ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإخوان
المسلمين في حرب فلسطين (7) كامل
الشريف الزهراء
للإعلام العربي -16- الإخوان
بعد قرار الحل (معركة التبة 86) ((أيها
الإخوان لا يهمكم ما يجرى في مصر
فإن مهمتكم هي مقاتلة اليهود
ومادام في فلسطين يهودي واحد
فإن مهمتكم لم تنته))0 حسن البنا لم يؤثر
قرار الحل في سياسة الإخوان في
فلسطين وظلوا يؤدون واجبهم
المقدس في مجاهدة أعداء الإسلام
رغم ما كان يصلهم من أنباء مثيرة
عن الإرهاب الحكومي في أرض
الوطن 0 وما كاد
شهر ديسمبر ينتصف وتصل الحالة
الداخلية في مصر إلى أسوأ
مراحلها حتى استغل اليهود
الفرصة وقاموا بأعنف هجمات
شهدتها حرب فلسطين وكان الإخوان
في ذلك الحين يعاد تدريبهم في
المعسكر بعد أن قضوا أكثر من عام
في معارك متواصلة ومما تجدر
الإشارة إليه أن اللواء (فؤاد
صادق) كان قد افتتح بعض المدارس
العسكرية في رفح للتدريب علي
الأسلحة الصغيرة وفنون القتال
وطلب انتساب نفر من الإخوان
إليها ليعاد تدريبهم فبعثنا
عددا كبيرا من الإخوان ووزعناهم
علي الفرق المختلفة ولقد كان
إقبالهم علي الدرس والتدريب
ورغبتهم الشديدة في تعلم أساليب
الحرب الحديثة مثار إعجاب
الضباط الذين زاملوهم في الدرس
أو اتصلوا بهم 0 ولما
انتهت فترة التدريب اقترح
القائد العام أن يظل الإخوان في
معسكراتهم ليكونوا (قوة ضاربة)
تكون مستعدة دائما للدخول في
أية معركة 0 ولم يطل
الانتظار طويلا ! إذ نقض اليهود
الهدنة في (23) ديسمبر وهاجموا
مرتفعا حاكما جنوبي دير البلح
يعرف باسم التبة(86) وكان نجاحهم
في احتلال هذا الموقع يعنى عزل(حامية)
غزة وتمثيل مأساة الفالوجا مرة
أخرى 0 ولقد
رأينا كيف اضطر الجيش إلى إخلاء
مناطق برمتها عندما احتل اليهود
موقعا مشابها عند (بيت حانون)
وكان هذا ما يرمى إليه اليهود من
معارك (الطرق) التي اتسمت بها
حربهم في فلسطين من قطع مواصلات
الجيش وإرغامه علي التقهقر ثم
طلب الهدنة لتمكنهم من المحافظة
علي ما وقع في أيديهم وكان هذا
ما أرادوه من احتلال مرتفع (دير
البلح) الذي نتحدث عنه 0 ولقد
حدث إلى الأميرالاى (محمود رأفت)
قائد قطاع (دير البلح) بالتليفون
في ساعة متأخرة من ليلة (23)ديسمبر
وأخبرني أن العدو قد نجح في
اختراق خطوطنا الأمامية في دير
البلح وانتزع المرتفع من أيدي
جنودنا الذين أذهلتهم ((المفاجأة)
وأن قواته تتجمع الآن وتحاول
الوصول إلى طريق المواصلات
الرئيسي ولكن قوات الجيش تحاول
حصره فوق المرتفع حتى الصباح
حيث يمكننا أن نقوم بهجمات
مضادة لاسترداده وتطهيره ثم
صارحني بأن الموقف جد خطير وأن
هذه المعركة سوف يكون لها أثر
بالغ في النتيجة العامة للحرب
وختم حديثه طالبا أن يستعد
الإخوان ليكونوا آخر (ورقة) نقذف
بها في وجه اليهود 0 فألقيت
سماعة التليفون وخرجت من المكتب
وكانت أصوات الانفجار العنيفة
تسمع عن بعد في جبهة القتال
وطلقات الرصاص المضيء تمزق حاجب
الليل المظلم وترسم علي صفحة
السماء خطوطا حمراء متشابكة
فأمرت بصفارة الإنذار فأطلقت
ولم تمر دقائق علي إطلاقها
المعسكر قد أخذوا مواضعهم
الدفاعية وتجمعت القوات
الاحتياطية في ارض التدريب وكل
فصيلة أمامها قائدها ومعها
أسلحتها ومعداتها وتحركت
مصفحات المعسكر وسياراته
المدرعة وانتظمت في تشكيلات
الاستعداد واحذ قوادها يمدونها
بحاجتها من البترول والماء ثم
دعوت الإخوان المسئولين وشرحت
لهم الموقف في إيجاز وطلبت
تجهيز سرية للاشتراك في هذه
المعركة وكانت المشكلة أمامي
وأمام الإخوان المسئولين إقناع
بعض الأفرادبالبقاء فكل فصيلة
تريد أن يكون لها شرف العمل دون
غيرها فلما وقع الاختيار علي
الفصائل الثلاث هلل أفرادها
وكبروا وأخذوا يهتفون من أعماق
قلوبهم :(( هبي ريح الجنة هي هبي ))ومضوا
يعدون أسلحتهم ويستعدون
لمنازلة العدو وبعد ساعة تحركت
السيارات بمن فيها لترابط قريبا
من أرض المعركة . كانت
نسمات الفجر تحمل إلى أنوف
المحاربين رائحة البارود
المحترق مختلطة بأنفاس الشهداء
الأبرار وكانت أشعة الفجر
الأولي تتسلل إلى الميدان فتكشف
معاملة شيئا فشيئا والغيوم
تتكاثف وتلقى حمولتها من الماء
فوق رءوس المحاربين وكان اليهود
حتى ذلك الحين لا يزالون فوق
المرتفع الذي احتلوه ولا تزال
مدافعهم تسيطر علي مسافات شاسعة
من الأرض المنبسطة حوله . ولم تكد
الشمس ترسل أول أشعتها حتى صدرت
الأوامر لجنود الجيش بالتقدم
فانسحبوا في أفواج متلاحقة تريد
أن تصل إلى القمة وتطرد العدو
الرابض فيها ولكن ارتفاع الموقع
وسيطرة أسلحة اليهود علي الأرض
المحيطة به كانا يمنعان الجنود
من الاقتراب وظلت الحالة هكذا
موجات إثر موجات وجرحى
كثيرون وشهداء يسقطون دون الهدف
وكيف يمكن للحوم آدمية أن تقاوم
القنابل والرصاص والعدو الماكر
يربض خلف خنادقه التي أعدها
بعناية ويصوب نيرانه منها علي
لحوم بشرية متراصة وبدا جلي
للعيان أن لا أمل مطلقا في كسب
المعركة إلا في حضور عدد من
الدبابات فأرسلوا في طلبها على
عجل وجاءت الدبابات ودفعت إلى
المعركة واحدة تلو الأخرى فأطلت
منها اثنتان علي سفح التل ولم
يستطيع أحد الاقتراب من مواقع
العدو 0 كانت
الساعة قد تجاوزت الثانية بعد
الظهر والريح لا تزال تدوي بشدة
وتسوق أمامها موجات من السحب
الكثيفة وعواصف المطر الباردة
ووقف الضباط يتطلعون لي السماء
يلتمسون العون من الله العلي
الكبير بعد أن جربت كل الأسلحة
ووضح جليا أن هذه المعركة قد ((ماعت)
وضعت الأمل في حسمها قبل الليل 0 وكان
لابد من إلقاء الورقة الأخيرة
فطلب الأميرالاى (محمود رأفت)
إحضار الإخوان علي عجل وما إن
سمع الجنود والضباط اسم الإخوان
حتى سرت في نفوسهم روح جديدة من
الأمل والثقة وطلبت إلى
القائمقام (على مقلد) قائد
الفرسان أن يوفر دباباته ليدفع
بها أمام جنود الإخوان وبعد
لحظات وصل جنودنا إلى ميدان
المعركة وترجلوا عند مكان أمين
لتنظيمهم وإعدادهم وكانت الخطة
تقضى بتقسيم الإخوان إلى ثلاث
مجموعات تهاجم اثنتان منها
الموقع من الأمام ومن جهة
الشمال بينما تدور القوة
الثالثة حول المرتفع وتهاجم
مؤخرته وتمنع تدفق الإمدادات
عليه وتجذب اهتمام لمدافعين
إليها وتشغلهم عن القوتين
الأخريين وكان المفروض أن تتقدم
الدبابات متجمعة أمام قوة
الإخوان تحت ستار من نيران
المدفعية والأسلحة الرشاشة
وتحت غلالة من قنابل الدخان
التي كانت تطلقها مدافع الهاون
التابعة للإخوان المسلمين
وبدأت المعركة على هذا الأساس
وانطلق الإخوان إلى أهدافهم وقد
علت وجوههم إشراقة الإيمان
القوى وكانوا ينشدون في حماسة
نشيدهم المعروف : هو الحق
يحشد أجناده
ويعتد للموقف الفاصل فصفوا
الكتائب آساده ودكوا
به دولة الباطل وأمسك
الضباط والجنود أنفاسهم وهم
ينظرون إلى هذا الشباب المؤمن
يتوائب في ثبات وقوة ولا يثنيه
الرصاص والقنابل عن التقدم
لملاقاة أعدائه لقد آمن الضباط
والجنود أن هناك نتيجتين لا
ثالث لهما : إما أن ينتصر هؤلاء
الشباب أو يموتوا جميعا لأن
الانسحاب والتراجع لا يدخل في
برنامجهم إطلاقا وبخاصة في مثل
هذا الموقف الحرج الخطير 0 وظلت
مدافع الإخوان تقذف الموقع
بقنابل الدخان فترة طويلة حتى
أحالت القمة إلى سحابة قاتمة لا
ترى خلالها غير ألسنة اللهب
الناتج عن انفجارات القنابل
وسكتت المدافع وانساب
المجاهدون إلى أهدافهم وبدأت
معركة الخنادق وروع اليهود حين
رأوا الإخوان يلقون بأنفسهم
فوقهم في الخنادق والدشم
ويعاركونهم بالقنابل والحراب
والأيدي ورغم كثرة الضحايا من
الإخوان فإن القوة قد تمكنت من
احتلال خنادق العدو وأخذت
تطهرها جزءا جزءا ولم يجد
اليهود بدا من إخلاء الموقع
فصمتت مدفعيتهم وأسلحتهم
وشوهدت مصفحاتهم تتحرك للخلف
حاملة الجرحى والهلكى وكان هذا
المنظر حافزا للجنود الآخرين
ملهبا لحماسهم فأخذوا يتكاثرون
علي الموقع ويتمون تطهيره حتى
بدأت أخيرا الحمالات (قاذفات
اللهب ) تطارد فلول العدو
المنهزمة وانتهت المعركة بنصر
حاسم وكانت إحدى المعارك الكبرى
التي تكبد فيها العدو خسائر
فادحة دون أن يحصل علي نتيجة
تذكر ووجد ضمن القتلى عدد من
كبار الضباط الإسرائيليين
وبينهم قائد المعركة وهو (كولونيل)
روسى يحتل مركزا هاما في الجيش
الإسرائيلي ووجدت في جيبه
تفاصيل الخطة التي اتبعت في دير
البلح والخطط المقبلة التي كان
يراد منها إلقاء الجيش المصري
في أعماق البحر 0 كانت
الشمس قد مالت للمغيب حين انتهت
المعركة وأخذ الجنود يحتلون
الموقع بعد فرار اليهود منه أما
جنود الإخوان فقد انسحبوا في
سكون وهدوء بعد أن أخذوا منهم
كميات وفيرة من الأسلحة
الألمانية والروسية وأكداسا من
القنابل والذخائر وكان الضابط
يعانقونهم عند خروجهم
ويهنئونهم بهذا النصر الحاسم
ويشيدون بجهودهم وفضلهم 0 ولقد
سقط من الإخوان في هذه المعركة
وحدها عدد كبير من الجرحى
والشهداء وكان أول الشهداء قائد
الفصيلة المرحوم (السيد محمد
منصور) من إخوان الشرقية ومما
يروى عن هذا الشهيد المبرور أنه
حين أصيب بالضربة القاتلة التف
حوله نفر من إخوانه وشغلوا به عن
الهجوم فنهرهم بشدة وحينما
حملوه إلى الخطوط الخلفية أفاق
من غيبوبته وسألهم عن سير
المعركة فأجابوه بما طمأن نفسه
فابتسم وتمتم الحمد الله ولم يقف
لسانه عن الدعاء لحظة : اللهم
انصر دعوتنا وحقق غايتنا حتى
لفظ أنفاسه الطاهرة ومضى إلى
جنة ربه الواسعة ليحمل البشرى
إلى سكانها (إن شجرة الإسلام
الخالدة قد بدأت تورق من جديد))0 أما
الشهيد (حسن العزازى) من إخوان
العريش فقد أصيب بجرح في كتفه
وكان في وسعه أن يعود ولكنه ظل
يكافح بصعوبة حتى احتمى بنتوء
بارز في مواجهة العدو وأخذ يلهب
خنادقه برصاص مدفعه الرشاش حتى
أسقط منهم عددا كبيرا مما
اضطرهم إلى تركيز نيرانهم عليه
فأصابته عدة طلقات في مواضع
مختلفة من جسمه فسكت مدفعه
وصعدت روحه الطاهرة بعد أن ثأر
نفسه ومتع نظره برؤية الدم
الصهيوني المراق 0 وقد كان
عدد الجرحى كبيرا ومنهم من مات
متأثرا بجراحه بعد وصوله
للمستشفي ومنهم من عاد في (إرساليات)
مرضية إلى مصر ثم تم علاجه في
معتقلات الطور وهاكستب ! ولا
تظنني أمزح أيها القارئ الكريم
فإنني لا أسجل إلا الحق والصدق
فإن اثنين من جرحى هذه المعركة
وهما الخوان المجاهدان (عويس
عبد الوهاب )و( سيد عيد يوسف) قد
نقلا بعد المعركة إلى مستشفيات
مصر لمعالجة جراحها الخطيرة
ولكن البوليس السياسي أشار
بنقلهما إلى الطور ولعله خشي
انضمامهما إلى الجيش (الإرهابي
السري) فنزعا من المستشفيات
وجراحهما لا تزال تنزف دما
وألقيا في أحد العنابر الرطبة
دون غذاء أو علاج ولا يزال
أحدهما يعانى ألما مراً من
رصاصه مستقرة في يديه(!!00 انتهت
معركة (دير البلح) علي الصورة
التي ذكرنا وكان دور الإخوان
فيها مفخرة كبرى من مفاجر هذه
الدعوة وأثرها في تكوين المحارب
الناجح وبجانب الكسب الأدنى فقد
غنم الإخوان عددا كبيراً من
الأسلحة الرشاشة التي كانوا في
أمس الحاجة إليها ولقد كلفهم
هذا الانتصار غالبا فسقط منهم
عدد كبير من الجرحى والشهداء
وكان يزيد في عظم الخسارة
استحالة تعويضهم من مصر وقت أن
كانت المذبحة قائمة علي قدم
وساق غير أن هذه الخسارة وما لا
بسها من ظروف ومحن لم تزعزع من
إيمان الإخوان وثباتهم ولقد
خشيت أن تكون كثرة الخسائر قد
نالت من روحهم القوية فقمت في
الصباح الباكر بجولة بين
حجراتهم فما وجدت للحزن أثرا
وما وجدت إلا استبشارا وغبطة
للنتيجة التي أرادها الله
وكانوا يتناقلون فيما بينهم قصص
البطولة التي سجلها شهداؤهم علي
أرض المعركة ويمنى كل واحد منهم
نفسه بنتيجة مماثلة ويرجو أن
يكون خطه من جهاده طلقة تؤدى به
إلى رحاب الجنة فالشهادة في
نظرهم ليست موتا ونهاية ولكنها
بداية لحياة هنيئة طيبة في جوار
الله فلم لا يتعجلونها وقد رأوا
أماراتها بأعينهم في ابتسامات
الشهداء وسمعوا بشرياتها
بآذانهم في آخر كلمات نطق بها
المحظوظون السعداء وهم
يستروحون أولي نسمات الجنة
ويضعون أقدامهم علي أولي درجات
الحياة الباقية 0 ولقد
زارني في ذلك الصباح مندوب من
قبل القائد العام وأخبرني أن
اللواء (فؤاد صادق) يرغب في
مطالبة الحكومة بالألغام
بأوسمة عسكرية رفيعة علي
الإخوان إشادة بفضلهم واعترافا
بجهادهم في هذه المعركة وغيرها
وهو يريد منى كتابة كشف بأسماء (الإخوان)
الذين اشتركوا في معركة الأمس
فمانعت أولا في تقديم كشف لهذا
السبب وقلت : إن الإخوان لا
يعلمون بغية أوسمة وشارات
ولكنهم طلاب ثواب ومغفرة وليس
لهم مطمع من جهادهم غير
الاحتفاظ بكرامة أمتهم وجيشهم
والإبقاء علي عروبة فلسطين كجزء
من وطنهم الإسلامي الكبير فإن
حققوا ذلك فقد وصلوا إلى أقصى ما
يريدون من نتائج ولكنه ألح
إلحاحا شديدا وحاول إقناعي بأن
الألغام علي الإخوان لايعد
انتقاصا لبرئهم وثوابهم بل هو
اعتراف من الدولة بشجاعتهم وصدق
جهادهم ثم هو فوق ذلك اعتراف
بفضل الدعوة التي صنعتهم 0 وأمام
هذا الإلحاح لم أجد بدا من إجابة
مطلبه فأعطيته الكشف المطلوب
ولقد أخبرني بعض ضباط الرئاسة
أن اللواء (فؤاد صادق ) تقدم
للحكومة السعدية طالبا منح
نياشين رفيعة لإخوان غير أن
الحكومة اعتبرت تنفيذ هذا
المطلب اعترافا منها بجهاد
الإخوان وحسن بلائهم فكيف توفق
بين ذلك الاعتراف وبين خطتها في
القضاء علي جماعة الإخوان
وتشويه كل مظهر من مظاهر نشاطها
؟0 وكيف
توفق بين هذا المسلك وبين ما
تكتبه صحفها (للعقاد) وغيره من
الكتاب المرتزقة من مقالات
وبحوث يدللون فيها علي خيانة
هذه الجماعة وتأمرها مع اليهود؟
فماطلت الحكومة السعدية زمنا
طويلا وحاولت إقناع (فؤاد صادق)
بالعدول عن مطلبه غير أن الرجل
الشجاع أصر علي ذلك واعتبر هذه
المماطلة امتهانا لكرامته
وإحراجا لمركزه مما اضطر
الحكومة لإجابة مطلبه فاختارت
حلا وسطا وصدرت النشرة العسكرية
في مايو سنة (1949) تحمل أسماء خمسة
عشر جنديا من الإخوان المسلمين
المصريين والفلسطينيين ورأت
الحكومة أن تدارى موقفها المخجل
فسمتهم في نشرتها (جماعة
المتطوعين المصريين) ! ثم تتابعت
النشرات العسكرية تحمل الألغام
علي أبطال الإخوان المسلمين في (بيت
لحم) و(صور باهر) وغيرهما من
المناطق ومن المضحك أن تصدر
النشرات العسكرية وفيها اعتراف
رسمي ببطولة جنود الإخوان وقت
أن كان الأبطال المنعم عليهم لا
يزالون يقاسون مرارة الاعتقال
ويعيشون كالمجرمين الخطرين خلف
الأسلاك الشائكة بين معسكرات (رفح)و(الطور)
و(الهاكستب) !! وهكذا أباحت
العقلية المنكوسة لنفسها
معاملة طائفة من الناس علي أنهم
أبطال مغاوير ومجرمون خطرون في
آن واحد 0 ولاشك
أن استمرار هذه الخطة في كبت
الحريات الإسلامية القوية في
صفوف الشعب والجيش مهما كانت
دوافعها ومبرراتها ومهما كانت
فوائدها القريبة السطحية
للحاكمين فهي لن تؤدى في المدى
الطويل إلا إلى قتل فعاليات
الأمة ,إضعاف مناعتها الذاتية
وتعويدها على الخنوع
والاستسلام حتى إذا هاجمها
العدو الخارجي كانت أشبه ما
يكون بالجسم الذاوي النحيل الذي
يتهاوى تحت أول هجمة من هجمات
المرض دون أن تكون لديه القدرة
على المقاومة والثبات وفي
تقديرنا أن إصرار الحكام
المصريين على السلطة المطلقة
وكراهيتهم للشورى والحكم
الشعبي الحر وتوجسهم من الدعوة
الإسلامية لما تحمله من حد
لشهواتهم وغرائزهم مع خضوعهم
الأعمى في كثير من الأحيان
للسلطة الأجنبية سواء كانت
سياسية أو عقائدية كل ذلك
يدفعهم إلى التصدي للحركات
الشعبية القوية التي هي في واقع
الحال قوة للوطن في مجموعه
فيعملون فيها يد الكبت
والاضطهاد والتشريد وتكون
النتيجة دائما شيوع الأحقاد
والفتن في صفوف الأمة وقيام
فجوة عميقة من الشك المتبادل
بين الحاكم والرعية ولو أنهم
كانوا يضعون مصلحة الوطن والدين
فوق الاعتبارات الشخصية
والحزبية لاستطاعوا إيجاد
المناخ السليم الذي تعمل فيه
جميع الأفكار الصالحة متعاونة
لبناء وطن قومي سليم قادر على
الصمود في وجه المؤامرات
والأعاصير 0 إن دور
الإخوان في حرب فلسطين يجب أن
يكون درسا وعبرة لأولئك الذين
يفكرون بإخلاص وتجرد في بناء
قوة عربية إسلامية تكون قادرة
على مواجهة التحدي الإسرائيلي
والتغلب عليه وحين نتحدث عن دور
الإخوان المسلمين لا ينحصر
تفكيرنا في النطاق الضيق لجماعة
معينة أو هيئة معروفة ولكننا
نستشرف الإسلام في معناه الرحب
الواسع كفكرة سماوية تخلق
المجتمع المتكافل النظيف وتصنع
الفرد الجاد المستعد دوما
لتلبية النداء وتقديم النفس
رخيصة في سبيل الله دفاعا عن
العقيدة السامية والوطن العزيز
وليس جهاد الإخوان المسلمين في
فلسطين وما سجله من بطولات
فردية وجماعية خارقة سوى ثمرة
محتومة لهذه التربية الإسلامية
التي أنبتت قديما خالدا وأبا
عبيده وطارقا وشرحبيل وغيرهم من
قادة الفتح وجنود الإسلام عبر
قرون طويلة وفي ملاحم لا تزال
قمما شامخة في تاريخ الصراع بين
الخير والشر وهي تربية لا تزال
قادرة على أن تنبت أمثالهم في كل
عصر ومصر إذا ورد المسالمون
نبعها الصافي والتمسوا عندها
العلاج لأمراضهم ومشكلاتهم 0 إن دور
الإخوان المسلمين في الحرب
الفلسطينية عام (1948- 1949) يجب ألا
يقاس بمقياس مادي صرف نعنى :
بعدد القوات التي اشتركت منهم
في المعركة ونسبتها العددية إلى
القوات العربية النظامية
والقوات الإسرائيلية ولكن يقاس
في إطاره المعنوي والروحي ذلك
أن الإنسان الذييصد في ظروف
صعبة يدافع عن عقيدته وإيمانه
ويموت وعلى شفتيه ابتسامة الرضا
والظفر لأنه يؤمن بالقضية التي
يحارب من أجلها ويعتبر الموت
ثمنا متواضعا يقدمه في سبيلها
هذا الإنسان كان دائما هو
العنصر الحاسم في الحروب وسيظل
كذلك مهما تطورت أسلحة الحرب
وفنونها ووسائلها وإذا كانت
الحرب الفلسطينية الأخيرة كما
أسلفنا في موضع سابق هي ((مزرعة
تجارب)) لنا وللعدو يستفيد كل
فريق من دروسها واختباراتها ما
يعينه على خوض الجولات المقبلة
بصورة أفضل فإن الإنسان العربي
الذي سيخوضها في المستقبل يجب
أن يحظى بعناية ألا تقل عن
العناية بتطوير أمام الصهيونية
يجب أن تقدم قصة الأخ المسلم في
الحرب الفلسطينية أو بعبارة أدق
عقيدة الإسلام الخالدة كمدرسة
لإنتاج الأبطال الذين نريدهم في
هذه المحنة التاريخية أمام
الغزو الصهيوني وإذا
كان محتوما على المسلمين
ولاسيما العرب أن يرتبطوا
بالإسلام وأن يبنوا حياتهم
وكيانهم على أساسه المنيع في كل
وقت فإن التحدي الصهيوني الراهن
يجعل ذلك أكثر حتمية وأشد
إلزاما لأنه سيكون في تقديرنا
الفرق الرئيسي بين الهزيمة
والانتصار وبين الظفر
والاندحار وبين أن تبقى الأمة
العربية بعد هذه التجربة أو لا
تبقى على الإطلاق أو يصبح
وجودها ذليلة مستعبدة أعدم سواء
بسواء 0 إن
الحركة الصهيونية التي تقوم على
التوراة والتلمود وتوحد يهود
العالم تحت حائط المبكى ومدينة
داود لا يمكن أن تواجهها إلا أمة
إسلامية متماسكة تمشى بينها
آيات القرآن وتحركها سيرة محمد
وبطولات الصحابة والتابعين
وترتبط بأرض الإسراء والمعراج
ارتباط عقيدة وإيمان وترى الموت
دفاعا عنها أقرب سبيل إلى الجنة
والرضوان عقيدة تجعل الملمين
حكاما وشعوبا يدركون معنى الآية
الكريمة التي جعلها الإخوان
المسلمون شعارا لهم { وأعدوا لهم
ما استطعتم من قوة ومن رباط
الخيل ترهبون به عدو الله
وعدوكم } ويجعلون منها واقعا حيا
ملموسا ى إعداد الأمة كلها شيبا
وشبابا لقتال العدو وتسخير
أموال الشعب في التماس أسباب
القوة الرادعة في مجالات
التسليح والتدريب حتى يصبح
الوطن قلعة عنده أساسها الإيمان
والعقيدة ولحمته الرجولة
والتضحية وغطاؤها أقوى ما وصل
إليه العقل البشرى من وسائل
الإعداد وفنون القتال وهذه
الصورة التي يرسمها القرآن
الكريم للأمة الإسلامية
المجاهدة هي لعمري الصورة
الوحيدة لأي أمة تريد أن تبقى
حرة كريمة في العالم يموج
بتيارات الشر والاعتداء
والتوسع على حساب الضعفاء 0 وهذه
الصورة هي التي يريدها الإخوان
المسلمون للأمة العربية ولا
يريدون لها بدلا وهذا هو السبب
في صدامهم دوما مع الحكومات
المصرية المتتابعة التي لا يؤمن
إلابكراسي الحكم والثراء
الحرام 0 ومن هنا
نود أن نكرر أن تسجيلنا لجهاد
الإخوان المسلمين في فلسطين لم
يكن مجرد امتداح للجماعة أو
تغنيا بأمجاد فئة معينة وإنما
كان إلى جانب الاعتراف بالفضل
محاولة لإبراز هذا الدرس العملي
الملموس ووضعه أما المسلمين
حكاما وشعوبا وهم يدعون أنهم
بسبيل الاستفادة من دروس النكبة
وعبرها المريرة لبناء قوى رادعة
تسمح العار وتنقذ الديار لعله
يرشدهم إلى الاتجاه الصحيح
لإقامة مجتمعات منيعة وجيوش
صلبة إن ما أردنا أن نصل إليه هو
أن نقول لهم جميعا إن الإسلام
بمفهومه الواسع الصحيح هو الرد
على الصهيونية المعتدية فإما أن
تسلكوا سبيله أو تنظروا المزيد
من الكوارث والنكبات فهل يسمعون
أم تغلبهم النزعات الشخصية
والضغوط الأجنبية ؟ هذا ما
ستجيب عنه الأيام ؟!!0 بعد
النكبـة نعود
الآن لنتساءل إذا كانت الجولة
الأولى من حرب فلسطين قد انتهت
فهل يعنى ذلك نهاية القضية
الفلسطينية ؟ وهل أشرفت الشعوب
العربية والإسلامية على سلم
دائم طويل ؟ وهل يمكن أ، نكتب
خاتمة هذا الكتاب ونحن مطمئنون
أننا نسجل الحوادث من بدايتها
إلى نهايتها ؟0 الواقع
أن كل الدلائل تشير إلى أن الحرب
لم تنته وكل ما حدث في الماضي
ويقع اليوم يمهد لمواصلتها
ويدفع بنا قدما للسير في طريقها
وإن الجولة التي أجملنا وقائعها
في هذا الكتاب لا تعدو أن تكون
تمهيدا لحرب طويلة المدى مجهولة
النتائج فأي أوضاع خلقتها هذه
الجولة ؟ وأين نحن الآن بعد أن
توقفت العمليات الحربية إلى
هدنة مسلحة ؟0 دعونا
نجوس خلال الأرض المقدسة وتحسس
طريقنا وسط الخرائب والأنقاض
لنرى الأوضاع الجديدة التي
خلفتها الحرب الفلسطينية إننا
سنجد أنفسنا أمام حقائق لا عهد
لنا بها من قبل ولا مفر من
مواجهتها بعزم وصراحة 0 أما هذه
الحقائق فهي أولا: قيام دولة
إسرائيل ثانيا: تشريد الشعب
الفلسطيني 0 1-
إسرائيل : وصلت
السياسة الاستعمارية لأبعد
غاياتها فقامت دولة (إسرائيل)
وتكون السرطان الخطير في
أدقأجزاء الوطن العربي بعد أن
هيأت بريطانيا له وسائل التكوين
وتركته ينمو ويتوسع ويمتلئ
بإفرازات السم والدمار وبات
واضحا أن الأمم العربية
والإسلامية إن لم تسارع بفضه
والقضاء عليه فإن الجسم كله
سيتسمم ويذل ويسرع نحو خاتمته
الرهيبة 0 ويجب أن
تعلم أن إسرائيل الحاضرة في نظر
اليهود لا تزيد على كونها نقطة
ارتكاز تحشد فيها قواتهم
وأموالهم حتى إذا اكتمل لهم ما
يريدون من قوة تدفقت أمواجهم في
زحف رهيب لتغمر الأرض الموعودة
حيث إمبراطورية إسرائيل التي
تمتد من الفرات إلى النيل 000
وإلا ففي هذا الإعداد الهائل
الذي تموج به أرض إٍسرائيل ؟ وفي
هذا الجهاز العسكري الجبار الذي
يستهلك وحده ثلث ميزانية
الدولة؟ وكأن الحرب في نظرهم قد
أصبحت على الأبواب؟ قد يقول
قائل : إن إسرائيل مضطرة لإعداد
نفسها وهي تشعر أنها تقع في محيط
يبغضها ويتحين الرص للانقضاض
عليها 0 ولكن
ينسى هؤلاء أن إسرائيل مطمئنة
لسلامتها في حدودها الراهنة
مطمئنة وهي ترى ما عليه
الولاياتالعربية من ضعف
وانحلال ومطمئنة وهي تشعرأن
بريطانيا وأمريكا تقفان في صفها
وتؤيدانها بكل ما تملكان حتى
سمعنا وزيرا أمريكيا
مسئولايقول منذ أيام (( يجب أن
تعلم الدول العربية أن إسرائيل
خلقت لتعيش )) ولقد بلغ من
اطمئنانها لهذه السلامة أنها
تفرض آراءها على الدول العربية
وتوجه لها اللطمات
القاسيةواحدة تلو الأخرى دون أن
تجرؤ إحداها على مجابهة العدوان
أو على الأقل التظاهر بنيتها في
مجابهة العدوان 0 وإذن
فما الذي يدفع إسرائيل لتوجيه
همها لشئون الجيش والدفاع ؟ ليس
من شك أن ذلك الإعداد يقوم
لمواصلة العمل من جديد واقتناص
الفرص المناسبة لمغالبة العرب
على بعض ما في أيديهم وإسرائيل
تخشى أن تتغلب حركات الإصلاح في
الدول العربية فتفيق من غشيتها
وتحطم طواغيت الحكم التي تقف في
طريقها وتمنعها من مواصلة
التقدم فلا تستطيع أن تنال منها
كسبا جديدا 0 والاستعمار
حين احتضن الفكرة الصهيونية
وهيأ لها الوسائل لتنجح وتنتصر
كان يسلم بمطالبها كلها ويؤمن
بالبرنامج الذي تسعى لتحقيقه
وإن كان قد نجح في انتزاع جزء من
فلسطين فمما لاشك فيه أنه يواصل
السعي من جديد ليسلم بقية
البضاعة ويصل بالفكرة إلى آخر
مراحلها المبتغاة إسرائيل
اليوم تموج بجيش صهيوني كبير
والإعداد قائم فيها على قدم
وساق وهذا الجيش ليس في الواقع
إلا وحدة من جيشها الكبير الذي
يتغلغل في الدول العربية ويسيطر
على كثير من منابع الثروة فيها
ويرصد حركاتها وسكناتها وفيه
مجندون ومتطوعون من باشوات
العرب وكبراءهم ممن يتعاونون مع
اليهود ويعملون في شركاتهم
ومؤسساتهم ويساهمون في المعركة
المحتدمة بجهد مقصود وغير مقصود
0 ولقد
حدثني أحد ضباط المخابرات أخيرا
أن الحكومة الإسرائيلية قد
افتتحت مدرسة في إحدى
المستعمرات الواقعة حول تل أبيب
لتدريب الشباب اليهودي الذي
يعيش في الدول العربية على عمال
الجاسوسة والتدمير وأن كثيرا من
اليهود المصريين والسوريين
ينزحون إلى هذه المدرسة بطرق
مختلفة حيث يتلقون دروسهم في
الجاسوسية وأعمال التخريب ثم
يعودون إلى ((أوطانهم)) مصر أو
سوريا وينتظمون في الجيش
اليهودي السري حين تحين الفرصة
المنشودة لتطبيق ما تعلموه 0 هذا
الجيش الداخلي يزيد في خطورته
على قوات إسرائيل العسكرية لأنه
موجود في بلادنا ويتزيا بزينا
ويتحدث بلغتنا وينتظر القوت
المعلوم ليؤدى فيه دوره المرسوم
0 وحتى
الدول العربية التي كتب الله
لها السلامة وطهر أرضها من هذا
الرجس الوبيل تحاول اليهودية
الدولية أن تدخل إليها بعض
فرادها هذا الجيش الخطير ولقد
حدثني زعيم عربي كبير له مكانته
وإلمامه أن اليهود كانوا لا
يزالون يلحون على حكومة أمريكا
ويوسطونها لدى الملك عبد العزيز
بن سعود ليسمح لعدد من
المهاجرين المشردين بدخول أرض
الجزيرة العربية وليعودوا إلى
القرى التي طردهم منها نبي
الإسلام منذ أربعة عشر قرنا من
الزمان وقد كانت هذه المساومة
العجيبة على رأس الأمور التي
أثارها الرئيس الأمريكي الراحل
(روزفلت) مع الملك عبد العزيز
حين اجتمع به على أرض مصر في
نهاية الحرب العالمية الأخيرة
ولكن الملك السعودي رفض هذا
العرض رفضا باتا 0 هل
فهمتم يا شباب الإسلام؟ وهل
أدركتم حقيقة هل
فهمتم يا شباب الإسلام؟ ولم
يقلل من هذه الحقيقة أن صحفنا
كانت تضيف إليها لقب ((المزعومة)
كلما تحدثت عنها وإسرائيل تستعد
وتهيئ نفسها لعدوان جديد ولن
يقلل من هذا الخطر أو يهون من
شأنه ما يردده الحالمون
الخياليون عن الضائقة
الاقتصادية فيها وعن رغبتها
الأكيدة في السلام 0 وإذا
كانت هذه هي إسرائيل وتلك حقيقة
الخطر الذي يتحفز أمامنا فماذا
أعددنا لمجابهته ووقفه عند حده؟
إن
علينا أولا أن نعرف أبعاد الخطر
الذي يمثله الوجود الصهيوني في
فلسطين على حاضر أمتنا
ومستقبلها وأن ندرك أنه لن يكون
هناك سلام أو استقرار لهذه
المنطقة من العالم مادام هذا
الكيان العدواني باقيا
ومعرفتنا بحدود الخطر وروافده
المحلية والدولية وأثره الهدام
على كياننا يجب أن يدفعنا إلى
إعادة النظر في أوضاعنا
السياسية والاجتماعية
والعسكرية من أساسها وتنظيم
حياتنا كلها تنظيما يكفل
الاستمرار في حرب طويلة الأمد
قد تمتد مائة عام وليسلنا من
سبيل سواها لأن التسليم بواقع
إٍسرائيل في أي نطاق وعلى أي
صورة لن يعنى على المدى الطويل
إلا خضوع الشعب العربي لاستعمار
صهيوني جديد 0 يجب أن
ينطلق تفكيرنا دوما من الحرب
الطويلة مع إسرائيل وأن تخضع
جميع الاعتبارات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية لهذه
القاعدة الأساسية وأن نعود
أنفسنا وشعوبنا على تحمل ما
تعنيه هذه السياسة من تقشف
وخشونة حتى نكون على استعداد
دائم لتقبلها والالتزام
بتبعاتها ونظرية الحرب الطويلة
مع إٍسرائيل تحتم أيضا إنهاء
المنازعات العربية ومعالجة
الأسباب التي تؤدى إليها بروح
أخوية تستشعر خطورة القضية
وآثارها التاريخية على الشعوب
العربية والإسلامية والانتقال
بعد ذلك إلى مرحلة عملية من
التعاون العربي القائم على
الثقة والمحبة لتسخير جميع
الموارد والطاقات لتقوية
الجبهة الموحدة أمام الخطر
المشترك 0 ويقتضي
الحرص على معرفة العدو
والاستعداد لمقاومته على أسس
سليمة راسخة أن يعكف خبراؤنا
العسكريون والسياسيون على
استخلاص العبر والدروس من
المرحلة الماضية التي بدأت بوعد
بلفور وانتهت بقيام إسرائيل
لنعرف على وجه التحديد أين كانت
أخطاؤنا وهفواتنا وكيف كان من
الممكن أن نتفادى تلك الأخطاء
والهفوات وفي الحديث عن عيوب
العمل السياسي والعسكري في
الجبهة العربية يمكن أن يقال
الكثير كما يمكن أن تتعدد
الآراء والنظريات وهو موضوع
واسع كثير الجوانب وليس محله 0 هذه
المذكرات ولكن يجب أن تشكل
اللجان العلمية والعسكرية تحت
إشراف الجامعة العربية أو
الحكومات المعنية لدراسة
النكبة وتاريخها وعواملها كما
يجب أن تعنى المؤسسات العلمية
والعسكرية في البلاد العربية
بهذه القضية لا لتتلاوم من
حولها ولا لتبحث عن ((كباش
الفداء)) لتعلق التهمة في
أعناقها ولكن لتحدد طريق العمل
الجدي من أجل إزالتها وتخليص
العالم العربي الإسلامي من
شرورها وويلاتها 0 إن قيام
إسرائيل على أشلاء الشعب العربي
الفلسطيني قد فتح بابا لصراع
طويل شاق بين حضارتين واقعتين
لابد أن تستحق إحداهما الأخرى
صراع لا مجال فيه لأنصاف الحلول
أو التسويات المبتورة ومن الخير
للعرب والمسلمين أن يدركوا هذه
الحقيقة وأن يوطنوا النفس على
قبول التحدي وخوض المعركة
بإيمان وثبات فهل يفعلون؟ 0 2-
اللاجئون العرب نحن
أمام شعب محطم مكدود أكلته
الحرب وقذفت به أمواجها العاتية
زبدا رابيا على شواطئها السحيقة
شعب ساهم العالم المتحضر كلهفي
تحطيمه وتشييع جنازته وساهمت
الجامعة العربية وحكوماتها
بالنصيب الأوفر في ذلك 0 والحق
أنني أحس بنقمة شديدة على هذه
الجامعة العربية ولست أشك في
أنالقارئ يحس بما أحس به كلما
ذكرت محنة فلسطين وحالة شعبها
البائس ولا أمر على معسكرات
اللاجئين وتصافح عيني صور البؤس
والفاقة التي ارتسمت على وجوه
سكانها حتى أصب اللعنات على
أولئك الذين ساهموا في تنفيذ
هذه المؤامرة الدامية ولا أنسى
إذا لعنت اليهود مرة أن ألعن
الإنجليز مرتين ثم ألعن الجامعة
وحكوماتها ألف مرة ذلك لأن
اليهود كانوا يعملون لمصحتهم
وينفذون فكرة آمنوا بها وسعوا
إلى تحقيقهاوالإنجليز حينما
أقاموا (( إسرائيل)) لم يقيموها
حباً في اليهود وسواد عيونهم
ولكن حبا في إمبراطوريتهم
وتمشيا مع مصالحها التي تفرض
إيجاد ((توازن)) في الشرق العربي
يضمن لبريطانيا البقاء في ربوعه
0 ولكن أي
عذر نلتمسه لزعماء العرب ورؤساء
حكوماتهم وقد وقفوا من القضية
موقفا متداعيا حتى كبر الخطر
واستحال التغلب عليه وأي عذر
لهم اليوم بعد أن وقعت الهزيمة
وبدأ العدو يتحفز لوثبة أخرى
وهم لا يزالون يجتمعون ويقررون
ولاهم لهم إلا القضاء على
شعوبهم وكبت كل حركة قوية تظهر
فيها وكأنهم قد رضوا بالأمر
الواقع ولم يبق إلا أن يتبادلوا
التمثيل السياسي مع إسرائيل !000 هذا
الشعب فقد أرضه ووطنه وفقد
معهما كرامته ومعنوياته ولا
يزال الأوضاع الحاضرة تعمل
عملها لتقتل في نفسه كل دوافع
يدفعه لمواصلة الكفاح وأصبح
هدفه كله أن يحصل على لقمة الخبز
اليسيرة وحتى هذه اللقمة
التافهة التي تلقى إليه في
المعسكرات يتناولها من يد أعداء
أمته وكأن العرب والمسلمين قد
طواهم الموت وغيبتهم ظلمات
القبور 0 كنت
أسمع من كثير من اللاجئين
لأستطيع أن أجيب عنه ((أين العرب
وأين المسلمون ؟ أهذه هي حقوق
الجيرة والقرابة والدين ؟ أنترك
هكذا نموت جوعا ولا نجد العون
إلا من أمريكا وهيئة الأمم ))؟
إني أعلم أن حكوماتنا ((الرشيدة))
تساهم في إغاثة اللاجئين عن
طريق هيئة الأمم وذلك هو الغباء
المطلق فالوضع الصحيح أن تساهم
معنا الحكومات الأجنبية في
إغاثة اللاجئين وتقدم لنا ما
تستطيع المساهمة به ونقوم نحن
بتوزيعه أبنائنا وإخواننا أما
أن تعكس الآية فنساهم نحن
بالنصيب الأكبر ونغيث إخواننا
عن الطريق الهيئة ليقوم بتوزيع
المواد على اللاجئين مندوبون من
جميع الدول والأجناس إلا الدول
الإسلامية والجنس العربي فهذا
ما لا تفهمه ولا نستسيغه . في
معسكرات اللاجئين اليوم القوة
المعطلة مئات من الشباب يتسكعون
على المقاهي والطرقات وينتظرون
اليوم الذي ينطلقون فيه لتطهير
أرضهم ولا ينقصهم إلا قيادة
مخلصة تسوى صفوفهم وتسلك بهم
طريق الكفاح الشاق . ولكن
السياسة المتخاذلة التي لعبت
دورها في الوصول بهم إلى هذه
الحالة لا تزال تلاحقهم ولا
تزال مخالبها المخضبة تلتف حول
أعناقهم وتعوقهم عن الحركة
والتفكير والأغلال التي
استدارت حول أرجلهم منذ كان في
فلسطين استعمار لا تزال الأغلال
التي تكبلهم عن العمل وتقعدهم
عن الكفاح. وكيف لا
يكونون كذلك وزمام أمرهم في يد
الحكومات العربية و الحكومات
الداخلية التي بداخلها
الاستعمار ما يشغلها عن التفكير
في فلسطين ووضع الوسائل العملية
لاستردادها . ألست
ترى أن المحادثات والمفاوضات
تدور اليوم حول مشكلة اللاجئين
وطريقة إغاثتهم وتهيئة سكن
مستقر بهم ؟ أما القضية فلسطين
نفسها وقضية الوطن المباح
والكرمة المهدرة والإسلام
الذبيح تحت أقدام اليهودفهذه
كلها أهداف وآمال تدور في عقول
الخياليين الواهمين من أمثالنا
ممن يبتعدون عن الواقع ولا
يفكرون إلا بالعقول التي أراد
لنا المستعمر أن نفكر بها وحتى
قضية اللاجئين التافهة على ما
فيها من وضوح لا تحتمل معه كل
هذا الشد والجذب يحاول
الاستعمار أن يحلها على حساب
العرب أنفسهم دون أن تتحمل
إسرائيل شيئا في حلها فتارة
يقترحون نقلهم إلى ((سيناء))
وتارة يقترحون نقلهم إلى ((برقة))
والزعماء العرب يصرفون مقالات
المديح في ساسة أمريكا
وبريطانيا الذين يشغلون أنفسهم
بهذه القضية الإنسانية أما
إرجاع اللاجئين إلى وطنهم
الأصلي حيث ولد آباؤهم وأجدادهم
وحيث لا تزال دورهم وأمتعتهم في
انتظارهم فهو مالا يسمح به
المستعمرون وهو مالا يدور
إطلاقا في عقل الزعماء الأمجاد
!0 إن دل
الاستعمار تريد أن تحل مشكلة
اللاجئين لا رحمة باللاجئين
أنفسهم لا إشفاقا على وجه
الإنسانية الصبوح أن تشوهه
المآسي ولكن إشفاقا علىإسرائيل
نفسها لآن ببقاء اللاجئين على
وضعهم الحالي يشعر إسرائيل أن
القضية لم تنته ويجعلها في قلق
دائم لا تستطيع معه أن تباشر
الإعداد والإنشاء في جو هادئ
مستقر إذن فلا بد من ((التصفية))
على أن تكون تصفية يتحملها
العرب أنفسهم ولا تتنازل ((إسرائيل))
فيها عن شبر من الأرض التي
اغتصبتها ولا تنفق مليما واحدا
من المال الذي تجمعه لتنفذ به
برامجها الواسعة ولا يمكنها أن
تنفق منه على هذه التفاهات
الصغيرة 00 تلك هي
السياسة التي ترسمها دول
الاستعمار لحل مشكلة اللاجئين
ومن هنا تقترح إسكانهم في ((برقة))
وإسكانهم في صحراء ((الأردن ))
وإسكانهم في سيناء 0 إن حل
مشكلة اللاجئين في أيدينا ولن
تحل قضيتهم إلا بالرجوع
لأوطانهم وخروج اليهود منها لن
يعدا إليها بالمحادثات
المفاوضات لن يترك اليهودي أرضا
غنمها بالسلاح إلا تحت ضغط
القوة المسلحة هذا هو الطريق
فاسلكوه ولا تضيعوا الوقت {
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة }
ولا تغرروا بالجماهير البائسة
فالقضية لا تحتمل كل هذه
السياسة وهي أما قتال سريع أو
موت بطئ وذل دائم 0 يتبع ---------------------- الكتب
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |