ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 27/08/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

قراءة في واقع الثورة السورية وساعة الحسم

- الجزء الأول –

" من أجل أن لا يغيب عن ساحة النصر الكثيرون"

د.محمد شادي كسكين

الأمين العام لتيار العدالة الوطني في سورية

تهدف هذه السطور إلى قراءة متأنية لواقع الثورة السورية في نهاية شهرها السابع عشر وتقديم رؤية نقدية لهذا الواقع تستشرف مستقبل التحرك المنشود للإنتقال من " مطبات " التأثر بالواقع المحيط بالثورة والذي طغى على نحو ما على الأشهر السبعة عشر إلى سياسة " التأثير" في أطراف المعادلة الممتحكمة والفاعلة في مساراتها . تقدم هذه السطور وقفات لإلتقاط الأنفاس ومراجعة الحسابات وإعادة ترتيب أوراق التكتيكات والإستراتيجات التي ينبغي للثوار في سورية الإلتفات إليها سعياً لحسم هذه " الثورة المعركة".

أعتبر نفسي فرداً يؤدي الواجب الحتمي على كل سوري حر في مجموع الحراك الثوري المصنف شعبياً إلى معارضة سياسية ومقاومة ميدانية. ولذا أختار دائماً التعبير عن هذا المجموع الثوري بلفظ " نحن " في إشارة إلى ضرورة الإنسجام التام بين الحراك الثوري خارج سورية و الحراك الثوري الميداني داخل سورية من جهة وضرورة المراجعة والنقد الذاتي من جهة أخرى . قد يأخذ البعض عليّ تعاملي بواقعية صريحة مع المفردات والتوصيفات لكن دفن رأسنا في الرمال وإن كان يعني أن لا نرى العالم من حولنا إلا أنه يعني أن يتفرج العالم على عوراتنا ويتحكم في ورقة التوت التي قد تسترها . إخترت أن أقدم في هذا العمل قراءة لملفات ينبغي للثوار مراجعة أساليب تعاملهم معها والتعامل معها وفق طرق وأساليب تعجلّ بإنتصار ثورتهم وتفوت الفرصة على أعداءهم في إطالة عمر هذه الحرب وزيادة ضريبتها المدفوعة حصرياً من دماء الأبرياء من الشعب السوري ومقدراته وبنيته التحتية

يقال " إنما النصر صبر ساعة" لكن هذه الساعة الأخيرة غالباُ ما تكون الأقسى والأطول والأكثر تكلفة وألماً . سبعة عشر شهراً مرت من عمر هذه الثورة المباركة ونحن ننتظر ولادة هذه الساعة لكن السؤال الذي يفرض نفسه لما بعد الأمنيات والأشواق مشابه تماماً لأمنيات الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنة فكان السؤال الجواب: وماذا أعددت لها؟!

لقد تحولت الإنتفاضية الشعبية السورية من مجرد ثورة إلى " حرب وجود" يكون فيها طرف على حساب الطرف الأخر أو لا يكون – شعب حر إلى الأبد أو نظام مستبد إلى الأبد . لاقيمة في الحروب لإستمرار المعارك دون إحراز نقاط ومكاسب وإلا كانت إستنزافاً يسقط فيه الأضعف عزيمة وعدداً وعتاداً – دافع الضريبة القاسية في الثورة السورية هو الشعب السوري وإستمرار الصمود والصبر لا يبرر القناعة بالمكاسب التي تتحق ببطء ولا الرضا بهذا الثمن الذي يجب ان ينخفض إن لم ينعدم. على نحو مغاير تماماً للثورات العربية السابقة تتداخل الملفات والحسابات الداخلية والإقليمية والدولية في حساب الحسم في الثورة الحرب في سورية وبشكل معقدّ للغاية, أخطأ البعض في الفترة الماضية حين تعامل مع الثورة على أنها حرب محاور مختلفة فقط بين نظام الأسد وشعب سورية , الحقيقة التي تكشفها القراءة الصحيحة للثورة اليوم تقول إن حسم المعركة في سورية متوقف على التعامل الصحيح مع كل هذه الملفات بالسوية التي ينبغي ومع كل أطرافها ومحاورها دون إستثناء

الجيش السوري الحر وكتائب الثورة:

عرفت الثورة السورية المباركة أولى اشكال العمل الجماعي في المظاهرات التي إنطلقت بدءاً من يوم 15-3-2011م عبر إشراف مجموعة من الشباب على تنظيم هذه المظاهرات وتأمين إحتياجاتها – وسرعان ما أطلق لفظ" التنسيقية " على مجموعات الإشراف هذه . أحتفظ في صندوق رسائلي على موقع التواصل الإجتماعي " الفيس بوك" برسلة مؤرخة بالثاني من إبريل 2011م من المعارض السوري محمد رحال يتحدث فيها عن " تنسيقيات" تنظم فعاليات الثورة السلمية في محافظة إدلب ولكن وبشكل عام لا يوجد تاريخ محدد ولا معلومات مؤكدة حول مصدر و أول من إستخدم هذا المصطلح في الثورة السورية.– تولت التنسيقيات المنشأة في كل حي وبلدة وقرية مهمة تنظيم المظاهرات وتأمين ما يلزمها من أجهزة للصوت ولافتات وشعارات وصور وخطباء ومتحدثين ومنشدين كما تولت مهمة تصوير هذه المظاهرات وبثها عبر شبكة الإنترنت. مع إنتشار هذه التنسيقيات شهدت الساحة السورية محاولات لتجميع تنسيقيات كل محافظة تحت سقف واحد كما شهدت محاولات لتشكيل كيانات أكبر فظهرت " الهيئة العامة للثورة السورية " و" المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية " ولجان التنسيق المحلية " وإتحاد التنسيقيات " قبل أن تحظى محاولات تشكيل مجلس وطني بإهتمام أكثر مترافقة مع تأسيس لعشرات الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية والإغاثية السورية . بعد ثلاثة أيام تماماً من إنطلاق الثورة المباركة وفي أول جمعة تشهدها الثورة ومع تنفيذ المتظاهرين في مدينة درعا لإعتصامهم في المسجد العمري بعد سقوط شهداء في الـ 18-3-2011م دخل الجيش النظامي على خط المواجهة مع الشعب المنتفض فإقتحمت الفرقة الرابعة المدينة يوم الإربعاء 24-3-2011م وهاجمت الجامع العمري مخلفة شهداء وجرحى . شهدت ذات الفرقة في ذات الليلة أول تمرد فردي في الجيش السوري إذ رفض المجندعبد الكريم خالد المصري إطلاق النار على المعتصمين في الجامع العمري وقام قائد من قادته بقتله فوراً. بعد شهر تماماً وفي 23-4-2011م بث ناشطون سوريون شريطاً يعلن فيه المجند في الحرس الجمهوري في قيادة قاسيون وليد القشعمي إنشقاقه عن الجيش ورفضه وبعض زملائه إطلاق النار على متظاهرين في بلدة حرستا بريف دمشق،..

شكل إنشقاق الملازم أول عبد الرزاق طلاس عن الجيش العربي السوري في 7-6-2011م أول إنشقاق لضابط عسكري في الجيش السوري, بعد هذا التاريخ بيومين أعلن المقدم حسين هرموش إنشقاقه رداً على حملة الجيش السوري على مدينة جسر الشغور لتتوالى بعد فترة وجيزة إنشقاقات عدد من الرتب الأقل مثل النقيب أيهم كردي من قوى الدفاع الجوي و النقيب رياض أحمد وهو من الفوج 45 من القوات الخاصة وقائد السرية الأولى من الكتيبة 974 . شكل هذا الإنشقاق نواة للواء الضباط الأحرار الذي شكله المقدم حسين هرموش في جبل الزاوية بمحافظة إدلب وتبنى حماية المدنيين وإسقاط نظام الأسد هدفاً له , فتح إنشقاق رتبة عسكرية أعلى من المقدم حسين هرموش وهو العقيد رياض موسى الأسعد في 31 -7 -2011م باب الخلافات والانقسام بين صفوف العسكريين المنشقين . أسس العقيد الأسعد " الجيش السوري الحر" وهي التسمية التي اضحت تطلق على كل تشكيلات العمل العسكري في الثورة السورية سواء أكانت هذه الكتائب تتبع للجيش الذي يرأسه العقيد الأسعد أم لا. في شهر أكتوبر وبحسب الهيئة العامة للثورة السورية فقد أعلنت حركة الضباط الاحرار في 24-9-2011م إنضمامها للجيش السوري الحر وتشكيل المجلس العسكري وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول أعلن في حمص عن تشكيل المجلس العسكري للكتائب المنشقة عن الجيش السوري والذي يتألف من سرايا تحمل اسم خالد بن الوليد، وتضم سرايا فرعية تحمل اسم النشامى وحمص وأحرار تلبيسة وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري.. زادت وتيرة الإنشقاقات في الجيش السوري بصورة لافتة ووصلت الرتب المنشقة إلى رتبة لواء لكن إتساع رقعة هذه الإنشقاقات وعدم إتفاق الضباط المنشقين على مرجعية عسكرية واحدة قاد إلى تشكيل مجالس وهيئات عسكرية متعددة في تركيا اضافة إلى "مجالس عسكرية " و" مجالس لقيادة الثورة " في داخل المحافظات السورية.

" يعتبر انفجار خلية الأزمة اختراقًا نوعيًا باهظ التكاليف لمؤسسة الحكم السوري، ليس فقط لأنه أودى بحياة مسؤولين من الصف الأول في النظام، ولكن أيضًا لأنه أظهر حجم الخرق والارتباك في بنية الحكم. ليس ثمة من دليل على وجود مؤامرة وتصفيات داخلية؛ وليس هناك نظام حكم يغتال هذا العدد من رجاله أثناء معركة بهذا الحجم، تهدد وجوده كله. الحقيقة أن الشريط الذي وزعته المعارضة، والذي يُظهر وجود كاميرا تراقب وتصور بناية الأمن القومي لحظة الانفجار، يؤكد أن مجموعة من المعارضة هي المسؤولة عن هذه العملية. وليس هناك ما يستدعي الاستغراب والدهشة، على أية حال، فالانشقاقات في صفوف القادة العسكريين والأمنيين وصلت إلى قلب المؤسستين العسكرية والأمنية، مما يوفر نافذة واسعة للمعارضة، تطل منها على أركان الحكم وإدارته ومراكز تحكمه . يمكن أن يقال بالطبع: إن انفجار خلية الأزمة ليس أكثر من انتصار معنوي للمعارضة وقوى الثورة؛ ففي دولة قمعية عميقة الجذور، لن يؤثر غياب عدد صغير من القادة كثيرًا، ولكن ما حدث أن الانفجار واكب ويواكب تقدمًا نوعيًا للثورة وقواها المسلحة في كافة المجالات. فقد بدا طوال أسبوع من يوليو/تموز 2012م أن النظام يفقد السيطرة على أحياء بأكملها من العاصمة. ولم يكن نجاح قوات النظام في استعادة السيطرة العسكرية على العاصمة ممكنًا بدون استدعاء قوات جديدة من خارج دمشق؛ إضافة إلى أن مجموعات الثوار في أحياء العاصمة تفتقد خطوط الإمداد والدعم، المتوفرة للثوار في أطراف البلاد الشمالية والشرقية- راجعخيارات الأسد - مركز الجزيرة للدراسات- الخميس 26 يوليه 2012 م.

بين التكتيك والإستراتيجات:

لا يلام العسكريون السوريون والثوار المنضون تحت لواء وكتائب الجيش السوري الحر في ظل الظروف القاسية التي أحاطت بعملية إنشقاقهم أو بتلك التي يعايشونها يومياً في حربهم ضد نظام الأسد. لم يكتف العالم برفضه التدخل عسكرياً لإنقاذ المدنيين من جحيم المذبحة التي تحصد أرواحهم يومياً ولا برفضه تسليح الجيش الحر أو فرض حظر على الطيران الجوي يمنع الاسد من ا لإستمرار في قصف المدن والقرى من الجو ناهيك عن رفضه دعم إقامة مناطق عازلة أو تأمين ممرات أمنة. في ذات الوقت يواصل حلفاء النظام دعمهم اللامحدود لقوات النظام بالمال والسلاح والخبراء والمعلومات ناهيك عن الدعم السياسي . يعمل الثوار السوريون في ظروف صعبة للغاية إذ يعتمدون على موارد محدودة لتأمين شراء الذخيرة والأسلحة الخفيفة وفيما وافقت بعض الجهات على دعم ببعض مضادات الدروع وما شابهها فإن هذه العملية تجري وفق حسابات دقيقة ولجهات معينة تحافظ على معادلة أن لا يفنى الثوار ولا يسقط الاسد.

بالتأكيد تفرض المعركة شروطها مثلما يفرض ميزان القوى ظروف خوض المعارك وسيناريوهاتها. في بادئ الأمر واجه الجناح العسكري للثورة مشكلة تأمين المصادر المالية الكافية لشراء السلاح والذخيرة – مع الوقت زاد حجم التبرعات التي وردت لهذا الجناح الذي إستطاع تأمين أسلحة خفيفة وذخائر إستخدمت للهجوم على قوات الأسد – بقيت فعالية هذه الأسلحة محدودة أمام القوات المدرعة – شكلت هذه الهجمات مصدراً أفضل للتزود بالسلاح والذخيرة. منذ لك الوقت قامت الفكرة في ظل غياب دعم عسكري دولي أو عربي على الإعتماد على أسلحة العدو والحصول عليها – مع إزدياد حجم ومساحة وتطور نوعية عمليات الثوار على حواجز قوات النظام ومراكزه ومع إكتشاف مصادر جديدة للشراء رغم إرتفاع الأسعار زادت كمية القذائف المضادة للدروع والتي نجحت في تحويل بعض المناطق إلى مقابر لها"

بدءاً من الفترة التي ظهرت فيها مضادات الدروع ولاسيما " قذائف أر بي جي " في يد الثوار زاد الجيش الأسدي من إعتماده على تفوقه الجوي ودخلت الطائرات المروحية لاسيما من طراز "ميل ميل 24" المعروفة باسم "الدبابة الطائرة" روسية الصنع إضافة للطيران الحربي ومنظومة الصواريخ المعركة بكثافة أكبر الأمر الذي زاد من عدد الشهداء والمصابين وحجم الدمار في المناطق المستهدفة وخلق تحدياً عسكرياً خطيراً أمام قوات الثوار . في شهر يوليو تموز 2012م أشارت بعض التقارير الى اختفاء عدد من 20 ألف صاروخ كانت في الترسانة الليبية زمن العقيد معمر القذافي "وتم تهريب بعضها الى دول في إفريقيا، والى مصر، حتى والى صحراء سيناء" وفقا لأحد التقارير". صحيفة " الجمهورية " اللبنانية نقلت في العشرين من اب أغسطس 2012م عن صحيفة "كوميرسانت" الروسية قولها أنه "بات معلوما أن ليبيا تقوم بإمداد الجيش السوري الحر بأسلحة يُعتقد أن بعضها أسلحة حصلت عليها ليبيا من روسيا خلال حكم معمر القذافي بما فيها صواريخ "إيغلا" المضادة للطائرات ورشاشات كلاشنيكوف" وأن " الدول الغربية وإن لم تكن تقدم الدعم العسكري المباشر إلى المعارضة السورية إلا أنها لا تمنع دول المنطقة من تقديم مثل هذه المساعدة". في 7-أب أغسطس 2012م نشر الموقع الإلكتروني لكتائب التوحيد في محافظة حلب وريفها صورة لأحد مقاتليه في بلدة تل رفعت وعلى كتفه صاروخ مضاد للطيران من نوع " سام 7" . يعد الصاروخ " سام 7 " الروسي الصنع من أخف الأنواع التي يمكن حملها بواسطة شخص واحد، تم إنتاج هذا الصاروخ في الاتحاد السوفياتي في بداية ستينات القرن الماضي، وما زال من إنتاج الصناعات الروسية كسلاح للتصدير سهل الاستخدام، خصوصا المحمول على الكتف، لأنه صغير بطول 144 سنتيمترا وينطلق متتبعا الحرارة المنبعثة من محركات الطائرة المعادية، لذلك كان له أثر كبير في تحييد الطيران الحربي الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 حتى وفي حرب العراق مع إيران. لم يذكر الموقع الإلكتروني بالتأكيد ولا قوات كتائب التوحيد مصدر شراء أو الحصول على هذا الصاروخ ولا حجم تزودها به" – إلى ان تتضح صورة المصادر التي زودت الجيش الحر أو بعض كتائبه بهذه الصواريخ يكون من الضروري المحتوم للقائمين على ملف التسليح في الكتئاب المقاتلة التفكير في طريقة تضمن إمتلاك عدد مناسب من هذه الصواريخ لاسيما في ظل إحتمالات إنقطاع خط الإمداد بهذه الصواريخ من مصادرها وفقاً لقرار مفاجىء من مصدريها أو إستجابة لرغبات وضغوط جهات دولية أو إقليمية وحساباتها. تتوزع ألوية الدفاع الجوي وقواعد ومنصات إطلاقها وتشغيلها في عدة محافظات سورية لكن أكثرها يقع حول العاصمة دمشق وفي المحافظات الحدودية لاسيما محافظة درعا – إستهدفت كتائب الجيش الحر عدة مرات المطارات العسكرية لكن الحاجة إلى خطة عمل تتألف من عمليات مدروسة لشل الذراع الجوية للنظام بشكل شبه كامل باتت ملحة وضرورية للإجهاز على هذا النظام وما لم يتم العمل على ذلك فإن نهاية الساعة الأخيرة للمعركة وتكلفتها إلى أن تقع تبدو بعيدة وباهضة نوعاً ما. لقد عاينت على مدى سنتين تقريباً ألوية الدفاع الجوي في محافظة درعا على الأقل وأعلم تماماً ان السيطرة على مقر عملياتها ممكن وسهل عسكرياً دون أن أدخل في تفاصيل عملياتية تترك لأصحاب الخبرة والإختصاص فيها إلا ان ما سبق في هذا المجال يفضي بنا إلى الإشارة بإعتماد سياسة" الجو أولاً " قبل الدخول في عمليات للسيطرة على المدن والأحياء تمهيداً لإعلامنها مناطق محررة – إن كل المراجعات التي يمكن لباحث أو مراقب القيام بها في العمليات العسكرية للثورة السورية فيما مضى من العام 2012م على الأقل لن تفضي إلإ توصية واحدة مفادها أن الأرض المحررة تمر من الأجواء المحررة" . من المؤكد أن نظام الاسد يفهم هذه الزاوية الأساس في معادلة الحسم العسكري مثلما يفهم ما تعنيه تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في تريكا من " أن واشنطن وأنقرة تدرسان إقامة مناطق حظر للطيران فوق منطقة سورية وخطوات أخرى لمساعدة قوات المعارضة السورية و أن على تركيا والولايات المتحدة الخوض في تفاصيل هذه الخطط". مصدر دبلوماسي كشف لـ«صحيفة الأخبار اللبنانية » نشرت مضمونه أبرز مضامين السيناريو الاستخباريالعسكري التركي والاميركي الذي تحدثت عنه كلينتون وتحفظت عن إعطاء تفاصيل بشأنه. وبحسب هذا المصدر، فإن المقصود بمنطقة الحظر الجوي ليس فرضه بواسطة طائرات أميركية أو تركية أو حتى أطلسية، ذلك أن قرار حلف شمالي الأطلسي لا يزال على حاله، وهو عدم التورط العسكري مباشرة في سوريا. ووفقاً للمصدر، فإن المقصود هو اقامة منطقة تخضع لسيطرة المعارضة تمتد من النصف الشمالي لمدينة حلب وصولاً إلى شرق إدلب حتى حدود منطقة الحسكة الكردية وحتى غرب القامشلي. ويلاحظ أنه ضمن هذه المنطقة، التي تتشكل من المسلمين السنة بالكامل، يوجد جزر ديموغرافية كردية في مكانين حصراً، هما عفرين وقرى تقع غرب أعزاز - تتطلع الخطة التركية ــ الأميركية إلى فرض حظر جوي في هذه المنطقة على سلاح الجو السوري، من خلال تدخل تركي غير معلن، وذلك بالنيابة عن كل الحلف الأطلسي ومجموعة دول أصدقاء الشعب السوري. وقوام الحظر تزويد المعارضة بصواريخ ستينغر المضادة للطائرات، على أن تدار هذه الصواريخ بواسطة ضباط أتراك، وعدم وضعها بأيدي المجموعات السورية المسلحة لتجنب تسربها إلى أيدي القاعدة، ولا سيما أن الاستخبارات الغربية، تكوّن لديها إدراك عميق بأن القوة الصلبة من بين كل المعارضة السورية المسلحة تتكون من أصوليين إسلاميين.

تقوم الخطة المشتركة على فلسفة عسكرية تنطلق أولاً من أن تأمين الحماية لهذه المنطقة بصواريخ ستينغر، سيؤدي الى حظر جوي فوقها من الأرض، على أن يتم تشغيل هذه الصواريخ بواسطة ضباط أتراك وبشكل غير معلن. ثانياً، يوجد رهان على أن صواريخ ستينغر، التي نجحت في هزيمة الجيش السوفياتي في أفغانستان، ستحقق نفس النتيجة مع الجيش السوري. فالستينغر، بعكس صواريخ سام، قادر على تضليل البالونات الحرارية التي تطلقها الطائرات المقاتلة لتفادي اصابتها. ورغم أن ستينغر هو صاروخ مضاد للطائرات ذات المستوى المنخفض عن سطح الأرض (11 ألف قدم)، ما يعني أنه لن يكون بامكانه مواجهة طائرات ميغ القادرة على القصف من ارتفاع عال، الا أن الاستخبارات الاميركية والتركية تعتقد أن نوعية المنطقة التي سيتم اختيارها لاقامة المنطقة الآمنة عليها ستكون بمعظمها مكونة من مناطق مرتفعة. ويذكر المصدر الدبلوماسي أن المجاهدين في أفغانستان عملوا انطلاقاً من الأمكنة العالية في تكتيكات اسقاط طائرات ميغ بنسبة نجاح وصلت الى 72 في المئة، وكان اجمالي ما أسقطوه هو 270 طائرة.

ويتمتع ستينغر بميزة أنه يمكن لحامله استخدامه والاختفاء من مكان انطلاقه بسرعة، كما أن منظومته كدفاع جوي متحرك ومحمول على الكتف أو من عربات ذات عجلات خفيفة التدريع، ستساعد على تغطية معظم المجال الجوي للمنطقة الآمنة وتلحظ هذه الخطة أيضاً، عاملاً اضافياً يتمثل في أن حلب ستبقى ساحة حرب مفتوحة، لن يصار إلى حسمها، وذلك في نفس الوقت التي سيتم فيه إنجاز المنطقة المحمية بصواريخ ستينغر المشغلة من ضباط أتراك، وستقوم هذه المنطقة بوظيفة القاعدة الخلفية اللوجستية للمعارضة السورية واستقبال المنشقين من الجيش السوري والمتطوعين إلى جانب المجاهدين غير السوريين. وتقول المعلومات إن أول صفقة من صواريخ ستينغر وصلت فعلاً الى هذه المنطقة . تراهن الخطة الآنفة على أنه بالاضافة إلى إقامة المنطقة المحمية، فإن المعارضة السورية انطلاقاً منها ستمارس عسكرياً سياسة قضم المزيد من الأراضي الواقعة تحت سلطة النظام، وذلك عبر محاولة فتح واحد من الممرين التاليين: الأول عبر ريف حلب الغربي ــ إدلب ــ حماه ــ والالتفاف من غرب حمص باتجاه الحدود اللبنانية. ومن ميزات هذا الممر أنه يؤمن لمنطقة المعارضة المحمية، اطلالة على البحر من خلال مرفأ طرابلس الذي سيكون عملياً خاضعاً لسيطرة الامتداد اللبناني السلفي والمناصر للمعارضة السورية. وتجدر الاشارة في هذا المجال إلى السعي المستمر من قبل القوى اللبنانية الملتحمة مع المعارضة السورية في طرابلس إلى «تنقية» المدينة من أي وجود عسكري آخر، وذلك عبر إقصاء القوى الطرابلسية المؤيدة لفريق ٨ آذار. وآخر وقائع هذا التوجه، حصل خلال الأسبوع الماضي حينما قامت قوات سلفية باقتحام حي في الميناء بطرابلس مسيطر عليه من أتباع الشيخ هاشم منقارة، وأجبرت الأخير تحت الضغط العسكري والتهويل باستمراره، على سحب القوة العسكرية التابعة له من هذا الحي الى منطقة شكا. وتفاوضه القوات السلفية الآن على التخلي عن مسجد الحي، أو كحد أقصى أن يبقى تحت إدارة الشيخ منقارة، ولكن بصفته الشخصية لا الحزبية، ما دام المسجد من أملاكه الخاصة.

أما الممر الثاني، فيمتد عبر شرق ريف حلب جنوباً نحو تدمر، ومن ثم إلى الشام. وهذا الخط يلتف حول حمص وهو صحراوي. والخيار العسكري ضمن هذه الخطة، يتمثل بأنه في حال لم يكن ممكناً الحسم على الخط الأول، فإنه سيصار إلى محاولة الحسم على الخط الثاني. وينطلق مبدأ انتقاء الخطين من الحاجة العسكرية إلى تحاشي استعصاء امكانية السيطرة على خط الرستن ــ حمص ــ تل كلخ، ذلك أن اندفاع الجيش السوري لجعل الاشتباك دائماً على هذا الخط الأخير، جمّد القدرة على فرض تغييرات لوجستية لمصلحة المعارضة فيه. ومن هنا، نشأت الحاجة إلى إيجاد خط اشتباك بديل يمكن تحقيق إنجازات عسكرية عليه وفق استراتيجية القضم الآنفة

إذن تختزل معركة حلب كل قصة الصراع الدولي والإقليمي الراهن على سوريا. والأيام المقبلة لن ترسم، حتماً، نهاية لهذه المعركة، لكنها سترسم أخطر فصول تطورات ما بات يصطلح على تسميته بالأزمة السورية. داخل الكواليس الدولية، لم تعد خافية نوعية المواجهة المقبلة، انطلاقاً من ساحة حرب حلب التي ستبقى مفتوحة بقرار دولي، وانطلاقاً من صعوبة حسم الخلفيات المسببة لهذه الحرب. ويتشابك فيها الملف الكردي في المنطقة وملف الغاز المكتشف حديثاً في مياه المتوسط، وملف إيران على طاولة مجموعة الـ5 + 1، وملف الأقليات المشرقية امتداداً حتى داخل تركيا (الأكراد والعلويين).

بالتأكيد لا تبدو خيارات نظام الأسد - الذي يفهم مسارعة أمريكا وغيرها إلى صفقة للإبقاء على النظام بدون رأسه وعلى الثورة بدون جوهر أهدافها - لإفشال هذه الخطة قليلة وتتوقع المصادر الغربية بثقة، واستناداً إلى معلومات استخبارية وحسّية على صلة برصد وقائع ميدانية على الأرض،بأن أحد أبرز الردود التي سيبادر إليها النظام السوري يتمثل في إقامة منطقة كردية تمتد على مناطق واسعة من محافظة الحسكة السورية الواقعة على حدود جنوب شرق الأناضول، التي يقطنها الأكراد السوريون. ومؤخراً قامت السلطة المركزية في دمشق بإخلاء المنطقة بالكامل من الجيش السوري ومؤسساتها الأمنية والحكومية، وتم تسليمها ظاهرياً إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي ينظر إليه على أنه الفرع السوري للحزب العمالي الكردستاني، الذي بات عملياً يشرف على هذه المنطقة عسكرياً.

وتنظر تركيا بخشية كبيرة إلى هذا الإجراء السوري لانعكاساته الخطرة على أمنها القومي، كونه سيجعل مساحة الاشتباك التركي مع الأكراد ممتدة على مساحة واسعة. ويكفي لاستكشاف هذه الحقيقة إدراك الوقائع الديموغرافية التالية: مدينة المالكية، الكائنة في أقصى شمال شرق سوريا، والتي أخلتها السلطة المركزية السورية لمصلحة حزب العمال الكردستاني تقع على مثلث الحدود السورية ــ العراقية ــ التركية، وتقابلها مباشرةً داخل الأراضي التركية مدينة ديار بكر في جنوب شرق تركيا التي تشهد اشتباكات مستديمة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. الحال ذاتها تنطبق على مدينة القامشلي التي تقابلها داخل تركيا مدينة نوسيبنين الكردية التركية.

الإجراء الأشد خطورة الذي تتوقعه كل من الاستخبارات التركية والأميركية، هو أن النظام السوري سيلجأ للرد على تسليح المنطقة المحمية داخل الأراضي السورية بصواريخ ستينغر، بتزويد المنطقة الكردية في الحسكة (والتي باتت تسمى اصطلاحاً في الدوائر الغربية «كردستان سوريا») بصواريخ سام قادرة على إسقاط الطائرات التركية ليس فقط فوق أجواء هذه المنطقة بل فوق أجواء الاراضي التركية حيث تجري الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. وما يضاعف قلق أنقرة من احتمال اتخاذ دمشق هذا الإجراء، هو معلومات استخبارية تفيد بأن موسكو نجحت في تطوير جيل جديد من صواريخ سام قادر على تضليل البالونات الحرارية التي تتسلح بها الطائرات لتلافي إصابتها به في المحصلة، فإنه في مقابل التفكير الأميركي ــ التركي بانشاء منطقة حظر جوي بواسطة صواريخ ستينغر تشمل أعزاز، ريف حلب، إدلب وجسر الشغور، فإن دمشق تقيم منطقة كردية، ستصبح محمية بصواريخ سام من الجيل الجديد، وهي تمتد على ديموغرافيا منطقة الحسكة، وتكون بضمنها مدينة المالكية المقابلة لديار بكر معقل الحزب العمال الكردستاني داخل الاراضي التركية " بتصرف - سيريا بوليتيك - دمشق تقرر منح صواريخ "سام" للأكراد إذا منحت تركيا "ستينغر" للمعارضة – ناصر شرارة -15 أغسطس 2012 م.

في 28-1-2012م بسطَ الجيش السوري الحر سيطرته على بلدات كفربطنا وسقبا وحرستا وحمورية وعين ترما في منطقة ريف دمشق الشرقي ورد النظام بقصف هذه البلدات وإرتكاب مجازر فيها , دفع النظام بأكثر من 2000 مقاتل و50 دبابة لإستعادة هذه البلدات وبعد قتال إستمر لأربعة ايام أعلن الجيش السوري الحر إنسحابه من تلك البلدات بعد أن خلفت المعارك أكثر من 130 شهيداً , في 11-2-2012م خاض الجيش السوري الحر معركة حامية الوطيس في مدينتي الزبداني ومضايا إستمرت من 13 يناير إلى 17 يناير 2012 م عجز الجيش السوري خلالها عن اقتحام البلدة بسبب إحكام الجيش السوري الحر سيطرتها عليه ومقاومته لمحاولات التوغل فيها. رافق الحملة قطع لخدمات الكهرباء والماء والهواتف عن البلدة ما دفع كتيبة حمزة بن عبدالملطلب إلى تهديد السلطة بضرب أبراج نقل الكهرباء المتجهة إلى لبنان وكذلك أنابيب المياه التي تغذي مساكن ضباط الجيش وأبراج الاتصالات ,إضطرت السلطة تحت هذا التهديد إلى الجنوح لمفاوضات للتهدئة انتهت لاتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين مع إستمرار حصار القوت الأسدية للمدينة . في 3 شباط عادت القوات النظامية لقصف المدينتين خارقة الاتفاق، أعلنَ الجيش الحر انسحابه من المنطقة بعد إبرام اتفاق جديد مع الجيش النظامي. قال الجيش الحر أن قراره هذا جاء لحقن الدماء والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المدينتين المُحاصرتين، فيما يَقضي الاتفاق بينه وبين الجيش النظامي - غير المساح للمساعدات بالدخول - بإعادة مدرعة وأسلحة كان قد غنمها من قوات الأمن والجيش مُقابل السماح لأفراده بالانسحاب من المنطقة دون ملاحقتهم، بهذا الإنسحاب دخلَ الجيش النظامي المدينتين وانتهت المعركة بعد أسبوع من القصف أدى إلى سقوط 100 شهيد ومئات الجرحى، فضلاً عن تهديم 35 منزلاً بالكامل وتضرُّر 400 منزل أخر . بعد يومين فقط من إنتهاء هذه المعركة وفي الساعة الثامنة صباحاً من يوم الاحد 5-2-2012م بدأت معركة اشد في حي " بابا عمرو " في مدينة حمص بقصف عنيف من راجمات الصواريخ إستهدف الحي المعروف عنه بأنه " معقل لقوات الجيش السوري الحر" . دفع النظام بالألاف من الجنود والمزيد من العتاد لإحكام حصار الحي والإستيلاء عليه – بعد قصف عنيف استمرَّ 26 يوماً بدأت قوات النظام بهجوم بري لإقتحام الحي – في يوم الخميس الاول من مارس 2012م وبعد مقاومة بطولية كبيرة أعلنَ الجيش السوري الحر عن انسحابه من حيّ بابا عمرو "انسحاباً تكتيكياً" حفاظاً على أرواح المدنيين، ونظراً إلى نفاذ الأسلحة. وعلى الرُّغم من ذلك فقد بقيَ بعض مقاتليه في المنطقة على أمل تغطية انسحاب رفاقهم، وبالطبع نفذت قوات النظام عمليات إعدام ميداني لمن عثرت عليهم في الحي بعد أن فر الألاف منه خشية إنتقام القوات المقتحمة . .

في صباح يوم السبت 10 آذار 2012 حاصرت القوات النظامية مدينة إدلب وبدأت بقصفها بالمدفعية، كما حاولَ بعض الجنود اقتحامها، غير أنهم دخلوا في اشتباكات مع الجيش السوري الحر الذي منعهم من دخول المدينة قبل أن تفرض قوات الأسد حصاراً على المدينة وتستعد لإجتياحها. أعلنَ الجيش الحر بحلول مساء الثلاثاء انسحابه من مدينة إدلب بعد أربعة أيام من القتال، وإثرَ ذلك دخلتها قوات الأمن وبدأت بتمشيط البيوت والأحياء واحداً واحداً ليبلغ عدد الشهداء في المعركة على مدى الايام الأربعة 175 منهم 159 مدنياً. في 13-6-2012م أعلن العقيد المنشق عبد العزيز كنعان قائد "المجلس العسكري في المنطقة الساحلية" التابع للجيش السوري الحر " انسحاباً تكتيكياً " لعناصره من منطقة الحفة في محافظة اللاذقية واخلاء المدينة من الجرحى والشهداء والنساء والاطفال والمقاتلين" بعد قصف عنيف إستمر لثمانية أيام ،معلناً أن "الانسحاب تم بنجاح " وأن " الحفة وريفها "منطقة منكوبة" – صحيفة الحياة 13-يونيو 2012م -

في يوم الأحد 15 -7-2012م اندلعت اشتباكات عنيفة بين الثوار من الجيش الحر وقوات الجيش النظامي في جنوب العاصمة السورية دمشق في أحياء التضامن والقدم والميدان ونهرعيشة وكفرسوسة ومخيم اليرموك بدأ القتال من حي الحجر الأسود في مساء اليوم السابق، ثم امتدّ إلى منطقة التضامن وانتشر بسرعة لتشهد هذه الأحياء أعنف اشتباكات في قلب العاصمة السورية دمشق منذ اندلاع الثورة قبل 17 شهراً من ذلك، قصفت قوات الجيش أحياء الاشتباكات حيث يتواجد الجيش الحر بمدفعية الهاون والدبابات وكان هذا أول قصف كثيف تشهده دمشق منذ اندلاع الثورة أيضاً . أعلن الجيش السوري الحر في 17-7-2012م أنه بدأ عملية " بركان دمشق - زلزال سورية " في العاصمة واعلن سيطرته على عدة أحياء منها , بعد قصف عنيف أعلن الجيش الحر مساء يوم الجمعة 20 تموز انسحابه من حي الميدان إثر القصف الشديد المتواصل عليه منذ عدة أيام، في يومي 21 و22 من تموز و بعد معارك عنيفة بدأت القوات الاسدية استعادة السيطرة على أغلب أحياء الميدان وجوبر والقابون وبرزة والقدم والعسالي وكفرسوسة والتضامن وبعض بساتين المزة بعد أن أعلن الجيش الحر إنسحابه منها متراجعاً إلى أطراف المدينة. في مدينة أريحا وفي بدايات شهر أب أغسطس 2012م وعلى مدى تسعة أيام شن الثوار عدة كمائن للقوات الأسدية المنسحبة من جبل الزاوية بإتجاه مدينة حلب بغية عرقلة وصولها لمساندة القوات الأسدية التي تخوض معارك هناك وسط المدينة – – في بعض المقاطع المرئية التي نشرت كان المقاتلون يطلقون رصاص رشاشاتهم على الدبابات والمدرعات – بعد تسعة أيام من هذه العمليات التي ترافقت بقصف للمدينة بدأت الذخيرة بالنفاذ لاسيما من أحد أهم التشكيلات العسكرية في المدينة " كتائب لواء صقور الشام في مدينة أريحا " و " سرية سيف الله المسلول " . عندها إجتاح الجيش الأسدي المدينة يوم 13-8-2012م بألاف المقاتلين ودخل المدينة دون مقاومة تذكر بعد أن فضلت بقية الكتائب الإنسحاب إلى الجبل وعدم دخول مواجهة خاسرة. قتلت قوات الأسد في ظل غياب الجيش الحر وإنسحابه أكثر من ثلاثين شهيداً أعدمت بعضهم ميدانياً وأشعلت في جثثهم النيران – إعتقل بعض المدنيين وفُقد بعضهم - نُهبت المشافي وأحرقت المنازل بعد سرقة محتوياتها قبل أن تنسحب في اليوم التالي. في حي صلاح الدين بمدينة حلب تكرر الأمر بعد سيطرة الجيش الحر وإضطر الثوار للإنسحاب - محافظة درعا نفذت قوات النظام مجازر حقيقة واسعة في مدينة الحراك وبسبب نفاذ الذخيرة إضطر مقاتلو الجيش الحر في 21 أغسطس 2012م إلى الإنسحاب من المدينة بعد قتال شرس وإستبسال أسطوري فيها – بعد أيام قليلة وبعد محاولات عنيفة من قوات النظام لإقتحام مدينة داريا بريف دمشق إضطر الثوار للإنسحاب لتدخل قوات الأسد وترتكب أفظع مجزرة منذ بداية الثورة مخلفة حوالي 300 شهيد قتلوا في الملاجئ والشوارع من النساء والأطفال والشباب.

في كل هذه المعارك أبدى الثوار إستبسالاً أسطورياً وشجاعة منقطعة النظير, في كل الإنسحابات عزا "الجيش السوري الحر" انسحابه هذا التكتيك الى "الحرص على عدم ارتكاب المجازر بحق ما تبقى من سكان المنطقة" وبسبب " نفاذ الذخيرة " ،لكن السؤال الذي تطرحه هذه القراءة السريعة هو حول جدوى تكرار العمليات العسكرية التي تثبت فشلها أو تلك التي تتسبب في إيقاع خسائر فادحة في صفوف المدنيين وتعرضهم لإنتقام القوات الأسدية في ظل هذا التأمر العالمي على الثوار ونقص إمدادات السلاح والذخيرة بشكل واضح ؟!

تحت الضغط العسكري والأمني والنفسي الذي يتضمنه العمل في كتائب الجيش الحر علينا أن لا ننسى أن إستراتيجة الصراع الذي لا وجود فيه لسلاح ثقيل ولا لغطاء جوي أو مدفعي لا تقوم إلا على شن : حرب العصابات" التي تعتمد على " الكر والفر" و" الهجوم والإنسحاب" وليس على " التشبث بالأرض والتمسك بها" – كل المناطق التي سيطر عليها الجيش الحر لوقت من الزمن ثم إضطر للإنسحاب منها تعرضت لقصف بربري خلف مئات الشهداء ودماراً واسعاً في الممتلكات – يفترض بالقائمين على تخطيط العمليات العسكرية وحتى تحت إندفاعات الهجوم عدم تناسي " أن كل شبر محرر من الأرض دون غطاء جوي أو صاروخي أو مدفعي هو في حسابات العسكريين والخبراء الإستراتيجيين مشروع شبر محروق بمن فيه معّد للإبادة والتدمير عن بكرة أبيه"!

 يتحدث سمير الحجاوي الصحفي الاردني في مقال له نشر في 23-8-2012م عن " مؤامرة " تتورط فيها أطراف عديدة تعمل على "قصقصة جنحان" الجيش السوري الحر وإنهاكه و"تدويخه" لإجباره على الاستجابة لرغبات وإستراتيجيات لا تلبي مطالب الشعب السوري بإسقاط نظام بشار الأسد الإرهابي، بدءا من الحيلولة دون وصول أسلحة للثوار، وانتهاء بمحاول بعض الدول "صناعة جماعات تابعة لها" في الداخل السوري، على حساب الكتلة الرئيسية الممثلة للشعب السوري، وصناعة "ثوار مزيفين" على حساب الثوار الحقيقيين من الجيش السوري الحر والكتائب الأخرى المقاتلة على الأرض". بهدف "تليين" الجيش السوري الحر وتحويله إلى أداة "طيعة" لتحقيق أهداف الآخرين التي لا تعني بالضرورة تحقيق مطالب الشعب السوري بإسقاط النظام، تعمل جميع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة على خنق الثورة السورية وتركيع الثوار،وهو تركيع يتم بطرق مباشرة وغير مباشرة أهمها "منع السلاح النوعي" من الوصول إلى أيدي الثوار، وفتح قنوات اتصال مع جماعات هامشية في سوريا، وتجاهل المقاتلين الحقيقيين، من هنا فإن الجهات الدولية التي تدعيّ دعم الثورة السورية والجيش السوري الحر كاذبة - في نيتها وفي معظم تصرفاتها إذ في مقابل المواقف الإيرانية - الروسية وكمية الدعم العسكري والإقتصادي والسياسي المهم والمؤثر والحاسم، يدعم الغرب والعرب وتركيا الثوار السوريين على استحياء وبتردد وبلا ثبات، وبكلام غامض يحتمل أكثر من تفسير وأكثر من موقف، فهذه الأطراف لا تريد "للثورة أن تنتصر ولا لنظام الأسد أن يهزم"، وتعمل على "ترويض" الثورة السورية من أجل دفعها للقبول بحل سياسي "متفق عليه" لتقاسم السلطة يضمن بقاء النظام، مع الاستعداد للتضحية برأسه، للوصول إلى سوريا "ضعيفة ومستقرة ووادعة ولا تشكل تهديدا لإسرائيل - إذا ربطنا - والكلام ما يزال للصحفي الأردني سمير الحجاوي - حصار الثورة السورية ومحاولات خنقها من الداخل مع الحركة الدبلوماسية في الخارج نصل إلى التالي: الغرب وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل والدول العربية لا تريد انهيار نظام الأسد، والجهة الوحيدة التي تريد الإطاحة بالنظام البعثي هو الشعب السوري، ولهذا تنشط روسيا وأمريكا والغرب على تفكيك الثورة "دبلوماسيا" وتقديم "حلول مرضية للجميع" باستثناء الشعب السوري، ويكشف ذلك ما أعلنه قدري جميل نائب رئيس وزراء النظام البعثي بتأكيده "إمكانية استقالة الأسد في إطار مفاوضات مع المعارضة"، متفقا مع ما كشفته مصادر سياسية في دمشق قبل سفره من أن جميل ذهب إلى موسكو لمناقشة مشروع أعدته روسيا بموافقة سوريا يقضي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بإشراف دولي يشارك فيها من يرغب من المرشحين بمن فيهم بشار الأسد".

إذن " فإنتصار الثورة المقبول دولياً"هو تلفيق" حل دبلوماسي، "روسي ـ إيراني ـ غربي ـ تركي ـ عربي"، تتم التضحية فيها برأس بشار الأسد– وهو حتى الان ما يزال يقاوم هذه الصفقة أو يزيد أوراقه الرابحة الضاغظة عند إضطراره إليها -، مقابل ضمانات دولية تضمن عدم محاكمته وعائلته وأفراد نظامه وشبيحته، من أجل "الحفاظ على النظام والحيلولة دون انهياره"، ومن ثم إجبار المعارضة، بعد تكسير ذراعها المسلحة "الجيش الحر" على قبول الصفقة وتقاسم السلطة مع نظام الأسد، وإجراء انتخابات رئاسية يتم فيها اختيار رئيس جديد "مقبول" لا ينتمي لا للنظام ولا للمعارضة، وتوزيع المناصب الوزارية بين الأطراف المختلفة مناصفة بين نظام الأسد والقوى المعارضة المختلفة، على قاعدة "عفا الله عما سلف"، مع إنشاء صندوق تعويضات لذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين، وإجبار دول الخليج على تمويل النظام "التوافقي" الجديد، والدعوة إلى مؤتمر "مصالحة" لمأسسة الوضع في سوريا ووضعه تحت الحماية الدولية والإقليمية المباشرة لمنع أي طرف سوري من الإخلال بما تم الاتفاق عليه.

هذه الصيغة تضمن عدم هزيمة نظام الأسد، رغم أنه سيفقد رأسه، وعدم انتصار الثورة، رغم الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين، وسيكسب الكيان الإسرائيلي جاراً ضعيفاً مستقراً لا يهددها، وستأخذ إيران حصتها من الكعكة السورية، وتضمن استمرارية الزخم لذراعها في لبنان "حزب الله"، وسيرسخ الغرب قوته في المنطقة بعد خسائره في العراق وأفغانستان، وستكون روسيا أكبر الرابحين بتدشين عودتها إلى الساحة الدولية كلاعب لا يمكن تجاوزه، وانتهاء خسائر ما بعد الحرب الباردة وانهيار جدار برلين، ليتم الاعتراف بالنفوذ التركي في سوريا، أما الأنظمة العربية فستستمر بدورها الوظيفي كأداة في أيدي القوى الكبرى، وأنها لا تقدم ولا تؤخر، ولا وزن لها من الناحية الإستراتيجية، وهدفها الوحيد هو الاستمرار في السلطة،!!" إنتهى نص الصحفي الأردني بتصرف.

منذ بداية الثورة وحتى الأن رفض الثوار الإنجرار وراء محاولات النظام " صبغ الثورة " بألوان طائفية أو عرقية أو دينية وأصروا على أنها ذات لون واحد هو " اللون الوطني السوري " . يكرر الثوار رغم كل ما حدث أن هذه ثورة يضحي فيها " كل السوريين" على إختلاف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم و يجني ثمارها " كل السوريين " على إختلاف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم . هذا الموقف موقف لا غبار عليه بالتاكيد

لو أعدنا إدراج المناطق والبلدات التي دخلها الجيش الحر قبل أن ينسحب منها وصنفناها بين " الموالاة للثورة " أو " موالاة النظام " لوجدناها كاملة ودون إستثناء ضمن المناطق " الموالية للثورة " . تعكس هذه النتيجة بديهية حاجة حرب العصابات إلى " حاضن شعبي" يسمح للمقاتلين بالتنقل والإختفاء بسلام ضمن المدنيين . بالتأكيد لا يمكنني توصيف قرار الجيش السوري الحر في هذا الشأن بـ " القرارت غير المحسوبة بدقة أو مضمونة النتائج" ما دام أنني مطلع فقط على نتائجها الظاهرية وليس على ظروف إتخاذ هذه القراات والأهداف التي وضعها اصحاب القرار من وراءها . وبالتأكيد لم يتردد النظام والحال كما أسلفنا في دك هذه الأحياء بأقصى ما لديه من قوة مدفعية أو صاروخية أو قصف بالطيران – لم لا ما دامت هذه المناطق أصلا تدخل تحت تصنيف النظام لدماء سكانها بـ "دماء الطائفة المستباحة". ما دمنا قد إضطررنا إلى تشخيص الواقع وتصنيفه بحسب " طائفة الدم" فلماذا لانتساءل عن سبب تجنب الجيش الحر حتى هذه اللحظة عن الدخول إلى مناطق وأحياء " الطائفة معصومة الدم "من النظام الأسدي أو مناطق وأحياء " الطوائف معصومة الدم" من المجتمع الدولي؟!

في بدايات الثورة كتبت عن معادلة " الخوف " معادلة نفسية تحكم طرفي المعركة في سورية النظام والشعب, قلت يومها أن كفة الصراع سترجح لصالحنا حين تتغير المعادلة بين ثائر يخرج إلى التظاهر خائفاً يترقب موته أو إعتقاله ويفكر في خلجات صدره بمصير أهله وأطفاله وأقاربه وبين رجل أمن وشبيّح يخرج نزهة قتل قصيرة ممتعة ويعود! تغيرت المعادلة بالفعل ولم تعد عملية التصدي للثوار تحمل إلا خطري الموت أو الأسر لكن جزءاً خفياً من هذه المعادلة لم يتغير بعد ولربما تتوقف عملية الحسم الثوري على حدوث هذا الجزء مثلما توقف إستمرار هذه الثورة وتطورها على حدوث التغيير المطلوب في باقي اجزاء المعادلة . هذا الجزء من المعادلة يقول:

لقد زاد إعتماد النظام على الضباط العلويين بعد زيادة عدد الإنشقاقات العسكرية التي قام بغالبيتها العظمى ضباط الجيش السوري من الطائفة السنية. و لقد حولّ هؤلاء منازل كل منطقة إستهدفوها إلى خراب متراكم فوق أشلاء ساكنيها , ولم يعبأ هؤلاء بوازع ديني ولا حس وطني إو إنتماء شعبي ولا عرف ولا خلق - كيف لا وكل نقاط الإستهداف لقذائفهم مصنفة في الذهنية الفكرية والبنيوية الطائفية لهم كمناطق سكنى للأعداء الذي يقتضي إستمرار هذه الذهنية والطائفة وإستمرار وجودها وبقاؤها على قمعهم والقضاء عليهم والأن يأتي السؤال الهام حول المتغيرات التي يمكن أن يشهدها هذا الطرف من المعادلة حين تصبح وجهة هذه القذائف ومستقرها مناطق من قبيل: الشيخ بدر – البهلولية – ربيعة – رمانة المشايخ - تل سلحب – دريكيش – حرف المسيترة – حمام القراحلة - ضاحية تشرين ومشروع البعث والزراعة في مدينة اللاذقية ؟! هل يمكن للمشهد الذي رأيناه في إعزاز بريف حلب أن يكون مشابهاً لما قد نراه في تلك المناطق ؟ وهل يمكن أن نشاهد في غمار الحرب من أجل بقاء النظام " سوريين علويين " يقتلون ويدمرون ويذبحون " سوريين علويين أخرين" مثلما قتلوا مع " سوريين سنيين" " سوريين سنيين أخرين" ؟!

 ما دام باحث ما غير قادر على الجزم فلنحاول إذن رسم المشهد مرة أخرى بطريقة مختلفة – يمكن أن نصنف المناطق السكنية لا سيما في الساحل السوري وحمص وحماة بل وفي العاصمة دمشق ومحيطها تصنيفاً ديموغرافياً طائفياً متجاوراً - على أرض الواقع وخلال أحداث الأشهر الماضية ساهم هذا التجاور في خلق "خطوط قتال " طائفية اللون إذ سمحت وإستقبلت القرى والأحياء العلوية بالورود والزغاريد قوات الجيش النظامي ليتمركز فيها ويتخذها قاعدة لعملياته العسكرية ضد قرى وأحياء أخرى وفي مجازر قاسية ومؤلمة كمجزرة الحولة والتريمسة والقبير نفذ المتطوعون من أبناء هذه القرى العلوية فصولاً حاقدة من الجريمة لا تخطؤها العين ولا ينقصها الدليل والإثبات وشهادات شهود العيان – يشكل العلويون قوام ما يعرف بالشبيحة بشكل كامل و يقفز إلى الذاكرة إسماءٌ مناطقية باتت مصانع لتصدير هؤلاء القتلة المأجورين كـ " حي الزهراء في حمص " و"قرية ربيعة " غرب مدينة حماة - ـ18كم - تعرف هذه الأخيرة ب قرداحة "المشرق" إذ أنها منبع ثرٌ للشبيحة و أغلب سكانها من ضباط المخابرات , منذ بدء الثورة دأبت قرية الربيعة على إرسال أبناءها مزودين بالفؤوس مع قوات الأمن التي تطلق النار على المتظاهرين في مدينة حماة .ويروي شهود عيان ان مهمة هؤلاء الشبيحة كانت الإجهاز بالفؤوس على من أصيب من المتظاهرين في غير مقتل – شارك عدد من أبناء القرية في معظم المجازر التي حصلت في محافظتي حمص و حماة مثل مجازر القبير....الحولة..و تصور مقاطع مرئية بثها ناشطون سوريون على شبكة الإنترنت شبيحة قرية الربيعة وهم يلقون بجثث الشبان الحمويين في نهر العاصي بعد قتلهم - وربما تفسر مشاركة هذه القرية بنسبة فاعلة في القتل إستهداف الثوار لشبيحة هذه القرية ونجاحهم في قتل أكثر من 65 شبيحError! Hyperlink reference not valid. منهم على فترات متباعدة . في محافظة اللاذقية تبدو الأمور أكثر هدوءاً في قلب مدينة اللاذقية ومحيطها التي يفرض النظام سيطرة محكمة عليها فيما دارت مواجهات عديدة بين حين واخر وما تزال في كل من " الحفة وجبلة وجبل الأكراد". إستهدفت كتائب الثوار بعض القرى والأحياء العلوية كتحذير من مغبة التمادي في إعتداءاتها إلا أنها حتى هذه اللحظة لم تقم بشن عمليات عسكرية ضد أهداف ومراكز للنظام " من داخلها " أو عمليات عسكرية " في داخلها" . يبدو هذا السيناريو الأن أكثر إحتمالاً للحدوث ويمكن لباحث ما أن يتصور سيناريوهات مختلفة للنتائج إحداهما يتعلق بالجزء الذي نتحدث عنه في معادلة الخوف . شّكل قيام عناصر من كتيبي " عز الدين القسام " و" العز بن عبد السلام " بالتسلل إلى قرية "القطيلبية " العلوية والمؤيدة للنظام وإعتقال عنصر من المخابرات فيها وإختطافه ثم محاكمته وإعدامه في 27-6-2012م محطة فارقة لم تتكرر بعد توحي ببدء مرحلة عمليات مماثلة. يمكن لعمليات من هذا النوع أو لعمليات إحتلال لهذه القرى والأحياء من قبل الجيش السوري الحر أن تدفع نحو حدوث تغيير كبير إذ يمكن إجبار النظام على الإنجرار وراء محاولة القضاء على الثوار داخل هذه المناطق والأحياء الأمر الذي وإن لم يتم بصورة مماثلة لما شهدناه في مناطق الثورة إلا أنه يمكن أن يقود إلى ثلاث تغييرات هامة يحدث الأول في نفسية قوات النظام التي تحفظ لون هذه المناطق طائفياً والتي قد تجد نفسها أمام أوامر بإطلاق النار وقصف تلك المناطق الأمر الذي يعني أن عائلة كل واحد منهم لم تعد أمنة ليس من نيران الثوار وإنما من نيران نظامهم الذي يقاتلون دفاعاً عنه وأن قوات أخرى قد تفعل ذات الشيء بقراهم وأحياءهم وأطفالهم ونساءهم وممتلكاتهم إن وصلت عمليات مشابهة إليها وهو أمر لن يكون هناك من ضمان لعدم حدوثة وتكراره في أي حي أو قرية أو منطقة ذات غالبية سكانية علوية ,. ويحدث التغيير الثاني في نفسية سكان هذه المناطق الذين سيرون للمرة الأولى على أرض الواقع دماء أبنائهم واشلائهم على أيدي "أبناء ملتهم وطائفتهم وجيشهم العقائدي الذي يهللون لإنتصاراته!!" فيما تتلاشى أوهام الثقة عاشها أنصار النظام في إنتصاره بعد أن بات عاجزاً عن حمايتهم في عقر ديارهم , التي أما التغيير الثالث فيحدث في نفسية الثوار الذين باتوا أقرب من ذي قبل من مسقط رأس قتلة أطفالهم من ضباط الجيش والأمن وعناصرهما – وإذا ما إنتقلنا إلى تغيير رابع أهم وأعم واشمل فإن تنفيذ سيناريوهات ممائلة سيلغي حدود التقسيمات والتصنيفات القائمة على موالاة الثورة أو موالاة الطائفة – ربما ينصح البعض وبشدة باللجوء إلى هذا الحل على أمل أن يؤدي بعيداً عن شرخ التوتر الطائفي الحاصل في سورية الأن إلى " التساوي في حصص الموت" اثناء الثورة بعد أن إتفق الثوار والمعارضون جميعاً على قاعدة أن نتقاسم معاً كسوريين و" حصص الحياة الحرة الكريمة " بعد الثورة. تغيير خامس يمكن رصده في حال حدوث مثل هذه السيناريوهات في مناطق " أقليات " أخرى غير الطائفة العلوية وتحديداً " الطائفة المسيحية في سورية " تغيير يخص " ثرثرة المجتمع الدولي الصامت عن ذبح الأغلبية " حول " حقوق الأقليات ومستقبلهم في سورية" فالنظام لا الثوار هو من يقتل تحت تلك السيناريوهات الأغلبية والأقلية وهو – أي النظام – من سيقتل المسيحين ويدمر كنائسهم وليس الثوار – هل من مجال بعد لعالم لا يثور إلا لدماء ذات لون ديني معين أن يلتزم بمزيد من الصمت وشيء من الشجب والتنديد؟!

علينا أن نفهم أن المجتمع والشعب السوري يشهد الأن شرخاً إجتماعياً وجغرافياً حقيقياً غير مسبوق ,وسيكون من الصعب في القريب المنظور ردم تلك الهوة التي خلقتها مواقف بنيت على "عوامل ثورية" أو " طائفية" أو " مناطقية " وبالتأكيد لن تملك أي سلطة تخلف سلطة الاسد ونظامه قدرة حقيقية أو برنامج معالجة صحيح إن إنتهت الثورة وخارطة الموالاة والمعارضة ضمن الحدود الجغرافية والطائفية القائمة حتى الأن – لن يكون في مقدور أم أو أب سوريين أن يقبلا بالتعايش والإنسجام مع " رصاصة " إخترقت قلب طفلهما أو " حربة " إحتزت رقبته, ليس في مقدور " الأجزاء المتضادة ثورياً من الشعب والبلاد" التعايش مستقبلاً معاً في ظل حقيقة وجود" أجزاء إعتنقت الثورة ودفعت دماء أبناء وخراب عمرانها ضريبة لإعتناقها الجديد و " أجزاء كفرت بالثورة وحاربتها ولم تتأذ مسامعها حتى بأصوات المدافع ناهيك عن الموت تحت نيرانها, ولذا لا يمكن لسورية كشعب وأرض في ظل مشهدين متجاورين للخراب والموت من جهة والعمران والحياة من جهة أخرى أن تستمر كدولة واحدة وشعب واحد حتى يتقارب إن لم نقل يتساوى نصيب السوريين جميعاً موتاً وحياة خراباً وعمراناً والإ فإن حرباً أهلية على طرفي " خارطة الثورة" وتقسيماً تالياً يأتي كحل وحيد لتلك الحرب هو ما ينتظرنا تماماً منذ اللحظة الأولى لإعلان إنتصار الثورة وسقوط نظام الأسد. اذا كان على الثورة واجب تغيير الواقع الذي ثارت عليه كخطوة أولى ومعالجته كخطوة ثانية فإن عليها في سياق أخر تغيير تأثيراتها السلبية ومعالجتها في أن معاً – لقد بدأ الحديث الشائع حتى وقت قريب عن تقسيم الخارطة الثورية وفق المحافظات السورية بدخول حلب ومدينة دمشق خارطة هذا الحراك بالتراجع والغياب لصالح الحديث عن تقسيمين جديدين يقومان على توصيف الحالة الراهنة على أنها " جزء من الشعب موال للثورة" ضد " جزء من الشعب موال للنظام" وعن " طائفة تقوم بالثورة تقمعها طائفة أخرى تعادي الثورة وتهدف للقضاء عليها". تبدو هذه التوصيفات رغم شموليتها وعموميتها الزائدة أقرب إلى حقيقة التفكير الشعبي إذ لم تجدي كل المحاولات المستمرة من حراك ثوري يغلب على مكونه الأساسي الإنتماء السني في إخراج مكون يغلب على مكونه الأساسي الإنتماء العلوي عن الصمت الذي ما يزال مستمراً حتى الان والذي لا تستطيع ذهنية بشرية مهما بلغت درجة تسامحها وسماحتها أن تفسره بغير الرضا والتأييد لكل ما حدث ويحدث. لقد ركزّ نظام الأسد أباً وإبناً على التحصن بالمخاوف الطائفية وربط نفسه وبقاءه ووجوده بوجودها وبقاءها كضمان لعدم رحيله أو سقوطه أمام أي هبة شعبية أو إنقلاب عسكري وهو ما أثمر اليوم في إضفاء صفة الطائفية على هذه المعركة لتكون حرب وجود أو زوال لطائفة قبل أن تكون حرب بقاء أو سقوط لنظام . لقد ساهم الإنتماء الطائفي الغالب على قادة جيش النظام العسكريين وقادة أجهزة أمنه والإنتماء الطائفي المضاد الغالب على قادة الثورة العسكريين والسياسيين على السواء وممارسات النظام ضد حركات معارضة محسوبة على طائفة معينة في ترسيخ فكرة " صراع الوجود الطائفي " في سورية في كلا ضفتي الثورة ولكنة القاتلين وإبتساماتهم على شاشات قناة الدنيا تقول الكثير فهل نفهم ذلك؟!

يتبع الجزء الثاني

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

   

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ