ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الحرب
الثقافية على الإسلام
ما
يزال الغرب الرأسمالي المنتصر
في الحرب العالمية الثانية
يتمسك بوحدته. ويتمسك بحقه في
صبغ العالم بصبغته. ومفهوم صبغ
العالم بصبغته يتجاوز مفهوم
السيطرة على العالم. والاستحواذ
على ثرواته. وتحويل دوله إلى
ولايات تابعة للدول
المنتصرة. واعتبار قادة تلك
الدول ولاة تابعين مجندين تحت
الأمر. وتصنيف الشعوب الأخرى
إلى بشر من الدرجة الثانية أو
الثالثة أو السابعة، حسب قواعد
للتصنيف، ربما لا تكون أقل قسوة
من تلك التي صرح عنها الآري
النازي رودلف هتلر.
على
الصعيد الثقافي يقلق الإسلام
العقيدة والشريعة ومنهج الحياة
الغرب السياسي والغرب الثقافي
على السواء. يرى الغربي أن
ديانات العالم الكبرى، حسب عدد
الأتباع، أربع، الكنفوشيوسية
والهندوسية والإسلام والمسيحية.
أما الكنفوشيوسية والهندوسية
فقد استسلمتا منذ زمن مبكر. لم
تكن لهما روح مقاومة للمشروع
الغربي في أبعاده الثقافية
والاجتماعية، لا على الصعيد
الفردي ولا على الصعيد الجماعي.
الصين والهند اليوم منافسان في
السوق حسب شريعة السوق. وأما
المسيحية فقد شكلها الغربيون
كما يريدون. قلبوا الهرم
الديني، ففي عالم النصرانية
رجال السياسية ورجال الاقتصاد
يشرعون ورجال الدين ينفذون،
وليس العكس. أما الإسلام فما
يزال مستعصيا!!. تجد المسلم
الأمي في أسماله البالية وجوعه،
ينظر إلى الغربي شزراً في جبال
أفغانستان، لا يعجبه من أمره
شيئا. ويرى
نفسه أكبر، ليس فقط من سلاح
الغرب: طائراته وصواريخه، بل من
وجباته السريعة، ومن موسيقاه
الصاخبة، ومن أفلامه الملونة،
ومن ألبسته الناعمة. لدى الغرب
مشكلة في العالم الإسلامي.
مشكلة لا تحلها الطائرات ولا
البوارج ولا الجنود المسلحون..
يتذكر
الغربيون تجاربهم، يوم قرر
بعضهم أن يصفي بعضاً بعد
انتصاراتهم في الحرب العالمية
الثانية. يوم اعتُبرت /الشيوعية/
أو الستالينية، مشقتاً من
مشتقات النازية. وقرر الغرب
تصفية هذا المشتق. صحيح أن معارك
عسكرية دارت في الكثير من أصقاع
العالم بين (الديمقراطية
الغربية) وبين (الشيوعية
السوفييتية)؛ في فيتنام والشرق
الأوسط وبعض دول أمريكا
اللاتينية على شكل ثورات /
متبادلة؛ إلا أن المحور الأبرز
للصراع كان هو الحرب الباردة
التي عشنا أيامها وكانت بلادنا
رغم إعلانها شعار (الحياد
الإيجابي) جزءاً من مسرحها.
انتصار
الديمقراطية الغربية على
الشيوعية في ميدان الحرب
الباردة، في مضاميرها
المختلفة؛ يعتبر اليوم درساً
وأمثولة يستعيدها استراتيجيو
الغرب، في تسعير حربهم ضد
الإسلام، مع
فوارق استراتيجية كبيرة تميز
واقع السوفييت عن واقع المسلمين
. وأبرز هذه الفوارق أن المسلمين
اليوم قوى شعبية عائمة لا تمتلك
مرجعية رسمية تتبنى أمرها.
والإسلام قلعة مخلاة غاب عنها
حماتها. ليس هناك دولة مسلمة
تتبنى بوعي وعلى بصيرة التصدي
للمشروع الغربي ومقاومته، أو
احتضان المشروع الإسلامي
والدفاع عنه.
والمسلمون
أشتات من الجماعات والأفكار
والدعوات، مع قلة العدة والعتاد
وفقدان الاستراتيجية والآلية.
فبينما يستخدم الغرب وولاته على
بلاد المسلمين كل التقنيات
المعاصرة، من وسائل الترغيب
والترهيب، والتحسين والتقبيح،
والمواجهة والتسلل، وتجنيد
الأجناد والاختراق؛ يظل معظم
أبناء المجتمعات المسلمة في شبه
غيبوبة مما يراد بهم. بعض الناس
يعتقدون أن هذه الغيبوبة هي نوع
من الحصن والدرع. فحين تصحل
حناجر الممثلين على خشبة المسرح
في الدعاية لمشروع غربي أو حين
تلتهب أكف المشاهدين في
التصفيق؛ يكون عامة الناس في
عالمنا يفكرون بجدية: كيف
سيدبرون قوت العيال غدا، أو
أنبوبة الغاز، أو ثمن المقرر
المدرسي.
في
الحقيقة إن الاعتقاد بأن
الغيبوبة الكلية أو الجزئية حصن
ودرع ومنجاة، وأن اللامبالاة
التي يعيشها مجمل أبناء الأمة
الأمية !! تجعل كيد الآخرين يذهب
سدى هو اعتقاد خاطئ ومدمر، ولا
سيما بعد أن أصبحت عملية
التدمير والتلقين تتم بأدوات
أكثر حداثة، وأصبحت هذه الأدوات
تقدم اللقمة المسمومة ممضوغة،
ليس عبر فكرة أو كتاب بل على جسر
المتعة المشوقة في عقدة لمسلسل
درامي أو عاطفي أو فيلم
تلفزيوني، أو (صورة) ناطقة
لدعاية تجارية أو سياسية.
كما
أن الاعتقاد أن بإمكاننا أن
ننتصر في هذه الحرب التي تشن
علينا بوسائلنا التقليدية
الأولية التي تعودنا عليها؛
خطابنا التلقيني ، لغتنا
التحذيرية مواقفنا التي تنحاز
إلى الاسم أو الشكل أكثر مما
تنحاز إلى المضمون والجوهر،
وعجزنا عن إدراك حجم التطور
الذي أصاب الحياة الإنسانية؛ هو
محض أوهام. بل إن هذا الاعتقاد
سيعين الآخرين علينا،
وسيحاصروننا في زاويا العجز
والخذلان..
ثم
إن الإصرار على المواقف السلبية
التي تدين اللجوء إلى أدوات
العصر بكل أشكالها: العلمية
والثقافية والفنية والتقنية
تعني بشكل موجز الذهاب إلى حرب
حديثة بسيف ولو كان مثل ـ ذي
الفقار ـ أو على حصان مطهم
ارتكازاً على قوله صلى الله
عليه وسلم: الخيل معقود
بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.
من المدمر لمشروع الإسلام
العظيم أن نظل متعلقين بظاهر
النص مضربين عن دلالته. مثل
السيف والحصان في رمزيتهما مثل
ناطق كم بإمكاننا تعميمه؟!
لقد
منّ الله على هذه الأمة بما منّ
عليها من ثروات وخيرات ليس
لتلتهي بعملية التكاثر،
والتنافس على صغير المتاع، أو
الخوض في صراعاتها الصغيرة على
المستويات الإثنية أو
المذهبية، وإنما ليسألها غداً
عما قدمت لنصرة هذا الدين.
وحين
سنأتي من خلال هذه الدراسة على
بعض وسائل القوم في حربهم على
الإسلام، لا نجد حائلاً يحول
بيننا وبين أن نقابل سلاحهم
بسلاح، وطريقتهم بطريقة،
ونهجهم بنهج. الحرب الثقافية
ليست حرب صواريخ عابرة للقارات
لا نملكها، ولاهي حرب نووية لا
سبيل لنا إليها، وإن كانت أخطر
منها وأبعد أثراً أو أشد ضرراً؛
بل هي حرب الإرادة والفكرة
والتلطف في البلاغ، وهي حرب
تراكمية لا تظهر نتائجها في يوم
وليلة ولكنها حرب قرون وأجيال.
والإسلام
الذي نؤمن به يأبى أن يحاصر في
قفص اتهام . بل هو دائماً في موقع
الدين الظاهر، الذي ينبغي على
حملته أن يتقدموا ليس فقط
للدفاع بل
أيضا بالبلاغ عنه. وذاك هو بعض
مفهوم جهاد الطلب في هذا الزمان.
في هذا الزمان لا
يذكر الرجل كم رجلا من
أعدائه قتل بل يتحدث بنعمة الله
عليه كم رجلا منهم كسب وهدى:
ولئن يهدي الله بك رجلا واحدا
خير لك مما طلعت عليه الشمس، وفي
أخرى خير لك من الدنيا وما فيها،
وفي ثالثة خير لك من حمر النعم.
في
حرب مثل الحرب التي نتحدث عنها
يفتقد الإسلام جنوده. يفتقد
أبناءه المكلفين بالدفاع
والبلاغ، بالنذارة
والبشارة. ويتشكى الإسلام
أيضاً من بعض الأبناء الذين
اختاروا أن يعتسفوا الطريق و
يحرقوا المراحل. أو أن يسيروا
خبط عشواء. بعض أبناء المسلمين
اليوم يعطي الدنية في دينه
فيتخلى وهو في مقام النُّصرة،
وبعضهم يعطي الذريعة لأعداء
الإسلام ليجر على أمة الإسلام
الضرر والضرار، من غير تقدير
للعواقب ولا نظر في المآلات.
في
حرب مثل الحرب التي نتحدث عنها
يُستنفر الرجل والمرأة والشيخ
والشاب، كل على قدر علمه وجهده
ليقوم بواجبه في البحث عن (ثغرته)
والنضال عنها: دفاعاً أو بلاغاً
مستعينين بكل ما يقدمه العصر من
وسائل شرعية ممكنة ومجدية.
ويمكن
لحرب مثل الحرب التي نتحدث عنها
أن تخاض في إطار جماعي تعاوني
وذاك الأكثر بركة وجدوى، ويمكن
أن تخاض في إطار فردي يبذل
المسلم جهده من نافذته التي يطل
من خلالها على قومه أو على
العالم بالكلمة الطيبة، أو
بالإنجاز المبدع. وبالاقتراب
خطوات على جسور إنسانية الإسلام
وعالميته وقوته ومتانة قيمه.
بين
الطمأنينة إلى أن قلعة الإسلام
أقوى، وصخرته أبقى، وأمره
أمضى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ..) وبين واجب (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
خُذُواْ حِذْرَكُمْ
فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ
انفِرُواْ جَمِيعًا) يتهيأ
للمسلم في هذا العصر أن يقوم
بدوره، وأن يقف على رأس ثغرته في
معركة: الموقف والكلمة،
والحقيقة، والإنجاز، والإبداع،
وإقامة الحجة، وتوضيح الصورة،
وكشف الزيف، والتأكيد على قيم
الحق (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
الْمُبِينُ) وقيم العدل(وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ
النَّاسُ بِالْقِسْطِ) وقاعدة
الإخاء الإنساني (إِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا) والتكافل
والرحمة والتواصل والطهر..
موقف
الإسلام في الدفاع عن ذاته ليس
رفضا عدميا لأي نوع من
المشتركات. فالمسلم دائماً في
موقف الباحث عن الحكمة، المتطلع
إليها. يمتلك المسلمون
مقاييسهم الربانية للتمييز
بين الحق والباطل، الخير والشر،
الجميل والقبيح، وعلى هذا
الأساس يمكنهم في كل مقام أن
يقبلوا ويردوا، يستطيعون أن
يفككوا ويخصصوا ويعمموا
ليوظفوا كل خيّر وجميل في بناء
مجتمعاتهم وفي دفع مشروعهم
النهضوي إلى الأمام. كل
ما سبق كان مقدمات ضرورية ندخل
بها إلى الحديث عن الحرب
الثقافية التي تشن بلا هوادة
وعبر العديد من الوسائل
والمنابر على الإسلام وأهله.
وإنه لمن الخطأ أن نتصور أن هذه
الحرب قد بدأت فعلا بعد سقوط
الاتحاد السوفيتي، أو أنها
ارتبطت بأحداث الحادي عشر من
سبتمبر. وإنه لخطأ أكبر أن نقع
في فخ بعض العلمانيين
واليساريين العرب الذين كثيرا
ما يتحدثون عن حلف، ظاهر أو خفي،
بين الإسلاميين والأمريكيين ضد
الشيطان الشيوعي الملحد. كل هذا
الكلام هو محض الباطل. الحرب
الثقافية على الإسلام بدأت قبيل
نابليون وحملته على مصر،
وصاحبته، وحاولت أن تنشب
أظفارها من خلال رجال البعثات
التي انغمس أعضاؤها
في اللهو أكثر من انغماسهم
في الجد. حتى الأزهري رفاعة
الطهطاوي الذي خرج مع البعثة
المصرية مرشدا وحافظا لطلابها،
عاد ليقول في بعض ما قال: إن رقص
المخاصرة رجل لامرأة هو فن
ورياضة وضروري لأنس الحياة.
الحرب
الثقافية على الإسلام بدأت مع
طلائع الغزو الأوربي، وفي إطار
هذه الحرب رُفع المصحف في مجلس
العموم البريطاني، يوم قال
قائلهم لن تنتصروا على المسلمين
ما دام هذا الكتاب بين أيديهم.
وفي إطار هذه الحرب تم اغتيال
الإمام الشهيد حسن البنا، وفي
إطارها كانت تلك الحرب الخفية
على الإسلام، العقيدة
والشريعة، يقودها خلفاء
المستعمر على بلادنا، بعجالة
فقط نذكّر بصورة العالم الأزهري
في السينما المصرية، كانت هذه
بعض ملامح تلك الحرب. يذكر
الرئيس الأمريكي الأسبق
ريتشارد نيكسون في كتابه (نصر
بلا حرب) الخطر الأخضر مقترنا
بالخطر الأحمر ويدعو إلى الحذر
منه ومقاومته قبل سقوط الاتحاد
السوفييتي بأعوام.
ومع
ذلك نستطيع أن نقول: إن هذه
الحرب قد استعلنت وتكرست بعد
سقوط الاتحاد السوفييتي. فما أن
سقط الاتحاد السوفييتي، حتى
تفرغ الغرب الرأسمالي لحربه على
الإسلام، وبدأت المعارك تتوالي
على بلاد المسلمين . وراحت
الجيوش تجيش، والتصنيفات
الطرفية تستعلن. كانت البداية
في التحالف الثلاثيني على
العراق ومحاولة احتلاله، بعد
معركة غير متكافئة جرى الإعداد
لها بعناية حيث استُثمرت عملية
احتلال الكويت الطائشة
والمدمرة للوجدان العربي،
والتي أُغري بها صدام حسين خير
استثمار. ومن ثم بدأنا نسمع
مصطلحات مثل محور الشر، والدول
المارقة. وطفا على السطح مصطلح
الإرهاب الذي التصق بالإسلام.
ثم كانت أحداث الحادي عشر من
سبتمبر لتكون الذريعة الأشأم
لاحتلال أفغانستان والعراق،
وتوجيه الضربات المتتالية
لبلاد العرب والمسلمين،
وليتنمر العدو الصهيوني فيذهب
بعيدا في
مخططه المريب، في عدوانين
سافرين أحدهما على لبنان والآخر
على غزة.
وعلى
أكتاف هذه المعارك انطلقت سلسلة
من الصراعات السياسية رُوضت من
خلالها أنظمة عربية، واستُبيحت
سيادة الدول. وتدخل صاحب
المشروع الغربي في أصول ديننا
وشرائعه وشعائره وفي قراءتنا
للقرآن الكريم، وفي برامج
تعليمنا، وفي قواعد لباسنا،
وفيمن يحق له منا أن يشارك في
صنع قرار وطنه، ومن ضُرب عليه
حكم الاستئصال والإقصاء .
فتقويمات (الإرهابي) و(الأصولي)
يتم تفصيلها على مقاييس سياسية
محضة يأتي في مقدمتها، موقفك من
(إسرائيل) الكيان، ومن الشذوذ
الجنسي الثقافة.
هذه
الحرب بوجهيها العسكري
والسياسي حرب ظاهرة واضحة
يستطيع كل فرد منا أن يلاحظها
ويتابعها ويتوقف عند عناوينها
وتفاصيلها. ولكن الحرب الثقافية
هي تلك الحرب الناعمة التي تدب
في بنياننا دبيباً خفيا، ربما
لا ينتبه إليه الكثيرون.
وترتكز الحرب الثقافية على
عنصرين أساسيين كمدخل لها في
حياة الشعوب: الجذب والتأثير.
والجذب
كما يقرر (جوزيف ـ سي ـ ناي) في
كتابه القوة الناعمة هو القدرة
على الإغواء والفتنة. هو بالضبط
الكيمياء السحرية التي تجعل
الرجل يستسلم لفتنة امرأة.
وأما
التأثير فهو معطى آخر غير
الجذب، التأثير هو الإغراء وليس
الإغواء. الإغواء هيام نفسي،
والإغراء طمع أو خوف جزرة أو
عصا، يتم من خلالهما خلق حالة من
التبعية والاستصحاب.
وهكذا
نجد بعض بني جلدتنا اليوم
عشاقاً يذوبون هياماً بالغرب،
ويزعمون له ما لا يزعم لنفسه.
يجدونه منزهاً حتى عن أن يأكل
الطعام. كما نجد بين ظهرانينا
اليوم الكثير من الطامعين
بالجزرة أو الخائفين من العصا،
نجدهم في الحكام وفي القوى وفي
الأحزاب والجماعات والأفراد.
ونجدهم في رجال السياسة، وفي
رجال الافتصاد ورجال العلم،
ورجال الثقافة ورجال الأدب.
نجدهم في الطامعين بتجديد عقد،
أو بمزيد أجل، أو في الطامحين
إلى جائزة أو في الخائفين على
موقع.
ولعل
من المفيد بل من الضروري أن
نتوقف عند تحديد أهداف هذه
الحرب، قبل أن نعرض لمداخلها،
لنعلم ماذا يريد منا هؤلاء
القوم؟! ماذا يريدون منا، وهم
الذين يسيطرون على حكامنا
وقراراتنا وثرواتنا؟! لماذا
يغيظهم حجاب امرأة مسلمة في
جبال أفغانستان، أو في قلب
الربع الخالي ؟!
هل صحيح أن قلبهم على المرأة
المسلمة؟!! لماذا لا يتعطفون على
اللواتي يمتن جوعا في قلب
افريقيا السوداء؟!. لماذا
يقلقهم أن نرفض الربا، ونعف عن
الزنا؟! ونحمي عقولنا أن
تغتالها غول الخمر؟! يختصر لنا الإجابة، ويهون
علينا الطريق السيد توني بلير
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق.
رئيس الوزراء الذي اتخذ قراره
مع بوش في تدمير العراق، تحت
ذريعة مصادرة أسلحة الدمار
الشامل. ثم عندما ظهر كذب
الادعاء، كتب رئيس الوزراء
البريطاني تقريراً شاملاً،
يعتذر فيه لبني قومه، يعلن فيه
أن معركتهم معنا هي معركة على
القيم (سنرفق هذا التقرير الذي
ترجمناه ونشرناه في حينه على
موقع مركز الشرق العربي مع هذه
الرؤية) تذكيراً به واختصاراً
عن إعادة التفصيل والشرح.
هي
إذن معركة على القيم. بمعنى أنها
معركة على ما هو الحق وما هو
الباطل، ما هو الخير وما هو
الشر، ما هو الجميل وما هو
القبيح. وهذه المعركة هي عين
المعركة على الحاكمية التي أكثر
في شرحها المسلمون منذ عهود
السلف الصالحين.
على
هذا الأمر ينازعوننا
ويراودوننا، يريدوننا أن نشرب
مما منه يشربون، وأن نعجب بما به
يعجبون، وأن ندين بما له يدينون.
لا يهمهم كثيراً اسم الدين.
قالوا كما نقلنا عنهم في أول
البحث: إنهم أعادوا تشكيل
المسيحية بحيث
أصبحت الكنيسة تبارك الشذوذ
باسم المثلية. يريدون اليوم
إعادة تشكيل الإسلام. يريدون أن
يفرضوا على الإسلام مرجعية تفعل
الشيء نفسه وتقبله، مرجعية تنفذ
ما يُملى عليها.
حرب
تذكرنا بقوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ
مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ
هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ
عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى
سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ
عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً
فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ
اللَّهِ..) بينما إسلامنا
يؤكد علينا أنه (لا يؤمن
أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما
جئت به..). الحرب على
القيم التي عبر عنها توني بلير
تعني الحرب لتوضيح المفارقة بين
الهوى التابع في شريعتنا
وحضارتنا وثقافتنا والهوى
المتبوع في حضارتهم وثقافتهم.
الهوى الذي احتل مكان (الله) و(المسيح)
و(الكنيسة) تعالى الله عما يقول
الظالمون علواًَ كبيراً.. الرئيس
ترومان ولافتات النقطة الرابعة الحرب الثقافية
محطات أمريكية تاريخية: ـ
في أعقاب ضرب الأسطول الأمريكي
في (بيرل هاربر) عام 1941 شعرت
الحكومة الأمريكية بالخطر الذي
يحدق بمصالحها الأساسية فبادرت
بإنشاء (مكتب الخدمات
الاستراتيجية)، الذي يضم عناصر
ذات مهارات تدريبية عالية. تم
اختيارها من أبناء
الارستقراطية الأمريكية التي
تمثل الصفوة الحاكمة. ومهمتها:
اكتشاف الخطر قبل وقوعه والتخلص
من مصدره بأي وسيلة في إطار
برغماتية الغاية تبرر الوسيلة.
كان
أعضاء هذه المجموعة يحملون شنطة
صغيرة فيها بندقية، وكاتم صوت،
وعدد من القنابل، وقطع نقدية،
وحبة دواء قاتل. كم يذكرنا هذا
باستراتيجية الحروب الاستباقية
لتي تأسست عليها النظرية
الأمنية الأمريكية. والتي تم
بحسب مقتضاها غزو أفغانستان
والعراق، وإعلان الحرب على
الإسلام وأهله. في هذه الأيام
يعلن الرئيس أوباما استراتيجية
جديدة للأمن القومي الأمريكي،
يؤكد فيها تخليه عن نظرية الحرب
الاستباقية هذه، بوصفها إرثا من
مرحلة سلفه بوش. الحقيقة أن
النظرية أعمق جذورا من مرحلة
بوش، ألم تكن الحرب الاستباقية
مؤسسة في قولهم منذ الحرب
العالمية الثانية( اكتشاف
الخطر قبل وقوعه والتخلص من
مصدره بأي وسيلة). سيكون
التخلي عن هذه الاستراتيجية،
التي تحارب الناس على نياتهم،
وعلى ما يمكن أن يفعلوا، قرارا
رشيدا وصائبا لو اكتسب
المصداقية والجدية. إن التخلي
عن هذه الاستراتيجية يعني
التوقف عن دعم سياسات الإقصاء
ومصادرة حقوق الشعوب في
اختياراتها، لأن هذه الشعوب قد
تختار ما لا يخدم مصالح
الولايات المتحدة. عملياً بعد
انتهاء الحرب العالمية الثانية
حل الرئيس ترومان هذه المؤسسة
قال: إنه لا يريد في بلاده (غستابو)
نازي.
ـ
وفي يناير 1949 أعلن ترومان
برنامج النقطة الرابعة لتأييد
السلام العالمي ـ لنلاحظ
العنوان ـ وفق أربع نقاط، ووضع
من خلال هذه النقاط الغطاء
الأدبي لحرب الولايات المتحدة
السياسية والثقافية على الشعوب
غير المنقادة. ما تزال هذه
النقاط الأربع حية في
استراتيجية الأمن الأمريكية،
ويمكننا أن نعيد إسقاطها على
سياسات الولايات المتحدة
وحلفائها الغربيين، كما يمكننا
أن نتذكرها ونحن نستمع إلى
السيدة كلينتون وزيرة الخارجية
الأمريكية، وهي تمنينا أن
بلادها تتطلع إلى عالم متعدد
الشركاء وليس فقط متعدد الأقطاب!!
إن أول مقتضيات العالم المتعدد
الشركاء هو التنازل عن حق النقض
في مجلس الأمن؛ لأن الشراكة
الدولية الحقيقية تقتضي
المساواة بين أفراد المجموعة
الدولية المكونة من أمم وشعوب.
في
برنامج النقطة الرابعة الذي
تقدم به الرئيس ترومان نمسك
بالغطاء الأدبي لكل أنشطة
الولايات المتحدة ومعاركها
المريبة وهذه هي عناوين تلك
النقاط: ـ
التأييد المطلق للأمم المتحدة. ـ
وكسب الشعوب بالعمل على الإصلاح
الاقتصادي. ـ
وتقوية الأمم التي تعادي
الشيوعية. ـ
وتقديم المعونات لتحسين أحوال
مختلف بلاد العالم.
أظننا
بتعديل بسيط نستطيع أن نتذكر
بنود مشروع الشرق الأوسط في
نسختيه، الجديد والكبير.
الديمقراطية والحكم الرشيد
وتمكين المرأة!!
تحاول
الولايات المتحدة أن تتجمل تحت
عناوين عامة وبراقة يصعب
الاختلاف عليها. ترفع لافتة
الأمم المتحدة كغطاء للأنانية
الذاتية التي تستر من خلالها
جشعها وحبها للتسلط والاستئثار.
وهي استراتيجية تعود الولايات
المتحدة إليها اليوم بقوة، بعد
أن أخذت قرارها في الحرب على
العراق منفردة. تصبح الأمم
المتحدة التي تمسك الولايات
المتحدة بتلابيبها عصا لتأديب
كل الخارجين على سلطتها، بل على
توجهاتها. وهذا ما تواجه به
الدول والمنظمات والأفراد،
نستطيع أن نتابع كيف تدار
المعركة في هذا الزمان مع إيران.
ومن
طرف آخر وضعت الولايات المتحدة
استراتيجيتها التبشيرية على
تقديم الخبز للعالم بيد،
والثقافة بيد أخرى. ومفهوم
الثقافة يشمل كل ما يتعلق بعالم
القلب والعقل والجوارح؛ الحب
والكره والإعجاب، والتفكير
والتقدير والتدبير، والكسب
والسعي وأنماط السلوك. وضعت
الولايات المتحدة خططها
للسيطرة في هذا العالم على
العقائد والأفكار والفنون
والآداب والعلوم وكل ما يتعلق
بالكلمة المقروءة والمسموعة
والمرئية. في محاولة متواصلة
لتغيير ذهنية الشعوب ووضعها في
مربع الإغواء أو الإغراء ببعديه
الترغيبي والترهيبي كما أسلفنا.
وفي
يوليو 1947 أنشأت الحكومة
الأمريكية، جهاز المخابرات
المعروف بـ(CIA)
ليتولى في بعض أمره الجانب
الثقافي من هذه الحرب..
ـ
ومع مطلع التسعينات استسلم
الاتحاد السوفييتي بفعل عوامل
كثيرة. الأمريكيون يقدرون أنهم
انتصروا لأنهم أصحاب العقيدة
الأصلح!! فازدادوا ثقة بنجاعة
أسلحتهم. وبأنهم قادرون بالطرق
نفسها، وأحياناً مع بعض التطوير
والتحوير أن ينتصروا على كل
العقائد والحضارات والثقافات.
بعضهم
ظن نصرهم على الاتحاد السوفييتي
هو الانتصار المطلق فكتب نهاية
التاريخ. وبعضهم أكد أن معركتهم
بعد الخطر الأحمر ستكون مع (الخطر
الأخضر).
في
هذه السياقات تعرض أمتنا منذ
عقود لعملية (غسيل دماغ) مبرمجة
وممنهجة ويشرف عليها خبراء
ومختصون مقتدرون ونافذون على
صعيد الإغواء والإغراء. ولهذه
الحرب مداخلها المتعددة في حياة
المسلمين. المداخل نعتقد
أن الحرب التي يشنها (الغرب) على
الإسلام هي بالنسبة إليه تجربة
مكرورة. مر معنا في هذا البحث أن
الغربيين يوظفون في حربهم على
الإسلام تجاربهم في الحرب
الباردة ضد الاتحاد السوفييتي.
وهذا يسمح لنا بشيء من المزاوجة
بين الحديث عن الماضي والحديث
عن الحاضر.
توقفنا
ـ تاريخياً ـ عند الحديث عن
مشروع النقطة الرابعة التي
أعلنها الرئيس ترومان وشركاؤه
في الناتو، غطاء لحرب الغربيين
للسيطرة على عقول البشر. كما
توقفنا عند بداية تأسيس وكالة
المخابرات الأمريكية (CIA)
سنة 1947. كانت هذه الوكالة أكثر
ذكاء وحنكة من أن تنزل إلى
الميدان سافرة. احتاجت إلى أكثر
من (شادور) أفغاني وبرقع سميك
غير ذي نوافذ لتستر أنشطتها. ومن
هنا تأسست ركيزتها، أو ذراعها
المباشر (منظمة الحرية
الثقافية..) كان لهذه
المنظمة مكاتب في خمس وثلاثين
دولة منذ خمسينات القرن
العشرين، ويعمل بإمرتها مئات
الموظفين وآلاف العملاء
المباشرين وغير المباشرين.
وكانت تصدر أكثر من عشرين مجلة
رائجة. وتنظم المعارض الفنية،
وتمتلك مؤسسات إعلامية، وتعقد
مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات
بارزة، وتكافئ المبدعين.
وتساعدهم على فتح المعارض،
وإقامة الحفلات.
شكلت
منظمة الحرية الثقافية تلك شبكة
محكمة من البشر يعملون بالتوازي
مع الوكالة( CIA)
للترويج لفكرة مؤداها أن العالم
بحاجة إلى (الحلم الأمريكي) و(الثقافة
الأمريكية)..
واستعانت
الشبكة المُحكمة تلك برجال
الفكر والرأي، وبالمبدعين
والفنانين في هذا العالم.
استغلت طيبة الطيب، وحاجة
المحتاج، ونقمة الناقم في خدمة
مشروعها الذي تسعى إليه..)
ومن
خلال منظمة (الحرية الثقافية)
هذه، وبإمكان القارئ أن يُسقط
ما جرى بسهولة على ما يجري، من
خلال هذه المنظمة تعددت أنشطة
الحرب الثقافية على أعداء
الغرب، فأقامت الولايات
المتحدة أو وكالة المخابرات
الأمريكية مختلف الواجهات
الفكرية والإعلامية والفنية
والتجارية لخدمة أغراضها، وفرض
أنموذجها الأمريكي على الحياة
الإنسانية.
حين
نذكر اليوم غوانتنامو كصورة
رعيبة لكسر إرادة الخصوم، يمكن
أن نتذكر، كصورة مصغرة، ما فعله
السناتور الأمريكي (مكارثي) حين
كون لجنة داخل الكونغرس خاصة
لما سمي بالنشاط المعادي
لأمريكا، تمكنت هذه اللجنة من
تمرير قانون الرقابة على
الثقافة( 10 تموز 1953). مما أوجد
جوا مشابها لأجواء الثورة
الفرنسية، حين كان الفرنسيون
يساقون بالشبهة إلى المقصلة. كان
المشتبه في شيوعيته
بأي درجة من الدرجات في
الولايات المتحدة، التي تبشرنا
اليوم بحرية الاعتقاد والتفكير
والتعبير، ينتهي أمره بتدمير
حياته ومستقبله وربما تدفعه
للانتحار، عندما تضيق أمامه سبل
الرزق.
وهذا
الروائي الأمريكي الكبير (
أرنست همنغواي ) يخضع لمتابعة
إدارة التحقيقات الأمريكية .F.B.I
لدرجة أنه أصيب بالاكتئاب نتيجة
ذلك، وعندما ذهب لعيادة نفسية
قبيل انتحاره، وطلب أن يسجل
نفسه تحت اسم آخر، لكن الطبيب
اتصل بإدارة التحقيقات ليأخذ
تصريحا بذلك. فمُنع الطبيب من
ذلك، وانتهى الروائي الكبير إلى
الانتحار.
والذي
نريد أن نلفت إليه، في هذا
المقام، أنه ليس جميع الذين
تعاونوا أو تعاملوا مع هذه
الشبكة كانوا سيئين. أو كان
يدركون أي شجرة للشر يروون
بقطرات عرقهم وجهدهم، وهم
يكافحون، كما تم إقناعهم، من
أجل الحرية والسلام والتنوير.
كذلك
من الضروري أن نؤكد أيضاً أن (مشروع
التنوير الغربي) إذا صحت
العبارة، ليس سالباً كله، ليس
شراً كله. بل نستطيع أن نجد في
ثناياه القليل أو الكثير من
النقاط المضيئة، والقيم
الإيجابية.
وهذا
يضعنا أمام إشكالية التقاطعات
الجزئية مع مشروعات الأقوياء.
إذ كثيراً ما يتصور البعض أن
بإمكانه أن يوظف الأقوياء في
مشروعه، ولكن كثيراً ما تنتهي
هذه المعادلة إلى الوضع المعكوس.
من حيث يريد صاحبها أو لا يريد.
وبالعودة
إلى الحرب
الثقافية على الإسلام نجد أن
المدخل الأول لهذه الحرب ، قام
على دعم الأنظمة التي تتبنى ـ
بشكل أو بآخر ـ مشروع التغريب.
سيكون من السذاجة في هذا المقام
تقويم أي نظام من توجهاته
المعلنة، أو شعاراته التي
يستتبع على أساسها الجماهير
وبعض النخب المهزوزة أو
المأزومة. عالم السياسة أكثر
تعقيداً مما يتصور البعض.
والعلاقات الدولية ليست نسخة عن
العلاقات الفردية. ولا يمكن أن
تختصر في شكل علاقة بين الرئيس
والمرؤوس، أو الآمر والمأمور.
في
كل موطن هناك خصوصية يتم
مراعاتها. وقدرة على المناورة.
ومساحة محلية للقبول والرفض.
وفي إطار خدمة المهمة الأساسية: تأمين
المصالح و تطويع العقول والقلوب
كل نظام لا يستوفي شروط البقاء
ينزع عنه الغطاء.
ثم
يمكننا الحديث عن تمكين وإقصاء،
تمكين النخب الموالية للمشروع
الثقافي الغربي، وإقصاء القوى
والشخصيات المخالفة. وعند كل تقاطع تطل
السياسات الدولية لتتدخل فيما
يسمى الشؤون الداخلية. لنتذكر
الدفاع الأمريكي عن الناشط
المصري (سعد الدين إبراهيم)،
ولسنا ضد الرجل، ولنتذكر تبنى
سياسيو الغرب الأحزاب
والشخصيات العلمانية الموالية
لمشروعهم، وسكوتهم عما يلحق
بأبناء الإسلام من عدوان على
أبسط الحقوق الآدمية. لنتذكر
الضجة العالمية من أجل (آثار
دميان) في أفغانستان، والسكوت
عن تدمير بنية الإنسان
الفلسطيني في غزة.
نقرأ
في الثقافة الغربية احتجاجات
على عقوبة الإعدام كعقوبة لمجرم.
ويغض هؤلاء الطرف عن القانون
49/1980 الذي يحكم بالإعدام على
العقيدة والرأي. الازدواجية في
مواطنها أكثر من أن نشير إليها.
وتطل
علينا المواثيق الدولية
والمنظمات التابعة للأمم
المتحدة المجندة كمدخل
آخرللحرب الثقافية.
فالمواثيق الدولية بمضامينها
التي توصف بأنها إنسانية ومدنية
هي في حقيقتها فصول ممنهجة
للثقافة الغربية، التي يصر
الغربيون إلى تحويلها إلى ثقافة
عالمية عن طريق المنظمات
الدولية. مثلها مثل وجبة
الماكدونالدز، أو شراب
الكوكاكولا..
القانون
الغربي للعلاقة بين الرجل
وامرأته في
غرفة النوم- مثلا - يجب أن يكون
ساري المفعول ليس فقط في الشام
والعراق ومصر بل أيضاً في خيمة
البدوي في قلب الربع الخالي أو
في جبال أفغانستان!!
الأمم
المتحدة.. تضع المواثيق،
والمنظمات الدولية المتعددة
المضامين والعناوين ومن بينها (صندوق
النقد الدولي)، (والبنك الدولي)
تتابع عملية التنفيذ بجدية
ومصداقية وتحاسب فتكافئ وتعاقب.
وعلى جميع الدول أن تقدم
تقريراً سنوياً لهذه المنظمات
كم قطعت ولماذا قصرت..
وتبني
المنشقين مدخل آخر من مداخل
الحرب الثقافية على الإسلام.
وتبني المنشقين سياسة مكرورة في
التجربة الرأسمالية. يتذكر
القارئ المنشقين عن الشيوعية
كيف أصبحوا في حينها نجوما
عالميين. كذلك هو اليوم
سلمان رشدي صاحب الآيات
الشيطانية الذي منح وسام الفارس
من الملكة البريطانية. كل أصحاب
البدع والضلالات يصبحون أبطالا
يحتفي بهم الإعلام الغربي. لبنى
الحسين السودانية التي جعل منها
مختل سوداني قضية رأي عام،
وقدمها هدية للإعلام الغربي
استضيفت على أكثر من فضائية
غربية. والتركيز على الأدب
الفضائحي سواء على مستوى
الفضائح الفكرية أو الفضائح
الاجتماعية والاقتصادية هو دأب
إعلام القوم ونهجهم.
ويمتد
منهج تبني المنشقين للترويج لكل
من يتبنى فكراً خارجاً على
الإسلام، أو متحدياً لعقيدته
وشريعته، أو مدافعاً عن قيم
الغرب (السياسية) و(الثقافية) و(الاجتماعية).
وتحتل المرأة الشرقية مكانة
متقدمة إذ تخوض فيما تعودت
نساؤنا الاستحياء منه، فتظفر
بلقب الفنانة والمبدعة وداعية
التحرر.
ثم
هناك ما يخترق حصوننا من داخلها.. المنظمات
المحلية، وما يعرف بمؤسسات
المجتمع المدني التي تتقاطع في
برامجها مع برامج المشروع
التغريبي. أسلفنا ونعيد، إن
هذه التقاطعات لا تعني إدانة
مسبقة لهذه المنظمات. وليس
بالضرورة أن يكون العاملون في
هذه المنظمات عملاء للمشروع
التغريبي، ولكن بعضهم، شاء أو
أبى، يقدم خدمات جليلة لهذا
المشروع، أو يشارك جنديا في
الحرب الثقافية على قومه، وهذا
الاحتراز، لا يمنح صك براءة
مطلقا، ولا ينفي وجود منظمات
أهلية ترتبط ارتباطاً مباشراً
مع المنظمات الدولية. وتشارك في
مشروع الحرب على العقيدة
والثقافة والإنسان، وتعمل تحت
عناوين أممية أوإنمائية في
عالمنا وهي تخدم مباشرة مشروع
التغريب الذي نتحدث عنه.
منظمات
محلية تتبنى الأقل أهمية من
القضايا لحساب الأجندة
الغربية، إنهم يقلقون على حقوق
المثليين على سبيل المثال أكثر
من قلقهم على حق الطفل في كأس
الحليب أو قلم يكتب به اسمه.
اتفاقية
السيداو والجندر وزواج
الصغيرات وعقوبة الإعدام
واغتصاب الزوجة في فراش الزوجية
هي الأولويات التي تشغل أولويات
هؤلاء العاملين على الأجندة
الغربية بينما تغتصب إرادة أمة
جهارا نهارا وعلى رؤوس الأشهاد
وبإرادة وقرار أصحاب الأجندة
الدولية دون أن يثير ذلك أي قلق
لدى الناشطين هؤلاء.
وأخيرا
الباب المشرع للحرب الثقافية
الأعمال الفنية، الأدب
والرواية والقصة والمسرح
والسينما والشعر والموسيقا
والرسم والنحت...
صورة
المسلم، في
السينما الغربية، رمزية العقال
العربي في مواخير الخنا أوفي
كازينوهات القمار!! والتخويف من
الكوفية العربية رمزية الإرهاب
الدموي القاسي، أوالنقاب على
وجه المرأة رمز التخلف
والاستعباد.
وبالمقابل ماذا تقدم
السينما الأمريكية التي تجمل
الوجه الأمريكي في فيلم السهرة
المفروض على القنوات العربية
لمشاهدة المراهقين العرب
والمسلمين. تقدم الحياة الرضية
الناعمة. الوجبة السريعة.
اللباس الذي لم يعد ضرورة.
العلاقة الجنسية المفتوحة.
الأسرة المدمرة. سلطة الأبوين
التي أصبحت من الماضي. هذه صورة
من الصور الكثيرة التي لا
نستطيع الإحاطة بها في مقال.
نتفرس عبر شاشات الفضاء. وفي
ساعات الاسترخاء حيث يسترخي في
الإنسان العقل والقلب تحت سطوة
الإغواء لشهواني هناك يتم
التلقين: الحلم الأمريكي الجميل
الذي يجعل كل فتى وفتاة ورجل
وامرأة يتمنى لو أنه ولد أو عاش
هناك..
الإغواء
الذي تحدثنا عنه بالحياة
الناعمة ثم يتبع ذلك نشرة
الأخبار وأخبار العلماء
والمبدعين، ولاعبي الكرة
وعازفي البيانو، والحاصلين على
الجوائز في الأولمبياد وفي
الأوسكار وفي نوبل. ويسأل سائل
كم مرة حصل العرب والمسلمون على
جائزة نوبل أو فازوا في مباراة
الجري أو القفز العالي في
الأولمبياد؟ فتطرق حياء.. حتى
إذا قيل فازت لدينا عداءة
سورية، أجاب مجيب وقررت أن تهجر
وطنها وتلحق بأوطان الآخرين.
بهذه
الأدوات والأساليب يتم غسل
الدماغ وكسب القلوب، أو يعملون
على كسر الإرادة. وتحطيم
المخالف. ومحاصرته في مربع
الإحباط، فليس
له إلا أن يتمنى أن يمسك بذيل
القاطرة.
ومقولات:
أنا الأجمل، و الأمتع، و
الأقوى، أو الأعلى، والأقدر.
يرددها المحارب الغربي بألف
لسان وبألف لغة على مسامع أقوام
يحاصرهم الوهن والعجز والفقر
والجوع والفساد والاستبداد؛ ثم
يقال لهم: هل تقاومون؟!
وعلى
محور آخر، ولكشف أكثر من وجه من
وجوه الحرب الثقافية، أتمنى أن
تقوم امرأة عربية بدراسة (أنموذج
المرأة المصرية) في روايات نجيب
محفوظ. المرأة المصرية من (سنية)
في (زقاق المدق) إلى (نور) في (اللص
والكلاب)، إلى السيدة ناظرة
المدرسة في (حضرة المحترم)..
أقترح
على دارسي الأدب أن يتتبعوا هذا
الخيط غير الخفي الذي ينتظم
أنموذج المرأة المصرية في
كل روايات نجيب محفوظ ولا أريد
أن أستبق الجواب، لعلنا نعرف
بأي ثقافة يبشرون، و على أي
ثقافة يكافئون، يقول المثل
الانكليزي: فتش عن المرأة. نعم
لنفتش عن المرأة، وعن فلسطين
أيضا في أدب نجيب محفوظ،
فقد عاش الرجل عصر فلسطين في
كل أدواره، وحين تتم هذه
الدراسة سندرك سر نوبل نجيب
محفوظ، وهذا لا يقلل من فنية
نجيب محفوظ وإبداعه وتقدمه في
عالم الرواية.
الحرب
الثقافية على الإسلام حرب حقيقة.
تدعونا لنخوضها بجدارة واقتدار.
حرب خوض غمارها متاح للفرد
والجماعة للدولة والأمة. وأول
شروط الانتصار فيها امتلاك
الإرادة للاستجابة للتحدي.
حرب
الجندي الأول فيها المسلم الذي
يؤمن: أن أفضل الجهاد كلمة.. وهذه
هي حرب الكلمة، وزمان الكلمة
ومشتقاتها، الكلمة التي تقول:
فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ
فَكِيدُونِ. --------------- *مدير مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |