ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 31/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

نظرة في الأزمة الأخلاقية

بقلم د. صلاح الدين النكدلي

عزيزي القارئ :

بين يديك (نظرة في الأزمة الأخلاقية) التي اجتاحت المسلمين في القرون المتأخرة ، وكانت من أهم أسباب ضعفهم وذهاب ريحهم ؛ العلمي ، والاجتماعي ، والسياسي ، والاقتصادي ..

ولا يخفى عليك أن المسلمين قد شهدوا في العقود المنصرمة ظهور دعاة وجماعات الإحياء الإسلاميّ ، وهؤلاء حملوا لواء الدعوة إلى مراجعات واسعة لمنظومة القيم الأخلاقية السائدة ، وكان من نتائجها إحياء المبدأ الإصلاحي التربوي (النجاة في التخلي والتحلي) أي : التخلي عن الأخلاق السلبية على المستويات كافة ، والتحلي بالأخلاق الإيجابية ، وهذا يستدعي تكوين المحاضن التربوية طلباً لتزكية النفوس ، وتحريكاً لفقه القلوب ..

وسجل تيار الصحوة نجاحاً ملموساً في مجالي : التخلي والتحلي ، وما يزال أمامه الكثير من الواجبات في ساحة (معركة الأخلاق) التي تزدحم فيها مؤثرات وفتن تجعل عملية التربية شاقة ومضنية .

ولكنْ .. لا بد من متابعة طريق إصلاح القلوب وتزكية النفوس ، فهذا واجب مستمر لا يتوقف ، وإسهاماً مني في التذكير بهذا الواجب الشرعي الكبير تحدثت في محاضرتين عن الأزمة ، وذكَّرت بواجبات تشير إلى ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتق تيار التجديد الديني ، ثم أعدت النظر فيها ونشرتها على حلقات في مجلة (الرائد) وها أنا أراجعها لنشرها رسالة صغيرة .. آملاً أن يكون فيها (( ...ذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ اللَّهِ )) [ق : 37] .

 

نظرة في الأزمة الأخلاقية

أولاً : ما الأخلاق ؟

يقول الإمام أبو حامد الغزالي : « الْخُلق : عبارة عن هيئة في النفس راسخة ، عنها تصدر الأعمال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية .. وإنما قلنا : إنها هيئة راسخة ، لأن من يصدر منه بذلَ المال على الندور لحاجة عارضة ، لا يقال : خلقه السخاء ، ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ ، وإنما اشترطنا أن تصدر منه الأفعال بسهولة من غير روية ، لأنَّ من تكلَّف بذلَ المال أو السكوتَ عند الغضب بجهد وروية ، لا يقال : خلقه السخاء والحلم » [إحياء علوم الدين 3/52] .

ثانياً : أنواع الأخلاق :

* الأخلاق قسمان ؛ محمودة ومذمومة : وهي مركوزة في فطرة البشر ، وطريقة التعامل معها تحدد المصير ، يقول الله تعالى : (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )) [الشمس : 7-10] ، ويقول سبحانه وتعالى : (( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )) [الليل : 5-10] .

ويرى الإمام الغزالي أن الأخلاق الحسنة تقوم على أربعة أركان ؛ قوة العقل (الحكمة) وقوة الغضب (الشجاعة) وقوة الشهوة (العفة) وقوة (العدل) التي تجعل الحكمة والشجاعة والعفة ملتزمة بحدود الشرع والعقل . ويبين الغزالي أن اعتدال هذه الأركان يثمر حُسنَ الخلق ، وأن اختلالها بإفراط أو تفريط يُنتج الأخلاقَ السيئة ، ويشرح أبو حامد فكرته فيقول :

(أمهات الأخلاق وأصولها أربعة : الحكمة ، والشجاعة ، والعفة ، والعدل ؛ ونعني بالحكمة : حالة للنفس بها يُدرك الصوابُ من الخطأ في جميع الأفعال الاختيارية ، ونعني بالعدل : حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضبَ والشهوة وتحملهما على مقتضى الحكمة ، وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها ، ونعني بالشجاعة : كون قوة الغضب منقادة للعقل في إقدامها وإحجامها ، ونعني بالعفة : تأدب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع ؛ فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلها .

* إذ من اعتدال قوة العقل : يحصل حسنُ التدبير ، وجودةُ الذهن ، وثقابةُ الرأي ، وإصابة الظن ، والتفطن لدقائق الأعمال وخفايا آفات النفوس . ومن إفراطها : تصدر الجربزة -الجبز : الخِبُّ من الرجال - والمكر والخداع والدهاء ، ومن تفريطها : يصدر البَلَهُ والغَمارة والحمق والجنون ، وأعني بالغمارة : قلة التجربة في الأمور مع سلامة التخيُّل ، فقد يكون الإنسان غمراً في شيء دون شيء ، والفرق بين الحمق الجنون أن الأحمق مقصودُه صحيح ولكن سلوكه الطريق فاسد ، فلا تكون له روية صحيحة في سلوك الطريق الموصل إلى الغرض . وأما المجنون فإنه يختار ما لا ينبغي أن يختار فيكون أصلُ اختياره وإيثاره فاسدا .

* وأما خلق الشجاعة : فيصدر منه الكرم ، والنجدة ، والشهامة ، وكسر النفس ، والاحتمال ، والحلم ، والثبات ، وكظم الغيظ ، والوقار ، والتودد ، وأمثالها ، وهي أخلاق محمودة . وأما إفراطها ، وهو التهور : فيصدر منه الصلف ، والبذخ ، والاستشاطة ، والتكبر ، والعُجب . وأما تفريطها : فيصدر منه المهانة ، والذلة ، والجزع ، والخساسة ، وصغر النفس ، والانقباض عن تناول الحق الواجب .

* وأما خلق العفة : فيصدر عنه السخاء ، والحياء ، والصبر ، والمسامحة ، والقناعة ، والورع ، واللطافة ، والمساعدة ، والظرف ، وقلة الطمع . وأما ميلها إلى الإفراط أو التفريط : فيحصل منه الحرص ، والشره ، والوقاحة ، والخبث ، والتبذير ، والتقصير ، والرياء ، والهتكة ، والمجانة ، والعبث ، والملق ، والحسد ، والشماتة ، والتذلل للأغنياء ، واستحقار الفقراء ، وغير ذلك .

فأمهات محاسن الأخلاق هذه الفضائل الأربعة ، وهي : الحكمة ، والشجاعة ، والعفة ، والعدل ، والباقي فروعها ، ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس بعده متفاوتون في القرب والبعد منه ، فكل من قرب منه في هذه الأخلاق فهو قريب من الله تعالى بقدر قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق ، كما قال .. وقد أشار القرآن إلى هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين فقال تعالى : (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )) [الحجرات : 15] .

فالإيمان بالله وبرسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين ، وهو ثمرة العقل ومنتهى الحكمة ،  والمجاهدةُ بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة ، والمجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل وحدِّ الاعتدال» (إحياء علوم الدين 3/53) .



* والأخلاق إما وهبية وإما كسبية : ونعني بالوهبية ما جُبل عليه كل فرد من أخلاق ظاهرة فيه . وبالكسبية ما يحصله المرء نتيجة مجاهدة النفس وحملها على مكارم الأخلاق . يقول الله تعالى : (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا .. )) [العنكبوت : 69] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم : « إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يُعطه ، ومن يتقِ الشر يُوقَّه » [ حسن : (السلسلة الصحيحة 1/ 605)] .

وقد أحسن الشاعر بقوله :

كم تُظلمون ولستم تشتكون وكم    تُستغضبون فلا يبدو لكم غضبُ

أَلِفْتُمُ الهونَ حتى صار عندكمُ    طبعاً ، وبعضُ طباعِ المرءِ تكتسبُ

 

ثالثاً : أعراض أزمة المسلمين الأخلاقية :

1- أزمة في أخلاق التعامل مع رب العالمين : مثل اضطراب : الخوف - الرجاء - التوكل - الافتقار - الإنابة - الإخلاص…

2- أزمة في أخلاق التعامل مع النفس : مثل اختلال : الحياء - القناعة - الإحسان - الغيرة - ..

3- أزمة في أخلاق التعامل مع الآخرين : مثل تزلزل : الصدق - الوفاء - العفو - الإحسان - الإنصاف ..

4- أزمة في أخلاق القوة البانية للحياة : مثل تشوه : الحلم - الصبر - الجدية - التعاون - التضحية - النظام ..

رابعاً : أسباب الأزمة الأخلاقية :  وأسباب الأزمة متعددة ، ونشير هنا إلى (التخلف العقدي) و(التخلف العملي) و(غياب رقابة الأمة) و(أخلاق القوة والتمكين) :

أ - التخلف العقدي : فقد أسفر التقليد في الإيمان إلى الجهل العملي بأسماء الله الحسنى ، ونلمس هذا في أمور مثل :

* ضعف الحياء من الله تعالى .. فلا يشعر معظم المسلمين اليوم بالحرج من أن يراهم الله تعالى حيث نهاهم ، أو يفقدهم حيث أمرهم .

* الإصرار على المعاصي مع رجاء الرحمة ، وهذا نتيجة طبيعية لإخراج العمل عن مسمى الإيمان .

ونتج عن التخلف العقدي أزمات أخلاقية خطيرة ، عبرت عن نفسها بسلوك عملي ، ونضرب أمثلة على ذلك :

أولاً : أزمة مع النفس : مثل :

* سيطرة الجزع وحب الدنيا : (( إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ )) [المعارج : 19-27] .

* القلق : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) [طه : 124] .

ثانياً : أزمة مع الناس : والأمثلة كثيرة وفيرة ، ونكتفي بالإشارة إلى علاقة الإيمان بالأخلاق الاجتماعية من خلال النصوص النبوية الآتية :

* « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا ؛ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ » متفق عليه .

* « يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ ! لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَعَ عَوْرَة أَخِيهِ الْمُسْلمِ ، تَتَبَعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ » رواه أحمد وأبو داود .

ثالثاً : أزمة في أخلاق الحياة : وهذا الجانب من الأخلاق يحتاج إلى توضيح ، فقد تبين لدارسي القيم الأخلاقية من وجهة نظر الإسلام ، أن هناك ضربين من الأخلاق :

الأول : الأخلاق الإنسانية الأساسية : مثل : الشجاعة ، والحكمة . وتطبيقاتها : حسن التنظيم ، الجدية ، التعاون ، الإنصاف…

وهذا الضرب من الأخلاق مشاع لكل الناس ، أي يمكن أن يحصل المسلمُ وغيرُ المسلم على نصيب منه ، لأنه يدخل في العطاء الرباني : (( كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا )) [الإسراء : 20] .

الثاني : الأخلاق الإسلامية : وهذه تؤكد على الأخلاق الإنسانية الأساسية التي بدونها لا تقوم الأمم ، فتصحح بواعثها ، وتضيف إليها أخلاقاً خاصة بالمؤمنين ، مثل : التجرد ، الإخلاص ، التوكل ، الإنابة ..

ولا شك في أن الأخلاق الاجتماعية هي التي لفتت نظر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إلى عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عبرت عن ذلك يوم قالت له بعد لقائه الأول بجبريل : « كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا : إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ » رواه البخاري .

ولا ريب في أن الأخلاق الإنسانية الأساسية الإيجابية حين تشيع في أمة ، فإنها ترتقي في مقامات عزة الأمم بمقدار ما توفر في سلوكها من أخلاق القوة البانية للحياة ، فإذا كانت مرتكزة إلى عقيدة التوحيد فإن آثار بركتها تتضاعف بإذن الله تعالى . ولا يقتصر عندئذ الإحسان على الإنسان ، بل يتجاوزه إلى الكائنات الأخرى . روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا ، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ ،  فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟! . فَقَالَ : فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ » .



ب- التخلف العلمي : والمقصود به ؛ عدم معرفة التصرف السليم ، وبخاصة في مجال الحقوق والواجبات والعلاقات البشرية . وهذا التصرف الجاهل يؤدي إلى أزمات أخلاقية خطيرة ، وسأتناول هذا الموضوع من خلال طائفة من الأحاديث النبوية لاشتمالها على فوائد كبيرة :

1- قصة جريج مع أمه

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِدًا ، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ! . فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي ؟ ، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ! . فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي ؟ ، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ! . فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي ؟ . فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ .  فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ ! .

فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا ، فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ . قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا . فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ . فَأَتَوْهُ ، فَاسْتَنْزَلُوهُ ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ . فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟! قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ !! فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ ، فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَصَلَّى ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ : يَا غُلاَمُ ! مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ : فُلاَنٌ الرَّاعِي . قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ : لاَ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ . فَفَعَلُوا .. » رواه مسلم .

فائدة : فلو كان جريج عالماً بالتصرف السليم ، حين تزدحم الأعمال والواجبات في وقت واحد ، لعرف كيف يتعامل مع (فقه الأوليات) ولكنه حين جهل ذلك لم يحسن التصرف ؛ فالإساءات تؤزم العلاقات ، وتلقي بظلال كئيبة على الأخلاق .

*    *    *

2- ما أكثر الرهبان وأقل العلماء !

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :

« كان فِيمنْ كَانَ قَبْلكُمْ رَجُلٌ قتل تِسْعةً وتِسْعين نفْساً ، فسأَل عن أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ ، فدُلَّ على راهِبٍ ، فَأَتَاهُ فقال : إِنَّهُ قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْساً ، فَهلْ لَهُ مِنْ توْبَةٍ ؟ . فقال : لا !! . فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مِائةً . ثمَّ سألَ عن أعلم أهلِ الأرضِ ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ ، فقال : إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ ، فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ ؟ . فقالَ : نَعَمْ ، ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة ؟! ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كذا وكذا ، فإِنَّ بها أُنَاساً يعْبُدُونَ الله تعالى ، فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ ولا تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ . فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ أَتَاهُ الْموْتُ ، فاختَصمتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ وملائكةُ الْعَذابِ ؛ فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمَةَ : جاءَ تائِباً مُقْبلاً بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تعالى ، وقالَتْ ملائكَةُ الْعذابِ : إِنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خيْراً قطُّ ! . فأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدمي فجعلوهُ بيْنهُمْ  -أَي حَكَماً- ، فقال : قيسوا ما بَيْنَ الأَرْضَينِ فإِلَى أَيَّتهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأَرْضِ التي أَرَادَ ، فَقبَضْتهُ مَلاَئكَةُ الرَّحمةِ » رواه الشيخان .

فائدة : يفيد هذا الحديث أن ضعف المعرفة الشرعية يفسد النظر ، ويصيب القدرة على التعامل المناسب مع الواقع البشري في مقتل . فلو كان الراهب -وهو العبد المقبل على العبادات- عالماً لما أنكر على التائب عزمه على ترك ماضيه المظلم والتوجه إلى مستقبل منير ؛ فالعلم نور والجهل ظلمة ، وفرقٌ كبير بين العابد الذي يجهل فقه الشرع وفقه الواقع وبين العالم بنصوص الشرع وفقهها والبارع في تنزيلها على الواقع .

وهذه الحقيقة حين تُجهل على مستوى الأمة فإن البنيان الأخلاقي يصاب بهزات عنيفة ، فتكثر الشقوق في جدرانه وسقفه ، وتتحطم نوافذه ، وهذا ما نراه ماثلاً في واقع المسلمين اليوم !! .

*    *    *

3- قصة معاذ وسُليم

« كان معاذ -ابن جبل- يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم يرجع فيصلي بأصحابه ، فرجع ذات ليلة فصلى بهم ، وصلى فتى من قومه ( من بني سلمة يقال له : سُليم ) فلما طال على الفتى صلى في ناحية المسجد ، وخرج وأخذ بخطام بعيره وانطلق . فلما صلى معاذٌ ذُكر ذلك له ، فقال : إن هذا به لنفاق ! ، لأُخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي صنع . وقال الفتى : وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم !.

فغدَوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى ، فقال الفتى : يا رسول الله ! يطيل المكثَ عندك ، ثم يرجع فيطيل علينا !!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفتانٌ أنت يا معاذ ؟! ، وقال : للفتى : كيف تصنع أنت يا ابن أخي إذا صليت ؟. قال : أقرأ بفاتحة الكتاب ، وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ، وإني ما أدري ما دندنتك ودندنة معاذ !. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني ومعاذ حول هاتين ، أو نحو ذا . قال : فقال : ولكنْ سيعلم معاذٌ إذا قدم القوم وقد خبّروا أن العدو قد أتوا !.

قال : فقدموا فاستُشهد الفتى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لمعاذ : ما فعل خصمي وخصمك ؟. قال : يا رسول الله - صدق الله وكذبتُ - استُشهد » رواه البيهقي وغيره ، وأصل القصة في الصحيحين والزيادة للإمام أحمد .

فائدة : تعلمنا قصة معاذ مع سُليم مسألة ينبغي أن يتدبرها كل مسلم ، وهي :

عند الحكم على تصرفات ومواقف الآخرين فإنه لا يصح أن يتعلق مسلم بظاهر نص شرعي ، إذا كان في المسألة ذاتها نصوص أخرى ، ففي هذه الحالة يجب أن يتمرس داعية الخير على فقه نسبة كل نص إلى غيره من النصوص ، وأن يتعلم متى يعمل بكل نص ، لئلا يأتي من الأعمال ما يظن أن فعله مشروع في الأوقات جميعها ، وفي مختلف الظروف . فجزئية المعرفة وتفككها يسهمان في توفير البيئة المناسبة لظهور الخلافات المدمرة للأخلاق .

فليت شعري ؟! كم في دنيا المسلمين اليوم من مشكلات قاتلة ؛ فرقت قلوباً ، وبعثرت جهوداً ، وحطمت إمكانات .. ويرجع السبب فيها إلى :

* رؤية أخطاء الآخرين وتضخيمها .. مع عجز كبير عن رؤية أخطاء الذات !!.

* تسويغ الأعمال والمواقف بالنية الطيبة .. والبعد عن النظر إلى أعمال الآخرين بالمقياس نفسه !!.

* الاعتماد في تقويم الآخرين على الجزئية في العلم .. وفقدان النظرة الشمولية المتوازنة !!.

*    *    *

4- إنما شفاء العِيِّ السؤال

عن جابر رضي الله عنه قال :

« خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ ، فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ، ثُمَّ احْتَلَمَ ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ : فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ ؟ . فَقَالُوا : مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ . فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ .

فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أُخْبِرَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ ، أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ؟! إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ » رواه أبو داود وغيره ، وذكر الألباني في (تمام المنة) أنه حسن بمجموع طرقه .

فائدة : هذا الحديث يبين خطر أولئك الذين ينزلون « نصوص العزائم » على حالات « الرُّخص » بسبب جهلهم بما يُخرج حكم الحالات العادية إلى حكم الحالات الاستثنائية ، ولا يصح حصر دلالة الحديث في الواقعة التي ورد بسببها ، فإذا عممنا توجيه الحديث على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها ، فإننا ندرك عمق التوجه النبوي : « ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟! إنما شفاء العي السؤال » .

*    *    *

5- رجلٌ يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم !

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :

« لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ ؛ فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ .

قَالَ رَجُلٌ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا ، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ !

فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ . فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ ، ثُمَّ قَالَ : فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؟!. ثُمَّ قَالَ : يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ .

فَقُلْتُ : لاَ جَرَمَ لاَ أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا » متفق عليه . والصِّرفُ : صبغٌ أحمر .

فائدة : هذه القصة تدل على أن هناك ناساً تقيدهم التصرفات والأحكام العادية ، فإذا رأوا تغييراً اقتضته ظروف استثنائية ، فإنهم يعجزون عن رؤية المتغيرات والمقاصد ، وقد يسيئون الظن ، وربما أحدثوا بلبلة أو فتنة وهم يظنون أنهم محسنون .

*    *    *

6- قصة سلمان مع أبي الدرداء

عن وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال :

« آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟! . قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا !.

فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ لَهُ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ .

قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ !.

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، فَقَالَ لَه : نَمْ . فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ لَهُ : نَمْ . فَلَمَّا كَانَ آخِرَ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُمِ الآنَ . فَصَلَّيَا جَمِيعاً ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ ، إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه !

فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ سَلْمَان » رواه البخاري .

فائدة : فهذه القصة تفيد أن هناك ناساً تؤثر طباعهم في إبراز بعض المعاني المشروعة على حساب معانٍ أخرى ، وصنيعهم هذا يؤدي إلى خلل في العلاقات إذا لم يُتدارك ، والخلل في العلاقات يؤزم الأخلاق .

*    *    *

من هذا العرض الذي اعتمدت فيه على الحديث النبوي أصل إلى تسجيل عدد من الملاحظات ، وآمل أن ينتبه إليها تيار التجديد الإسلامي ، نظراً لآثارها البعيدة على الأخلاق والعلاقات :

* إن العجز عن التعامل السليم مع « فقه الأولويات » يؤدي إلى خلل في العمل ، وهذا الخلل يطعن الأخلاق في الصميم . وهو ما نراه ظاهراً في الأمة ، بل لم يسلم منه معظم أبناء التيار الإسلامي الساعي إلى تجديد الدين ، وهذا يعني أن هناك حاجة ماسة للاهتمام بالتكوين العلمي الشرعي المرتبط بفقه الواقع .

* إن غالبية فصائل الحركة الإسلامية المعاصرة يصدق في وصفهم قول أحمد شوقي :

إن الشجاعةَ في القلوب كثيرةٌ    ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا

وشجاعة العقل هي العلم الذي يورث الحكمة في المواقف والتصرفات ، وفي مواجهة الأزمات والتحديات ، وفي السلوك الفردي والجماعي .

* إن الفهم الجزئي للإسلام ، أو تغليب جانب منه عند التطبيق ، لا خوف منه إذا كان حالة فردية ، عندئذ يتمكن المجتمع ، أو الجماعة ، من رد المخطئ إلى الصواب بتعليمه أو تذكيره ، ولكن الخوف كل الخوف عندما تصبح « الجزئية في العلم » و « المزاجية في العمل » حالة أمة أو جماعة..عندها لا ينفع كثيراً وجودُ أفراد ناجين من هذه الأوبئة التي تفتك بأخلاق الجماعات والأمم..وهذا حال المسلمين اليوم باعتبارهم أمة..وليس حال الحركات الإسلامية بأفضل كثيراً في هذا الجانب .

* لقد حركت جماعات الدعوة إلى تجديد الإسلام المعانيَ الأخلاقية عند المسلمين ، ودعت إلى صبغ الحياة بها ، ولكن تقرير الحقائق وتقعيد القواعد شيء ، وتحويل المقررات إلى واقع وسلوك شيء آخر . والمطلوب من حركة التجديد توفير المعرفة وتكوين المحاضن التربوية المساعدة على بناء الصرح الأخلاقي على أساس متين من العلم .

 

ت- غياب رقابة الأمة : ونعني بالأمة مؤسسة الدولة ومؤسسات المجتمع :

أولاً : الدولة : التي يناط بها العمل على تحقيق قول الله تعالى : (( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )) [الحج : 13] .

ولقد تخلت مؤسسة الدولة في عصرنا عن هذه المهام الكريمة ، وأخذت على عاتقها :

1- السعي إلى إقصاء الإسلام تشريعاً وأخلاقاً عن التأثير والتوجيه ، بصرف النظر عن البواعث .

2- السهر على زرع قيم الغرب المرتكزة على (النفعية) و (النهبية) و (الوصولية) و (العنف) .

وتتوسل الدولة لتحقيق مآربها بنشر (الخوف) و (الشهوات) و (الشبهات) .

وما أروع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يربط فيه بين ظلم وطغيان الدولة وبين شيوع الأخلاق الفاسدة المدمرة ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا » رواه مسلم .

ثانياً : المجتمع : فمن طبيعة المجتمع المسلم على سبيل المثال لا الحصر :

* (( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) [آل عمران : 041] .

* (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... )) [الفتح : 29] .

* (( ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ ... )) [المائدة : 2] .

فإذا نظرنا إلى المسلمين اليوم لرأينا أن مظاهر التخلي عن الأخلاق القرآنية ظاهرة فيهم ، وإن كان فيهم رجال صالحون ونساء صالحات ، إن غالبيتهم على سبيل المثال :

- يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض .

- ويرصدون عثرات بعضهم ، لينشروها شامتين بمن قارفها ..وكان الأحرى بهم أن يتألموا ويستروا وينصحوا المخطئين .

- ويأخذون بالفردية في حياتهم وينأون عن الأخلاق الجماعية …

- وصار حال كثير من الناس كما قال ابن الأعرابي :

ذهب الرجالُ الْمُقتدى بفعالهم    والمنكرون لكل أمرٍ منكرِ

وبقيت في خلف يُزيّن بعضهم    بعضاً ، ليدفعَ مُعْوِرٌ عن مُعْوِرِ!!

 

وقد أحسن وليد الأعظمي في تصوير حال المسلمين الأخلاقية المتأزمة فقال :

يا ربِّ لطفك بالإسلام قد أخذت    من أهله عروةُ الإخلاص تنفصمُ

وأصبحت أمم الإسلام قاطبة    بين الأنام بسيما الذل تتسمُ

تستبدل الكفر بالإيمان وا أسفا    وتشرب السمَّ ظنّاً أنه دسمُ

أودى بها الطيشُ واللذاتُ فانمحقت    منها الشجاعةُ والإقدام والكرمُ

وغادرتها دواعي المجد أجمعُها    وساورتها شكوكٌ دونها الظُّلَمُ

والمجدُ وعرٌ فقل لي:كيف يسلكه    من لم يكن عنده ساقٌ ولا قدمُ

وكيف ينهض للعليا أخو ضَعَةٍ    وكيف يدعو إلى الإصلاح مُتَّهَمُ

ما قام فينا أخو رُشْدٍ لينصحنا    إلا وهاجت ظنونُ السوء تتّهمُ

وإنْ دعانا إلى خير ومكرمة    قلنا: له غايةٌ أخرى هي الغُنمُ

يا ضَيْعَةَ الحقِ والإنصاف في بلد    فيه الرذيلة عينٌ والفسادُ فمُ

عشنا على هامش الدنيا بغير هدى    يا لَلرزيةِ لا عُربٌ ولا عجمُ

خلائقٌ كظلامِ الليل مَنْ يَرَها    يقلْ بأمثال هذي تُمسخ الأممُ

 

وأختم الكلام عن ضعف رقابة المجتمع بذكر طائفة من الأحاديث النبوية المبينة لوجوب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمحذرة من التهاون في إصلاح أخلاقيات الأمة :

1- عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ . قَالَ : « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » رواه مسلم .

2- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » رواه الترمذي .

3- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ... )) [المائدة : 105] ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ » رواه الترمذي وأبو داود .

 

ث- ضعف أخلاق القوة :

وأختم هذه النظرة العجلى في الأزمة الأخلاقية للمسلمين وأسبابها بالتنبيه إلى ضرورة الاهتمام بإحياء أخلاق القوة والعزة في الأمة (الأخلاق الإنسانية الأساسية) ، فأقول : روى الإمام مسلم في (كتاب الفتن وأشراط الساعة) من صحيحه حديثاً يدعو إلى التدبر :

(قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم  يَقُولُ : « تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ » .

فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : أَبْصِرْ مَا تَقُولُ !!

قَالَ : أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم .

قَالَ : لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا : إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ . وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ : وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوك) .

ولقد تأملت في موقف عمرو بن العاص رضي الله عنه ، بعد ما تأكد من صحة نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلّم ، لقد رجع إلى خبرته بالشعوب والقبائل ، فتذكر من صفات الروم ما أزال استغرابه ، وذكر من شمائلهم ما يؤهلهم للكثرة والظهور. إنهم :

1-        أحلم الناس عند فتنة .. فلا تستفزهم التحديات فتدفعهم إلى تصرفات طائشة متسرعة مهلكة ، بل يتماسكون أمام عوامل الإثارة والتوريط ، ويتفكرون في عواقب الأمور. وهذا لا يمنع أن تمر بهم حالات ضعف أممي تفسد نظرهم وتبلبل تصرفاتهم ، ولكنهم يعودون إلى التماسك وإحياء هذا الخلق « الحلم » الذي يُعد بحق أميرَ أخلاق القوة .

فليت شعري! ما أعظم حاجتنا إلى تعميم خلق الحلم والأناة في حياتنا أفراداً وجماعات ، وبخاصة الذين يحملون مسؤولية قيادية في عمل جماعي طلباً لرضوان الله عزَّ وجلَّ !! روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لأشَجِّ عبد قيس : « إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالأَنَاة » .

   وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحضُّ على « التحلُّم » وهو : حمل النفس على الحلم مرة بعد مرة حتى يصير سجية راسخة في النفس ، فيقول : « إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّم ... » [ حسن : (السلسلة الصحيحة 1/ 605) ، صحيح الجامع الصغير 1/2324] .

   ويؤلمني أن معظم الدعاة يحصرون مفهوم الحلم بالعلاقات الفردية ، ويغفلون تطبيقاته الجماعية ؛ السياسية والاجتماعية. ولا أكشف سراً إذا قلت : إن قابلية التأزيم عند التيار الإسلامي ما تزال عالية ، وهذا الذي يجعله فريسة يسهل الإيقاع بها من خلال تعريضه للفتن السياسية !!.

2-        وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة .. فالمصائب المزلزلة حين تهجم عليهم قد تُفقدهم توازنهم ، ولكنهم يثوبون إلى التماسك والتجلُّد من قريب .. محاولين تجاوز كوارث الماضي .. ناظرين إلى مستقبل يشع بالأمل .

إن الجزع حين يسري في حياة الشعوب والجماعات ينعكس استسلاماً في قياداتها ومراكز قرارها الجماعي .. أما إذا انتشر الصبر -بمفهومه الشرعي - فإنه يظهر انتصاراً في القيادة والقرارات الجماعية .. هذه المعاني مقررة بنصوص القرآن والسنة ، نذكر منها هنا قوله عزَّ وجلَّ : (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) [ البقرة :155-157 ] . 

   إننا في أمس الحاجة إلى مشعل الأمل « الصبر » لنستضيء به في الخروج من ظلمات أزماتنا وكوارثنا الفردية والجماعية .

 

3-        وأوشكهم كرَّةً بعد فرَّةٍ .. فهم لا يستسلمون للهزيمة إذا حلت بهم ، ولا يتعاطون مع إفرازاتها المخزية ، بل يعمدون إلى جمع قواهم ، ومعالجة أسباب الفرار ، ومعاودة التصدي للخطر الداهم والعدو الجاثم. وهذه المعاني مقررة في نصوص كثيرة ، منها على سبيل المثال قوله تعالى في إعقاب غزوة أحد : (( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ )) [آل عمران : 172] . وقوله عز وجل : (( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس ... )) [آل عمران : 140] .

إن شيوع نفسية « الكرّة بعد الفرّة » عامل من أقوى عوامل قوة الأمم ونهضتها .. ولذلك يصر أعداء أمتنا اليوم على استمراء الأمة للفرة وينفرونها من الكرّة ، تحت عناوين وشعارات متعددة يأتي في مقدمتها « السلام » و « التطبيع ».

 

4-        وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف .. فهم يواسون فقراءهم ، ويعطفون على أيتامهم ، ويتداعون إلى مساعدة ضعفائهم .. إنهم لا يرون مواطن الخلل الاجتماعي ويغضون الطرف عنها ، ففي قلوبهم رحمة ، وفي أيديهم عطاء بسخاء .

أليست هذه المعاني مقررة في القرآن والسنة ؟! بلى والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيرا . ويكفي أن نذكر هنا آية جامعة هي قوله تعالى :

    (( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ :

-  آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ

-  وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ

-  وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ

-  وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا

-  وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ )) [البقرة : 177] . 

   ولا يغيب عني أن ناساً من الروم المعاصرين ، قد استغلوا جانب العطف والتعاطف مع المحتاجين ؛ فأقاموا مؤسسات جمعت مالاً ، وطعاماً ، وكساءً ، وسخروا ذلك كله في تحقيق مآرب سياسية ودينية !! وهذا لا يمنع من الإشارة إلى درسين نحتاج إليهما في هذا الميدان :

   1- حاجتنا نحن المسلمين إلى إحياء معاني الاهتمام الجاد بالضعفاء والفقراء والمحتاجين .

   2- وضرورة إيجاد صيغ جماعية مناسبة .. تحقق أهداف التعاطف مع المسكين واليتيم والضعيف .

5-        وأمنعهم من ظلم الملوك .. وقد قال عمرو رضي الله عنه عن هذه الخصلة بأنها « حسنة جميلة » .. فالشعوب التي تنفر من ظلم الحكام ، وتضطرهم إلى التخلي عن الظلم ، لا ريب في أنها تشعر بوجودها ، وهذا يدفعها إلى عمل إيجابي يؤهلها للنهوض بواجبات البناء ومواجهة التحديات .

إن الأمن السياسي من أهم أسباب نهوض الأمم .. فإذا توفر في أمة أمنٌ سياسي ، وأمنٌ اقتصادي ، وأمنٌ صحي ، فقد حازت على أسباب الاستقرار والنمو والقوة .. وما أروع وأعمق قولَ الصادقِ المصدوق صلى الله عليه وسلّم : « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا » رواه الترمذي .



وبعد فهذه خواطر هجمت عليّ وأنا أتأمل كلام عمرو بن العاص في عدد من أخلاق القوة التي كانت - وما تزال - تتحرك في الروم ، ونحن معشر المسلمين أولى الناس بالعمل بجميع الأخلاق الإسلامية الفاضلة ، وقد آن الأوان لإعطاء أخلاق القوة والعزة والتمكين ما تستحقه من الاهتمام ؛ تعليماً وتربية .. فالأخلاق الفردية حسنة ، ولكن لا يصح تهميش أخلاق القوة الجماعية ، وعلى العاملين لتجديد الإسلام في حياة البشر واجب آخر ، هو الإبداع في طرح صور جماعية للتعبير عن هذه الأخلاق حتى تؤتي أكلها بإذن الله عزَّ وجلّ .

ـــــــ

المصدر : الرائد www.iid-alraid.de/arabisch/1navinhalt/Dr0000129.doc

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

   

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ