وحدة
الحوار الوطني
قضية
الحوار الثالثة :
هل
تشكل حرية التفكير خطراً على
العقائد والشرائع
(2)
الحرية
الفكرية فريضة إسلامية
بقلم:
إسماعيل أحمد
aisyr@hotmail.com
يتطرف في الحرية
طرفان، أحدهما يحنطها في قالب
أيديولوجي ضيق لا يجاوزها
قضبانه، وآخر يطلقها هلاما
فوضويا منبتا، لا حقا أبقى، ولا
إنسانا احترم!
نموذجان دهما
المنطقة والعالم في الواقع
المعاصر يمثلان هذين الطرفين،
أما الشرقي منهما، فقد نادى
بثورة ضد البورجوازية والرجعية
(وهي كل ما ليس شيوعيا)، ولم
يستنكف أن يلون حريته بلون
أحمر، وأن يسميها
بالديكتاتورية، ولا يهم أن تكون
حقا مشاعا للبروليتاريا،
فالديكتاتورية هي
الديكتاتورية، والتجارب
السوفياتية والصينية والعربية
كرست الديكتاتورية بأسماء
الحرية و الديمقراطية الشعبية
والاشتراكية حتى شوهت معنى
الحرية الأصلي!
ويبقى النموذج
الاشتراكي متدرجا في هذا التطرف
وصولا لمسافة معقولة من الوسط
المتوازن...
وأما الغربي من
هذين النموذجين فقد صور الإنسان
الحر كائناً معزولاً قلقاً
محطماً لا يرى سبيلاً إلى حريته
غير تحطيم كل الروابط والقيم
التي تشده إلى غيره مما لم يبق
معه معنى لوجوده الحر غير
الانتحار والعبث .. وتمثل
الوجودية الملحدة مع سارتر
وكامو أكثر أمثلة هذه الحرية
العدمية تطرفا، وأيضا يبقى
النموذج الليبرالي هنا متدرجا
في هذا التطرف أيضا وصولا
لمسافة معقولة من الوسط في بعده
الآخر...
واختار القرآن لهذه
الأمة أن تكون وسطا بين الأمم (وكذلك
جعلناكم أمة وسطا)، وقص علينا في
قصة خلق الإنسان ما سماه القرآن
بـالأمانة، وماهي إلا (أمانة
الحرية).
فإرادة الله
اتجهت إلى خلق الإنسان، وتعليمه
بما يمكنه من الخلافة وعمارة
الأرض، وهو منذ خلق بيده سبحانه
تكريما حمل الأمانة تكليفا
وتشريفا، وغدا صاحب مسؤولية
ربانية، وحين بين بعض خلق الله
من الملائكة تخوفهم من استغلال
الحرية بطريقة تفسد في الأرض
وتسفك الدماء، بين سبحانه أن
ذلك قدره، وبعلمه وإرادته
الكونية، وهو ما أثبته القرآن
لهذه الأمة في قرآنها: (فمن شاء
فليؤمن، ومن شاء فليكفر،
وماتشاؤون إلا أن يشاء الله)
فبمشيئته سبحانه
يتزن المقسطون، وبمشيئته
سبحانه يسرف القاسطون، (وَلَوْ
شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي
الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً
أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ
حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)
فغير المؤمن في هذه
الدنيا حر في إيمانه من عدمه، (قُلْ
آمِنُوا بِهِ أَوْ لا
تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ
قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى
عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ
رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ
رَبِّنَا لَمَفْعُولاً
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ
يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعًا )
وللإنسان المؤمن
أيضا حريته المطلقة في هذه
الدنيا إلا من ضابط واحد كما
أبيه الأول حين حرم عليه الأكل
من شجرة بعينها، مقابل ما لا
يحصى من أشجار (فكلا منها رغدا
حيث شئتما)... فكانت تجربة على
ممارسة الحرية، يخوضها مسؤولا
مختارا، ولا معنى للحرية بلا
مسؤولية ولا ضابط.
حكمة الخالق منحتْ
الإنسان المشيئتين، وهدته
النجدين، وقد عقل جيل الخلافة
الراشدة المتأسى بهم هذه
الحكمة، ومن ذلك ما ذكره ابن حزم
في المحلى أن عمر بن الخطاب قال
لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي، إن
الله بعث محمدًا بالحق قالت: أنا
عجوز كبيرة، والموت أقرب إليّ.
فقال عمر: اللهم اشهد، وتلا: ]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [
إذًا فاختلاف الناس
في أفكارهم وألسنتهم وألوانهم
واتجاهاتهم وأديانهم إنما هو
قَدَرُ الله وسنته الماضية في
خلقه؛ وكل من يسعى لإلغاء هذا
التّعدّد والاختلاف عبر
الإقصاء والتضييق والإكراه
والتهميش إنما يروم مُحالاً
ويطلب ممتنعًا.
ورحم الله الإمام
البنا حين قال بأن الحرية فريضة
من فرائض الإسلام، والأستاذ
العقاد حين وضع لكتابه ذلك
العنوان العبقري: (التفكير
فريضة إسلامية)، وما أضيع
المسلمون اليوم لهذين
الفريضتين!
-------------------------------
للمراسلة
فقط على البريد الخاص بهذا
الباب وهو
hiwar.asharq@gmail.com
|