ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
منهجية
التعامل مع السنة النبوية -
41 - د.
محمد سعيد حوى النموذج
الثاني: علل
احاديث الجمع في المطر. ما زلنا
نناقش القاعدة المتعلقة بضرورة
استيفاء شروط صحة الحديث وان
كثيراً ما يقع الخلل في هذه
القاعدة ولا يخفى ان نقد الحديث
له جانب متعلق بالسند وجانب
متعلق بالمتن، ولقد ركز كثيرون
على جانب
واحد وهو نقد السند، ومع ذلك
فتجد البعض لا يتنبه, الى علل
واخطاء خفية وقوادح تمنع من صحة
الحديث فكيف اذا انضاف الى ذلك
عدم النظر في نقد المتن وهو جانب
مهم واساسي في النقد, ولعلنا نقف
على شواهد من ذلك. نقف مع
نماذج اخرى من الاحاديث
المعلولة ومع ذلك يحتج بها
البعض مما يترتب عليه احكام
خاطئة في العبادات وغيرها, فمن
ذلك الجمع بين الصلوات في الحضر
بعذر المطر, ولا يتسع المقام
الآن لدراسة المسألة من جوانبها
لكن اذكر نماذج من النصوص:. 1-
يحتج القائلون بالجمع في
الحضر بعذر المطر تقديماً بحديث
ابن عباس: صلّى
رسول الله صلى الله عليه وسلم
الظهر والعصر جميعاً، والمغرب
والعشاء جميعاً من غير خوف ولا
سفر، وفي رواية (من غير خوف ولا
مطر) وفي رواية قال ايوب: احد
الرواة: لعله في ليلة مطيرة
اخرجه البخاري (518) ومسلم (705). فتجد من
يحتج بهذا الحديث دون نظر في
علله:. فالامام
الترمذي يقول في كتابه السنن
جميع ما في هذا الكتاب معمول به
ما خلا حديثين: حديث ابن عباس:
جمع رسول الله بين الظهر والعصر..
(5/736) في كتاب العلل الصغير. اذن،
يلفت الامام الترمذي هنا النظر
انه بين ايدينا حديث سنده صحيح
في الظاهر لكنه لم يعمل به,
لماذا؟ لا بد لعلة ما، ولنا ان
نبحث في هذه العلة:. 1-
فمن ذلك ان الحديث في ظاهره
مخالف لما هو قطعي ثابت في كتاب
الله "ان الصلاة كانت على
المؤمنين كتاباً موقوتاً"
فلا يجوز الخروج عن هذا القطعي
الثابت الا بدليل قطعي لا شبهة
فيه ولا احتمال وظاهر الحديث
يجعلك تصلي الصلاة في غير وقتها,
بلا دليل صريح واضح فرأى
الترمذي ان هذا الحديث غير
معمول به غير ظاهره، وهو لم يقل
غير صحيح. 2-
ان هذا الحديث يخالف في
ظاهره السنة الثابتة القطعية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي شدة المحافظة على الصلاة
على وقتها، وانه لا تصلى صلاة
قبل وقتها, وفي ذلك نصوص صريحة
واضحة من ذلك. حديث
ابن مسعود: ما رأيت رسول الله
صلى صلاة لغير ميقاتها الا
صلاتين جمع بين المغرب والعشاء
بمزدلفة... خ (1598) ومسلم (1289). 3-
انه مخالف لهدي رسول الله في
حالة المطر اذ كان يوجه رسول
الله الى الصلاة في الرحال. فأخرج
البخاري (635) ان ابن عمر اذن
بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم
قال: "الا صلوا في الرحال". ثم قال:
ان رسول الله كان يأمر المؤذن
اذا كانت ليلة ذات برد ومطر
بقوله: الا صلوا في الرحال. اذن,
الرخصة الثابتة وهذا جزء من
تيسير الدين ان يعذر المرء بترك
الجماعة في المطر وليس ان
يصليها خارج وقتها او قبل مجيء
وقتها وقبل وجود سببها. 4-
ان جمع طرق الحديث – حديث
ابن عباس – والتعرف على ظروفه
يبين ان جمع رسول الله في
المدينة هو جمع صوري او تأخير
وادلة ذلك كثيرة:. أ-
حديث عبدالله بن عمر انه
استغيث على بعض اهله، فجدّ به
السير فأخر المغرب حتى غاب
الشفق ثم نزل، فجمع بينهما ثم
اخبرهم ان رسول الله كان يفعل
ذلك اذا جدّ به السير (خ: 1058
ومسلم 703). ب-
روى الامام النسائي بسند
صحيح حديث ابن عباس المذكور
سابقاً بلفظ: صليت مع النبي
بالمدينة ثمانياً جميعاً
وسبعاً جميعاً أخّر الظهر وعجّل
العصر وأخّر المغرب وعجّل
العشاء. سنن النسائي 1/286. ج- روى
ابن ابي شيبة بسند صحيح عن نافع
"كانت امراؤنا اذا كانت ليلة
مطيرة ابطاؤوا بالمغرب وعجّلوا
بالعشاء قبل ان يغيب الشفق" والخلاصة
من ذلك كله ان حديث ابن عباس جمع
رسول الله في المدينة من غير خوف
ولا مطر, لا يجوز ان يؤخذ على
ظاهره وانه محمول على جمع
التأخير او الجمع الصوري حتى
يكون منسجماً مع هدي القرآن
وهدي رسول الله في الصلاة على
وقتها, كما روى ابن مسعود وابن
عمر وابن عباس نفسه ونافع, وكما
هو مشهور من هديه صلى الله عليه
وسلم وان الرخصة السابقة في
المطر الصلاة في الرحال. ثم ان
البخاري لما خرّج الحديث عنون
له بعنوان: "باب تأخير الظهر
الى العصر" (خ 518). 5-
ومما يؤكد ما مضى انه لم
يثبت حديث في جمع التقديم لا
حضراً ولا سفراً – سوى عرفات –
ولها خصوصية. اما ما
يستدل به القائلون بجمع التقديم
في السفر فهو حديث معاذ بن جبل
وهذا الحديث له وجه صحيح لا
يُذكر جمع التقديم ووجه آخر
معلول يذكر جمع التقديم، لكن
البعض لا يريد ان يرى علله. فان
اثبت ما روي في جمع رسول الله في
السفر ما رواه انس ان النبي كان
في غزوة تبوك اذا ارتحل قبل ان
تزيغ الشمس أخر الظهر الى وقت
العصر، ثم نزل يجمع بينهما فاذا
زاغت قبل ان يرتحل صلى الظهر ثم
ركب (لم يذكر العصر)" متفق
عليه خ 1060 ومسلم 704. ومثله
حديث معاذ خرجنا مع رسول الله
عام غزوة تبوك, فكان يجمع الصلاة
فصلى الظهر والعصر جميعاً
والمغرب والعشاء جميعاً، حتى
اذا كان يوماً آخر الصلاة..
اخرجه مالك 1/143 ومسلم 706. وهكذا
لا يذكر جمع التقديم بل ويصرح
بجمع التأخير او الصوري, وهذا
المشهور عن معاذ. لكن شذّ
قتيبة بن سعيد فرواه عن الليث بن
سعد عن يزيد بن ابي حبيب عن ابي
الطفيل عن معاذ بلفظ: "اذا
ارتحل قبل ان تزيغ الشمس آخر
الظهر.. واذا ارتحل بعد ان تزيغ
الشمس عجّل العصر الى الظهر"
اخرجه ابو داود (1220). فهذا
حديث معلول من اوجه: 1-
انه تحريف لرواية انس التي
اتفق عليها الشيخان وليس فيها
ذكر عجّل العصر. 2-
ان اشهر الروايات عن معاذ
نفسه ليس فيها ذكر عجّل العصر
فهي زيادة شاذة. 3-
نقدها الترمذي بقوله حديث
قتيبة حسن غريب (فقوله حسن اشارة
الى تعدد طرقه وقوله غريب اشارة
الى العلة فيه وهي زيادة عجّل
العصر. 4-
قال الخطيب البغدادي رواية
قتيبة منكر جداً من حديثه (تهذيب
الكمال 23/353). 5-
قال ابو داود: حديث منكر،
وليس في جمع التقديم حديث قائم (تلخيص
الجبير 2/49). 6-
وحكم الحاكم بأن هذه
الزيادة موضوعة.. الخ. وهكذا
ترى كيف يتغاضى البعض عن علل
الاحاديث ليروجوا لآراء فقهية
خاطئة. ملحوظة:
حكم جمع التقديم في السفر له بحث
آخر ليس هذا مكانه، وكذا لماذا
جمع رسول الله في عرفات تقديماً. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |