ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإخوان
المسلمين في حرب فلسطين (6) كامل
الشريف الزهراء
للإعلام العربي -14- أخطاء
000 وانسحابات ((إن كل
قائد عام يعهد إليه بتنفيذ خطة
يراها غير صالحة يعد مجرما إن
واجبه يقتضيه الإدلاء ببواعثه
والمطالبة بتغيير الخطة 0
وأخيرا يقدم استقالته حتى لا
يكون أداة للقضاء علي جنوده))
نابليون أود قبل
أن أستطرد في بيان ما خفي من
نشاط الإخوان المسلمين وأثرهم
في الميدان أن أشير إلى بعض
التغيرات الجوهرية التي طرأت
علي جبهات القتال بعد فرض
الهدنة الأولي ليكون القارئ علي
بينة من حقيقة الموقف 0 لزم
الجيش المصري مواقعه التي
احتلها وأخذت وحداته تنظم وسائل
الدفاع عن نفسها وتستعد
لاستئناف القتال وعند نهاية
الهدنة أخذ الجيش يهاجم مراكز
اليهود بعنف وشدة ويضيق الخناق
علي المستعمرات الجنوبية حتى
كادت تموت جوعا وعطشا وأدركت
القيادة اليهودية حقيقة الخطر
الذي يحيط بهذه المستعمرات
فحاولت تمويتها بالطائرات ولم
تنجح في هذه الخطة أيضا إذ كان
السلاح الجوى المصري في تلك
الحين لا يزال يسيطر علي الجو 0 وأذكر
أنهم قاموا بمثل هذه المحاولات
في المستعمرات التي يتولى جنود (الإخوان))
حصارها غير أن الإخوان أرغموها
أكثر من مرة علي إلقاء حمولتها
بعيدا عن المستعمرات تحت تأثير
نيران المدفعية الرشاشة التي
كانت تسلط عليها من أبعاد قريبة
وعلي الفرار راجعة إلى قواعدها
وكانت هذه الحركة مصدر غنائم
جديدة للإخوان ومصدر مضايقات
مثيرة لليهود 0 وفرضت
الهدنة الثانية واستطاع اليهود
خلالها أن يجلبوا أنواعا جديدة
من الأسلحة الثقيلة والطائرات
الضخمة وحين آنسوا في أنفسهم
شيئا من القوة والإعداد ضربوا
بالهدنة عرض الحائط وبدءوا
عمليات حربية واسعة النطاق
فهاجموا ((تقاطع الطرق)) في (14)
أكتوبر واحتلوها وبذلك تحطم
الحاجز الذي يفصل الشمال عن
الجنوب وانطلقت القوات
اليهودية المدرعة تحمل الأسلحة
والجنود وانتفضت المستعمرات
الهادئة الوادعة ودبت معالم
الحياة والنشاط في أوصالها
وقامت لتؤدى دورها المرسوم
فقطعت طرق المواصلات حين كان
الضغط يشتد علي خطوط الجيش
الأمامية مما اضطر قيادة الجيش
إلى تقصير خطوطه والتخلي عن
مناطق ((المجدل)) و((أسدود))
والعودة إلى النظرية القديمة
والتجمع في منطقة ((رفح -غزة))
تاركة خلفها قوة قوامها خمسة
آلاف جندي في منطقة ((الفالوجا))
لم تستطيع الإفلات واللحاق
بالجيش المنسحب إلى غزة 0 ولقد
اعتبر إجلاء هذه المناطق فشلا
ذريعا منيت به قيادة الجيش
المصري ومما يزيد في ضخامة هذا
الفشل أن يتم الانسحاب بسرعة
وارتباك وقبل البت في مصير لواء
((الفالوجا))0 ولا أمر
علي ذكر هذه الانسحابات دون أن
أتعرض لحقيقة مؤلمة ذلك أن هذه
المناطق لم تتعرض لهجوم ذي بال
وكان من الميسور البقاء فيها
والمحافظة عليها أو علي الأقل
الانسحاب منها بنظام وهدوء حتى
تعمل الترتيبات اللازمة لإنقاذ
قوات ((الفالوجا)) إذ كان كل ما
فعله اليهود أن أمروا قوة صغيرة
من جنودهم لا تزيد علي (سرية))
فاحتلت قرية (بيت حانون) في (16)
أكتوبر وبذلك قطعوا طريق
المواصلات الرئيسي الذي يربط (غزة
) ببقية المناطق وكان الوضع
الطبيعي أن يبادر الجيش فيهاجم
هذه القوة الصغيرة ويؤمن طريق
مواصلاته وكان من السهولة عليه
أن يفعل ذلك بل إن خطة وضعت فعلا
لتطهيرها وكان كاتب هذه السطور
أحد شهودها وكان مفروضا أن تقوم
قوات لتطهير هذه المنطقة ولكن
الأمر العجيب الذي لا أستطيع
تعليله حتى هذه اللحظة أن تصدر
الأوامر بالكف عن تنفيذ الخطة
وتصدر الأوامر في الوقت نفسه
لحاميات ((المجدل)) و(أسدود)
لتنسحب إلى غزة عن طريق الساحل
وبذلك تفقد السيطرة علي منطقة
من أهم مناطق فلسطين دون سبب
ظاهر بل أن نتعرض لهجوم جديد
واحد 00! ولقد
حدثني بعض ضباط المخابرات أن
اليهود كانوا ينظرون إلى تحركات
الجيش المصري بعين الريبة
والحذر 0 وكانوا
يعتقدون أن قواته تتجمع لتضربهم
الضربة القاتلة ولم يكن يدور في
خاطرهم مطلقا أن هذه القوات
تتحرك منسحبة للخلف دون سبب
واضح ولو علموا أنه يتحرك
منسحبا لهاجموا قواته المختلة
وأحالوا انسحابه هزيمة منكرة
ولكانت مهزلة يتندر بها الناس
لأجيال طويلة ومأساة مروعة
يتخذها التاريخ العسكري عنوانا
للجهل وسوء التصرف 0 والعجيب
أن قوات ((الفالوجا) ظلت في
مواقعها لا تبدى حراكا حتى أحاط
بها العدو من كل جانب ومن هنا
تتعارض الأقوال في تعليل هذا
الموقف فبينما يقول البعض: إن ((المواوى))
انسحب إلى غزة ولم يصدر تعليمات
إلى لواء ((الفالوجا)) إلا متأخرا
بعد أن أطبقت الحلقة ووقعت هذه
القوات في (المصيدة) بينما يقول
البعض هذا القول ويضع التبعة
كلها علي (المواوى) يقول البعض
الآخر: إن التعليمات قد صدرت
فعلا لقائد (الفالوجا) (الأميرالاى
السيد طه ) لينسحب بقواته لا إلى
غزة ولكن إلى (بئر السبع) حيث
يرابط ويحتل أجزاء من الطريق
الذي يصلها (بغزة( بينما تكون
القوات الرئيسية قد أتمت
انسحابها إلى غزة وامتدت جنوبا
تلتقي بقواته وبذلك يفصل الشمال
عن الجنوب مرة أخرى ويكون
الانسحاب انسحابا منظما (لخطة
موضوعة) كما قيل يومئذ لا هروب
علي غير خطة إلا حب السلامة
والإبقاء علي الحياة 0 يقول
البعض هذا ويقولون : إن المهلة
كانت كافية أمام (السيد طه)
لينفذ هذه التعليمات ويؤولون
عدم تنفيذها بأسباب كثيرة لا
تشرف أحد الرجلين 0 ولست
أجد وسيلة تضع حدا لهده
الاتهامات وتقضى علي هذه
البلبلة الفكرية إلا أن يتكلم
أحدهما ويحدد التهمة أو أن تفتح
وزارة الحربية فمها وترسل شعاعا
ضئيلا علي هذه الظلمات أم تراها
لا تزيد الكلام ليظل الشعب
جاهلا بحقائق الأمور وحتى لا
يتعرض (الرد الفعل) السيئ بعد
شعوره بالهزيمة المتكررة التي
منى بها في حرب فلسطين؟ وليست
التهمة مقصورة علي بقاء قوة
معطلة في قرية (الفالوجا) وقت أن
كان الجيش في حاجة إلى جندي واحد
ولا لتعريض قرابة خمسة آلاف
للإفناء والأسر 0 لكن
التهمة أكبر من ذلك بكثير لأن
بقاء هذه القوات الكبيرة في
الفالوجا ترتب عليه ضياع مدينة (بئر
السبع) وإعطاء اليهود فرصة
التجمع في مستعمرات النقب وما
أعقب ذلك من انهيار القطاع
الجنوبي (عسلوج) (العوجا) ثم
اقتحام اليهود لحدود مصر
الشرقية والزحف حتى مشارف مدينة
(العريش)0 والتهمة
كما ترى جدا لو وقعت في أي جيش من
جيوش الأرض لشكلت لها المحاكمات
العسكرية ولصدرت قيها العقوبات
القاسية أو علي الأقل لتحددت
المسئوليات والتبعات حتى يمكن
استخلاص العبر والعظات هذا في
أي جيش أما في جيشنا فإن هذه
الأمور تعتبر تافهة صغيرة لا
تستحق التفكير فيها فضلا عن
تشكيل المحاكمات من أجلها! أما قوة
(الفالوجا) فقد أحكم اليهود
حولها الحصار وأخذوا يوجهون لها
الضربات القاسية من الجو والأرض
وظنوا أن الصيد الدسم قد وقع في
أيديهم وأن هذه القوات لا تلبث
أن تستسلم غير أن القوات
الباسلة خيبت ظنهم ومضت تدافع
عن مراكزها بعناد واستبسال وإذا
ذكرت هذه الفترة من الحرب فلا
يسعني إلا أن أسجل فخرا
للأميرالاى (السيد طه ) قائد هذه
القوة إذ كان لروحة العالية
وإيمانه القوى
أبعد الأثر في ثبات جنوده
ووقوفهم هذا الموقف الرائع ومما
بذكر أيضا أن فرصا كثيرة تهيأت
له للإفلات والنجاة ولكنه كان
يركلها بقدمه لشعوره أن في
قبولها مساسا بكرامة الجيش
والأمة ويظل يكافح بجنوده كفاح
الأبطال حتى منى الله عليهم
بالنجاة الكريمة بعد انتهاء
الحرب وإعلان الهدنة وغادروا
أرض (الفالوجا) بأسلحتهم
ومعداتهم في (11 مارس سنة 1949)0 وهكذا
أخليت أهم المناطق وحوصرت (الفالوجا)
وعزلت قوات المتطوعين المصريين
والإخوان المسلمين في (جبال
الخليل) ووقعت القيادة المصرية
في مأزق حرج لم تستطع معه
السيطرة علي الموقف ومواجهته
بما يحتاج غليه من حكمة وحزم ولم
يضيع اليهود الفرص فشددوا
النكير علي حامية مدينة (بئر
السبع) مفتاح فلسطين الشرقي
وحاضرة النقب وقذفوها بمئات
الأطنان من القنابل من الجو دون
أن تملك أي وسيلة لمقاومة هذه
الغارات الوحشية ثم هاجموها
بشدة مما اضطرها للتسليم في (27)
أكتوبر سنة 1948) 0 ولقد
استنجدت هذه الحامية بقيادتها
العامة وتوسلت إليها أن ترسل
إليها بعض الجنود والسلاح حتى
يمكنها الثبات أمام هذه الهجمات
المنكرة ولكن القيادة العامة
كانت في شغل شاغل في ذلك الحين
فهي تحاول تثبيت أقدامها في
منطقة غزة وجمع قواتها المبعثرة
بعد الانسحاب والعدو الماكر
يأبى إعطاءها فرصة للتفكير في
أمرها بما يقوم به من هجمات (وهمية)
علي غزة ومن غارات جبارة علي
مراكز الجيش بها ويزيد في
إشغالها بالمناورات البحرية
التي تقوم بها قطع أسطوله
وتحاول قطع الطريق الساحلي الذي
تسلكه القوات في انسحابها من (المجدل)
0 وهذا تركت (بئر السبع) لتواجه
مصيرها المحزن في أيدي حامية
صغيرة من الجيش ومجموعات مفككة
من المتطوعين الليبيين
والمناضلين العرب وبسقوط (بئر
السبع) أصبح لليهود السيطرة
الفعلية على أجزاء النقب
الشمالية وأصبح في مقدورهم
التنقل بحرية بين أرجائها
المختلفة في تلك اللحظات الحرجة
كانت الفرصة سانحة أمام اليهود
للهجوم علي المناطق الجنوبية
وإعادة مأساة الفالوجا في غزة
ولم تكن هناك خطة منظمة للدفاع
عن هذه المنطقة إذ كان الجيش كما
ذكرت مشغولا في عمليات الانسحاب
ولم يكن في هذه المنطقة كلها حتى
ذلك الحين غير عدة (سرايا) من
الإخوان المسلمين ووجد هؤلاء
الإخوان أنفسهم أمام حقيقة
واقعة هي عبء المحافظة علي جيش
مصر وحمايته من أي عدوان يحركه
اليهود من هذه المنطقة ولا
يستطيع أحد أن يتكهن بفداحة
الكارثة التي كانت وشيكة الوقوع
لولا وجود هذه الفئة المؤمنة
المجاهدة في ذلك الحين 0 شعرنا
بخطورة الموقف فقدمت مشروعا إلى
القيادة العامة بينت فيه
الأخطار الكبيرة التي يمكن أن
تقع لو فكر اليهود في مهاجمة هذه
المناطق وقطع خط الرجعة علي
الجيش وطالبت في ختام التقرير
بإطلاق يد الإخوان وإعطائهم
العتاد اللازم والترخيص لهم
بإحضار قوات أخرى من مصر حتى
يمكنهم تنفيذ ذلك المشروع 0 وكان
المشروع الجديد يقضى باحتلال
مواقع (حاكمة) حول كل مستعمرة من
المستعمرات الكبيرة ومحاصرتها
وعدم إعطائها أية فرصة للتكتل
حتى يفرغ الجيش من تنظيم خطوطه
الدفاعية 0 ولقد
استدعتني القيادة العامة في غزة
وناقشتني في تفاصيل الخطة ثم
أبدت موافقتها المطلقة علي
تنفيذها وأذكر أن اللواء (المواوى)
قد وعدني بكتابة خطاب إلى
الأمانة العامة للجامعة
العربية وإلى رئاسة أركان الحرب
يطلب فيه تجنيد كتيبة من
الإخوان عن طريق المركز العام
والشعب وإرسالهم فورا إلى
الميدان ليتمكن من السيطرة علي
الموقف 0 ولقد
ذهبت من فوري إلى فضيلة (الأستاذ
محمد فرغلي) رئيس الإخوان في
فلسطين وعضو مكتب الإرشاد العام
وأطلعته علي تفاصيل الخطة فسافر
من فوره إلى مصر ليعمل علي تجهيز
هذا العدد الكبير وعمل
الترتيبات اللازمة نحو ترحليهم
إلى الميدان 0 وأذكر
أن اللواء (موسى لطفي) وكان يشرف
علي إدارة العمليات الحربية في
الميدان قابلني بعد ذلك وأبدى
إعجابه الشديد بالمشروع
وأفهمني أن هذه الخطة لو نفذت
بدقة وإحكام فسوف يكون لها
الفضل الأول في حماية الجيش في
هذه المرحلة الخطيرة والاحتفاظ
بهذه المنطقة الباقية من فلسطين
فوعدته خيرا ومضيت إلى
المعسكرات لأعد العدة وأبدأ
العمل 0 جمعت
الإخوان في ساحة التدريب
بالمعسكر وقلت لهم : إن الله قد
فتح لهم بابا جديدا للجهاد وإن
الظروف قد ألقت علي كواهلهم عبء
المحافظة علي الجيش وكرامته
وإنه لولا ثقتي في قوة إيمانهم
ورغبتهم في الكفاح ما قبلت أداء
هذه المهمة الشاقة التي أعلم
فداحتها وخطرها 0 ولن
أستطيع أن أصور شعور الإخوان
وهم يستمعون لهذه الأنباء كانوا
يقبلون في ابتهاج واضح وكأنهم
يدعون لحفلة عرس أو نزهة خلوية
لا إلى ميدان قتال فيه من المشقة
والخطر ما فيه 0 !!! ولقد
خرج الإخوان المسئولون في
استكشاف حول المستعمرات
وعاينوا المواقع التي رأوا
احتلالها ثم عاد
كل واحد منهم يعد (فصيلته)
ليحتل بها مواقعه وكانت مشكلة
المشاكل إقناع أفراد من الإخوان
بالتخلف عن فصائلهم والبقاء في
المعسكر ولست ما كان من أمر
المجاهد الشاب (عبد الحميد
بسيونى خطاب) نجل العالم الجليل
الشيخ( بسيونى خطاب) لقد كان هذا
الشاب يبكى بكاء مرا حين أمره
قائد فصيلته بالبقاء في المعسكر
ومازال يبكى ويبعث بالوساطات
حتى أشفقت عليه فسمحت له
بالخروج وخرج من المعسكر وهو
أشد ما يكون فرحا وابتهاجا ولقد
أخلص النية للجهاد فاجتباه ربه
وأكرمه واتخذه شهيدا في إحدى
المعارك المشهورة التي جاءت بعد
ذلك 0 وأقيمت
المواقع الجديدة حول
المستعمرات ولم تكن سيارة
يهودية تجرؤ علي التنقل بين
مستعمرة وأخرى إذ أقام الإخوان (الكمائن)
علي الطريق وملئوا الأرض
بالألغام وأخذت دورياتهم
المصفحة تجوب الصحراء الواسعة
وتصل في طوافها حتى مدينة (بئر
السبع) نفسها 0 ولكي
أصور أهمية هذه الحركة وأثرها
يمكن أن أقول " إن خمس عشرة
سيارة مصفحة ودبابة قد دمرت
خلال أسبوع واحد من بدء العمل
عدا أنابيب المياه التي كانت
تدمر كل يوم مما اضطر اليهود إلى
ملاقاة الإخوان وجها لوجه فنشبت
معارك رهيبة سقط فيها بعض
الإخوان ولكنها جاءت بأحسن
النتائج وأبرك الثمرات 0 ولقد ضج
اليهود بالشكوى وأبلغوا مراقبي
الهدنة احتجاجهم أكثر من مرة
وعلقت (محطة إسرائيل) علي هذه
الحركات وهددت باستئناف القتال
ضد الجيش إن لم تكف عصابات
الإخوان عن نشاطها في هذه
المنطقة 0 ولقد
فكر بعض كبار الضباط في زيارة
تلك المواقع البعيدة حول (وادي
الشلالة) و(تل جمعة) و(الرابية) و(الشعوث)
وكان يرافقهم أحد الإخوان يدلهم
علي الطريق فلما رأوا أنفسهم
يتوغلون في الصحراء مبتعدين عن
خطوط الجيش لأكثر من خمسة عشر
كيلو مترا إلى الشرق وهالهم أن
رأوا المستعمرات اليهودية
خلفهم داخلهم شئ من الشك
والريبة ومال أحدهم علي الجندي
المرافق لهم يسأله (أتراك ضللت
الطريق؟ )) فلما أخبره أنهم
يسيرون في الطريق الصحيح
قال لهم : ((إني أعتقد أنكم
متفقون مع اليهود وإلا لما
جرؤتم علي التوغل في مناطقهم
بهذه الصورة الجنونية !) وضحك
الأخ المرافق وضحك الضباط جميعا
وحين رجعوا إلى معسكراتهم أخذوا
يشيدون بما رأوا من بسالة
الإخوان وشدة بأسهم 0 ويجدر
بي قبل أن أنتهي من الكلام عن
هذه العمليات الناجحة التي قام
بها الإخوان والتي أفادت كبرى
في سير الأمور -أن أذكر المعونة
القيمة التي قدمتها لنا القبائل
العربية من البدو وبخاصة عشائر (الترابين)
و(الحناجرة) و(النصيرات) و(التياها)
و(المعالقة) الذين وضعوا كل
شبابهم تحت تصرف الإخوان وكل ما
لديهم من سلاح وذخيرة وسيارات 000 ولقد
تمت عمليات الانسحاب وبدأ الجيش
يستقر في المواقع الجديدة التي
اختارها وبضياع المناطق
الجديدة السالفة الذكر وضحت
نهاية الحرب وأصبح من اليسير
التنبؤ بنتيجتها ويمكن تلخيص ما
أسلفناه في الأبواب الماضية
فيما يلي: أولا:
توغل الجيش المصري في فلسطين
دون أن يضع خطة عملية لفض ((الجيوب
)) اليهودية الخطرة التي توزعت
في الصحراء ((النقب )) كان أساسا
لكل ما حدث بعد ذلك من أخطاء . ثانياً
: قبول الهدنة الأولي والثانية
أعطى لليهود فرصة نادرة
لاستجلاب أحدث أنواع الطائرات
والدبابات وغيرها فوق أنه اثر
تأثيراً عكسيا في روح جنودنا
المعنوية . ثالثا ً:
كان ((الغرض)) الأصلي كما أسلفنا
هو احتلال (( تل أبيب )) ولقد
رأينا كيف فشل الجيش في
المحافظة علي هذا الغرض ثم
تعددت أغراضه وأهدافه بعد ذلك
حتى لم يعد له غرض معين يسعى له
ويعمل علي تحقيقه . رابعاً
: كان واضحا ما عليه جندنا من
قصور وعجز في التدريب وبخاصة ما
يتعلق بالعمال الليلية ولو
كانوا يحسنون هذا النوع من
العمليات لهاجموا المستعمرات
ليلا واستفادوا من ميزة ((المفاجأة
))ولما تعرضوا للخسائر الكثيرة
من جراء الهجمات النهارية . خامساً
: لم يكن الجيش يملك دبابات
ثقيلة تسهل له مهاجمة
المستعمرات الحصينة مما اضطره
إلى العمل بالنظريات القديمة
فيحاول دك التحصينات بمدفعية
قبل الهجوم غير أن قوة تحصينات
اليهود وبراعتهم في طرق الإخفاء
والتستر في باطن الأرض كانت
تجعل هذه الطريقة مضيعة للجهد
ومضيعة للذخيرة علي قلتها . سادسا :
لم يكن لدى جنودنا ما يمكن
تسميته برغبة ((الاستكشاف )) أو
معرفة الأرض واستخدامها حين كان
ذلك واضحا كل الوضوح عند جنود
الخصم ويكفي أن نقول :إنه كان
يسلك طرقا يصعب علي أهل البلاد
أنفسهم معرفتها ! سابعاً:
التزام
الجيش لخطة الدفاع بعد الهدنة
الأولي حطم روح جنودنا المعنوية
وأعطى اليهود سيطرة تامة علي
الموقف الحربي والاشتغال بعد
ذلك بالعمال الهجومية وبخاصة
إذا علمنا أن قوات العدو
الرئيسية ((البالماخ )) لم تكن
تشغل نفسها إطلاقا بالدفاع . ثامناً
: لم تكن الجيوش العربية تتصرف
بموجب خطة مرسومة وقيادة موحدة
مما جعل اليهود يركزون هجماتهم
علي كل جيش علي حدة ولقد رأينا
كيف ركزوا اهتمامهم علي الجيش
المصري أقوى جيوش العرب وأفضلها
نظاما وتسليحا دون أن يخف
زملاؤه لنجدته في الجبهات
الأخرى . تاسعاً: كان الواجب
يقضى بالإفادة من القوى الشعبية
الفلسطينية وتسخيرها للمجهود
الحربي وكان يمكن أن تشكل قوات
كبيرة من ((الحرس الوطني )) ورجال
العصابات فتتولى الأولي الدفاع
عن المدن والقرى وتتولى الثانية
مهمة إنهاك العدو وتوزيع قواته
بينما تظل قوات الجيش حرة غير
مرتبطة بأوضاع الدفاعية إطلاقا
. عاشراً
: لم يكن هناك أي داع لبقاء ((القوة
الخفيفة )) في جبال الخليل حيث إن
تلك الجهات كانت تدخل ضمن
المنطقة الأردنية مما سبب كثيرا
من المشاكل السياسية بينما بين
القوات الأردنية ولو بقيت هذه
القوات في يد قيادة الجيش
المصري لأمكن استغلالها كقوة
ضاربة ((احتياطية )). تغيير
القيادة وحل الإخوان . ((كان
الإخوان المسلمون جنوداً
أبطالا أدوا واجبهم كأحسن ما
يكون )) فؤاد
صادق استقرت
القيادة العامة في ((غزة )) بعد
إخلاء المناطق المتقدمة الذكر
وبدأ ((المواوى )) ينظم نفسه في
الوضع الجديد وقبل : إنه قد فرغ
من تنظيم خطط عسكرية جديدة وإنه
سيباشر تنفيذها بنفسه ولقد قال
لي القائمقام ((علي مقلد )) أركان
حرب القائد العام في ذلك الحين
إن هناك خطة توضع لاختراق
الحصار المضروب حول حامية
وإنقاذها بالقوة . وبعد أن
بين لي بإيجاز تفصيل هذه الخطة :قال
لي : إن الرأي متجه إلى أن يقوم
الإخوان المسلمون بأهم أجزائها
فأبديت له ترحيبي للقيام بأي
عمل مهما كانت خطورته إذا كان
فيه نجاة لإخواننا . غير أن
الظروف لم تسمح للمواوى بتنفيذ
الخطة إذا تقرر سحبه إلى مصر
وغادر الميدان (11) نوفمبر بعد أن
سلم مهام القيادة العامة إلى
اللواء أحمد فؤاد صادق . جاء
اللواء ((فؤاد صادق)) ليتسلم
قيادة الحملة وتناقل الضباط
والجنود قصصا كثيرة عن قسوة
القائد الجديد وشدته وبالغوا في
إظهاره بمظهر القائد الفظ الذي
يبطش لأتفه الأسباب . وكانت
مهمة القائد الجديد شاقة للغاية
فحالة الجيش كانت قد وصلت إلى
درجة كبيرة من السوء والفوضى
وكانت الروح المعنوية في الجنود
قد هبطت إلى الحضيض من جراء
الهزائم والانسحابات المتتالية
فقوات الفالوجا لا تزال تعانى
مرارة الحصار ويتناقل الجنود
أنباء الهجمات الجوية والرضية
التي تتعرض لها القوات الباسلة
وقوات المتطوعين في مناطق
الخليل وبين لحم تقاسى مرارة
حرمان من جراء انفصالها عن
القوات الرئيسية والعدو يعمل
جاهدا لإفنائها واستخلاص تلك
المناطق الحيوية من أيديها . أما
القوات الرئيسية في غزة فقد كان
عانى ضعفا شديدا ورعبا قاتلا
بسبب هذه الأباء المثيرة بسبب
الوضع الدفاعي الشاذ الذي لزمته
في الخنادق الموحلة تخت رحمة
الأمطار . تلك
كانت حالة الميدان حيت تغيرت
القيادة وجاء ((فؤاد صادق ))
ليتسلم التركة فكان أول عمل قام
به أن طاف مع كبار ضباطه علي
الجنود في مواقعهم وخنادقهم
يتحدث إليهم ويثير الروح
الكامنة في أعماق قلوبهم تلك
الروح التي حطمتها أخطاء
السياسة ونزلت بها إلى الحضيض . وكانت
سنة حميدة سنها القائد الجديد
فجاء بالنتائج الطيبة وكان لها
أثر كبير في النجاح الموضعي
الذي أحرزه تلك القوات بعد ذلك
وما لبثت الصورة القاتمة التي
رسمها الضباط والجنود لقائدهم
أن تبدلت وحلت محلها عاطفة
متبادلة من المحبة والإعجاب . ولقد
زار القائد الجديد معسكرات
الإخوان في الأسبوع الأول وجلس
إليهم وأبدى إعجابه الشديد
بروحهم العالية وكان يقول لهم
في أول لقاء : إنه سمع عن بطولتهم
وأعمالهم وإنه يتمنى آن لو كانت
روح أفراد الجيش علي هذه
الشاكلة . ثم
تكررت زياراته لهم في مواقعهم
ومعسكراتهم وتلك الإخوان في كل
مرة يزدادون بالرجل وإعجابا به
وكان الإخوان حتى ذلك الوقت لا
يزالون يحتلون المواقع المحيطة
بالمستعمرات ولا تزال تقارير
المخابرات الحربية ترد تباعا
إلى القيادة العامة عن مبلغ
الخسائر الكبيرة التي ينزلونها
بالعدو ولقد مر بك كيف ضج اليهود
بالشكوى وهددوا باستئناف
القتال إن لم يوقف الجيش هذه
العصابات عن نشاطها . وفوجئت
ذات يوم بطلبي إلى رفح حيث كانت
القيادة العامة قد انتقلت إليها
وهناك تسلمت أمرا يقضى بسحب
الإخوان من تلك المواقع
وإرجاعهم إلى المعسكرات وحاولت
أن أجد تعليلا لهذا الأمر
المفاجئ فكنت أقابل بالصمت من
الجميع وقد همس لي بعض ضباط
الرئاسة العمليات واردة من
القاهرة . وعجبت
كثيرا لصدورها وخصوصا في هذه
المرحلة الخطيرة من الحرب وبعد
أن آمن الجميع بالفائدة التي
يجنيها الجيش من بقاء الإخوان
في هذه المنطقة وكنت اعلم أن
اليهود سيبادرون حتما لاحتلال
هذه المواقع ليأمنوا شر
العصابات وبالتالي ليضعوا خطوط
الجيش المصري تحت رحمتهم فمضيت
اشرح وجهة نظري إلى المسؤلين
وأبين الأضرار التي يمكن أن
تنجم عن هذا الأمر ولكن
المسئولين أصروا وأفهموني
بلباقة أن هذه الأوامر ((تعليمات
عليا )) ليست قابلة للنقاش
والتعديل . فمضيت
أنفذ هذا الأمر علي كره منى وعلي
كره من الإخوان جميعا وسحبت
الإخوان جميعا من مواقعهم
تنفيذا لهذه التعليمات وبذلك
انحلت القيود التي كانت تكبل
مستعمرات النقب ومضت القوافل
اليهودية تجوب الصحراء بحرية من
جديد وتحشد الجنود والمعدات في
المستعمرات القريبة استعداد
للعمليات المقبلة وفقد الجيش
عيونه المبصرة التي طالما نبهته
للخطر قبل وقوعه . ولقد صح
ما توقعته وما حذرت منه فلم تمض
إلا أيام قلائل حتى هاجم اليهود
((تبة الشيخ نوران )) واحتلوها
وأصبح في مقدورهم مراقبة الجيش
المصري وإحصاء حركاته وسكناته
ولقد حاول الجيش استرداد هذه
التبة المنيعة فهاجمها في (6)
ديسمبر بقوات كبيرة ولكن ذهبت
محاولاته أدراج الرياح رغم كثرة
التضحيات والخسائر التي منى بها
وكان الفصل في ذلك لمناعة هذه
التبة وخصائصها الطبيعية
وتحكمها في السهول المنبسطة
التي تحيط بها وكان هذا الموقع
واحدا من الموقع التي ظل
الإخوان يدافعون عنها بإصرار
طوال عام كامل رغم الهجمات
والمحاولات المتعددة التي قام
بها العدو. أما
بقية المواقع فقد احتلها اليهود
بدون قتال كذلك فاحتلوا (( تل
جمعة )) في ((15)) ديسمبر و((تل
الفرعة )) في (( 18 )) ديسمبر وبذلك
فق الجيش المصري منطقة تربو
مساحتها علي سبعمائة كيلو متر
مربع فقدها دون قتال كما فقد
المناطق المتقدمة قبلها دون
قتال أيضا أما الأرض التي
احتلها اليهود عقب انسحاب
الإخوان منها فقد أقاموا فوقها
المستعمرات المحصنة وحشدت فيها
القوات اليهودية التي هاجمت
الجيش المصري في ختام الحر ب . أما
سحب الإخوان من مواقعهم المنيعة
والحد من نشاطهم العسكري فكان
صدى للإجراءات التمهيدية
الشاذة التي اتخذتها الحكومة
السعدية قبيل حل جماعة الإخوان
في مصر وكانت الحكومة كما أبلغت
مؤخرا تخشى أن يقوم الإخوان في
فلسطين بحركات انتقامية وهكذا
صور لهم الوهم أن هؤلاء الشباب
المؤمنين سينقضون علي جيشهم وقت
أن كانوا يقذفون بأنفسهم في لهب
المعارك دفاع عن جيش بلادهم
وكرامة أمتهم. ولقد مر
بك اللواء ((المواوى )) طالب
بإرسال عدد كبير من الإخوان
وإرسالهم فورا إلى الميدان
وسافر لهذه الغابة الأستاذ (محمد
فرغلي ) رئيس الإخوان في فلسطين
ولقد حدثني الصاغ (محمود لبيب )
وكيل الإخوان أن عبد الرحمن
عزام أمين الجامعة قد استدعاه
في ذلك التاريخ ورجاه أن يعمل
علي تجنيد هذا العدد لأن خطورة
الموقف العسكري تتطلب إرسالهم
علي وجه السرعة ومضى الصاغ (لبيب)
فاتصل بشعب الإخوان في القطر
وأمر كل شعبة بتجهيز فرد واحد من
أعضائها وإبقائه مستعدا للسفر
في مدة معينة 0 ولكن ما
أن تناهي النبأ إلى مسامع
النقراشى حتى هاج وماج ورفض
قبول الفكرة من أساسها ولم
يستطع الإخوان تعليل ذلك الرفض
حتى جاءت الحوادث القريبة بعد
ذلك لتعلن الحقيقة المرة ذلك أن
النقراشى كان مشغولا في ذلك
الحين بتنظيم القضاء علي جماعة
الإخوان ومحوها من الوجود 0 وأعود
بالذاكرة قليلا إلى الوراء
فأذكر الوقت الذي كان فيه
المرشد العام رحمة الله ورضوانه
عليه يعد ضخمة للدفاع عن القدس
حيث كان اليهود يشنون
هجمات عنيفة علي مراكز
الجيش الأردني بها مما خشي
معه أن يستولي اليهود علي
المدينة المقدسة وأذكر أن حديثا
تليفونيا جرى بيني وبين فضيلته
وكان يقول لي : إنه يجهز قوات
كثيفة ليدخل بها فلسطين وأنه
سيعلن الجهاد الديني والتعبئة
الشعبية بعد أن فشلت الحكومات
وجامعاتها وكان يسوق لي هذه
الأنباء مرددا هذه العبارة : (ما
فيش فايدة الناس دول مش عاوزين
يحاربوا ) وكان فضيلته يرمى من
وراء ذل إلى إثارة الشعور
الديني في العالم الإسلامي ودفع
الشعوب الإسلامية والحكومات
الإسلامية لعمل شئ ما 0 علي أن
الحركة العسكرية التي أرادها
المرشد العام لم يقدر لها
النجاح إذ وقف عناد النقراشى
الزعيم النزيه حجر عثرة في
سبيلها استجابة لرغبات
الإنجليز وتمشيا مع سياستهم حيث
كان يفزعهم اسم الإخوان وأنباء
قتالهم الرائع في فلسطين 0 ولقد
سمع ضباط الجيش وجنوده بأنباء
هذه الحركات الشعبية التي
أرادها المرشد العام وارتاحوا
لها وعلقوا عليها كثيرا من
الآمال الكبار وكان الجميع
يعلمون أن مجيئه كفيل ببعث
الروح المعنوية التي سحقتها
الهزائم وشد أزر المحاربين
الذين فقدوا الثقة في قادتهم
وزعمائهم ولم يكن يدور في خاطر
أحد أن هذه الوقت العصيب هو
الوقت الذي حدده النقراشى ليركب
رأسه ويرتكب فيه أبشع حماقة
عرفها تاريخ مصر الحديث 0 ولم
تلبث الأنباء أن جاءت بعد ذلك
بقيام المذبحة الهائلة فسيق
زعماء الإخوان إلى المنافي
والمعتقلات وكان من بينهم
الأستاذ (محمد فرغلي) الذي ذهب
ليستحضر جنودا للميدان 00! حتى ذلك
التاريخ لم يكن الإخوان
المحاربون يعلمون شيئا عن حقيقة
ما يجرى في مصر وعن سر هذه
الإجراءات المريبة التي تتبع
إزراءهم في الميدان ولقد أدهشهم
كثيرا إصرار المسئولين
العسكريين علي جمعهم في معسكر
والحد من نشاطهم حتى كانت ليلة (7
ديسمبر سنة 1948) حين جاءني اللواء
(البردينى) وكان يشغل منصب (قائد
ثان) للقوات المصرية في فلسطين
وقد حضر إلى المعسكر في ساعة
متأخرة من الليل يصحبه عدد كبير
من ضباط أركان الحرب وجنود
البوليس الحربي واقتحم حجرتي
الخاصة أحد ضباط البوليس الحربي
وقال لي : إن وكيل
القائد العام موجود في المعسكر
ويريد أن يراك لأمر هام فارتديت
ملابسي علي عجل وتبعته إلى
الخارج فأدهشتني السيارات
العسكرية التي ملأت ساحة
المعسكر وأخذت أسائل نفسي عن سر
هذه المظاهرة دون جدوى وأقدمت
عليهم مسلما ومحييا فانبرى (البردينى)
قائلا : إنه يريد التحدث معي علي
انفراد فصحبته إلى حجرة المكتب
وجلسنا ومعنا بعض كبار الضباط
وافتتح الكلام قائلا: طبعا يا
فلان كلنا لإخوان وكلنا مسلمون
فضلا عن أننا نحارب عدوا مشتركا
ولغاية واحدة ولا يمكن أن يضرب
بعضنا وجوه بعض مهما كانت
الدوافع والأسباب ثم أخذ يردد
هذه المعاني ويصوغها في جمل
مختلفة وشاركه ضباطه في تأكيدها
وكنت في حيرة شديدة ولا أفهم
معنى لهذا الكلام فقلت
له : ألا أرحتني من عناء
التفكير وبينت لي الموضوع دون
حاجة لهذه المقدمات فلست أشك
أننا جميعا إخوان نحارب عدوا
مشتركا ولغاية واحدة وإلا لما
رأيتني هنا في هذا الميدان 0 قال:
اسمع يا فلان ! أنت رجل عاقل
وحكيم وتستطيع أن تزن الأمور
بميزانها الصحيح ولقد أبلغنا أن
قرارا سيصدر غدا بحل جمعية
الإخوان المسلمين بمصر والقائد
العام بناء علي طلب الحكومة
يريد منك أن تسلمه جميع الأسلحة
ومعدات الحرب حتى تهدأ الحال
وتستبين آثار هذه القرار خشية
أن يركب بعض الإخوان رءوسهم
ويقوموا بحركات انتقامية يكون
فيها أبلغ الضرر في هذه المرحلة
الخطيرة التي يجتازها الجيش 0 ونرجو
ألا تمانع في تسليم الأسلحة
والمعدات لأمد محدود رغم أننا
نثق في حكمة الإخوان وإيمانهم
ونؤمن أيضا أنهم لن يقدموا على
عمل ينجم عنه الضرر مهما كانت
الأسباب !0 فقلت له
: إن مسألة حل جمعية الإخوان
مسألة نتوقعها بين يوم وآخر
ولسنا نعجب لوقوعها مادام
الإنجليز وصنائعهم يحكمون هذه
البلاد ثم إننا نؤمن أن هذه
الدعوة ليست قابلة (للحل) لأنها
دعوة الله ودورنا فيها لا يتعدى
الإخلاص لها والعمل لتحقيقها كل
جهد استطاعته فإن فعلنا ذلك فقد
أدركنا بغيتنا وأدينا واجبنا
وحل الإخوان عندنا لن يتعدى نزع
اللافتات وإغلاق الأبواب أما
الدعوة فموضعها قلوب الصفوة
المؤمنة وهي قلاع منيعة لا يمكن
قهرها ولا اقتحامها ولو نصبت
الحكومة المشانق في الطرقات
وراجعت سجلات الإخوان المسلمين
لتشنق كل صاحب اسم أدرج فيها بلا
استثناء فلن تصل إلى ما تريد لأن
دعوة الإسلام ستجد حتما من يعمل
لها ولو بعد أجيال كثيرة وليست
هذه أول مرة يتعرض فيها دعاة
الإسلام للمحن والنوازل فصحائف
التاريخ مفعمة بأنباء الطغاة
والجبابرة الذين وقفوا في وجههم
وحاربوهم بكل سلاح وكانت
النتيجة في كل مرة أن يمحى
الطغاة وتمحى آثارهم ثم يخرج
الإسلام من محنه مرفوع الهامة
موفور الكرامة 0 هذا كل
ما عندي بشأن حل جمعية الإخوان
أما خشية الحكومة السعدية من
قيام حركات انتقامية في الميدان
فتلك خشية لا موضع لها فإن إيمان
الإخوان ووطنيتهم الصحيحة
يمنعانهم من التفكير في مثل هذه
الأعمال وإن هؤلاء الشباب الذين
باعوا أنفسهم وهجروا الدنيا بمن
فيها لن يختموا جهادهم بضرب
وجوه المؤمنين من إخوانهم
وزملائهم ثم إننا لو فكرنا في
الانتقام من مرتكبي هذا الجرم
ومقترفيه لما فكرنا في الجيش
مطلقا لأننا نعلم أن الجرم كله
يتركز في قلة تافهة من الحكام
والكبراء وهم وحدهم سيتحملون
التبعة أمام الله وأمام الناس
وسيأتي يوم ينزلون فيه من
عليائهم ليحاسبوا علي كل صغيرة
وكبيرة 0 أما
دعوتنا فستظل كما هي كالطود
الراسخ لا تزيدها المحن إلا قوة
وصلابة وعلي هذا فتسليم الأسلحة
والمعدات يعتبر أمرا لا لزوم له
ومن واجب القائد العام ألا يفكر
فيه مطلقا وعليه أن يبلغ
المسئولين رأيه الصريح وأن
يتحمل التبعة وهو رجل شجاع جرئ
لاتهمه المسئوليات والتبعات
وأرجو أن يعلم أيضا أن هذه
الأسلحة ليست ملكا للحكومة ولا
للجيش ولكنها ملك لأفراد هذه
المعسكر الذين اشتروها بمالهم
الخاص ومنهم من باع ملابسه وحلي
زوجته لشرائها ولن يستطيع إنسان
كائنا من كان أن يقنعه بتسليمها
والوقوف بدونها 0 كنت
أقول هذا الكلام وقد بلغ منى
الغضب منتهاه وأخذ الرجل يحاول
إقناعي دون جدوى وأخيرا اتفقنا
علي كتمان هذا الأمر حتى أقابل
القائد العام في الصباح بمركز
رئاسته في رفح ومضى (البردينى)
وصحبه وبقيت وحدي فترة من الزمن
ثم غادرت المكتب وقد عولت علي
كتمان هذا الأمر حتى يمكن
معالجته بحكمة ولباقة0 وهناك
علي باب الحجرة وجدت جمعا كثيرا
من الإخوان ينتظرني وقد دهشوا
لهذا المظاهرة العسكرية التي
اقتحمت بسياراتها وبوليسها
ويبدى كل واحد منهم يبدى سببا من
الأسباب ويتكن بالأحداث الجسام
التي لابد أن تكون قد وقعت أو
علي وشك الوقوع ودلفت إلى
الغرفة بعد أن طمأنتهم بكلمات
مختلفة وبينت لهم أسبابا وهمية
عن معارك وشيكة الوقوع وأن
هؤلاء الضباط قد جاءوا ليبينوا
لي دور الإخوان فيها فانصرف
الإخوان كل إلى موضعه ولم يبق
إلا عدد قليل دخلوا معي إلى
الحجرة وأذكر أنني قمت لأصلي
العشاء وجدت نفسي بلا إرادة
أقرأ سورة البروج فلما وصلت إلى
قول الله تعالى { وما نقموا منهم
إلا أن يؤمنوا بالله العزيز
الحميد 0000 الآية) 00 لم أتمالك
نفسي فبكيت 0 كان
الإخوان المحيطون بي قد فهموا
كل شئ فما كدت أنتهي من الصلاة
حتى كانوا جميعا يبكون وبادرنى
أحدهم وهو الأخ (سيد عيد يوسف)
بقوله : هل حلت الإخوان في مصر ؟
قلت له نعم وطلبت إليهم أن
يكتموا هذا الأمر حتى نتبين
عواقبه وخرج الإخوان وبقيت وحدي
في غرفتي ولم يغمض لي جفن طوال
تلك الليلة 0 كان
مفروضا أن أذهب في الصباح
الباكر لمقابلة القائد العام
حيث ثبت له أمر الإخوان عقب هذه
الحوادث فصليت الصبح ثم ركبت
سيارة المعسكر وتوجهت إلى قرية
رفح حيث القيادة العامة وكنت
أفكر طوال الطريق عما عسى أن
يحدث لو أصر (فؤاد صادق) علي رأيه
في تجريد الإخوان من سلاحهم
وكنت أعلم سلفا أن الإخوان لن
يقبلوا تنفيذ هذا الأمر بسهولة
ولن يلقوا أسلحتهم بهذه الصورة
المزرية 0 وظللت
أقلب الأمر علي وجوهه كلها فلم
أجد إلا وسيلة واحدة تريحنا من
هذا العناء هي أن يقتنع القائد
العام بما أقوله ويدع الأمور
تمضى في مجراها الطبيعي حتى
دخلت رفح وكان الضابط يقبلون
علي مرحبين وكانوا جميعا ناقمين
علي هذه الأوضاع ولم يخف أحد
منهم استنكاره لهذا الإجراء
الظالم الذي استهدفت له أكبر
هيئة شعبية في مصر علي أنهم
كانوا مجمعين علي أن جماعة
الإخوان لم تحل ولكن الأحزاب
الحاكمة هي التي حلت نفسها
بنفسها حين أقدمت علي هذه
الخطوة الطائشة ثم التقيت بكبار
المسئولين في الرئاسة وقال لي
القائمقام )إبراهيم سيف الدين)
وكان أركان حرب القائد العام
وساعده الأيمن ومن خيرة الضباط
الذين عرفناهم في الميدان : إن
القائد قد فكر كثيرا في الأمر
وتحدث مع المسئولين في القاهرة
وأغلب الظن أنهم قد تركوا له
معالجة الأمر بالصورة التي
يراها وبعد لحظات دعيت لمقابلة
القائد العام فقابلني الرجل
بوجه باسم ورحب بي ثم عرج علي
حوادث القاهرة فقال : إنه يرجو
ألا يتأثر الإخوان بما يجرى
هناك وأن يركزوا جهدهم في
المهمة العظمى التي يقومون بها
في سبيل الله والوطن واستطرد
يقول : إنه قد فكر كثيرا في الأمر
فاستقر رأيه علي معالجته
بالحكمة والحسنى وإنه سيترك
للإخوان الخيرة فيأمرهم وعليهم
اختيار الأوضاع التي يرتاحون
إليها فإن رأوا كلهم أو بعضهم
مغادرة الميدان والذهاب إلى
بلادهم ليشاركوا إخوانهم في
محنتهم فسوف يسهل لهم أمر
العودة وإن رأوا أن يستمروا مع
زملائهم حتى تستقر الحالة
العسكرية علي وضع من الأوضاع
فسيظلون في أماكنهم دون أدنى
تغيير في أوضاعهم ونظمهم 0 علي أنه
يرجو أن يتدبر الإخوان الأمر
وأن يعلموا أن الجيش في حالة
ماسة إلى جهودهم ولا يليق بهم
التخلي عنه وهو علي هذه الحالة
ثم طلب إلى أن أجمعهم في موعد
معين حتى يذهب إليهم ويتحدث
معهم كعادته فوعدته خيرا وخرجت
وقد زال من صدري هم ثقيل واختفي
من أمام ناظري شبح أزمة مخيفة
كنت أحسب لها ألف حساب 0 ولما
عدت إلى المعسكر وجدت أبناء
القرار المشئوم قد سبقتني إليه
عن طريق الصحف وأجهزة الراديو
ورأيت الإخوان يتجمعون في حلقات
كثيرة ويتناقشون في أمر هذا
القرار وقد علت وجوههم علامات
الغيظ والحنق فطلبت إليهم
الانصراف إلى أعمالهم ثم عقدت
اجتماعا عاما حضره قواد السرايا
وضباط الفصائل وشرحت لهم ما دار
بيني وبين قيادة الجيش وطلبت
منهم بحث الموقف واتخاذ قرارات
بشأنه فتداولوا الرأي بينهم ثم
قرروا مفاتحة الإخوان في الأمر
وعقد اجتماع عام حتى يمكن معرفة
رأيهم جميعا واتخاذ قرار موحد
علي أساس من الرغبة والاختيار 0 جمعنا
الإخوان في مسجد المعسكر وتحدثت
إليهم طويلا في هذا القرار
الأحمق وبينت لهم حقيقة ما دار
بشأن تسليم الأسلحة والمعدات
وما تم التفاهم عليه ثم خيرتهم
بين الاستمرار في القتال أو
الانسحاب إلى مصر وطلبت إليهم
الإدلاء بآرائهم الصريحة دون
ضغط أو إكراه ثم أعقبني الأخ
المجاهد (حسن دوح) من قواد
المعسكر فحدثهم عن المحن كمرحلة
ضرورية في الدعوات وأنهي كلمته
بمطالبتهم باتخاذ قرار موحد
نلتزمه جميعا ونتعاون علي
تنفيذه 0 واستأذن
أخ آخر في الكلام وقال : إن عنده
وصفا لهذه المحنة من كلام
المرشد العام نفسه ! وأخذ يقرأ
كلمات من رسالة كتبها الإمام
الكريم قبل ذلك التاريخ بسنوات
وتنبأ فيها بمحن قاسية تعترض
الإخوان فيعتقلون وينقلون
ويشردون وتصادر حريتهم
وأرزاقهم وتلصق بهم التهم
الباطلة ظلما وعدوانا ويتعاون
عليهم أعداء الإسلام من
مستعمرين وحزبيين ولكن الله
وعدهم بعد ذلك كله مثوبة
العالمين ونصرة المجاهدين 0 وذكر
الأخ المتكلم أن الأستاذ الإمام
كان يتعجل المحنة ويتعجب من
تأخرها ويعتبر وقوعها علامة
النصر وبداية إلى الفوز المبين 0 وبعد أ،
انتهي المتكلمون طلبت إلى
الإخوان الإدلاء بآرائهم فوجدت
إجماعا تاما علي ضرورة البقاء
ومواصلة القتال حتى ينتهي الجيش
من مهمته وتعود فلسطين كما كانت
دائما أرضا عربية مسلمة 0 وفي
اليوم التالي حضر اللواء (فؤاد
صادق) يرافقه جمع كبير من ضباطه
وأبدى رغبته في الجلوس إلى
الإخوان والتحدث إليهم بنفسه
فلم تمض إلا دقائق حتى كانوا
جميعا في مسجد المعسكر ولما دخل
عليهم حيوه بهتافات الإخوان
المعروفة ثم قام الأخ (حسن دوح)
فتحدث نيابة عن الإخوان وبين
للقائد إجماع الإخوان علي
البقاء ومواصلة الجهاد حتى
تنتهي الحرب دون أن يتعرض مطلقا
رأى ضرر تخشاه الحكومة وتحدث
القائد إلى الإخوان وشكرهم علي
هذه الروح السمحة الطيبة وأبدى
استعداده لإجابة مطالبهم كلها
. وهكذا
انحصر تفكير الإخوان في الجهاد
في فلسطين ووضع مصلحة الجيش
والأمة فوق كل اعتبار 0 فهل كان
الموقف يتنافى مع رأى قيادة
الإخوان في مصر؟ المفروض
أن (قيادة الإرهاب العليا) لن
تحارب فلسطين ومصر معا في توزيع
قواتها بين جبهتين ! والوضع
الطبيعي أن تبادر القيادة
العليا المذكورة فتسحب قواتها
من فلسطين لتواجه بهم هجمات
البوليس المصري وتنفذ مؤامرتها
الكبرى لقلب نظام الحكم في
الدولة وتحقيق المسرحية
المثيرة التي ألفها (عمار)
وأخرجها (النقراشى) وخليفته كان
هذا هو المفروض في مثل هذا
الموقف ولكن يظهر أن قيادة
الإرهاب لم تكن لها حكمة (عمار)
ولا ذكاء (إبراهيم عبد الهادي)
فكان أن أرسل المرشد العام
خطابا مع أحد الإخوان يقول فيه :(
إنه لا شأن للمتطوعين بالحوادث
التي تجرى في مصر ومادام في
فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن
مهمتهم لم تنته ) ثم يختتم
الرسالة بوصية طويلة للإخوان
بالتزام الهدوء وحفظ العلاقات
الطيبة مع إخوانهم وزملائهم من
ضباط الجيش وجنوده 0 والواقع
أن خطة المرشد العام كانت تقضى
بعدم المقاومة حتى لا يستفيد
الإنجليز من الفتنة إذ كان يدرك
خيوط هذه المؤامرات كانت في
يدهم فهم الذين احتضنوا
الصهيونية منذ كانت فكرة وحلما
حتى أصبحت دولة وجيشا
. ورأى
الإنجليز أن مصر كلها تقف صفا
واحدا لمواجهة الخطر اليهودي
وأن هيئاتها المختلفة لم تتفق
علي أمر بقدر ما اتفقت علي
محاربة اليهود ومكافحة شرهم رأى
الإنجليز ذلك ورأوا أن هيئة
الإخوان هي التي تتزعم الحرب ضد
اليهود في البلدان العربية وفي
فلسطين وخشوا أن يتناول الإخوان
لواء الجهاد وبذلك تتحول الحرب
إلى معركة شعبية لا سيطرة فيها
لقرارات الأمم المتحدة ولا
لمجلس أمنها المنكود 0 والإنجليز
يريدون أن تستمر هذه الحرب
حكومية رسمية حتى يمنعوها أو
يدعوها فتسير 0 ولقد
زاد من خوفهم ما أذاعه المرشد
العام عن عزمه علي إعلان
التعبئة الشعبية والجهاد
الديني وهو ما ذكرته في موضع
سابق كل هذه الأسباب وغيرها
جعلت بريطانيا وزميلتها
الاستعماريتين فرنسا وأمريكا
تضغط علي النقراشى وتأمره بحل
الإخوان المسلمين والتضييق
عليهم فإن قاوم الإخوان وتحولت
الفتنة إلى حرب أهلية فهي
الفرصة الذهبية لبريطانيا وإن
سكت الإخوان واحتسبوا فقد نجحت
في تحطيم الوحدة الشعبية وتوجيه
قوى الأمة والحكومة وجهة مضادة 0
ولقد
حدثني أحد الإخوان العائدين إلى
الميدان أن نفرا من شباب
القاهرة توجهوا للإمام الشهيد
عند طغيان موجة الاعتقالات
وسألوه عن رأيه في هذه الحركة
واستأذنوه في المقاومة حسب
الطاقة ولكن الرجل المؤمن حذرهم
من هذا وبين لهم أن الإنجليز هم
السبب وأنهم
هم الذين أوحوا إلى النقراشى
بحل الإخوان والتضييق عليهم عسى
أن يقاوموا فيغتنم الإنجليز
الفرصة للتدخل المباشر في شئون
البلاد ثم وضح لهم الدور في
القصة المشهورة التي تروى عن
سليمان الحكيم عليه السلام حين
اختصمت إليه امرأتان علي طفل
وليد وادعت كل واحدة منها بنوته
فحكم بشطره نصفين بينهما فوافقت
المرأة التي لم تلده علي قسمته
بينما عز ذلك علي الأم الحقيقة
وآلمها قتل فلذة كبدها فتنازلت
عن نصيبها فيه نظير أن يظل
متمتعا بحياته وقال الإمام
الشهيد : ((إننا نمثل نفس الدور
مع هؤلاء الحكام ونحن أحرص منهم
علي مستقبل هذا الوطن وحرمته
فتحملوا المحنة ومصائبها
وأسلموا أكتافكم للسعديين
ليقتلوا ويشردوا كيف شاءوا حرصا
علي مستقبل وطنكم وإبقاء علي
وحدته واستقلاله))0 وصدع
الإخوان بالأمر وتحملوا مصائب
المحنة بصبر وجلد ومضى السعديون
في خطتهم الطائشة يقتلون
ويشردون ولا ينام زعيمهم مطمئنا
إلا إذا ارتاحت نفسه لعدد من
المشردين والمعذبين وكان كلما
زاد العدد كان ذلك أدعى لراحته
وسعادته حتى كنفت مصر كلها في
سحابة كثيفة داكنة من الظلم
والظلمات وبات
أي فرد في مصر تحت رحمة البوليس
السياسي إن شاء عذب وإن شاء غفر
وشهد الناس ألوانا جديدة من
الطغيان لم يعرفوها قبل هذا
العهد الأسود فمساجد الله تهاجم
وتراقب ويوضع روادها في قائمة
المشبوهين وكتب الله والسنن
تعتبر نشرات ممنوعة لا يجوز
تداولها ومبادئ الإسلام
الكريمة تضم إلى غيرها من
المبادئ الهدامة التي يحاربها
القانون 000 قانون
الدولة التي يزعمون أن دينها
الرسمي هو الإسلام !0 وكان
طبيعيا أن تبرز الحكومة موقفها
وتخلق سببا أو أسبابا لهذه
المذبحة المريعة فأخذت أبواقها
في االجمهور أبناء مختلفة عن
مؤامرات تدبر في الخفاء لقلب
نظام الحكم وطفحت الصحف
الحكومية المغرضة بتفاصيل هذه
المؤامرات الوهمية وتعدتها إلى
الكلام عن الجمهورية الإسلامية
ودستور القرآن الذي يريد
الإخوان تطبيقه وصور الخيال
أركان النظام الجديد حتى ذكرت
إحدى هذه الصحف أسماء بعض وزراء
الحكومة الإسلامية الجديدة !000 ولم يكن
الإخوان يستطيعون الدفاع عن
أنفسهم في ذلك الجو الخانق
الأغبر فالحكومة تقبض بيد من
حديد علي وسائل الإذاعة والنشر
وتملي عليها ما تكتبه وما تذيعه
وخزائن الدولة مفتحة الأبواب
أصحاب الأقلام المأجورة والذمم
الخربة ليغترفوا منها ويدبجوا
المقالات ويكتبوا ما يمليه
عليهم الهوى والغرض ويساهموا
مساهمة فعالة في تضليل الشعب
واستعداء الحكومة التي لم تكن
في حاجة إلى استعداء وهي تعلم
جيدا معالم الطريق الوعر الذي
خططه لها أسيادها المستعمرون
واندفعت فيه دون روية أو تفكير 0 والشعب
المسكين يقف مذهولا من هذه
الحركات ولا يكاد يفقه معناها
فهو يستقى معلوماته من الصحف
المغرضة والأقلام المأجورة
ويطالع كل يوم أنباء العثور بها
على أسلحة ومفرقعات هي في
الواقع من مخلفات الكميات
الهائلة التي بعث بها الإخوان
إلى فلسطين ولكن أبت الروح
الحزبية الخبيثة إلا أن تجعل
منها أسلحة لجيش سرى خطير !0 في هذا
الجو المسموم كانت تعيش مصر
وتلك كانت حالتها الداخلية عقب
هذا القرار الأحمق
فأي توافق عجيب بين هذه
الحركات الداخلية وبين توتر
الحركة العسكرية في الميدان ؟!0 يتبع ---------------------- الكتب
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |