ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فصول
من كتاب التاريخ اليهودي الدين
اليهودي ثقل ثلاثة آلاف سنة (3) تأليف
: إسرائيل شاحاك Israël
Shahak ترجمة
وتلخيص : أ. رشيد أبو ثور الناشر
: VIEILLE
TAUPE ، 1996. الفصل
الثالث : الأرثوذوكسية والتأويل مقدمة
المترجم : تناقلت
مختلف وسائل الإعلام خلال
الأسبوع الثالث من شهر مارس 2009 ،
صوراً لجنود صهاينة يرتدون
قمصاناً ، طبعت عليها صور
لأطفال فلسطينيين قتلى ولأمهات
ينتحبن على قبور أطفالهن ،
ولبندقية مصوبة نحو طفل ولمساجد
مهدمة من جراء قصف القنابل. ولقد
طبع على أحد القمصان صورة
لامرأة عربية حامل، رسمت على
بطنها دائرة للتصويب وقد كتبت
عليها عبارة "طلقة واحدة,
تقتل اثنين". وطبع على قميص
آخر صورة لطفل فلسطيني صغير ميت
وبجواره أمه تبكيه وقد طبعت
عليه عبارة تقول: "كان الأفضل
استعمال الواقي". وكان
جنود شاركوا في الحرب الصهيونية
على قطاع غزة قد اعترفوا بأن
القيادات العسكرية أوعزت لهم
بقتل المدنيين وهدم منازلهم
وتخريب ممتلكاتهم ، كما كشفت
ذلك مجموعة من الجنود
الإسرائيليين ،
تطلق على نفسها اسم "كسر
حاجز الصمت". ولقد اتهمت أيضا
منظمة حقوقية إسرائيلية الجيش
الإسرائيلي باستهداف الطواقم
الطبية الفلسطينية أثناء
العدوان على غزة ، كما أفادت
رابطة الأطباء من أجل حقوق
الإنسان بأن طواقم الإسعاف
الفلسطيني شكلت هدفا مستباحا
لقوات الاحتلال الإسرائيلية
طيلة العدوان.
يكشف
الفصل الثالث عن الأسس
الاعتقادية المحرفة للدين
اليهودي ، وما يترتب عنها من
تحايل على التوجيهات الدينية ،
و من سلوك عدواني تجاه الأغيار. الفصل
الثالث : الأرثوذوكسية والتأويل هذا
الفصل مخصص للتعريف المفصل
بالبنية الدينية القانونية
لليهودية الكلاسيكية ، التي
عمرت من سنة 800 إلى نهاية القرن
19. غير أنه من اللازم في البداية
كشف زيف بعض الأفكار المغلوطة
حول اليهودية ، التي تنتشر بغير
اللغة العبرية ، والتي تجتر
مقولات من قبيل "التقليد
المسيحي اليهودي ، أو القيم
المشتركة بين ديانات التوحيد.
فكل قراءة متأنية للعهد القديم
، تبين بأن الفكرة القائلة بأن
اليهودية كانت على الدوام ،
ديانة توحيد ، فكرة خاطئة تماما.
فمعظم كتب العهد القديم ، تعترف
بشكل واضح بوجود آلهة متعددة ،
وإن كان "ياهوه" أقوى هذه
الآلهة. ولا يوجد نفي لهذا "الشرك"
إلا في مرحلة متأخرة ، على يد
بعض آخر الأنبياء. ومن الواضح أن
اليهودية الكلاسيكية، التي
تعنينا هنا، كانت قد ابتعدت عن
التوحيد الخالص ، خلال القرون
الأخيرة. ويمكن القول نفس الشيء
بالنسبة للنظام المذهبي
لليهودية الأرثوذوكسية الحالية
، والتي تمثل امتدادا مباشرا
لليهودية الكلاسيكية. فلقد بدأ
تلاشي التوحيد مع تطور العلم
الروحاني والتصوف اليهودي،
المسمى بـ"القبال"، ابتداء
من القرنين 12 و 13 ، ليحتل كل
مراكز اليهودية في القرن 17 ،
وليبسط هيمنته على اليهودية
الأرثوذوكسية
المعاصرة. فحركة غوش
إيمونيم مثلا، تستلهم توجهها
بشكل كبير من الأفكار "القبالية".
ولهذه الأفكار دور أساسي في
السياسة المعاصرة، حيث تؤثر
بشكل مباشر على كثير من
السياسيين المتدينين ،
وبشكل غير مباشر ، على كثير
من الزعماء الصهاينة ، بما في
ذلك اليساريين. فحسب
"القبال" ، يهيمن على الكون
عدة آلهة ، يتباينون في طبيعتهم
وتأثيرهم ؛ وهم منبثقون مما
يسمى "السبب الأول البعيد".
فمن هذا السبب الأول ، ولد إله
ذكر اسمه "الحكمة" أو "الأب"
، ثم ولدت إلهة أنثى ، اسمها "المعرفة"
أو "الأم". ومن تزاوجهما ،
ولد الإبن والبنت. ولما عزم هذان
الأخيران على الزواج ، منعهما
الشيطان من ذلك. فأنشأ السبب
الأول ، العالم ليتيح لهما
الزواج ، غير أنهما بسبب "السقوط"
، وجد أنفسهما مفترقين ، لدرجة
تمكن معها الشيطان من الوصول
إلى البنت الإلهية ، واغتصبها.
وهذا ما استدعى إيجاد الشعب
اليهودي للم الشمل بعد القطيعة
التي أحدثها آدم وحواء ؛ الشيء
الذي حصل في وقت خاطف بجبل سيناء
، حيث اجتمع الإبن الإلهي ممثلا
في موسى ، مع الإلهة "سيخناح".
غير أن عبادة العجل أحدثت مرة
ثانية خلاف بين الإلهَين ؛ ولكن
توبة الشعب اليهودي أعادت
بينهما نوعا من الوفاق. وهكذا
يربط القباليون كل مرحلة من
مراحل التاريخ التوراتي
باجتماع أو افتراق هذا الزوج
الإلهي ، [وإن كان تدمير الهيكل
وجلاء اليهود ،
مرتبطان بزنا الزوجين مع
آلهة أجانب]. ومن واجب كل يهودي
تقي أن يعمل على إعادة الوحدة
الكاملة بين الزوجين وتواصلهما
الجنسي ، من خلال الصلوات
والدعاء ومختلف الممارسات
الدينية. ويعتقد
القباليون أن على أبواب السماء
ملائكة يمنعون مرور صلوات
الأتقياء. وبما أن هؤلاء لا
يفهمون اللغة العبرية ، يتلوا
القباليون بعض الآيات باللغة
الأرامية في بعض الصلوات ،
لخداع هؤلاء الملائكة. ويوجهون
بعض صلواتهم حتى للشيطان
لاعتقادهم أنه يحب الطقوس
اليهودية ، فهم يقدمون له بعض
الصلوات ، حتى ينسونه لبرهة من
الزمن ، مراودة البنت الإلهية. والسهولة
التي تم بها تقبل هذا النظام "القبالي"
، تعطينا صورة بليغة عن الطبيعة
الحقيقية لليهودية الكلاسيكية:
فدور الإيمان والمعتقدات جد
محدود فيها ، فالذي يهم هو
الطقوس نفسها ، وليس المعنى
الذي تحمله ، أو ما تحيل إليه من
معتقدات. ونفس الأمر يقال
بالنسبة للعبارات اليهودية
المقدسة ؛ فالذي يهم هو قولها
كما هي ، وليس التدبر في معناها.
ولهذه
العقلية تأثير كبير على السياسة
الإسرائيلية. وهي التي تمكن من
فهم الارتباط بالمقولات
الصهيونية ، وفهم الكراهية
المستميتة لغير اليهود الذين
يعيشون على أرض إسرائيل ، وفهم
غيرها من الممارسات التي تحير
من يجهل هذه الخلفية "القبالية".
تأويل
التوراة كل ما
ذكر إلى الآن يوجد في النصوص
الأصلية ، أو في بعض الكتب
العصرية المكتوبة بالعبرية
والموجهة لدائرة محدودة من
المتخصصين. لذا قد يكون كثير مما
يظن من لا يقرأ العبرية ، معرفته
حول اليهودية ، مضللا. فمن
الأفكار الخاطئة التي يحملها
عدد من المسيحيين ،
اعتقادهم بأن اليهودية دين
توراتي ، وأن للعهد القديم
بالنسبة لليهودية ، نفس المكانة
المركزية التي يحظى بها التوراة
عند البروتستانت ، أو حتى
الكاثوليك. فالتفسير
التشريعي للنصوص المقدسة يأتي
من التلمود وليس من التوراة. إن
كثيرا من الآيات التوراتية التي
تحدد ممارسات وواجبات دينية ،
تفهم من طرف اليهودية
الكلاسيكية الأرثوذوكسية
الحالية ، بشكل يختلف تماما عن
المعنى الحرفي الظاهري الذي
يفهمه مسيحي أو غيره ، من قراءة
العهد القديم. فالوصية
الثامنة:" لا تسرق" ، تفسر
في التلمود بـ"لا تختطف
يهوديا"؛
وعليه ، لا تعتبر سرقة متاع
الغير من الكبائر ، كما يجيز هذا
التفسير اختطاف غير اليهود. ويأمر
النص التوراتي بعدم إتباع
الأغلبية إذا كانت سترتكب مظالم
؛ غير أن التلمود يصل ، من خلال
تحريفه للمعنى ، إلى الأمر
بالعكس تماما. وفي
الصيغ التي تأمر اليهودي بمحبة
نظيره الإنساني أو "الأجنبي"
، لا تفسر التلمود "النظير"
و"الأجنبي" ، إلا بـ"رفيقك
اليهودي". وإذا كانت
التوجيهات التوراتية تأمر
باحترام جثة الإنسان ، فإن
التوراة تعرف الإنسان باليهودي
، وبالتالي يكن اليهود
المتدينون احتراما عاليا لجثث
موتاهم ومقابرهم ، وبالمقابل لا
يحترمون على الإطلاق موتى غيرهم
، ولا مقابرهم؛ وهذا ما جعلهم
يحطمون المئات من مقابر
المسلمين بإسرائيل لتوسعة
الأراضي لأغراض أخرى. وهكذا
تعتبر اليهودية الكلاسيكية ،
نصوص العهد القديم عبارات مقدسة
وثابتة للتعبد بتلاوتها فحسب ؛
أما تفسير
هذه النصوص فيتم من خارجها. بنية
التلمود يجب أن
ندرك أن التلمود يمثل مصدر
السلطة بالنسبة لكل السلوكيات
اليهودية الكلاسيكية
والأرثوذوكسية الحالية ،
والأساس لبنية التشريع. ويتكون
التلمود من قسمين : "الميشنا (أي
المثنى أو المكرر أو الشريعة
الثانية )، وهو عبارة عن مدونة
مختصرة للقوانين؛ و الجيمارة (
أي التكملة ) ، وهو مجموعة من
الشروح والتعليقات حول الميشنا
. وتعتبر الجيمارة البابلية
وحدها ، المصدر الأكيد للسلطة. والجيمارة
مكتوبة بالعبرية أو الأرامية ،
ولا تقتصر على معالجة القضايا
القانونية ، بل يتخللها ، عرض
لقصص وأساطير مختلفة ، يسمى "أكادة"
، التي
تعني السرد أو الحكاية.
والاطلاع على الواسع على كل هذه
الجوانب من التلمود ، يؤهل
صاحبه لتوجيه غيره من اليهود في
مختلف الأمور. ويتضمن
التلمود كل التفاصيل المتعلقة
بالسلوك الفردي والجماعي
لليهود ، مصحوبة
بترسانة من العقوبات لكل ما
يمكن أن يتصور من الخطايا
والخروقات. وما يتضمنه من تفصيل
وتعقيد ، يكشف عن الطبيعة
العنادية والجدلية لليهود. فحول
منع الكتابة يوم السبت مثلا ،
تطرح أسئلة مثل : ما هو عدد
الحروف التي يجب أن يكتبها
اليهودي ليعتبر
ذلك انتهاكا لحرمة السبت ؟
الجواب: 2. وهل الخطيئة هي نفسها
أيا كانت اليد المستعملة
للكتابة ؟ الجواب : لا. ولسد
الطريق نهائيا أمام الكتابة يوم
السبت ، ألحقت إضافة تحرم مس أي
شيء يمكن أن يصلح للكتابة. ويتضمن
التلمود عددا كبيرا من السخافات
التفصيلية من هذا القبيل في
مختلف المجالات. الرخص تكتسي
التوجيهات التلمودية صبغة
إجبارية ، ولا يحتمل معناها
الظاهري أي تأويل. غير أن زعماء
المجتمع اليهودي والحاخامات
والأغنياء لم يعودوا يحتملون
الالتزام بها ، خلال مرحلة
اليهودية الكلاسيكية. ولمصلحة
هؤلاء تم انتهاج أسلوب مخادع
يحتفظ بالنصوص التشريعية شكلا ،
ويحورها مضمونا ، منتجا بذلك
النظام النفاقي للرخص. وهذه بعض
الأمثلة : ـ
المعاملات الربوية
تحرم
التلمود بتاتا على اليهودي أن
يقرض يهوديا بالفائدة ، كما
تحرم كل العمليات الملتوية التي
يمكن أن تؤدي إلى
ذلك ، وتجرم كل من يساهم
فيها ، وتنص على عقوبة صارمة
لذلك. ( أما غير اليهود فالواجب
الديني يقتضي أن يقرض بأعلى
فائدة ممكنة). ولما اضطر اليهود
للتعامل الربوي مع بعضهم البعض
، أوجدوا لذلك مخرجا ملتويا تحت
مسمى "الرخص من أجل الأعمال".
وهي وثيقة شكلية توجد نسخ كثيرة
منها معلقة على جدران البنوك
اليهودية اليوم. ـ يفرض
القانون التلمودي الامتناع
لمدة سنة واحدة ، على رأس كل
سبع سنوات ، عن زرع الأراضي التي
يملكها اليهود في فلسطين.
ولخرق هذا القانون ، يقوم
الحاخام الأكبر ببيع هذه
الأراضي ، بيعا صوريا لمدة تلك
السنة ، لشخص غير يهودي ، حتى
يتمكنوا من زرعها خلال تلك
السنة باعتبارها أرضا لغير
اليهود. ـ
يحرم على اليهود حلب البقر يوم
السبت؛ غير أن هناك من وجد وسيلة
لتلوين الحليب باللون الأزرق ،
على اعتبار أن الحليب الذي حرم
حلبه هو الحليب الأبيض؛ وابتكرت
فئة أخرى طريقة تمكنها من
الاستفادة من رخصة تبيح تخفيف
الألم الذي يشكله ثقل الحليب في
ضرع البقرة ، بإراقة الحليب على
الأرض : وهكذا يأتي يهودي صباح
السبت ، ويضع سطلا تحت كل بقرة
وينصرف إلى البيعة ، ثم يأتي
يهودي آخر فيحلب الأبقار بنية
تخفيف عبئ الحليب عنها ، وهو غير
مسؤول عن وقوع الحليب في السطل ،
ولا نص يأمره صراحة بإزاحة
السطل ؛ وبعدهما يأتي يهودي
ثالث ، ويتظاهر بأنه فوجئ بوجود
السطول ممتلئة بالحليب ،
فيحملها إلى الثلاجة ويلتحق
برفيقيه إلى المعبد. وهكذا تتم
العملية دون أن يكون أي منهم قد
خالف نصا صريحا في الموضوع. ـ يضطر
كثير من اليهود إلى تشغيل
الأغيار للقيام بالأعمال
المحرم على اليهود إنجازها يوم
السبت؛ وبما أنه محرم على
اليهود أمر هؤلاء الأغيار صراحة
بإنارة البيت ، أو إيقاد النار
مثلا ، يلجؤون إلى الإيحاء؛
وإذا تعلق الأمر بأعمال ضرورية
يوم السبت ، يشغلون الأغيار
بعقد لا يشير إلى يوم السبت ، بل
فقط إلى مدة العمل ، التي قد
تكون أسبوعا أو سنة ، وإن كان
العامل لا يشتغل إلا يوم السبت. ـ وبما
أن التلمود يحرم على الحاخامات
وغيرهم ممن يقوم بأعمال دينية
يوم السبت ، تقاضي أجرة على
عملهم ، فإن عقد التشغيل المبرم
معهم ينص على أنهم لا يتقاضون
أجرا على عملهم ، يوم السبت ، بل
على بطالتهم خلال باقي أيام
الأسبوع. الطابع
الاجتماعي للرخص. من
الواضح أن الطابع المميز لهذه
الرخص هو الخديعة ، وهي خديعة
قبل كل شيء تجاه الله ، حيث
يعتقد الحاخامات أنهم أذكى منه. ومن
الناحية الخلقية ، تمثل
اليهودية الكلاسيكية ، مسلسل
اضمحلال ، لازال متواصلا إلى
الآن ، وله انعكاسات سياسية
واجتماعية جمة. فلا ننسى أن ما
تعج به اليهودية الكلاسيكية
من خرافات ، يؤثر على عموم
الناس أكثر
من نصوص التوراة ، وحتى
التلمود ، التي لها قيمة دينية
وخلقية فعلية. وهكذا تجد أن
الخداع الذي
يمارس مع الله ، يمارس كذلك
حتى على اليهودي العادي ، إذا
اقتضت مصلحة الطبقة اليهودية
المهيمنة ذلك. فالفقراء لم يسبق
لهم مثلا أن استفادوا من هذا
النوع من الرخص. وهذه العقلية
النفعية النفاقية هي التي
ستهيمن أكثر فأكثر على اليهودية
الكلاسيكية. وهذه الازدواجية في
مواقف الحاخامات ، إضافة إلى
نزوعهم إلى الخصومة والجدل
والفساد ، المميز لخط اليهودية
الكلاسيكية
، جعلتهم ، إضافة إلى
الطائفة الأرثوذوكسية ،
مكروهين في أوساط الإسرائيليين.
ـ
يتبع ـ ــــــــ المصدر
: الدار الإسلامية للإعلام ---------------------- الكتب
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |