل
جورجيا المؤيدة من الغرب أن
تتمكن من الضم، لكن الاعتراف
الروسي جعل الأمور الآن أكثر
تعقيدا وقضى على الآمال
الجورجية ولو مؤقتا. ومما يجدر
ذكره أن مجلس الأمن الدولي ناقش
بتاريخ 16/6/2009 مسألة التمديد
لبعثة المراقبة الدولية، لكن
روسيا مارست حق النقض وأنهت
وجود هذه البعثة. وجهت
روسيا ضربة قوية للولايات
المتحدة عندما هاجمت جورجيا،
وزمجرت بعدها معلنة أنه لا يجوز
أن يبقى العالم تحت إدارة أو
هيمنة قطب واحد، وأن العالم
سيكون في وضع أفضل عندما تكون
هناك أكثر من قوة قطبية واحدة.
وقد تفاءل أناس كثر على المستوى
العالمي بالتصريحات الروسية
آملين أن ينتهي يوم الطوق
الأمريكي الذي حز رقابهم،
وتفاءلت دول عدة عسى في روسيا ما
يشكل انفلاتا من الحصار
الأمريكي. وكان من الملاحظ أن
المجتمع الروسي نفسه قد بدأ
يتنفس، وظهرت عليه علامات
الشعور بالقوة والعزة. كثيرون
من الروس العاديين الذين ظهروا
على شاشات التلفاز أبدوا
ارتياحهم لخطوة قياداتهم
ولتصريحاتهم، وأظهروا شعورهم
بالقوة، والرغبة باستعادة
الهيبة التي كان يتمتع بها
الاتحاد السوفييتي. وفي
المقابل، تشاءمت دول وشعوب عدة
بخاصة في أوروبا التي بدأت تحسب
لأيام الحرب الباردة وتتخوف من
عودة أجواء التوتر إلى أوروبا. هذا
ويرى بعض الكتاب بأن انتصار
روسيا على جورجيا ستكون له
تبعات غير جيدة على روسيا ذلك
لأن روسيا ليست الآن على قدر
المسؤولية المترتبة. روسيا
ستواجه حذرا أوروبيا وأمريكيا
سيؤدي إلى عرقلة بعض أمورها على
الساحة الدولية، وسترى بأن شعوب
الدول المجاورة ستتصرف بطريقة
تقترب فيها من الغرب بعيدا
بالمزيد عن روسيا. (Ivan
Krestev, Russia and Georgia War: the Great-power Trap) هدأت
التصريحات الروسية بعد الموجة
العارمة، ولم يعد ميدفيدف يطلق
التصريحات القوية ولا بوتن، كما
أن تصريحات قادة الدول "المحشورة"
مثل سوريا وفنزويلا وكوبا حول
العون الروسي والانبثاق الروسي
الجديد قد انحسرت إلى حد كبير.
فهل هذا يعني أن روسيا وجهت ضربة
لجورجيا فقط دفاعا عن حدودها،
أم أنها ما زالت عند تقديرها
بأنه لا يجوز أن يبقى العالم تحت
رحمة قطب واحد؟ نحو
تدعيم الوجود الروسي عملت
روسيا بعد اختبارها في جورجيا
إلى التأكيد على أن الهجوم على
جورجيا لم يكن خط النهاية،
وأنها ستتابع لتثبيت نفسها على
أنها دولة يحسب حسابها، والمس
بها وبجوارها ليس بالأمر الهزل
الذي يمكن المرور عليه مر
الكرام. ولهذا قامت ببعض
الخطوات في مناطق مختلفة من
العالم أبرزها ما يلي: أولا:
لم تتردد روسيا في الإعلان عن
وجود أسلحة إسرائيلية في جورجيا
في إشارة منها إلى أن إسرائيل
تدعم جورجيا ضد روسيا، وأنها
جزء من السياسة الغربية التي
تقودها أمريكا ضد الاتحاد
الروسي. عادة تحاول إسرائيل أن
تظهر بمظهر المحايد في مثل هكذا
أحداث دولية، لكن الروس فوتوا
عليها ذلك، وأضافوا بأن إسرائيل
تتآمر مع دول من الجوار الروسي
من أجل توفير خدمات تمكن سلاح
الجو الإسرائيلي من ضرب إيران. (World
Tribune, Russia threatens to Sell Arms to Israel’s
Enemies) وبهذا تكون روسيا قد أعطت إشارة إلى
إيران بأنها غير معنية بضربها،
وإشارة لمن يتآمرون على إيران
بأن روسيا ربما تفضح
الاستعدادات لضرب المنشآت
النووية الإيرانية. ثانيا:
لوحت روسيا لبولندا بالأسلحة
النووية فيما إذا تم نشر الدرع
الصاروخية الأمريكية على
أراضيها. من الصعب أن نتخيل
روسيا تستعمل الأسلحة النووية
في هذا الظرف الدولي السائد،
لكن مجرد الحديث في النووي يعطي
مؤشرا على مدى الغضب أو
الانزعاج الروسي من الخطوة
الأمريكية والقبول البولندي. (Associated Press, Russia: Poland Risks an Attack Due to
US Missiles)
هذا ينطوي على نية روسيا
استعمال بما هو متوفر لديها من
أدوات بما في ذلك القوة لمنع نشر
تلك الصواريخ، وليس من المشكوك
فيه أن أمريكا وبولندا قد فهمتا
الرسالة. هذا
علما أنه قد سبق أن أعلنت روسيا
عن نشر صواريخها في كاليننغراد
التي تطل على بولندا ومساحة لا
بأس بها من أوروبا، وذلك كجزء من
الرد على النشر الصاروخي
الأمريكي. ومن المعروف أن
كاليننغراد الواقعة إلى الشمال
الشرقي من بولندا عبارة عن
منطقة استراتيجية من الناحية
العسكرية، وتشكل البطاريات
الصاروخية فيما إذا نُشرت
تهديدا كبير للأمن الأوروبي. ثالثا:
أعلنت روسيا عن تطوير صاروخ
نووي جديد عابر للقارات ومتعدد
الرؤوس، وقادر على اختراق أجهزة
الرادار. في هذا الصاروخ تعبير
عن تطور التقنية العسكرية
الروسية من حيث أن أجهزة
الرادار الغربية لا تستطيع
اكتشافه، ذلك على نمط الطائرة
الأمريكية "ستيلث" التي لا
يكتشفها الرادار، ورسالة تقول
بأن تصنيع المعدات العسكرية
العصية على أجهزة الكشف والرصد
ليس حكرا على الولايات المتحدة.
(Check
Russian missile Index) ومن
ناحية أخرى، يعتبر الصاروخ
متطورا من حيث أن رؤوسه
استراتيجية قادرة على تحقيق
ضربات قوية في العدو. كما
أعلنت روسيا عن خطة لتطوير نظام
دفاعي نووي جديد في السنوات
القادمة، وذلك لتعزيز قدرة
الردع النووية في مواجهة القدرة
الأمريكية. وهذا يعني أن هناك
اندفاعا نحو سباق من التسلح كان
قد هدأ منذ انهيار الاتحاد
السوفييتي. وأضاف الروس أنهم
سيعملون أيضا على تطوير القدرات
التقليدية للجيش الروسي بهدف
تحديث أسلحته وتطوير قدراته في
مواجهة الجيوش التقليدية. وضمن
هذا الهدف أعلنت روسيا عن قنبلة
أسمتها أم القنابل (أب كل
القنابل) وهي تفوق بقوتها
الحرارية والموجات الإشعاعية
أعتى القنابل الأمريكية بعشرة
مرات، إنها تدميرية بحجم قنبلة
نووية تكتيكية، لكنها لا تعتمد
على البلوتونيوم. (Matthew Vea, “The Return of Russia as a Superpower”) رابعا:
بدأت روسيا تجوب البحار
العالية، وتقوم بنشاطات بحرية
كانت قد توقفت منذ زمن بعيد.
بداية أرسلت بعض قطعها البحرية
إلى فنزويلا، الدولة التي تنظر
إليها أمريكا بعين الغضب، في
إشارة إلى أن لدى روسيا
الاستعداد للتحالف أو التعاون
مع دول لا ترضى عنها أمريكا،
مثلما تقوم أمريكا بالتعاون مع
دول لا ترضى عنها روسيا. وفي
إشارة منها إلى عقلية
التحالفات، قامت بزيارة بحرية
لكوبا للتأكيد بأن لدى روسيا
إمكانية إزعاج أمريكا من
الناحية العسكرية إذا استمرت
أمريكا في عمليات الإزعاج
والحصار العسكري الذي تعمل على
ضربه في المحيط الروسي. وروسيا
أرسلت قاذفتين استراتيجيتين
إلى فنزويلا خريف عام 2008، وقامت
القاذفتان بالتحليق فوق
الكاريبي. وأيضا شاركت فنزويلا
بمناورات بحرية ربما ردا على
المناورات التي أجرتها أمريكا
مع جورجيا في البحر الأسود. (Peter Brookes, “he New York Post”) عمدت
البحرية الروسية إلى الذهاب
قبالة شواطئ الصومال من أجل
مواجهة القراصنة أو المشاركة في
المجهود الدولي لمواجهة
القرصنة، وأخذت تسير الدوريات
المختلفة في المحيطات. لا تحاول
روسيا بهذا أن تستفز أحدا،
وإنما تحاول إفهام الولايات
المتحدة أن زمن الاستفراد
بالقرار على الساحة العالمية
يجب أن يتوقف، وأن ما كانت
أمريكا تستطيع القيام به بدون
مساءلة، عليها أن تفكر فيه الآن
أكثر من مرة. وتحاول روسيا أن
تقول أيضا بأن لديها القدرات
المادية التي تمكنها من العودة
إلى نشاط ما على الساحة
الدولية، وإن زمن العوز الذي
شهدت فيه روسيا تباطؤا اقتصاديا
أو محنة اقتصادية قد خفت وطأته
إلى حد كبير. خامسا:
حاولت أمريكا تشديد العقوبات
على إيران بسبب استمرارها في
مشروعها النووي من خلال مجلس
الأمن، إلا أن روسيا رفضت ذلك.
في هذا إشارة قوية لأمريكا بأن
المشكلة النووية التي تؤرقها قد
لا تجد تعاونا روسيا، وأن إيران
ستمضي بعيون روسية مغمضة، أو
ربما بتعاون روسي مع إيران يوفر
لها نوعا من الحماية أو الردع في
حال قررت أمريكا توجيه ضربة
عسكرية. ربما لا تكون روسية
مؤيدة للبرنامج النووي
الإيراني، لكن المسألة الآن
باتت متعلقة بشد الحبل وليّ
الأذرع، ومن الممكن التهاون في
مسألة غير مؤرقة لصالح مسألة
كبيرة تقض المضاجع. سادسا:
جمدت روسيا العمل باتفاقية الحد
من الأسلحة التقليدية في أوروبا
بتاريخ 7/10/2007 ردا على التطورات
الأمنية التي حصلت في أوروبا
والتي باتت تهدد الأمن الروسي.
تم توقيع هذه الاتفاقية عام 1990
بين حلف الأطلسي وحلف وارسو
بهدف الحد من الأسلحة التقليدية
على جانبي خطوط المواجهة بين
الطرفين، أي تخفيض أعداد
الدبابات والمدافع والصواريخ
والطائرات الحربية والطائرات
السمتية. وقد تم تعديلها عام 1999
بسبب الأوضاع التي طرأت بعد
انهيار الاتحاد السوفييتي،
وانفراط عقد حلف وارسو، وأصبحت
روسيا هي المعنية بالتعديل
لأنها الدولة الوحيدة من الحلف
التي بقيت معنية بترتيبات أمنية
مع أوروبا أو الأطلسي. من
الناحية العملية، لم يعد لهذه
الاتفاقية مع السنوات قيمة لأن
عددا من جمهوريات الاتحاد
السوفييتي المنهار قد أصبح في
الأطلسي، وأصبحت أسلحته ضمن
القدرات العسكرية الأطلسية مما
عنى اختلالا في توازن القوى
التقليدية بين روسيا والأطلسي.
هذا وقد أثرت مسألة نشر الدرع
الصاروخية الأمريكية في أوروبا
وعلى حدود روسيا جذريا على
اتفاقية الأسلحة التقليدية لأن
أهمية هذه الأسلحة قد تقلصت
أمام درع صاروخية مضادة
للصواريخ كفيلة بتعطيل مفعول
الصواريخ الروسية. لقد جمد
الرئيس الروسي في حينه فلاديمير
بوتين الاتفاقية لأنها أصبحت
تخدم الأمن الغربي على حساب
الأمن الروسي. تجميد
الاتفاقية يعني أن الطرفين
سيقومان بحشد آلياتهم العسكرية
على خطوط المواجهة، ويعني
المزيد من الاستنزاف للطاقات
سواء من زاوية سباق التسلح، أو
من زاوية الإبقاء على درجة
معينة من الاستعداد العسكري
والأمني. أي أن بعض التوتر الذي
غاب عن الساحة الأوروبية سيعود. سابعا:
كانت الخطوة الروسية في تقديم
عشرة طائرات ميج 29 مستعملة
للبنان موفقة جدا في اختراق أحد
معاقل الاحتكار الأمريكي على
الأقل من الناحية العسكرية. بقي
الجيش اللبناني حتى الآن عالة
على الدول الغربية فيما يتعلق
بالتسليح، (Robert
Worth, “Russia Testing US Sway: Offers Lebanon 10
warplanes) وبقيت أمريكا
وفرنسا تقرران حول ما يجب على
الجيش اللبناني أن يمتلك من
أسلحة، وما يجب ألا يمتلك. وقد
حرصت الدولتان على بقاء الجيش
متخلفا من ناحية المعدات حتى لا
يشكل يوما تهديدا لإسرائيل. أتى
القرار الروسي ليكسر هذا
الاحتكار، إلا إذا قررت الحكومة
اللبنانية ردّ الهدية. المسألة
هنا لا تقتصر على تقديم عشرة
طائرات، وإنما تتضمن تدريب
طيارين، وتزويد بالذخائر وقطع
الغيار والأجهزة الإليكترونية،
وينطوي على زيارات متبادلة
لعسكريين وخبراء في مجال
التسليح. أي أن بقاء هذه
الطائرات في لبنان يُلزم
الحكومة اللبنانية أو الجيش
اللبناني باستمرار التواصل
العسكري مع روسيا. كما أن هذه
الطائرات مصنفة بالهجومية،
وهذه هي المرة الأولى التي
يمتلك فيها الجيش اللبناني
سلاحا هجوميا منذ الإعلان عن
قيام الجمهورية. وضعت
روسيا بهذه الخطوة القوى
اللبنانية الموالية للولايات
المتحدة في مأزق، ووضعت إسرائيل
في حيرة، وألزمت الجيش اللبناني
بضرورة التحول إلى جيش يستطيع
الدفاع عن الوطن، ولا يقوم فقط
بدور الشرطي الذي يفصل بين
المتحاربين اللبنانيين. قوى 14
آذار تقول بأن الدفاع عن الوطن
عبارة عن مهمة خاصة بالجيش
اللبناني، ومن هنا تضعهم روسيا
أمام الاختبار الحقيقي فيما إذا
كانوا يسعون فعلا إلى تحويل
الجيش إلى جيش قادر على حماية
الوطن، أو هي تضعهم في موقف محرج
لا يستطيعون معه رفض الهدية
بخاصة أن أمريكا لا يمكن أن
تسلمهم أسلحة هجومية. أما
إسرائيل فستجد نفسها في يوم ما
في صدام لا تريده مع الجيش
اللبناني. لقد صنفت الجيش
اللبناني دائما على أنه جيش غير
معادي، ولا يجوز المساس به، أما
والحالة الآن في لبنان خاضعة
للكثير من المناكفات
والمزاودات، فإن الجيش قد يجد
نفسه في حرج فيقرر استخدام هذه
الطائرات في أي مواجهة عسكرية
مع إسرائيل. من الناحية
التقنية، إسرائيل قادرة على
التعامل بنجاح مع هذه الطائرات،
لكنها تغامر فيما إذا قامت
بتدميرها بتأليب عناصر كثيرة من
الجيش اللبناني ومن مختلف
الطوائف لتتحدى إسرائيل.
إسرائيل تسعى دائما إلى التقليل
من عدد الأعداء وزيادة عدد
المحايدين والأصدقاء. ثامنا:
التفجير النووي الكوري. عبرت
روسيا عن انزعاجها من التفجير
النووي الكوري الشمالي والذي تم
في 25/5/2009، لكنها لم تفقد أعصابها
ولم تهدد ولم تتوعد، وبدت
أحيانا وكأن الأمر ليس بذلك
التحول الاستراتيجي الذي يمكن
أن يغير موازين القوى في
المنطقة وفي العالم. أما
الولايات المتحدة فأبدت
انزعاجا شديدا، وأخذت تتوعد،
ودعت هي واليابان إلى اجتماع
لمجلس الأمن لاتخاذ إجراءات
وعقوبات ضد كوريا. تقدمت
الدولتان بمشروع قرار يشدد
العقوبات على كوريا، لكن مجلس
الأمن اكتفى بإدانة التفجير
النووي بتاريخ 25/5/2009 على اعتبار
أنه مخالف لقرار مجلس الأمن
الذي اتخذ عام 2006 ويطالب كوريا
بالتوقف عن النشاطات النووية. ظهر
مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة
على الشاشة عقب اتخاذ مجلس
الأمن لقرار الإدانة وقال بأن
"هذه مجرد إدانة، وأن المزيد
سيتبع،" (Jaen Lee, “Security Council Condemns North
Korean Nuclear Test”)
دون توضيح هذا المزيد. ليس من
المتوقع أن توافق روسيا
الولايات المتحدة على اتخاذ
إجراءات أو عقوبات شديدة ضد
كوريا لأن كوريا تشكل حليفا
استراتيجيا إذا أرادت روسيا
البحث عن حلفاء، وعلى الأقل، هي
تشكل عامل إضعاف للهيمنة
الأمريكية في منطقة شرق آسيا.
فإذا رغبت روسيا في تعزيز
مكانتها في العالم فإن وقوفها
ضد كوريا الشمالية سيشكل طعنة
لمصداقية تصريحات بعض زعمائها،
وستكون بذلك قد عقرت تطلعها
المستقبلي نحو إثبات الذات
والتميز. صوتت روسيا إلى جانب
تشديد العقوبات على كوريا في
مجلس الأمن بسبب التفجير
النووي، لكن لا بد من انتظار
التطبيق العملي لتقييم
المقاربة. تاسعا:
إغلاق القاعدة الجوية
الأمريكية في قرقيزيا. أعلنت
قرقيزيا أنها طلبت من الولايات
المتحدة إغلاق قاعدتها الجوية
بالقرب من العاصمة بشكيك، ومما
تسرب من معلومات، يبدو أن روسيا
قدمت لقرقيزيا قرضا بمبلغ 2
بليون دولار، ومساعدة قيمتها 150
مليون دولار. (Pat
Frost, US-Russia, Great Gaming in Kyrgzstan)
وهذا يعني أن روسيا توسع دائرة
إثبات نفسها حول العالم وبخاصة
في أواسط آسيا التي تحاول
الولايات المتحدة تحويلها إلى
مناطق نفوذ. عاشرا:
عملت روسيا بالتعاون مع الصين
على صياغة وثيقة شنغهاي عام 1996
بهدف التعاون الإقليمي بخاصة من
الناحية الاقتصادية، لكن بوتين
سعى إلى تطوير الوثيقة لتصبح
عام 2001 منظمة شنغهاي للتعاون،
ولتضم روسيا والصين وطاجكستان
وكازاخستان وقرقيزيا
وأوزباكستان، ولتنضم أربع دول
بصفة مراقب وهي إيران والهند
وباكستان ومنغوليا. تضمن ميثاق
المنظمة مسألة الاحترام
المتبادل بين هذه الدول، وتحقيق
التعاون في المجالات التنموية
ومكافحة المخدرات، والبناء
الدولي وفق معايير اقتصادية
وسياسية جديدة تقوم على العدل
وفكرة الحكم الصالح. وقد طورت
المنظمة رؤيتها في قمتها لعام
2002 إذ قالت إنها تهدف إلى تعزيز
السلام والأمن الدوليين من خلال
تعدد القطبية. رأت المنظمة بأن
نظام القطب الواحد لم يقم
العدل، وساعد في التسلط
والهيمنة الدولية. عقدت
المنظمة مؤتمر قمة بتاريخ 15/6/2009
في روسيا بحضور زعماء الدول
الست، وزعماء الدول ذات صفة
مراقب عدا رئيس إيران المنشغل
بالتظاهرات التي اجتاحت طهران
عقب نتائج الانتخابات الرئاسية.
قال الرئيس الروسي بأن المؤتمر
سيناقش مسألة الأمن الإقليمي (أواسط
آسيا)، بتركيز على أفغانستان،
والأزمة المالية العالمية. (Vladimir
Isachenkov, Russia, China, Central Asian Nations Hold
Summit) من المتوقع أن يكون المؤتمر بمثابة
رسالة إلى أمريكا بأنها لم تعد
اللاعب الأوحد على الساحة
العالمية. هذا وقد
عمدت روسيا إلى تشكيل التجمع
الاقتصادي المعروف باسم BRIC
والذي يضم روسيا والبرازيل
والهند والصين ليكون قوة
اقتصادية مستقبلية تنافس الدول
الصناعية وعلى رأسها الولايات
المتحدة. من المتوقع أن تصبح
الصين والهند الدولتين
الرائدتين في الإنتاج الصناعي،
والبرازيل وروسيا الرائدتين في
إنتاج المواد الخام، وأن يكون
لها جميعا وضع اقتصادي مميز. وقد
عقدت هذه الدول مؤتمرا في روسيا
بتاريخ 16/6/2009، للتداول
الاقتصادي، وقررت أن تسير قدما
نحو إيجاد عملة احتياطية عالمية
جديدة إلى جانب الدولار. هذا بحد
ذاته يعني أن روسيا استطاعت أن
تجمع حولها دولا يمكن أن تشكل
مواجهة اقتصادية مع الولايات
المتحدة، وتختزل قطبيتها. التوجه
الروسي يقول
ميدفيدف في مقال له نشرته صحيفة
واشنطون بوست الأمريكية بتاريخ
31/آذار،مارس/2009 مخاطبا الولايات
المتحدة بأن التفكير في توفير
الأمن بطريقة أحادية عبارة عن
وهم خطير. وقال إن أمريكا وروسيا
لا تتحملان تباعدا في العلاقات،
وإن على الدولتين بناء الثقة
المتبادلة، وعلى أساس المساواة
والفائدة المتبادلة، والمصالح
المتبادلة. وقال بأنه على
استعداد للعمل مع الرئيس أوباما
بناء على هذه المبادئ. وحول
الأزمة المالية العالمية قال
بأن روسيا مستعدة للتعاون من
أجل إيجاد نظام عالمي يقوم على
تنوع العملات، ويقوم على انضباط
بحيث تعرف كل دولة مسؤولياتها.
وقال بأن روسيا على استعداد
للعمل من أجل عملة عالمية
ترعاها مؤسسة نقدية عالمية. وهنا
ساوى نفسه مع الولايات المتحدة
عندما قال بأن روسيا وأمريكا
تتحملان مسؤولية تجاه العالم
بخاصة فيما يتعلق بالاستقرار
الاستراتيجي والأمن النووي.
والعلاقات الروسية الأمريكية
تحدد إلى حد كبير السياسات عبر
الأطلسي بحيث تشكل روسيا
وأمريكا والاتحاد الأوروبي
العمود الفقري لهذه السياسة.
(Dmitry
Medvedev, Building Russian-US Bonds)
واضح أن
حديث الرئيس الروسي هذا هو حديث
دبلوماسي ومن الصعب أن يبنى
عليه استنتاجات حول ما تعمل
روسيا على تحقيقه. لقد حمل
الرئيس روسيا مسؤولية دولية
جنبا إلى جنب الولايات المتحدة،
ولمس على قضايا حساسة ومهمة تهم
العالم وعلى رأسها الأزمة
المالية والأمن النووي، لكن هذا
لا يعطي انطباعا قاطعا فيما إذا
كانت روسيا ستزاحم الولايات
المتحدة، أو أنها قادرة على
القيام بهذا الدور. سبق
للرئيس الروسي أن قدم اقتراحا
وذلك في تموز، يوليو/2008 جاء فيه
بأن الأمن العالمي يجب أن يكون
على عاتق روسيا والولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي،
وأنه يجب عدم الاستفراد بهذا
الأمن من قبل الولايات المتحدة،
وقد اعتمد في ذلك على قوة روسيا
الصاعدة غالبا بسبب الدخل
المالي الذي بدأت تحققه روسيا
من ارتفاع أسعار النفط. وأضاف
بأنه يجب مراجعة الترتيبات على
المستوى العالمي، وروسيا لن
تشارك فقط في تنفيذ برامج على
مستوى عالمي وإنما ستشارك في
صياغة هذه البرامج. أما وزير
الخارجية لافروف فدعا
الأوروبيين والأمريكيين إلى
التوقف عن الجدل بشأن قضايا
هامشية مثل توسيع حلف الأطلسي
واستقطاب دول الاتحاد
السوفييتي السابق إلى حلف
الأطلسي، وإلى العمل لمواجهة
التحديات الكبيرة على المستوى
العالمي مثل تفشي المجاعة،
ومكافحة الأمراض المعدية. (E.
William Engdahl, ماذا
تريد روسيا؟ هل هي تبحث عن مكان
لها في هذا العالم؟ أم أنها تبحث
عن احترام قد كسبته أيام
الاتحاد السوفييتي؟ أم أنها
تريد بناء قواها بحيث تصبح قطبا
عالميا جديدا ينافس الولايات
المتحدة؟ ووفق ما ترمي روسيا
إلى تحقيقه يستطيع المتتبع أن
يتوقع السياسات الروسية التي
يمكن انتهاجها على مختلف
المستويات. إذا كانت روسيا تبحث
عن احترام قد ضاع، فإنه من
المتوقع أن تتبع سياسة عدم
المواجهة وإنما سياسة تأكيد
الذات، وهي سياسة غير مكلفة ولا
تقود إلى سباق تسلح أو حشد قوات؛
وإذا كانت تبغي القطبية فإنه من
المتوقع أن تكون لديها رؤية حول
كيفية إدارة العالم، وأن يكون
لها حلفاء يعملون معا لمواجهة
القطب الآخر، وهذا عمل مكلف
ينذر بالكثير من التوتر على
الساحة الدولية ويؤشر على سباق
تسلح واستنزاف مالي. يقول
أحد المحللين إن قادة الروس لا
يتحدثون حول ضرورة نهوض روسيا
كدولة عظمى، وإنما يتحدثون عن
إمكانياتهم ليكونوا مؤثرين في
الوضع الدولي، وذلك لأنهم لا
يريدون استخدام مصطلحات الحرب
الباردة، ولا يريدون العودة
إليها. فهم يتحدثون عن إمكانيات
روسيا الضخمة خاصة في مجال
إنتاج مصادر الطاقة، وعن المواد
الخام الهائلة التي يملكونها، (Sergei
Kortunov, Should Russia Claim Great Power Status) وذلك للتدليل على مكانتهم المتميزة
وقدرتهم على التأثير في السياسة
العالمية. أي أن هذا المحلل لا
يرى بأن روسيا تسعى لاستعادة
أمجاد الاتحاد السوفييتي،
وإنما تبحث عن مكان قيادي لها في
هذا العالم. لكن
فريدمان يرى بأن الروس جادون في
صنع تحالف في مواجهة الولايات
المتحدة، وأن إقامته حتمية في
ضوء الخلل القائم في ميزان
القوى العالمي. الشرق الأوسط هو
أفضل المناطق لتوجيه ضغط روسي
على أمريكا. أمريكا متورطة في
العراق وأفغانستان، لها مشاكل
مع إيران، تعتمد كثيرا على
مصادر الطاقة في المنطقة،
والصراع العربي الإسرائيلي ما
زال قائما، وعدد من دول المنطقة
تبحث عن دولة عظمى تستظل بظلها.
بإمكان روسيا أن تجعل من الشرق
الأوسط بداية لإيلام الولايات
المتحدة أو لمنافستها بقوة.
(George Friedman, Russia’s Great Power Strategy) لكنه لا يقدم أدلة واضحة على
هذه الجدية، ولم يذكر
الإمكانيات التي يمكن أن يستند
إليها الروس. من
ناحية أخرى، يقول كاتب آخر إن
إنتاجية روسيا ضعيفة نسبيا على
المستوى العالمي، وهي مصنفة رقم
47 من ناحية الناتج المحلي
الإجمالي، على الرغم من أنها
عضو في الثمانية الكبار Big
8 وعلى الرغم من ارتفاع أسعار
النفط والغاز، روسيا ما زالت
تعاني من مشاكل اقتصادية، وهي
تواجه أيضا مشاكل جيو-سياسية،
واقتصادو-سياسية بسبب محاصرة
الولايات المتحدة والغرب لها من
عدة جوانب جغرافية، وربط عدد من
الدول المحيطة بها بالاتحاد
الأوروبي وحلف الأطلسي. وهي
تعاني من مشكلة الانتقال من
ترتيب اقتصادي-اجتماعي ساد إبان
حقبة الاتحاد السوفييتي إلى
ترتيب جديد يتناسب مع النهج
الديمقراطي والرأسمالي الذي
تتبعه. (Sergei
Kortunov, Should Russia Claim great Power SDtatus) أي أن الكاتب يستبعد أن تصبح روسيا دولة
عظمى أو أن تزاحم على القطبية في
ظل الإمكانيات المتوفرة لديها
الآن. إنما
بغض النظر عن التعبيرات التي
يستعملونها، هل لدى روسيا
إمكانية لكي تكون دولة عظمى أم
لا؟ بخاصة أن الشعب الروسي ما
زال يعيش تحت وطأة انهيار
الاتحاد السوفييتي وفقدانهم
لمكانتهم وهيبتهم الدولية. يبدو
أن غالبية الروس والنخب
السياسية تود أن ترى روسيا قوية
ومحترمة على المستوى العالمي،
وبعضهم يرى ضرورة استعادة أمجاد
الاتحاد السوفييتي، وبعضهم
الآخر يريد روسيا محترمة لكن
شريطة ألا يمس ذلك بمستوى
المعيشة لديهم. ويرى الكثير من
الروس أن قصف يوغوسلافيا
واحتلال العراق وأفغانستان،
وضم العديد من دول شرق أوروبا
إلى حلف الأطلسي واقتراب الحلف
من الحدود الروسية، الخ من
الإجراءات والسياسات الغربية
عبارة عن إهانة للروس، وأن
الاحترم لا يتأتى إلا بالقوة
الاقتصادية والعسكرية، وأن
الضعف الاقتصادي والعسكري
يؤديان إلى خسران الاستقلالية. (George Friedman, Russia’s Great Power Strategy) العظمى
والقطبية والمحترمة قبل
الاسترسال، أرى ضرورة توضيح
الفرق بين الدولة العظمى
والدولة القطبية والدولة
المحترمة. من الصعب تحديد ما هي
الدولة العظمى، لكنه من الممكن
الحديث عن مقومات لا بد من
توفرها لكي تكون الدولة عظمى:
المساحة الجغرافية وعدد
السكان؛ الموارد الاقتصادية
والقدرة على استغلالها؛
الاستقرار السياسي وشعور الناس
بالعدل والاطمئنان؛ القدرة
العلمية والتقنية؛ القدرة
العسكرية، والقدرة في النهاية
على التأثير في السياسة
العالمية، والمساهمة في البحث
عن حلول للمشاكل العالمية،
والمساهمة في السلم العالمي
والتقدم الحضاري والإنساني. وعندما
نتحدث عن القطبية نعني أن
الدولة عظمى، ولكنها راغبة في
أو قادرة على تحدي القطب أو
الأقطاب الأخرى وفرض سياساتها
أو رؤيتها ولو جزئيا فيما يتعلق
بنزاعات إقليمية، أو قرارات
دولية، أو كبح جماح الأطراف
الأخرى والحد من سيطرتها
وهيمنتها على العالم إلى حد
كبير. القطبية تعني القدرة على
الاستقطاب، وتكوين مركز قوة له
أفلاك ومؤيدون ومؤمنون بما
يطرح، وهي تتضمن طاقات عسكرية
واقتصادية رادعة وكافية
للاستمرار في التحدي. وهنا يجب
التمييز بين القطبية العالمية
والقطبية الإقليمية من حيث أن
القطبية العالمية تعني القدرة
على الاستقطاب والتأثير في
مختلف أنحاء العالم، بينما
القطبية الإقليمية محصورة في
إقليم معين مثل شرق آسيا أو
أمريكا اللاتينية أو المنطقة
العربية الإسلامية. إسرائيل
مثلا عبارة عن قطب إقليمي،
وكذلك كوريا الشمالية وجمهورية
جنوب أفريقيا. من الممكن ردع
القطب الإقليمي من قبل قوى
أخرى، لكن القطب العالمي لا
يردعه إلا قطب عالمي آخر، أو
مجموعة دول قوية. أما
الدولة المحترمة التي تكتفي
بحماية ذاتها وحماية سيادتها
ولديها إمكانيات وقدرات لا تسمح
للآخرين بتجاوز مصالحها
واهتماماتها أو التطاول عليها.
إنها دولة ذات قدرة عالية على
الاعتماد على نفسها في مختلف
المجالات دون أن تعزل نفسها عن
العالم، ومتطورة علميا وتقنيا،
وتملك قدرة على الردع العسكري.
لكن مثل هذه الدولة لا أطماع
لديها خارج حدودها، وإنما تحرص
على مصالحها. بعد
انهيار الاتحاد السوفييتي،
روسيا عانت الكثير وفقدت
المكانة التي تمتع بها الاتحاد
السوفييتي. روسيا فقدت قطبية
السوفييت، وفقدت احترامها على
الساحة الدولية إلى درجة حصول
حرب على حدودها وضد أعز
أصدقائها في صربيا ولم تستطع
تحريك ساكن. لقد أهينت روسيا
كثيرا على الرغم من أنها بقيت
تملك أكبر مخزون من الأسلحة
النووية في العالم، وتعرضت
لسياسة أطلسية أمريكية من أجل
تجريدها من طاقاتها التي تؤهلها
للعودة إلى المسرح العالمي.
الرئيس يالتسين لم يكترث كثيرا
بمستقبل بلاده، لكن فلاديمير
بوتين أخذ يعمل نحو إعادة عقارب
الساعة إلى الوراء، وما زالت
عجلة الخروج من القبو دائرة حتى
الآن. روسيا
تملك مقومات لتكون دولة عظمى من
حيث: أهميتها السياسية وهي دولة
عضو دائم في مجلس الأمن،
وقدرتها الفكرية والعلمية،
وتأثيرها في الشؤون العاليمة،
موقعها الجغرافي ومساحتها
الجغرافية الشاسعة، والمواد
الخام التي تملكها بخاصة مصادر
الطاقة مثل النفط والغاز،
وقدرتها النووية، وهي بالتأكيد
دولة عظمى نوويا وتستطيع تقطيع
أوصال الولايات المتحدة، وطاقة
أبنائها وقدرتها على العمل،
وطاقتها العلمية التقنية
الظاهرة والكامنة. وروسيا لديها
عدد هائل من العلماء في مختلف
المجالات، والفنيين
والاختصاصيين، وهي دولة صناعية
ودخلت جزئيا في مرحلة ما بعد
الصناعة. هنا أناقش مسألتين
تشكلان أساسا قويا لقدرة روسيا
وهما عنصر الطاقة والقوة
العسكرية. عنصر
الطاقة روسيا
واعية لحجم مواردها في مجال
الطاقة بخاصة النفط والغاز إذ
هي أكبر منتج للغاز في العالم
وتزاحم السعودية في إنتاج
النفط، وهي تدرك أن حاجة العالم
للطاقة ترتفع باستمرار، وأن
عملية تطوير مصادر طاقة بديلة
متعثرة أو باهظة التكاليف.
النفط والغاز عبارة عن موردين
أساسيين لروسيا وبدون
الإيرادات المترتبة على
تصديرهما يصعب على الميزانية
الروسية أن تنضبط أو تستقر. ووفق
الإحصائيات، حوالي 65% من صادرات
روسيا نفطية، وتشكل هذه 25% من
الناتج المحلي الإجمالي. (LeighAnne
Manwarren, Energy-Rich Russia Moves to Become World
Power Again) هذه نسبة عالية جدا، ومثلما تشكل ميزة
جيدة تشكل خطورة. إنها ميزة
لأنها تأتي بالدخل، وخطورة لأن
توقف التصدير لسبب أو لآخر
سيؤدي إلى حالة عدم استقرار
سياسي واقتصادي في البلاد. وعي
الرئيس الروسي لقوة روسيا في
الطاقة، ورأى عدم الكفاءة في
الإنتاج والتصدير والفساد الذي
يحيط بإدارة الثروة، وما ينجم
عن ذلك من أضرار. لقد بغى أباطرة
المال، وعاثوا في القطاع النفطي
الفساد وجمعوا ثروات شخصية
هائلة. ولهذا عمل بوتين على
زيادة سيطرة الدولة على مصادر
الطاقة، أو تكثيف الرقابة عليها.
واستفادت روسيا من ارتفاع أسعار
النفط، واستطاعت أن تحقق دخلا
يقارب 150 مليار دولار عام 2006.
ارتفعت نسبة النمو الاقتصادي
فيها لتصل إلى 6% سنويا. (Simon Hooper, Russia: a Super Power Rises Again) يقول
أحد المحللين بأن الحكمة
القديمة تقول بأن روسيا قوية
بسبب مواردها الضخمة. هي تملك
الغاز وتصدر النفط. ويقول بأن
بوتين خطط لإعادة روسيا لتكون
قوة عظمى. ومنذ عام 2003، وضعت
روسيا استراتيجية استخدام
مواردها في الطاقة لتحقيق أهداف
سياسية، وأن دور روسيا في عالم
الطاقة يجب أن يتقوى. وقال بوتين
بأن قطاع الطاقة يجب أن يكون
موجها من قبل الحكومة ويجب
استعماله لتحقيق مصالح روسيا.
ومدير المناجم الروسي قال بأن
العالم يجد تحت الظروف الحالية
بأن أهم المصادر الطبيعية هي
الهايدرو كربونات، وهي بيد
روسيا. قدرت
روسيا بأن أسعار الغاز الذي
تصدره للدول الأوروبية منخفضة،
وأن من مصالحها القومية العدول
عن اتفاقات سابقة وتعديل
الأسعار، هذا فضلا عن غضبها على
بعض دول أوروبا الشرقية
وجمهويات الاتحاد السوفييتي
المنهار بسبب انحيازها لأمريكا
والأطلسي ورغبتها بإنزال عقاب
بها. أوقفت روسيا الغاز عن
أوكرانيا في كانون ثاني 2006،
ربما كعقاب لها على الثورة
البرتقالية. وطالبت شركة
غازبروم الروسية بالسيطرة على
البنية التحتية لأنابيب الغاز
الواصلة إلى أوكراينا. وأوقفت
ضخ الغاز إلى بلوروسيا عام 2007
مطالبة بأسعار عالية جدا،
وطالبت غاز بروم بامتلاك 50% من
شبكة الغاز البلوروسية. وفرضت
روسيا ضرائب على النفط المصدر،
وردت بيلوروسيا بفرض ضرائب على
التصدير للدول الأخرى فانخفضت
واردات بولندا مما آذى روسيا.
فقامت روسيا بإغلاق الأنابيب.
وعاد الضخ على إثر الضغط الدولي.
لقد كسبت روسيا معركة الأسعار،
واستطاعت أن تشارك بملكية شبكة
الغاز. لكن القيمة الحقيقية
لهذا هو أن أوروبا باتت تحت
التهديد الروسي لأنها تستورد
كميات كبيرة من النفط الروسي
والغاز. في عام 2020، ستستورد
أوروبا 75% من احتياجاتها من
الغاز، أغلبها من روسيا. (Carol
Saivetz, Russia: An Energy Superpower) استكمل
القادة الروس المشهد عندما
طلبوا في القمة الأخيرة التي
عقدت بتاريخ 21،22/أيار 2009 بين
روسيا والاتحاد الآوروبي في
خباروفيسك الروسية والقريبة من
الحدود الصينية تناولوا فيه
العلاقات المتبادلة. أصر الرئيس
الروسي في كلمته على ضرورة
كتابة ميثاق جديد فيما يتعلق
بالطاقة ليحل محل الميثاق
القديم، وحتى لا تتكرر مشكلة
غلق أنابيب الطاقة كما حصل في
كانون ثاني/2009. شهد المؤتمر
توترا بسبب الموقف الروسي، وطلب
ميدفيدف من الاتحاد الأوروبي أن
يمول أوكراينا لتكون قادرة على
دفع فاتورة الغاز. وعندما سئل
فيما إذا كانت روسيا ستقطع
الإمدادات لم يجب بالإيجاب أو
بالنفي. (IrishTimes,
May22,2009) أي أن
الرئيس الروسي يريد تعديل
الأسعار والكميات المتدفقة
والمشاركة في إقامة المنشآت
الضرورية لاستمرار تدفق مصادر
الطاقة إلى أوروبا، وهو يريد
إبقاء أوروبا بين الشك واليقين. روسيا
معنية بإقامة منشآت نفطية في
أوروبا ومحطات توزيع، لكن
الاتحاد الأوروبي يعمل على الحد
من المنشآت النفطية لدول خارج
الاتحاد. وفي المقابل، تحاول
روسيا التهديد بأنها ستعمل على
تحويل التصدير إلى الصين التي
تشهد احتياجات نفطية متصاعدة.
لكن هذا التهديد يصطدم بقدرة
روسيا والصين المالية والتقنية.
خطوط النفط والغاز مكلفة جدا
بسبب طول المسافة. ومن الممكن
إذا أمسكت روسيا بزمام الأمور
جيدا من الناحية التقنية، ومن
ثم القدرة على الوفاء
بالتزاماتها من الغاز والنفط أن
تدخل إلى قلب أوروبا بمنشآتها
التزويدية المختلفة، وتنافس
بذلك الشركات الأوروبية وتشكل
وجودا سياسيا واقتصاديا مؤثرا.
أما إذا بقيت روسيا ضمن المستوى
التقني القائم حاليا، وبقيت
قدرتها على رفع مستوى الإنتاج
محدودة، فإن الدول الأوروبية
ستعمل على البحث عن مزودين
آخرين، وربما وفق استثمارات
أوروبية دون أن تكون هناك
منافسة روسية جادة. يظهر
هذا المنطق قويا بما يتعلق
بالأنبوب النفطي:
باكو-تبليسي-سيحان. يمتد هذا
الأنبوب من داخل بحر قزوين عبر
أراضي أذربيجان، يمر من تبليسي
عاصمة جورجيا، ثم إلى سيحان،
الميناء التركي على البحر
الأبيض المتوسط، والواقع على
الطرف الشرقي للساحل التركي.
يبلغ طوله 1768 كم. بدأ ضخ النفط
الخام بتاريخ 10/أيار/2005، وطاقته
مليون برميل يوميا. الأنبوب
يوفر مناخا للتدخل الغربي في
الدول الثلاث، والذي يضعف مكانة
روسيا في منطقة القفقاس. ولهذا
من المحتمل أن تهدد روسيا بضربه
أو تعطيله بطريقة أو بأخرى فيما
إذا زاد الضغط الغربي عليها. من
الممكن أن تتطور قدرة روسيا على
التأثير السياسي والعسكري على
أذربيجان أو جورجيا وتعطل ضخ
النفط. ومن الممكن أيضا أن تلجأ
الدول الأوروبية إلى مد أنبوب
نفط آخر يمتد من أواسط آسيا عبر
مناطق أكثر بعدا عن التأثير
الروسي. والمهم في المعادلة هو
أن روسيا ستعمل على استخدام
النفط لتدعيم وضعها السياسي،
وأوروبا ستحاول اتخاذ التدابير
اللازمة لتقليل التأثير
السياسي للنفط ما أمكن. يرى
الغرب بأن روسيا لا تمتلك حتى
الآن الكفاءة التقنية لتطوير
قدراتها الانتاجية وتلبية
الطلبات من النفط والغاز، كما
أن جيرانها على وعي بطموحاتها
السياسية وهم يحاولون بقدر
الإمكان عرقلة تطلعها نحو
السيطرة في مجال إنتاج وتسويق
الطاقة. عقد
مركز لدراسات السلام في العالم
ندوة عام 2006 لتقييم وضع روسيا
كدولة عظمى في الطاقة تحدث فيها
آندرو ميلوف (Andrew Milov)،
أحد خبراء الطاقة وقال بأن
روسيا لا تستثمر بطريقة تتناسب
مع متطلبات السوق، وأن قدرة
أكبر شركتين روسيتين على
الاستثمار في مجال الطاقة وهما
غاز بروم وروسنفط مخيبة، وسيأتي
اليوم الذي لا تستطيع روسيا
تلبية طلبات الدول الأوروبية،
وذلك راجع لعدم وجود استراتيجية
روسية للاستثمار وعدم التطور
التقني اللازم في هذا المجال. (Andrew Milov, How Sustainable is Russia’s Future as Energy Superpower?) التعاون
مع السعودية وإيران لا
تستطيع روسيا تجاهل السعودية
والتي هي أكبر مصدر للنفط في
العالم ولا إيران التي ترى في
الطاقة مصدرا للقوة السياسية
والضغط على الدول الغربية. يقدر
مركز ستراتفور (stratfor) للدراسات الاستراتيجية بان
الروس معنيون بالتعاون مع إيران
والسعودية من أجل عدم رفع إنتاج
النفط للإبقاء على أسعار النفط
عالية. لكن العلاقات بهاتين
الدولتين معقدة، وليس من السهل
التفاهم معهما بطريقة تخدم
الأهداف الروسية. فمثلا
تخشى روسيا من انفصال الشيشان
لأن ذلك قد يقود إلى تفكك
الاتحاد الروسي، وترى أن
الشيشان يحصلون على تمويل من
الوهابيين (يعنون السعودية) وهم
معنيون بإقناع السعودية
بالتعاون ووقف المساعدات
للشيشان. روسيا تتهم السعودية
دون ذكر اسمها، وفقط من خلال ذكر
المذهب الإسلامي الذي تدين به
أو تشجعه بالوقوف مع الشيشانيين
الراغبين بالاستقلال عن
الاتحاد الروسي، وهذا بحد ذاته
يقف عقبة أمام التعاون في
المجالات الاقتصادية بخاصة
النفطية منها.
كما أن إيران لا تخفي
تأييدها للمسلمين الراغبين في
الاستقلال، لكنها لا تبدو
متحمسة للانفصال الشيشاني. من
ناحية أخرى، لروسيا مصالح في
دول آسيا الوسطى وبلاد القفقاس،
وهي في الغالب دول إسلامية لها
امتدادها في المنطقة العربية
الإسلامية، بل هي في أغلبها جزء
من المنطقة العربية الإسلامية،
فهل تتمكن روسيا من مد نفوذها في
ظل وجود منافسة لدول إسلامية
تحاول هي أن تخطب ودها؟ أي أن مد
النفوذ الروسي إلى هذه الدول لا
مفر سيجد له صدى أو رد فعل لدى
العديد من الدول العربية
والإسلامية بخاصة في السعودية
وإيران. تحاول السعودية التأثير
على هذه الدول من أجل أن تبقى
ضمن منظومة ما يسميها الغرب
بالاعتدال، بينما تحاول إيران
دفعها نحو تأكيد استقلالها
وتميزها وابتعادها عن الولايات
المتحدة. أي أن
روسيا تطلب ود دولتين إسلاميتين
ليستا على وفاق، إحداهما وهي
السعودية غنية وتعتمد على أهل
الغرب في الدفاع عن نفسها، في
حين أن إيران شيعية وقوية،
ولكنها ليست بثراء السعودية.
تصادق من؟ فمثلا السعوديون لا
يريدون أسعار نفط عالية لأن ذلك
سيرفع من دخل إيران ويجعلها
أكثر قوة، والرفع لا يرضي الغرب
الذي تعتمد عليه. أما روسيا
فتريد أسعار نفط مرتفعة، الأمر
الذي تريده إيران أيضا. في
العراق، السعوديون يخشون
انسحابا أمريكيا حتى لا تملأ
إيران الفراغ الذي سيحصل. أما
الروس فيريدون بقاء أمريكا
لتبقى متورطة، وإيران تريد
الأمريكيين خارج العراق لكي
توسع دائرة نفوذها. توسيع نفوذ
إيران سيرفع من وتيرة التعاون
الأمريكي السعودي، وهذا ما لا
يريده الروس، وأيضا سيجعل إيران
أكثر قوة، والروس لا يريدون
إيران قوية وإنما يريدون
استعمال إيران. ربما
روسيا لا تمانع بحصار إيران
نفطيا لأن ذلك يرفع الأسعار،
لكن أمريكا لا تريد رفع الأسعار
حتى لا تستفيد روسيا. وأيضا
روسيا وإيران متنافستان في بلاد
القفقاس، وطالما قاد ذلك إلى
توتر بين الدولتين تاريخيا. أي
أن المعادلات معقدة ومتشعبة
ومتداخلة. هذا ومن
الملاحظ أن روسيا لم تحاول
الانضمام إلى أوبك، على الأقل
في الوقت الراهن، ولم تفتح
مفاوضات في هذا الشأن مع الدول
المعنية. القرار حكيم، ويشير
إلى التريث الروسي وعدم
الاستعجال. أوبك تحوي دولا
متعددة في عضويتها، ومنها دول
تحركها الولايات المتحدة، ومن
الحكمة ألا تتعجل روسيا الأمر
وتضع نفسها في جدل مع من لا
يملكون قرارا مستقلا. تحت
الظروف الحالية، من المحتمل أن
تحرك أمريكا أعوانها داخل أوبك
من أجل ضرب الاقتصاد الروسي، أو
خلق فوضى في السوق النفطية تضع
روسيا في حرج أمام دول فقيرة
تتطلع إلى مصعد السلامة الروسي. القوة
العسكرية تمت
الإشارة سابقا إلى أن روسيا
أهينت مرارا وتكرارا من قبل
الغرب بخاصة الولايات المتحدة،
وأصيب الشعب الروسي بإحباط ونوع
من اليأس بسبب الوضع المتردي
الذي وصلوا عليه بعد أن كانوا من
سادة العالم في عهد السوفييت.
روسيا تقلصت اقتصاديا ودخلت في
حالة من الفوضى والفساد بعد
صعود يالتسين إلى سدة الحكم،
وأخذت حكومتها تستجدي الدعم
المالي والاقتصادي الغربي،
وأحيانا العون التقني كما حصل
مع الغواصة الروسية التي غرقت
في البلطيق. وقد
استغل الغرب هذا الوضع المتردي
وأخذ يزحف باتجاه الشرق بهدف
محاصرة روسيا وإخراجها تماما من
إمكانية التحدي مستقبلا. لقد تم
استفزاز روسيا وإهانتها عبر
ثلاث قنوات رئيسية: تمدد
الاتحاد الأوروبي إلى الشرق،
تمدد حلف الأطلسي ليحاول شمل
دول على الحدود الروسية مباشرة
مثل جورجيا وأوكراينا، ونشر
الدرع الصاروخية الأميركية في
أوروبا الشرقية وبالتحديد في
بولندا وتشيكا. أي أن الوحش
الغربي قد أصبح عبر هذه القنوات
على أبواب الدب الروسي، وأن
المسألة بالنسبة لروسيا قد
تجاوزت كل الحدود بما فيه النزر
اليسير من الاحترام. لم يكن
أمام القيادة الروسية إلا
التحرك باتجاه الإنقاذ الذاتي.
لم تكن المسألة متعلقة بالتحدي
أو بالعودة إلى الحرب الباردة
أو صناعة سياسة استحواذ، وإنما
كانت مسألة بقاء كدولة لها
كيانها المحترم وشعبها الذي
يتطلع نحو التعاون مع الأمم على
قدم المساواة. لقد حشر الغرب
روسيا في زاوية لم يكن معها إلا
ضرورة التحرك للإبقاء على روسيا
حية. لكن هذا لا يعني أن السياسة
الروسية يمكن أن تتوقف عند حد
الزجر على الحدود، وإنما يمكن
أن تمتد لتأخذ بعين الاعتبار
التطورات المستقبلية والتحصين
الذاتي والردع. الشعور
بالقوة لم
يكترث الشعب الروسي كثيرا
لتفعيل الصناعة الروسية
العسكرية والنووية بالذات
لأنها لم تطف على السطح كعمل
يسترجع لروسيا كبرياءها، لكن
الحرب على جورجيا كانت مختلفة
وولدت شعورا جديدا لدى الروس
ولّد في وعيهم نوعا من الهيبة
والكبرياء على الساحة الدولية.
يقول أحد الباحثين بأن الروس
استعادوا كرامتهم مع الحرب على
جورجيا. أعطتهم الحرب شعورا
بأنهم قوة عظمى، وأصبح الشعور
الوطني عارما. (Alex
Rodriguez, Russia Regains Superpower Swagger) وقد
لاحظ المتتبع كيف أن تعليقات
أغلب الناس العاديين في وسائل
الإعلام مفعمة بالعز والشعور
بالكرامة والقوة. على الرغم من
أن جورجيا ليست بتلك الدولة
القوية أو الكبيرة، إلا أن مجرد
التحرك الروسي كان كافيا ليعطي
قوة دفع معنوية لجماهير روسيا،
والذين أخذوا يتطلعون إلى
المزيد من إثبات الذات. ومما عزز
هذه المشاعر هو وقوف الغرب
متفرجا على جورجيا ومكتفيا
بإدانة ما حصل وداعيا روسيا إلى
سحب قواتها من الأراضي
الجورجية، واحترام وحدة أراضي
جورجيا. ضعف
الجيش الروسي أدرك
قادة روسيا قبل الحرب على
جورجيا أن قواتهم وترسانة
أسلحتهم الاستراتيجية
والتقليدية بحاجة إلى تحديث،
وبدأوا برنامجا، كما أشرت
سالفا، لإعادة بناء الجيش
وإعادة تسليحه بأسلحة حديثة.
كان يواجه الجيش الروسي خطرا
بسبب قدم أسلحته، وتضاؤل
فعاليتها أمام التطورات
التقنية الضخمة التي شهدتها
الجيوش الغربية بخاصة الجيش
الأمريكي. أي أن المسألة ليست
استراتيجية عسكرية جديدة بقدر
ما هي ضرورة لا مفر منها إذا
أرادت أن تحتفظ بقوة ردع. وضع
الجيش الروسي غير المريح كان
ظاهرا في الشيشان إذ كانت حركة
القوات البرية بطيئة ومتثاقلة. CNN
تقول في تقرير لها بأن روسيا
أخذت درسا من حربها على جورجيا
وهو أنها غير متطورة عسكريا في
مجالي الاتصالات والطيران. لقد
احتاجت روسيا خمسة أيام لكي
تقضي على دفاعات جورجيا الجوية،
وهذه مدة طويلة بخاصة أن جورجيا
دولة صغيرة وضعيفة. وقد قال
الرئيس الروسي بأن تحديث القدرة
العسكرية قد بدأ، وأن انخفاض
أسعار النفط لن يؤثر على خططه
بهذا الاتجاه. وقال بأن روسيا
ستكون قد حدثت جيشها في عام 2020.(CNN, Russia Announces Major Arms Buildup) هذا تقرير ليس بعيدا عن الحقيقة إذ أنه
من الواضح أن روسيا تفتقر إلى
تقنية حديثة متطورة تنافس تقنية
الأسلحة التقليدية الغربية
بخاصة في مجال الطيران وأسلحة
الدفاع الإليكترونية مثل
مضادات الدبابات والطيران. وهذه
مسألة تمتد جذورها إلى الاتحاد
السوفييتي الذي كان يعتمد تكتيك
الاعتماد على الجندي وعلى أعداد
الآليات الكبيرة لمواجهة
التقنية الغربية. لقد احتاجت
روسيا فترة طويلة نسبيا في
قتالها لجورجيا، وهي فترة لا
تتناسب مع الهيبة العسكرية
لدولة نووية مثل روسيا. ويبدو أن
الروس قد ركزو تقنية متطورة حتى
الآن في مجالي الأسلحة النووية
والفضاء، لكنهم لم يعتنوا جيدا
بتقنية الأسلحة التقليدية،
علما أن تقنية متطورة في هذا
المجال يمكن أن تفيدهم اقتصاديا
من ناحية مبيعات الأسلحة. يقول
أحد الباحثين بأن روسيا ليست
مهتمة الآن بمسألة تحسن
العلاقات مع الولايات المتحدة،
ولا هي مهتمة بمن الرئيس. هي
مهتمة بإعادة بناء جيشها، وقد
أعلن ميدفيديف أن الأولوية لدى
روسيا هي إعادة بناء الجيش
وتزويده بأفضل أنظمة التسليح،
ومن المحتمل أن ترفع روسيا
نفقاتها العسكرية عام 2009 بما
يرواح 30%.(Peter Brookes, the New York Post) هذا
تحليل صحيح إذا ارادت روسيا أن
تعود إلى القيادة العالمية من
جديد من حيث أن دخول القوي ليس
كدخول الضعيف، ومن المهم أن
تثبت بأنها ندّ عسكري قوي
للولايات المتحدة إذا أرادت أن
تكون مسموعة. الحقيقة التي ما
زالت ماثلة امامنا أن السلاح
والمال لهما قوة أكبر بكثير من
القيم الإنسانية، وحتى أن تطبيق
القيم الإنسانية يحتاج إلى قوة
تسنده. القوي والثري يتمتع
بنفوذ وتسمعه الأمم، أما الضعيف
والفقير فصاحب يد سفلى لا
يستطيع المشاركة في اتخاذ
القرار إلا إذا أُذن له. روسيا
تخطط لبناء جيل جديد من
الصواريخ العابرة للقارات،
والغواصات النووية، وربما
لحاملات طائرات. وتقول
الجارديان البريطانية بأن وزير
الدفاع الروسي قال بأنه سيتم
بناء 17 صاروخا من طراز توبول إم topol-m
عام 2007 ويبدو أنه حصل، وأنه
سيكون منها 34 صاروخا جديدا على
قواعد ثابتة بالإضافة إلى 50 على
حاملات متحركة. هذا فضلا عن أنها
تملك الآن 40 من هذه الصواريخ
والتي قال عنها الرئيس فلاديمير
بوتين بأنها قادرة على اختراق
كل حواجز الاعتراض الصاروخي. (Guardian,
Russia Plans Major Military Buildup) لا شك
بأن روسيا عبارة عن دولة عظمى
فيما يتعلق بالقوة النووية
وأدوات إيصال الرؤوس والقنابل
النووية، لكن المشوار أمامها ما
زال طويلا فيما يتعلق بالأسلحة
التقليدية المعتمدة على تقنية
إليكترونية فعالة. اتضح في
الشيشان وفي جورجيا أن الجيش
الروسي بعيد في معداته عن الدول
الغربية، وأن قدرته في ميدان
المعركة متثاقلة، وتعرض جنوده
لخطر أكبر من ذلك الذي يتعرض له
الجندي الأمريكي أو الفرنساوي.
الجيش الروسي لا يتحرك على
الأرض بالسرعة والكفاءة اللتين
تتميز بهما الجيوش الحديثة، وهو
بحاجة إلى الكثير من النفقات
للتحديث. يرى بعض
المحللين بأن روسيا ضعيفة تقنيا
لأن تطورها
مرتبط بمدخولاتها من النفط،
وفي حال انهارت أسعار النفط فإن
اقتصادها سينهار ومعها جمهورها.
ومقارنة مع الولايات المتحدة،
يبلغ إنتاج أمريكا المحلي عشرة
أضعاف إنتاج روسيا، وتنفق على
الدفاع سبعة أضعاف ما تنفقه
روسيا. (Kyle
Atwell, Is Russia a Superpower? Cold War 11)
ربما من الصعب أن تنهض النفقات
الروسية العسكرية المتزايدة
بالجيش الروسي بطريقة تنافس
الجيوش الغربية، لكن القادة
العسكريين يقولون بأنهم يحصلون
على أموال كافية لرفع درجة
الاستعداد العسكري. التحدي روسيا
لا تحمل لواء التحدي للغرب، ولا
تطلق العنان لتصريحاتها التي
يمكن أن توتر الأوضاع على
الساحة الدولية، لكنها متعقلة
وواضحة بشأن أمنها القومي
واحترامها كدولة ذات شان. ووفق
ما يقول أحد الكتاب الأمريكيين،
الحرب على جورجيا تثبت حرص
روسيا على إبعاد التدخل
الأمريكي بجيرانها أو مناطق
نفوذها التقليدية، وعلى أمريكا
أن تعترف بأن روسيا ما زالت قوة
عظمى. ويضيف بأن فترة الانهيار
بعد الحرب الباردة قد انتهت،
والآن بدأت فترة النهوض. لروسيا
مصالح يجب أن تحترم وعلى
الولايات المتحدة أن تعي ذلك.
على أمريكا أن تفتح حوارا مع
روسيا، وأن تجمد مساعيها لضم
أوكراينا وجورجيا إلى حلف
الأطلسي. (Ronald
Steel, a Superpower is Born)
هذا تحليل دقيق ولا مغالاة فيه
لأن أهل الغرب استهتروا كثيرا
بروسيا، وحشروها في زاوية دون
أن يتركوا لها خيارات. يبدو أن
روسيا تحاول من وراء الكواليس
أن تُفهم الولايات المتحدة بأن
التقنية العسكرية الروسية ليست
متخلفة، وإن قدرتها على الإنتاج
الوفير من الأسلحة الاستراتيجة
جيدة وتستطيع منافسة القدرات
الأمريكية. كما أن روسيا أعطت
إشارات واضحة لأمريكا بأنها
تعمل على إنتاج أجيال جديدة من
الأسلحة التقليدية
والاستراتيجية، وأن على أمريكا
ألا تستسلم لما يمكن أن يكون
وهما حول تخلف روسيا تقنيا. وكما
نستطيع أن نستشف من التصريحات
الروسية أنه تم بالفعل تطوير
أجيال جديدة من الأسلحة، وهي
جاهزة لتدخل مرحلة الإنتاج
الكمي. لم تترك
روسيا الأمر في مجال الكلام
والتصريحات، وإنما اتخذت خطوات
عملية لكي تكون الرسالة واضحة.
في آب، أغسطس/2008 قامت روسيا
بإرسال بعض قطعها البحرية
الموجودة في البحر الأسود وعلى
رأسها حاملة الطائرات الوحيدة
التي لديها إلى شرق البحر
الأبيض المتوسط والتي تحمل 47
طائرة سوخوي 33 و12 طائرة عمودية..
وقد أعلن بشار الأسد أن سوريا
على استعداد لمنح روسيا قاعدة
بحرية في طرطوس، ذلك للتذكير
بالوجود السوفييتي في المتوسط.
لم تفعل روسيا مثل هذا التحدي
للأسطول السادس الأمريكي الذي
يجوب البحر الأبيض المتوسط
بحرية منذ انتهاء الحرب
الباردة، وتعمدت أن تقوم سفنها
الحربية ببعض التمارين مع
الأسطول الإيطالي والفرنسي. وحركت
روسيا بعض سفنها في شمال شرق
المحيط الأطلسي، وحلقت
القاذفات الاستراتيجية النووية
الروسية فوق سماء المنطقة مما
دعا حلف الأطلسي إلى تحريك
طائراته الاعتراضية.
(David Eshel, Russian Mediterranean Naval Buildup
Challenges NATO)
هذا ويخشى الغرب من أن تكون
روسيا قد طورت أسلحة بحرية لا
يكتشفها الرادار. في
17/8/2007 نقلت رويترز عن بوتين قوله
بأن روسيا ستعود إلى إطلاق
دوريات القاذفات الاستراتيجية،
وذلك في تعليق له على تدريبات
عسكرية مشتركة مع الصين ودول
آسيا الوسطى. وقال بأن روسيا
علقت مثل هذه الدوريات مع بداية
تسعينات القرن الماضي، لكن
الأطراف الأخرى لم تفعل ذات
الشيء. وقال بأن روسيا قد حركت
يوم 17/8/2007 14 قاذفة من سبع قواعد
عسكرية.(Reuters,
Aug. 17, 2007) على
الرغم من أن روسيا قامت
بإجراءات تشير إلى نوع من
التحدي للولايات المتحدة، أو
إلى إثبات الذات الروسية وتذكر
العالم بأنها موجودة وقوية، إلا
أنها لا تذهب بعيدا في بعض
الأمور، وحتى أنها تبدو على
انسجام مع الولايات المتحدة في
بعض القضايا مثل المشروع
الأمريكي حول مفاوضات القضية
الفلسطينية، ودعم الدول
المعارضة للسياسة الأمريكية.
ومؤخرا، وافقت روسيا على رفع
سقف العقوبات ضد كوريا
الشمالية، وصوتت إلى جانب هذه
العقوبات في مجلس الأمن بتاريخ
12/6/2009. حاولت
روسيا ألا تختار طريق المواجهة
المبكرة مع الولايات المتحدة
فيما يتعلق بالقضايا الدولية
وعلى رأسها القضية الفلسطينية
فصوتت لصالح المشروع الأمريكي
الذي طُرح أمام مجلس الأمن،
والذي يدعم عملية التفاوض بين
العرب وإسرائيل، ويشيد بما تم
تحقيقه حتى الآن. روسيا ليست
بعيدة عن الموقف الأمريكي فيما
يخص القضية الفلسطينية وهي عضو
في الرباعية الدولية التي تتبنى
خريطة الطريق، وهي لا تستطيع أن
تأخذ موقفا أكثر صلابة من مواقف
الجهات العربية المعنية بعملية
التفاوض مع إسرائيل.الموقف
الروسي هذا عبارة عن إشارة إلى
مختلف الدول بأن روسيا لا تبحث
عن مناطحة، ولا تتخذ مواقف
العناد. وقد
اتضح ذلك أثناء زيارة الرئيس
الأمريكي لروسيا في 6/ تموز،
يوليو/2009 إذ وقع الطرفان عددا من
الاتفاقيات الخاصة بالعلاقات
الثنائية، ووافقا على تخفيض
الأسلحة النووية والمنصات
الحاملة للصواريخ بحوالي
الثلث، ووافقت روسيا على السماح
لأمريكا بنقل قواتها ومعداتها
العسكرية إلى أفغانستان عبر
أراضيها. لكن روسيا بقيت متمسكة
بمواقفها حول الدرع الصاروخية
وتوسيع حلف الأطلسي، ولم تقبل
برفع مستوى العقوبات على إيران
كما تشتهي أمريكا. (Associated Press, July 6, 2009) ارتاحت أمريكا للمواقف الروسية، لكنها
بقيت ترى في روسيا قوة يجب أخذها
بالحسبان. هذا وقد
تميزت روسيا بأنها استقبلت خالد
مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة
حماس، وقام وزير خارجية روسيا
باستقباله مؤخرا في دمشق على
الرغم من معارضة إسرائيل
وأمريكا لذلك. هذه تعتبر خطوة
روسية متقدمة وتشكل إشارة للغرب
بأنه من الممكن أن تتبع روسيا
سياسة خاصة بها فيما يخص الصراع
العربي الإسرائيلي. من
ناحية أخرى، روسيا لم تعقد
العزم بعد على تقوية المتطلعين
إليها عسكريا مثل إيران وسوريا
وفنزويلا والمقاومة العراقية
والفلسطينية واللبنانية. أعطت
روسيا لهذه الدول دون المقاومة
ابتسامات عريضة، وتعتبرها الآن
من الدول الصديقة، لكنها لم
تقدم المعدات العسكرية اللازمة
التي يمكن أن تنقلها نقلة نوعية
في مواجهة أعدائها، هذا
باستثناء صواريخ 300ss المضادة للطائرات والتي من
المحتمل أنها أعطيت لإيران.
ماطلت روسيا طويلا في تسليم هذه
الصواريخ لإيران، وما زال هناك
تضارب حول حقيقة الأمر. ربما
تدرك روسيا أن تسليح الدول التي
لا ترضى عنها أمريكا يفتح الباب
أمام احتدام الصراعات
الإقليمية، الأمر الذي لا ترى
روسيا بأنها جاهزة له الآن.
الدخول في هكذا صراعات مكلف
اقتصاديا وماليا، ويشكل منطلقا
لزوبعات دبلوماسية حادة.
ومؤخرا، في حزيران، يونيو/2009
عقدت روسيا صفقة طائرات
إليكترونية بدون طيار من
إسرائيل. قررت أن تشتري روسيا
عشر طائرات من إسرائيل، ووفق
وسائل الإعلام، أخذت إسرائيل
موالفقة الولايات المتحدة على
البيع. لم تفصح روسيا وإسرائيل
عن شرزط الصفقة، لكنه من غير
المعقول ألا تطلب إسرائيل من
روسيا بعض الأمور المتعلقة
بإيران وسوريا. هل طلبت إسرائيل
عدم تزويد هاتين الدولتين
بصوارخ مضادة للطائرات أو
بطائرات حديثة من طراو سوخوي؟
أنا لا أستبعد ذلك. في هذا
ما يعطي إشارة إلى أن روسيا تقيس
الأمور بهدوء ووفق إمكاناتها،
وأيضا وفق ما يمكن أن نسميه
طموحاتها في الوقت الراهن،
والتي هي طموحات متواضعة لا
ترتقي أبدا إلى طموحات الولايات
المتحدة في أمركة العالم. الذي
يعمل على التضحية بمن يمكن أن
يكونوا أصدقاءه، أو يماطل في
تلبية طلباتهم لصالح جهة من
المتوقع أن تكون في غير صالحه أو
مناوئة له يضع شكوكا على نواياه.
اتهمت روسيا إسرائيل إبان الحرب
على جورجيا بتزويد جورجيا
بالسلاح، وها هي الآن تمد يدها
لإسرائيل وبموافقة القطب
الأوحد في العالم. من هذا نرى
بأن روسيا متباطئة، وهي ما زالت
إما في طور التفكير بما تريد أن
تفعل، أو في طور التنفيذ البطيء
الذي يأخذ مختلف قدراتها بعين
الاعتبار. إنما
روسيا واضحة بشأن الدرع
الصاروخية الأمريكية، وهي
ستتخذ إجراءات قوية لمواجهتها
على رأسها، كما ذكر سابقا، نشر
صواريخ نووية روسية في
كاليننغراد. وقد قال مساعد وزير
الخارجية الروسي سيرجي
ريبياكوف بأن التقدم في محادثات
تقليص الأسلحة النووية مرتبط
بقرار أمريكا حول الدرع
الصاروخية. أما بالنسبة لأمريكا
يصعب عليها التراجع ذلك حتى لا
تخيب ظن حلفائها بخاصة بولندا
وتشيكا اللتين وافقت حكومتاهما
على استضافة المنشآت الخاصة
بالدرع. وهي لا تنفك تستعمل
الورقة الإيرانية لتقول بأنه ما
دامت إيران تسعى إلى تصنيع
القنبلة النووية فإن الدرع
ضرورية، وهذا يعني الطلب غير
المباشر من روسيا لصد إيران عن
التصنيع النووي. (Philip Pan, Counting on a Reset With US) لدى
روسيا مشكلة مع فكرة إقامة
الشراكة الشرقية مع الاتحاد
الأوروبي (أوروبا الشرقية)
والتي تشمل أوكراينا، جورجيا،
أذربيجان، أرمينيا، ميلدوفيا
وبيلوروسيا. روسيا تقول إن مثل
هذا التجمع يستهدف روسيا
ومصالحها. الاتحاد الأوروبي لا
يريد ضم هذه الدول الآن إليه،
وإنما يريد إقامة علاقة شراكة
معها، وهو ينوي زيادة مساعداته
المالية لهذه الدول، ورفع مستوى
المساعدات التقنية والفنية. (IrishTimes.com, May 22, 2009) هذا مستفز بالنسبة لروسيا لأن
ذلك يعني وجود الاتحاد على
الحدود الروسية مباشرة. من
ناحية أخرى، خففت روسيا من
لهجتها حول أوروبا وحلف
الأطلسي، وقررت العودة إلى
التنسيق الأمني مع الحلف وذلك
في حزيران، يونيو/2009. لحل هذه
المشاكل تقول روسيا بأنه يجب
وقف تمدد الاتحاد الأوروبي،
ووقف تمدد الأطلسي، ووقف نشر
الدرع، وإلا فإن المسألة ستدخل
مرحلة التحدي، وروسيا لن تتهاون
بأمنها القومي. وعليه، اقترحت
روسيا ضرورة كتابة معاهدة أمنية
جديدة مع أوروبا عقب إصرار
الرئيس الأمريكي بوش على نشر
الدرع الصاروخية ، وإصرار
الأطلسي على ضم جورجيا
وأوكراينا. وقد بدأت روسيا
بإقامة قواعد عسكرية في أوسيتيا
الجنوبية وأنجوشيا. تقول
المبادرة الروسية بأنه يجب
تحريم استعمال القوة في المنطقة
الممتدة من فانكوفر في الوسط
الأوروبي إلى فلاديفاستوك في
الشرق الروسي.
(Deuschce
Welle Staff, European Leaders Split on Russian Security
Plan) الأوروبيون منقسمون حتى الآن حول هذه
المبادرة، ولا بد أنهم ينتظرون
موقف الإدارة الأمريكية
الجديدة بهذا الخصوص. الاستنتاج روسيا
دولة عظمى من الناحية العسكرية،
ولديها من الطاقات الإنسانية
والموارد الطبيعية ما يؤهلها
لتكون دولة عظمى، بل وقطبا
فاعلا على الساحة الدولية. إنها
لا تستطيع أن تعلن أنها ستكون
قطبا ينافس أمريكا غدا، وهي
بحاجة إلى الكثير من الجهد
والوقت والمال لكي تعلن ذلك
سواء ضمنا أو صراحة، والمسألة
منوطة بعدد من العوامل على
رأسها: أولا:
الرغبة الروسية هل ترغب
روسيا في أن تكون دولة قطبية، أم
مجرد دولة كبيرة لها احترامها
في هذا العالم، وذات كلمة
مسموعة في القضايا الدولية؟
تحدث قادة روسيا عن أنه لا يجوز
أن تبقى الولايات المتحدة القطب
الوحيد في هذا العالم، لكنهم لم
يقولوا بأنهم يريدون أن يكونوا
القطب المنافس، أو الدولة التي
تضع فرامل أمام هيمنة الولايات
المتحدة. من الممكن أن يستنتج
أحد بأن روسيا ترغب في أن تكون
قطبا منافسا، لكن عليه أن ينظر
إلى الإمكانيات المتوفرة الآن
والمتاحة مستقبلا قبل أن يخلص
إلى أن روسيا لديها القدرة
لتحقيق رغبتها. ليس من
المتوقع أن يقف الرئيس الروسي
أمام العدسات ليعلن روسيا دولة
قطبية، لكن مجمل السياسات تقود
إلى الاستنتاج حول ما ترمي إليه
روسيا. مجمل الخطوات العسكرية
والأمنية والاقتصادية النفطية
التي تم اتخاذها حتى الآن مثل
قتال جورجيا وتسيير دوريات
القاذفات الاستراتيجية وغلق
أنابيب الغاز تشير إلى أن روسيا
قد قررت فرض احترامها واحترام
مصالحها، ولم تقرر السير في
منافسة أمريكا حتى نهاية الطريق. ثانيا:
الرؤية تتضمن
القطبية فكرة جمع الدول حول هذا
القطب الذي من المفترض أنه
قائد، والقيادة تتضمن رؤية حول
الأهداف أو فلسفة الحياة
والعلاقات بين الأمم. فإذا كانت
روسيا ترغب في أن تكون قطبا فإنه
من المتوقع أن تقدم رؤيتها
للدول والأمم حول العالم الذي
تريد أن تقيمه، أو حول العلاقات
التي يجب أن تسود بين الدول، أو
التطلعات المستقبلية التي تريد
أن تنجزها من أجل عالم أفضل. هي
لا تستطيع أن تقول بأنها تريد
التعطيل على الرؤية الأمريكية
فقط، وإنما عليها أن تقدم
البديل، وأن تبين للجميع لماذا
هي تعترض على الرؤية الأمريكية،
ولماذا تشكل رؤيتها أفضلية.
القيادة ليست أمرا عبثيا، وليست
مجرد معارضة، وإنما عبارة عن
عنوان قادر على استقطاب الناس
والدول ليشكلوا معا جبهة واحدة،
أو حزبا أو جماعة. بإمكان
روسيا إن شاءت أن تكون قطبا وأن
تدافع مثلا عن فكرة العالمية في
مواجهة العولمة، من حيث أن
العالمية تقوم على فكرة
المشاركة والتعاون بين الدول،
وعلى تميز الثقافات وتكاملها،
بينما العولمة الأمريكية تقوم
على مبدأ الغزو الثقافي
والفكري، وأمركة العالم؛ أو من
الممكن أن تتبنى روسيا فكرة
العدالة للشعوب المضطهدة
والمقهورة، وأن تتبنى برنامجا
نحو النهوض الاقتصادي والثقافي
والاجتماعي في دول العالم
النامي؛ أو من الممكن أن تتبنى
برامج خاصة مثل المحافظة على
الكرة الأرضية والبيئة،
والاندفاع نحو إزالة التمييز
بكافة أشكاله من أجل أن يعيش
الناس بأمن ووئام؛ ومن الممكن
أن تتبنى نظاما اقتصاديا وماليا
مختلفا عن ذلك الذي فرضته
الرأسمالية الليبرالية الحديثة
من أجل تحقيق استقرار عالمي،
وبحيث يعتمد النظام على عدم
الاستغلال وينآى عن شرور وجشع
الرأسماليين الكبار؛ الخ. هذا
وقد طرح رئيس الوزراء الروسي
بوتين فكرة بتاريخ 11/حزيران،يونيو/2009
حول نزع الأسلحة النووية تماما،
وقال بأن روسيا على استعداد أن
تنزع أسلحتها النووية فيما إذا
أبدى الآخرون الذين يعلنون بشكل
رسمي أو غير رسمي عن امتلاكهم
للسلاح استعدادهم للقيام بذات
الشيء. وقال "بأننا اخترعنا
الأسلحة النووية ولن نستعملها،"
ونأمل من الذين اخترعوها
ولسعملوها أن يتخلوا عنها. الإشارة
واضحة إلى الولايات المتحدة،
وربما إلى البرنامجين النووين
الكوري والإيراني على اعتبار أن
نزع السلاح النووي يحل مشكلة كل
البرامج النووية في العالم
ويقضي على وجودها. لكن المهم أن
روسيا تقدم بهذا الطرح رؤية
محدودة يمكن أن تحقق حولها
التفافا من حيث أن خطر السلاح
النووي يتهدد الجميع وليس دولة
بعينها. روسيا لم تقدم شيئا
واضحا في هذا المجال بعد على
الرغم من أن دولا عدة تتطلع
إليها لمساعدتها في مواجهة
التهديد الأمريكي المتمثل بفرض
الحصار أو الاحتلال أو التهديد
بالقوة العسكرية. ثالثا:
الإمكانيات المالية
والاقتصادية تتطلب
القطبية قوة في المال والعسكر،
وإذا كانت الدولة قاصرة في هذين
الأمرين فإنه يصعب عليها أن
تتبوأ المركز الأول. القيادة
مكلفة جدا، وهي تتطلب تحمل
أعباء كثيرة منها القدرة على
النهوض بالأحلاف أو الأفلاك
اقتصاديا وتحسين أوضاع الناس
المعيشية، وأيضا القدرة على
الدفاع عنها، أو تقديم ما يكفي
من المعدات العسكرية
والمستلزمات التدريبية
والتنظيمية لتكون قادرة على
الدفاع عن نفسها. الدولة القطب
تحتاج إلى برنامج لتقديم
المساعدات، وإلى قدرة على
التحرك السريع عند حدوث الكوارث
الطبيعية من أجل الدعم
والمساندة، وأن تكون لديها
التقنية الحديثة المنافسة،
والخبرة والمعرفة العلمية
الكفيلة باستمرار النهوض
العلمي والتقني. روسيا
تعاني من نقص في هذه المسائل.
صحيح أن دخلها قد تحسن بسبب
ارتفاع أسعار النفط، لكن
اقتصادها ما زال قاصرا عن تغذية
نفقات دولة عظمى قطبية.
الاقتصاد المستند إلى تصدير
سلعة واحدة يبقى اقتصادا ضعيفا
وعرضة للانهيار بسبب تقلبات
خارجية، وبسبب إمكانية النفاذ.
الاقتصاد القوي هو الاقتصاد
المتنوع المستند إلى عوامل
إنتاجية متنوعة، وإلى تقنية
عالية، وإلى قدرات على الاختراع
والابتكار. روسيا بحاجة لتطوير
قدراتها العلمية والتقنية، ومن
الضروري أن توظف أموالا طائلة
نحو هذه الحاجة. روسيا
أيضا أمام اختبار داخلي من حيث
المستوى المعيشي. ما زال الروسي
يعيش حياة استهلاكية دون الحياة
الاستهلاكية التي يعيشها
الأمريكي أو الأوروبي الغربي،
والاقتصاد الروسي تحت ضغط
متطلبات استهلاكية لم يعد
بالإمكان تجاهلها. وربما إذا
شاءت روسيا التسريع في بنائها
الاقتصادي، فإن أمامها أن
تستعين بالشركات الغربية بسبب
تفوقها التقني. رابعا:
التماسك الاجتماعي والسمو
الأخلاقي الدولة
القوية هي الدولة المتماسكة
اجتماعيا والراقية أخلاقيا من
حيث العمل الجماعي والتعاون
المتبادل بين مختلف قطاعات
الشعب. دولة تعاني من التحيزات
القومية، والتفرد بالحكم، وضعف
المشاركة الشعبية، ومن الفساد
وتفضيل المصالح الخاصة على حساب
المصالح العامة لا تستطيع أن
تكون دولة قوية أو قطبية، ولا
تستطيع أن تقول بأنها تحاول
صناعة مستقبل مشرق لأبنائها. روسيا
خارجة الآن من محنة اجتماعية
وإدارية أعقبت انهيار الاتحاد
السوفييتي وتعمقت بفعل عوامل
داخلية وخارجية. إنها بالتأكيد
بحاجة إلى جهود ضخمة لترسيخ
التماسك الاجتماعي ووحدة
الاتحاد الروسي، ولعلو القيم
الجماعية على القيم الفردية
الاستغلالية. الدولة قوية بقوة
أبنائها وبرغبتهم في العمل معا،
ورفع مستويات الإنتاج. في
النهاية أرى بأن روسيا تحت
الظروف الحالية لا تستطيع أن
تشكل قطبا على الساحة الدولية،
لكنها تستطيع أن تمارس دور
الدولة العظمى ذات الكلمة
المحترمة على الساحة الدولية.
هناك مواقع تستطيع روسيا أن
تكون فيها قطبا مثل الأمم
المتحدة، لكن هناك مواقع أخرى
لا تستطيع مثل باكستان أو
العراق. لا توجد نفقات وتبعات
كثيرة في الأمم المتحدة، لكن
دعم المقاومة العراقية يتطلب
الشيء الكثير من زاوية الدعم
الأمني والعسكري والسياسي
والمالي. روسيا
قادرة على الذود عن نفسها،
وقادرة على وقف الغرب عند حده
فيما يتعلق بمصالحها وأمنها
ووحدة الأراضي الروسية، لكنها
لا تستطيع التهديد بوقف عدوان
على إيران أو فنزويلا لأنها
ربما غير راغبة أولا، ولأنها
ليست مستعدة تجهيزيا للدخول في
هذا الأمر الآن. لكنها على أية
حال تملك المقومات، وإذا وفرت
الجهود والأموال المناسبة،
فإنها تستطيع أن تكون قطبا، أو
على الأقل لاعبا أكثر فاعلية
على الساحة الدولية. ـــ المصادر 1.
Associated Press. www.msnbc.msn.com/id/26203430/ 2.
Atwell, Kyle. “Is atlanticreview.org/archives/1160-Is-Russia-a-Superpower-Cold-War-II.html 3.
Black, Joseph. books.google.com/books?isbn=0847698661... 4.
Brookes, Peter. “ www.nypost.com/seven/03192009/postopinion/opedcolumnists/ russias_reset__a_military_buildup_160210.htm 5.
CNN, “ edition.cnn.com/2009/WORLD/europe/03/17/russia.rearmament/index.html/ 6.
Deuschce Welle Staff. European Leaders
Split on Russian Security Plan, Feb 7, 2009. www.dw-world.de/dw/article/0,,4009723,00.html 7.
Dru, Phillip, “Connecting the Dots: www.nwotruth.com/connecting-the-dots-usa-behind-georgia-russian-war/ 8.
Editor, Stratfor (Center for Strategic
Studies), “Russian Oligarchs Part 1: Putin’s Endgame
against his Rivals,” Stratfor, May 26, 2009. www.stratfor.com/analysis/20090522_russian_ oligarchs_part_1_putins_endgame_against_his_rivals 9.
Engdahl, F. William, “ htwww.engdahl.oilgeopolitics.net/Geopolitics___ Eurasia/Medvedev/medvedev.html 10.
Eshel, David, “Russian Mediterranean
Buildup Challenges NATO,” Defense Update,
International Online Defense Magazine. defense-update.com/analysis/analysis_091207_navy.m 11.
Friedman, George. “ 12.
Guardian. “ www.guardian.co.uk/uk/2007/feb/08/russia.world 13.
Frost, Pat. “US-Russia Great Gaming in
Kyrgzstan,” Great Power Politics, Feb. 4, 2009. greatpowerpolitics.com/?tag=medvedev 14.
Hooper, Simon. “ 15-
Hurst, Staven. Obama, Medvedev Meet in http://www.huffingtonpost.com/2009/07/06/ obama-medvedev-meet-in-ru_n_226024.html 16-IrishTimes.
May 22, 2009. www.irishtimes.com/newspaper/breaking/2009/0522/breaking9.htm 17-Isachenkov,
Vladimir. “ 18-Jensen,
Donald, “the Big Seven: Russian Financial Empires,”
Radio Free Europe. www.worldbank.org/html/prddr/trans/feb98/bigseven.htm 19-Krastev,
Ivan. “ www.opendemocracy.net/article/ russia-and-the-georgia-war-the-great-power-trap
20-Kortunov,
Sergei. “Should 21-Lee,
Jaen, “Security Council Condemns Nuclear test,”
TheStar.com, May 25, 2009. 22-Manwarren,
LeighAnne.
“Energy-Rich Russia Moves to Become World Power
Again,” The Daily, Dec. 3, 2008. oudaily.com/news/2008/dec/03/energy-rich- russia-moves-become-world-power-again/ 23-Medvedev,
Dmitry, “Building Russian-US Bonds, Washington Post, P
17, March 31, 2009. 24-Milov,
Andrew. “How Sustainable is www.carnegieendowment.org/events/index.cfm?fa=eventDetail&id=860 25-Pan,
Philip, “Counting on Reset With US,” Wahington Post
Foreign Service, March 21, 2009, p. A10. 26-Reuters,
Aug. 17. 2007. righttruth.typepad.com/right_truth/2007/08/russian-oil-mon.html 27-Rodriguez,
Alex. “ archives.chicagotribune.com/2008/aug/31/ nation/chi-russiaresurgence_rodriguezsep01 28-Russian
Missile Index. www.softwar.net/rfed.html 29-Safire,
William, “Siloviki Versus Oligarchy”, the New York
Times, Nov. 5, 2005. www.nytimes.com/2003/11/05/opinion/siloviki-versus-oligarchy.html 30-Saivetz,
Carol. “ www.alternet.org/audits/75413/ 31-Steel,
Ronald. “A Superpower is Born,” Aug. 24, 2008. www.nytimes.com/2008/08/24/opinion/24steel.html 32-Trabanco,
Jose Miguel Alonso, “Russia Reasserts Itself as a
Great Power”,. Global Research, January 20, 2009. www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid 33-Times
of India, “Medvedev Threatens to Hit Back if Sanctions
Imposed,” 1 Sep, 2008. timesofindia.indiatimes.com/World/Europe/ Medvedev_threatens_to_hit_back_if_sanctions_imposed/ articleshow/3429283.cms 34-Vea,
Matthew, “The Return of Russia as a Superpower,”
World Affairs Politics and Military, Sep. 13, 2007 www.omninerd.com/articles/The_Return_of_Russia_as_a_Superpower 35-World
Tribune. “Russia Threatens to Sell Arms to www.worldtribune.com/worldtribune/WTARC/2008/eu_russia0447_08_20.asp
- 36-Worth,
Robert. “ www.nytimes.com/2008/12/18/world/middleeast/18lebanon.html -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |