ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
وحدة
الحوار الوطني مشاركات
ورقة الحوار السابعة حول
مصادر المعرفة، وتنظيم
استهلاكها وإنتاجها (2) بتنا
ألسِنةً لغيرعقولنا وأدوات
لغير أفكارنا..! علي
دهيني* لم
تكن السياسة يوماً ـ بتقلباتها
ـ المعبّر الحقيقي عن حضارة أمة
أو ثقافة شعب، إنما الوجه
الحقيقي يبرز من المقومات
الثقافية لهذه الأمة وهذا الشعب.
وخير دالٍ على هذا ، النـُّخب
الفكرية والثقافية التي تنقل
هذه الثقافة وتعبر عنها، لتتحول
هذه ـ النـُّخب ـ فيما بعد،
رموزاً وأعلاماً تـُنبي
أعمالها عن مكنونها، وتعرّف
عناوينها عن مضمونها. وهذا دأب
الحضارات وثقافات الأمم وتراث
الشعوب على مَرّ التاريخ. وكما
على مرّ التاريخ، للمثقف (وصاحب
العلِم) دوره في التعبير،
والتعريف، عن حضارته وجعلها
ميادين ثقافية متجانسة مع
حضارات العالم ، كذلك يجب أن
يكون للمثقف العربي دوره في
التعريف عن حضارته وتقديم
عناوين ثقافته في كل الميادين
التي توجب ذلك وعبر كل الحدود
التي يتاح له أن يتجاوزها. إلاّ
أن المثقف العربي اليوم، بين
فكيّ العسكر والسياسة، مما جعله
ينحو الى الانطواء أو يعيش
ملحقاً لتبعية وجد نفسه يقف في
وسطها غير قادر على الحراك
لإظهار ما حوت ذاكرته التي
نمّاها وربّاها في بيئة عاش
صِباه بين مراتعها، وطفولته بين
شوارعها، ليجد نفسه اليوم بين
كمٍ من الأسئلة يبدأ ولا ينتهي. وكما
في تلك الحضارات، كذلك أمتنا
العربية بثقافاتها المتنوعة
الأسماء برغم مصدرها الواحد،
زاخرة بهذه الرموز وهذه
العناوين ممن أصبحوا معالم في
التاريخ البشري، ـ من مثقفينا
وعلمائنا الأوائل ـ يُقتدى بهم
ويُنهل من تراثهم وعلومهم،
ومثلاً يحتذى، بما قدّموه
للبشرية كلها من علوم لِما
أحاطو به من معارف. هذا
السلف من الأعلام والمفكرين،
شكل مدرسة للخلف، رفـَدَهُ في
علومها المتنوعة وموضوعاتها
المتعددة، ما يمكن تسميته من
نفائس العلوم وأسس المعارف. ففي
الوجه الأدبي من هذا الخلف، برز
العديدين ممن أغنوا الساحة
الثقافية في عصرنا الحاضر،
مستفيدين من سرعة تبادل الخبرات
وتواصل الحوارات بين الثقافات،
ما جعل النتاجات الأدبية ترتق
أكثر فأكثر نحو البناء الفكري
الأكثر إيجابية وأكثر فاعلية من
حيث التنوع. إلاّ
أننا ـ وبعيداً عن الدخول في
الأسماء والجنسيات ـ اذا شرعنا
في التجول بين الحدود الجغرافية
ـ المقيتة ـ التي تحاصر مثقفينا
وتشل حركتهم من خلال خيارين :
إما التبعية أو الانزواء خلف
الحُجب. فهذا يعني ان على المثقف
ان تتوقف حركته الإبداعية ويدخل
في الحياة السياسية من خلال
عناوينها وإبداعاتها، ليكون
"زماراً" لفئة أو "طبالاً"
لفئة. واذا دخل الى المعترك
السياسي، هل سيجد الحرية في
سلوك الوجهة التي يراها الأصوب
لقدرته على قراءة المستقبل؟. أم
المطلوب منه ان يشهد إيجاباً،
على الواقع الذي انتدب ليكون
واحداً من مروجيه؟ اذا
أذعن طائعاً ، هل فعلاً المناخ
العام في المحيط العربي يتيح له
العمل بحرية في ظل ما يجري
مثلاًً في العراق أو في فلسطين
أو لبنان أو اي دولة عربية، بحيث
أصبح المثقف العربي من خلالهما،
إن تكلم برؤية منه ولم تتوافق مع
القوى الفاعلة على الأرض، فهو
خائن أو عميل، وإن هادن فهو
متخلـّف ورجعي..؟ فمثقفو
العراق كما مثقفو فلسطين كما
مثقفو مصر كما مثقفو لبنان
وسوريا واليمن والمغرب وتونس..
وكل دولة ناطقة بالعربية، ما
زال أبناءها يجهدون للخروج من
دائرة الصراعات الحزبية أو
المذهبية أو الطائفية، حتى
داهمتهم محاور عدة، تحت عناوين
جديدة بمضامين قديمة، تدعوهم
باسم العولمة، الدخوال الى مسار
العالم الجديد الذي تمكنت
قيادته من بسط نفوذها السياسي
على كل المنطقة. وبهذا
نجح المهيمنون على الواقع،
بقسميهم السياسي والعسكري، من
الصراع معه، الى الصراع فيما
بين المثقفين انفسهم، بدءا من
التصنيف وصولاً الى الإلغاء،
فمن اقتنعوا بالسير مع الركب
الجديد وجّهوا أقلامهم
والسنتهم ضد من اعتبروهم
رجعيين، وبتصنيفهم في خانة
الأصولية والرجعية والتقوقع،
فيما هؤلاء توجهوا بالهجوم
والنقد للذين تخلوا عن مبادئهم
وأخلاقهم ووطنيتهم واتبعوا
سبيل الأسياد الجدد. لقد
اختفت الروح النقدية البناءة
واستبدلت ببندقية الهجوم
المباشر دون حاجة لقراءة النص
والتعليق عليه، يكفي ان يكون
صادراً عن فئة بعينها أو إسم
بعينه، لينال حظوته من الهجوم
غير المبرر أحياناً، وهكذا عند
كلا الطرفين. وبين
هذا وذاك، يبقى من صاروا في عداد
"البكائين" من الذين باتوا
يشعرون بالغربة في مجتمعهم الذي
ولدوا فيه وترعرعوا، ليجدو
انفسهم غرباء عن لغة أبنائه،
ولم يعد هناك من أذن تصغي إليهم
أو عين تراهم على شاشة أو على
منبر أو في صفحة مكتوبة. ومع
ذلك كله، نرى ان المثقفين العرب
اليوم، يقفون مذهولين بكل ما في
الكلمة من معنى، لما يدور حولهم
.. بل ومما يجري عليهم ومعهم.
العالم يتغير ويتقدم ونحن نعود
القهقرى بسبب الصراعات اولاً
فيما بيننا، وثانياً بسبب ما
أدخلنا اليه عنوة وبرغم
إرادتنا، وبتنا ألسِنةً لغير
عقولنا وأدوات لغير أفكارنا،
دون أن نلتفت للحظة إلى غياب
مصادر ثقافتنا ومناهل علومنا. *مدير
تحرير مجلة "دليل الكتاب"
اللبنانية ---------------------------------- الآراء
المنشورة في هذه الحوارات تعبر
عن رأي كاتبيها ---------------------------- للمراسلة فقط على البريد الخاص بهذا الباب وهو
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |