ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
منهجية
التعامل مع السنة النبوية -
63 - د.
محمد سعيد حوى هل في
الصحيحين ما يعارض ظاهره
القرآن؟. الحديث
الثالث:. جاء في
الصحيحين وغيرهما حديث "أمرت
ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا
اله الا الله، فمن قال لا اله
الا الله فقد عصم مني ماله ونفسه
الا بحقها وحسابه على الله". وللحديث
روايات عدة والفاظ متقاربة من
طرق عن عمر وابي هريرة وابن عمر
وجابر بن عبدالله وانس بن مالك
واوس بن ابي اوس ومعاذ بن جبل. ينظر
تخريجه (المسند الجامع 19190 و3/402 و13/487
و16/459). فالحديث
صحيح من حيث الصناعة الاسنادية
على انه من الممكن ان لا يكون
جميع هؤلاء الصحابة سمعوه
مباشرة من رسول الله اذ معظم
الروايات لا تصرح بسماع الصحابي
فيعد مرسل صحابي. اشكال
الحديث:. الا ان
الاشكال الاهم في الحديث انه
يوهم مقاتلة الناس، بل وجوب
قتالهم، حتى يقولوا لا اله الا
الله، أي حتى يدخلوا في الاسلام
وهذا يقتضي دخولهم في الاسلام
تحت تهديد السلاح مما يعني
اكراههم على ذلك. وهذا
مخالف لآيات كثيرة في كتاب
الله، نحوه قوله تعالى "لا
اكراه في الدين" و"فأنت
تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"
و"ادع الى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي
هي احسن" ثم كلمة الناس في
قوله "امرت ان اقاتل الناس"
تشمل كل الناس حسب الظاهر ومن
هؤلاء الناس اهل الكتاب بينما
القرآن يقول: "قاتلوا الذين
لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ولا يدينون دين الحق من
الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون". فالمطلوب
هو الخضوع لسلطان الدولة ورمزها
الجزية اما الدخول في الدين فهو
امر اختياري في الدنيا وحسابه
أخروي. ولقد
اقر ابن حجر في الفتح (1/105) ان
ظاهر الحديث يقتضي قتال كل من
امتنع عن التوحيد لكنه استشكل
اننا لا نقاتل مؤدي الجزية ولا
المعاهد فقال: "مقتضى الحديث
قتال كل من امتنع من التوحيد،
فكيف ترك قتال مؤدي الجزية
والمعاهد". لكن
الذي يؤسف له حسب ظاهر كلام ابن
حجر انه سلّم بصحة مبدأ قتال كل
من امتنع عن التوحيد (وهنا
الخطورة) واخذ يناقش لماذا تُرك
قتال اهل الجزية والمعاهدين أي
لم يجد الحديث مناقضاً لأحكام
القرآن الا في موضوع اهل الكتاب
والمعاهدين مع ان قتال من امتنع
عن التوحيد وحسب ايضاً لا يصح. ومع ذلك
اورد عدداً من الاجابات كلها
غير مقنعة ولا قوية ولضعف تلك
الاجابات اخذ يذكرها كاحتمالات
لفهم الحديث.. ومن ها
هنا اننا امام حديث ظاهره معارض
لما ذكرنا من الآيات ما العمل؟
هل نرده وقد جاء من طرق عدة.. لأن
حقائق القرآن اولى بالثبوت؟ لقد
قلبت النظر طويلاً في هذا
الحديث فترجح لدي ان الحديث روي
بالمعنى مقطوعاً عن سياقه وسبب
وروده والحال التي قيل فيها
فأوهم معنى مخالفاً تماماً،
وفيما يلي بيان ذلك:. 1-
جاء في بعض روايات الحديث (مسلم
32 والترمذي 3264) عن جابر ان النبي
بعد قوله "أمرت ان اقاتل
الناس حتى يقولوا لا اله الا
الله.." قرأ قوله تعالى: "انما
انت مذكر لست عليهم بمسيطر". وادنى
تأمل في الآية يفيدنا انها
مخالفة لظاهر الحديث فهل يعقل
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول كلاماً ثم يستشهد عليه
بآية تناقضه، حاشاه صلى الله
عليه وسلم، اذن لا بد انه صلى
الله عليه وسلم قال كلاماً
موافقاً للآية تماماً. لكن
الرواة رووه بالمعنى وقطعوه عن
سياقه وسببه فأعطى معنى مغايراً. 2-
من روايات الحديث رواية
حميد الطويل عن انس وتدل رواية
هذا الحديث انه جاء جواباً على
سؤال، اذ سأل ميمون بن سياه (احد
التابعين) انس بن مالك ما يحرم
دم العبد وماله، فقال من شهد ان
لا اله الا الله واستقبل قبلتنا
وصلى صلاتنا واكل ذبيحتنا فهو
المسلم، له ما للمسلم وعليه ما
على المسلم (البخاري 392 والنسائي
7/76) وينظر المسند الجامع 1/190
لكنه جاء في معظم المصادر حديث
انس بلفظ امرت ان اقاتل الناس
حتى يشهدوا ان لا اله الا الله..
مقطوعاً عن السؤال فاختلف
المعنى.. 3-
اخرج الامام احمد (4/84)
والدرامي (1450) وابو داود (1393)
والنسائي (7/80) وغيرهم بسند صحيح
عن النعمان بن سالم قال: سمعت
اوس (بن ابي اوس) يقول: اتيت رسول
الله في وفد ثقيف.. فجاء رجل
فسارّه (اسرّ اليه بكلام) فقال
اذهب فاقتله (ثم دعاه) فقال: اليس
يشهد ان لا اله الا الله قال بلى
ولكنه قالها تعوذاً قال: ردّه (أي
منعه من قتله) وفي رواية "فخلوا
سبيله" ثم قال: انما امرت ان
اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله
الا الله فاذا قالوا لا اله الا
الله حرمت عليّ دماؤهم واموالهم
الا بحقها...". ان
السياق الطبيعي لهذا الحديث "أُمرت
ان اقاتل الناس حتى
يقولوا لا اله الا الله"..
انه جاء في سياق عرض حال قوم قد
اعلنوا الشهادتين, بعد ان كانوا
مقاتلين فاراد احدهم ان يستبيح
دمهم فكان الجواب لا. فُقطع
الحديث عن سياقه وسبب وروده
وقصته فأورد معنى مغايراً. 4-
ويؤيد هذا حديث اسامة بن زيد
(ينظر صحيح مسلم 96) قال: بعثنا
رسول الله في سرية الى الحُرقة
من جهينة .. فهزمناهم ولحقت انا
ورجل من الانصار رجلاً منهم,
فلما غشيناه قال: لا اله الا
الله، فكف عنه الانصاري, وطعنته
برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ
ذلك النبي فقال: يا اسامة اقتلته
بعدما قال لا اله الا الله.. قلت
يا رسول الله: انما كان متعوذاً
فما زال يكررها. فهذا
كله يفيد ان قوله "حتى يقولوا"
انما هي لبيان وجوب انهاء
القتال فوراً ومنع استمراره،
اذا دخل المقاتل المحارب في
الاسلام بمعنى "أمرت ان لا
اقاتل الناس اذا شهدوا.. لكن
الرواة قطعوه عن سياقه وقصته. 5-
ويؤيد هذا ان السياق الذي
استشهد به عمر وهي اشهر روايات
الحديث في البخاري ومسلم (المسند
13/487) فيه قول عمر لأبي بكر "كيف
تقاتل الناس وقد قال رسول الله
امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا
لا اله الا الله قال ابو بكر
والله لأقاتلن من فرّق بين
الصلاة والزكاة..". فواضح
من الحديث ان عمر استشهد بقول
النبي "أمرت ان اقاتل...."
لمنع القتال اذ هم قوم يشهدون ان
لا اله الا الله. وان
مقاتلة ابي بكر انما كانت لانهم
تمرودوا على الدولة وخرجوا
بالسلاح على القانون ومنعوا
حقاً عاماً. ثم ان
المرتدين كانوا انواعاً فمنهم
من كفر مطلقاً لكن قتالهم كان
لانهم خرجوا بالسلاح وتمنعوا به
كما سنبين. ومن هنا
نلحظ اثر عدم الدقة في الرواية
واثر قطعها عن سياقها ونجد
علماءنا يركزون ان احاديث
الاحاد ظنية الثبوت لما يمكن ان
يقع في روايتها من احتمال الخطأ
او الايهام وللحديث تتمة ان شاء
الله.. -------------------- هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |