ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التحالف
الإيراني السوري: تاريخه،
حاضره، مستقبله عياد
البطنيجي* مدخل أُعتبر
حضور سوريا مؤتمر أنابوليس في 26
نوفمبر بولاية ماريلاند
الأميركية بمثابة صدمة بالنسبة
للبعض، وصفقة بالنسبة للبعض
الآخر. وهذا الحضور لفت انتباه
المعنيين والمتابعين للعلاقات
السورية الإيرانية. وهذا ما دفع
بعضهم للحديث عن نهاية التحالف
السوري الإيراني، إذ بدا وكأنه
خارج السياق السياسي السائد،
أو من خارج النمط السياسي
الذي رُسم للسياسة السورية
الإيرانية. للوهلة الأولى بدا
هذا مفاجئاً للبعض، مما دفعهم
إلى القول: أن التحالف السوري
الإيراني بعد
27/11/2007( مؤتمر أنابوليس)
يختلف تماماً عنه قبل ذلك
التاريخ. لا شك
أن التغير في البيئة السياسية
الدولية والإقليمية منذ انهيار
الاتحاد السوفيتي وبزوغ
أميركيا كقوة عظمى وحيدة في
العالم، وتغير موازين القوى في
ظل النظام الدولي الجديد، وما
صاحبه من حرب على العراق (حرب
الخليج الثانية)، والغزو
الأميركي للعراق 2003، والتصنيف
الأميركي لإيران ضمن دول محور
الشر وحالة التحشيد والتجيش على
المستويين الأميركي والدولي ضد
إيران، وطموحات إيران
الإقليمية واستمرارها في
برنامجها النووي وسياساتها في
العراق ومنطقة الشرق الأوسط .
كل ذلك بالتأكيد يوثر على
سوريا، وبالتالي على نمط
تحالفاتها الدولية والإقليمية
بشكلٍ عام والتحالف
السوري الإيراني بشكلٍ خاص. ولعل
التغير في البيئة الدولية
والإقليمية يدفع
سوريا إلى تغيير تحالفاتها
أو الارتباط بتحالفات جديدة أو
إدخال تغييرات في سياستها
الخارجية بعد أن تغيرت
المعادلات وانقلبت موازين
القوى الدولية والإقليمية التي
كانت تعمل سوريا على أساسها،
وذلك حتى يمكن
تلافي المخاطر التي يمكن أن
تنجم عن تجاهل هذه المتغيرات
مما يؤثر على التحالفات السورية
وسياستها الخارجية ودورها في
النظام الإقليمي العربي، وذلك
بغية أن تتمكن سوريا من مواكبة
متطلبات التطور وحقائق السياسة
وموازين القوى في هذه المرحلة. مشكلة
الدراسة لا
مراء أن حضور سوريا مؤتمر
أنابوليس آثار حفيظة كثير من
المتابعين مما دفعهم
بالحديث عن
شرخاً وفُراقاً يكتنف
العلاقات بين البلديين.
وبالتالي فك عرى التحالف السوري
الإيراني الذي بدأ مع بدايات
انتصار الثورة الإيرانية وبقي
في تصاعد مستمر وأخذ هذا
التحالف أشكالاً متعددة منها:
الابتعاد السوري عن النظام
الإقليمي العربي وخصوصاً عن
الدول العربية التي تتساوق
سياساتها الشرق أوسطية مع
السياسات الأميركية، في ظل
قضايا النظام العربي
الملتهبة والتي تحتاج إلى
تكافل عربي. ويسوق هذا الرأي
مبرراته : بان
إيران أعربت عن استيائها
وتوبيخها من عقد هذا المؤتمر
وحضور سوريا له. وليس هذا
فحسب بل تأجيل سوريا مؤتمر
الرفض الفلسطيني الذي حاولت
إيران تنظيمه في دمشق. بل أيضاً
منعت سوريا الفصائل الفلسطينية
الرافضة للمؤتمر حضور مؤتمر
الرفض الذي دعت إليه إيران
وإقامته على أرضها. وهذا الرأي
يتحدث عن تقارب أميركي سوري من
مظاهرة تشديد الرقابة السورية
على الحدود العراقية،
والضمانات الأميركية لسوريا
بالكف عن مضايقتها وفرض العزلة
عليها. هذا التقارب السوري
الأميركي جعل هذا الرأي يتحدث
عن الطلاق السوري الإيراني
ونهاية التحالف بين البلدين.
ويصل هذا الرأي إلى نتيجة
مفادها: أن
مشاركة سوريا في مؤتمر أنابوليس
قد يهدد استمرارية التنسيق
والإستراتيجية المشتركة فيما
بينها وبين إيران. وعليه فإن
تبدل الظروف الدولية
والإقليمية جعل التحالف بين
البلدين عبء علي سوريا حسب ما
يعتقد هذا الرأي. وحقيقة،
أنه ساد انطباع، وبخاصة بعد
زيارة العاهل الأردني الأخيرة
دمشق، بأن سوريا بدأت تتخلى عن
تحالفها الإستراتيجي مع إيران،
وأنها غدت بصدد إعادة النظر في
القطيعة بينها وبين معظم الدول
العربية. وفي
هذه الدراسة
نسعى لاختبار تلك الفرضية
أو ذاك الرأي الذي يتحدث عن
نهاية التحالف الإيراني- السوري
بعد مؤتمر أنابوليس. وهنا نصوغ
عدة تساؤلات رئيسية: هل فعلا في
المرحلة المقبلة يمكن أن يحدث
تقارب سوري أميركي، وبالتالي
يؤثر ذلك على التحالف السوري
الإيراني ويدفعه نحو الطلاق؟
وهل يمكن لسوريا الحفاظ على
تحالفها مع إيران في حالة
تقارب سوري أميركي ؟. وهل
السياسة الأمريكية تجاه الشرق
الأوسط يمكن لها في المرحلة
المقبلة أن تنهي التحالف بين
البلدين؟. وما هي الشروط
والمحددات التي يمكن من خلالها
فك التحالف السوري الإيراني؟
كيف يمكن إعادة سوريا إلى
النظام الإقليمي العربي؟ ما هي
الأسباب التي تدفع سوريا
للتحالف مع إيران والاستمرار في
هذا التحالف، وبالتالي
الابتعاد عن النظام الإقليمي
العربي؟. في
معنى الحلف اتفاق
بين دولتين أو أكثر على تدابير
معينة، لحماية أعضائه من قوى
أخرى معينة، تبدو مهددة لأمن كل
من هؤلاء الأعضاء. أو هو تضافر
قوى مجموعة من الدول، خلال فترة
زمنية معينة، بهدف زيادة أمن
الدول الأعضاء. إذن
الحلف هو أداة سياسية يتحقق بها
انتظام علاقات القوى الدولية،
ويستدعيها مبدأ سياسي هو مبدأ
توازن القوى، ويستهدف أعضاءه
السعي إلى تامين أنفسهم من
عدوان دولة أو دول معينة.
التحالفات السياسية
والإستراتيجية يجب أن تكون
قائمة على المصالح السياسية
والاقتصادية والمتغيرات
الجيوبوليتكية وليس على أساس
الأفراد أو المذهب أو الدين أو
الحب والكره. في
تاريخ التحالف السوري الإيراني نشأ
التحالف السوري- الإيراني منذ
نهاية سبعينات القرن الفائت
وبالتحديد منذ عام 1979 بعد
انتصار الثورة الإيرانية.
بالرغم أن الاهتمام السوري
بإيران والاهتمام الإيراني
بسوريا يرجع إلي ما قبل هذا
التاريخ، أي إلي ما قبل سقوط
الشاه. منذ
ذلك التاريخ كان يجمع سوريا
بإيران علاقات حميمة وروابط
اجتماعية وثقافية. هذا عن فضل
الاهتمامات والمصالح
التي تجمع سوريا بإيران في
لبنان والعراق . إن
متغير الطبيعة الراديكالية
للنزعة العربية الشاملة أقلق
إيران من تأثيره على زعزعة
الاستقرار في المنطقة بشكلٍ
عام والمناطق الناطقة بالعربية
من إيران بشكلٍ
خاص. كما وأن متغير التحالف
الإيراني – الأميركي إذ كانت
إيران، عهد الشاه، الشرطي
الأميركي في المنطقة، ذلك أقلق
النظام العربي . هذا ما جعل
الإدراك العربي وأنظمة الحكم
العربية في مصر وسوريا والعراق
ومنطقة الخليج من اعتبار إيران
تحت حكم الشاه ليست سوى عنصر من
مخطط استراتيجي غربي يهدف إلى
احتواء وزعزعة القومية
العربية، وبالتالي تهديد وحدة
مفردات النظام الإقليمي العربي.
إذن الطموحات العربية والنزوع
نحو الوحدة العربية أقلق إيران
بقدر ما أقلق أنظمة الحكم
العربية النزوع الفارسي
والقومية الفارسية المنبعثة
في ظل عداء تاريخي طويل بين
الفرس والعرب، هذا بالإضافة إلي
التحالف الإيراني الأميركي. وبعد
التقهقر والتراجع النسبي
للنزعة القومية العربية وخصوصا
بعد وفاة عبد الناصر وتعزز سلطة
النظامين البعثيين السوري
والعراقي، والعداء بين العراق
وسوريا فتح الباب أما تعزيز
التحالف السوري – الإيراني
وتحول العداء من قبل سوريا
لإيران إلي تحالف سياسي بينهما
بهدف إحداث توازن بين القوة
السورية مقابل القوة العراقية
من خلال دور
إيران في تقيد حركة النظام
العراقي وكثقل موازن ضد أطراف
عربية. هذا ما
أضاف متغيراً
إلي الحوافز السورية لإعادة
النظر بموقفها نحو إيران وتعزيز
علاقة البلدين، وبالتالي إقامة
تحالف سياسي بينهما. هذا
التحالف قد تعزز
بفعل متغيرات جديدة في
المنطقة أهمها الثورة
الإيرانية وانسحاب مصر من
الصراع والمواجهة مع إسرائيل
عبر توقيع السادات اتفاق كامب
ديفيد. في هذه الأثناء وجدت
سوريا بإيران القوة البازغة في
المنطقة والذي يمكن لسوريا عبر
التحالف معها تحقيق التوازن
الإقليمي الذي اختل بعد كامب
ديفيد بغية
تعويض سوريا عن عزلتها، ليس
ذلك فحسب بل إن الخلل
في موازين القوى الذي يتحول
لغير صالح سوريا مما أحدث قلقا
لسوريا من
العزلة الإقليمية جراء ما شعرت
به سوريا بخطورة الصفقات
الثنائية التي تجري بين العرب
وإسرائيل مما يشكل تهديداً
للنظام السوري. ذلك كان متغيراً
أساسياً ودافعاً قوياً لسياسة
سوريا الخارجية. وهو ما شكل
هاجسا قويا بسبب سياسات أميركا
وإسرائيل التي تهدف إلى تدمير
سوريا بعد رفض هذه الأخير من
الخوض في اتفاق سلام والتطبيع
مع إسرائيل قبل إنهاء الاحتلال
الإسرائيلي للجولان، وما صاحب
ذلك من انهيارات في النظام
العربي والاصطفافات والمحاور
العربية المتشكلة لغير صالح
النظام العربي ككل.
إذن إن
رغبة سوريا في تقوية روابطها مع
إيران تأتي ضمن إعادة تشكيل
المشهد الاستراتيجي لمصلحتها.
هذا التحالف حقق لسوريا معونات
اقتصادية وتامين المساعدات
المادية، وتعويض استراتيجي
لسوريا بعد انسحاب العديد من
الدول العربية من المواجهة مع
إسرائيل بشكلٍ عام
وانسحاب مصر بعد اتفاق كامب
ديفيد بشكلٍ خاص. ليس هذا فحسب
بل أيضا مثل التحالف بين
البلدين ثقل سياسي وعسكري
لسوريا في مقابل قوة العراق في
ظل حالة العداء بين النظامين
البعثيين وفي ظل انهيار النظام
العربي وحالة العجز والشلل التي
تكتنف عمله. كما
ويأتي اهتمام إيران بسوريا في
هذه الأثناء كان بسبب هم الحرب
العراقية الإيرانية والذي وقفت
سوريا بجانب إيران وأمدتها
بمساعدات. وأيضا إن غزو إسرائيل
1982 للبنان جعل مصالح
النظام الإيراني تتطابق مع
مصالح سوريا بسبب الاهتمام
السوري والإيراني بلبنان. في
أسباب التحالف السوري الإيراني يرجع
أسباب التحالف إلى إدراك سوريا
لإيران باعتبارها قوة تضاهي
العراق وبالتالي توازي العراق
والعكس أيضا. إذن فإن البعد
الجيو سياسي للعلاقات السورية
العراقية من ناحية، والعلاقات
الإيرانية العراقية من ناحية
أخرى لعبا دوراً رئيسياً في دفع
البلدين نحو تعزيز تحالفهما.
حيث كان هناك عداء شديدا بين
النظامين العبثيين في سوريا
والعراق، والمحاولات
الانقلابية التي حول النظام
العراقي دعمها داخل سوريا عبر
دعم الحركات الأصولية السنية
التي قادها الإخوان المسلمون،
يعد مؤشر ودليل واضح على حالة
العداء بين البلدين. هذا ما شكل
تهديدًا داخلياً لسوريا قد لعب
العراق دورا فيه. إذن العداء بين
النظاميين والبعد الجغرافي
السياسي شكلا متغيران رئيسيان
في تعزيز العلاقات السورية-
الإيرانية. هذا بالإضافة إلي
متغيرات أخرى تتقاطع مع متغير
الجيوسياسي والعداوة بين سوريا
وعراق صدام حسين منها: الأهداف
المشتركة التي تجمع سوريا
وإيران بلبنان وخصوصا الطائفة
اللبنانية الدائمة النمو،
والصلة الشيعية- العلوية التي
لعبت دوراً هاما في تطوير
العلاقات السورية الإيرانية
فهي من المتغيرات الرئيسية التي
لعبت دوراً في نشوء التحالف بين
البلدين. ومع
الثورة الإيرانية التي تعتبر
بالنسبة لسوريا ظهور حليف قوي
محتمل لها بعد أن انسحبت مصر من
الصراع العربي الإسرائيلي عبر
توقيعها اتفاق كامب ديفيد،
الأمر الذي أشعر سوريا بالعزلة
الإقليمية هذا ما دفع سوريا
للتقارب مع إيران بحثا عن حليف
قوي ضد إسرائيل بعد اختلال
التوازن الإقليمي وغياب
الإجماع العربي الذي بدأ يتفكك
بعد معاهدة كامب ديفيد. هذا
الحلف الذي تبحث عنه سوريا مع
إيران كان بغية إحداث التوازن
الإقليمي مع إسرائيل والعراق
بسبب انعدام الفعل العربي
واتفاق المصري مع إسرائيل عام
1979 . وفي
عام 1980 بدا التحالف الرسمي بين
سوريا وإيران، وذلك أثناء الحرب
العراقية الإيرانية. فوقفت
سوريا بجانب إيران ضد العراق
عبر دعم الاتحاد الوطني
الكردستاني ودعم مجموعة
المعارضة العراقية وزيادة
الضغط على حدود العراق الشمالية
مما أدي إلى تحييد قسم كبير لا
يستهان به من اله صدام الحربية. إن
التحالف السوري الإيراني إذن
أعطى سوريا أهمية على الساحة
العربية العربية والعربية
الإسرائيلية. فبعد تخلي مصر عن
سوريا مع توقيع السادات اتفاق
كامب ديفيد شعرت سوريا بالعزلة
أمام إسرائيل ما أحدث خللا
استراتيجيا في موازين القوى.
فإيران قدمت حصناً داعماً
لسوريا ومضاداً للمحور المصري
الأردني العراقي السعودي الذي
كان يتبلور تدريجيا. إذن
إيران تمثل لسوريا عنصر توازن
في المنطقة ضد إسرائيل والعراق .
وبسبب انعدام الفعل العربي
توطدت الصلة بإيران وعززت
القناعات السورية بأن مرحلة ما
بعد كامب ديفيد كانت تستلزم
إعادة اصطفاف إستراتيجية
يمكنها تحدي المناورات
الإسرائيلية المتسعة باطراد. هذه
البيئة الإقليمية دفعت نحو
التحالف بين البلدين،
بالإضافة إلي الإدراك السوري
لإيران بأنها الشريك الوحيد
الموثوق به بعد الفراغ العربي
في المواجهة مع إسرائيل. وما
تمثله الولايات المتحدة من عداء
وتحدي شديد لكلا البلدين.
فعدائهما المشترك لسياسات
الولايات المتحدة تجاه منطقة
الشرق أوسطية والصراع الموحِّد
لهذين البلدين مع الولايات
المتحدة، بات دافعاً قوياً
للتحالف بين البلدين. فمن
المنظور السوري كان تحالفها مع
إيران يعطي سوريا ثقل موازن
للعراق ووسيلة ضغط ضد النظام
العراقي، وثقل موازن أيضا ضد
إسرائيل، ووسيلة احتواء ونفوذ
داخل لبنان بسبب ما يجمع
البلدين من نفوذ في أوساط
الطائفة الشيعية بلبنان،
وأخيراً مصدر دعم مادي واقتصادي
وتعاون عسكري. أما من
المنظور الإيراني فإن تحالفها
مع سوريا يعطي إيران وسيلة
للضغط على العراق، وحرية الوصول
للطائفة الشيعية في لبنان، شريك
عربي كبير، مما يقلل من استقطاب
السني- الشيعي في الساحة
العربية، ووسيط مع الدول
العربية، وأخيراً مصدر للدعم
العسكري والاقتصادي. خلاصة
ذلك أن سورية وإيران وبتأثير
دوافعهما حول
معاداة إسرائيل والعراق
والهموم الإستراتيجية
والاختلال في النظام العربي
والهجوم الشرس من قبل النظام
الدولي على منطقة الشرق الأوسط،
مما أشعر كلا البلدين بأنهما
مستهدفتان وهذا ما دفعهما
للبحث عن وسائل مناسبة لتحقيق
أهدافهما. ومن هنا فان سوريا
وإيران سوف تجدان منفعة مشتركة
في تنمية العلاقات بين البلدين.
في
مستقبل التحالف كما
قلنا سابقا أثار حضور سوريا
مؤتمر أنابوليس حفيظة
المتابعين للشأن السوري مما جعل
البعض يتحدث عن نهاية التحالف
السوري الإيراني. هذا الرأي إذن
يتعرض لمستقبل التحالف السوري
الإيراني بعد أنابوليس
والاستهداف الأمريكي لتحالف
السوري الإيراني بغية تفكيكه،
فكان حضور سوريا لهذا المؤتمر
بداية تدشين
هذا التفكك.
وعليه شُكك في استمراريته
وديمومته. وكون الولايات
المتحدة في هذه الأثناء تحاول
أن تفك الرباط بين البلدين فان
هذا ما جعل التقارب الأمريكي مع
سوريا يجعل الهدف الأمريكي على
وشك التحقق كبداية لنجاح
السياسة الأمريكية تجاه سوريا
كما يرى هذا الفرق. وبفعل
المتغيرات الإقليمية الراهنة
التي يعيشها النظام العربي من:
هشاشة التحالفات العربية-
العربية، وانكشاف النظام
العربي، أي تلك التدخلات
الإقليمية والدولية التي
تصل إلى مستوى الاستباحة،
وحالة الضعف التي تكتنف عمل
النظام العربي، إذ يجد نفسه
عاجزاً عن التصدي للأزمات
الكبرى التي تواجهه من الاحتلال
الأميركي للعراق، والعجز
الفاضح من عدم قدرته على
التعامل بإيجابية مع الأزمة
الفلسطينية والصراع الفلسطيني
الإسرائيلي. وحالة التأزم
المزمنة على كافة الأصعدة
والاتجاهات، والصراعات العربية-
العربية الكامنة. والتحدي الذي
يواجه النظام الإقليمي العربي
من النظام الشرق أوسطي الذي
يهدف إلي تذويبه وتفتيته، وحالة
التفتت والتمزق التي يعيش
لحظاتها النظام الإقليمي
العربي، والفجوة بين بيانات
الدول العربية وسياساتها. وعليه
فهذا الانهيار في النظام
العربي، وهذا الإخفاق يدفع
ويعزز التحالف السوري الإيراني
وليس العكس. إذن فسوريا تجد في
إيران ما يعوضها إخفاق وضعف
النظام الإقليمي العربي
في مواجهة التحديات
والتهديدات التي تواجهها. ولو
وجد النظام السوري مكاسب في
تحالفه مع النظام العربي
تفوق مكاسب التحالف السوري
الإيراني لكان من الممكن أن
ينفك التحالف السوري الإيراني.
هذه المتغيرات، أي فقدان
سوريا للحضن العربي، إذن تدفع
سوريا نحو
المزيد من تعزيز تحالفها مع
إيران وليس العكس طالما حالة
الانهيار في النظام العربي
مستمرة باطراد. ولو
قدر لنا صياغة معادلة رياضية
تصور لنا طبيعة وأسباب التحالف
بين سوريا وإيران لقلنا: أن هناك
علاقة عكسية بين التحالف السوري-
الإيراني والنظام العربي، أي أن
طالما كان وضع النظام العربي
على هذا النحو الذي وصفناه، من
الانهيار والضعف، فهذا يدفع إلي
تمتين العلاقة السورية
الإيرانية، والعكس صحيح. أي أن
لو وجدت سوريا ما يعوض هواجسها
وقلقها وشعورها بأنها مستهدفة؛
لو وجدت ما يعوضها عن ذلك في
النظام العربي لما اتجهت سوريا
نحو إيران لتحالف معها. ولو
مثلنا التحالف العربي السوري(ع
س) والتحالف السوري الإيراني (س
ي) ومكاسب أو فوائد التحالف (م)
لكانت المعادلة الرياضية هي (م)+(ع
س) > (م )+(س ي) = (ع س) أي أن
لو كان مكاسب التحالف
الذي تحققه سوريا بتحالفها
مع النظام العربي
يفوق مكاسب
التحالف السوري الإيراني
لما وجد التحالف السوري
الإيراني أصلاً. أي أن
تعظيم المكاسب المحتملة من
وراء التحالف السوري العربي،
وهو ما يعتبر محصلة ايجابية
بالنسبة لسوريا، يترتب على ذلك
نتيجة وهي تمتين العلاقات
السورية الإيرانية عوض
الاستمرار في تحالف سوريا مع
إيران الذي يعتبر ذو محصلة
سلبية بالنسبة للنظام العربي في
حال استمرار التحالف الإيراني
السوري . والعكس أيضا صحيح وذلك
حسب المعادلة التالية:
(م)+(س ي)> (م)+(ع س)= (س ي) أي أن
العائدات(المكاسب) التي تجنيها
سوريا عبر تحالفها مع إيران
تفوق العائدات التي تجنيها
سوريا عبر تحالفها مع النظام
العربي القائم الذي يعاني
الانكشافية وحالته المنهارة؛
وبالتالي استمرار التحالف بين
سوريا وإيران. سمات
التحالف بين البلدين وهنا
لا بد من إبداء ملاحظة حول طبيعة
التحالف بين البلدين، وهي أن
التحالف السوري الإيراني فيه من
المرونة والليونة بحيث يترك
مجالاً واسعاً لكل طرف منفرداً
بأن يشكل سياسته الخاصة وفق
مصالحة الذاتية. هذا ما جعل في
بعض الأحيان تبدو سياسة كلا
البلدين متناقضة نوعا ما مع
سياسات التحالف بينهما. فمثلا،
وتاريخياً، بالرغم من التحالف
بين البلدين
دعمت سوريا الموقف العربي
حول الجز الإماراتية ضد
الاحتلال الإيراني لهما. وانضمت
سوريا إلى عملية السلام في
مدريد وذلك في شراكة مع
الولايات المتحدة ؛ وانخرطت
دمشق في المفاوضات مع الجانب
الإسرائيلي لنحو عشر سنوات خلال
عقد التسعينات . ووقوف سوريا ضد
الاحتلال الإيراني للأراضي
العراقية في الحرب العراقية
الإيرانية بعد 1982، وحضور سوريا
مؤتمر أنابوليس بالرغم من
الاعتراض الإيراني. ومنعت سوريا
قوى المعارضة لمؤتمر أنابوليس
من حضور مؤتمر الرفض الذي دعت
إليه إيران. أما
بالنسبة لإيران فإنها لم تتوانى
في طلب السلاح من إسرائيل أثناء
حربها مع العراق، ولم تمتنع عن
مواصلة الحرب داخل الأراضي
العراقية عام 1982 بالرغم من
الاعتراضات السورية، وحافظت
على الصلات مع العراق، وبقت
متمسكة بالجزر الإماراتية
بالرغم من الاعتراض السوري. وعليه
فإن هذه المؤشرات تدلل على أن
التحالف لا يبدو انه قد دام على
حساب السياسات السورية أو
الإيرانية الخاصة بكلى البلدين
على حدة. إذن فان ديمومة
العلاقات بين البلدين بالرغم من
حالة التناقض هذه في سياساتهما
في بعض الأحيان والتي يمكن
إرجاعها إلى طبيعة كلا النظامين
والاختلافات
الإيديولوجية بينهما، أي
نظام إسلامي مقابل نظام علماني. وعليه
فان المراقب للعلاقات السورية
الإيرانية لا يجب أن يفاجأ من
سياسة كلا البلدين غير المنسجمة
في بعض الأحيان مع سياسة
التحالف بينهما . وبالتالي فإن
كل من سوريا وإيران تدركان من
الاعتراف المتبادل بينهما، وأن
لا أحد يسعى لمنافسة الآخر أو
التنافس معه على حسابه الخاص.
وعلى هذه القاعدة يجب أن نحكم
على استمرارية التحالف بين
البلدين بالرغم من حضور سوريا
مؤتمر أنابوليس الذي يبدو
مناقضا لسياسية التحالف بين
البلدين. وهو ما ظهر من تبادل
الجانبان السوري والإيراني في
الأيام الأخيرة سلسلة من
الإشارات للدلالة على أن
العلاقات بينهما إستراتيجية
وأن متانة هذه العلاقات تحتمل
اختلافاً في الآراء، وكان آخر
هذه الخطوات هو قيام الرئيس
بشار الأسد بتدشين مشروعين
اقتصاديين إيرانيين بكلفة تصل
إلى 250 مليون دولار أميركي. وعلية
فلا مشاحة من أنّ إمكانية حدوث
صراع بين البلدين هو في حده
الأدنى، بالرغم من السياسات
المتناقضة في بعض الأحيان،
فإيران تقبل وبشكل كبير حرية
سوريا في العمل وتدبير أمورها
مع إسرائيل أو أمريكا، وبالتالي
عملية السلام معهما. وسوريا
تقبل بشكل واسع تعاملات إيران
في العراق والخليج ولبنان
وفلسطين . والنتيجة
هي من غير المحتمل أن يقدم أي من
الطرفين على خطوات جذرية قد
تنهي الحد الأدنى من الاتفاق
بين البلدين وفهمهما المشترك
لطبيعة تحالفهما . الاستنتاجات والنتيجة،
وهي الخلاصة النهائية للتحليل
السابق هي: أن
حضور سوريا وحتى التقارب
الأمريكي السوري إن حدث ليس
بالضرورة أن
يكون على حساب العلاقة السورية
– الإيرانية. ومن الخطأ
الاعتقاد، أن دوراً إيرانياً
يمكن أن يلعب في الشرق الأوسط من
دون دمشق الحليف الاستراتيجي
لإيران، وأن سوريا مهمة لإيران
في العمق العربي مثلما إيران
مهمة لسوريا في التوازن
الاستراتيجي. وعليه
فان التحالف بين البلدين سوف
يدوم حتى ولو ظهر تقارب سوري
أمريكي، طالما بقيت الدافع التي
تعزز العلاقات السورية
الإيرانية وهي كما وضحناها
أعلاه. وأنه لا يمكن فك التحالف
الاستراتيجي بين البلدين إلا
إذا طبقنا المعادلة المذكورة
سابقاً وهي (م)+(ع س)
> (م )+(س ي) = (ع س) وعليه
فان الرأي الأنف الذكر، الذي
يتحدث عن نهاية التحالف السوري
الإيراني، ليس أكثر من مجرد
أمنيات ليست له سند واقعي
وموضوعي لبعض الغيورين
العرب الذين أوجع قلوبهم أن
تصل الحالة العربية إلى ما وصلت
إليه من تنافر وتحالف إقليمي
على حساب القضايا القومية،
والذين يرون أن استحقاق القضية
الفلسطينية الذي دخل مرحلة
جديدة يحتاج إلى نبذ الخلافات
الجانبية والى توحيد المواقف
وعودة كل من ذهبت به الطرق
بعيداً إلى الحضن العربي الذي
لا بديل عنه. استطراداً،
في ظل انهيار النظام العربي
يمكن القول: ازدادت أهمية سوريا
لإيران كما ازدادت أهمية إيران
لسوريا في السنوات الأخيرة بفعل
التحولات الإستراتيجية في
الشرق الأوسط. هذا التحالف بين
البلدين في غاية الأهمية
في هذه الأثناء التي يتم
فيها الفرز على أساس طائفي بين
سني شيعي أو فارسي عربي،
بدلا من أن يكون
الفرز على أساس سياسي
استراتيجي. وهذا كله يعني أن
التحالفات الإقليمية الراهنة
لا تزال على ما كانت عليه،
وفي ظل هذه التحالفات
والاصطفافات الإقليمية لا يمكن
الحديث عن
انقلاب المعادلات القديمة تلك
وبزوغ معادلات جديدة تخرج سوريا
من تحالفها مع إيران ودخولها في
اصطفاف استراتيجي جديد.وعليه
فإن المعادلة (م)+(س ي)> (م)+(ع س)= (س
ي) هي التي تحكم التحالف السوري
الإيراني في الوقت الراهن. ويمكن
القول أيضا: أن حالة سوريا هذه
بفعل انعزالها عن النظام
العربي، وأصبحت وحيدة
ومنعزلة عن فضائها الجغرافي
السياسي الطبيعي، أي حضنها
العربي، والاختلال في موازين
القوى الإقليمي لغير صالح سوريا
بل لصالح
أعدائها ، قد يتكرر مع أي دولة
إقليمية عربية أخرى إذ تعرضت
لنفس العوامل والمتغيرات التي
دفعت سوريا بالانسلاخ عن فضائها
الجغرافي السياسي الطبيعي
والارتماء بالحضن الإيراني
بحثاً عما يعوضها فقدان
الثقة ويرضي هواجسها ويطمئن
شعورها القلِق والخوف من
محاولات استهدافها
الذي هو باطراد مستمر.
ولا
أبالغ إن قلت أن هذا ما يفسر عدم
الرد السوري على اقتحام
الطائرات الإسرائيلية فضائها
الجوي نظراً لإدراكها عظم
المخططات التي تستهدفها وحالة
الضعف الذي يكتنف العمل العربي
المشترك، بالتالي عدم الوقف
العربي بجانبها، بل يمكن للنظام
العربي أن يدين سوريا لو ردت على
الهجمات الإسرائيلية هذه. لذلك
اكتفت سوريا بالرد على الطائرات
الإسرائيلية المقتحمة جوها
بأنها سوف ترد بالوقت المناسب.
لأنه في ظل انهيار النظام
العربي، وغياب العمل العربي
المشترك، وانعزال سوريا عنه لا
يمكن لسوريا الرد. هذا عن فضل أن
إسرائيل أيضا تدرك انعزال سوريا
عن فضائها العربي لذلك تجرأت
إسرائيل بفعلتها هذه على سوريا.
وهنا
تلجأ سوريا
لدعم الجماعات
الإسلامية- برغم من علمانية
النظام السوري-
في فلسطين ، حماس والجهاد
الإسلامي، وكذلك حزب الله في
لبنان، كون هذه الحركات التي هي
على تماس مباشر مع إسرائيل
وكرصيد استراتيجي لسوريا بغية
أن تبقي سوريا على جذوة الصراع
مشتعلة مع إسرائيل.
وعليه يتم إشغال إسرائيل
بهذه الحركات الإسلامية بغرض أن
تحارب هذه الأخيرة إسرائيل
نيابة عن سوريا، وكتعويض
سوريا عن عزلتها الإقليمية
والاختلال في موازين القوى
الإقليمية لصالح إسرائيل
وتضعضع التضامن العربي، وتحول
النظام العربي من الصراع مع
إسرائيل إلى التعايش أو التسوية
معها. في ظل الواقع الصعب
والمعقد الذي تتعرض له سوريا
لتحديات ومخاطر جمة تستهدف
تقويض تحالفها مع إيران، وتقليم
دور سوريا الإقليمي، وتقظيم
فاعلية سياستها
الخارجية ومكانتها في ملفات
المنطقة وضمنها ملفات فلسطين
ولبنان والعراق. و في
ظل اعتقاد سوريا أن تحقيق
السلام العادل
في الشرق الأوسط يبدو غير واقعي
، وميل وتحيز السياسة الأمريكية
في المنطقة لصالح إسرائيل
،واستمرار هذه الأخيرة في
احتلالها لمرتفعات
الجولان كل ذلك في ظل انهيار
وضعف النظام العربي وعجزه عن
الدفاع عن مفرداته. إذن النتيجة
الحتمية لكل
ذلك هي تعزيز العلاقات السورية
الإيرانية وليس العكس في ظل
انهيار شامل للنظام العربي. وعليه
فان التحالف الاستراتيجي
السوري- الإيراني سوف يستمر
باطراد طالما أن المعادلة (م)+(س
ي)> (م)+(ع س)= (س ي)
هي من تحكم في طبيعة
العلاقات بين البلدين. وليست
المعادلة (م)+(ع س) > (م )+(س ي) = (ع
س) هي من تحكم العلاقات السورية-
الإيرانية ونأمل أن تحقق هذه
المعادلة في المستقبل، أي عودة
سوريا إلي النظام الإقليمي
العربي. المراجع للمزيد
حول النظام العربي انظر: -
د.علي الدين هلال وجميل مطر:
النظام الإقليمي العربي، مركز
دراسات الوحدة العربية، بيروت ،
1985. -
د.على الدين هلال، ود. نيفين
مسعد: النظم السياسية العربية،
قضايا الاستمرار والتغيير،
مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت2000 . -
د. أحمد يوسف أحمد: الصراعات
العربية- العربية، مركز دراسات
الوحدة العربية، بيروت، 1996. -
د. حسن أبو طالب: علاقات مصر
العربية(مرحلة السادات)، مركز
دراسات الوحدة العربية، بيروت،1998. -ديبورا
ج. جيريز: الشرق الأوسط المعاصر،
محاولة للفهم، ترجمة احمد عبد
الحميد احمد، المجلس الأعلى
للثقافة ،القاهرة. للمزيد
حول سياسات الأحلاف انظر: -
د. ممدوح منصور: سياسات التحالف
الدولي، مدبولي،1997 -
د. محمود عزيز شكري: الأحلاف
والتكتلات في السياسة
العالمية،، عالم المعرفة،
الكويت، 1978 للمزيد
حول تاريخ إيران انظر: -
آمل السبكي: تاريخ إيران
السياسي(1906-1979) ، عالم المعرفة ،
الكويت، العدد250،1999 . -
Karen A . feste:
The Iranian revolution
and political change in the Arab World
كارين أ. فيستي:
الثورة الإيرانية والتغير
السياسي في العالم العربي ،
مركز الإمارات للبحوث
وللدراسات الإستراتيجية،1996 للمزيد
حول التعاون السوري الإيراني
انظر: -
أحمد خالدي،و حسين اغا: سوريا
وإيران، تنافس وتعاون، ترجمة
عدنان حسن،دار الكنوز الأدبية،
بيروت ،
1997. للمزيد
حول السلام والصراع في الشرق
الأوسط انظر: -بطرس
بطرس غالي : طريق مصر إلى
القدس،مركز الأهرام للترجمة
والنشر ، القاهرة، 1997. -بطرس
بطرس غالي: بانتظار بدر البدور،
دار الشروق، 2005. للمزيد
حول الأمن القومي العربي أنظر: -
معهد البحوث والدراسات العربية:
الأمن القومي العربي: أبعاده
ومتطلباته،1993
. --------- *محلل
سياسي لمجلة شرفات الالكترونية ------------------------ الدارسة
المنشورة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |