ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 25/06/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ثلاثية الأزمة العراقية:

الاتفاقية الأمنية، الانتخابات المحلية، المصالحة السياسية

أ. د. هيثم غالب الناهي

المقدمة:

بعد أنْ دخل الاحتلال الأمريكيّ للعراق عامه السابع منهياً به عامًا احتلاليًّا خلف العديد من الأزمات البيئية والاقتصادية والصحية والتربوية والاجتماعية، وانتهى به الأمر كذلك إلى إشعال أزمة ماليّة عالميّة عتيدة كان العراق بما لا يقبل الشك طرفًا فاعلاً في تلك الأزمة إن لم يكن الأساس الكبير، وجدنا من الضرورة دراسة الوضع من خلال مراجعةٍ حقيقةٍ لموضع الحدث الذي وصل إليه العراق. فلو طرحنا جنبًا مادة الإفلاس السياسيّ والإخلال في مفارق الدولة ومؤسساتها ووضعنا موضع النقاش الأمور الحيويّة النابضة في الوقت الحاليّ لوجدنا لا بد من مناقشة وتقييم الواقع ضمن أطارٍ ثلاثيةٍ تتكون من: الاتفاقية الأمنية: إستراتيجيتها وأهدافها المنظورة والغائبة ومدى تأثيراها على مستقبل العراق وضروريات الانسحاب الأمريكي لإنهاء الاحتلال وما يتعلق به من مرافق مؤثرة في الأمن والواقع العراقي الهش كدولة مازلت لم تكتسب شرعية الاستقلال الحقيقي.

من خلال منطلق الاتفاقية الأمنية سوف نتطرق في ثلاثيتنا هذه إلى الانتخابات المحلية والتي سميت بانتخابات مجالس المحافظات، إذ سوف نناقش ونغدق في التحليل حول ماهية الانتخابات ومدى أدراك المواطن لقوانينها وآلياتها وضرورات تغييرها؛ ومدى تأثيرها على مستقبل ما يسمى بالانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في كانون الأول/ديسمبر 2009 ومدى فرص النجاح في خوضها لمن يؤمن باستقلاليتها؛ ناهيك عن الولوج في صلب موضوع المفوضية العليا واستقلاليتها وفق النتائج والوقائع التي صاحبت الانتخابات الأخيرة وخاصة ما يتعلق بنتائجها واعتراضات الأحزاب والأفراد على أدائها. إذ من خلال ذلك نتمكن من وضع اللبنة الأساسية لمدى مصداقية ما يسمى ببناء الدولة العراقية الفيدرالية الديمقراطية بغطاء أمريكي.

هذه الأولويات الخاصة بالانتخابات والاتفاقية الأمنية سوف تفتح أمامنا أبوابٍ جديدة لمناقشة وضع ما يسمى بالمصالحة السياسية (الوطنية) وإفرازاتها التي باتت تتضح من خلالها المواقف الشخصية والحزبية والدولية والإقليمية. وصولاً لبناء مخطط واضح المعالم حول مستقبل العراق الذي نراه ضمن هذه الأطروحة بعيد المنال في التحرر والاستقلالية وحل المشاكل العالقة سواء كانت طائفية أم عرقية ضمن هذه التقسيمات التي شابها غموض ومستقبل غامض ضمن المشروع العراقي المطروح وغير الواضح المعالم.

1. الاتفاقية الأمنية

تعتبر الاتفاقية الأمنية التي تم عقدها مؤخراً ما بين حكومة الأحتلال الرابعة والولايات المتحدة الأمريكية مفصلاً حيّاً لدراسةِ الواقع والمستقبل غير الواضح للعراق. ومهما قد تم البناء على أطروحة التصويت عليها خلال أو قبل نهاية تموز/ يونيو من هذا العام تبقى هي الأساس في بناء الصورة الحية المرتقبة لإعادةِ ترتيب العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والأحزاب المتحالفةِ معها منذُ أحتلال العراق. ووفق هذا الأمر لا بد من دراسة الموضوع في أطرهِ الثلاثة المعروفة وهن مرحلة التصويت عليها وما شاقها من خرقٍ للقوانين والدستور الذي يحكمون به؛ ومرحلة بنود الأتفاقية النافذةِ ومدى خصوصيتها في بناء مستقبل العراق الأقتصادي والسياسي ومرحلة تطبيق الاتفاقيةِ وما سيجيء من نتائج إذا لم يصوت عليها شعبياً.

 

المرحلة الأولى:

بدأت المرحلةُ الأولى عندما وقع كل من جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق ونوري المالكي بصفته رئيس الوزراء المعترف بهِ أمريكيا مذكرة التفاهم للأتفاقية الأمنية يوم 27 نوفمبر 2007م بعد أن تم إبرامِها يوم 28 أغسطس/آب 2007م إلا إنها لم تعلن لأسبابٍ لم تحدد ولم تُذكر إلا في نوفمبر. وفي هذا السياق نرى أنْ مذكرة التفاهم التي تمخض عنها صدور الأتفاقية الأمنية كانت تتألف من نقاط مهمةٍ ومصيريةٍ للعراق بما فيه الدستورية والسياسية والقانونية والأقتصادية والثقافية والعلمية؛ وقد أفرد بنداً خاصا للنفط وبقاء القوات والأعتراف بالدول لتي ليس للعراقِ أية علاقاتٍ معها بعد. وعلى الرغم من إنْ الأتفاقية الأمنية كانت مختصرة وذات آلية واضحة المعالم إلا أنها أكدت في مضامينها على شيئين أساسيين يبدو هما سبب التأخير. أول هذين السببين هو سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدفاعِ عن النظام الحاكم ومؤسساتهِ التي أُنجزت خلال فترة الأحتلال الماضية بحكوماتها الأربع. أما الشرط الثاني فهو تحسين صورة نظام الحكم وجعلهِ نظاماً وطنيًّا من خلالِ الغاء البند السابع وتطبيقاتهِ في القرارات الأممية الخاصةِ بالعراق. ويبدو إنْ الأصرار على البند السابع وإلغائهِ ليس ذو أهميةٍ صارمةٍ لدى الطرف العراقي بقدر ما تعويلهم عليهِ ليكون أداةً إقناعية للشعب ومبرر أساسي لتوقيع الأتفاقية التي تم عقدها مع الولايات الأمتحدة الأمريكية مؤخراً والتي صورت بأنها أتفاقيةٌ طويلة الأمد.

هذه المذكرة التي لم يطلعُ عليها أحد وقد نُشرت في الصحفِ والمجلات بصورةٍ محدودةٍ جداً، إذ لم تشأ أيَّ صحيفةٍ عراقية الأقبال على نشرها (باستثناء صحيفة الصباح الناطقةِ بإسمها) ونشر تفاصيلها بل الكل أكتفى بالتنويهِ إليها والترويجِ إلى إلغاء الفصل السابع من القرارات الدولية التي تتعلق بالعراق وبمساعي أمريكية. إلا أنْ الكثيرُ من الصحفِ الأمريكيةِ وخاصةً المناهضةِ للحرب على العراق والداعيةِ الى أنسحاب القوات الأمريكية حللت ونشرت الاخفاقات والسلبيات التي ربما قد تسببها هذه المذكرة إذا ما وقعت وأعتبرت أساسا لأتفاقيةٍ أمنيةٍ طويلة الأمد. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد انتبهت لذلك فلذا عكفت على دعوة كل من الحزب الأسلامي العراقي وحزب المجلس الأسلامي الأعلى وحزب الدعوة والحزب الديمقراطي الكردستاني والأتحاد الديمقراطي الكردستاني ورئيس القائمة العراقية ورئيس حزب المؤتمر ورئيس جبهة الحوار ورئيس جبهة التوافق ورئيس البرلمان العراقي ورئيس الوزراء ومجلس الرئاسة للتوقيع على المذكرة والالتزامِ بإبرامها مع الولايات المتحدة الأمريكية في حال تنفيذها بعد الالتزام بالتصويت.

هذه الأمور حدثت ولم يرى العراق أيَّ موقفٍ ضد هذه المذكرة إلا من قبل التجمع العراقي للتحرير والبناء الذي أصدر بيانًا بعد يوم من توقيع المذكرةِ حدد فيهِ الملامح السلبيةِ التي قد تؤدي الى أنهيار العراق كدولةٍ وأعقبهُ بأسبوعين بيانًا لهيئة علماء المسلمين بهذا الصددِ نفسهُ. أما القوى المناهضةِ للاحتلال الأخرى فلم يصدر منها أي تعقيبٍ على تلك المذكرةِ؛ لا بل لم نرة أيّ موقفٍ للدول المجاورةِ العربيةِ منها أو الأقليميةِ، ناهيكَ عن موقف الجامعةِ العربيةِ الذي كان سلبيّاً جداً. على أية حال أقرار المذكرة من قبل الأحزاب المنضويةِ تحت البرلمان الذي يشترك فيه جلَّ مَنْ هم في الدولة العراقية المنصبةِ أمريكيّاً مكنهم من تحديد الوفد المفاوض لإبرام الأتفاقيةِ طويلة الأمدِ والذين جلهم قد تم أختيارهم أمريكيًّا.

هذهِ القوة التي كانت تتمتع بها أمريكّا للضغط على الفئة الحاكمة لإبرام ما تراه مناسبًا لها كان له الأرضية التي أنضجتهُ، إذ لم تكن الأنتخابات الأمريكيةُ على الأبواب ولم يكن هناك هدوء نسبي في الشارع العراقي ولم تكن هناك أزمة أقتصادية تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع عن قرارها، ناهيك عن تأزم الأزمة المفتعلة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على خلافِ الملف النووي الإيراني المختلق. وبالتالي فالبنود والألتزامِ بالبنود ولجنة المباحثات وحيثيات المباحثات ومسودات الأتفاقية كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنفذ بنودها قبل لقاء اللجان دون أعتراض أحد. فلذا سارت الخطة الأمريكية وفق ما أردَ لها جورج بوش المنخلع وبالأداء الذي يريده وتعالت أصواته بأن الأتفاقية الأمنية سيتم توقيعها في غضون نهاية يوليو/ تموز 2008 لكون هذا التاريخ هو تاريخ الذروة للأنتخابات الأمريكية وضرورة كسب حزبهِ جولةٍ أنتخابية أخرى لأكمال المخطط المرسوم للعراق.

نصل مما تقدم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخطط لأبرام الأتفاقية الأمنية لتتمكن من أخراج الدول المشاركةِ معها في أحتلال العراق وبقاء قواتها فقط ضمن آلية متفق عليها تمكنها من البقاء في العراق المدة التي تراها مناسبة دون المساس بالقانون الدولي الأنساني أو الأتفاقيات الدولية الأخرى. خصوصاً وإنها ضمنت عدم وقوف أيًّا من الأحزاب في البرلمان ضد التصويتِ على الأتفاقية وبقاء القوات الأمريكية في العراق. ناهيكَ إنْ الأتفاقيةِ في بنودها الثمان التي كانت في المذكرة الموقعةِ سلفًا كانت تريد تثبيت قوانيين بريمر التي سنها أبان أحتلال العراق والتي بمقتضاها يتمكن الأمريكيون من أستعباد العراق بتروليّاً وأقتصاديًّا وسياسيًّا مقابل أعطائهم الأمان لحكم العراق وبقائهم في السلطة مدةً أطول.

 

المرحلة الثانية:

بعد تعيين اللجان المفاوضةِ لإبرام الأتفاقية الأمنية طويلة الأمد تم عقد أول أجتماعٍ لها برئاسةِ هوشيار زيبار في بغداد في السابع عشر من يناير/كانون الثاني 2008م وقد دام الأجتماع أقل من نصف ساعةٍ فقط. إذ قامَ الوفدُ الأمريكي بتسليم نسخةٍ من مسودة الأتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية وطلب منهم التعليق عليها لاحقاً. ويبدو من القرأة الأولى لهذهِ المسودة إن العراق ضيعةٌ من ضياع الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ جاء فيها أن من يحكم العراق لا يحق لهُ أتخاذ أي أمرٍ أو موقفٍ أو قرارٍ إلا بالرجوعِ إالى ممثل الولايات المتحدة الأمريكية ويقصد بهذا السفير الأمريكي. هذه الحالة في الواقع أربكت المطبخ السياسي العراق وبات الجميع يحاول التنصل عن ما جاء في مسودة الأتفاقيةِ الناتجةِ عن مذكرة التفاهم ولو أعلاميًّا. ويبدو إن زيباري كان الأذكى لكونهِ لم يطلع أحداً على ما جاء في المسودة الأولى من السياسيين العراقيين والمسؤولين في الحكم بما فيهم نوري المالكي وجلال الطلباني وأكتفى بالتنويه عنها إيجابيًّا هنا وهناك. ولولا التسريبات الصحفيةِ الأمريكية هنا وهناك لما تمكنا من معرفةِ بعضِ بنودها والتي تخللها ما يلي:

أ‌.  السيادة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية على الفضاء والأرض.

ب‌.        إنشاء قواعد عسكرية ثابتة تحدد مدتها وتواجدها الولايات المتحدة الأمريكية.

ت‌.        تعيين مستشارين أمركيين في الوزارات العراقية يشرفون على تنفيذ القرارات الصادرة من السفارة الأمريكية للوزاراتِ العراقية  وفق بنود الأتفاقية.

ث‌.        تتحمل الدولة العراقية مصاريف ومستلزمات ورواتب القوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي العراقية.

ج‌. لا يحاسب الجندي الأمريكي على أرتكاب أية جريمةٍ على الأراضي العراقي حتى ولو كانت مخلةً بالشرف.ِ

ح‌. تكون الموارد النفطية ضمن قانون يسنه العراق بيد لجنة عراقية أمريكية مشتركة مرتبطة مباشرة في دائرة الرئيس الأمريكي

خ‌. يحق للقوات الأمريكي الأنطلاق من الأراضي العراقية لضرب أي عدوٍ لها.

د‌. وضع الأسس الأقتصادية والتربوية والقانونية والثقافية التي تعمق العلاقة ما بين الشعبين العراقي والأمريكي.

أعلاه جملةً بسيطةٍ من الأمور التي فوجـء بها المتفاوضون والذي هم من أختارتهم الولايات المتحدة الأمريكية للتفاوض معهم؛ وعلى الرغم من إنَ ما جاء في المسودة الأولى كان مقبولاً لزيباري ومعيتهِ؛ إلا أنه أباح للأمريكيين أنه إذا ما أُبرمت هكذا أتفاقية فلا الأمريكان ولا نحن سنكون على أرض العراق. ونصح هوشيار زيباري الولايات المتحدة الأمريكية على إيجاد صيغةٍ معينةٍ يمكن من خلالها الحفاظ على ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، ويضمن بقائهم في السلطة. كما أستطاع زيباري بصورةٍ أو أخرى حجب المسودة الأولى للأتفاقية خصوصًا وإن الساسة والبرلمانيون في حينها نيام ولم ينبر أو يتحدث أحد ببنت شفةٍ مطلقًا. ناهيكَ أنهُ في حينها كان الكل لا يعلم ببنود أتفاقية التفاهم وما سوف تحل بهم من مصيبةٍ أو كارثةٍ إذا ما تم توقيعها.

لقد أستمر الوفد العراقي المفاوض برئاسة زيباري وسبعةِ أعضاءٍ أخرين من وزارة الخارجية العراقية لحكومة الأحتلال الرابعة بالتفاوض مع الأمريكان على بنود الأتفاقية، وظهرت المسودةُ الثانية والتي أحتفظ ببنودها زيباي دون إطلاقها لأنها كانت تحملُ إذعانٌ كبير تجاه ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية في العراق. ولا ننسى إنْ الظروف التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتحاور فيها مع العراق كانت في أوج عظمتها وقوتها في المنطقةِ ودوليًّا؛ ولكن في منتصف آذار/مارس من عام 2008م ألغت الولايات المتحدة الأمريكية لقائها بإيران كان مزمع عقده في بغداد والذي سبقه ثلاث أجتماعاتٍ معلنةٍ وسبعةِ أجتماعاتٍ غير معلنة مما سهاَ بروز اللعبةِ وانفضاحِ سرها.

لم يكن هناك من يعرف سبب الإلغاء لإجتماع إيران - الأمريكان بواسطة عبدالعزيز الحكيم، والذي كانت تريد إيران فيه مناقشة قضايا المنطقةِ كتلةً واحدةً غير منفصلة عن بعضها البعض (العراق- أفغانستان – لبنان – غزة – السودان – الملف النووي الإيراني). على أية حال بعد أن ألغت الولايات المتحدة الأمريكية الأجتماع مع إيران المزمع عقدهُ في منتصف آذار/مارس، وعلى الرغم من مساعي نوري المالكي وموفق الربيعي وعلي الأديب وعبدالعزيز الحكيم التي لم تثمر شيئاً، أنقلب مسار المباحثات رأسًا على عقب وباتت تصريحات زيباري التي تهنيء الشعب العراقي حسب قوله بألغاء البند السابع وأخذت مساراً جديداً وفق المستلزمات الأقليمية التي طرأت. والتي بما لا يقبل الشك قد أثرت على مسار المفاوضات التي كانت على وشك تعديل المسودة الثالثة وإبرازها للتصويت في البرلمان بعد موافقة حكومة الأحتلال الرابعةِ عليها.

بعد أنهيار اللقاء الأمريكي الإيراني تم تسريب أول نسخةٍ من المسودات وهي المسودة الثالثة والتي تم نشرها في الصحف ومواقع ألكترونية أمريكية وعربية. كما تمكنت تعتب الموقع الألكتروني للتجمع العراق للتحرير والبناء من أستحصال نسخةً من المسودة الثالثة وتم نشرها بتفاصيلها وتأشيرات المفاوضين العراقيين والأمريكيين عليها. هذه المسودة كانت تبدو ليست أقل سوءاً من المسودة الأولى والثانية بل كانت خلاصةٌ توضيحية لربط العراق بالولايات المتحدة الأمريكية إلى وقت لا يحمد عقباه ولا يعرف له قرار. ولكن سوء العلاقة الأمريكية الأيرانية كادت أن تبيحَ بما كان يدور في فلك حكومة الأحتلال والسفارة الأمريكية في بغداد نتيجة أجراء المفاوضاتِ بعيداً عن إيران وعدم أستشارتها في ذلك مما أدى إلى قيام إيران بعمليةٍ أُريد منها أقساد المفاوضات إذا لم يكن لها دورٌ فاعل في ذلك.

مع منتصف شهر نيسان/أبريل عام 2008م شهدت الساحة العراقية أولاً من الأحزاب الدينية المرتبطةِ بإيران بإستثناء حزب الفضيلة الرافض للأتفاقية أصلاً لغطاً ونفوراً من الاتفاقية وضرورة عدم إبرامها لأنها تربط مستقبل العراق في الولايات المتحدة الأمريكية. كما تعالى في الجانب الأخر صوت جورج بوش بأنه لا بد أن يوقعها في وقتها وفي الوقت الذي حدد وضمن البنود التي تم الأتفاق عليها مسبقاً؛ إلا إنْ تصريحه كان نهيقاً ولم يجلب شيئاً وأستمر الأعتراض على الأتفاقية ودخل البرلمان وحكومة المالكي ورئاسة الأحتلال طرفاً وبات كلاً منهم يصرح بما يهوى، مما أضطر الوفد الأمريكي المفاوض أن ينقل جلسات التفاوض إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من بغداد. ولكن حتى هذا الموقف لم يغير من المعادلةِ لكون الأصوات المناديةِ لعدم توقيعها جاءت من إيران صارمة صامدة مما سبب إشكالاً سياسيّاً عراقيّاً.

الإشكال السياسي هذا والضغط الإيراني المتتالي على المالكي من خلال أطرافٌ أُخرى مؤثرة على المالكي جعلتهُ في أوج التوقيع على الأتفاقيةِ في السابع والعشرين من يوليو/تموز 2008م يصدر قراراً بإعفاء اللجنة المفاوضة وتشكيل لجنةٍ جديدةٍ تقوم بعقد الأتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأنه (أي المالكي) سيقوم بمتابعةِ نتائج المفاوضات شخصياً. هذا الموقف يبدو جعلَ الولايات المتحدة الأمريكية تراجع نفسها وتعرف حجم إيران وتأثيرها في العراق ووجوب أتخاذ موقف أخر مع شعورها بضرورة توقيع الأتفاقية الأمنية مهما كلف الأمر وهو أمرٌ كثيراً ما صرح به البيت الأبيض الأمريكي والخارجية والدفاع الأمريكيتين.

يبدو أنْ التوقيت الإيراني لإفشال المفاوضات الأمريكية مع حكومة الأحتلال الرابعةِ كان توقيتًا ذكيًّا جدًا لأنه جاء مع الأحداث الآتية:

1. بدأ الترويج للأنتخابات الأمريكية والتثبت من شعبية أوباما الديمقراطية التي كانت تبدو كاسحةً ليس للمنافسة الديمقراطية فحسب، بل للناخب الجمهوري أيضاً وفق ما تناقلتهُ الصحف والاستطلاعات الأمريكية في حينهِ.

2. تباطئ الدعم الأوربي للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان ورفض الأوربيين لإرسال قوات تعزيزية لافغانستان.

3. تزايد حدة الهجماتِ على الولايات المتحدة الامريكية وقوات الأطلسي في أفغانستان وتصاعد حدة الخسائر وزيادة إلتحاق الأفغان بطلبان.

4. ضعف الدولة البكستانية أقتصاديا وعسكريا والتي كانت تعتمد عليها الولايات المتحدة الأمريكية في إيصال الأمدادات الى قواتها مما سهل أستهداف القوافلِ وعدم وصول المؤن للقوات الأمريكية.

5. تزايد الاستقالات لدى أدارة بوش في الأونة الأخيرة وخصوصًا ممن أسندهُ بضرورةِ أحتلال العراق عام 2003م.

6. عدم أستجابة الكونكرس الأمريكي لمتطلبات تسديد فواتير الحرب على العراق وافغانستان مما أضعف أدارتهِ.

7. أزدياد نفوذ روسيا في المنطقة والأمم المتحدة والتي تعتبر داعمة أساسية لملف إيران النووي ومساهمة فعالة في بناء المفاعل النووية.

8. الغاء القواعد الأمريكية في قاغازستان من طرف الدولة المضيفةِ.

9. عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية قبول جورجيا واوكرونيا في حلف شما الأطلسي بعد التهديد الروسي.

10.       انهيار النظام العقاري المالي الأمريكي وتبعهُ نفس الأنهيار في أوربا وكندا وأستراليا.

11.       بوادر أزمة أقتصادية كبيرة نتيجة أرتفاع أسعار البترول وزيادة أسعار المنتوجات الغذائية واشتداد أزمة البطالةِ

12.       ظهور كثيف لبوادر أزمةٍ ماليةٍ عالمية تجعل من الولايات المتحدة الأمريكية أضعف مما كانت عليهِ.

هذهِ النقاط وهناك نقاط أخرى أقل أهمية مما ذُكر أعلاه كانت سبباً رئيسيّاً لإقدامِ إيران على شعل فتيل رفض الأتفاقية الأمنية ما بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية إذا لم يكن لها دور كبير في ذلك. وكما قلنا أنها نجحت في زج الأحزاب لمناوراتِ رفضٍ وموافقةٍ فيما بينها خلال هذهِ الفترة التي كانت انتخابية حاسمة بالنسبةِ إلى الحزب الجمهوري الذي كان جورج بوش منه. وهي مداولات رفض وموافقة وشجب دون أن يعلم أياً منهم ماهية الاتفاقية وبنودها المراد أقرارها. وقد شهدت شاشات التلفاز والصحف تعليقات لبرلمانيين ورؤساء أحزاب ومحللين حول الأتفاقية دون علمهم بمادة واحدة مما كان يطرح مكتفين بما تتناقلهُ الصحف بين حينٍ وأخر.

لقد أشتدت الأزمة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على إبرام الأتفاقية ما بين يوليو ولغاية توقيعها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008م، وبدأ الكل يلعب على المكشوف وباتت صيحات البرلمان وأعضائهِ تتزايد هنا وهناك لرفض الأتفاقيةِ، إلا إنْ شيئًا ما بدأ يحدث على وتيرةِ التهديد الأمريكي لنوري المالكي بفقدان منصبه ووتيرةِ الأتفاق مع إيران على إبرامها. ففي الحين الذي كانت فيهِ إيران تضغط على حلفائِها في العراق على عدم توقيعها كانت في أروقة جنيف وباريس تُعقد الصفقات لإبرام الأتفاقية الأمنية الطويلة الأمد بالنسخة المعدلة الأحيرة وهي السابعة والتي قال عنها جورج بوش سوف لا نعدل فيها شيئاً وعلى العراقيين قبولها.

لهجة التهديد الأمريكية كانت واضحة المعالم في الأعلام والتي كانت تقول إنْ العراق سوف لن يخرج من البند السابع وإنْ الولايات المتحدة الأمريكية سوف تكون غير مسؤولة عن الأموال العراقية التي تتراكم نتيجة تصدير البترول في بنك التنمية الذي يشرف عليهِ جورج بوش شخصياً لحماية الاموال العراقية في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن حين تم الأتفاق ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وتوصلا لتفاهم على العراق بعيداً عن العراقيين واستجابة الولايات المتحدة الأمريكية إلى بعض المطالب والتي أهمها تبديل الأتفاقية من أتفاقية طويلة الأمد إلى اتفاقية ترتيب أنسحاب القوات الأمريكية لحفظ ماء الوجه. فبعد الأتفاق استنفرت إيران والولايات المتحدة الأمريكية وجودهما وحلفائهما في البرلمان للتصويت على الأتفاقيةِ أو إبرامها بالتوافق السياسي بين رؤساء الكتل السياسية. وبالفعل غاب الطنين وغاب الرفض وغابت الكلمات الرنانة وحضر البرلمانيون لأول مرةٍ بكامل قواهم للتصويت على الأتفاقية الأمنية ومنع أي فرصةٍ لعدم إقرارها. وبالفعل تم ذلك بأمتناع فقط الكتلة الصدرية والفضيلة وثلاث أعضاء من قوائم متفرقة عن التصويت أو بالرفضِ لهذه الأتفاقية المشينة.

كان المالكي ونوابه مترددين في التوقيع على الأتفاقية لأن الأشارة لم تأتيهِ بعد؛ فعلى أبواب ذلك كانت في 12 أكتوبر 2008 دائرة تلفزيونية ما بين المالكي ومستشاريه وكوندليسا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية ومستشاريها من واشنطن وعلى حين غفلة وبعد مناورات كلامية ساخنة ما بين كوندي ومالكي دخل جورج بوش وطلب إخراج الجميع في بغداد وإبقاء المالكي ومترجمهُ وسأله "هل تريد أنت توقيع الأتفاقية؟" حاول مالكي التملص إلا أنْ بوش ردد ذلك مرتين فأجاب المالكي بامتعاض "نعم" ثم دار إلى مترجمهِ وأخبرهُ بضرورةِ إيصال ذلك إلى السفير الإيراني في بغداد. يقال إنْ السفير الإيراني حين سمع ذلك تبسم وقال نعرف وعليهِ (أي المالكي) أنْ يسعى لإبرام الأتفاقية في وقت قصير لا يتجاون الثلاثين يوما ولكن بعد إعلان النتائج الأمريكية للأنتخابات.

بعد لقاء مالكي - بوش زارت وفود ديمقراطية وجمهورية العراق قبل الأنتخابات الأمريكية وكان من بين الزائرين أوباما شخصيّاً وبايدن، وفي الزيارة الأخيرة للوفد الجمهوري الكونكرسي للعراق قد أبلغ الجمهوريون حكومة الأحتلال بأنهم سوف لا يفوزون بالانتخابات وعليهم توقيع الأتفاقية. كما أبلغ بايدن المالكي بأن يستحصل ما يريد  من البيت الأبيض الأمريكي قبل إقلاع بوش لانهم إذا ما أستلموا الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية سوف لا يكون موقفهم كموقف جورج بوش. كل هذهِ الدلائل والزيارات بالاضافة الى لقاء بوش المالكي في الدائرة التلفزيونية عزز قناعة إيران والمالكي بضرورة توقيع الأتفاقية والأنتباه إلى الشارع العراقي لنيل مقاعد الأنتخابات المحليةِ. السؤال المطروح هنا أين أصبحَ النواب ذوي الخطب الرنانةِ في اإثناء التصويت على الأتفاقية؟ وماذا مرر ضمن الأتفاقية؟ وهل هناك أختراقات دستورية ضمن ما أقروه هم في ذلك. كل الإجابات على هذه الأسئلةِ وغيرها من الأحداث التي منتجت يمكن إجمالِها بما يلي:

1. مهما كانت إنتماءات النواب وقوائمُهم فهم بالنهايةِ طوع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران كلاً حسب ولائهِ.

2. كانت الولايات المتحدة الأمريكية متحالفة مع إيران لأحتلال العراق وانفض التحالف في فترةٍ ما إلا إنْ الأتفاقية وما نتج عنها من مأساة للولايات المتحدة الأمريكية أجبرتها لإعادة التحالف الإيراني الأمريكي بخصوص العراق على أقل تقدير.

3. لم يكن البرلمان العراقي ضمن الآلية الدستورية كما وضعها النواب والأحزاب المشتركة فيه، وذلك لكون نصوص الدستور تقر بضرورة قراْة أي قانون أو معاهدة ثلاث مرات في المجلس وتفصل بين قرأةٍ وأخرى مدة أسبوع ومن ثم يتم التصويت السري على ألاتفاقية، إلا أنْ الذي حدث هو إن الأتفاقية لم تقرأ إلا مرة واحدة وتم التصويت عليها علنًا.

4. هناك أتفاقية أخرى تسمى أتفاقية التعاون المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق تعنى بالأمور الأقتصادية والثقافية والسياسية والدبلوماسية والتربوية وهي أخطر من سابقتها ،إلا أنه لم يتم طرحها في البرلمان بل أُستغفل البرلمانيون في التصويتِ عليها مع الأتفاقية الأمنية المزعومةِ.

5. يبدو أن هناك قلة من البرلمانيين الذين يفقهون بنود الدستور وتشريعاتهِ وتطبيقاتهِ نتيجة الأداء الذي تم به إقرار الأتفاقية وهو أداء ينم عن إنهم لم يطلعو على أساسيات بنود الدستور.

ولكن بعد توقيع الأتفاقية أو بالأحرى الأتفاقيتين ما الذي حدث وكيف تمت تطبيقاتها وهل هناك تطبيق وفق بنودها؟ وهل تم وضع الترتيبات الى رفع العراق من البند السابع؟ هذه كلها اسئلة مازلت مطروحة منذ توقيع الأتفاقية قبل أكثر من أربعة أشهر.

 

المرحلة الثالثة:

على الرغم من كلِّ ما صاحب الأتفاقية من لغطٍ سياسي واعترض هنا وهناك إلا أنها وقعت وفق ما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية ووفق ما تم بينها وبين إيران، وأصبحت حيز التنفيذ بدءًا من الأول من كانون الثاني/يناير 2009. وعليهِ وقبل الخوض في تفاصيلِ تطبيقها من عدمها لا بد أن نستعرض ما جاء فيها من مواد واتفاقاتٍ ضمنية وما جاء في الأتفاقية التعاونية طويلة الأمد التي لم يرها نائب ولا مسؤول سوى الوفد المفاوض والمقربين من التحالف الأمريكي- الإيراني؛ أو على أقل تقدير لم يكترث لها الكثير من المسؤولين على الرغم من إنها أخطر على العراق من الأتفاقية الأمنية أو كما سميت مؤخرًا باتفاقية ترتيب إنسحاب القوات الأمريكية من العراق.

المترصد والواعي لما يحدث يمكن أنْ يحدد خطورة الاتفاقية من خلال قرأة بنودها وتحليلها تحليلاً قانونياً أولا وسياسيا ثانياً. فمن الناحية القانونية لتصديقها ووفق ما بيناه أعلاه كانَ هناك انتهاكٌ دستوري مما يحدد فرص إقرارها وفق القانون العراقي والدولي على حد سواء. ولعل أهم هذهِ الأختراقات هي التصويت على الاتفاقية بعد أقرارها وتنفيذها وهو مخالفة قانونية كبيرة لكل الطرق والسبل المتبعة في أقرار المعاهدات الدولية. فمن المعروف أنْ أيَّ معاهدةٍ أو أتفاقيةٍ لا يمكن تنفيِها إلا بعد أتباع خطواتٍ عديدةٍ تبدأ بالمباحثاتِ ثم إبرام الأتفاقيةِ أو المعاهدةِ (كلاهما يختلف في المعنى القانوني) ويتم تصديقها وما بعد التصديق يتم التنفيذ. وإذا كان أحد الطرفين يود التصويت الشعبي على تلك فعليهِ أجراءه قبل التصديق والتنفيذ لتكتسب شرعيتِها. إلا أن الحال في العراق لم يكن كذلك حيث أقرت وأُبرمت ثم صدقت ونفذت وتركت مسألة التصويت عليها لستة أشهرٍ أخرى. وهذهِِ مسؤولية قانونية تقع على عاتق حكومة الأحتلال والولايات المتحدة ألأمريكية إذا ما تم تنفيذها بالصورة الخاطئة وكانت نتيجتها ضحايا بشرية.

لعل هناك لغطٌ للتميزِ بين المعاهدةِ والأتفاقية ولقد شاهدنا الكثير ممن يعنون بهذه المسألة يطلقون عليها تارةً بالمعاهدةِ وأخرى بالأتفاقيةِ وللاسف حتى المفاوضين العراقيين مع الولايات المتحدة الأمريكية كان بعضهم يخلط بين المفهومين. ويبدو إنْ البيت الأبيض الأمريكي قد فرق مسبقًا ما بين المفهومين لأن مَن كان يصرح سوى من الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض الأمريكي كانوا يصححون عندما يقال عنها معاهدة. على أية حال المعاهدة تتم بين دولتين مستقلتين وتكون ملزمة للدولةِ حتى حين يتغير نظام الحكم في إحدى الدولتين؛ وإذا أردت أحدهما تعطيل المعاهدةِ فلها شروطها القانونية الدولية في ذلك وتتحمل الدولة التي لم تتبع السبل القانونية تبعيت ما يحدث في حال ألغائها من طرفٍ واحدٍ. اما الأتفاقية فهي اتفاقٌ ما بين حكومتين لفترةٍ معينةٍ قابلة لأضافةِ بنودٍ وتعديلٍ موادٍ ضمن مرحلةِ التنفيذ. ولهذا حين اراد جورج بش أن تكون أتفاقية وليست معاهدة لأن ضمن العرف الدستوري في الولايات المتحدة الأمريكية لا بد ان يتم التصويت عليها ضمن الكونكرس الأمريكي كما حدث في معاهدة سلت واحد الخاصة بالحد من الاسلحة النووية والبالستية بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكي. أما الاتفاقية فتوقيعها كان كافيا بين بوش والمالكي فلذا الخطأ القانوني في هذا المنشأ إن بوش ومساعديه وإدارته عن قصدٍ وفهمٍ وقعوا اتفاقيةٍ في حين إن حكومة الأحتلال الرابعة وأحزابها أبرمتها كمعاهدةٍ دون فهمٍ أو قصدٍ. وهذا في العرف الدولي سواء صوت البرلمان العراقي عليها أم لم يصوت مسألة لا قيمة لها ويجوز لمن يخلف حكومة الأحتلال الرابعة تعطيلها وإلغائها بإشعارٍ ضمن المدة المحددة في الأتفاقية الأمنية أو الأتفاقية التعاونية الأمريكية العراقية.

لقد جاءت الأتفاقية الأمنية مبوبةٌ ومقسمةٌ إلى ثلاثة أقسام أحتوت بمجملها رسالة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والتي بدأ فيها بتحية نوري المالكي ومواقفه المشرفة كما أسماها لدعم العلاقات الأمريكية العراقية. كما استعرضت واقع القوات وواقع العراق بوجود القوات وضرورة عقد الأتفاقية منتهيا بقولهِ إذا لم توقع حكومة المالكي (ليس البرلمان) هذهِ الأتفاقية فأن وعدنا " بقيام أمريكيا بأفضل ما لديها" بتشجع مجلس الأمن الدولي لإصدارِ قرار يؤكد رفع العراق من البند السابع والذي صدرت على ضوئهِ جميع القرارات الأممية السابقةِ منذُ أحتلال الكويت عام 1990 ولحين كتابةِ هذا البحث، تكون في حلٍ منه. وعلى الرغم من إنْ العراق وفق الدلالات القانونيةِ والأحداث الجارية قد تم بصورة جوهريةٍ وضمنية رفعه من البند السابع، إلا أنه يبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تدفع بهذا الجانب لأسباب عديدةٍ منها الأصرار على توقيع الأتفاقية الأمنية. فضمن القانون الدولي عندما يطبق الفصل السابع على أي دولةِ يجب أنْ يكونَ هناك نزاع بين دولتين وتنتهي صفتهُ بمجردِ إنتهاء النزاع. وبيانا على ذلك فأن العراق بمجرد أحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أصبح خارج نطاق البند السابع وتطبق عليهِ معاهداتِ واتفاقيات جنيف لعام 1948 والمعاهدة عام 1957 والمعدلة عام 1967 والمتضمنة بنود حماية شعب وأموال الدول المحتلة من قبل المحتل. كما إن مجلس الأمن الدولي أقر أحتلال العراق بقرار أممي رقم 1545 الصادر في حزيران عام 2003م ثم عاد وأصدر قرارا أعتبر فيهِ العراق خاليًّا من أسلحة التدمير الشامل عام 2004م. وبالتالي يكون العراق ضمن هذه القرارات التي أعتمدت وجود أسلحة تدمير شامل في العراق تدعو إلى إبقائهِ تحت طائلة الفصل السابع. ولكن القرار الأممي الصادر من مجلس الأمن في عام 2007م قد أجهض كل هذه الطروحات عندما حل منظمات التفتيش الدولية عن أسلحة التدمير الشامل في العراق وبالتالي يكون أي إلتزام بتطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا ضرورة له. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية أصرت على ضرورة إبقائهِ سيفاً مسلطاً على رقبة العراق كبلد ليتمكن من يحكم بأمرهم من تمرير الأتفاقات التي تدور بينهم.

من هنا نرى إنْ رسالة جورج بوش إلى رئيس وزراء حكومة الأحتلال الرابعة قد أوعدت برفع العراق عن الفصل السابع وهو حقٌ غير موجود استعمله لغةً تهديدية إلى الشعب العراقي بالتعاون مع هؤلاء. ليبيح لنفسهِ طرح القسم الثاني من الوثيقة المقدمة للتصديقِ خلال عشرة أيام بدءاً من تاريخ أستلامها (11/11/2008) ومن ثم أرسالها إلى البرلمان إنْ أراد مجلس الوزراء.

فالقسم الثاني كان يحتوي الأتفاقية طويلة المدى ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق ولا علاقة لها بسقفٍ زمنيٍّ مثلما ورد في اتفاقية سحب القوات التي سنأتي عليها لاحقًا. هذه الأتفاقية التعاونية تنظم فيها الولايات المتحدة الأمريكية حال العراق من ناحية الحماية للسياسة والدستور والعراق الديمقراطي كما جاء في المادة الأولى من بين 17 مادة من هذهِ الأتفاقية ثم تعكف على تنظيم التجارةِ والنفط والدبلوماسية والقانون والثقافة والتربية والتعليم والصحة ومفاصل الدولة الأخرى، وهي مفاصل وقوانين تم ترتيبها دون نسيان أو بطلان أي فقرةٍ مما جاءت بهِ قوانيين بريمر الـ 101 والتي غيرت واقع وصورة العراق الذي عرفناه منذ عصور التاريخ. فالزراعة مرهونةٌ بقانون حماية إنتاج الحبوب والنفط مرهون بقانون التعاقد مع الشركات والتربية مرهونة بما يتوافق والواقع العالمي المتغير كما سموه والعدل مرهون بالقوانين التي تراها الولايات المتحدة الأمريكية. وعليهِ فهذا القسم المهم والذي بإعتقادنا أهم من أتفاقية ترتيب إنسحاب القوات الأمريكية لم يعرض على البرلمان بل أكتفوا بإجراء التوقيع ما بين هوشيار زيباري والسفير الأمريكي كروكر في بغداد قبل التصويت على الأتفاقية الأمنية بيومين وصوت البرلمانيون على هذهِ الأتفاقية دون أن يطلعوا عليها، لأن الإعلام والمناقشات السياسية سواء كانت من طرف أعضاء الكتل السياسية وشخصياتها المؤمنة بالعملية السياسية أو بالشخصياتِ والكتل السياسية التي لا تؤمن بالعملية السياسية لم تعطِ الأهتمام الكافي لمناقشة هذهِ الأتفاقية ولم تسلط الضوء عليها إلا البعض اليسير ممن يتابع. وقد ساعد هوجاء بعض المعنيين بالشأن العراقي ممن هم معارضين أو منخرطين على هذهِ الحالة بصورةٍ تبدو عفوية ولكن الأعتبارات التي أتبعناها فيما بعد وجدنا إنها مرسومة ومحبوكة لتصب في هذا المنحى. وعليهِ تمكن جورج بوش والمالكي من إبرام هذهِ الأتفاقية التي جاءت في القسم الثاني من من الوثيقةِ بعد رسالتهِ الموجهة إلى نوري المالكي مباشرةً.

أما القسم الثالث من الوثيقة التي صادقة عليها حكومة الاحتلال الرابعة ومن ثم البرلمان واعتبرت نافذةً في 1/1/2009 فقد كانت تخص الأتفاقية الأمنية والتي سميت فيما بعد بأتفاقية سحب القوات الأمريكية من العراق. لقد جاءت هذهِ الأتفاقية بمقدمةٍ وثلاثين مادةِ كانت المادة الثلاثون تخص التصديق والتنفيذ وسريان العمل ومدتها وتمديدها والغائها وفق السلوك المتبع في عقد الأتفاقيات، ولكن تعتبر المادة التاسعة والعشرون من أخطر المواد التي وردت في الأتفاقية ليس لأنها تحدد عمل وآليات الأتفاق بقدر ما تبيح للطرفين أصدار وتنفيذ وتغيير وأضافة وتعليق وأتفاق دون الرجوع للنظم الدستورية والقانونية لتعديل الأتفاقيات؛ إذ تقول المادة29" ترتيبات التنفيذ: كلما دعت الحاجة لذلك يقوم الطرفان بوضع آليات مناسبة لتنفيذ مواد هذا الاتفاق بما فيها المواد التي لم تتضمن آليات محددة للتنفيذ "وتوضح هذهِ المادة السلطة في تغيير بنود أليةِ أية مادةٍ في الأتفاقية وهو أمرٌ لا يجوز إذا ما راجعنا جلَّ الأتفاقيات الموقعة بين الحكومات دوليًّا وأقليميًّا. وعلى الرغم من خصوصية المادة الثامنةِ والعشرين المتعلقة بالمنطقة الخضراء وحمايتها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أمنيًّا دون تحديد مديات الحفاظ على الأمن؛ جاءت المادة السابعة والعشرين بفقرتيها موضحةً العلاقة الرئيسية ما بين حكومة الأحتلال الرابعة والولايات المتحدة الأمريكية ووجوب الحفاظ على بقائهم بالصورة التي أودعتها الولايات المتحدة الأمريكية. فقد نصت تلك المادة على" المادة 27: ردع المخاطر الأمنية من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في العراق والمساهمة في إرساء السلام والاستقرار الدوليين، يسعى الطرفان بفعالية من أجل تعزيز القدرات السياسية والعسكرية لجمهورية العراق وتمكين العراق من ردع المخاطر التي تهدد سيادته واستقلاله السياسي ووحدة أراضيه ونظامه الديمقراطي الاتحادي الدستوري. ويتفقان في هذا الصدد على:... ". وهذهِ تعني قبل الولوج بنص الفقرتين التابعتين لهذه المادة أنْ تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية على بقاء نظام وهيكيلية الحكم ضمن الصورة الطائفية والمحاصصية والفيدرالية التي جاء بها بريمر وهو أمر يجعل العراق مفتتاً غير مستقل مستقبلاً. ولعل نص الفقرة 1من المادةِ هذه (المادة 27) يجعل ما أضفانهُ أعلاه مؤكداً بحق إذ تنص على" عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه ، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة ، وبناء على طلب من حكومة العراق، يقوم الطرفان،  بالشروع فوراً في مداولات استراتيجية، ووفقاً لما قد يتفقان عليه فيما بينهما، تتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة التي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي إجراءٍ آخر، لردع مثل هذا التهديد "أي إنْ أي حالة تغيير شعبية مدعومة أو غير مدعومة من قبل دول العالم الحر أو الدول العربية تعتبر عدوانًا وتستأصلهُ الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الحفاظ على المؤسسات التي أسستها الولايات المتحدة الأمريكية وفق أسس لا تستند إلى الدستور والقانون الدوليين كمؤسسة الأمن القومي وغيرها من المؤسسات التي تسير ضمن الوجود الأمريكي. أي حين تنتهي ولاية الأتفاقية تبقى هذه المؤسسات سارية العمل وغير قابلة للتفتيت والالغاء. أما الفقرة الثانية والتي تنص على" يوافق الطرفان على الاستمرار في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية الديمقراطية في العراق، بما في ذلك، وفق ما قد يتفقان عليه ، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الأمن العراقية من أجل مكافحة الإرهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون، بناء على طلب من الحكومة العراقية" فقد جاءت بصورة فضفاضة هدفها ملاحقة كل مَنْ يخالف نظام الحكم المستقبلي والحالي تحت طائلة الأرهاب الدولي والمحلي والخارج عن القانون وهي مسألةٌ بيد حكومة الأحتلال وهي الوحيدة القادرة على أتهام من تريد بالأرهاب من عدمه. أي أن الواقع الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكة يتضمن بقاء من تريد ومحاربة ومعاقبة كل من يسعى لتغيير واقع العراق المحتل ضمن طائلة الأرهاب أو الخارجة عن القانون الذي لا وجود له في العراق دون أن يحدد مَنْ هم الخارجون عن القانون والذين بما لا يقبل الشك سيكون معظم أفراد حكومة الأحتلال منهم إذا ما أريد تحديد معناه والذي يدخلُ من ضمنه الفساد المالي والأداري والسياسي والأقتصادي والمليشاوي.

في حين جاءت المادة السادسة والعشرون بفقرتيها أ و ب لا علاقة لها بالأتفاقية وفق النظم والأساليب المتبعة في إبرام الأتفاقية لكونهما يتعلقان بالواقع الدولي ومؤسساتهِ الدولية وقوانينها ومعاهداتها. ففي الفقرة أ تدعو الأتفاقية إلى"دعم العراق لإعفائه من الديون الدولية الناتجة عن سياسات نظام الحكم السابق" وهي فقرةٌ عليها لغط كبير ضمن الوضع الدولي وقونينه المتبعةِ نتيجة للأسباب التالية:

أ‌.  إنْ القرارات الأممية الصادرة بحق العراق منذ عام 1990 والتي أستندت إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة أي ما بين المادة39 ولغاية المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يخص حالة الأعتداء بين دولتين مستقلتين وهو ما أعتبرتهُ الولايات المتحدة الأمريكية ذريعةًٌ دون الإستناد إلى مواد البند السابع 44 ولغاية 47 والتي تلزم الأمم المتحدة والدول المطالبة بالتعويض عدم تأدية ذلك إلى كارثة إنسانيةٍ ووجوب تنفيذهُ بقرارٍ عدلي وليس بقرار من مجلس الامن وهو ما لم يحدث قط. وعليهِ فأن الكوارث الإنسانية التي تعرض إليها العراق ضمن فترة الحصار تبطل هذا الحق المفترض.

ب‌.        لكون العراق قد أُلزمَ بصورةٍ غير قانونية بدفع التعويضات لكونهِ مارس أعتداء على دولةٍ مستقلةٍ هي الكويت؛ فعليهِ ضمن هذهِ الآلية تعتبر الولايات المتحدة الأمريكيةِ والدول التي شاركت في أحتلال العراق وتدمير الدولة ووفق نفس الظروف التي أصدر مجلس الأمن قراراته بخق العراق ملزمًا بدفع تعويضاتٍ إلى العراق والتي قدرت لإول سنةٍ للأحتلال بواقع 8000 مليار دولار لإعادةِ بناء الدولة.

ت‌.        القرارات الدولية والمعاهدات الموقعة في جنيف تلزم الدولة المحتلة بحمايةِ أقٌتصاد وموارد الدولة المحتلة باإضافةِ إلى أمنها وسلامة شعبها؛ وهو ما لم يحدث في العراق قط وعليهِ فأن الولايات المتحدة الأمريكية ملزمة بالتعويض عن هذِ الناحيةِ أيضًا.

ث‌.        أسقاط 80% من ديوان العراق وفق ما صُرخَ بهِ على لسان المسؤولين العراقيين والدوليين والأمريكان المحتلين وبالتالي وفق أخر أحصائية العراق بذمتهِ 22مليار من التعويضات لا غيرها وفق الدلائل والتصريخات التي أُعلنت ويمكن للولايات المتحدة الأمريكية أطفائها بسهولةٍ كما فعلت عام 2002م حين تم أطفاء 320 مليار ممنوحة للدول الفقيرة في أفريقيا.

فوفق هذهِ البيانات تكون هذهِ الفقرةُ من المادة السادسة والعشرين لا قيمةَ لها بل تبريراً غير قانوني لتوقيع الأتفاقية ولحماية الولايات المتحدة الأمريكية من إلتزاماتها القانونية أمام العالم نتيجةَ أحتلال العراق. أما الفقرةُ ب من هذهِ المادة فهي تبرير أخرى لا يختلف عن الفقرة أ ويبدو ما خلال الفقرتين من هذه المادة إنَ هناك م يثبت النوايا التبريرية للولايات المتحدة الأمريكية لأحتلال العراق والتي نصت على" اعترافاً بالقلق الذي يبديه العراق للمطالبات القائمة على أفعال ارتكبها نظام الحكم السابق، وتفهما لهذا الأمر يمارس رئيس الولايات المتحدة سلطاته لتوفير الحماية لصندوق تنمية العراق و لممتلكات أخرى معينة يملك العراق نصيبا فيها من العمليات القضائية الأميركية". وهنا لا بد أنْ نذكر إنْ تلك الأموال التي تعول عليها الأتفاقية هي أطروحة واهية لا قيمة لها والهدف منها هو أنْ تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على أموال العراق وتوجيهها الوجهةُ التي تراها مناسبة ويدخلُ من ضمنها ميزانية العراق وكيفية صرفها ومبالغ إعمار العراق الممنوحة. والتي أشعر جورج بوش المالكي بأن أكثر من ثلثيها قد تم صرفهُ على الأمنِ في العراق. وهو ما سبب أشكاليةً في التصديقِ على ميزانيةِ 2009 لحين هذا الوقت. لكون الأموال المودعةِ قد أختفَ معظمها بغياب جورج بوش عن مكتبهِ في البيت الأبيض الأمريكي وصعود أوباما.

المادةُ الخامسةُ والعشرون فهي متابعة للتحليل والتبرير لإخراج العراق من الفصل السابع وفق ما ذكرنا أعلاه ولكن سوف نفصل هذهِ المادة بشيءٍ من التحليلِ والتقييمِ في بحثٍ مستقلي خاص لاحقاً. علاوةً على إننا سنقوم بنفس الوقت بتطبيقِ آلياتِ المادة الرابعةِ والعشرين على أرض الواقع ومديات تنفيذها بالتزامنِ مع المواد الأحرى التي تتعلق بالقوانين والقضاء (المادة 3 ولغاية المادة 23) والتي تنظم الإسناذد والمطالباتِ والتنفيذ والإستيراد والتصديرِ وغيرها من المسلمات الذاتية التي لا بد أنْ توضع في متنِ أيةَ أتفاقيةٍ مهما كان دورها. ولكن لا ننسَ إنْ أهم المواد التي جاءت في الأتفاقية هي ما بين 21 ولغاية 30 وما عداها فهي ترتيبات تتعلق بالتنفيذ باستثناء المادة 12 التي تنص السلطات القضائية وتعاونها وتبادلها القضايا القانونية ما بين السلطة القضائية الأمريكية والسلطة القضائية العراقية.

لقد جاءت المادة الأولى لتبين المجال والغرض والثانيةِ تعريفًا بالمصطلحاتِ والثالثةِ تذكيرًا بالقوانين؛ إلا إنها لم تحلو من غبنٍ للسيادة العراقية حين جاء فيها"... باستثناء أفراد قوات الولايات المتحدة و أفراد العنصر المدني لا يجوز لقوات الولايات الأميركية نقل أي شخص دخولاً الى العراق أو خروجاً منه... "وهنا نترك للقارئ أنْ يستنتج ما الذي تبقى ليدخل للعراق دون أذنٍ مسبق على لآليات النقل الجوي والبحري والأرضي دون أذنٍ من الدولة؟. ولكن الخطورةِ لا تكمن في نصِِّ هذهِ المادة بقدر ما تتضمنهُ المادةُ الرابعةُ والتي تنصُّ على"تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق."

وهو ما يبدو إن هناك مبررًا لقمع أيَّ معترضٍ على سياسة الدولةِ حتى وإنْ كانت مرهبة. فالفيصل في هذا النصِّ إنْ الحكومة العراقية حكومةٌ مبنية على الأسس الطائفية والوزير ومَنْ بمعيتهِ لا يستند إلى قرارات مجلس الوزراء بل يستند إلى ما يقرره الحزبِ له. وعليهِ تصفيّةِ الخصومِ سيكون سهلاً؛ أولاًُ تحت لائحةِ فلول النظام السابقِ والثانية تحت مظلة الخارج عن القانون والثالثة تحت طائلةِ ما يسمى بالأرهاب. وبالتالي فقد فشلت الأتفاقية لوضع آليةٍ يمكن من حلالِها الأستناد إلى تلك المواد دون أسكات أفواه أبناء الشعب العراقي الذين يعترضون على هذهِ السياسات. ولعل الغريب في هذا النص إنْ كل مقررات بريمر قد نفذت فيهِ بحذافيرها باستثناء التعليم 91 الخاص بحل المليشيات؛ حيث إنَ التعليم 91 الخاص بحل المليشيات يلزم وزارة الدفاع والداحلية بحماية الأمن وتجريد المليشات من أسلحتها.

لم تكن المواد 5 و6 و7 و8 مهمة جداً لأنها تتعامل مع التواجد على ألأراضي وحماية البيئة وغيرها وهي شكليات لا بد من ذكرها، إلا إنْ المادة التاسعة تعتبر ذات أهمية لكونها تعطي القوات الأمريكية صلاحية التنقل والأقلاع والهبوط براً وبحراً وجواً من الأراضي العراقية دون تحديد المهمات مما يعتبر خطرًا ليس على العراق وحده بل على المنطقة بأكملِها؛ حصوصًا وهي منطقةٌ متوترةٌ أصلاً. كما إنْ مثل هذهِ المادة تجعل العراق في حلٍ من جميع الأتفاقات والمعاهدات الأقليميةِ والعربية التي تم إبرامها مسبقًا لأنها تعارض بنود هذهِ الأتفاقية جوهرًا ومضمونًا. أما العاشرةِ والحاديةَ عشرةَ فهما أيضًا شكليات على الرغمِ من أنْ المادة الحاديةَ عشرة تتعلق بسلطة الولايات المتحدة الأمريكية بالأتصالات وسيطرتها على موجات الأتصالات العراقية ولربما مراقبة الموجات الصوتية والراداريةِ واللاسلكية لدول لمنطقةِ المحيطةِ.

تعتبر المادة الثانية عشرةَ المتعلقةِ بالسلطة القضائية فقرة مهمةٍ سياديةٍ جدّا لا تحتلف في قوتها ورصانتِها عن قوة المواد من 21 ولغاية 30 والتي تم أستعراضُها وتحليل فقراتها مسبقاً. فقبل الخوض في غمارِ المادة لابد ان نطلعُ على ديباجتها الأصليةِ للأهميةِ في العناوين الموجبةِ لتوقيع الأتفاقيةِ بمجملِها. فهي تنص في ديباجتِها على" المــادة الثـانيـة عشـرة: الـولاية القضائية: اعترافاً بحق العراق السيادي في تحديد وفرض قواعد القانون الجنائي والمدني على أراضيه، وعلى ضوء طلب العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة، كما هو مبيّن في المادة الرابعة (4)، وتماشياً مع واجب أفراد قوات الولايات المتحدة  وأفراد العنصر المدني باحترام القوانين والتقاليد والأعراف والقيم العراقية، فقد اتفق الطرفان على ما يلي: ". في النظرِ إلى نصّ هذهِ المادة يستوقفنا معنى السيادةِ أولاً والذي تعترف الولايات المتحدة الأمريكية والعراق على حد سواء لا وجود له وقد تم إعلان عدم أكتمال السيادة على لسان جورج بوش شخصيًا في الحفلِ الذي أقيم إليهِ وتم رميه بفردتي حذاء من مواطن عراقي (منتظر الزيدي) كان جاضراً اللقاء. ولو سلمنا جدلاً بالسيادة نرى النص الأخر في الفقرة هذهِ والخاصة بـ"... وعلى ضوء طلب العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة..."نرى كل الأسس والتهديدات والأحداث جاءت بتهديد من الولايات المتحدة الأمريكية على إبرامها وليس بطلبٍ من العراق، علاوةً على ذلك إنْ الوثائق الرسميةِ للأتفاقية لم تحتوي على طلب العراق وفق ما هو معمول دولياٌ ووفق هذهِ الصيغة لكونها أتفاقية إما يكون بطلب المالكي كرئيس للوزراء وحكومتهِ أو تغير لتكون معاهدةً ويبقى النص على ضوء طلب العراق. ووصولاٌ إلى القسم الثاني من هذهِ المادة نجد إنها تنص على" للعراق الحق الأوّلي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة المتعمدة وطبقا للفقرة الثامنة (8)، حين ترتكب تلك الجرائم خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها و خارج حالة الواجب.   "هذهِ المغالطة تتناسى إنْ قانون ودستور الولايات المتحدة الأمريكية ينص على عدمِ محاكمة المواطن الأمريكي بأي تهمةٍ كانت حارج أسوار الولايات المتحدة الأمريكية وبقانونٍ غير قانون الولايات المتحدة الأمريكي. علاوةً على إنْ الجندي الأمريكي يحاسب ضمن القانون العسكري الجنائي وليس المدني وهو ما فسر براءة العديد منهم على الرغم من أثبات الأدلةِ بضلوعهم بجرائم إنسانية في العراق. أما الفقرةُ التاليةُ المقتطفةِ من نفس المادةِ والتي تنص على" للولايات المتحدة الحق الأوّلي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن أمور تقع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها، و أثناء حالة الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها، وفي الظروف غير المشمولة بنص الفقرة1 "فهي تناقض ما جاء أعلاه بالولاية الأولية للقضاء العراق ويبدو إنْ مشرعي هذهِ الأتفاقيةِ لم ينتبهوا لهذا الموضوع أو وضعت لتفسر ضمنياً بعمد؛ والهدف منه تضليل المواطن العراقي عند التنفيذِ. ومهما يكن اللغطِ في هذهِ المادة التي نعتبرها مفصلاً أساسياً لكننا لا نريد أن نطيل في تحليلها، نرى إن الفقرة الآتيةِ هي المفصل الأساس لأنها وضعت نقاطها على حروفها ولا يمكن تجاوزها لانها تضمنت الفقرة الثالثة من المادة وهي تلغي بحدها ما جاء من بعدها وقبلها من فقرات. إذ تنص المادة على ضرورةِ تتتطبيق المعايير والاجراءات الموجبة في الدستور الأمريكي،"في الحالات التي تمارس فيها الولايات المتحدة الولاية القضائية عملاً بنص الفقرة رقم(3) من هذه المادة يكون لأفراد قوات الولايات المتحدة  وأفراد العنصر المدني الحق في أن تطبق عليهم معايير الإجراءات القانونية والحمايات المكفولة بموجب الدستور الأمريكي والقوانين الأميركية."

المواد التالية من المادة 13 ولغاية المادة 21هي مواد شكلية مع بعض الإيضاح بعدم سيادية العراق. فهي تتعلق بحمل السلاح ولبس البزات العسكرية؛ والدخول والمغادرة؛ والإستيرد والتصدير؛ والضرائبِ الإجازات والترخيص وما إلى ذلك لا يمكن أعتبارها جوهرية تمس الدولة العراقية على الرغم من مساسِها في بعض جوانبها بالسيادة العراقية والسيطرة الأمريكيةِ على العراق وتسيير مفاصل الدولة.

المرحلة الثالثة:

لا بد لأيَّ أتفاقيةٍ من تنفيذ ها، خصوصاً مثل الأتفاقية الأمنية الطويلةُ الأمد المعقودةِ أمريكيا مع العراق كما جاء في بنودها وما لحِقها من أتفاقيات جانبية بينا إنها أهم وأخطر على مستقبل العراق وسيادته واستقرارهِ وانتمائهِ للعمق العربي الذي هو جزء منه. فوفق نصِّ هذهَ الأتفاقية التي سردنا وحللنا جزءاً كبيراً منها لا بد من دخولها حيز التنفيذ في 1/1/2009 وينتهي وجود القوات المتعددة الجنسيات وغيرها من المظاهر التي لم تختلف إلا بالصيغةِ اللغويةِ دون معناها الواقعي. وحين نبصر الحالة التي مر بها لعراق مباشرةً بعد تنفيذ بنود الأتفاقية الأمنية فأننا نرى ليس هناك أيَّ إشارةٍ توحي بتطبيق بنودها سواء كانت الشكلية أو الصيغيةِ التي تحتاج إلى آلياتٍ لتنفيذها وخاصةً المواد من المادة 21 ولغاية المادة 28. ناهيك من إنْ هناك بعض الأرباكات والأولويات التي لم تنفذ، فعلى سبيل المثال ووفق ما تم الأتفاق عليه لا بد أن يفرغ العراق من تواجد أيَّ جنديًّ غير أمريكي على الأراضي العراقية، فمازالت البصرة يتواجد بها البريطانيون ومازالت الديوانية يتواجد فيها جزءٌ من الأوستونييون وغيرها من المدن في الشمال العراق يتواجد فيها أعداد من المتحالفين مع الولايات المتحدة الأمريكية لأحتلال العراق، إذ يقدر عددهم بحوالي 33 ألف عسكري ولم ينسحبوا بعد من العراق. وبالتالي فأننا نرى إنْ بنداً أساسياً من بنود الأتفاقية الأمنية لم يتم تنفيذهُ بعد. ولو أفترضنا أن التصويت على بقاء القوات الأمريكية في العراق قد جاء سلباً خلال حزيران القادم فما هو مصير تلك القوات ضمن الأتفاقات الدولية والقرارات الأممية المنقادةِ إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ بالتأكيد سوف يسبب إشكالية لا يمكن حلها أو لجوؤ الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأساليب البوشوية التي تبدأ بالتهديد والتزوير وتنتهي بالتهديد والتزوير.

مع بدأ دخول الأتفاقية الأمنية حيز التنفيذ لم نرى بصورةٍ أو أحرى أن القوات الأمريكية قد حددت أنسحابها من المناطق التي سيتم تسليمها للعراق؛ لا بل مازالت قوات بعض الدول المتحالفةِ معها متواجدة في تلك المناطق. ولعل إنسحاب قطعات القوات البريطانية من مدينة البصرة بتاريخ 29مارس/آذار 2009 كان أيضاً خرقاً للأتفاقية الأمنية لأن القوات البريطانية لم تسلم مهام تلك القاعدة والأمن للبصرة بل أستبدلتهم بقوات أمريكية دون ذريعةٍ تذكر. وعليهِ الشروع بالانسحاب من المناطق والمدن العراقية الأمنة لم يتحقق بعد في أي منطقةٍ والذي كان من المفترض أن يطبق مع بدأ التنفيذ للأتفاقية الأمنية كما أسموها. كما إن هناك مواد عديدةٍ تم شرحهخا بالتفصيل مسبقًا تلزم القوات الأمريكية عدم استعمال القوة دون الرجوع إلى حكومة المنطقة الحضراء ولا يتم أعتقال أي عراقي من قبلها وإنْ حدث فعلى القوات الأمريكية تسليمهُ خلال 24 ساعة إلى الأمن العراقي. وهو ما لم يحدث في مفصلين؛ الأول إنْ هناك ما يقارب 23 ألف عراقي معتقل في السجون الأمريكية لم يتم تسليمهم أو إجراء التحقيق معهم وأطلاق سراحهم إذا لم تثبت إدانتهم. أما المفصل الثاني فقد حدث في ديالى وفي تلعفر وفي الموصل وفي بغداد وفي العمارة وفي كركوك وفي الفلوجة وفي الناصرية وفي مدينة الثورة (مدينة الصدر) خلال الفترة الواقعة ما بين 22/1/2009 ولغاية 31/3/2009 (فترة كتابة البحث) عمليات دهم منفردةٍ من قبل الأمريكان وأعتقال دون علم المنطقة الخضراء قط. ناهيك عن القتل اذي أودي بحديثة وسامراء والرطبةِ بحياة أبرياء بلغ أقل عدد لكل حادثة 5 إلى 7 أفراد جلهم من الأطفال، مما يعزز إهمال تطبيق المادة 12 الخاصة بالسلطة القضائية والتي تنص فقرتها الأخيرة على إمكانية التنازل عن التحقيق من سلطةٍ إلى أخرى. ويبدو إنْ السلطة القضائية العراقية وفق المادة 12 قد تنازلت عن حقها قبل التوقيع لأنها لم تشكل منذُ بدأ التنفيذ. والمعروف في الأتفاقيات والمعاهدات الدولية إن اللجان المشتركة واللآليات لا بد من تشكيلها قبل ولوج التنفيذ في أية أتفاقية.

يبدو مما تم ذكرهُ من إخفاقاتِ التنفيذ للأتفاقية أعلاه إن البند الوحيد الذي تم تنفيذهُ هو ملاحقة وقتل ما سمتهم الأتفاقية بفلول النظام السابق والأرهابيين والخارجينَ عن القانون. وهو ما وجدنا تطبيقهُ تحت هذهِ الأوهام في مدينة الفضل والديوانية ومدينة الثورة، إذ كان الهدف مبرراً وهو إزالة الخصوم الحقيقيين الذين يناهضون الأتفاقية وبقاء الأحتلال أو تصادم مصالح أو غيرها من المبررات التي قد ينتج عنها عدم بقائهم في كراسي الحكم. إذاً هناك إجهاضٌ حقيقي يمكن متابعنهُ في هذهِ الأتفاقية ليس ما نراه من الجانب الأمني ولكن الجانب الذي يجعل الولايات المتحدة الأمريكي أن ترفع العراق من البند السابع بأحسن مالديها، فلم نرى أحسن ما لديها قد سطع عليهِ النور. فالولايات المتحدة الأمريكية لم تحرك ساكناً في ضوء ذلك ويبدو إن ذلك أحسن ما لديها وبات العراق رهن مطرقة البند السابع وحجز أموالهِ ومتابعةِ المطالبين للتعويضات بدفعها. من هنا يمكننا أن نستوضح إن الجانب المفاوض العراقي لم يكن مؤهلاً لا دبلوماسياً ولا سياسياً ولا قانونياً؛ فكانت النتيجة إن العراق لم يتمكن من أستحصال أية ثمار شعبية على المستوى السيادي والأقتصادي وأكتفى المفاوضون بوعود الولايات المتحدة الأمريكية بحماية سلطتهم. إذ كان على المفاوض أن يضع شرط التنفيذ بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالوفاء بإلتزاماتها الدولية والتي من أهمها رفع التعويضات وأسقاط الديون ورفع العراق من البند السابع ليتمكن العراقي من إضفاء بعض الصفة الناجحةِ على هكذا أتفاقية.

من كل ما تقدم يمكن ان نستتنتج إن الأتفاقية الأمنية بمراحلها الثلاثةُ المذكورة أنفاً قد حققت نجاحاً للولايات المتحدة الأمريكية وإخفاقًا وضياعًا للعراق وفق ما يلي:

1. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال وقائعِ المواد الخاصة بالأتفاقية الأمنية من أن تربط العراق بموافقتهِ بدعوة القوات الأمريكيةِ للبقاء في العراق ضمن الإطار الدولي القانوني. وذلك لكون ميثاق الأمم المتحدة ينص على إن السلطة دائما تكون في العاصمة ووفق التقويع المذيل في الأتفاقية يصبح العراق بصفة حكومتهِ ملزما بالاتفاقية ونتائجها.

2. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية بالاستناذد إلى ما جاء اعلاه إلى تغيير صيغة الاحتلال إلى صيغة الدعوة العراقية والمطالبة العراقية بالتواجد على الأراضي العراقية وفق مبررات يتم صياغتها مع الحكومة العراقية كما ورد في نص الأتفاقية.

3. تخلصت الولايات المتحدة الأمريكية من إلتزاماتها المادية والقانونية والدولية تجاه العراق بدءاً من الاحتلال وتدمير الدولة العراقية وانتهاءاً بما سوف تستمر من تدمير في البنية العراقية الأجتماعية المستقبلية، لكون الأتفاقية تهيْ الأرضية لذلك وتسقط حالة الأحتلال وتهديم الدولة على يد أمريكا.

4. تمكنت الولايات المتحدة الامريكية وضمن الشرعة الدولية وقوانينها من التخلص من المسائلة المستقبلية بخصوص أحتلال العراق خصوصًا بعد أن تبين أن إحتلال العراق قد تم وفق أكاذيب أسلحة الدمار الشامل والإرهاب.

5. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من مسح القضايا التي ربما توجه ضد الأمركيين الذين أرتكبوا جرائم بحق العراق نتيجة أحتلالهم للعراق وبقائهم دون وجهةٍ قانونية فترةٍ طويلةٍ.

6. رهنت الولايات المتحدة الامريكية وجودها في العراق بالاتفاقية التي هي مرسومة وفق التحسن الأمني في العراق والذي من المتوقع ان لا يتم مطلقا.

7. تخلصت الولايات المتحدة الامريكية من القرارات الأممية التي تثبت ان الولايات المتحدة الأمريكية دولة أحتلال وعليها إلتزامات قانونية أمام العالم تجاه البلد المحتل.

8. تخلصت الولايات المتحدة الأمريكية من التزامها بفك العراق من البند السابع الذي أطلق في قرارات مجلس الأمن منذ عام 1990م.

9. بقيت الولايات المتحدة الأمريكية كدولة حامية للاموال العراقية وهو ما تريده لكي تتمكن من التلاعب بالسيادة العراقية وفق الانتاج النفطي الذي يمكن ايداع دخله في بنك التنمية المحمي من قبل البيت الابيض الامريكي.

10.       تخلص الجنود الامريكيين من جميع الجرائم الانسانية والمخالفة لحقوق الانسان والتي تعرضعهم للمحاكمة الدولية.

11.       تمكنت الولايات المتحدة الامرمكية من خلال هذه الاتفاقية من ابرام الاتفاقية التعاونية الطويلة الامد والتي من خلالها يمكن للولايات المتحدة الامريكية السيطرة الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية والسياسية.

12.       تمكنت الولايات المتحدة الامريكية من اقرار الحفاظ على دستور وقوانين بريمر التي تسمح للولايات المتحدة الامريكية بالسيطرة على العراق من خلال شركاتها بالنسبة للقوانين الاقتصادية والاستثمارية والدعم الامني.

13.       وضِع العراق في حالة يكون فيها لعقود يحتاج الى دعم ورعاية الولايات المتحدة الامريكية لكي يتمكن من بناء دولتهِ ومؤسساتهِ الإدارية والصحيةِ والقضائيةِ والإعلاميةِ والسياسيةِ.

14.       تعطي الأتفاقية للولايات المتحدة الأمريكية فرصة تمديد بقائها بصورٍ أُخرى وفق ما جاء في بنود المواد 28، 29 و30.

15.       وفق اتفاقية التعاون الطويلة الأمد لا يمكن للعراق أنْ يستغني في أي حالٍ من الاحوال عن استثمارات الشركات الأجنبية في العراق دون وضع حواجز والتزامات ضريبية أو تحول ملكية جزءٍ مما مستثمر لممتلكات الدولة وهو قانون غير موجود في أي دولةٍ.

16.       وفق الاتفاقية التعاونية الطويلة الأمد على العراق أن يستعين بالولايات المتحدة الأمريكية بالاستشارة المباشرة في كافة مفاصل الدولة بالولايات المتحدة الامريكية بما فيها المخابراتية والعسكرية والامنية.

 

 

2. الأنتخابات المحلية

لم تكن الأنتخابات المحلية قد أجريت بصورةٍ عفويةٍ أو دون تقديم مقدماتٍ تذكر، فلو عدنا إلى الوراء جانبًا قبل الأنتخابات بحوالي سنةٍ مطلقة نجد إن حكومة المالكي كانت حكومة عرجاء في حكمها أذ استقال ما يقارب خمسة عشر وزيراً وكانت تعقد جلسات مجلس الوزراء بصورة مضحكةٍ جدا إذا ما أمتنع الأكرد من حضورها نتيجة خلافاتٍ حول العقود النفطية. وتزايدت الأتهامات والتهديدات ما بين حكومة الأحتلال الرابعة وجبهة التوافق من جهة وما بين حكومة المالكي والحوار الوطني والقائمة العراقية من جانب أخر حتى بات المالكي لا يعكف على عقد جلساتها. وبان الانقطاع واضحاً ما بين نوري المالكي ومجلس الرئاسة المتمثل بجلال الطلباني الذي ينفذ أجندة ما يسمى إقليم كردستان وطارق الهاشمي الذي يطمع لصلاحيات أكبر مما هو عليهِ وعادل عبدالمهدي الطامح لرئاسة الوزراء. وعليهِ فأسطورة الأنتخابات ولعبتها ونتائِجها يمكن أن نحللها لنستنتج واقعها ضمن الفقرات التالية أدناه.

 

بدايةُ اللعبة

مع هذه التشنجاتِ بين أطراف العملية السياسية المترنحةِ هنا وهناك زارت كوندليسا رايس في ايلول/ سبتمبر 2006 العاصمة الأردنية للقاء بعض زعماء الأحزاب المنضوين في العملية السياسية الهشة ودعا الكونكرس اعضاءاً من الحزب الأسلامي والتوافق والحوار والأكراد لمناقشة القضية العراقية كما قيل. وبين هذهِ وتلك اللقاءات والتحضيرات غادر جورج بوش إلى الأردن في الأسبوع الأخير من أكتوبر والتقى المالكي على انفراد وسلمه خطةُ تتكون من 18 بنداً كان السيد هاورد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض الأمريكي المعين حديثاً قد وضعها. ولعل من أهم بنود هذهِ الخطةِ يمكن إجمالها بما يلي:

أ‌.  يتعهد نوري المالكي بالأهتمام برئاسة الوزراء بعيداً عن حزب الدعوة ويكون رجل أمريكا الأول في العراق.

ب‌.        مقاتلة التيار الصدري وسحب الاسلحة منهم واعتقال قياديهم وتسليمهم للمحاكمةِ

ت‌.        التعاون المطلق مع القوى الكردية والسنية كما اسماها لاستتباب الامن.

ث‌.        الاستجابة الطيعة للقيادة الامريكية العسكرية والمدنية العاملة في العراق.

ج‌. توقيع اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ح‌. الدعوة للمصالحة الوطنية.

 

كانت هذه النقاط التي نعتبرها هي أهم النقاط التي أراد بوش من المالكي تنفيذها والتي تعثر المالكي في البدء في تنفيذها متعذرا بما يحاط به من مؤامرات والتي كان يروج لها تحت مظلة هناك انقلابٌ عسكري للاطاحة به. وعلى الرغم من إن مسألة الأنقلاب العسكري أضحوكة لانها لا يمكن أن تكون ما دام هناك 142 الف عسكري أمريكي، ولكن كما يبدو ان المالكي كان يحذر كل الحذر من الاطاحةِ بالتيار الصدري. وعلى ضوء هذا استمر تردد المالكي شهرين وأطلت علينا ابواب سنة 2007م والولايات المتحدة الامريكية لم تتمكن من أن تحقق اية نقطة وفق ما اتفق مع المالكي، وتزاحمت الزيارات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين للعراق وصار حراك سياسي كبير. كما زادت حدة الاتهام ما بين الحوار والتوافق والاكراد والعراقية من جانب والمالكي من جانب اخر حتى بات المحلل السياسي للواقع العراق لا يفقه ما النتيجة إذا استثنينا ارتباط الكل بالولايات المتحدة الامريكية. ومع بداية ربيع عام 2007م سافرت كوندليسا رايس الى بغداد والتقت المالكي وعقبَ طيرانها من العراق الى الولايات المتحدة الامريكية، بالطبع بعد مرورها باسرائيل، سافر اعضاء التوافق والحوار والحزب الاسلامي والقائمة العراقية المتواجدين خارج العراق والتقوا المالكي ونعتوه بالوطني والقادر على وحدة العراق وأقروا عودة الوزراء إلى أعمالهم وتعيين وزراء بدلا من وزراء التيار الصدري. وغادر بصورة سرية مقتدى الصدر الى إيران تحت ذريعة التفرغ للدراسة والتحصيل العلمي، والتأم مجلس وزراء المالكي لأولِ مرةٍ باستثناء وزارة العدل التي أنيطت إلى وزير المجلس الوطني بالأنابة لأن الوزير استقال لأسباب تختلف عن أسباب العائدين.

يبدو من ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية أمرت أتباعها بالعودة والأنضباط والوقوف مع المالكي لأتمام المخطط الذي صعب تنفيذه في المرحلة السابقة التي تلت لقاء بوش. وبالتالي حين رأى المالكي إن وزارتهِ قد ألتئمت وفق ما كان يريد وأطلق عليها بالحكومة (الوطنية) بدأت خيوط الخطة الأمريكية المقترحة في عمان تأخذ مجراها والتي كان أولها استهداف التيار الصدري في معاقلهِ. فلذا قامت القوات الأمريكية بتطويق مدينة الثورة ووضع الحواجز الكونكريتية وغيرها من الحواجز وضرب المواقع بصورة بشعة جداً. ويبدو ان قيادات التيار في البرلمان لم يكن لها دور سوى الدور المعتاد بالشجب والصياح ولربما كان بعضهم ضمن هذا التوجه إلا انه لم يصرح. على اية حال، حالة الأعتقال والتهميش لم تقف عند مدينة الثورة بل اجتازت مدن الجنوب وكان تحت لافتاتها تصفية المناهضين للاحتلال والعملية السياسية فلذا أُطلق على الجميع خارجون عن القانون.

 

تنفيذ اللعبة

لم تكن لعبة الانتخابات المحلية قد وجدت أعتباطاً، خصوصا إذا ما عرفنا أنها أُجلت ثلاث مرات، أي انها لم تجرى إلا بعد فوات موعدِها بسنة ونيفٍ من الأشهرِ لأتمام الترتيبات الخاصةِ بها. وعليهِ فأن أبعاد مقتدى الصدر إلى إيران (ولربما تم بتوافق إيراني أمريكي) وأستهداف المالكي للتيار الصدري وبمعيتهم مَنْ يريد الخلاص منه ونشاط مليشيات القتل الجماعي واستمرار الجثث المفقودة والذين جلهم من المناهضين للأحتلال عزز موقع المالكي بتعاون الأحزاب التي معهُ. هذه النتائج التنفيذية مكنت الولايات المتحدة الأمريكية من الألتفات الى وسط العراق وأجراء مفاوضات مع عشائر الوسط والغربية التي كانت جلها تشكل ثقلا مقاوما من خلال التغلغل إليهم عن طريق بناء علاقةٍ مع العشائر والشخصيات التي يعرف عنها بقطاعي الطرق في تلك المناطق. مما مهد إليهم التعرف على المنطقة والوصول إلى مكامن المقاومة ومساومتهم ضمن مشروع الخلاص من القاعدة. ومن خلال هذا الجهد الذي أقرتهُ الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت مع آب 2007 من ان تنشأ بوادر ما يسمى اليوم بالصحوة ولو على نطاق ضيق مما مهد للولايات المتحدة الأمريكية الخروج من النقطة الأولى في الخطة الجديدة إلى النقطة التالية المهمة والتي هي توقيع مذكرة التفاهم التي كانت اساسا لإبرام ما يسمى اليوم بالاتفاقية الامنية طويلة الأمد.

ولعزل المالكي عن الإئتلاف والتفرد بالسلطة لتأدية الواجب الأمريكي أنبرى إبراهيم الجعفري ليؤسس حزبا جديدا بعيدا عن حزب الدعوة؛ مما مهد للعديد ممن لا يغرب بهم المالكي باللحاق بالجعفري وترك المالكي وصفوته التي تأتمر وفق الخطة الجديدة وبالتأكيد كانت عملية إبراهيم الجعفري بأمرٍ أمريكي إيراني. ووفق هذا المنظور الأمني والسياسي الذي نحن بصدده لا نرى انه يمكن أن يتم دون أن تكون إيران لاعباً أساسياً في إبرامه خصوصاً ما تعرض إليهِ التيار الصدري والأنقسام في حزب الدعوة وفضح المعلومات الخاصة بتنقل المقاومة وأماكنها مما مهد لولادة الصحوات. فبدا الوضع في العراق يسير ضمن الخطة العسكرية السياسية التي أرادت الولايات المتحدة الامريكية لها ان تسير لتتمكن من أعلان مذكرة التفاهم ما بين بوش والمالكي في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2007م ، لتبدأ رحلة سياسية جديدة في المنطقة يقودها المالكي بتوجيه أمريكي وتعاون إيراني مسبق. هذه الخطة هي التي مهدت إلى إعلان تقرير بيكر هاملتون وأولوياته التي إذا ما طبقت وفق الخطة المرسومة سوف تؤدي إلى ضاع العراق. على أية حال ما حدث من إلتأم وأسقاط النفوذ السياسي لبعض الكتل عزز موقف المالكي وراح يبحث عن النقطة التالية المسماة بالمصالحة الوطنية لتظهره الولايات المتحدة الأمريكية بصفة الوطني الشجاع وهي تعلم جيداً أنه عارياً عن هذه الصفة. وراح مجلس الوزراء يطلق صيحاته هنا وهناك في عقد مؤتمرات المصالحة بأنواعها المدنية والسياسية والعشائرية والعسكرية دون خطة عمل أو أجندة مستقبلية؛ وتمكن المالكي من خلالها أن يروج لصورته الأنتخابية بصورةٍ أو أخرى. وبالفعل تمكن من أن يجمع وفق المنظور الخاص بالمصالحة بعض الأحزاب حوله في الداخل للدخول بقائمةٍ واحدةٍ تمثل أساساً للمصالحة الوطنية. ويبدو المالكي قد تمكن من ذلك مع بداية نيسان عام 2008م حين كان موقفه معاديا تماما لما جاء في بنود الأتفاقية المزمع توقيعها مع الحكومتين في حينه على الرغم من ان الاتفاقية لم تكن بنودها خارج إطار ما وافق عليه المالكي وجورج بوش. وفي هذا الصدد يمكن أن نقول مع تزايد عقد المؤتمرات الرنانة غير المجدية للمصالحة وأزمة البرلمان التي كان المالكي بعيداً عنها وانتصار الصحوات التي أسستها الولايات المتحدة الأمريكية في وسط وغرب العراق والتي تمكنت من سحق القاعدة المزعومة وحدوث هدوء نسبي في تلك المناطق، زادت ثقة البعض من هؤلاء بالمالكي ووفرت عليهِ إنشاء تكتل يليق بالخطة الأمريكية المتبعة. وما أن تمكن المالكي من جمع نتائج هذهِ الأمور التي أردت الولايات المتحدة الأمريكية إنجاحها بشتى الوسائل لتتيح للأتفاقية الأمنية فرصة عقدها وتزايد حدة التناحر ما بين المجلس الأعلى والصحوات ووقوف المالكي سراً بجانب الصحوات؛ حتى راح يعلن لا بد للقانون من أن يأخذ مجراه. إذا كان يقصد لا بد من بداية الحملة النهائية للقضاء على المليشيات وغيرها مما اسماها بالخارجة عن القانون في البصرة.

لقد عهدنا الصحوات في الوسط والغربية والجنوب إلا في محافظات البصرة والعمارة والناصرية، ويبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تريد من ذلك جعل المالكي سيد الموقف في هذا الأمر فلم تنشأ صحوات تنقاد بقيادتها؛ فلذا مع بداية التخطيط لعقد الانتخابات المحلية عاد المالكي ليغزو البصرة ويفعل فعلته؛ إذ فر المرتبطون بإيران والمعروفون بتنفيذ عملية الخطف والقتل اليومي بإمرة ولي أمره وبطش المالكي بإهالي البصرة وخاصة المناهضين للأحتلال. وحين وجد البصريون لا مفر من المواجهة ومحاصرة المالكي تدخلت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانية بالطائرات والأسلحة الحديثة وأبادت ما أبادت من الأبرياء وخرج المالكي منتصراً انتصاراً أعرج روج إليهِ أعلاميا ليتمكن من بعده الأقدام على شيئين مهمين هو أعلان موعد الانتخابات والتوقيع على الأتفاقية الأمنية. فهذهِ هي السيناريو ولو بجزءٍ غير مفصل هي التي أتاحة للمالكي بأن يؤلف ما يسمى بقائمة دولة القانون والتي ضمت ما ضمت من أحزاب من ضمنها جميع الأجنحةِ المنشقةِ عن حزب الدعوة الأم؛ مما يفسر إن أي إنشقاق حدث وسوف يحدث في أركان حزب الدعوة هو للتزويق اللفظي واللعبة السياسية المرتقبةِ.

 

كسب اللعبة

لقد مر العراق في الفترة التي سبقت إعلان موعد الأنتخابات بكارثة سياسية غير مستقرة؛ ليست في الشارع العراق فحسب، بل في المعقل السياسي. إذ بات الكل لا يعرف ما يدور في أروقةِ مجلس الوزراء ومجلس النواب. هذهِ الأزمة غير الواضحة مهدت للمالكي والأحزاب الرئيسية المتضمنة الحزب الأسلامي العراق والمجلس الأسلامي الأعلى وحزب الدعوة والفصيلين الكرديين؛ فرصة تشكيل المفوضية العليا (المستقلة) للأنتخابات، إذ جاء تشكيلُها وفق المحاصصة ما بين تلك الأحزاب. أي إن هذه الأحزاب قد انتقلت من مرحلة المحاصصة الطائفية إلى مستوى المحاصصة الطائفية الحزبية. على أية حال تم تأسيس المفوضية الخاصة بالأشراف على الأنتخابات وفق آلية أختيرت لتضمن سيطرة هذه الأحزاب على مراكز القرار المتمثلة بمن يسمح لهُ بالترشيح أوالإبعاد وفرز الأصوات والإشراف على صناديق الأقتراع وأقرار الشكاوى والإعتراضات والبت فيها وتصديق النتائج وأعلانها. وهي أمور لا تبدو للقارئ ذات أهمية إلا إنها في الواقع هي الهيكل الأساس للنظام السياسي العراقي الحالي.

لم تكن المفوضية (المستقلة) العليا للأنتخابات هي المفصل الرئيس في إنجاح اللعبة التي تم التخطيط إليها منذ لقاء بوش-المالكي في الأردن عام 2006 فحسب؛ بل القانون الأنتخابي الذي وضعه بريمر ولم يجرأ أحد على تغييره هو الفاصل الأساس أيضاً في الحياة السياسية العراقية. فبعد ضمان عدم تغيير قانون بريمر للأنتخابات وضمان بقاء القاسم الأنتخابي وفق ما وضعه بريمر وتأسيس المفوضية العليا بات الأمر واضحاً في كسب اللعبة في جميع محافظات العراق باستثناء الموصل التي يبدو إن نتيجة الصراع الكردي العربي فيها تم فهم القانون الأنتخابي وعلى ضوء هذا الفهم تمكنت قائمة الحدباء من الفوز بالأغلبية. فالقاسم الأنتخابي مكن اللعب على المواطن في مبدأ القائمة المفتوحةِ والقائمة المغلقةِ. وهو المعنى الذي لم يفهمه الشارع العراقي إلا نيفٍ منه ولم يعلم كيف تحتسب نتائجه وأحدث مفاجأة للجميع بصعود من أمتلك اربعة أصوات وسقوط من أمتلك 25 ألف صوت. ولعل الشرح البسيط للقاسم الأنتخابي بمثالٍ يعطينا الصورة الحية لذلك على الرغم من أعلانهم إن القائمة المفتوحة هي الأساس في الأنتخابات دون شرح آلية احتساب الأصوات. فالناخب العراقي يمكنه أختيار مرشح من قائمة حزب أو قائمة مفردة بشخص مثل قائمة يوسف الحبوبي المرشح شخصياً. وعليهِ فلو كانت في قائمة حزب 8 اشخاص سبعةٌ منهم حصلوا ما بين 20 صوت الى مئة صوت وواحدٌ حصل على 30 ألف صوت (القاسم الأنتخابي) فكلهم يكونوا مؤهلين للمنافسة لمنصب نائب في مجلس المحافظة وهو ما سوف ينطبق على الأنتخابات البرلمانية المزمع عقدها في نهاية هذا العام؛ أما الشخص في القائمة المفردة إذا حصل على 29999 صوت فلا يؤهل للمنافسة. بعد هذهِ الأرجوزة يتم التنافس حول الأصوات غير المؤهلة. فالقائمة أ 12000 صوت والقائمة ب 22000 صوت والقائمة ج 23000 صوت... الخ أي القوائم دون 30الف صوت تجمع على حدةٍ وتجمع القوائم المرشحة ومجموع الأصوات وتستخرج نسبة كل قائمة مرشحة للتنافس ثم تعطى نسبة الأصوات المهملة للمؤهلةِ.

ضمن هذهِ الآلية تمكنت الأحزاب المنضويةِ تحت المظلة الأمريكية من ضمان حصتها في الأنتخابات المحلية أو ما تسمى بمجالس المحافظات بما يضمن دخولها الأنتخابات البرلمانية المزمع إجرائها في نهاية عام 2009. وعليهِ فأن الأزمة العراقية السياسية والمنعكسة على الأمن والأستقرار تكمن في وضعية الأنتخابات وقانونها وآلية تنفيذها وبرأينا إذا ما تم حل هذهِ المعضلة فلعله أكثر من 70% مما هو متأزم في العراق يمكن حله أيضا. لكون نتائج الأنتخابات التي أعلنت أوجدت إنْ هناك نسبة عالية ممن هم مؤهلين للتصويت على الأنتخابات لم يطرقوا أبوابها أعتراضًا على ما يسمى بالعملية السياسية وتقاسم مجالس المحافظات ومقاعد البرلمان مسبقًا. وفي دراسةٍ أحصائية بسيطةٍ يمكن أن نعرف ما جرى في الأنتخابات الأخيرة والتي بما لا يقبل الشك سوف تتكرر مرةً أخرى في الأنتخابات النيابية المزمع عقدها في نهاية هذا العام.

 

كشف اللعبة

لقد تم كشف الآلية المتبعةِ في فرز الأصوات وعدد النسب المشاركة وكيفية احتسابها وكيفية معاملة الشكاوى المضادةِ لما جرى في الأنتخابات من خلال التصريحات التي أدلى بها رئيس المفوضية العليا (المستقلة) للانتخابات ونوابهُ والناطقين باسمهِ. حيث جاءت جُلها متضاربة غير مسنودة ومتذبذبة هنا وهناك. ففي تصريخاتٍ متتالية للمفوضية العليا (المستقلة) للأنتخابات ركز الجميع على أنْ عدد المشاركين في الانتخابات تجاوز 51% ممن سجلت اسمائهم والبالغ عددهم 14849699 مليون ناخب إذا استثنينا الناخبين المسجلين في المحافظات الأربعة التي لم تجري فيها انتخابات (كركوك والسليمانية وأربيل ودهوك). أذ يتنافس الجميع على ما يقارب 440 مقعد في عموم العراق باستثناء المحافظات الاربعة. وعليهِ حسب تصريحات المفوضية العليا (المستقلة) للأنتخابات إنَ هناك 51% ممن سجلوا قد شاركوا في التصويت اي بواقع 7766353 ناخب. ولكن عند العودة الى الجدول المعلن من المفوضية نفسها للنسب المشاركة في المحافظات 14 نجد إنَ مجموعها لم يتجاوز 3233512 اي نسبتها بالنسبة إلى ما أُعلن 21.7749% وليس كما قيل أكثر من 51%. وهو ما يدلل عدم أكثراث المفوضية ومَنْ هم في العملية السياسية بوضعية الانتخابات وانعكاساتها على الواقع السياسي بقدر ما يهتمون بإجراء الأنتخابات والترويج إليها أعلاميًّا لقصد أخر، لربما يمكن من خلالهِ تحسين صورة العراق كما يتوقعون عالميا ولكن يبدو أن المطبل الوحيد لهكذا مأساة هي دولة الأحتلال دون غيرها من الدول المتحضرة والتي تعتبر الأنتخابات حالة حضارية تدلل على الأستقرار.

نستنتج مما جاء أعلاه إنَ الأنتخابات الصورية التي أجريت في العراق مؤخراً تمهيداً للانتخابات النيابية القادمة قد شابها الكثير من المعوقات والترتيبات غير القانونية، ولم تكن لها مكان  لا ضمن القانون الدولي العام ولا ضمن حتى دستورية وقانون بريمر بما فيه القرار 65 الذي تعتبره المفوضية العليا (المستقلة) للأنتخابات أساسًا لكل الآليات الانتخابية في العراق. علاوةً على إنَ هذهِ الأنتخابات ومفوضيتها أجهضت عمليتها الأنتخابية وفق ما يلي:

1. لم تكن المفوضية الأنتخابية مستقلة منذ تأسيسها؛ بل كانت مبنية على أسس المحاصصة الطائفية وعدم النزاهةِ.

2. مازال قانون بريمر الذي يحدد آلية الانتخابات معمولا به مما يسبب تدخلا سافراً للكتل السياسية المنضويةِ تحت لواء البرلمان والحكومةِ.

3. عدم كفاءة العاملين في المفوضية الانتخابية وقلة خبرتهم من الناحية الانتخابية والأحصائية التي تعتبر أساساً، وسببت في تضارب اعلاناتها.

4. اللآلية الانتخابية المتبعة والقاسم الأنتخابي الموضوع منذ عهد بريمر سبب اخفاقات كثيرة سوف تنعكس سلبا على الحياة السياسية العراقية.

5. المحطات الانتخابية الكثيرة وعدم وجود قانون يرتبها ويرتب اسماء الناخبين لعدم السماح للناخبِ بالاقتراع في أكثر من محطة انتخابية.

6. عدم وجود راقابة قانونية في المحطة الانتخابية وعدم وجود ممثلي الأحزاب والكيانات في المحطة الانتخابية.

7. عدم احتساب الأصوات في موقع المحطة الانتخابية ونقل صناديق الأقتراع إلى مكان سري لأحتساب الأصوات كما اعلن رئيس المفوضية أدى إلى استبدال صناديق وعملية تزوير.

8. عدم وجود أشراف قضائي على احتساب الأصوات حين تم نقلها إلى موقع أخر لاحتساب الأصوات.

9. عدم صدور النتائج في موعدها وتأخر أعلانها اربعة اسابيع وتأخر التصديق عليها تسعة اسابيع وهو ما أعلنه رئيس المفوضية قبل احتساب الأصوات بأن عملية التصديق سوف تستغرق 9 أسابيع.

10.       عدم البت في الشكاوى الأعتراضات على الانتخابات البالغة 489 اعتراض في حينه وارجاء النظر فيها إلى فترة طويلة والأعلان بعدم صحة الشكاوى دون سند قانوني.

11.       تعين شبكات للمراقبة الانتخابية ثبت انها معينة من قبل الحكومة ولها علاقة بالمفوضيةِ للترويج أعلاميا.

12.       عدم ترتيب القوائم الانتخابية بصورة يمكن للناخب معرفة الشخصية او الكيان المراد انتخابهُ وعدم تثقيف المواطن بخصوص ذلك.

13.       عدم معاقبة الكيانات السياسية التي خرقت اسس وقوانيين الترويج للانتخابات والموضعة من قبل المفوضية؛ حيث ان بعض الكيانات استعمل اسلوب التهديد للترويج.

14.       عدم الالتزام بمؤهلات التي تؤهل المرشح للانتخابات مما عكس الحالة سلبا لدى المواطن وعدم تصديق ما ينتج من المفوضية من تعليمات.

كل هذه المشاكل ومشاكل اخرى لم يسع المجال لذكرها كانت سببا رئيسيا في فشل الانتخابات وإحداث أزمة حقيقة سوف تنعكس بما لا يقبل الشك على الحالة السياسية العراقية سوءاً في القريب العاجل. لذا للحيلولة دون تفاقم الأزمة سياسيا في العراق نرى انه يحتاج إلى تغيير واقعه الأنتخابي بدءاً من قانون الانتخابات ونهايةً بآلياتهِ ومفوضيتهِ واعلامهِ وضرورات تثقيف الشعب للمرحلة الأنتخابية القادمة.

 

 

3. المصالحة

منذ أن دخل الأحتلال الأمريكي في آذار/مارس 2003م إلى العراق وأعلن إسقاط الدولة العراقية نادى كاتب السطور إلى ضرورة التصالح وإعادة بناء الدولة العراقية وفق الأسس التي بنية عليها منذُ عام 1921م. واكد على ضرورة أعتقال والبخث عن المتورطين بالقتل والجرائم الجنائية حتى ولو كانت بقرارٍ سياسي فقط. كما نبه كاتب السطور إلى ضرورة عدم الإصغاء إلى الذين ينادون بضرورة حل الجيش والشرطة العراقيين خوفًا من إنعدام الأمن واستهداف الأيرياء وسرقة أموال الدولة العراقية. ونادى أيضا مع الايام الأولى إلى ضرورة خروج الأحتلال من العراق فوراً لكي يستلم زمام الأمور العراقيين أنفسهم. وحذر أيضا من الدول الأقليمية الطامحة إلى الاستحواذ على العراق من خلال الاحتلال الامريكي لعراق بصورةٍ غير شرعية. كما حذر من هذه الدول التي تحاول مد نفوذها من خلال مليشيات سوف تبطش بالعراقيين وتحطم بنيته التحتية. جاءت هذه المناداة من على عدةِ أجهزة إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة منها محطة المستقلة والجزيرة و أي أن أن والبي بي سي والسي أن أن وغيرها من المحطات الأخرى بالأضافة الى المقالات والدراسات التي كتبت في صحيفة القدس العربي. ولكن يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأقليمية والأحزاب التي انضوت معها لأحتلال العراق كانوا قد قرروا تدمير الدولة العراقية وبقاء القوات الامريكية إلى حينٍ بعيد واستضافة فرق الموت والمليشيات تحت ذريعة محاربة الأرهاب وتفتيت وتقسيم العراق عرقيا وطائفيا. فلذا كان لابناء العراق ولي الفخر أن أكون منهم مناداةٍ بضرورة المقاومة بكل اشكالها لاخراج الأمريكان وبناء الدولة العراقية على ما كانت عليه سابقا. وبناءاً على ذلك يمكن أنْ نتحدث عن المصالحة وفق أفقها الزمني المعلوم والذي بدأ في ربيع عام 2004م وفق الأتي.

 

الربيع التصالحي الأول

هذه المقاومة الشرسة التي واجهها الأمريكان وهم في زهوِِّ قوتهم جعلتهم يستعجلون تثبيت أركانهم ومساعديهم وحكم العراق مباشرة بالتخويف وظلام المستقبل فأوغلت قواتهم ومليشياتهم قتلا وبطشا بالعراقيين؛ إيمانا منها بأن الرافضين للاحتلال سوف يأتون طائعين مهللين ينفذون ما يريد الأحتلال. ولكن كانت النتيجة بالضبط على عكس ما كانت تراه هي ومن دخل معها من الاحزاب السياسية الأخرى. وعلى الرغم من انتهاء مرحلة أصدار قوانين بريمر المائة وواحد قانون وحل الجيش العراقي وتأسس المؤسسات التي أرادها أن تكون حارسة أمينة على قراراته وأصدار قانون أدارة الدولة وتعيين حكومة الأحتلال الثانية بقيادة أياد علاوي؛ إلا أنه وجد الرفض والمقاومة تزداد يوماً بعد أخر. من جانب أخر كانت القوات الأمريكية وفرق الموت التي أسسها نكروبونتي الذي شغل منصب السفير الأمريكي في العراق منذ حزيران 2003م ولغاية ايلول 2004م ومليشيات الاحزاب المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومليشيات بعض الدول الأقليمية تفتك بالمواطنيين وتبث الدعاية إنها المقاومة التي تفعل ذلك. ومع هذا لم تكن هذهِ الآلية المتبعة قد نجحت فلذا رأت الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة أدخال الجامعة العربية في مفهوم المصالحة والقيام بدور مخابراتي لسلب القوى الوطنية المناهضة للاحتلال حريتها وموقفها. وبالفعل مع استلام الجعفري رئاسة حكومة الاحتلال الثالثة عُقد مؤتمراً لما يسمى بالمصالحة العراقية في الجامعة العربية دعيت إليها أطرافًا عديدة ولكن دون موازين تذكر. مما تسبب في فشل الأجتماع مع أول دقائق انعقده لكون عمرو موسى أراد الجميع أن يكونوا طائعين لحكومة الأحتلال الثالثة والأنخراط بالعملية السياسية الفاشلة أصلاً.

لم يكن أمين الجامعة العربية غير عالم بما يحدث لكونه في رسالةٍ لشخصياتٍ وطنيةٍ وتشكيلاتِ وطنية قبل أنعقاد المؤتمر قد أرسلت إلى عمرو موسى وضحت فيها الأهداف التي يجب على أُسسها تتم المصالحة ولا بد من أتخاذها وإلا النتيجة ستكون الفشل. ففي هذهِ الرسالة كانت بعض الأسس التي دونت فيها:  

أ‌.  ضرورة دعوة كافة الأطراف العراقية إلى هذا المؤتمر لمناقشةِ حال كيفية أتمام ما يسمى بالمصالحة الوطنية.

ب‌.        دعوة الأحزاب الحاكمة في العراق بصفتها السياسية لا بصفتها السلطوية.

ت‌.        الأعتراف بأن العراق بلد محتل ولا بد من تصحيح مسار ذلك وفق القوانين الدولية.

ث‌.        ألغاء قوانيين بريمر وتشكيل لجنة من العراقيين القانونيين والسياسيين لوضع دستور عام غير مبني على المحاصصة العرقية والطائفية.

ج‌. ترتيب جدول زمني لخروج الأحتلال.

ح‌. تكون الجامعة العربية ملزمة بأخذ الأمور على عاتقها في حل المشكلة العراقية.

خ‌. تقديم المجرمين من كافة الأطراف إلى المحاكمة وفق القانون الجنائي العراقي.

 

هذه جملة من النقاط التي تم توجييها إلى عمرو موسى إلا أنه أهملها جملة وتفكيراً، علاوة على أنه سحب دعوة الذين أرسلوا هذه المطالب لكونه مسير غير مخير كما بدا للجميع في هذا الأمر. ومع هذا عُقد الأجتماع وفشل مع الدقائق الأولى لأنه كان مبنيّاً على قول نعم للولايات المتحدة الأمريكية في كل مضامينها. ولكن الجديد في هذا الأجتماع ما أن أنفض وعاد الجميع إلى مواقعهم حتى خرج العديد ممن هو مرتبط بالأحتلال وحكوماتهِ وعاد إلى أوربا وبات يصرح ضدهم من خلال المحطات الفضائية المدفوع أجرُها مقدما ومن خلال المواقع الألكترونية التي أسسوها بالجملة. متناسينَ أنهم دخلوا مع الاحتلال الأمريكي وكانوا مع كارنر في بداية الأمر ومن ثم بريمر وشكروا جورج بوش على أحتلاله للعراق. وبات هؤلاء يملئون الساحة بعويلهم وشتائمهم التي كانوا يدخلون فيها بين حين وأخر شخصيات وطنية مرموقة ومعروفة بغية تسقيطها على المستوى السياسي. وبين حين واخر يختفون هؤلاء ويعودون إلى الواجهةِ فتبين أنهم في دورات بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وألمانية وهنكارية. على أية حال ليس موضوعنا هؤلاء بقدر ما أردنا أن نتحدث عن مراحل ما يسمى بالمصالحةِ.

 

الربيع التصالحي الثاني

منذ أجتماع الجامعةُ العربية الأخير وتزمت حزب الدعوة بشخص رئيس حكومة الأحتلال الثالثة حينذاك إبراهيم الجعفري وبدعمٍ من الحزب الأسلامي العراقي الذي قاد المحادثات فيها طارق الهاشمي وبدعمٍ من الحزب الأسلامي الأعلى بقيادة عبدالعزيز الحكيم والتوافق بقيادة عدنان الدليمي وتهريج جلال الطلباني وتزمت مسعود الرزاني ماتت أية بادرةٍ للاستقرار في العراق أو المصالحة. ولقد شهد عام 2004 ولغاية نيسان 2005م مأساة كبيرة كان يقود جانبها الطائفي إبراهيم الجعفري وطارق الهاشمي وانبرى كلاً منهما مدافعًا عن فئة طائفية دون توكيل من أحد. مما شدد الأحتراب الطائفي وبلغ ذروته في داخل أروقة الوزارات العراقية في حكومة الأحتلال الثالثة. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تأكدت أن ذلك سوف يؤدي إلى بقائهم أكثر في العراق تحت طائلة عدم الاستقرار الأمني.

لقد شهدت الساحة العراقية في هذه الفترة تجاذبات وتزاحمات قاد بعضها عدنان الدليمي رئيس قائمة التوافقر وطارق الهاشمي زعيم الحزب الأسلامي العراقي وقاد البعض الأخر إبراهيم الجعفري بصفته زعيم حزب الدعوة والمتحالف مع التيار الصدري ويرافقهم فيلق بدر والمجلس الأسلامي الأعلى مما سبب وصول الذروة الطائفية أبان تفجير الحضرة العسكرية في سامراء. وبهذا نرى أن الولايات المتحدة الامريكية من خلال تجنيد رجالها وبترتيب من موفق الربيعي الذي عينه بريمر مستشار أمن (قومي) لهذا الغرض قد حققت أهم أركانها الهادفة لتقسيم العراق. لكن يبدو أن ضربات المقاومة العراقية التي باتت توجع الأحتلال ورفض الشعب بمختلف طوائفهم بالأنخراط في أتون ذلك أفشل مخطط الهيجان الطائفي وغادر العراق اعدادٌ كبيرةٌ خوفاً من الأنخراط في هذه الحرب الأمريكية التي يراد لها أن تكون طائفية. مما جعل الأمور تتأزم أكثر وعرقلة تشكيل وزارة حكومة الأحتلال الرابعة بقيادة المالكي إلا بعد أربعة أشهر من أنتهاء الأنتحابات البرلمانية التي أجريت في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2005م. وهو ما عكس تعثر تشكيل الحكومة بصورة غير دستورية وباتت دون وزير دفاع ووزير أمن قومي ووزير داخلية إلى أكثر من شهرين.

هذا الشرخ في العملية زاد الطين بلة وبات الفارق في المصالحة بين أفراد الأحزاب التي جاءت مع الأحتلال ضرورة أكثر من ضرورة المصالحة مع من هم لا يؤمنون بالعملية السياسية على الرغم من تعيين وزيرا خاصاً للمصالحة الوطنية الذي باتت تصريحاته أوهام واكاذيب ليس لها وجود أو سلطان حين صرحوا بأنهم التقوا مع فصائل مقاتلة. مع هذا فقد كانت تعقد بعض اللقاءات والاجتماعات هنا وهناك لا تتعدى الكلمات الرنانة والأوهام الأنشائية التي تنتهي معظمها دون الوصول إلى نتائج. ويبدو أن الضغط الأمريكي على ضرورة الأسراع في إيجاد حل لقضية المصالحة لتهيئة الأجواء لعقد الأتفاقية الأمنية طويلة الأمد قد سهلت مهمة أعادة المصالحة ما بين الفصائل الأمريكية الحاكمة في العراق والمتناحرة فيما بينها. مما أعطى نوري المالكي دفعاً للقيام في تنفيذ النقاط التي سلمها بوش له في الأردن بعد أن صممها مستشار الأمن القومي الأمريكي هاورد. فلذا شهدنا ربيعاً أخر من عقد الأجتماعات وتعين مستشارين للمصالحة لكن دون تنفيذ أو الأهتمام بالمصالحة بالصورة الصحيحة التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكي.

عام 2006 ولغاية صيف عام 2007م شهد نشاطاً أمريكياً أخر لتقريب وجهات النظر وكانت السفارة الأمريكية في واشنطن نشطة جداً بلقاء العراقيين وحثهم على العودة إلى العراق والمساهمة في العملية السياسية؛ كما جرت لقاءات عديدة في البحر الميت وتركيا وبيروت ما بين أركان وممثلي حزب النظام السابق وبين أعضاء خكومة الأحتلال الرابعة وبرعاية أمريكية، إلا أنها باءت بالفشل لاسباب عديدة أهمها إما عدم جدية الأطراف المتفاوضة أو عدم وجود ضمانات كافية للاستجابة لما تم طرحه. ولكن يبدو هناك استمرارية لخوض هذه المهام بطلب أمريكي مهما كان السبب لتتمكن الولايات المتحدة الامريكية من توقيع مذكرة التفاهم التي تؤدي إلى أعلان الأتفاقية الأمنية طويلة الأمد وبقبول جميع الأطراف. فلذا في الجانب الأخر شهد العراق سبعة أجتماعات كبرى معظمها عشائرية غير سياسية تهدف إلى المصالحةِ وأيضا كانت رنانة إنشائية ليس فيها آليات عمل أو قبول الأخر. إذ بات نوري المالكي أكثر تمسكاً بالسلطة وبدأ يتعامل مع الأمر كشبيه للنظام السابق الذي كان يعلن العفو على المعارضين ومن ثم ينقضه. وفي هذا الأطار عادت الجامعة العربية لتحفيز هذا الأمر مرة أخرى وأرتأت أن تعقد أجتماعات في نيسان/أبريل عام 2007م إلا أنه فشل دون الوصول إلى نتيجة تذكر وتكررت المسألة مراتٍ عديدةٍ كانت فيها الحكومة الأحتلالية الرابعة ترفض التجاوب في هذا الأمر وتصر على تجريم المقاومة والمناهضين للأحتلال وعليهم أعلان التوبة وإلا يتهمون بالأرهاب وفلول النظام السابق.

لقد فشلت المحاولات العديدة التي خاضتها الجامعة العربية والولايات المتحدة الأمريكية بواسطة شركاتها ووساطة بعض الدول العربية في دفه المصالحة كما يسمونها خطوة إلى الأمام حتى نوفمبر /تشرين الثاني 2007 مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإصرار على توقيع مذكرة التفاهم لعقد الأتفاقية الأمنية وفق الرؤية التي تريدها حكومة الأحتلال الرابعة التي تضمن بقاء ما تم تمريره منذ عهد بريمر لحينه وان تكون محمية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية مقابل أن يتنازلوا هؤلاء عن العديد من السمتلزمات الأخرى.

 

الربيع التصالحي الثالث

لقد جاءت مذكرة التفاهم لعقد الأتفاقية الأمنية طويلة الأمد مجهضةً لكل الأماني التي يمكن أن تحقق استقرار أو تصالح مستقبلي في العراق. إذ عبرت الأتفاقية في نقطتها الأولى عن إلتزام الولايات المتحدة الأمريكية بحماية ما يسمى بالدستور والعملية السياسية وما تم تحقيقه في السنوات السابقةِ أمام أي تهديد. وتم تسمية مَن لا يتوافق معهم في ذلك بالأرهابيين والخارجين عن القانون وأزلام النظام السابق مع علمهم أن هناك العديد منهم مناهضين للتواجد الأمريكي والأحتلال ولا علاقة لهم بهذه المواصفات. ووفق ما جاء في مذكرة التفاهم وضرورة التعجيل في تنفيذ مقررات تقرير بيكر-هاملتون سعى المالكي خصوصا بعد تعثر المفاوضات الإيرانية الأمريكية من جانب وتعثر المفاوضات العراقية الأمريكية بخصوص الأتفاقية من جانب أخر، سعى إلى ايجاد أرضية للمصالحة بشتى الوسائل المتاحة. مما سبب في عقد أجتماعات عديدة ومؤتمرات عديدة إلا أن معظمها كانت فاشلة ولا غاياتٍ لها ولا نتائج. هذه الاخفاقات التي واجهته جعلته مع حزيران عام 2008م ينفتح على الشخصيات السياسية العاملة في الخارج. والحقيقة أنه أنفتح على الشخصيات التي هي أصلا كانت مع الأحتلال وتركت العراق لأسباب لا يعرفها إلا الولايات المتحدة الأمريكية والأحزاب المنضوية تحتها، وبالفعل تم توجيه دعوة إلى 34 شخصية في الخارج معظمها لا تعارض الوجود الأمريكي وغادر معظمها أوربا وبريطانية إلى الأردن للألتحاق بالركب وأعلان وجود مصالحة لأفشال القوى المناهضة للأحتلال. ولكن حين أنكشقفت اللعبة أُشعروا هؤلاء بالرجوع إلى أماكنهم والعمل على جمع المناهضين الحقيقيين للزج بهم فيما يسمى بالمصالحة مستقبلا.

عاد هؤلاء إلى أماكنهم وكان بين حين وأخر يتردد عليهم بعض المسؤولين في العراق ومارس بعضهم عمليات شتم وتجريم واتهام لشخصيات وطنيةٍ عديدةٍ وتلفيق قصصٍ منهم؛ توهماً منهم بأن هذه العملية سوف تجبر المناهضين للاحتلال بالتوافق معهم. وقد شهدت السفارة الأمريكية لحينٍ غير بعيد من عام 2008م زيارات متكررة لهؤلاء في كل من لندن وفرنسا وألمانيا والنروج وسويسرا. وما أن لاح في الأفق بعض الإشارةِ التي كانت تبدو إليهم إيجابية زار أوربا ولندن أكرم حكيم وزير حكومة الأحتلال الرابعة لشؤون المصالحة وعمار الحكيم وموفق الربيعي وعبدالهادي العامري وأحرين بغية جمع العراقيين في تموز/يونيو 2008 إلا أنهم لم يجدو إلا رجالهم الذين بثوهم هنا وهناك لأفشال عمل القوى المناهضة للأحتلال والذين كانوا يعملون تحت لافتات بعضها يساري وبعضها عشائري وبعضها قومي عربي.

لقد تكررت محاولات الدعوة إلى المصالحة ضمن الشروط التي تريدها حكومة المالكي والولايات المتحدة الأمريكية وفشلت في تعزيز ذلك، لذا بعد توقيع الأتفاقية الأمنية وألزام أوباما المالكي بضرورة حل الخلافات مع القوى الرافضة للعملية السياسية أتجه مبعوثيهِ إلى خارج العراق لمافتحة الجهات السياسية والشخصيات الفاعلة للأنخراط في المؤتمر الذي لم يعقد في فبراير 2009م. وطافت مجموعاته الأردن وسورية ومصر واليمن وفرنسا وسويسرا والمانية والنمسا والنروج وبريطانيا؛ إلا أن النتيجة كانت فقط هرولة مَنْ كان معهم في قطار الأحتلال عام 2003 وخرجوا من العراق لأسباب لا نعرفها وانفضوا عنهم فترة معينة ثم عاد طوعاً عندما جاءت الأشارة منهم بضرورة العودة دون وضوح الشروط والمستلزمات لذلك. أي كتحصيل حاصل لم يتبارى إلى دعوتهم إلا ممن هم على الخط معهم لفترة ليست قليلة وآن الآون بالرجوع إلى الأحضان. ولكن يبدو أن ذلك غير مرغوب فيهِ من أدارة أوباما التي تريد انهاء قضية العراق وفق مخطط بيكر-هاملتن وغلق الملف العراقي، وهو ما لم يتحقق وسوف لم يتحقق إذا كانت حكومة الأحتلال الرابعة تصر على  التفكير بصورة غيرمنطقية، على الرغم من استغلال تواجدهم في السلطة للضغط على العراقيين المناهضين للاحتلال في الدول المجاورة. تلك الدول التي بات التواجد العراقي بصنفيه العامل سياسيا ضد الأحتلال والمهجر قصرا باتت تشكل معضلةً ليست للمالكي وحده بل للولايات المتحدة الأمريكية أيضا. لكونها وباعتراف أوباما تعتبر المسؤولة الأولى عن ما حدث في العراق وللعراقيينِ.

من خلال ما تقدم يمكن وضع استنتاجاتنا لفشل المصالحة وعدم تحقيقها وفق الرؤية الوطنية للاسباب التالية:

1. لم تكن هناك جدية حقيقة للولايات المتحدة الأمريكية في عهد بوش والحكومات الأحتلالية الأربعة التي عاصرت فترة بوش لأحتواء الأزمة ووضع آلية حقيقة لذلك؛ بل أعتمدوا على وجودهم في السلطة وضرورة أنصياع الأخرين لما يريدونه هم.

2. عدم أعتراف الفئات السياسية الحاكمة في العراق أن هناك مشكلة سياسية ولا بد من حلها؛ بل كانت التصريحات والترويجات تصر على وجود أزمة أمنية وهذه الأزمة الأمنية سببها هؤلاء فنعتت كل من ليس معهم بالأرهابي أو الخارج عن القانون.

3. أستعمال أسلوب الأستدراج والأتهام والتشكيك في أمكانيةِ وقدرات القوى والشخصيات السياسية العراقية الفاعلة والمناهضة للأختلال من خلال أبواق وضعت أمكانيات لها بمواقع ألكترونية وصحف وفضائيات.

4. عدم الأهتمام بالأصوات الداعية إلى إلغاء قانون بريمر ووضع دستور ينسجم مع الطروحات الوطنية بعيداً عن المحاصصة السياسية والطائفية.

5. عدم الأعتراف بالمقاومة بأنها حالة طبيعية ضد الأحتلال وأعتبارهم عناصر خارجة عن القانون وعناصر أرهابية.

6. قوة المليشيات التابعة للأحزاب المنضوية تحت راية الأحتلال وقيامها بالتهيدي والأغتيال إذا تم التحاور ولم يتم التوصل لأتفاق مع أية جهةٍ.

7. مصادرة الحقوق السياسية والمدنية للعديد من التجمعات والشخصيات السياسية التي لم تنخرط معهم في العملية السياسية.

8. دعوة القوى المناهضة للمصالحة والدخول في الأنتخابات دون مراعاة مطالبهم الحقيقية والتي تتمثل بما يلي:

أ‌.  أعتبار الوجود الأمريكي أحتلال.

ب‌.        ترتيب جدول زمني لخروج الأحتلال بأسرع وقت ممكن.

ت‌.        إلغاء قوانيين بريمر التي عطلت الدولة العراقية وإعادة بناء الدولة العراقية وجيشها وشرطتها ضمن أسس وطنية لا على المحاصصة الطائفية.

ث‌.        تغيير القانون الأنتخابي من القوائم المغلقة والمفتوحة المغلقة إلى التقسيم الأداري للمحافظات والأقضية.

ج‌. كتابة الدستور العراقي بصورة تضمن الوحدة الوطنية وتنبذ العرقية والطائفية والمحاصصة.

ح‌. تحديد عناصر الفساد المالي والإداري ومتابعة العاملين على ذلك مهما كانت مناصبهم ومحاسبتهم ضمن القانون والقضاء العراقي.

خ‌. الطلب من الدول الأقليمية المحيطة بالعراق عدم أستعمال نفوذها من خلال شخصياتها في الحكم التدخل في الشأن العراقي.

د‌. حل مشكلة المهجرين العراقيين وإعادتهم إلى أماكن سكناهم وتعويضهم عما لحق بهم من غبنٍ.

ذ‌. إعادة الموظفين المدنيين أو العسكريين غير المطلوبين للقضاء العراقي بأية تهمةٍ إلى وضائفهم وتعويضهم عنما لحق بهم من غبن.

9. الشخصيات الداعية للمصالحة تنطلق من موقعها الحكومي لا من موقعها الحزبي مما يصعب عملية التفاهم وفق الأسس الموضوعة.

10.       عدم السماح لأي حزبٍ خارج منظومة الحكم بالتحرك والعمل على تقويض المسألة من خلال الحوار مع الأخرين ومعرفةِ شروطهم.

11.       الأتفاقية الأمنية طويلة الأمد التي قوضت أية فرصة للحد من الأحتقان والتي حددت الجميع الذين هم خارج منظومتهم بالأرهابيين والخارجين عن القانون.

12.       الأعتماد على فتح الحوار مع شخصيات ليست من المعارضة بحق بل هم إما أتباع بريمر أو أتباع كارنر ومازالوا يأتمرون بأمرة الأحتلال الأمريكي وزجهم على أساس أنهم معارضين ويودون المصالحةِ ونبذ الخلاف.

13.       عدم وجود ضمنات دولية وضمانات أقليمية للألتزام بما يدور بل كان الجو منصب على ضرورة الأنصياع لأوامر خكومة المنطقة الخضراء.

 

ضمن هذه النقاط المشروحة أعلاه نستنتج أنْ المصالحة كما يسمونها ليست إلا شعارٌ يرفع في الأروقةِ والفنادق وقاعات الأجتماع لعدم وجود تأسيس أو مصداقية لدى العاملين عليهِ. ويبدو أنه شبيه لما كان يصدر من النظام السابق من أرادة عفوٍ ومن ثم يتم ملاحقة السياسيين قانونياً أو أمنياً أو ما شاكل ذلك بتهمٍ واهيةٍ؛ فكيف الآن والتهمة جاهزةٌ إما بالأرهاب أو الخروجِ عن القانون أو أجتثاث البعث أو أركان النظام السابق. وهنا لا بد من أن تكون الجهة الداعية إلى مثل هذا ذات مصداقية حقيقة وتأسس لذلك من خلال تصنيف شعاراتها واتهاماتها للأخرين. صحيح أن اللعبة السياسية الآن متجهة نحو حسم الأمر ضمن تقرير بيكر- هاملتون وتسليم زمام الأمور إلى كل من سورية وإيران كون سورية تمثل العمق العربي ونتج هذا بموافقة مصر والسعودية إلا أننا نرى غياب العراقيين وخصوصا العرب منهم المناهضين للأحتلال سوف لا يؤدي إلى شيء؛ وبالتالي نرى إن المعضلة الحقيقية هي في أن يستبدل القانون الأنتخابي وآلياتهِ وسلطتهِ المزعومة من المفوضية العليا (المستقلة) للأنتخابات وفق ما يلي:

 

1. تشكيل مفوضية عليا للأنتخابات تكون حقيقة مستقلة وضمن أشراف دولي أسلامي عربي مدعومةٌ بالقضاء العراقي والقضاء الدولي لمراقبة تنفيذ آلياتها.

2. تقسيم العراق لوحداتٍ أدارية على مستوى القضاء والناحية وليس على مستوى المحافظة كما كان سابقاً وتحديد نسبة كل وحدةٍ أدارية في الأنتخابات المحلية والبرلمانية من عدد ممثليها.

3. أصدار قانون أنتخابي جديد وفق القوانيين الدولية المرعية في الأنتخابات للعالم المتحضر والتي تعتمد القائمة المفردة للشخص في كل وحدة أدارية ويحق للحزب أن يرشح أكثر من واحد في منطقة واحدة على أن تحتسب الأصوات التي يحصل عليها المرشح وليس القائمة في المنافسة الأنتخابية.

4. أنْ يكون في أية محطة انتخانية ممثل عن المرشح ومراقب من المفوضية وقضائي لمراقبة أجراء الأنتخابات في الوحدة الأنتخابية.

5. أن تحتسب الأصوات داخل الوحدة الانتخابية وبموافقة القضائي والمراقب وممثلوا المرشحين ويتم التوقيع عليها من قبلهم وإعلانها ورفعها إلى المفوضية.

6. أصدار قانون قضائي يحدد كيفية الأنتخاب والأعلان عنه ويحاسب الذي يخترق التعليمات.

7. أعلان نتائج الانتخابات في كل العراق بمجرد عد الأصوات داخل المحطة الأنتخابية واعلانها ومراجعةِ نتائجها من قبل المفوضية العليا والمصادقة عليها فورا دون تأخير.

8. أصدار قانون تشكيل الكيانات والاحزاب وفق اسس غير طائفية ولا محاصصية.

9. تكون تشكيل الحكومة على عاتق التكتل الذي تكون نسبة نوابهِ أكثر أو تحالفاتهِ سواء بالبرلمان أو مجلس المحافظةِ وخلال مدة لا تتجاوز 15 يوما ثم يصار تكليف الذي يليه بتشكيل الحكومة إذا فشل في تشكيلها الأول.

 

هذه الآلية في الواقع تدفع العديد من المناهضين للأحتلال التفكير جليا بجدية المصالحة والعمل معاً على أخراج الأحتلال وفق الشروط التي دائما تذكر. وبالتالي فالقضية العراقية تحتاج إلى حل سياسي قبل أن يكون هناك حل أمني أو عسكري. وهكذا تبدو لنا في النهاية الأزمة العراقية الحالية ذات أركان ثلاثة لا يمكن حلها ما لم يتم معالجتها ولو نسبيا ضمن هذه الأركان التي أسهبنا في شرحها وتحليلها أعلاه.

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ