ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
جدلية
التعليم والغذاء في العالم
العربي محمد
بن سعيد الفطيسي*
قيل لنا : إن التعليم هو من
يصنع الخبز , فقلنا : كيف لنا أن
نفكر ونتعلم لنصنع الخبز
وبطوننا جائعة ؟ هذه هي جدلية
التعليم والخبز في زمن الجوع
وارتفاع الأسعار , صراع بين
أجساد خاوية البطون , لم تتعلم
بعد كيف تتعلم لتصنع طعامها
وقوت يومها ! وعقول أكثر خواء
بسبب عجزها على مواجهة الجوع
والفقر والجهل بالتعليم ,
فأيهما يأتي أولا من حيث
الأهمية في هذه المعادلة الصعبة
؟ أهو التعليم قبل الخبز , كما
يؤكد لنا ذلك الكثير من
المثقفين والمتعلمين المتمسكين
بتلك الرؤية الثقافية , رغم
جوعهم وخواء بطونهم وجيوبهم , أم
الخبز قبل التعليم , كما يتضح
ذلك لنا من خلال تقاسيم وجوه
الجائعين , والذين يعجزون عن
الحراك والدفاع عن أنفسهم بسبب
الأمراض التي تسبب بها شبح
الجوع والفقر في كثير من دول
العالم , وخصوصا النامية منها ؟!!
0
وكي نحاول أن نجيب على جدلية
تلك المعادلة – من وجهة نظرنا
الشخصية - , كان من الضرورة أن
نلجأ للقيام بمكاشفة إحصائية
لهما , - أي- بين أرقام وبيانات
الخبز , والذي قصدنا به هنا ,
غذاء البطون والأجسام ,
والتعليم الذي هو غذاء العقول
والأرواح , ومدى علاقة ذلك بطرق
إدارة الثروة والموارد
الطبيعية , وقد اخترنا عالمنا
العربي الذي ننتمي إليه حضاريا ,
ويهمنا كثيرا أن يكون أفضل من
الحال الذي هو عليه الآن , والذي
تبرز من خلاله جدلية هذه
المشكلة بشكل ملفت للنظر ,
بالرغم من ثرواته وخيراته
اللامتناهية , لكي يكون ساحة ذلك
الاستقراء والمكاشفة , وذلك
بهدف معرفة موضع الخلل والقصور
في طرق إدارة موارده وثرواته ,
واكتشاف نقاط الضعف والترهل في
عمليات التنمية الإستراتيجية
المستدامة به , ومدى تأثير بعض
الجوانب كالإنفاق العسكري
وتوزيع الثروات على مستوى دخل
الفرد والبنية الأساسية
للتنمية البشرية
0
وبما أننا جميعا ندرك بان
استقراء المستقبل يتم من خلال
منظار الحاضر , فإننا سنطرح هذا
السؤال الذي نجد أنه سيشكل
مدخلا مناسبا للوصول الى تصور
عام لهذه الإشكالية في عالمنا
العربي , وهو, لماذا عالمنا
العربي على وجه التحديد , سيكون
احد ابرز المتأثرين بمشكلة
التعليم والغذاء في المرحلة
المستقبلية القادمة ؟ وخصوصا في
حال استمرار مستوى إدارة
الموارد واستغلالها , وطرق
التفكير الاستراتيجي على ما هو
عليه الآن , وبكل بساطة ستمثل
الأرقام والإحصائيات التالية
الجواب السهل على ذلك السؤال
الصعب , وغيره من الأسئلة الممكن
طرحها في هذا الجانب من جدلية
المشكلة المتسارعة السابقة في
عالمنا العربي 0
فبداية وبحسب العديد من
الإحصائيات الرسمية وغير
الرسمية , كإحصائيات قسم السكان
بالأمم المتحدة , وجامعة الدول
العربية , وكتاب حقائق العالم
التابع لموقع وكالة
الاستخبارات الاميركية على
سبيل المثال لا الحصر , فان عدد
سكان العالم العربي قد بلغ
العام 2007 م , 338.261.469 نسمة , من
إجمالي عدد سكان العالم البالغ
6.6 بليون نسمة بحسب نفس المصادر
السابقة , وهو ما يمثل نسبة ليست
بالقليلة من إجمالي سكان العالم
ككل , كما أن سكان العالم العربي
هم الأكثر شبابا من بين سكان
العالم , حيث أن الأعمار من 1-14
تمثل 40% من تعداد السكان , وبنسبة
نمو سكاني مرتفعة كثيرا , تجعل
من المتوقع أن يزيد عدد العرب في
العام 2020م عن 450 مليون نسمة , وهو
ما يحتاج بالطبع الى خطط تنموية
إستراتيجية مدروسة بشكل علمي
ودقيق , تواكب حركة تلك
المتغيرات المتسارعة في نسبة
السكان , وخصوصا في فئة الشباب ,
ومتطلباتهم الطبيعية من الغذاء
والكساء والعمل والتعليم , وإلا
فان النتيجة الحتمية لفلتان
عقال تلك الأفواه والعقول
الجائعة , سيكون خطيرا جدا ,
وخصوصا في النواحي الاقتصادية
والأمنية والاجتماعية , وعلى
وجه التحديد في حال استمرار
أزمة ارتفاع الأسعار وغلاء
المعيشة , وهو ما نحاول توضيح
خطورته المستقبلية من خلال هذا
الطرح 0
فهل تنبهت حكوماتنا العربية
الى خطورة هذه الإشكالية
المستقبلية القادمة على رقعة
الشطرنج العربية ؟ والتي ستكون
من اكبر التحديات التي ستواجهها
خلال القرن الحادي والعشرون ,
هذا هو السؤال ؟ فما هي الإجابة
عليه !؟ ولننظر الى الجواب
الرسمي الذي يتضح من خلال
الإحصائيات والأرقام التالية ,
والتي تكشفها بدورها مقارنة
الإنفاق العربي في مجالات
كالتعليم والصحة والتسلح خلال
الفترة من العام 2001 – 2007 م ,
والتي سنستطيع أن نستنتج من
خلالها تصور نظري عام
للوضع المستقبلي لهذه الدول
, حيث
أكدت تقارير متطابقة صادرة عن
عدد من مراكز البحوث والدراسات
الدولية الخاصة بالدراسات
الإستراتيجية وشؤون التسلح
وجامعة الدول العربية أن مجمل
ما أنفقته دول العالم العربي
على التسلح في السنوات الست
الأخيرة فاق مبلغ الـ 254 مليار
دولار , دفعت منها دول الخليج
العربي وحدها أكثر من 66% طوال
هذه السنوات , بينما تؤكد تقارير
التنمية الإنسانية والبشرية
الصادرة عن العالم العربي , أن
ميزانيات غالبية الدول العربية
المتجهة نحو الخدمات التعليمية
والصحية وبرامج التنمية
البشرية لا ترقى لمستوى ما
تنفقه هذه الدول على التسلح دون
استثناء 0
حيث تنفق تلك الدول أقل من 4%
على التعليم من نسبة الدخل
القومي العربي , بينما لا تزيد
نسبة الإنفاق على البحث العلمي
في دول المنطقة أكثر من 0.02% ,
بينما تظهر الإحصائيات إن دول
العالم العربي مجتمعة تترجم ما
مقداره 300 كتاب سنويا , وهو يعادل
واحد من خمسة , مما تترجمه دولة
واحدة وصغيرة كاليونان , كما
تبرز بعض السياسات التعليمية
والقوانين الرجعية المنتشرة في
عدد من الدول العربية , والتي
تأخذ بمبدأ التعليم من اجل
الوظيفة , وليس التعليم من اجل
التعليم , لتهدد مستقبل هذا
القطاع الحيوي , كذلك تبرز مواضع
الضعف من خلال عدم استغلال
الموهوبين والمبدعين والنوابغ
العرب , وضعف التعليم في مواد
كالتربية الوطنية والتي لها
ابرز الأثر في ترسيخ شعور
الولاء والانتماء الوطني ومن ثم
العربي , كذلك وضعف الاستثمار
الأجنبي في هذا القطاع -
وللأمانة – فانه وعلى الرغم من
قتامة الصورة التي ترسمها
الأرقام والبيانات السابقة (
إلا أن الصورة لا تخلو من جوانب
مضيئة في قطاع التعليم ، لعل
أبرزها ذلك الاهتمام المتزايد
بتحسين المنظومة التعليمية
وتطبيق معايير الجودة في معظم
الدول الخليجية ، والتي شهدت
ارتفاعًا كبيرًا في إيراداتها
خلال السنوات الخمس الماضية
بسبب ارتفاع أسعار النفط
عالميًّا ، حيث تشير دراسة
أعدَّها مركز دراسات الاقتصاد
الرقمي " مدار " إلى أن حجم
الإنفاق على قطاع التعليم في
دول الخليج العربي وصل إلى 26
مليار دولار خلال عام 2005 م ) 0
أما بالنسبة للقطاع الحيوي
الآخر ,- أي - قطاع الصحة في الدول
العربية , وما يؤثر فيه سلبا او
إيجابا , كالفقر ومستوى دخل
الفرد , فلم يكن بأفضل حال من
القطاعات الحيوية الأخرى ,
بالرغم من أن هذا القطاع يمثل مع
التعليم ابرز واهم ركائز عجلة
التنمية البشرية , وهو حق من
حقوق الإنسان بموجب المعاهدات
الدولية كالإعلان العالمي
لحقوق الإنسان , والذي نص في
المادة 25 منه علي أن" لكل شخص
حق في مستوى معيشة يكفى لضمان
الصحة والرفاهية له ولأسرته ،
وخاصة على صعيد المأكل والملبس
والمسكن والعناية الطبية وصعيد
الخدمات الاجتماعية الضرورية
" ، كما أكد ذلك العهد الدولي
للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
في المادة 12منه , والذي أشار الى
أقرار مختلف الإطراف في هذا
العهد , بحق كل إنسان في التمتع
بأعلى مستوي من الصحة الجسمية
والعقلية يمكن بلوغه , وضرورة
اتخاذ التدابير اللازمة من أجل
خفض معدل المواليد وموت الرضع
وتـأمين نمو الطفل نمواً صحياً ,
وتحسين جميع جوانب الصحة
البيئية والصناعية , وتحقيق
الوقاية من الأمراض الوبائية
والمتوطنة والأمراض الأخرى
وعلاجها ومكافحتها , إضافة
إلي تهيئة ظروف من شأنها
تأمين الخدمات الطبية والعناية
الطبية للجميع في حالة المرض
0
ولكن – وللأسف – فان
الأرقام والإحصائيات الرسمية
منها وغير الرسمية , لا تشير الى
تحسن ملموس في هذا القطاع
الحيوي , حيث تؤكد الدراسات الى
وجود أكثر من 73 مليون عربي
يعتبرون فقراء بمقاييس الأمم
المتحدة , منهم ما يزيد عن 30
مليون مهددون بالموت بسبب
الإمراض المختلفة , والتي
يعجزون عن علاجها بسبب الفاقة ,
كما أشارت دراسة أعدها المجلس
العربي للطفولة والتنمية إلى أن
أكثر من 80 % من سكان العالم
العربي يعيشون في فقر مدقع , حيث
يعيش أكثر من 230 مليون نسمة منهم
بمتوسط دخل لا يزيد عن 1500 دولار
سنويا للفرد , - أي – بمعدل 4
دولارات في اليوم الواحد , بينما
أشارت دراسة أخرى أعدها اتحاد
المصارف العربية
إلى وجود حوالي 200 ألف ثري
عربي يملكون أكثر من 800 مليار
دولار تتركز معظمها في دول
الخليج العربي 0
أما في الجانب الآخر فقد
أوضحت المنظمة العربية للتربية
والثقافة والعلوم "ألكسو"،
أن هناك جهودا عربية تبذل
لمكافحة الأمية في الوطن العربي
غير أنها رأت أن هذه الجهود لم
ترق إلى المستوى المطلوب في
كثير من الدول العربية وأفادت
بيانات المنظمة العربية أن عدد
الأميين بالعالم العربي يبلغ
نحو 100 مليون نسمة ، ما يعني أن
واحداً من بين كل ثلاثة عرب أمي
، وهم يشكلون ما نسبته 29.7 % من
إجمالي عدد سكان الدول العربية ,
الذي يبلغ نحو 338 مليون نسمه ,
منهم 75 مليون شخص أمي في العالم
العربي ، من الفئة العمرية
مابين - 15 و45 عاماً – أي الفئة
العمرية المنتجة- والتي مثلت
الإناث منها ما
نسبته 46.5 % منها , بينما لم
تزيد نسبة الإنفاق العربي على
قطاع الصحة من إجمالي الدخل
القومي لجميع الدول العربية
نسبة 3.5 % خلال السنوات الست
الأخيرة في اغلب الدول العربية
بحسب تقارير منظمة الصحة
العالمية 0
المهم في الأمر بأننا
اكتشفنا من خلال الأرقام
والتقارير والإحصائيات السابقة
, وضوح تلك الإشكالية في جدلية
التعليم والغذاء في عالمنا
العربي , والتي مثلت ولا زالت
الخلل في إدارة الخطط البشرية
وعمليات التنمية الإنسانية في
هذه البقعة من العالم , كما أننا
وضحنا من خلال السطور الماضية ,
الأسباب التي تدعو للخوف من
تفاقم ذلك الصراع في وطننا
العربي , وخصوصا مع اتضاح
التفاوت الكبير في ارتفاع معدل
السكان , وخصوصا بين فئة الشباب ,
ومدى التوازن الذي حققته تلك
الدول في احتواء المطالب
المستقبلية لتلك الشريحة من
الغذاء والتعليم والصحة , وكيف
يمكن أن يؤثر ذلك على اختيار
الفرد ما بين التعليم والثقافة
ولقمة العيش ؟ , في ظل متوسط دخل
لا يؤهل الأغلبية لحياة طيبة في
دول يمثل إنفاقها على الأسلحة
بالمليارات !!؟ 0 *كاتب
وباحث في الشؤون السياسية
والعلاقات الدولية – سلطنة
عمان -------------------- هذه
الدراسة
تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |